المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الْأَصَحِّ، وَلَوِ اشْتَرَى الْحِرْزَ، وَسَرَقَ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَالَ الْبَائِعِ، - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١٠

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الدَّمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْإِمَامَةِ وَقِتَالُ الْبُغَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ حَدِّ الزِّنَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلَ

- ‌بَابُ قُطَّاعِ الطُّرُقِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ ضَمَانِ إِتْلَافِ الْإِمَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ السِّيَرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَالْهُدْنَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَالضَّحَايَا وَالْعَقِيقَةِ وَالْأَطْعِمَةِ

- ‌كِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: الْأَصَحِّ، وَلَوِ اشْتَرَى الْحِرْزَ، وَسَرَقَ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَالَ الْبَائِعِ،

الْأَصَحِّ، وَلَوِ اشْتَرَى الْحِرْزَ، وَسَرَقَ مِنْهُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَالَ الْبَائِعِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَدَّى الثَّمَنَ، قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ غَصَبَ مَالًا، أَوْ سَرَقَهُ وَوَضَعَهُ فِي حِرْزِهِ، فَجَاءَ مَالِكُ الْمَالِ وَسَرَقَ مِنْ ذَلِكَ الْحِرْزِ مَالًا لِلْغَاصِبِ، فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ لَهُ دُخُولُ الْحِرْزِ وَهَتْكُهُ لِأَخْذِ مَالِهِ، وَخَصَّصَ جَمَاعَةٌ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إِذَا كَانَ مَالُ الْغَاصِبِ مُتَمَيِّزًا لَا عَنْ مَالِهِ، سَوَاءٌ أَخَذَهُ وَحْدَهُ أَمْ مَعَ مَالِ نَفْسِهِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ مَخْلُوطًا بِهِ بِحَيْثُ لَا يَتَمَيَّزُ أَحَدُهُمَا، فَلَا قَطْعَ قَطْعًا، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمُشْتَرَكَ لَا يُقْطَعُ بِهِ الشَّرِيكُ، وَلَوْ سَرَقَ أَجْنَبِيٌّ الْمَالَ الْمَغْصُوبَ أَوِ الْمَسْرُوقَ، لَمْ يُقْطَعْ عَلَى الْأَصَحِّ.

‌فَصْلٌ

سَرَقَ طَعَامًا فِي عَامِ الْقَحْطِ وَالْمَجَاعَةِ، فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ عَزِيزًا بِثَمَنٍ غَالٍ، قُطِعَ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوجَدُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، فَلَا قَطْعَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه: لَا قَطْعَ فِي عَامِ الْمَجَاعَةِ.

الرُّكْنُ الثَّانِي: نَفْسُ السَّرِقَةِ، وَهِيَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الْخَفِيَّةِ، فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ أَخَذَ عِيَانًا، كَالْمُخْتَلِسِ وَالْمُنْتَهِبِ، فَالْمُخْتَلِسُ: هُوَ مَنْ يَعْتَمِدُ الْهَرَبَ، وَالْمُنْتَهِبُ: الَّذِي يَعْتَمِدُ الْقُوَّةَ وَالْغَلَبَةَ، وَلَا يُقْطَعُ الْمُودَعُ إِذَا جَحَدَ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَطْرَافٍ: الْأَوَّلُ فِي إِبْطَالِ الْحِرْزِ، وَقَدْ يَكُونُ بِالنَّقْبِ وَفَتْحِ الْبَابِ، وَقَدْ يَكُونُ بِتَغْيِيبِهِ عَنْ نَظَرِ الْمُلَاحِظِ، وَفِيهِ صُوَرٌ: الْأُولَى: إِذَا نَقَّبَ، ثُمَّ عَادَ وَأَخْرَجَ نِصَابًا فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى، فَإِنْ عَلِمَ صَاحِبُ الْحِرْزِ بِالنَّقْبِ، أَوْ كَانَ ظَاهِرًا يَرَاهُ الطَّارِقُونَ، وَبَقِيَ كَذَلِكَ،

ص: 133

فَلَا قَطْعَ، لِانْتِهَاكِ الْحِرْزِ، وَإِلَّا فَيُقْطَعُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ، كَمَا لَوْ نَقَّبَ وَأَخْرَجَ الْمَالَ آخَرُ، وَلَوْ نَقَّبَ وَاحِدٌ، وَدَخَلَ آخَرُ الْحِرْزَ وَأَخْرَجَ الْمَالَ فِي الْحَالِ، أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَيَضْمَنُ الْأَوَّلُ الْجِدَارَ.

وَالثَّانِي مَا أَخَذَهُ، وَقِيلَ: فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ عَلَى الثَّانِي قَوْلَانِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، فَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حَافِظٌ قَرِيبٌ مِنَ النَّقِيبِ، وَهُوَ يُلَاحِظُ الْمَتَاعَ فَهُوَ مُحْرِزٌ بِهِ، فَيُقْطَعُ الْآخِذُ. وَإِنْ كَانَ الْحَافِظُ نَائِمًا، لَمْ يُقْطَعْ فِي الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ نَامَ فِي الدَّارِ وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ.

الثَّانِيَةُ: تَعَاوَنَ شَرِيكَانِ عَلَى النَّقْبِ، وَأَخْرَجَا نِصَابَيْنِ، بِأَنْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ نِصَابًا، أَوْ حَمَلَا مَتَاعًا يُسَاوِي نِصَابَيْنِ، لَزِمَهُمَا الْقَطْعُ، وَإِنْ تَعَاوَنَا عَلَى النَّقْبِ، وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْإِخْرَاجِ، فَالْقَطْعُ عَلَى الْمُخْرِجِ خَاصَّةً، وَحَكَى الْإِمَامُ فِي الْمُخْرِجِ وَجْهًا شَاذًّا جِدًّا، وَلَوْ نَقَّبَ وَاحِدٌ، وَدَخَلَ مَعَ آخَرَ، وَأَخْرَجَا الْمَالَ، قُطِعَ الْجَامِعُ بَيْنَ النَّقْبِ وَالْإِخْرَاجِ دُونَ الْآخَرِ، وَلَوِ اشْتَرَكَا فِي النَّقْبِ وَلَمْ يُخْرِجَا إِلَّا نِصَابًا، فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الِاشْتِرَاكِ فِي النَّقْبِ ثُلُثًا، وَالْآخَرُ سُدُسًا، قُطِعَ صَاحِبُ الثُّلُثِ دُونَ الْآخَرِ، وَفِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الِاشْتِرَاكُ فِي النَّقْبِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا يَحْصُلْ بِأَخْذِ آلَةٍ وَاحِدَةٍ وَيَسْتَعْمِلَاهَا مَعًا، كَمَا لَا يَحْصُلُ الِاشْتِرَاكُ فِي قَطْعِ الْيَدِ إِلَّا بِأَنْ يُمِرَّا حَدِيدَةً وَاحِدَةً، وَأَصَحُّهُمَا: تَحْصُلُ الشَّرِكَةُ وَإِنْ أَخَذَ هَذَا لَبِنَاتٍ وَهَذَا لَبِنَاتٍ.

