الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الدَّمِ
فِيهِ ثَلَاثَةٌ أَبْوَابٍ:
الْأَوَّلُ: فِي الدَّعْوَى وَلَهَا خَمْسَةُ شُرُوطٍ، أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، بِأَنِ ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى شَخْصٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ، فَهِيَ مَسْمُوعَةٌ، وَإِذَا ذَكَرَهُمْ لِلْقَاضِي، وَطَلَبَ إِحْضَارَهُمْ، أَجَابَهُ، إِلَّا إِذَا ذَكَرَ جَمَاعَةً لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْقَتْلِ، فَلَا يُحْضِرُهُمْ، وَلَا يُبَالِي بِقَوْلِهِ، فَإِنَّهُ دَعْوَى مُحَالٍ، وَلَوْ قَالَ: قَتَلَ أَبِي أَحَدُ هَذَيْنِ، أَوْ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْعَشَرَةِ، وَطَلَبَ مِنَ الْقَاضِي أَنْ يَسْأَلَهُمْ، وَيُحَلِّفَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَهَلْ يُجِيبُهُ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا، وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ لِلْإِبْهَامِ، كَمَنِ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى أَحَدِ رَجُلَيْنِ، وَالثَّانِي: نَعَمْ، لِلْحَاجَةِ وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي يَمِينٍ صَادِقَةٍ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي دَعْوَى الْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ وَالسَّرِقَةِ، وَأَخْذِ الضَّالَّةِ عَلَى أَحَدِ رَجُلَيْنِ أَوْ رِجَالٍ، وَلَا يَجْرِي فِي دَعْوَى قَرْضٍ وَبَيْعِ سَائِرِ الْمُعَامَلَاتِ ; لِأَنَّهَا تَنْشَأُ بِاخْتِيَارِ الْمُتَعَاقِدِينَ، وَشَأْنُهَا أَنْ يَضْبِطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَقِيلَ بِطَرْدِ الْخِلَافِ فِي الْمُعَامَلَاتِ، وَقِيلَ بِقَصْرِهِ عَلَى دَعْوَى الدَّمِ لِعِظَمِ خَطَرِهَا، فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْجَمَاعَةُ الَّتِي ادَّعَى عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ حَاضِرِينَ، وَطَلَبَ إِحْضَارَهُمْ، فَفِي إِجَابَتِهِ الْوَجْهَانِ، وَلَوْ قَالَ: قَتَلَهُ أَحَدُهُمْ، وَلَمْ يَطْلُبْ إِحْضَارَهُمْ لِيُسْأَلُوا، وَيَعْرِضَ عَلَيْهِمُ الْيَمِينَ، لَمْ يُحْضِرْهُمُ الْقَاضِي، وَلَمْ يُبَالِ بِكَلَامِهِ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَذَكَرَ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذَا تَعَلَّقَتِ الدَّعْوَى بِوَاحِدٍ مِنْ
جَمَاعَةٍ مَحْصُورِينَ، فَأَمَّا إِذَا قَالَ: قَتَلَهُ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ، أَوِ الْمَحَلَّةِ وَهُمْ لَا يَنْحَصِرُونَ، وَطَلَبَ إِحْضَارَهُمْ، فَلَا يُجَابُ ; لِأَنَّهُ يَطُولُ فِيهِ الْعَنَاءُ عَلَى الْقَاضِي، وَيَتَعَطَّلُ زَمَانُهُ فِي خُصُومَةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَتَأَخَّرُ حُقُوقُ النَّاسِ.
الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى مُفَصَّلَةً، أَقَتَلَهُ عَمْدًا أَمْ خَطَأً، أَمْ شِبْهَ عَمْدٍ، مُنْفَرِدًا أَمْ مُشَارِكَ غَيْرِهِ ; لِأَنَّ الْأَحْكَامَ تَخْتَلِفُ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ، وَيَتَوَجَّهُ الْوَاجِبُ تَارَةً عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَتَارَةً عَلَى الْقَاتِلِ، فَلَا يُعْرَفُ مَنْ يُطَالَبُ إِلَّا بِالتَّفْصِيلِ، وَفِيهِ وَجْهٌ سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، أَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُ الدَّعْوَى مَجْهُولَةً، فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ أَجْمَلَ الْوَلِيُّ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُعْرِضُ الْقَاضِي عَنْهُ، وَلَا يَسْتَفْصِلُ ; لِأَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ التَّلْقِينِ، وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: يَسْتَفْصِلُ، وَرُبَّمَا وُجِدَ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مَا يُشْعِرُ بِوُجُوبِ الِاسْتِفْصَالِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ الرُّويَانِيُّ، وَقَالَ الْمَاسَرْجِسِيُّ: لَا يَلْزَمُ الْحَاكِمُ أَنْ يُصَحِّحَ دَعْوَاهُ، وَلَا يَلْزَمَهُ أَنْ يَسْتَمِعَ إِلَّا إِلَى دَعْوَى مُحَرَّرَةٍ، وَهَذَا أَصَحُّ، ثُمَّ إِذَا قَالَ: قَتَلَهُ مُنْفَرِدًا أَوْ عَمْدًا وَوَصَفَ الْعَمْدَ أَوْ خَطَأً، وَطَالَبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ، وَإِنْ قَالَ: قَتَلَهُ بِشَرِكَةٍ، سُئِلَ عَمَّنْ شَارَكَهُ، فَإِنْ ذَكَرَ جَمَاعَةً لَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْقَتْلِ، لَغَا قَوْلَهُ وَدَعْوَاهُ، وَإِنْ ذَكَرَ جَمَاعَةً يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ وَلَمْ يُحْضِرْهُمْ، أَوْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ عَدَدَهُمْ، فَإِنِ ادَّعَى قَتْلًا يُوجِبُ الدِّيَةَ بِأَنْ قَالَ: قَتَلَهُ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ تَعَمُّدٍ وَفِي شُرَكَائِهِ مُخْطِئٌ، لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ لِأَنَّ حِصَّةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنَ الدِّيَةِ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِحَصْرِ الشُّرَكَاءِ، فَلَوْ قَالَ: لَا أَعْلَمَ عَدَدَهُمْ تَحْقِيقًا، وَلَكِنْ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَزِيدُونَ عَلَى عَشَرَةٍ، سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، وَطَالَبَ بِعُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنِ ادَّعَى مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ بِأَنْ قَالَ: قَتَلَ عَمْدًا مَعَ شُرَكَاءٍ عَامِدِينَ، فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: تُسْمَعُ دَعْوَاهُ، وَيُطَالِبُ بِالْقِصَاصِ ; لِأَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ بِعَدَدِ
الشُّرَكَاءِ، وَالثَّانِي: لَا ; لِأَنَّهُ قَدْ يَخْتَارُ الدِّيَةَ فَلَا يُعْلَمُ حَقُّهُ مِنْهَا، وَأُشِيرُ إِلَى وَجْهٍ ثَالِثٍ أَنَّا إِنْ قُلْنَا: مُوجَبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ، سُمِعَتْ، وَإِنْ قُلْنَا: أَحَدُهُمَا فَلَا.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعِي مُكَلَّفًا مُلْتَزِمًا، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَحَرْبِيٍّ، وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ الْمُدَّعِي صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا، أَوْ جَنِينًا حَالَةَ الْقَتْلِ إِذَا كَانَ بِصِفَةِ الْكَمَالِ عِنْدَ الدَّعْوَى ; لِأَنَّهُ قَدْ يُعْلَمُ الْحَالُ بِالتَّسَامُعِ، وَيُمْكِنُهُ أَنْ يَحْلِفَ فِي مَظِنَّةِ الْحَلِفِ إِذَا عَرَفَ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِ الْجَانِي، أَوْ سَمَاعٍ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى عَيْنًا وَقَبَضَهَا، فَادَّعَى رَجُلٌ مِلْكَهَا، فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إِلَيْهِ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ، وَأَمَّا الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، فَتُسْمَعُ دَعْوَاهُ الدَّمَ، وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيُحَلِّفَ، وَيَسْتَوْفِيَ الْقِصَاصَ، وَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إِلَى الْمَالِ أَخَذَهُ الْوَلِيُّ، كَمَا فِي دَعْوَى الْمَالِ، يَدَّعِي السَّفِيهُ وَيَحْلِفُ، وَالْوَلِيُّ يَأْخُذُ الْمَالَ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُكَلَّفًا، فَلَا يَدَّعِي عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، فَلَوِ ادَّعَى عَلَى مَحْجُورٍ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، نُظِرَ، إِنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ سُمِعَتِ الدَّعْوَى، سَوَاءٌ ادَّعَى عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، وَيُقْسِمُ الْمُدَّعِي، وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا فِي غَيْرِ السَّفِيهِ، وَإِذَا كَانَ اللَّوْثُ قَوْلَ عَدْلٍ وَاحِدٍ، حَلَفَ الْمُدَّعِي مَعَهُ، وَيَثْبُتُ الْمَالُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ، فَإِنِ ادَّعَى قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، سُمِعَتِ الدَّعْوَى ; لِأَنَّ إِقْرَارَهُ بِمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ مَقْبُولٌ، فَإِنْ أَقَرَّ، أَمَضَى حُكْمَهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْمُدَّعِي، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَقْتَصَّ، وَإِنِ ادَّعَى خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إِقْرَارَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ هَلْ يُقْبَلُ؟ وَفِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي الْحَجْرِ، وَسَوَاءٌ قَبِلْنَاهُ أَمْ لَا، فَتُسْمَعُ أَصْلُ الدَّعْوَى، أَمَّا
إِذَا قَبِلْنَا إِقْرَارَهُ، فَلْيَمْضِ عَلَيْهِ الْحُكْمُ إِنْ أَقَرَّ، وَلْيُقِمِ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ إِنْ أَنْكَرَ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ نَقْبَلْ وَهُوَ الْأَصَحُّ، فَلْيُقِمِ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ إِنْ أَنْكَرَ، ثُمَّ إِذَا أَنْكَرَ هَلْ يَحْلِفُ؟ يُبْنَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ يَمِينِ الْمُدَّعِي كَبَيِّنَةٍ يُقِيمُهَا الْمُدَّعِي أَمْ كَإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنْ قُلْنَا: كَالْبَيِّنَةِ، حَلَفَ، فَرُبَّمَا نَكَلَ، وَإِنْ قُلْنَا: كَالْإِقْرَارِ، لَمْ يَحْلِفْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: يَحْلِفُ لِتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ فِي الْحَالِ.
فَرْعٌ
تُسْمَعُ دَعْوَى الْقَتْلِ عَلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ، فَإِنْ كَانَ بَيِّنَةٌ، أَوْ لَوْثٌ وَأَقْسَمَ الْمُدَّعِي، فَهُوَ كَغَيْرِهِ، وَيُزَاحِمُ الْمُسْتَحِقُّ الْغُرَمَاءَ بِالْمَالِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ وَلَا لَوْثٌ، حَلَفَ الْمُفْلِسُ، فَإِنْ نَكَلَ، حَلَفَ الْمُدَّعِي، وَاسْتَحَقَّ الْقِصَاصَ إِنِ ادَّعَى قَتْلًا يُوجِبُ الْقِصَاصَ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: فَإِنْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى مَالٍ ثَبَتَ، وَهَلْ يُشَارِكُ بِهِ الْغُرَمَاءَ؟ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْبَيِّنَةِ أَمْ كَالْإِقْرَارِ، إِنْ قُلْنَا: كَالْبَيِّنَةِ، فَنَعَمْ، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ فِي يَدِهِ، أَوْ بِمَالٍ نَسَبَهُ إِلَى مَا قَبْلَ الْحَجْرِ، وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي قَتَلَ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، ثَبَتَ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ الدِّيَةُ، وَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِنْ قُلْنَا: كَالْبَيِّنَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: كَالْإِقْرَارِ كَانَتْ عَلَى الْجَانِي، وَفِي مُزَاحَمَةِ الْمُدَّعِي الْغُرَمَاءَ بِهَا الْقَوْلَانِ.
