المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب قطاع الطرق - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١٠

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الدَّمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْإِمَامَةِ وَقِتَالُ الْبُغَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ حَدِّ الزِّنَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلَ

- ‌بَابُ قُطَّاعِ الطُّرُقِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ ضَمَانِ إِتْلَافِ الْإِمَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ السِّيَرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَالْهُدْنَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَالضَّحَايَا وَالْعَقِيقَةِ وَالْأَطْعِمَةِ

- ‌كِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌باب قطاع الطرق

‌بَابُ قُطَّاعِ الطُّرُقِ

فِيهِ أَطْرَافٌ: الْأَوَّلُ: فِي صِفَتِهِمْ، وَتُعْتَبَرُ فِيهِمُ الشَّوْكَةُ، وَالْبُعْدُ عَنِ الْغَوْثِ، وَأَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ مُكَلَّفِينَ، فَالْكُفَّارُ لَيْسَ لَهُمْ حُكْمُ الْقُطَّاعِ وَإِنْ أَخَافُوا السَّبِيلَ، وَقِيلَ: وَالْمُرَاهِقُونَ لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِمْ، وَيَضْمَنُونَ الْمَالَ وَالنَّفْسَ، كَمَا لَوْ أَتْلَفُوا فِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ، وَأَمَّا الشَّوْكَةُ، فَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ طَائِفَةٌ يَتَرَصَّدُونَ فِي الْمَكَامِنِ لِلرُّفْقَةِ، فَإِذَا رَأَوْهُمْ، بَرَزُوا قَاصِدِينَ الْأَمْوَالَ مُعْتَمِدِينَ فِي ذَلِكَ عَلَى قُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ يَتَغَلَّبُونَ بِهَا، وَفِيهِمْ شُرِّعَتِ الْعُقُوبَاتُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي سَنَصِفُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الَّذِينَ لَا يَعْتَمِدُونَ قُوَّةً، وَلَكِنْ يَنْتَهِزُونَ وَيَخْتَلِسُونَ، وَيُوَلُّونَ مُعْتَمِدِينَ عَلَى رَكْضِ الْخَيْلِ، أَوِ الْعَدْوِ عَلَى الْأَقْدَامِ، كَمَا يَتَعَرَّضُ الْوَاحِدُ وَالنَّفَرُ الْيَسِيرُ لِأَخْذِ الْقَافِلَةِ فَيَسْلِبُونَ شَيْئًا، فَلَيْسُوا بِقُطَّاعٍ، وَحُكْمُهُمْ فِي الضَّمَانِ وَالْقِصَاصِ حُكْمُ غَيْرِهِمْ، وَلَوْ خَرَجَ وَاحِدٌ أَوْ شِرْذِمَةٌ يَسِيرَةٌ، فَقَصَدَهُمْ جَمَاعَةٌ يَغْلِبُونَهُمْ بِقُوَّتِهِمْ، فَهُمْ قُطَّاعٌ وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ عَدَدُهُمْ، لِاعْتِمَادِهِمْ عَلَى الشَّوْكَةِ وَالنَّجْدَةِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْوَاحِدِ وَالشِّرْذِمَةِ، كَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ طُرُقِ الْأَصْحَابِ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ أَنَّهُ لَوْ أَقَامَ خَمْسَةٌ أَوْ عَشَرَةٌ فِي كَهْفٍ، أَوْ شَاهِقِ جَبَلٍ، فَإِنْ مَرَّ بِهِمْ قَوْمٌ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَعُدَّةٌ، لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهُمْ، وَإِنْ مَرَّ قَوْمٌ قَلِيلُو الْعَدَدِ، قَصَدُوهُمْ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ، فَحُكْمُهُمْ حَكَمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ فِي حَقِّ الطَّائِفَةِ الْيَسِيرَةِ، وَإِنْ تَعَرَّضُوا لِلْأَقْوِيَاءِ وَأَخَذُوا شَيْئًا، فَهُمْ مُخْتَلِسُونَ، وَرَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُفَصِّلَ الْقَوْلَ فِي الرُّفْقَةِ الْيَسِيرَةِ وَالْوَاحِدِ، فَيُقَالُ: إِنْ كَانَ خُرُوجُهُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ يُعَدُّ تَضْيِيعًا وَتَغْرِيرًا بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ، فَالْمُتَعَرِّضُونَ لَهُمْ لَيْسُوا بِقُطَّاعٍ، وَيَنْزِلُ خُرُوجُهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَتَرْكِ الْمَالِ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعَدُّ حِرْزَا، وَأَقَامَ الْإِمَامُ

