الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مطعم، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال البيهقي: وسليمان بن موسى لم يدرك جبير بن مطعم، وأخرج ابن عدي في [الكامل] عن معاوية بن يحيى الصدفي عن ابن المسيب عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أيام التشريق كلها ذبح» انتهى.
وضعف معاوية بن يحيى عن النسائي والسعدي وابن معين وعلي بن المديني ووافقهم، وقال ابن أبي حاتم في [كتاب العلل] قال أبي: هذا حديث موضوع بهذا الإسناد. انتهى. وقيل: معاوية محمد بن شعيب.
وأما الأثر: فقد أخرج البيهقي عدة آثار في ذلك عن ابن عباس والحسن وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى، وذكر ابن قدامة أنه مروي عن علي.
وأما المعنى: فإنها أيام تكبير وإفطار فكانت محلا للنحر كالأولين، ذكر ذلك ابن قدامة.
وأما ما عدا هذين القولين من الأقوال فقد تركنا ذكرها؛ لعدم جدوى البحث فيها، فإنها أقوال مبنية على مدارك اجتهادية ولا محل للاجتهاد مع الأدلة، قال ابن عبد البر: ولا يصح عندي في هذا إلا قولان. أحدهما: قول مالك والكوفيين، والثاني: قول الشافعي والشاميين، وهذان القولان مرويان عن الصحابة، فلا معنى للاشتغال بما خالفهما؛ لأن ما خالفهما لا أصل له في السنة ولا في قول الصحابة وما خرج عن هذين فمتروك. انتهى المقصود. بواسطة نقل القرطبي عنه في [جامعه] .
ثالثا: ذبح الهدي ليلا مع الأدلة والمناقشة:
اختلف أهل العلم في جواز الذبح ليلا: فمنهم من يرى أنه لا يجوز،
ومنهم من قال بجوازه.
وفيما يلي ذكر القولين مع الأدلة والمناقشة:
القول الأول: لا يجوز الذبح ليلا.
وممن قال به مالك وأصحابه إلا أشهب، وهو رواية عن أحمد وهي ظاهر كلام الخرقي، قال الباجي: ولا يجوز نحر الهدي ليلا، وعلى هذا قول مالك وأصحابه، إلا أشهب فقد روى عنه ابن الحارث أنه يجوز نحر الهدي أو ذبحه ليلا، وقال ابن قدامة: ولا يجزئ- أي: الذبح- في ليلتهما في قول الخرقي، قال: واختلفت الرواية عن أحمد في الذبح في ليلتي يومي التشريق ففيه لا يجزئ نص عليه أحمد رضي الله عنه في رواية الأثرم.
واستدل لهذا القول بالكتاب والسنة والمعنى:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (1)
وجه الدلالة: قد يقال: إن الله ذكره بلفظ الأيام وذكر اليوم يدل على أن الليل ليس كذلك. ومن وجه آخر قال الباجي: إن الشرع ورد بالذبح في زمن مخصوص وطريق تعلق النحر والذبح بالأوقات الشرعية لا طريق له غير ذلك، فإذا ورد الشرع بتعلقه بوقت مخصوص؛ كقوله تعالى:{فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (2) وبنحر النبي صلى الله عليه وسلم وذبحه أضحيته نهارا علمنا جواز ذلك نهارا، ولم يجز أن نعديه إلى الليل إلا بدليل.
وقد طلبنا في الشرع فلم نجد دليلا، ولو كان لوجدناه مع البحث
(1) سورة الحج الآية 28
(2)
سورة الحج الآية 28
والطلب، فهذا من باب الاستدلال بعدم الدليل فيما تتوقف شرعيته على وجود الدليل.
وأجاب ابن حزم عن هذا الاستدلال بقوله: هذا إيهام منهم يمقت الله عليه؛ لأن الله تعالى لم يذكر في هذه الآية ذبحا ولا تضحية ولا نحرا، لا في نهار ولا في ليل، إنما أمر الله تعالى بذكره في تلك الأيام المعلومات، أفترى يحرم ذكره في لياليه إن هذا لعجب! ومعاذ الله من هذا، وليس هذا النص بمانع من ذكره تعالى وحمده على ما رزقنا من بهيمة الأنعام في ليل ونهار في العام كله، ولا يختلفون فيمن حلف ألا يكلم زيدا ثلاثة أيام أن الليل يدخل في ذلك مع النهار.
وأما السنة: فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الذبح ليلا.
وهذا نص في الدلالة على عدم جواز الذبح ليلا.
وقد أجاب عنه ابن حزم بقوله: وذكروا حديثا لا يصح رويناه من طريق بقية بن الوليد عن مبشر بن عبيد الحلبي، عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذبح بالليل» وبقية ليس بالقوي، ومبشر بن عبيد مذكور بوضع الحديث عمدا ثم هو مرسل. انتهى كلام ابن حزم. وقال ابن حجر في مبشر بن عبيد: هو متروك.
ويجاب عن ذلك: بأن البيهقي أخرج في [سننه] حديثا فيه النهي عن الذبح ليلا قال: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا الحسن بن علي بن عفار، ثنا يحيى بن آدم، ثنا حفص بن عياش عن شيث بن عبد الملك عن الحسن قال:«نهى عن جذاذ الليل وحصاد الليل والأضحى بالليل» .
وأجاب عنه البيهقي بقوله: إنما كان ذلك من شدة حال الناس كان الرجل يفعله ليلا فنهى عنه ثم رخص في ذلك.
وأما المعنى: فمن وجهين ذكرهما عبد الرحمن بن قدامة:
أحدهما: أنه ليل يوم يجوز الذبح فيه فأشبه ليلة يوم النحر.
الثاني: أن الليل يتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب ولا يفرق طريا فيفوت بعض المقصود. وأجاب ابن حزم عن الدليل الأول فقال: هذا قياس، والقياس كله باطل، ثم لو كان حقا لكان هذا من عين الباطل؛ لأن يوم النحر هو مبدأ دخول وقت التضحية وما قبله ليس وقتا للتضحية ولا يختلفون معنا في أن من طلوع الشمس إلى أن يمضي بعد ابيضاضها وارتفاعها وقت واسع من يوم النحر لا يجوز فيه التضحية، فيلزمهم أن يقيسوا على ذلك اليوم ما بعده من أيام التضحية فلا يجيزون التضحية فيها إلا بعد مضي مثل ذلك الوقت وإلا فقد تناقضوا وظهر فساد قولهم، وما نعلم أحدا من السلف قبل مالك منع من التضحية ليلا.
القول الثاني: أنه يجوز الذبح ليلا بمنى:
قال ذلك أبو حنيفة، وروي عن مالك: إن فعل ذلك أجزأه، وقال به أشهب من المالكية، والشافعي، وهو رواية عن أحمد، وقول أكثر الصحابة، وبه قال ابن حزم، قال الباجي نقلا عن القاضي أبي الحسن: وقد روي عن مالك فيمن فعل ذلك أجزأه، ونقل الباجي القول عن أشهب فيه: أنه يجوز الذبح ليلا، وقال الشافعي رحمه الله: ويذبح في الليل والنهار، وإنما أكره ذبح الليل لئلا يخطئ رجل في الذبح، أو لا يوجد مساكين حاضرون، فأما إذا أصاب الذبح ووجد مساكين فسواء.