فَرْعٌ
ادَّعَى مَثَلًا عَلَى عَبْدٍ إِنْ كَانَ لَوْثٌ، سُمِعَتْ، وَأَقْسَمَ الْمُدَّعِي وَاقْتَصَّ إِنِ ادَّعَى عَمْدًا وَأَوْجَبْنَا الْقِصَاصَ بِالْقَسَامَةِ، وَإِلَّا فَتَتَعَلَّقُ الدِّيَةُ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ، فَدَعْوَى الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ تَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ، وَدَعْوَى الْمُوجِبِ لِلْمَالِ عَلَى السَّيِّدِ، وَتَمَامُ الْمَسْأَلَةِ يَأْتِي فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ لَا تَتَنَاقَضَ دَعْوَاهُ، فَلَوِ ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ تَفَرُّدَهُ بِالْقَتْلِ، ثُمَّ عَلَى آخَرَ تَفَرُّدَهُ بِالْقَتْلِ أَوْ مُشَارَكَتَهُ، لَمْ تُسْمَعِ الثَّانِيَةُ، وَلَوْ لَمْ يُقْسِمْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَمْضِ حُكْمٌ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَيْهِ ; لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تُكَذِّبُهَا، وَلَوْ صَدَّقَهُ الثَّانِي فِي دَعْوَاهُ الثَّانِيَةِ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا، لَيْسَ لَهُ مُؤَاخَذَتُهُ ; لِأَنَّ فِي الدَّعْوَى عَلَى الْأَوَّلِ اعْتِرَافًا بِبَرَاءَةِ غَيْرِهِ، وَأَصَحُّهُمَا: لَهُ مُؤَاخَذَتُهُ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا، وَيُحْتَمَلُ كَذِبُهُ فِي الْأُولَى وَصِدْقُهُ فِي الثَّانِيَةِ، وَلَوِ ادَّعَى قَتْلًا عَمْدًا فَاسْتَفْصَلَ، فَوَصَفَهُ بِمَا لَيْسَ بِعَمْدٍ، نَقَلَ الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ، وَالرَّبِيعُ أَنَّهُ يُقْسِمُ، قَالَ الْأَكْثَرُونَ: فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: تَبْطُلُ الدَّعْوَى وَلَا يُقْسِمُ ; لِأَنَّ فِي دَعْوَى الْعَمْدِ اعْتِرَافًا بِبَرَاءَةِ الْعَاقِلَةِ، فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ مُطَالَبَتِهِمْ بَعْدَهُ ; وَلِأَنَّ فِيهِ اعْتِرَافًا بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُخْطِئٍ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعَهُ عَنْهُ، وَأَظْهَرُهُمَا: لَا تَبْطُلُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ الْخَطَأَ عَمْدًا، فَعَلَى هَذَا يُعْتَمَدُ تَفْسِيرُهُ وَيَمْضِي حُكْمُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهَذَا وَتَأَوَّلَ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْسِمُ عَلَى الْعَمْدِ. وَيَجْرِي الطَّرِيقَانِ فِيمَنِ ادَّعَى خَطَأً وَفُسِّرَ بِعَمْدٍ، وَكَذَا فِيمَنِ ادَّعَى شِبْهَ عَمْدٍ وَفُسِّرَ بِخَطَأٍ، وَقِيلَ: يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ قَطْعًا ; لِأَنَّ فِيهِ تَخْفِيفًا عَنِ الْعَاقِلَةِ وَرُجُوعًا عَنْ زِيَادَةٍ ادَّعَاهَا عَلَيْهِمْ.
فَرْعٌ
ادَّعَى قَتْلًا، فَأَخَذَ الْمَالَ، ثُمَّ قَالَ: ظَلَمْتُهُ بِالْأَخْذِ، وَأَخَذْتُهُ بَاطِلًا، أَوْ مَا أَخَذْتُهُ حَرَامٌ عَلَيَّ، سُئِلَ، فَإِنْ قَالَ: كَذَبْتُ فِي الدَّعْوَى وَلَيْسَ هُوَ قَاتِلًا، اسْتُرِدَّ الْمَالُ مِنْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنِّي حَنَفِيٌّ لَا أَعْتَقِدُ أَخْذَ الْمَالِ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي لَمْ يُسْتَرَدَّ ; لِأَنَّ النَّظَرَ إِلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ وَاجْتِهَادِهِ، لَا إِلَى مَذْهَبِ الْخَصْمَيْنِ، وَذَكَرُوا لِلْمَسْأَلَةِ نَظَائِرَ.
مِنْهَا: مَاتَ شَخْصٌ، فَقَالَ ابْنُهُ: لَسْتُ أَرِثُهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ كَافِرًا، فَسُئِلَ عَنْ كُفْرِهِ، فَقَالَ: كَانَ مُعْتَزِلِيًّا أَوْ رَافِضِيًّا، فَيُقَالُ لَهُ: لَكَ مِيرَاثُهُ وَأَنْتَ مُخْطِئٌ فِي اعْتِقَادِكَ ; لِأَنَّ الِاعْتِزَالَ وَالرَّفْضَ لَيْسَ بِكُفْرٍ، هَكَذَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ والرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ.