ص: 154

مَا رَآهُ وَجْهًا، وَلَوْ كَانَتِ الرُّفْقَةُ يَتَأَتَّى مِنْهُمْ دَفْعُ الْقَاصِدِينَ وَمُقَاوَمَتُهُمْ، فَاسْتَسْلَمُوا حَتَّى قُتِلُوا وَأُخِذَتْ أَمْوَالُهُمْ، فَالْقَاصِدُونَ لَهُمْ لَيْسُوا بِقُطَّاعٍ؛ لِأَنَّ مَا فَعَلُوهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْ شَوْكَتِهِمْ، بَلِ الرُّفْقَةُ ضَيَّعُوا، هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَتِ الشَّوْكَةُ مُجَرَّدَ الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، بَلْ تَحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إِلَى اتِّفَاقِ كَلِمَةٍ وَمَتْبُوعٍ مُطَاعٍ وَعَزِيمَةٍ عَلَى الْقِتَالِ، وَالْقَاصِدُونَ لِلرُّفْقَةِ هَكَذَا يَكُونُونَ فِي الْغَالِبِ، وَالرُّفْقَةُ لَا تَجْتَمِعُ كَلِمَتُهُمْ، وَلَا يَضْبُطُهُمْ مُطَاعٌ، وَلَا عَزْمَ لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ، وَخُلُوُّهُمْ عَنْ هَذِهِ الْأُمُورِ يُوقِعُهُمْ فِي التَّخَاذُلِ لَا عَنْ قَصْدٍ مِنْهُمْ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْعَلُوا مُضَيِّعِينَ، وَلَا يَخْرُجُ قَاصِدُوهُمْ عَنْ كَوْنِهِمْ قُطَّاعًا، وَلَوْ أَنَّ الرُّفْقَةَ قَاتَلُوهُمْ، وَنَالَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنَ الْأُخْرَى، فَهَلْ هُمْ قُطَّاعٌ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ، وَأَمَّا الْبُعْدُ عَنِ الْغَوْثِ، فَإِنَّمَا اشْتُرِطَ لِيُمْكِنَهُمُ الِاسْتِيلَاءُ وَالْقَهْرُ مُجَاهَرَةً؛ وَذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ غَالِبًا فِي الْمَوَاضِعِ الْبَعِيدَةِ عَنِ الْعِمَارَةِ، وَلَوْ خَرَجَ جَمَاعَةٌ فِي الْمِصْرِ فَحَارَبُوا، أَوْ أَغَارَ عَسْكَرٌ عَلَى بَلْدَةٍ أَوْ قَرْيَةٍ، أَوْ خَرَجَ أَهْلُ أَحَدِ طَرَفَيِ الْبَلَدِ عَلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَكَانَ لَا يَلْحَقُ الْمَقْصُودِينَ غَوْثٌ لَوِ اسْتَغَاثُوا، فَهُمْ قُطَّاعُ طَرِيقٍ، وَإِنْ كَانَ يَلْحَقُهُمْ غَوْثٌ، فَهُمْ مُنْتَهِبُونَ لَيْسُوا قُطَّاعًا، وَامْتِنَاعُ لَحَاقِ الْغَوْثِ لِضَعْفِ السُّلْطَانِ أَوْ لِبُعْدِهِ وَبُعْدِ أَعْوَانِهِ، وَقَدْ يَغْلِبُ أَهْلُ الْفَسَادِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ، فَلَا يُقَاوِمُهُمْ أَهْلُ الْعِفَّةِ، وَتَتَعَذَّرُ عَلَيْهِمُ الِاسْتِغَاثَةُ، وَلَوْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ بِاللَّيْلِ دَارًا وَكَابَرُوا، وَمَنَعُوا أَصْحَابَ الدَّارِ مِنَ الِاسْتِغَاثَةِ مَعَ قُوَّةِ السُّلْطَانِ وَحُضُورِهِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ قُطَّاعٌ، وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالْبَغَوِيُّ، وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ سُرَّاقٌ، وَالثَّالِثُ: مُخْتَلِسُونَ.