الثَّالِثَةُ: الشَّرِيكَانِ فِي النَّقْبِ، إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمَا وَوَضَعَ الْمَتَاعَ قَرِيبًا مِنَ النَّقْبِ، أَوْ دَخَلَ أَحَدُ السَّارِقَيْنِ وَوَضَعَهُ قَرِيبًا مِنْ بَابِ الْحِرْزِ، وَأَدْخَلَ الْآخَرُ يَدَهُ وَأَخَذَهُ، فَالْقَطْعُ عَلَى الثَّانِي الْمُخْرِجِ دُونَ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ أَحَدُهُمَا عَلَى طَرَفِ السَّطْحِ، وَنَزَلَ الْآخَرُ وَجَمَعَ الثِّيَابَ وَرَبَطَهَا

ص: 134

بِحَبْلٍ، فَرَفَعَهَا الْوَاقِفُ، فَالْقَطْعُ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَعَلَيْهِمَا الضَّمَانُ، وَلَوْ وَضَعَ الدَّاخِلُ الْمَتَاعَ خَارِجَ الْحِرْزِ أَوِ الْبَابِ، وَأَخَذَهُ الْآخَرُ، فَالْقَطْعُ عَلَى الْمُخْرِجِ دُونَ الْآخِذِ، وَلَوْ وَضَعَ الْمَتَاعَ عَلَى وَسَطِ النَّقْبِ، فَأَخَذَهُ الْآخَرُ وَأَخْرَجَهُ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابَيْنِ فَقَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: يُقْطَعَانِ، وَأَظْهَرُهُمَا: لَا قَطَعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَوْ نَاوَلَ الدَّاخِلُ الْخَارِجَ فِي فَمِ النَّقْبِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: لَا يُقْطَعُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، ذَكَرَهُ بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْرِيعًا عَلَى الْأَظْهَرِ، وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ، وَلَوْ نَقَّبَ اثْنَانِ وَدَخَلَا، وَأَخَذَ أَحَدُهُمَا الْمَالَ وَشَدَّهُ عَلَى وَسَطِ الْآخَرِ، فَخَرَجَ بِهِ الْآخَرُ، فَالْقَطْعُ عَلَى هَذَا الْآخَرِ دُونَ الْأَوَّلِ، وَلَوْ أَنَّ الْآخَرَ أَخَذَ الْمَالَ فَأَخْرَجَهُ وَالْمَتَاعُ فِي يَدِهِ، قُطِعَ الْمَحْمُولُ، وَفِي الْحَامِلِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ لِلْمَالِ، وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْمِلُ طَبَقًا، فَحَمَلَ رَجُلًا حَامِلًا طَبَقًا، لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ نَقَّبَ زَمِنٌ وَأَعْمَى، وَأَدْخَلَ الْأَعْمَى الزَّمِنَ فَأَخَذَ الْمَالَ، وَحَمَلَهُ الْأَعْمَى وَأَخْرَجَهُ، قُطِعَ الزَّمِنُ، وَفِي الْأَعْمَى الْوَجْهَانِ، قَالَ صَاحِبُ «الْبَيَانِ» : وَلَوْ أَنَّ الْأَعْمَى حَمَلَ الزَّمِنَ وَأَدْخَلَهُ، فَدَلَّ الزَّمِنُ الْأَعْمَى عَلَى الْمَالِ، وَأَخَذَهُ، وَخَرَجَ بِهِ قُطِعَ الْأَعْمَى، وَلَا يُقْطَعُ الزَّمِنُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ نَقَّبَ وَاحِدٌ وَدَخَلَ، فَوَضَعَ الْمَتَاعَ عَلَى وَسَطِ النَّقْبِ، فَأَخَذَهُ آخَرُ، أَوْ دَخَلَ غَيْرُ النَّاقِبِ وَوَضَعَهُ فِي الْوَسَطِ، فَأَخَذَهُ النَّاقِبُ، فَلَا قَطْعَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

فَرْعٌ

لَا فَرْقَ فِي هَتْكِ الْحِرْزِ بَيْنَ النَّقْبِ، وَكَسْرِ الْبَابِ، وَقَلْعِهِ، وَفَتْحِ الْمِغْلَاقِ وَالْقُفْلِ، وَتَسَوُّرِ الْحَائِطِ، فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِأَخْذِ الْمَالِ فِي جَمِيعِ هَذَا الْأَحْوَالِ.

ص: 135

الطَّرَفُ الثَّانِي فِي وُجُوهِ النَّقْلِ وَفِيهِ مَسَائِلُ: إِحْدَاهَا: رَمَى الْمَالَ إِلَى خَارِجِ الْحِرْزِ مِنَ النَّقْبِ أَوِ الْبَابِ، أَوْ مِنْ فَوْقِ الْجِدَارِ، لَزِمَهُ الْقَطْعُ، سَوَاءٌ أَخَذَهُ بَعْدَ الرَّمْيِ، أَوْ تَرَكَهُ فَضَاعَ أَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، فَلَا قَطْعَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَذَهُ مُعِينُهُ، فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي النَّقْبِ، أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ مِحْجَنًا، وَأَخْرَجَ الْمَتَاعَ، قُطِعَ، وَلَوْ أَرْسَلَ مِحْجَنًا أَوْ حَبْلًا فِي رَأْسِهِ كُلَّابٌ مِنَ السَّطْحِ، وَأَخْرَجَ بِهِ ثَوْبًا، أَوْ إِنَاءً وَنَحْوَهُ، قُطِعَ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ أَتْلَفَ الْمَالَ فِي الْحِرْزِ بِأَكْلٍ أَوْ إِحْرَاقٍ، فَلَا قَطْعَ، وَلَوِ ابْتَلَعَ فِي الْحِرْزِ جَوْهَرَةً أَوْ دِينَارًا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا: أَنَّهَا إِنْ خَرَجَتْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ، قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّانِي: لَا يُقْطَعُ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ: يُقْطَعُ، وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ وَجْهًا رَابِعًا أَنَّهُ إِنْ أَخَذَهَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ عَنْهُ، قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَلَوْ أَخَذَ الطِّيبَ، فَتَطَيَّبَ بِهِ فِي الْحِرْزِ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يَجْمَعَ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا، فَلَا قَطْعَ، وَكَذَا إِنْ أَمْكَنَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ يُعَدُّ إِهْلَاكًا، كَأَكْلِ الطَّعَامِ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ كَانَ فِي الْحِرْزِ مَاءٌ جَارٍ فَوَضَعَ الْمَتَاعَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ، قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ كَانَ رَاكِدًا، وَحَرَّكَهُ حَتَّى خَرَجَ بِهِ، فَهُوَ كَالْجَارِي، وَإِنْ حَرَّكَهُ غَيْرُهُ، فَخَرَجَ، فَالْقَطْعُ عَلَى الْمُحَرِّكِ، وَإِنْ زَادَ الْمَاءُ بِانْفِجَارٍ أَوْ مَجِيءِ سَيْلٍ، فَخَرَجَ بِهِ، لَمْ يُقْطَعْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ كَانَ فِي بُسْتَانٍ أُتْرُجٌّ وَالْمَاءُ يَدْخُلُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ وَيَخْرُجُ مِنَ الْآخَرِ، فَجَمَعَ نَارًا وَوَقُودًا وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَاءِ حَتَّى دَخَلَ وَعَلَا الدُّخَانُ، فَأَسْقَطَ الْأُتْرُجَّ فِي الْمَاءِ، وَخَرَجَ مِنَ الطَّرَفِ الْآخَرِ، فَأَخَذَهُ، أَوْ رَمَى الْأَشْجَارَ بِحِجَارَةٍ مِنْ خَارِجِ الْبُسْتَانِ حَتَّى تَنَاثَرَتِ الثِّمَارُ فِي الْمَاءِ، وَخَرَجَتْ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، لَمْ يُقْطَعْ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ كَانَتِ الرِّيحُ تَهُبُّ، فَعَرَضَ الْمَتَاعَ

