الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن تركه عمدا حتى يموت فهو قاتل نفس، ولا معنى لقول أحمد رحمه الله: تدخل القابلة يدها فتخرجه، لوجهين:
أحدهما: أنه محال لا يمكن ولو فعل ذلك لمات الجنين بيقين قبل أن يخرج، ولولا دفع الطبيعة المخلوقة المقدرة له وجر، ليخرج لهلك بلا شك.
والثاني: أن مس فرجها لغير ضرورة حرام. اهـ.
قال الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على ذلك: أما إخراج الولد الحي من بطن الحامل إذا ماتت فإنه واجب، وأما كيف يخرج فهذا من شأن أهل هذه الصناعة من الأطباء والقوابل.
المسألة الثالثة: أكل المضطر لحم آدمي ميت إذا لم يجد شيئا غيره:
ثبت بالأدلة الصحيحة أن للمسلم ومن في حكمه حرمة، وأنه يجب تكريمه حيا وميتا، ومقتضى ذلك أنه لا يباح للمضطر أن يأكل من جسمه حيا ولا من جثته ميتا، ولو لم يجد غيره، ولو أدى ذلك إلى هلاكه؛ لما في ذلك من انتهاك حرمته لمصلحة غيره، وثبت بالأدلة الصحيحة أيضا أنه يجب على الإنسان أن يحافظ على حياته، حتى إنه يجوز له أن يأكل حال الضرورة ما هو محرم عليه حال عدمها من ميتة الأنعام والدم ولحم الخنزير. . . إلخ، بل يجب عليه أن يأكل من ذلك إذا خشي على نفسه الهلاك، ومقتضى ذلك أنه يجوز له أو يجب أن يأكل ميتة الآدمي إبقاء على
حياته، وعلى هذا نجد بين الأمرين تعارضا، وهو مثار الخلاف بين الفقهاء في حكم هذه المسألة، حيث منع بعضهم أكل المضطر من ميتة آدمي ولو كانت ميتة ذمي، ترجيحا لحرمة الميت وإعمالا لأدلتها، وأجاز آخرون له الأكل منها إذا لم يجد غيرها؛ إيثارا لحق الحي على حق الميت.
وتقدم ما يمكن أن يعتبر مرجحا لهذا الجانب.
وفيما يلي ذكر بعض أقوالهم في حكم المسألة، مع توجيه كل منهم لما ذهب إليه:(والنص عدم جواز أكله) ابن القصار: المضطر إلى أكل لحم الميتة لا يجد إلا لحم آدمي لا يأكله وإن خاف التلف، ابن رشد: الصحيح: أن الميت من بني آدم ليس بنجس. . . ثم قال: والميت من بني آدم لا يسمى ميتة، فليس برجس ولا نجس، ولا حرم أكله لنجاسته، وإنما حرم أكله إكراما له، ألا ترى أنه لما لم يسم ميتة لم يجز للمضطر أن يأكله بإباحة الله له أن أكل الميتة على الصحيح من الأقوال. (وصحح أكله) ابن عرفة تعقب عبد الحق قول ابن القصار: المضطر لا يأكل ميتة آدمي. اهـ المقصود منه (1) .
أ - وقال أحمد الدردير في الشرح الكبير على مختصر خليل: النص المعول عليه (عدم جواز أكله) أي: أكل الآدمي الميت ولو كافرا (لمضطر) ولو مسلما لم يجد غيره، إذ لا تنتهك حرمة مسلم لآخر (وصحح أكله) ابن عرفة: أي: صحح ابن عبد السلام القول بجواز أكله للمضطر (2) . اهـ.
(1)[مواهب الجليل لشرح مختصر خليل](3 \ 77) .
(2)
[حاشية الدسوقي على الشرح الكبير](1 \ 429) .
ب - وقال النووي في [الروضة] : ثبت المحرم الذي يضطر إلى تناوله قسمان: مسكر، وغيره، فيباح جميعه ما لم يكن فيه إتلاف معصوم، فيجوز للمضطر قتل الحربي والمرتد وأكله قطعا، وكذا الزاني المحصن، والمحارب، وتارك الصلاة على الأصح منهم. ولو كان له قصاص على غيره، ووجده في حالة اضطرار، فله قتله قصاصا وأكله، وإن لم يحضره السلطان، وأما المرأة الحربية وصبيان أهل الحرب ففي [التهذيب] : أنه لا يجوز قتلهم للأكل، وجوزه الإمام، والغزالي؛ لأنهم ليسوا بمعصومين، والمنع من قتلهم ليس لحرمة أرواحهم؛ ولهذا لا كفارة فيهم.
قلت: الأصح: قول الإمام، والله أعلم.