فَرْعٌ

لَا يُشْتَرَطُ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ الذُّكُورَةُ، بَلْ لَوِ اجْتَمَعَ نِسْوَةٌ لَهُنَّ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ، فَهُنَّ قَاطِعَاتُ طَرِيقٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا شَهْرُ السِّلَاحِ، بَلْ

ص: 155

الْخَارِجُونَ بِالْعِصِيِّ وَالْحِجَارَةِ قُطَّاعٌ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَكْفِي الْقَهْرُ وَأَخْذُ الْمَالِ بِاللَّكْزِ، وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ، وَفِي «التَّهْذِيبِ» نَحْوُهُ، وَكَلَامُ جَمَاعَةٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ آلَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ، بَلِ الْوَاحِدُ إِذَا كَانَ لَهُ فَضْلُ قُوَّةٍ يَغْلِبُ بِهَا الْجَمَاعَةَ، وَتَعَرَّضَ لِلنُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ مُجَاهِرًا، فَهُوَ قَاطِعُ طَرِيقٍ.

الطَّرَفُ الثَّانِي فِي عُقُوبَتِهِمْ: فَإِذَا عَلِمَ الْإِمَامُ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ مِنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ يَتَرَصَّدُونَ لِلرُّفْقَةِ، وَيُخِيفُونَ السَّبِيلَ، وَلَمْ يَأْخُذُوا بَعْدُ مَالًا، وَلَا قَتَلُوا نَفْسًا، طَلَبَهُمْ، وَعَزَّرَهُمْ بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ، قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: وَالْحَبْسُ فِي هَذِهِ الْحَالِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ وَالْإِيحَاشِ، وَإِنْ أَخَذَ قَاطِعٌ مِنَ الْمَالِ قَدْرَ نِصَابِ السَّرِقَةِ، قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ مَرَّةً أُخْرَى، قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى وَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَإِنَّمَا يُقْطَعُ مِنْ خِلَافٍ لِئَلَّا يَفُوتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ النِّصَابُ لِوَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةِ الرُّفْقَةِ كَمَا سَبَقَ فِي السَّرِقَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ دُونَ نِصَابٍ، فَلَا قَطْعَ، وَقَالَ ابْنُ خَيْرَانَ: فِيهِ قَوْلَانِ، كَالْقَوْلَيْنِ فِي قَتْلِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، هَلْ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْكَفَاءَةُ؛ لِأَنَّهُ فَارَقَ السَّرِقَةَ فِي اشْتِرَاطِ الْحِرْزِ فَكَذَا فِي النِّصَابِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:«الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» وَمَا ادَّعَاهُ فِي الْحِرْزِ مَمْنُوعٌ، بَلِ الَّذِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَالُ ضَائِعًا تَسِيرُ بِهِ الدَّوَابُّ بِلَا حَافِظٍ، فَلَا قَطْعَ، وَلَوْ كَانَتِ الْجِمَالُ مَقْطُورَةً وَلَمْ تُتَعَهَّدْ كَمَا شَرَطْنَا فِيهَا، لَمْ يَجِبِ الْقَطْعُ، وَإِنْ قَتَلَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ، قُتِلَ، وَهُوَ قَتْلٌ مُتَحَتِّمٌ لَيْسَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الْقِصَاصِ، وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ الْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ، قُتِلَ وَصُلِبَ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْمَالِ كَوْنُهُ نِصَابًا، وَيَجِيءُ فِيهِ خِلَافُ ابْنِ خَيْرَانَ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَخَرَّجَ ابْنُ سَلَمَةَ قَوْلًا: أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ وَيُقْتَلُ وَيُصْلَبُ، وَحَكَى صَاحِبُ «التَّقْرِيبِ»

