الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويمكن أن يجاب عن هذا القياس:
أولا: بأنه قياس مع الفارق، وقد بين ذلك الإمام مالك رحمه الله فقال: وإنما فرق بين القسامة في الدم والأيمان في الحقوق: أن الرجل إذا داين الرجل استثبت عليه حقه وأن الرجل إذا أراد قتل الرجل لم يقتله في جماعة من الناس وإنما يلتمس الخلوة. قال: فلو لم تكن القسامة إلا فيما تثبت فيه البينة ولو عمل فيها كما يعمل في الحقوق هلكت الدماء واجترأ الناس عليها إذا عرفوا القضاء فيها، ولكن إنما جعلت القسامة إلى ولاة المقتول يبدءون فيها ليكف الناس عن القتل، وليحذر القاتل أن يؤخذ في مثل ذلك بقول المقتول (1) .
وثانيا: أنه قياس مع النص والقياس مع النص لا يصح والنص ما ورد من الأدلة الصحيحة على البدء بالمدعين.
(1)[الموطأ على المنتقى](7\ 61)
السادس: ذكر خلاف العلماء فيمن يحلف أيمان القسامة ومستند كل مع المناقشة، وهل ترد الأيمان إذا نقص العدد أم لا؟
1 -
من يحلف من المدعين:
اختلف أهل العلم في ذلك:
فمنهم: من رأى أن الوارث هو الذي يقسم.
ومنهم: من رأى أن العصبة هم الذين يقسمون.
فمن القائلين: بأن الورثة هم الذين يقسمون الإمام الشافعي رحمه الله وهي إحدى الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله.
وفيما يلي ذكر بعض ما قالوه في ذلك مع الأدلة والمناقشة:
1 -
قال الشافعي رحمه الله تحت ترجمة: (من يقسم فيه ويقسم عليه) قال: يحلف في القسامة الوارث البالغ غير المغلوب على عقله من كان منهم مسلما أو كافرا عدلا أو غير عدل ومحجور عليه، والقسامة في المسلمين على المشركين والمشركين على المسلمين والمشركين فيما بينهم مثلها على المسلمين لا تختلف؛ لأن كلا ولي دمه، ووارث دية المقتول وماله، إلا أنا لا نقبل شهادة مشرك على مسلم، ولا نستدل بقوله بحال؛ لأن من حكم الإسلام إبطال أخذ الحقوق بشهادة المشركين.
وقال الشافعي أيضا تحت ترجمة: (الورثة يقسمون) : وإذا قتل الرجل فوجبت فيه القسامة لم يكن لأحد أن يقسم عليه إلا أن يكون وارثا، كان قتله عمدا أو خطأ، وذلك أنه لا تملك النفس بالقسامة إلا دية المقتول ولا يملك دية المقتول إلا وارث، فلا يجوز أن يقسم على مال يستحق إلا من له المال بنفسه أو من جعل الله تعالى له المال من الورثة.
وقال الشافعي: ولو وجبت في رجل القسامة وعليه دين وله وصايا فامتنع الورثة من القسامة، فسأل أهل الدين أو الموصى لهم أن يقسموا لم يكن ذلك لهم، وذلك أنهم ليسوا المجني عليه الذي وجب له على الجانين المال، ولا الورثة الذين أقامهم الله تعالى مقام الميت في ماله بقدر ما فرض له منه.
وقال الشافعي: ولو ترك القتيل وارثين فأقسم أحدهما فاستحق به نصف الدية أخذها الغرماء من يده، فإن فضل منها فضل أخذ أهل الوصايا ثلثها من يده، ولم يكن لهم أن يقسموا ويأخذوا النصف الآخر، فإن أقسم
الوارث الآخر أخذ الغرماء من يده ما في يده حتى يستوفوا ديونهم، وإن استوفوها أخذ أهل الوصايا الثلث مما في يده، وإن كان للغرماء مائة دينار فاستوفوها من نصف الدية الذي وجب للذي أقسم أولا ثم أقسم الآخر رجع الأول على الآخر بخمسين دينارا ولا يرجع عليه في الوصايا؛ لأن أهل الوصايا إنما يأخذون منه ثلث ما في يده لا كله كما يأخذه الغرماء.