قَالَ الْفُورَانِيُّ: وَمِنْ شُيُوخِنَا مَنْ يُكَفِّرُ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ، فَعَلَى هَذَا يَحْرُمُ الْمِيرَاثُ.
قُلْتُ: هَذَا الْوَجْهُ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ الْمَنْصُوصُ وَالَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: أَنَّا لَا نُكَفِّرُهُمْ.
وَمِنْهَا: قَضَى حَنَفِيٌّ لِشَافِعِيٍّ بِشُفْعَةِ الْجِوَارِ، فَأَخَذَ الشِّقْصَ، ثُمَّ قَالَ: أَخَذْتُهُ بَاطِلًا ; لِأَنَّنِي لَا أَرَى شُفْعَةَ الْجِوَارِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ.
وَمِنْهَا: مَاتَ عَنْ جَارِيَةٍ أَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ، فَقَالَ وَارِثُهُ: لَا أَتَمَلَّكُهَا ; لِأَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ بِذَلِكَ، وَعَتِقَتْ بِمَوْتِهِ، فَيُقَالُ لَهُ: هِيَ مَمْلُوكَتُكَ وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِالنِّكَاحِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ جَمِيعَ هَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِظَاهِرِ الْحُكْمِ، أَمَّا الْحَلُّ بَاطِنًا إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي فِي مَوَاضِعِ الْخِلَافِ لِشَخْصٍ عَلَى خِلَافِ اعْتِقَادِهِ، كَحُكْمِ حَنَفِيٍّ لِشَافِعِيٍّ بِشُفْعَةِ جِوَارٍ، فَفِي ثُبُوتِهِ خِلَافٌ، وَمَيْلُ الْأَئِمَّةِ هُنَا إِلَى ثُبُوتِهِ، وَسَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ. وَلَوْ قَالَ: أَرَدْتُ بِقَوْلِي، حَرَامٌ أَنَّهُ مَغْصُوبٌ، فَإِنْ عَيْنَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، لَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ إِلَيْهِ، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ أَحَدًا، فَهُوَ مَالٌ ضَائِعٌ، وَفِي مِثْلِهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، وَالْجَوَابُ فِي «الشَّامِلِ» أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَفْعُ يَدِهِ عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ بَعْدَ مَا أَقْسَمَ: نَدِمْتُ عَلَى الْأَيْمَانِ، لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا شَيْءٌ.
فَرْعٌ
ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى رَجُلٍ، وَحَلَفَ وَأَخَذَ الْمَالَ، فَجَاءَ رَجُلٌ وَقَالَ: أَنَا قَتَلْتُ مُورِثَكَ، وَلَمْ يَقْتُلْهُ الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْوَارِثُ لَمْ يُؤَثِّرْ قَوْلُهُ فِيمَا جَرَى، وَإِنْ صَدَّقَهُ، لَزِمَهُ رَدُّ مَا أَخَذَ، وَهَلْ لَهُ الدَّعْوَى عَلَى الثَّانِي وَمُطَالَبَتُهُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَهُمَا نَظِيرُ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْطِ.
الْبَابُ الثَّانِي فِي الْقَسَامَةِ:
هِيَ الْأَيْمَانُ فِي الدِّمَاءِ، وَصُورَتُهَا: أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ بِمَوْضِعٍ لَا يُعْرَفُ مَنْ قَتَلَهُ، وَلَا بَيِّنَةً، وَيَدَّعِي وَلِيُّهُ قَتْلَهُ عَلَى شَخْصٍ أَوْ جَمَاعَةٍ، وَتُوجَدُ قَرِينَةٌ تُشْعِرُ بِصِدْقِهِ، وَيُقَالُ لَهُ: اللَّوْثُ، فَيَحْلِفُ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ، وَيُحْكَمُ لَهُ بِمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِي الْبَابِ أَرْبَعَةُ أَطْرَافٍ:
الْأَوَّلُ: فِي مَحَلِّ الْقَسَامَةِ، وَهُوَ قَتْلُ الْحُرِّ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ، فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ قُيُودٍ، الْأَوَّلُ: الْقَتْلُ، فَلَا قَسَامَةَ فِي إِتْلَافِ الْمَالِ، وَلَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنَ الْجُرُوحِ وَالْأَطْرَافِ، بَلِ الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ ; لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي النَّفْسِ، وَهِيَ أَعْظَمُ مِنَ الْأَطْرَافِ، وَلِهَذَا اخْتَصَّتْ بِالْكَفَّارَةِ، فَلَا تَلْحَقُ بِهَا الْأَطْرَافُ، وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا فِي الْأَطْرَافِ، وَغَلَّطَ قَائِلَهُ، فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ جُرِحَ مُسْلِمٌ، فَارْتَدَّ، ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ، فَلَا قَسَامَةَ، فَلَوْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ، جَرَتِ الْقَسَامَةُ، سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا كَمَالَ الدِّيَةِ أَمْ لَا ; لِأَنَّ الْوَاجِبَ هُنَا بَدَلُ النَّفْسِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِيمَا لَوْ جُرِحَ ذِمِّيٌّ، فَنَقَضَ عَهْدَهُ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ جَدَّدَ الْعَهْدَ ثُمَّ مَاتَ.