ص: 156

قَوْلًا: أَنَّهُ إِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ نِصَابًا، قُطِعَ وَقُتِلَ، وَلَمْ يُصْلَبْ، وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ دُونَ نِصَابٍ، لَمْ يُقْطَعْ بَلْ يُقْتَلُ وَيُصْلَبُ، وَفِي كَيْفِيَّةِ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ إِذَا اجْتَمَعَا قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ، وَعَلَى هَذَا كَمْ يُتْرَكُ مَصْلُوبًا؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ: ثَلَاثًا، فَإِذَا مَضَى الثَّلَاثُ، وَسَالَ صَلِيبُهُ، وَهُوَ الْوَدَكُ، أُنْزِلَ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يُنْزَلُ بَلْ يُتْرَكُ حَتَّى يَسِيلَ صَلِيبُهُ، وَأَصَحُّهُمَا: يُنْزَلُ، وَيَكْفِي مَا حَصَلَ مِنَ النِّكَالِ، وَلَوْ خِيفَ التَّغَيُّرُ قَبْلَ الثَّلَاثِ هَلْ يُنْزَلُ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَبِهِ قَالَ الْمَاسَرْجِسِيُّ وَغَيْرُهُ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الْأَصْلِ: يُتْرَكُ مَصْلُوبًا حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُهُ وَيَتَهَرَّأَ، وَلَا يُنْزَلْ بِحَالٍ، وَالْوَجْهَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنْ يُصْلَبَ عَلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُطْرَحُ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُهُ، قَالَ الْإِمَامُ وَذَكَرَ الصَّيْدَلَانِيُّ: أَنَّهُ يُتْرَكُ حَتَّى يَتَسَاقَطَ، وَفِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنِّي لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَإِذَا قُلْنَا: يُنْتَظَرُ سَيَلَانُ الصَّلِيبِ، لَمْ نُبَالِ نَتْنَهُ، وَلَفْظُ الْبَغَوِيِّ فِي حِكَايَةِ وَجْهِ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُتْرَكُ حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُهُ إِلَّا أَنْ يَتَأَذَّى بِهِ الْأَحْيَاءُ، وَمَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَقْرَبُ إِلَى سِيَاقِ ذَلِكَ الْوَجْهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِي كَيْفِيَّةِ الْقَتْلِ: أَنَّهُ يُصْلَبُ حَيًّا، ثُمَّ يُقْتَلُ، وَعَلَى هَذَا كَيْفَ يُقْتَلُ، أَيُتْرَكُ بِلَا طَعَامٍ وَشَرَابٍ حَتَّى يَمُوتَ، أَمْ يُجْرَحُ حَتَّى يَمُوتَ، أَمْ يُتْرَكُ مَصْلُوبًا ثَلَاثًا، ثُمَّ يُنْزَلُ وَيُقْتَلُ، فِيهِ أَوْجُهٌ، وَيُعْرَفُ بِهَذَا أَنَّ الصَّلْبَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُرَادُ بِهِ صَلْبٌ لَا يَمُوتُ مِنْهُ، وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ حُكْمُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ الْخِلَافَ السَّابِقَ فِي إِنْزَالِهِ عَنِ الْخَشَبَةِ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَتَرْكِهِ جَارٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي، أَمَّا إِذَا لَمْ يَأْخُذْ مَالًا وَلَا قَتَلَ، وَلَكِنْ كَثَّرَ جَمْعَ الْقَاطِعِينَ، وَكَانَ رَدْءًا لَهُمْ، وَأَرْغَبَ الرُّفْقَةَ عَلَيْهِ، كَمَا لَا حَدَّ فِي مُقَدِّمَاتِ الزِّنَى، وَلَوْ أَخَذَ بَعْضُهُمْ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا شَرَطْنَا النِّصَابَ، وَلَا يَكْمُلُ نِصَابُهُ بِمَا أَخَذَهُ غَيْرُهُ، وَفِيمَا يُعَاقَبُ بِهِ الرَّدْءُ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يُعَزِّرُهُ الْإِمَامُ بِاجْتِهَادِهِ بِالْحَبْسِ