قال الشافعي: ولا يقسم ذو قرابة ليس بوارث ولا ولي يتيم من ولد الميت حتى يبلغ اليتيم، فإن مات اليتيم قام ورثته في ذلك مقامه، وإن طلب ذو قرابة وهو غير وارث القتيل: أن يقسم جميع القسامة لم يكن ذلك له فإن مات ابن القتيل أو زوجة له، أو أم، أو جدة فورثه ذو القرابة كان له أن يقسم؛ لأنه صار وارثا (1) .
وقد أورد الشافعي رحمه الله تعالى اعتراضا على تخصيصه الوارث، وأجاب عنه:
قال الشافعي: فإن قال قائل: ففي حديث ابن أبي ليلى ذكر أخي المقتول ورجلين معه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: تحلفون وتستحقون فكيف لا يحلف إلا وارث؟ قلت: قد يمكن أن يكون قال ذلك لوارث المقتول هو وغيره، ويمكن أن يكون قال ذلك لوارثه وحده: تحلفون لواحد، أو قال ذلك لجماعتهم يعني به: يحلف الورثة أن كان مع أخيه الذي حكى أنه حضر النبي صلى الله عليه وسلم وارث غيره، أو كان أخوه غير وارث له، وهو يعني بذلك: الورثة.
فإن قال قائل: ما الدلالة على هذا؟ فإن جميع حكم الله وسنن رسول الله
(1)[الأم](6\ 80)
صلى الله عليه وسلم فيما سوى القسامة أن يمين المرء لا تكون إلا فيما يدفع بها الرجل عن نفسه، كما يدفع قاذف امرأته الحد عن نفسه وينفي بها الولد، وكما يدفع بها الحق عن نفسه والحد من غيره، وفيما يأخذ بها الرجل مع شاهد ويدعي المال فينكل المدعى عليه، وترد عليه اليمين، فيأخذ بيمينه، ونكول صاحبه ما ادعى عليه، لا أن الرجل يحلف فيبرأ غيره، ولا يحلف فيملك غيره بيمينه شيئا، فلما لم يكن في الحديث بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بها لغير وارث ويستحق بها الوارث لم يجز فيها- والله أعلم- إلا تكون في معاني ما حكم الله عز وجل من الأيمان ثم رسوله صلى الله عليه وسلم ثم المسلمون من أنه لا يملك أحد بيمين غيره شيئا.
قال الشافعي رحمه الله تعالى: ولا يجب على أحد حق في القسامة حتى تكمل أيمان الورثة خمسين يمينا، وسواء كثر الورثة أو قلوا، وإذا مات الميت وترك وارثا واحدا أقسم خمسين يمينا واستحق الدية، وإن ترك وارثين أو أكثر فكان أحدهما صغيرا أو غائبا أو مغلوبا على عقله، أو حاضرا بالغا فلم يحلف فأراد أحدهما اليمين- لم يحبس على غائب ولا صغير، ولم يبطل حقه من ميراثه من دمه بامتناع غيره من اليمين ولا إكذابه دعوى أخيه ولا صغره، وقيل للذي يريد اليمين: أنت لا تستوجب شيئا من الدية على المدعى عليهم ولا على عواقلهم إلا بخمسين يمينا، فإن شئت أن تعجل فتحلف خمسين يمينا وتأخذ نصيبك من الميراث لا يزاد عليه قبلت منك، وإن امتنعت فدع هذا حتى يحضر معك وارث تقبل يمينه فتحلفان خمسين يمينا أو ورثته فتكمل أيمانكم خمسين يمينا، كل رجل منكم بقدر ما يجب عليه من الأيمان أو أكثر، ولا يجوز أن يزاد على وارث
في الأيمان على قدر حصته من الميراث إلا في موضعين:
أحدهما: ما وصفت من أن يغيب وارث أو يصغر أو ينكل فيريد أحد الورثة اليمين فلا يأخذ حقه إلا بكمال خمسين يمينا، فيزاد عليه في الأيمان في هذا الموضع، ولا يجبر على الأيمان، أو يدع الميت ثلاثة بنين فتكون حصة كل واحد منهم سبعة عشر يمينا إلا ثلث يمين فلا يجوز في اليمين كسر، ولا يجوز أن يحلف واحد ستة عشر يمينا وعليه ثلثا يمين، ويحلف آخر سبعة عشر (1) ، ولا سبعة عشرة زيادة، ويحلف كل واحد منهم سبع عشرة يمينا، فيكون عليهم زيادة يمين بينهم، وهكذا من وقع عليه أو له كسر يمين جبرها.