ص: 136

حَتَّى خَرَجَتْ بِهِ، أَوْ وَضَعَهُ عَلَى طَرَفِ النَّقْبِ، فَطَارَتْ بِهِ الرِّيحُ، قُطِعَ، وَلَا أَثَرَ لِمُعَاوَنَةِ الرِّيحِ، كَمَا أَنَّهَا لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الْقِصَاصِ وَحِلَّ الصَّيْدِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَلَوْ كَانَتِ الرِّيحُ رَاكِدَةً، فَوَضَعَهُ عَلَى طَرَفِ النَّقْبِ، فَهَبَّتْ وَأَخْرَجَتْهُ، فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ وَضَعَ مَتَاعًا فِي حِرْزٍ عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ، وَسَيَّرَهَا بِسُوقٍ أَوْ قَوْدٍ حَتَّى خَرَجَتْ، أَوْ عَقَدَ اللُّؤْلُؤَةَ عَلَى جَنَاحِ طَائِرٍ وَطَيَّرَهُ، قُطِعَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ، وَفِي «الْبَيَانِ» وَجْهٌ، وَلَوْ كَانَتِ الدَّابَّةُ فِي السَّيْرِ، فَوَضَعَ الْمَتَاعَ عَلَيْهَا فَخَرَجَتْ بِهِ، فَلَا قَطْعَ فَهُوَ كَمَا لَوْ سَيَّرَهَا، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ سَائِرَةً وَلَا سَيَّرَهَا، بَلْ كَانَتْ وَاقِفَةً، فَوَضَعَ الْمَتَاعَ عَلَيْهَا، فَسَارَتْ وَخَرَجَتْ بِهِ، فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ لَهَا اخْتِيَارًا فِي السَّيْرِ، وَقِيلَ: لَا قَطْعَ بِلَا خِلَافٍ، وَقِيلَ: إِنْ سَارَتْ فِي الْحَالِ، قُطِعَ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، وَقِيلَ: إِنْ وَقَفَتْ، ثُمَّ سَارَتْ، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ سَارَتْ فِي الْحَالِ فَوَجْهَانِ، وَلَوْ أَخْرَجَ شَاةً، فَتَبِعَهَا أُخْرَى أَوْ سَخْلَتُهَا، وَلَمْ تَكُنِ الْأُولَى نِصَابًا، فَفِيهِ هَذَا الْخِلَافُ، وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَفِي دُخُولِ السَّخْلَةِ فِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ، وَلَوْ نَقَّبَ الْحِرْزَ، ثُمَّ أَمَرَ صَبِيًّا لَا يُمَيِّزُ بِإِخْرَاجِ الْمَالِ، فَأَخْرَجَهُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَجِبُ الْقَطْعُ عَلَى الْآمِرِ قَطْعًا، وَقِيلَ: عَلَى الْخِلَافِ فِي خُرُوجِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي كَانَتْ وَاقِفَةً، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَلَهُ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ وَرُؤْيَةٌ، فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ آلَةٌ لَهُ، وَالْعَبْدُ الْأَعْجَمِيُّ كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ.

الْخَامِسَةُ: لَوْ سَرَقَ عَبْدًا صَغِيرًا لَا يُمَيِّزُ، قُطِعَ إِنْ كَانَ مُحْرَزًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُحْرَزًا إِذَا كَانَ فِي دَارِ السَّيِّدِ، أَوْ بِفَنَاءِ دَارِهِ، فَإِنْ بَعُدَ عَنْهَا، وَدَخَلَ سِكَّةً أُخْرَى، فَلَيْسَ بِمُحْرَزٍ، وَسَوَاءٌ فِي الْمُحْرَزِ بِفَنَاءِ الدَّارِ كَانَ وَحْدَهُ، أَوْ كَانَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُضَيَّعًا، وَسَوَاءٌ

ص: 137

حَمَلَهُ نَائِمًا أَوْ مُسْتَيْقِظًا، أَوْ دَعَاهُ فَتَبِعَهُ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَهِيمَةِ يُسَاقُ أَوْ يُقَادُ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْخِلَافُ فِي تَسْيِيرِ الْبَهِيمَةِ، وَالْمَجْنُونُ وَالْأَعْجَمِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ كَصَغِيرٍ لَا يُمَيِّزُ، وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ مُمَيِّزًا، فَسَرَقَهُ نَائِمًا أَوْ سَكْرَانَ أَوْ مَضْبُوطًا، فَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، وَلَوْ دَعَاهُ وَخَدَعَهُ فَتَبِعَهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَيْسَ بِسَرِقَةٍ، بَلْ هُوَ خِيَانَةٌ، وَلَوْ أَكْرَهُهُ بِالسَّيْفِ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْحِرْزِ، قُطِعَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَوْ حَمَلَ عَبْدًا قَوِيًّا قَادِرًا عَلَى الِامْتِنَاعِ، فَلَمْ يَمْتَنِعْ، فَلَا قَطْعَ، وَلَوْ حَمَلَهُ نَائِمًا أَوْ سَكْرَانَ، قَالَ الْإِمَامُ: الْوَجْهُ عِنْدِي الْجَزْمُ بِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ تَلَفَ قَبْلَ التَّيَقُّظِ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ لَا يَتَوَقَّفُ ثُبُوتُ الْيَدِ عَلَيْهِ عَلَى الِاسْتِيلَاءِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الْمُقَاوَمَةِ عِنْدَ طَلَبِ الِاسْتِرْدَادِ، قَالَ: وَفِي تَحْقِيقِ السَّرِقَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْعَبْدِ مُحْرَزٌ بِيَدِهِ وَقُوتِهِ، هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي «الْوَسِيطِ» عَلَى التَّرْدِيدِ، وَأَطْلَقَ فِي «الْوَجِيزِ» أَنَّهُ لَا قَطْعَ، قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ جَلَسَ حَيْثُ لَا مُسْتَغَاثَ يُصَاحُ بِهِ، وَهُوَ يُلَاحِظُ مَتَاعَهُ، فَتَغَفَّلَهُ ضَعِيفٌ وَأَخَذَ الْمَالَ، وَلَوْ شَعَرَ بِهِ صَاحِبُ الْمَالِ لَطَرَدَهُ، فَهَلْ نَقُولُ: لَا قَطْعَ، كَمَا لَوْ أَخَذَهُ قَوِيٌّ لَا يُبَالِي بِصَاحِبِ الْمَالِ، أَمْ نَقُولُ: يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِحَسْبِ اخْتِلَافِ الْآخِذِينَ؟ الظَّاهِرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ.