ص: 157

أَوِ التَّغْرِيبِ أَوْ سَائِرِ وُجُوهِ التَّأْدِيبِ، كَسَائِرِ الْمَعَاصِي. وَالثَّانِي: يُغَرِّبُهُ بِنَفْيِهِ إِلَى حَيْثُ يَرَى، وَلْيَخْتَرْ جِهَةً يَحِفُّ بِهَا أَهْلُ النَّجْدَةِ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَامِ، وَإِذَا عَيَّنَ صُوَبًا، مَنَعَهُ الْعُدُولُ إِلَى غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا هَلْ يُعَزَّرُ فِي الْبَلَدِ الْمَنْفِيِّ إِلَيْهِ بِضَرْبٍ وَحَبْسٍ وَغَيْرِهِمَا، أَمْ يَكْفِي النَّفْيُ؟ وَجْهَانِ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ: أَنَّهُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَمَا اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ قَتْلٌ وَصَلْبٌ، فَمَاتَ، فَهَلْ يَجِبُ صَلْبُهُ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ وَالصَّلْبَ مَشْرُوعَانِ، تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا فَوَجَبَ الْآخَرُ. وَالثَّانِي: لَا، وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَيُنْسَبُ إِلَى النَّصِّ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقَتْلِ، فَسَقَطَ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ.

الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ وَهُوَ أَمْرَانِ

الْأَوَّلُ: السُّقُوطُ بِالتَّوْبَةِ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ إِذَا هَرَبَ، يُطْلَبُ وَيُقَامُ مَا يَسْتَوْجِبُهُ مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ، فَلَوْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، سَقَطَ مَا يَخْتَصُّ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: قَوْلَانِ، وَإِنْ تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ، لَمْ يَسْقُطْ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: قَوْلَانِ، وَهَلْ تُؤَثِّرُ التَّوْبَةُ فِي إِسْقَاطِ حَدِّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ فِي حَقِّ غَيْرِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ، وَفِي حَقِّهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَبَعْدَهَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ سَبَقَا، الْأَظْهَرُ: لَا يَسْقُطُ، صَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الْجَدِيدِ لِإِطْلَاقِ آيَةِ الزِّنَى، وَقِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ، وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ السُّقُوطَ.

قُلْتُ: رَجَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» مَنْعَ السُّقُوطِ، وَهُوَ أَقْوَى. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 158

ثُمَّ مَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ فِي حَقِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ يَسْقُطُ بِنَفْسِ التَّوْبَةِ، وَأَمَّا تَوْبَتُهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ، وَتَوْبَةُ الزَّانِي وَالسَّارِقِ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: كَذَلِكَ، وَيَكُونُ إِظْهَارُ التَّوْبَةِ كَإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ تَحْتَ السَّيْفِ. وَالثَّانِي: يُشْتَرَطُ مَعَ التَّوْبَةِ إِصْلَاحُ الْعَمَلِ لِيَظْهَرَ صِدْقُهُ فِيهَا، وَنَسَبَ الْإِمَامُ هَذَا الْوَجْهَ إِلَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ، وَالْأَوَّلَ إِلَى سَائِرِ الْأَصْحَابِ. وَالَّذِي ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ هُوَ مَا نَسَبَهُ إِلَى الْقَاضِي، وَاحْتَجُّوا بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ:(إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ)

[الْمَائِدَةِ: 34] لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ التَّوْبَةِ، وَقَالَ فِي الزِّنَى:(فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا)

[النِّسَاءِ: 16]، وَفِي السَّرِقَةِ:(فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ)