وإن لم يدع القتيل وارثا إلا ابنه أو أباه أو أخاه أجزأه أن يحلف خمسين يمينا؛ لأنه مالك المال كله، وكل من ملك شيئا حلف عليه، وهكذا لو لم يدع إلا ابنته وهي مولاته حلفت خمسين يمينا، وأخذت الكل: النصف بالنسب، والنصف بالولاء، وهكذا لو لم يدع إلا زوجته وهي مولاته، وإذا ترك أكثر من خمسين وارثا سواء في ميراثه كأنهم بنون معا أو إخوة معا أو عصبة في القعدد إليه سواء، حلف كل واحد منهم يمينا وإن جازوا خمسين أضعافا؛ لأنه لا يأخذ أحد مالا بغير بينة ولا إقرار من المدعى عليه بلا يمين منه، ولا يملك أحد بيمين غيره شيئا، ولو كانت فيهم زوجة فورثت الربع أو الثمن حلفت ربع الأيمان ثلاثة عشر يمينا، يزاد عليها كسر
(1) قوله: (ولا سبعة عشر) إلخ كذا في الأصل.
يمين أو ثمن الأيمان سبعة أيمان يزاد عليها كسر يمين، لما وصفت من أنه لا يجوز إذا كان على وارث كسر يمين إلا أن يأتي بيمين تامة (1) .
2 -
قال ابن قدامة: والرواية الثانية: لا يقسم إلا الوارث، وتفرض الأيمان على ورثة المقتول دون غيرهم على حسب مواريثهم، هذا ظاهر قول الخرقي، واختيار أبي حامد، وقول الشافعي. فعلى هذه الرواية تقسم بين الورثة من الرجال من ذوي الفروض والعصبات على قدر إرثهم، فإن انقسمت من غير كسر، مثل: أن يخلف المقتول اثنين أو أخا وزوجا حلف كل واحد منهم خمسة وعشرين يمينا، وإن كانوا ثلاثة بنين، أو جدا وأخوين جبر الكسر عليهم، فحلف كل واحد منهم سبعة عشر يمينا؛ لأن تكميل الخمسين واجب، ولا يمكن تبعيض اليمين، ولا حمل بعضهم لها عن بعض، فوجب تكميل اليمين المنكسرة في حق كل واحد منهم، وإن خلف أخا من أب وأخا من أم، فعلى الأخ من الأم سدس الأيمان، ثم يجبر الكسر، فيكون عليه تسع أيمان، وعلى الأخ من الأب اثنان وأربعون، وهذا أحد قولي الشافعي، وقال في الآخر: يحلف كل واحد من المدعين خمسين يمينا، سواء تساووا في الميراث أو اختلفوا فيه؛ لأن ما حلفه الواحد إذا انفرد حلفه كل واحد من الجماعة كاليمين الواحدة في سائر الدعاوى، وعن مالك أنه قال: ينظر إلى من عليه أكثر اليمين فيجبر عليه ويسقط الآخر.
ولنا على أن الخمسين تقسم بينهم قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: «تحلفون خمسين يمينا وتستحقون دم صاحبكم (2) » .