السَّادِسَةُ: الْحُرُّ لَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ، فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ وَإِنْ كَانَ طِفْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَوْ كَانَ مَعَ الصَّبِيِّ مَالٌ، أَوْ فِي عُنُقِهِ قِلَادَةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا، فَلَا قَطْعَ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِ الصَّبِيِّ وَمُحْرَزٌ بِهِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حِرْزِهِ، هَكَذَا أَطْلَقَ الْجُمْهُورُ الْوَجْهَيْنِ، وَصَوَّرَهُمَا الْإِمَامُ فِيمَا لَوْ كَانَ الصَّبِيُّ نَائِمًا أَوْ مَرْبُوطًا عِنْدَ الْحَمْلِ، قَالَ: وَيَجْرِيَانِ فِي أَنَّ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى غَيْرِ صُورَةِ السَّرِقَةِ هَلْ تَدْخُلُ الثِّيَابُ الَّتِي عَلَيْهِ فِي ضَمَانِهِ؟ وَلَوْ حَمَلَ حُرًّا مُسْتَقِلًّا وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ، أَوْ مَعَهُ مَالٌ

ص: 138

آخَرُ، قَالَ الْإِمَامُ: تَقَدَّمَ عَلَيْهِ مَسْأَلَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ لَوْ نَامَ عَلَى بَعِيرٍ عَلَيْهِ أَمْتِعَةٌ. فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَ بِزِمَامِهِ، وَأَخْرَجَهُ عَنِ الْقَافِلَةِ، وَجَعَلَهُ فِي مَضْيَعَةٍ، وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، أَحَدُهَا: يَجِبُ الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنَ الْحِرْزِ وَالْمَأْمَنِ إِلَى الْمَضْيَعَةِ. وَالثَّانِي: لَا قَطْعَ؛ لِأَنَّ الْبَعِيرَ وَمَا عَلَيْهِ مُحْرَزٌ بِالرَّاكِبِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ يَدِهِ. وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ الرَّاكِبُ قَوِيًّا لَا يُقَاوِمُهُ السَّارِقُ، لَوِ انْتَبَهَ فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يُبَالِي بِهِ السَّارِقُ، قُطِعَ وَلَا أَثَرَ لِيَدِ الضَّعِيفِ. وَالرَّابْعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَثِيرُونَ سِوَاهُ: إِنْ كَانَ الرَّاكِبُ حُرًّا، فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّ الْمَتَاعَ وَالْبَعِيرَ فِي يَدِهِ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، قُطِعَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ فِي نَفْسِهِ مَسْرُوقٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقَطْعُ، ثُمَّ بَنَى الْإِمَامُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ خِلَافًا حَكَاهُ فِي أَنَّ الْمُسْتَقِلَّ إِذَا حَمَلَهُ حَامِلٌ، هَلْ يَدْخُلُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الثِّيَابِ تَحْتَ يَدِ الْحَامِلِ؟ قَالَ: وَالْقَوْلُ بِدُخُولِهَا بَعِيدٌ، وَهُوَ فِي الْحُرِّ الْقَوِيِّ أَبْعَدُ مِنْهُ فِي الضَّعِيفِ وَحَيْثُ لَا تَثْبُتُ يَدُ الْحَامِلِ عَلَى الثِّيَابِ فَلَا سَرِقَةَ، وَأَنَّ مَا مَعَ الْحُرِّ لَا يَدْخُلُ فِي يَدِ الْحَامِلِ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمَحْمُولِ ثَابِتَةٌ عَلَى مَا مَعَهُ، وَلِهَذَا نَقُولُ: مَا يُوجَدُ مَعَ اللَّقِيطِ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ فِي يَدِهِ.

فَرْعٌ

لَوْ سَرَقَ حُلِيًّا مِنْ عُنُقِ صَبِيٍّ، أَوْ سَرَقَ ثِيَابَهُ، قُطِعَ، وَفِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَكُونُ الْعَبْدُ الصَّغِيرُ مُحْرَزًا، وَلَوْ سَرَقَ قِلَادَةً مِنْ عُنُقِ كَلْبٍ، أَوْ سَرَقَهَا مَعَ الْكَلْبِ، قُطِعَ، وَحِرْزُ الْكَلْبِ كَحِرْزِ الدَّوَابِّ.

الطَّرَفُ الثَّالِثُ فِي الْمَحَلِّ الْمَنْقُولِ إِلَيْهِ

فَلَا قَطْعَ بِنَقْلِ الْمَتَاعِ مِنْ بَعْضِ زَوَايَا الْحِرْزِ إِلَى بَعْضِهَا، وَلَوْ نُقِلَ مِنْ بَيْتٍ إِلَى صَحْنِ الدَّارِ، نُظِرَ إِنْ كَانَ بَابُ الْبَيْتِ مُغْلَقًا وَبَابُ الدَّارِ

ص: 139

مَفْتُوحًا قُطِعَ؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ مَنْ حِرْزِهِ، وَجَعَلَهُ فِي مَحَلِّ الضَّيَاعِ، وَإِنْ كَانَ بَابُ الْبَيْتِ مَفْتُوحًا وَبَابُ الدَّارِ مُغْلَقًا، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ كَانَ الْبَابَانِ مُغْلَقَيْنِ، فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَقِيلَ: يُقْطَعُ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ الصَّحْنُ حِرْزًا، لَمْ يُقْطَعْ، وَإِلَّا فَيُقْطَعْ، وَإِنْ كَانَ بَابُ الْبَيْتِ وَالدَّارِ مَفْتُوحَيْنِ فَالْمَالُ ضَائِعٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُحْرَزًا بِاللِّحَاظِ، فَلَا قَطْعَ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ الْأَرْبَعُ ظَاهِرَةُ التَّصْوِيرِ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنَ السَّارِقِ تَصَرُّفٌ فِي بَابِ الدَّارِ، بِأَنْ تَسَوَّرَ الْجِدَارَ وَدَخَلَ، أَمَّا إِذَا فَتَحَ بَابَ الدَّارِ الْمُغْلَقَ، ثُمَّ أَخْرَجَ الْمَتَاعَ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الصَّحْنِ، فَالْحِرْزُ الَّذِي يَهْتِكُهُ السَّارِقُ فِي حُكْمِ الْحِرْزِ الدَّائِمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ كَمَا لَوْ نُقِلَ إِلَى الصَّحْنِ وَبَابُ الدَّارِ مُغْلَقٌ، هَذَا مَا رَآهُ الْإِمَامُ أَصَحَّ، فَإِنْ أَغْلَقَ الْبَابَ بَعْدَ فَتْحِهِ، فَهُوَ أَظْهَرُ، وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا فِي دَارٍ هِيَ وَبُيُوتُهَا لِوَاحِدٍ، فَلَوْ سَكَنَهَا جَمَاعَةٌ، وَانْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِحُجْرَةٍ أَوْ بَيْتٍ وَفِي مَعْنَاهَا الْخَانَاتُ وَالْمَدَارِسُ وَالرِّبَاطَاتُ، فَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَسْكُنُ الْخَانَ كَدَارٍ يَخْتَصُّ بِهَا وَاحِدٌ حَتَّى إِذَا سَرَقَ مِنْ حِجْرِهَا أَوْ صَحْنِهَا مَا يُحْرِزُهُ الصَّحْنُ، وَأَخْرَجَ مِنَ الْخَانِ، قُطِعَ، وَإِنْ أَخْرَجَ مِنَ الْبُيُوتِ وَالْحِجْرِ إِلَى صَحْنِ الْخَانِ فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُقْطَعُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّ الصَّحْنَ لَيْسَ حِرْزًا لِصَاحِبِ الْبَيْتِ بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ السُّكَّانِ، كَالسِّكَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ أَهْلِهَا، وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» ، وَجَمَاعَةٌ.

وَالثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالَيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا: أَنَّهُ كَالْإِخْرَاجِ مِنْ بُيُوتِ الدَّارِ إِلَى صَحْنِهَا، فَيُفَرِّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَابُ الْخَانِ مَفْتُوحًا أَوْ مُغْلَقًا، وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا مَا حُكِيَ عَنِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ إِنْ كَانَ نَهَارًا، قُطِعَ، وَإِنْ كَانَ لَيْلًا، فَلَا؛ لِأَنَّ الْبَابَ يَكُونُ مُغْلَقًا، وَأَمَّا إِذَا سَرَقَ أَحَدُ السُّكَّانِ، فَإِنْ سَرَقَ مِنَ الْعَرْصَةِ، فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ وَمَا فِيهَا غَيْرُ مُحْرَزٍ عَنْهُمْ، قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا إِذَا كَانَ فَتْحُ الْبَابِ هَيِّنًا عَلَى مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، بِأَنْ كَانَ مُوثَقًا بِسَلَاسِلَ وَنَحْوِهَا، أَمَّا إِذَا كَانَ مُوثَقًا بِالْمَغَالِيقِ وَلَهُ مِفْتَاحٌ بِيَدِ حَارِسٍ وَكَانَ يَحْتَاجُ مُخْرِجُ الْمَتَاعِ إِلَى مُعَانَاةٍ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مَنْ يُحَاوِلُ

ص: 140

الدُّخُولَ مِنْ خَارِجٍ، فَفِيهِ تَرَدُّدٌ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ بَعْضِ الْبُيُوتِ إِلَى الصَّحْنِ، وَكَانَ بَابُ الْبَيْتِ مُغْلَقًا، وَالصَّحْنُ فِي حَقِّ السُّكَّانِ كَسِكَّةٍ مُنْسَدَّةٍ بِالْإِضَافَةِ إِلَى الدُّورِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَابُ الْخَانِ مَفْتُوحًا أَوْ مُغْلَقًا، كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى السِّكَّةِ بَابٌ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُغْلَقًا أَوْ مَفْتُوحًا.

فَرْعٌ

سَرَقَ الضَّيْفُ مَالَ الْمُضِيفِ مِنْ مَوْضِعٍ مُحْرِزٍ عَنْهُ، قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَهُ مِنْ غَيْرِ مُحْرِزٍ عَنْهُ، لَمْ يُقْطَعْ، وَلَوْ سَرَقَ جَارٌ مِنْ طَرْفِ حَانُوتٍ جَارَهُ حَيْثُ يُحْرَزُ بِلِحَاظِ الْجِيرَانِ، فَلَا قَطْعَ؛ لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِهِ لَا عَنْهُ.

فَرْعٌ

دَخَلَ رَجُلٌ الْحَمَّامَ مُغْتَسِلًا، فَسَرَقَ لَمْ يُقْطَعْ، فَإِنْ دَخَلَ سَارِقًا وَهُنَاكَ حَافَظُ الْحَمَّامِي أَوْ غَيْرُهُ، قُطِعَ، فَإِنْ كَانَ نَائِمًا أَوْ مُعْرِضًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ، فَلَا قَطَعَ، قَالَ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ ثَوْبِ مَنْ دَخَلَ الْحَمَّامَ إِذَا اسْتَحْفَظَ الْحَمَّامِيَّ فَحَفِظَهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَمَّامِيِّ بِتَرْكِ الْحِفْظِ، وَلَا قَطْعَ عَلَى السَّارِقِ، وَإِنِ اسْتَحْفَظَهُ، فَلَمْ يَحْفَظْ، ضَمِنَ وَلَا قَطَعَ عَلَى السَّارِقِ.

فَرْعٌ

أَذِنَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ لِلنَّاسِ فِي دُخُولِهِ لِلشِّرَاءِ، فَمَنْ دَخَلَ مُشْتَرِيًا وَسَرَقَ، لَمْ يُقْطَعْ، وَمَنْ دَخَلَ سَارِقًا، قُطِعَ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ فِي دُخُولِهِ، قُطِعَ كُلُّ دَاخِلٍ.

الرُّكْنُ الثَّالِثُ: السَّارِقُ، وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ وَالِاخْتِيَارُ وَالِالْتِزَامُ، فَلَا قَطْعَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ وَحَرْبِيٍّ، وَفِي السَّكْرَانِ الْخِلَافُ

ص: 141

السَّابِقُ فِي الطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ، وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ بِسَرِقَةِ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَكَذَا يُحَدُّ الذِّمِّيُّ إِذَا زَنَى، ثُمَّ فِي «التَّهْذِيبِ» وَغَيْرِهِ أَنَّا إِذَا أَلْزَمْنَا حَاكِمَهَا الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَقَطَعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحُكْمُ، لَمْ يَحُدَّهُ وَلَمْ يَقْطَعْهُ إِلَّا بِرِضَاهُ، سَوَاءٌ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ، وَإِنْ كَانَ يَجِبُ الْحُكْمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، لَا حَقُّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إِلَى الْجَزْمِ بِأَنَّهُ يُقْطَعُ إِذَا سَرَقَ مَالَ مُسْلِمٍ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاهُ، وَذَكَرَ أَنَّهُ إِذَا سَرَقَ مَالَ ذِمِّيٍّ، لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى يَتَرَافَعُوا إِلَيْنَا، وَيَجِيءُ الْقَوْلَانِ فِي إِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ إِذَا جَاءَنَا الْخَصْمُ، قَالَ: وَلَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ، فَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْحَدَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، قَالَ الْإِمَامُ: هَذَا غَلَطٌ، وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ قَهْرًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّا لَوْ فَوَّضْنَا الْأَمْرَ إِلَى رِضَاهُ، لَجَرَّ ذَلِكَ فَضِيحَةً عَظِيمَةً، وَغَايَتُنَا أَنْ نَحْكُمَ بِنَقْضِ الْعَهْدِ، وَإِذَا طَلَبَ تَجْدِيدَهُ، وَجَبَ التَّجْدِيدُ، وَكَيْفَ قُدِّرَ الْخِلَافُ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، كَمَا سَبَقَ فِي بَابَيِ الزِّنَى وَالنِّكَاحِ، وَأَمَّا الْمُعَاهِدُ وَمَنْ دَخَلَ بِأَمَانٍ، فَفِيهِ أَقْوَالٌ، أَظْهَرُهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ: لَا يُقْطَعُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ، فَأَشْبَهَ الْحَرْبِيَّ، وَالثَّانِي: يُقْطَعُ كَالذِّمِّيِّ، وَكَحَدِّ الْقَذْفِ وَالْقِصَاصِ. وَالثَّالِثُ وَهُوَ حَسَنٌ: إِنْ شَرَطَ عَلَيْهِ فِي الْعَهْدِ قَطَعَهُ إِنْ سَرَقَ، قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَمِنْهُمْ مَنِ اكْتَفَى عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْرِقَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِالتَّفْصِيلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِنَفْيِ الْقَطْعِ، وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَسْتَرِدُّ الْمَسْرُوقَ أَوْ بَدَلَهُ إِنْ تَلَفَ، وَلَوْ سَرَقَ مُسْلِمٌ مَالَ مُعَاهِدٍ، قَالَ الْإِمَامُ: التَّفْصِيلُ فِيهِ كَالتَّفْصِيلِ فِي مُعَاهِدٍ سَرَقَ مَالَ مُسْلِمٍ، وَلَوْ زَنَى مُعَاهِدٌ بِمُسْلِمَةٍ فَطَرِيقَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ فِي حَدِّ الزِّنَى الْخِلَافَ، كَالْقَطْعِ، وَالثَّانِي: الْجَزْمُ بِأَنْ لَا حَدَّ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَلَّقُ بِخُصُومَةِ آدَمِيٍّ وَطَلَبِهِ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَقْلِ

ص: 142

الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْبَغَوِيِّ، وَفِي انْتِقَاضِ عَهْدِ الْمُعَاهِدِ بِالسَّرِقَةِ أَوْجُهٌ، ثَالِثُهَا: إِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَسْرِقَ، انْتَقَضَ، وَإِلَّا فَلَا.