[الْمَائِدَةِ: 36] قَالَ الْإِمَامُ: مَعْرِفَةُ إِصْلَاحِ الْعَمَلِ بِأَنْ يُمْتَحَنَ سِرًّا وَعَلَنًا، فَإِنْ بَدَا الصَّلَاحُ، أَسْقَطْنَا الْحَدَّ عَنْهُ، وَإِلَّا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ، قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا مُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِنْ خُلِّيَ فَكَيْفَ يُعَرَفُ صَلَاحُهُ؟ وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا: إِذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ، امْتَنَعْنَا مِنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ، فَإِنْ لَمْ يُظْهَرْ مَا يُخَالِفُ الصَّلَاحَ، فَذَاكَ، وَإِنْ ظَهَرَ، أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي بَابِ حَدِّ الزِّنَى فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ فِي سُقُوطِ الْحَدِّ بِالتَّوْبَةِ طَرِيقَيْنِ، أَحَدُهُمَا: تَخْصِيصُهُمَا بِمَنْ تَابَ قَبْلَ الرَّفْعِ إِلَى الْقَاضِي، فَإِنْ تَابَ بَعْدَ الرَّفْعِ، لَمْ يَسْقُطْ قَطْعًا. وَالثَّانِي: طَرْدُهُمَا فِي الْحَالَيْنِ، وَقَدْ يَرْجِعُ هَذَا الْخِلَافُ إِلَى أَنَّ التَّوْبَةَ بِمُجَرَّدِهَا تُسْقِطُ الْحَدَّ، أَمْ يُعْتَبَرُ الْإِصْلَاحُ؟ إِنِ اعْتَبَرْنَاهُ اشْتُرِطَ مُضِيُّ زَمَنٍ يَظْهَرُ بِهِ الصِّدْقُ، فَلَا تَكْفِي التَّوْبَةُ بَعْدَ الرَّفْعِ.

فَرْعٌ

إِذَا تَابَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ قَتَلَ، سَقَطَ عَنْهُ انْحِتَامُ الْقَتْلِ، فَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتَصَّ، وَلَهُ الْعَفْوُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ يُسْقِطُ الْقِصَاصَ، فَلَا يَبْقَى عَلَيْهِ شَيْءٌ أَصْلًا، وَحُكِيَ وَجْهٌ

ص: 159

أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ بِالشُّبْهَةِ، كَحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَنَقَلَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي الْقَذْفِ قَوْلًا قَدِيمًا، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ، سَقَطَ الصَّلْبُ وَانْحِتَامُ الْقَتْلِ، وَبَقِيَ الْقِصَاصُ وَضَمَانُ الْمَالِ، وَفِي الْقِصَاصِ مَا ذَكَرْنَا، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ الْمَالَ، سَقَطَ قَطْعُ الرِّجْلِ، وَكَذَا قَطْعُ الْيَدِ عَلَى الْمَذْهَبِ.

الْأَمْرُ الثَّانِي فِي حُكْمِ قَتْلِهِ، فَإِذَا قَتَلَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ خَطَأً، بِأَنْ رَمَى شَخْصًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْقَتْلُ، وَتَكُونُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ قَتْلِهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ: هَذَا قَتْلٌ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ وَمَعْنَى الْحُدُودِ؛ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ قَتْلٍ، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ وَيَتَعَلَّقُ اسْتِيفَاؤُهُ بِالسُّلْطَانِ، وَمَا الْمُغَلَّبُ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، وَقَالَ آخَرُونَ: هَلْ يَتَمَحَّضُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى أَمْ فِيهِ أَيْضًا حَقُّ آدَمِيٍّ؟ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: الثَّانِي، وَيُقَالُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: أَصْلُ الْقَتْلِ فِي مُقَابَلَةِ الْقَتْلِ، وَالتَّحَتُّمُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ صُوَرٌ.