(1)[الأم](6\ 80- 82)
(2)
صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن الترمذي الديات (1422) ، سنن النسائي القسامة (4712) ، مسند أحمد بن حنبل (4/3) ، موطأ مالك القسامة (1631) ، سنن الدارمي الديات (2353) .
وأكثر ما روي عنه في الأيمان خمسون، ولو حلف كل واحد خمسين لكانت مائة ومائتين، وهذا خلاف النص، ولأنها حجة للمدعين فلم تزد على ما يشرع في حق الواحد كالبينة.
ويفارق اليمين على المدعى عليه، فإنها ليست حجة للمدعي، ولأنها لم يمكن قسمتها فكملت في حق كل واحد؛ كاليمين المنكسرة في القسامة، فإنها تجبر وتكمل في حق كل واحد؛ لكونها لا تتبعض، وما لا يتبعض يكمل؛ كالطلاق، والعتاق.
وما ذكره مالك لا يصح؛ لأنه إسقاط لليمين عمن عليه بعضها، فلم يجز، كما لو تساوى الكسران، بأن يكون على كل واحد من الاثنين نصفها، أو على كل واحد من الثلاثة ثلثها، وبالقياس على من عليه أكثرها؛ ولأن اليمين في سائر الدعاوى تكمل في حق كل واحد، ويستوي من له في المدعي كثير وقليل، كذا هاهنا؛ ولأنه يفضي إلى أن يتحمل اليمين غير من وجبت عليه فلم يجز ذلك كاليمين الكاملة وكالجزء الأكثر (1) .
3 -
قال الخرقي: (وسواء كان المقتول مسلما أو كافرا، حرا أو عبدا، إذا كان المقتول يقتل به المدعى عليه إذا ثبت عليه القتل؛ لأن القسامة توجب القود إلا أن يحب الأولياء أخذ الدية) .
قال ابن قدامة: أما إذا كان المقتول مسلما حرا فليس فيه اختلاف، سواء كان المدعى عليه مسلما أو كافرا، فإن الأصل في القسامة قصة عبد الله بن سهل حين قتل بخيبر، فاتهم اليهود بقتله، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة.
(1) [المغني، (10\ 27، 28)(الطبعة المشتركة مع الشرح الكبير)
وأما إن كان المقتول كافرا أو عبدا، وكان قاتله ممن يجب عليه القصاص بقتله، وهو المماثل له في حاله- ففيه القسامة، وهذا قول الشافعي وأصحاب الرأي.
وقال الزهري والثوري ومالك والأوزاعي: لا قسامة في العبد؛ لأنه مال فلم تجب القسامة فيه، كقتل البهيمة. ولنا: أنه قتل موجب للقصاص، فأوجب القسامة كقتل الحر. وفارق البهيمة؛ فإنه لا قصاص فيها. ويقسم على العبد سيده؛ لأنه المستحق لدمه. وأم الولد والمدبر والمكاتب والمعلق عتقه بصفة، كالقن؛ لأن الرق ثابت فيهم، وإن كان القاتل ممن لا قصاص عليه كالمسلم يقتل كافرا، والحر يقتل عبدا- فلا قسامة فيه، في ظاهر قول الخرقي، وهو قول مالك؛ لأن القسامة إنما تكون فيما يوجب القود.
وقال القاضي: فيهما القسامة، وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي؛ لأنه قتل آدمي يوجب الكفارة فشرعت القسامة فيه كقتل الحر المسلم، ولأن ما كان حجة في قتل الحر المسلم كان حجة في قتل العبد الكافر كالبينة.
ولنا: أنه قتل لا يوجب القصاص، فأشبه قتل البهيمة، ولا يلزم من شرعها فيما يوجب القصاص شرعها مع عدمه، بدليل أن العبد إذا اتهم بقتل سيده شرعت القسامة إذا كان القتل موجبا للقصاص. ذكره القاضي؛ لأنه لا يجوز قتله قبل ذلك، ولو لم يكن موجبا للقصاص لم تشرع القسامة (1) .