الْقَيْدُ الثَّانِي: كَوْنُ الْقَتِيلِ حُرًّا، فَلَوْ قُتِلَ الْعَبْدُ، وَهُنَاكَ لَوْثٌ، فَادَّعَى السَّيِّدُ عَلَى عَبْدٍ، أَوْ حُرٍّ أَنَّهُ قَتَلَهُ، فَهَلْ يَقْسِمُ السَّيِّدُ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ، أَشْهَرُهُمَا: عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ بَدَلَ الْعَبْدِ هَلْ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؟ إِنْ قُلْنَا: لَا، فَقَدْ أَلْحَقْنَاهُ بِالْبَهِيمَةِ، فَلَا قَسَامَةَ، وَإِنْ قُلْنَا: نَعَمْ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَقْسَمَ السَّيِّدُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَالثَّانِي: يُقْسِمُ قَطْعًا ; لِأَنَّ الْقَسَامَةَ تَحْفَظُ الدِّمَاءَ، وَهَذِهِ الْحَاجَةُ تَشْمَلُ الْعَبْدَ، كَالْقِصَاصِ وَالْكَفَّارَةِ، وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي هَذَا كَالْقِنِّ، فَإِذَا أَقْسَمَ السَّيِّدُ، فَإِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى عَلَى حُرٍّ، أَخَذَ الدِّيَةَ مِنْ مَالِهِ فِي الْحَالِ إِنِ ادَّعَى عَمْدًا مَحْضًا، وَإِنِ ادَّعَى خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، أَخَذَهَا مِنْ عَاقِلَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى عَلَى عَبْدٍ، فَإِنِ ادَّعَى الْعَمْدَ، فَفِي الْقِصَاصِ الْقَوْلَانِ فِي ثُبُوتِهِ بِالْقَسَامَةِ، فَإِنْ مَنَعْنَاهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، أَوِ ادَّعَى خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ تَعَلَّقَتِ الْقِيمَةُ بِرَقَبَتِهِ.
الثَّالِثُ: كَوْنُهُ فِي مَحَلِّ اللَّوْثِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَوْثٌ، لَمْ يُبْدَأْ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي، وَاللَّوْثُ قَرِينَةٌ تُثِيرُ الظَّنَّ وَتُوقِعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقَ الْمُدَّعِي وَلَهُ طُرُقٌ:
مِنْهَا: أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ فِي قَبِيلَةٍ أَوْ حِصْنٍ، أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ، أَوْ مَحَلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ عَنِ الْبَلَدِ الْكَبِيرِ، وَبَيْنَ الْقَتِيلِ وَبَيْنَ أَهْلِهَا عَدَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَهُوَ لَوْثٌ فِي حَقِّهِمْ، فَإِذَا ادَّعَى وَلِيُّهُ الْقَتْلَ عَلَيْهِمْ، أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ كَانَ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ، وَيَشْتَرِطَ أَنْ لَا يُسَاكِنَهُمْ غَيْرُهُمْ، وَقِيلَ: يَشْتَرِطُ أَنْ لَا يُخَالِطَهُمْ غَيْرُهُمْ، حَتَّى لَوْ كَانَتِ الْقَرْيَةُ بِقَارِعَةِ طَرِيقٍ يَطْرُقُهَا التُّجَّارُ وَالْمُجْتَازُونَ وَغَيْرُهُمْ، فَلَا لَوْثَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَمِنْهَا: لَوْ تَفَرَّقَ جَمَاعَةٌ عَنْ قَتِيلٍ فِي دَارٍ دَخْلَهَا عَلَيْهِمْ ضَيْفًا، أَوْ دَخَلَ مَعَهُمْ لِحَاجَةٍ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ أَوْ بُسْتَانٍ أَوْ طَرِيقٍ أَوْ صَحْرَاءَ، فَهُوَ
لَوْثٌ، وَكَذَا لَوِ ازْدَحَمَ قَوْمٌ عَلَى بِئْرٍ، أَوْ بَابِ الْكَعْبَةِ، أَوْ فِي الطَّوَافِ، أَوْ فِي مَضِيقٍ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا عَنْ قَتِيلٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ.