مِنْهَا: لَوْ قَتَلَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ، كَابْنِهِ وَعَبْدٍ وَذِمِّيٍّ، فَإِنْ لَمْ يُرَاعِ مَعْنَى الْقِصَاصِ وَحَقَّ الْآدَمِيِّ، قَتَلْنَاهُ حَدًّا وَلَمْ نُبَالِ بِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ، وَإِنْ رَاعَيْنَاهُ، لَمْ نَقْتُلْهُ بِهِ وَأَوْجَبْنَا الدِّيَةَ أَوِ الْقِيمَةَ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ نَفْسَهُ، فَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا يُقْتَلُ قَطْعًا، كَمَا لَا يُقْطَعُ إِذَا أَخَذَ مَالَ نَفْسِهِ، وَاخْتَارَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ.

وَمِنْهَا: لَوْ مَاتَ، فَإِنْ رَاعَيْنَا الْقِصَاصَ أَخَذْنَا الدِّيَةَ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ فِيهَا.

ص: 160

وَمِنْهَا: لَوْ قَتَلَ فِي قَطْعِ الطَّرِيقِ جَمَاعَةً، فَإِنْ رَاعَيْنَا الْقِصَاصَ، قُتِلَ بِوَاحِدٍ وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ، فَإِنْ قَتْلَهُمْ مُرَتَّبًا، قُتِلَ بِالْأَوَّلِ، وَلَوْ عَفَا وَلِي الْأَوَّلِ، لَمْ يَسْقُطْ، ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ، وَإِنْ لَمْ نُرَاعِ الْقِصَاصَ، قُتِلَ بِهِمْ، وَلَا دِيَةَ.

وَمِنْهَا: لَوْ عَفَا الْوَلِيُّ عَلَى مَالٍ إِنْ رَاعَيْنَا الْقِصَاصَ، سَقَطَ الْقِصَاصُ وَوَجَبَ الْمَالُ، وَقُتِلَ حَدًّا كَمُرْتَدٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ، وَعُفِيَ عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ نُرَاعِهِ، فَالْعَفْوُ لَغْوٌ.

وَمِنْهَا: لَوْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ، لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ إِنْ رَاعَيْنَا مَعْنَاهُ وَيَسْقُطُ الْحَدُّ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَمِنْهَا: لَوْ قَتَلَ بِمُثْقِلٍ، أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ، فَإِنْ رَاعَيْنَا الْقِصَاصَ، قَتَلْنَاهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَ، وَإِلَّا فَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ، كَالْمُرْتَدِّ.

وَمِنْهَا: لَوْ قَتَلَهُ شَخْصٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ إِنْ رَاعَيْنَا الْقِصَاصَ، لَزِمَهُ الدِّيَةُ لِوَرَثَتِهِ وَلَا قِصَاصَ؛ لِأَنَّ قَتْلَهُ مُتَحَتِّمٌ، وَيَجِيءُ فِيهِ وَجْهٌ، وَإِنْ لَمْ نُرَاعِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا التَّعْزِيرُ لِافْتِئَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ.

فَرْعٌ

إِذَا جَرَحَ قَاطِعُ الطَّرِيقِ جُرْحًا سَارِيًا، فَهُوَ قَاتِلٌ، وَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ، وَإِنْ جَرَحَ جُرْحًا وَاقِفًا، نُظِرَ إِنْ كَانَ مِمَّا لَا قِصَاصَ فِيهِ كَالْجَائِفَةِ، فَوَاجِبُهُ الْمَالُ وَلَا قَتْلَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا فِيهِ قِصَاصٌ، كَقَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ، قُوبِلَتْ بِمِثْلِهِ، وَهَلْ يَتَحَتَّمُ الْقِصَاصُ فِي الْجِرَاحَةِ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ، أَظْهَرُهَا: لَا، كَمَا لَا كَفَّارَةَ. وَالثَّانِي: نَعَمْ. وَالثَّالِثُ: يَتَحَتَّمُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ دُونَ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَالْعَيْنِ وَغَيْرِهَا، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَإِنْ قُلْنَا: الْجِرَاحَةُ لَا تَتَحَتَّمُ، فَهُوَ كَمَا لَوْ قَطَعَهُ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ ثُمَّ قَتَلَهُ فِيهَا،

ص: 161