ومن القائلين بأن العصبة هم الذين يحلفون: الإمام مالك رحمه الله، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.
(1)[المغني](8\ 504. 505)
وفيما يلي ذكر بعض ما قالوا في ذلك:
1 -
قال مالك رحمه الله: والقسامة تصير إلى عصبة المقتول وهم ولاة الدم الذين يقسمون عليه والذين يقتل بقسامتهم. وقال مالك أيضا: يحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا (1) .
وقال الباجي: قوله: (يحلف من ولاة الدم خمسون رجلا خمسين يمينا، يحتمل أن يريد إن كان الولاة أكثر من خمسين حلف خمسون، فتكون (من) للتبعيض، ويحتمل أن يريد به يحلف من هذا الجنس خمسون، فتكون (من) للجنس إذا كان ولاة الدم خمسين فلا خلاف أن جميعهم يحلف، وإن كانوا أكثر من خمسين فقد حكى القاضي أبو محمد في ذلك روايتين:
إحداهما: يحلف منهم خمسون خمسين يمينا.
والرواية الثمانية: يحلف جميعهم، والذي ذكر ابن عبدوس وابن المواز من رواية ابن القاسم وابن وهب عن مالك يحلف من الولاة خمسون، وقال المغيرة وأشهب وعبد الملك: وإن كانوا أكثر من خمسين وهم في العقد سواء، ففي [الموازية] كالإخوة وغيرهم فليس عليهم أن يحلف منهم إلا خمسون، وهذا المشهور من المذهب في كتب المغاربة من المالكيين، وإنما اختلفوا إذا كان الأولياء خمسين فأرادوا أن يحلف منهم رجلان خمسين يمينا، ففي [المجموعة] عن عبد الملك: لا يجزئهم ذلك، وهو كالنكول. وقال ابن المواز: ذهب ابن القاسم إلى أن يمين رجلين منهم خمسين يمينا يجزئ وينوب عمن بقي، قال محمد. وقول
(1)[الموطأ] وعليه [المنتقى](7\ 58)
ابن القاسم صواب؛ لأن أهل القسامة تجزئ أيمان بعضهم عن بعض، ولو لم يجوز ذلك لم يقل أشهب: إن كانوا ثلاثة يحلفون يمينا يمينا ثم يحلف عشرون منهم عشرين يمينا ولو كانوا مائة متساوين أجزأ يمين خمسين. قال: وأما إذا تشاح الأولياء ولم يرضوا أن يحمل بعضهم عن بعض- فلا بد من قول أشهب، وبه قال ابن القاسم.
فرع: وهذا إذا كان إمساك عن اليمين يحمل ذلك عنه، وأما أن امتنع عن اليمين فتسقط الدية. قاله ابن القاسم (1) .
قال الباجي: مسألة: ولا يحلف في القسامة على قتل العمد أقل من اثنين. قاله مالك في [المجموعة] و [الموازية]، قال ابن القاسم: كأنه من ناحية الشهادة، إذ لا يقتل بأقل من شاهدين. قال أشهب: وقد جعل الله لكل شهادة رجل في الزنا يمينا من الزوج في التعانه.
قال عبد الملك: ألا ترى أنه لا يحلف النساء في العمد؛ لأنهن لا يشهدن فيه، وإنما عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة والجماعة اثنان فصاعدا، قال الله تعالى:{فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (2)
وأصل هذا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للحارثيين: «أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم (3) » وإنما كان ولي الدم رجلا واحدا، وهو عبد الرحمن بن سهل أخو المقتول عبد الله بن سهل، وإنما كان حويصة ومحيصة ابني عم، فلما علق النبي صلى الله عليه وسلم الأيمان بجماعتهم، ولم يقصرها على ولي الدم كان الظاهر
(1)[المنتقى على الموطأ](7\ 58، 59)
(2)
سورة النساء الآية 11
(3)
صحيح البخاري الأحكام (7192) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1669) ، سنن أبو داود الديات (4521) ، سنن ابن ماجه الديات (2677) .