وَمِنْهَا: لَوْ تَقَابَلَ صَفَّانِ فَتَقَاتَلَا، وَانْكَشَفَا عَنْ قَتِيلٍ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنِ اخْتَلَطُوا، أَوْ وَصَلَ سِلَاحُ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِينَ رَمْيًا أَوْ طَعْنًا أَوْ ضَرْبًا، فَهُوَ لَوْثٌ فِي حَقِّ الصَّفِّ الْآخَرِ، وَإِنْ لَمْ يَصِلْ سِلَاحٌ، فَهُوَ لَوْثٌ فِي حَقِّ أَهْلِ صَفِّهِ.
وَمِنْهَا: إِذَا وُجِدَ قَتِيلٌ فِي صَحْرَاءَ، وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مَعَهُ سِلَاحٌ مُتَلَطِّخٌ بِدَمٍ، أَوْ عَلَى ثَوْبِهِ أَثَرُ دَمٍ فَهُوَ لَوْثٌ، وَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ سَبُعٌ، أَوْ رَجُلٌ آخَرُ مُوَلٍّ ظَهْرَهُ، أَوْ وُجِدَ أَثَرُ قَدَمٍ، أَوْ تَرْشِيشُ دَمٍ فِي غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا صَاحِبُ السِّلَاحِ، فَلَيْسَ بِلَوْثٍ فِي حَقِّهِ، وَلَوْ رَأَيْنَا مِنْ بُعْدٍ رَجُلًا يُحَرِّكُ يَدَهُ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَضْرِبُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ ثُمَّ وَجَدْنَا فِي الْمَوْضِعِ قَتِيلًا، فَهُوَ لَوْثٌ فِي حَقِّ ذَلِكَ الرَّجُلِ.
وَمِنْهَا: لَوْ شَهِدَ عَدْلٌ بِأَنَّ زَيْدًا قَتَلَ فُلَانًا، فَلَوْثٌ عَلَى الْمَذْهَبِ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى الدَّعْوَى أَوْ تَأَخَّرَتْ، وَلَوْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ، كَعَبِيدٍ وَنِسْوَةٍ، فَإِنْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ، فَلَوْثٌ، وَكَذَا لَوْ جَاءُوا دُفْعَةً عَلَى الْأَصَحِّ، وَفِي «التَّهْذِيبِ» أَنَّ شَهَادَةَ عَبْدَيْنِ، أَوِ امْرَأَتَيْنِ كَشَهَادَةِ الْجَمْعِ، وَفِي الْوَجِيزِ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّ قَوْلَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْثٌ، وَفِيمَنْ لَا تُقْبَلُ رِوَايَتُهُمْ، كَصِبْيَانٍ أَوْ فَسَقَةٍ أَوْ ذِمِّيِّينَ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: قَوْلُهُمْ لَوْثٌ، وَالثَّانِي: لَا، وَالثَّالِثُ: لَوْثٌ مِنْ غَيْرِ الْكُفَّارِ، وَلَوْ قَالَ الْمَجْرُوحُ: جَرَحَنِي فُلَانٌ، أَوْ قَتَلَنِي، أَوْ دَمِي عِنْدَهُ، فَلَيْسَ بِلَوْثٍ ; لِأَنَّهُ مُدَّعٍ، وَلَوْ تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْقَتْلِ، لَمْ تُسْمَعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِمْ، وَلَا قَسَامَةَ كَمَا سَبَقَ، وَلَوِ ازْدَحَمَ قَوْمٌ لَا يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