والذمي، والمعاهد، والمستأمن معصومون، فيحرم أكلهم، ولا يجوز للوالد قتل ولده للأكل، ولا للسيد قتل عبده، ولو لم يجد إلا آدميا معصوما ميتا، فالصحيح حل أكله، قال الشيخ إبراهيم المروذي إلا إذا كان الميت نبيا، فلا يجوز قطعا. قال في [الحاوي] : فإذا جوزنا لا يأكل منه إلا ما يسد الرمق؛ حفظا للحرمتين، قال: وليس له طبخه وشيه، بل يأكله نيئا؛ لأن الضرورة تندفع بذلك، وطبخه هتك لحرمته، فلا يجوز الإقدام عليه، بخلاف سائر الميتات، فإن للمضطر أكلها نيئة ومطبوخة، ولو كان المضطر ذميا، والميت مسلما، فهل له أكله؟
حكى فيه صاحب [التهذيب] وجهين.
قلت: القياس تحريمه، والله أعلم.
ولو وجد ميتة ولحم آدمي أكل الميتة وإن كانت لحم خنزير، وإن وجد المحرم صيدا ولحم آدمي أكل الصيد، ولو أراد المضطر أن يقطع قطعة من
فخذه أو غيرها ليأكلها، فإن كان الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو أشد حرم، وإلا جاز على الأصح، بشرط أن لا يجد غيره، فإن وجد حرم قطعا، ولا يجوز أن يقطع لنفسه من معصوم غيره قطعا، ولا للغير أن يقطع من نفسه للمضطر. اهـ (1) .
ج - وقال ابن قدامة في [المغني] : (فصل) : وإن لم يجد إلا آدميا محقون الدم لم يبح له قتله إجماعا ولا إتلاف عضو منه، مسلما كان أو كافرا؛ لأنه مثله، فلا يجوز أن يبقي نفسه بإتلافه، وهذا لا خلاف فيه، وإن كان مباح الدم كالحربي والمرتد فذكر القاضي أن له قتله وأكله؛ لأن قتله مباح، وهكذا قال أصحاب الشافعي؛ لأنه لا حرمة له، فهو بمنزلة السباع، وإن وجده ميتا أبيح أكله؛ لأن أكله مباح بعد قتله فكذلك بعد موته، وإن وجد معصوما ميتا لم يبح أكله في قول أصحابنا، وقال الشافعي وبعض الحنفية: يباح، وهو أولى؛ لأن حرمة الحي أعظم، قال أبو بكر بن داود: أباح الشافعي أكل لحوم الأنبياء، واحتج أصحابنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم:«كسر عظم الميت ككسر عظم الحي (2) » .
واختار أبو الخطاب أن له أكله، قال: لا حجة في الحديث ههنا؛ لأن الأكل من اللحم لا من العظم. اهـ
د - وقال المرداوي في [الإنصاف] : فإن لم يجد إلا آدميا مباح الدم كالحربي والزاني المحصن - حل قتله وأكله، هذا المذهب وعليه جماهير
(1)[روضة الطالبين](3 \ 284، 285) .
(2)
سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1617) .
الأصحاب، وقال في [الترغيب] : يحرم أكله وما هو ببعيد. قوله: وإن وجد معصوما ميتا ففي جواز أكله وجهان، وأطلقها في المذهب و [المحرر] و [النظم] :
أحدهما: لا يجوز، وعليه جماهير الأصحاب، قال المصنف والشارح: اختاره الأكثر، كذا قال في [الفروع] وجزم به في [الإفصاح] وغيره. قال في [الخلاصة] ، و [الرعايتين]، و [الحاويين] : لم يأكله في الأصح، قال في [الكافي] : هذا اختيار غير أبي الخطاب، قال في [المغني] : اختاره الأصحاب.
الثاني: يجوز أكله، وهو المذهب على ما اصطلحناه، صححه في [التصحيح] ، واختاره أبو الخطاب في [الهداية] ، و [المصنف] أو [الشارح]، قال في الكافي: هذا أولى. وجزم به في [الوجيز] و [المنور] ومنتخب الآدمي، وقدمه في [الفروع] .
فائدتان:
إحداهما: يحرم عليه أكل عضو من أعضائه على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب وقطعوا به، وقال في [الفنون] عن حنبل: إنه لا يحرم، انتهى (1) .
هـ - وقال ابن حزم في [المحلى] : مسألة: وكل ما حرم الله من المآكل والمشارب من خنزير أو صيد حرام أو ميتة أو دم أو لحم سبع طائر أو ذي أربع أو حشرة أو خمر أو غير ذلك - فهو كله عند الضرورة حلال، حاشا
(1)[الإنصاف](10 \ 376) ، وانظر الفائدة الثانية في نفس الصفحة المذكورة (الناشر) .