أنها لا تثبت إلا في حكم الجماعة، وأقل الجماعة اثنان، وقد نص عليه ابن الماجشون واحتج عليه بآية الميراث {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} (1) ولا خلاف أن الأخوين يحجبان الأم عن الثلث إلى السدس كما يفعل الثلاثة الإخوة، ولا يحجبها الأخ الواحد؛ لأن اسم الإخوة لا يتناوله.
فرق: والفرق بين ولاة القتيل لا يقسم منهم أقل من اثنين ويقسم من جنبة القاتل واحد وهو القاتل- أن جنبة القتيل إذا عدم منهم اثنان وبطلت القسامة في جنبته فرجعت في جنبة القاتل، فإن لم يكن معه من يحلف معه من جهتهم كان للطالب بالدم ما يرجع إليه وهو أيمان القاتل وأولياؤه ولو لم يقبل من القاتل، وقد يعدم أولياء يحلفون معه لم يكن له ما يرجع إليه في تبرئة نفسه (2) .
قال الباجي: مسألة: فإن كان ولاة الدم اثنين حلف كل رجل منهم خمسا وعشرين يمينا؛ وليس لأحدهما أن يتحمل عن صاحبه شيئا من الأيمان، قال ابن المواز عن ابن القاسم: ووجه ذلك: أنه لا يجوز أن يحلف أحد في العمد أكثر من خمس وعشرين يمينا، قال ابن المواز عن ابن الماجشون: ولهما أن يستعينا بمن أمكنهما من العصبة، ويبدأ بيمين الأقرب فالأقرب، يحلفون بقدر عددهم مع المعينين، فإن حلف الأولياء أكثر مما ينوبهم في العدد مع المعينين جاز ذلك، وإن حلف المعينون أكثر لم يجز ذلك، ووجه ذلك عندي: أنه نوع من النكول.
وأما إذا تساووا على حسب العدد أو كانت أيمان الولاة أكثر فإنها على وجه العون للولاة، ولو حلف أحد الوليين خمسا وعشرين، ثم استعان
(1) سورة النساء الآية 11
(2)
[المنتقى على الموطأ](7\ 59)
الآخر بأربعة وعشرين من العصبة لم يجزه أن يحلف إلا ثلاثة عشر يمينا؛ لأن المعينين تتوجه معونتهم إليه وإلى صاحبه كما لو حلفوا قبل أن يحلف الولي الأول.
قال الباجي: مسألة: فإن كان ولي الدم واحدا جاز له أن يستعين من العصبة بواحد وأكثر من ذلك ما بينه وبين خمسين رجلا.
والأصل في ذلك ما روى أبو قلابة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للحارثيين اللذين ادعيا على اليهود: أتحلفون وتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم (1) » فكان الظاهر أن هذا العدد لا يزاد عليه، لأن عدد الأنصار كان أكثر من ذلك، وتكون الأيمان بينهم على ما تقدم من التفسير.
وقال مالك: القسامة في قتل الخطأ يقسم الذين يدعون الدم، ويستحقون بقسامتهم يحلفون خمسين يمينا تكون على قسم مواريثهم من الدية، فإن كان في الأيمان كسور، وإذا قسمت بينهم نظر إلى الذي يكون عليه أكثر تلك الأيمان إذا قسمت فيجبر عليه تلك اليمين.
قال الباجي: وهذا على ما قال أن ولاة الدم الذين يدعون الدم يقسمون في قتل الخطأ مع الشاهد على القتل. قال أشهب: وكذلك إذا قال: دمي عند فلان قتلني خطأ. وقال عبد الملك: ويؤخذ في ذلك بشهادة النساء فيمن علم الناس بموته. وقال ابن المواز: اختلف قول مالك في القسامة على قول القتيل في الخطأ.
وقال عيسى بن دينار: أخبرني من أثق به أن قول مالك في الغريم لا يقسم في الخطأ بقول الميت، ثم رجع فقال: يقسم مع قوله، قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وجه القول الأولى أنه يتهم أن يريد غنى ولده وحرمة الدم أعظم.