فَرْعٌ

سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ الْآبِقُ وَغَيْرُهُ.

الْبَابُ الثَّانِي فِيمَا تَثْبُتُ بِهِ السَّرِقَةُ

تَثْبُتُ بِثَلَاثِ حُجَجٍ، إِحْدَاهَا: الْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ، فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ سَرِقَةً تُوجِبُ الْقَطْعَ، فَأَنْكَرَ وَحَلَفَ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ نَكَلَ، رُدَّتِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَإِذَا حَلَفَ، وَجَبَ الْمَالُ وَالْقَطْعُ، هَكَذَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنِ الْأَصْحَابِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ الْمَرْوَذِيُّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْمَرْدُودَةَ كَالْإِقْرَارِ وَكَالْبَيِّنَةِ، وَكِلَاهُمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبَا «الشَّامِلِ» وَ «الْبَيَانِ» وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْقَطْعُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: أَكْرَهَ أَمَتِي عَلَى الزِّنَى، فَحَلَفَ الْمُدَّعِي بَعْدَ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، يَثْبُتُ الْمَهْرُ دُونَ حَدِّ الزِّنَى.

قُلْتُ: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» الْأَوَّلَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: الْإِقْرَارُ، فَإِذَا أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ تُوجِبُ الْقَطْعَ، أُجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَكْرِيرُ الْإِقْرَارِ، فَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْمَالِ، وَأَنَّهُ يُقْبَلُ فِي سُقُوطِ الْقَطْعِ، فَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ قَطْعِ بَعْضِ الْيَدِ، سَقَطَ الْبَاقِي، فَإِنْ كَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ، فَذَاكَ وَإِلَّا فَلِلْمَقْطُوعِ قَطْعُ الْبَاقِي لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامُ ذَلِكَ. وَلَوْ أَقَرَّ اثْنَانِ بِسَرِقَةِ نِصَابَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ أَحَدُهُمَا، سَقَطَ الْقَطْعُ دُونَ الْآخَرِ، وَالرُّجُوعُ عَنِ الْإِقْرَارِ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، كَالرُّجُوعِ عَنِ الْإِقْرَارِ بِالسَّرِقَةِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِإِكْرَاهِ أَمَةٍ عَلَى الزِّنَى، ثُمَّ رَجَعَ، فَالْمَذْهَبُ سُقُوطُ الْحَدِّ دُونَ الْمَهْرِ.

ص: 143

فَرْعٌ

إِذَا أَقَرَّ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ دَعْوَى بِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ زَيْدٍ الْغَائِبِ سَرِقَةً تُوجِبُ الْقَطْعَ، فَهَلْ يُقْطَعُ فِي الْحَالِ، أَمْ يَنْتَظِرُ حُضُورَ زَيْدٍ وَمُطَالَبَتَهُ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَضَرَ، وَأَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ أَبَاحَهُ الْمَالَ، فَيَسْقُطُ الْحَدُّ وَإِنْ كَذَّبَهُ السَّارِقُ، وَالْحَدُّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، فَتَأْخِيرُهُ أَوْلَى، وَلَوْ بِإِكْرَاهِ جَارِيَةِ غَائِبٍ عَلَى الزِّنَى فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يُحَدُّ لِلزِّنَى وَلَا يُؤَخَّرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهِ، وَلَوْ حَضَرَ وَقَالَ: كُنْتُ أَبَحْتُهَا لَهُ، لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ، وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: يُؤَخَّرُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّهُ وَقَفَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْجَارِيَةَ، قَالَ الْإِمَامُ: وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ قَالَ الْمَالِكُ: كُنْتُ بِعْتُهَا، أَوْ وَهَبْتُهَا، وَأَنَكَرَ الْمُقِرُّ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الْحَدُّ، وَعَلَى قِيَاسِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الْحَدُّ إِذَا أَقَرَّ بِوَقْفِ الْجَارِيَةِ، وَكَذَّبَهُ الْمَقِرُّ.

قُلْتُ: لَيْسَ الْوَقْفُ كَالْبَيْعِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا قَبُولٍ عَلَى الْمُخْتَارِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِذَا قُلْنَا: لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، فَهَلْ يُحْبَسُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَحَدُهَا: نَعَمْ، كَمَنْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ لِغَائِبٍ أَوْ صَبِيٍّ، وَالثَّانِي: إِنْ قَصُرَتِ الْمَسَافَةُ وَتُوُقِّعَ قُدُومُهُ عَلَى قُرْبٍ، حُبِسَ، وَإِلَّا فَلَا، وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ تَالِفَةً، حُبِسَ لِلْغُرْمِ، وَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً، أُخِذَتْ مِنْهُ، ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَ طُولِ الْمَسَافَةِ وَقِصَرِهَا، وَلَوْ أَقَرَّ بِغَصْبِ مَالِ غَائِبٍ، لَمْ يُحْبَسْ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا مُطَالَبَةَ لَهُ بِمَالِ الْغَائِبِ.

فَرْعٌ

لَوْ أَقَرَّ عَبْدٌ بِسَرِقَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْقَطْعِ، قُطِعَ وَفِي قَبُولِهِ فِي الْمَالِ أَقْوَالٌ، أَظْهَرُهَا: لَا يُقْبَلُ، وَالثَّانِي: يُقْبَلُ، وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ، قُبِلَ، وَإِنْ

ص: 144

تَلَفَ، فَلَا، وَالرَّابِعُ: عَكْسُهُ، هَذَا إِذَا كَانَ الْمَالُ فِي يَدِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ فِي يَدِ السَّيِّدِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ، فَلَا يُقْبَلُ إِقْرَارُهُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ أَقَرَّ بِسَرِقَةٍ دُونَ النِّصَابِ، لَمْ يُقْبَلْ بِلَا خِلَافٍ إِلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ سَيِّدُهُ.

فَرْعٌ

مَتَى رُفِعَ إِلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ، وَاتُّهِمَ بِمَا يُوجِبُ عُقُوبَةً لِلَّهِ تَعَالَى، فَلِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالْإِنْكَارِ، وَيَحْمِلَهُ عَلَيْهِ، فَلَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ ابْتِدَاءً، أَوْ بَعْدَ الدَّعْوَى، فَهَلْ يُعَرِّضُ لَهُ بِالرُّجُوعِ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ عَامَّةُ الْأَصْحَابِ: نَعَمْ، لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمَاعِزٍ رضي الله عنه بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِالزِّنَى:«لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ» وَالثَّانِي: لَا، وَنَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنِ الْجُمْهُورِ، وَلَيْسَ كَمَا قَالَ، وَالثَّالِثُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِجَوَازِ الرُّجُوعِ، عَرَّضَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا، فَعَلَى الْأَوَّلِ هَلْ يُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي التَّعْرِيضُ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، لِلْحَدِيثِ، وَأَصَحُّهُمَا: لَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ التَّعْرِيضَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ. وَالتَّعْرِيضُ فِي الزِّنَى: لَعَلَّكَ فَاخَذْتَ، أَوْ لَمَسْتَ، أَوْ قَبَّلْتَ. وَفِي شُرْبِ الْخَمْرِ: لَعَلَّكَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ مَا شَرِبْتَهُ مُسْكِرٌ. وَفِي السَّرِقَةِ: لَعَلَّكَ غَصَبْتَ، أَوْ أَخَذْتَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ وَنَحْوُهَا، وَلَا يَحْمِلُهُ الْقَاضِي عَلَى الرُّجُوعِ تَصْرِيحًا بِأَنْ يَقُولَ: ارْجِعْ عَنِ الْإِقْرَارِ، أَوِ اجْحَدْهُ، وَإِذَا ثَبَتَ الْحَدُّ بِالْبَيِّنَةِ لَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْآدَمِيِّ، فَلَا يُعَرِّضُ لَهُ بِالرُّجُوعِ عَنِ الْإِقْرَارِ بِهَا، حَتَّى لَا يُعَرِّضَ فِي السَّرِقَةِ بِمَا يُسْقِطُ الْغُرْمَ، إِنَّمَا يَسْعَى فِي دَفْعِ الْقَطْعِ، وَهَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُعَرِّضَ لِلشُّهُودِ بِالتَّوَقُّفِ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَجْهَانِ.

قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ إِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي السَّتْرِ، وَإِلَّا فَلَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 145

فَرْعٌ

قَالَ الْإِمَامُ: فِي الْحَدِيثِ «مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ فَلْيَسْتَتِرْ بِسَتْرِ اللَّهِ» : هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ قَارَفَ مُوجِبَ حَدٍّ إِظْهَارُهُ لِلْإِمَامِ، قَالَ: وَكَانَ شَيْخِي يَقْطَعُ بِهِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ إِذَا قُلْنَا: الْحَدُّ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ.

قُلْتُ: الصَّوَابُ: الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِظْهَارُ لِقِصَّةِ مَاعِزٍ، وَإِنَّمَا لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالتَّوْبَةِ عَلَى قَوْلٍ فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَالتَّوْبَةُ تُسْقِطُ أَثَرَ الْمَعْصِيَةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: الشَّهَادَةُ، فَيَثْبُتُ الْقَطْعُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، وَلَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِالسَّرِقَةِ، أَوْ شَاهِدٌ وَحَلَفَ الْمُدِّعِي مَعَهُ، ثَبَتَ الْمَالُ وَلَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ، كَمَا لَوْ عُلِّقَ الطَّلَاقَ أَوِ الْعِتْقَ عَلَى غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ، فَشَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى الْغَصْبِ أَوِ السَّرِقَةِ، ثَبَتَ الْمَالُ دُونَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، وَقِيلَ: فِي ثُبُوتِ الْمَالِ فِي السَّرِقَةِ قَوْلَانِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَلَا تُقْبَلُ فِي السَّرِقَةِ شَهَادَةُ مُطَلَّقَةٍ لِاخْتِلَافِ الْمَذَاهِبِ فِيهَا، فَيُشْتَرَطُ بَيَانُ السَّارِقِ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ حَاضِرًا، أَوْ ذِكْرِ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ إِنْ كَانَ غَائِبًا، وَيَكْفِي عِنْدَ حُضُورِهِ أَنْ يَقُولَ: سَرَقَ هَذَا، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ، هَذَا بِعَيْنِهِ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُبَيِّنَ الْمَسْرُوقَ وَالْمَسْرُوقَ مِنْهُ، وَكَوْنُ السَّرِقَةِ مِنْ حِرْزٍ بِتَعْيِينِ الْحِرْزِ أَوْ صِفَتِهِ. وَعَنِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ، أَنَّ الشَّاهِدَ يَقُولُ أَيْضًا: وَلَا أَعْلَمُ لَهُ فِيهِ شُبْهَةً. قَالَ صَاحِبُ «الشَّامِلِ» : وَلْيَكُنْ هَذَا تَأْكِيدًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشُّبْهَةِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَتَّفِقَ شَهَادَةُ الشَّاهِدِينَ، فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ بُكْرَةً، وَالْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ عَشِيَّةً، أَوْ أَحَدُهُمَا بِسَرِقَةِ كَبْشٍ أَبْيَضَ، وَالْآخَرُ بِكَبْشٍ أَسْوَدَ، فَهُمَا شَهَادَتَانِ عَلَى سَرِقَتَيْنِ

ص: 146

مُخْتَلِفَتَيْنِ، فَلَا قَطْعَ، وَلِلْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا، فَيَغْرَمُهُ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ سَرَقَ كَذَا غَدْوَةً، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ سَرَقَ عَشِيَّةً، فَالْبَيِّنَتَانِ مُتَعَارِضَتَانِ، فَلَا يُحْكَمُ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى لَا يُقَالُ: مُتَعَارِضَتَانِ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ لَمْ تَتِمَّ، فَلَوْ لَمْ تَتَوَارَدِ الشَّهَادَتَانِ عَلَى مُعَيَّنٍ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: سَرَقَ كَبْشًا غَدَاةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: سَرَقَ كَبْشًا عَشِيَّةً، فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ وَاحِدًا وَوَاحِدًا، فَلَا قَطْعَ، وَلِلْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَيَأْخُذَ الْغُرْمَ، أَوْ مَعَهُمَا وَيَأْخُذُ غُرْمَ مَا شَهِدَا بِهِ جَمِيعًا، وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ وَاثْنَانِ، وَجَبَ الْقَطْعُ، وَغَرِمَ مَا شَهِدَ بِهِ هَذَانِ وَهَذَانِ، لِكَمَالِ الْحُجَّتَيْنِ، وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِسَرِقَةِ كَبْشٍ، وَآخَرُ بِسَرِقَةِ كَبْشَيْنِ، ثَبَتَ الْوَاحِدُ وَتَعَلَّقَ بِهِ الْقَطْعُ إِنْ بَلَغَ نِصَابًا، وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِسَرِقَةِ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ رُبُعُ دِينَارٍ، وَشَهِدَ آخَرُ بِسَرِقَةِ ذَلِكَ الثَّوْبِ، وَقَوَّمَهُ بِثُمُنِ دِينَارٍ، لَمْ يُقْطَعْ وَيَغْرَمُ ثُمُنَ دِينَارٍ، وَلِلْمَشْهُودِ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِ الرُّبُعِ وَيَسْتَحِقَّهُ، وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ بِسَرِقَتِهِ وَقَالَا: قِيمَتُهُ رُبُعٌ، وَشَهِدَ آخَرَانِ بِسَرِقَتِهِ، وَقَالَا: قِيمَتُهُ ثُمُنٌ، لَمْ يُقْطَعْ، وَلِلْمَشْهُودِ لَهُ الثُّمُنُ، وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِسَرِقَةِ ثَوْبٍ أَبْيَضَ قِيمَتُهُ رُبُعٌ، وَالْآخَرُ بِسَرِقَةِ ثَوْبٍ أَسْوَدَ قِيمَتُهُ ثُمُنٌ، فَلَا قَطْعَ، وَلَا يَثْبُتُ بِهِمَا شَيْءٌ لِاخْتِلَافِهِمَا، وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ وَاثْنَانِ تَمَّتِ الشَّهَادَتَانِ، فَيُقْطَعُ وَيَغْرَمُ الرُّبُعَ وَالثُّمُنَ مَعًا.

فَرْعٌ

كَمَا يُشْتَرَطُ التَّفْصِيلُ فِي الشَّهَادَةِ بِالسَّرِقَةِ يُشْتَرَطُ فِي الْإِقْرَارِ بِهَا، فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَظُنُّ غَيْرَ السَّرِقَةِ سَرِقَةً، وَاسْمُ السَّرِقَةِ يَقَعُ عَلَى مَا يُقْطَعُ بِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ، وَفِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَى يُشْتَرَطُ التَّفْصِيلُ، وَكَذَا فِي الْإِقْرَارِ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ.

