الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية وعدتها كالاستثناء مما حرم علينا، إلا الميتة ولحم الخنزير فإنهما محرمان لذاتهما لا لمعنى يتعلق بالتذكية أو بما يذكر عليها، وقد تقدم ذلك، وقد شرح كون ما أحل لنا مما حرم عليهم، لا يحرم من ذبائحهم في موضع آخر (1) وبين هنا أنه يجب على كل عاقل بلغته دعوة محمد صلى الله عليه وسلم أن يتبعه في أصول شرعه وفروعه وحلاله وحرامه، فما كان حراما عليهم صار حلا لهم بشرعه، وحلا لنا بالأولى.
(1)[الأم](2\209، 210)
مذهب أحمد وأصحابه في طعام أهل الكتاب والتسمية على الذبيحة:
قال الشيخ الموفق عبد الله بن قدامة في [المقنع](1) ما نصه:
(ويشترط للذكاة شروط أربعة:
أحدها: أهلية الذابح، وهو أن يكون عاقلا مسلما أو كتابيا، فتباح ذبيحته ذكرا كان أو أنثى، وعنه لا تباح ذبيحة نصارى بني تغلب، ولا من أحد أبويه غير كتابي) وذكر في حاشيته: أن الصحيح من المذاهب ذبائح بني تغلب، قال:(وأما من أحد أبويه غير كتابي فقدم المصنف أنها تباح، وبه قال مالك وأبو ثور، واختاره الشيخ تقي الدين وابن القيم) . والثانية: لا تباح، وهو المذهب، وبه قال الشافعي؛ لأنه وجد ما يقتضي الإباحة والتحريم فغلب التحريم كما لو جرحه (أي: الصيد) مسلم ومجوسي. ا. هـ.
أقول: وللشافعي قول آخر: هو أن العبرة بالأب، وكان اللائق بقول الشافعية: أن الوليد يتبع أشرف الأبوين في الدين أن يجعلوا ذبح الصغير
(1)[المقنع](2 \531)
كذبح أشرف والديه، وأما البالغ فلا وجه للبحث عن أبويه فإذا كان كتابيا كان داخلا في عموم الآية.
ثم قال (1) : ثالثا: (وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي الظفر ـ أي: عند اليهود ـ لم يحرم علينا ـ وإذا ذبح حيوانا غيره لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم، وهو شحوم الثرب (أي: الكرش) والكليتين في ظاهر كلام أحمد رحمه الله، واختاره ابن حامد، وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد، واختار أبو الحسن التميمي والقاضي تحريمه، وإن ذبح لعيده أو ليتقرب به إلى شيء مما يعظمونه لم يحرم، نص عليه) ا. هـ. أي نص عليه الإمام أحمد، وهو المذهب، وإن روي عنه التحريم، وهو موافق فيه لمذهب مالك رحمهم الله تعالى.
وقال (2) : الرابع (أي: من شروط التذكية: أن يذكر اسم الله عند الذبح، وهو أن يقول: باسم الله، لا يقوم غيرها مقامها إلا الأخرس، فإنه يومئ إلى السماء، فإن ترك التسمية عمدا لم تبح، وإن تركها ساهيا أبيحت، وعنه تباح في الحالين وعنه: لا تباح فيهما) قال في حاشيته: (قوله: فإن ترك التسمية عمدا لم تبح وإن تركها ساهيا أبيحت، وعنه تباح في الحالين، وعنه لا تباح فيهما) قال في [حاشيته] : (قوله: فإن ترك التسمية عمدا إلخ، هذا هو المذهب فيهما، وذكره ابن جرير إجماعا في سقوطها سهوا، وروي ذلك عن ابن عباس، وبه قال مالك والثوري وأبو
(1)[المقنع](2 \537)
(2)
المقنع (2 \535)
حنيفة وإسحاق، وممن أباح ما نسيت التسمية عليه: عطاء، وطاوس، وسعيد بن المسيب، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وجعفر بن محمد، وعن أحمد تباح في الحالين، وبه قال الشافعي. واختاره أبو بكر؛ لحديث البراء مرفوعا:«المسلم يذبح على اسم الله سمى أو لم يسم» وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي الله؟ فقال: اسم الله في قلب كل مسلم» رواه ابن عدي والدارقطني والبيهقي وضعفه.
ولنا ما روى الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد مرفوعا: «ذبيحة المسلم حلال، وإن لم يسم ما لم يتعمد» رواه سعيد وعبد بن حميد، لكن الأحوص ضعيف، وعن أحمد: لا تباح، وإن لم يتعمد؛ لقوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (1) وجوابه: إنها محمولة على ما إذا ترك اسم التسمية عمدا، بدليل قوله:{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (2) والأكل مما نسيت التسمية عليه ليس بفسق؛ لقوله عليه السلام: «عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان (3) » ا. هـ.
أقول: من عجائب انتصار الإنسان لما يختاره جعل الفسق هنا بمعنى ترك التسمية عمدا، والظاهر فيه ما قاله الشافعي من أنه ما أهل لغير الله به أخذا من قوله تعالى:{أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (4) وقد تقدم، وفي الباب من كتاب [بلوغ المرام] للحافظ ابن حجر ما نصه: وعن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والمسلم يكفيه اسمه، فإن نسي أن يسمي الله حين يذبح فليسم ثم ليأكل» أخرجه الدارقطني، وفيه راو في حفظه ضعف، وفي إسناده محمد بن يزيد بن سنان، وهو صدوق ضعيف الحفظ، وأخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح إلى ابن عباس، موقوفا عليه، وله شاهد عند
(1) سورة الأنعام الآية 121
(2)
سورة الأنعام الآية 121
(3)
سنن ابن ماجه الطلاق (2045) .
(4)
سورة الأنعام الآية 145