(1) صحيح البخاري الديات (6899) .
ووجه القول الذي رجع إليه أنه معنى يوجب القسامة في العمد فأوجبها في الخطأ كالشاهد العدل.
(فرع) : فإذا قلنا: إنه يقسم مع قول القتيل فإنه يقسم مع قول المسخوط والرجال والنساء ما لم يكن صغيرا أو عبدا أو ذميا (1) .
قال الباجي: وقوله: (يحلفون خمسين يمينا) علق ذلك بالعدد؛ لأنها قسامة في دم فما اختصت بالخمسين كالعمد؛ ولهذا المعنى يبدأ فيها المدعون وتكون الأيمان على الورثة إن كانوا يحيطون بالميراث على قدر مواريثهم، فإن كان في الأيمان كسر فالقسامة على أكثرهم حظا منها، قاله مالك في [المجموعة] . قال عبد الملك. لا ينظر إلى كثرة ما عليه من الأيمان وإنما ينظر إلى تلك اليمين. قال ابن القاسم: إذا كان على أحدهم نصفها، وعلى الآخر ثلثها، وعلى الآخر سدسها- جبرت على صاحب النصف، وإن كان الوارث لا يحيط بالميراث فإنه لا يأخذ حصته من الدية حتى يحلف خمسين يمينا (2) .
قال مالك: فإن لم يكن للمقتول ورثة إلا النساء فإنهن يحلفن ويأخذن الدية، فإن لم يكن له وارث إلا رجل واحد حلف خمسين يمينا وأخذ الدية، وإنما يكون ذلك في قتل الخطأ ولا يكون في قتل العمد.
قال الباجي: وهذا على ما قال: أن حكم القسامة في قتل الخطأ غير حكمها في قتل العمد. . .؛ لأنها لما اختصت القسامة في الخطأ بالمال
(1)[المنتقى على الموطأ](7\ 63) . (2)
(2)
[المنتقى على الوطأ](7\ 63، 74)
كان ذلك للورثة رجالا كانوا أو نساء، قل عددهم أو كثر، ولا يحلف في ذلك إلا وارث، وأما قتل العمد فإن مقتضاه القصاص، وإنما يقوم به العصبة من الرجال، فلذلك تعلقت الأيمان بهم دون النساء (1) .
قال الأبي: (ع) : والأيمان في القسامة خمسون لا ينقص منها لنص الحديث يحلفها في الخطأ الورثة، فإن لم تكن إلا امرأة لم تأخذ فرضها حتى تحلف الخمسين، وكذلك إن لم تكن الورثة إلا نساء فإنهن لا يأخذن فرضهن حتى يحلفن الخمسين يمينا، وإن كانت الورثة جماعة وزعت الأيمان على قدر المواريث.
قال الأبي: قلت: وإنما وزعت كذلك؛ لأن الأيمان هي السبب في حصول الدية فتوزع كما توزع الدية، فإن انكسرت منها يمين أو أكثر فإن استوت الأجزاء أكملت اليمين على كل واحد من المنكسر عليهم، وإن اختلف كما لو كان الوارث ابنا فالمشهور: أنه إنما تكمل اليمين على صاحب الجزء الأكبر، وقيل: تكمل على كل واحد من المنكسر عليهم (2) .
قال الأبي: (ع) : فإن لم يحضر من الورثة إلا واحد وغاب الباقون لم يأخذ الحاضر نصيبه حتى يحلف الخمسين يمينا، فإذا قدم الغائب لم يأخذ حظه من الميراث حتى يحلف نصيبه من الأيمان، ولا يكتفي بحلف الحاضر (3) .
2 -
قال ابن قدامة: اختلفت الرواية عن أحمد فيمن تجب عليه أيمان
(1)[المنتقى على الموطأ](7\ 64)
(2)
[الأبي](4\ 395، 396) .
(3)
[الأبي](4\ 396)