ص: 147

فَرْعٌ

الشَّهَادَةُ بِالسَّرِقَةِ إِنْ تَرَتَّبَتْ عَلَى دَعْوَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ أَوْ وَكِيلِهِ، فَذَاكَ، وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى سَبِيلِ الْحِسْبَةِ، فَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، فَعَلَى هَذَا إِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبًا، فَالنَّصُّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ حَتَّى يَحْضُرَ الْغَائِبُ، وَنَصٌّ فِيمَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى بِجَارِيَةِ غَائِبٍ أَنَّهُ يُحَدُّ، وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الْغَائِبِ، فَقِيلَ: قَوْلَانِ فِيهِمَا، وَقِيلَ: يُنْتَظَرُ الْمَالِكُ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَغَلَّطُوا نَاقِلَ نَصِّ الزِّنَى أَوْ تَأَوَّلُوهُ، وَالْمَذْهَبُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ حَدَّ الزِّنَى لَا يَسْقُطُ بِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَحَدَّ السَّرِقَةِ يَسْقُطُ بِإِبَاحَةِ الْمَالِ، فَرُبَّمَا كَانَ الْغَائِبُ أَبَاحَهُ فَانْتُظِرَ اعْتِرَافَهُ، وَلِأَنَّ الْقَطْعَ مُتَعَلِّقُ حَقِّ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ شُرِعَ حِفْظًا لِمَالِهِ، فَاشْتُرِطَ حُضُورُهُ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْطَعُ وَلَا يُحَدُّ فِي الْحَالِ، فَهَلْ يُحْبَسُ؟ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَنْ أَقَرَّ بِسَرِقَةِ مَالِ غَائِبٍ، أَوْ بِالزِّنَى بِجَارِيَةِ غَائِبٍ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إِلَى أَنَّ الظَّاهِرَ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُحْبَسُ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ حَتَّى حَضَرَ الْمَالِكُ، فَإِنْ لَمْ يَطْلُبِ الْمَالَ، أَوِ اعْتَرَفَ بِمَا يُسْقِطُ الْقَطْعَ، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ طَلَبَ وَلَمْ تَظْهَرْ شُبْهَةٌ، فَإِنْ قُلْنَا: شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ مَقْبُولَةٌ، قُطِعَ، وَهَلْ تَجِبُ إِعَادَةُ الشَّهَادَةِ لِثُبُوتِ الْمَالِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْحِسْبَةِ لَا تُقْبَلُ فِي الْأَمْوَالِ، وَالثَّانِي: لَا، وَيَثْبُتُ الْغُرْمُ تَبَعًا، وَإِنْ قُلْنَا: غَيْرُ مَقْبُولَةٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِلْمَالِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُعَادُ لِلْقَطْعِ.

فَرْعٌ

سَرَقَ مَالَ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ، قَالَ ابْنُ كَجٍّ: إِنِ انْتَظَرْنَا حُضُورَ الْغَائِبِ وَاعْتَبَرْنَا طَلَبَهُ، انْتُظِرَ بُلُوغُهُ وَإِفَاقَتُهُ، وَإِلَّا قَطَعْنَاهُ فِي الْحَالِ.

ص: 148

فَرْعٌ

إِذَا قُلْنَا: يَسْقَطُ الْحَدُّ بِدَعْوَى الْمِلْكِ، فَهَلْ يَسْتَفْصِلُهُ الْقَاضِي سَعْيًا فِي سُقُوطِ الْحَدِّ؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْإِمَامِ.

قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا يَسْتَفْصِلُهُ؛ لِأَنَّهُ إِغْرَاءٌ لَهُ بِادِّعَاءِ الْبَاطِلِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْوَاجِبِ عَلَى السَّارِقِ

وَهُوَ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا: رَدُّ الْمَالِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، وَضَمَانُهُ إِنْ تَلَفَ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ.

الثَّانِي: الْقَطْعُ، فَتُقْطَعُ مِنَ السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ يَدُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا، قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثًا، قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ سَرَقَ رَابِعًا، قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُمْنَى، فَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ ذَلِكَ، عُزِّرَ، وَنَقَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْقَدِيمِ قَوْلًا، أَنَّهُ يُقْتَلُ لِلْحَدِيثِ، وَالْمَشْهُورُ التَّعْزِيرُ، وَالْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ عَلَى أَنَّهُ قَتَلَهُ لِاسْتِحْلَالِهِ، أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ، وَتُقْطَعُ الْيَدُ مِنَ الْكُوعِ، وَالرِّجْلُ مِنَ الْمِفْصَلِ بَيْنَ السَّاقِ وَالْقَدَمِ، وَيُمَدُّ الْعُضْوُ مَدًّا عَنِيفًا حَتَّى يَنْخَلِعَ، ثُمَّ يُقْطَعُ بِحَدِيدَةٍ مَاضِيَةٍ، وَيُمَكَّنُ الْمَقْطُوعُ جَالِسًا وَيُضْبَطُ لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ، وَيُحْسَمُ مَوْضِعُ الْقَطْعِ بِأَنْ يُغْمَسَ فِي زَيْتٍ أَوْ دُهْنٍ مَغْلِيٍّ؛ لِتَنْسَدَّ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ وَيَنْقَطِعَ الدَّمُ، وَهَلْ هَذَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَتِمَّةٌ لِلْحَدِّ، أَمْ هُوَ حَقٌّ لِلْمَقْطُوعِ وَنَظْرٌ لَهُ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، فَعَلَى الْأَوَّلِ يَتْرُكُهُ الْإِمَامُ، وَيَكُونُ ثَمَنُ الدُّهْنِ وَمُؤْنَةُ الْحَسْمِ عَلَى الْخِلَافِ فِي مُؤْنَةِ الْجَلَّادِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ، فَالْمُؤْنَةُ عَلَى

ص: 149

الْمَقْطُوعِ، وَلَوْ تَرَكَهُ السُّلْطَانُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لِلسَّارِقِ أَنْ يُحْسَمَ وَلَا يَجَبَ، لِأَنَّ فِي الْحَسْمِ أَلَمًا شَدِيدًا وَقَدْ يَهْلَكُ الضَّعِيفُ، وَالْمُدَاوَاةُ بِمِثْلِ هَذَا لَا تَجِبُ بِحَالٍ، وَقِيلَ: لِلْإِمَامِ إِجْبَارُهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِالْحَسْمِ عَقِبَ الْقَطْعِ، وَلَا يَفْعَلْهُ إِلَّا بِإِذْنِ السَّارِقِ إِلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ أَجْبَرَهُ، وَالسُّنَّةُ أَنْ تُعَلَّقَ الْيَدُ الْمَقْطُوعَةُ فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ الَّذِي يُوجَدُ فِي كُتُبِ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا تُعَلَّقُ سَاعَةً، وَأَطْلَقُوا وَلَمْ يُفَوِّضُوهُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَحَكَى الْإِمَامُ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تُعَلَّقُ، وَوَجْهًا تُعَلَّقُ ثَلَاثًا، وَوَجْهًا الْأَمْرُ فِيهِ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ غَرِيبَةٌ ضَعِيفَةٌ.

فَرْعٌ

لَوْ كَانَ عَلَى يَمِينِهِ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا تُقْطَعُ، بَلْ تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَأَصَحُّهُمَا: تُقْطَعُ وَلَا يُبَالَى بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ التَّنْكِيلُ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ، فَإِنَّ مَقْصُودَهُ الْمُسَاوَاةُ، وَلَوْ كَانَتِ الْيَمِينُ شَلَّاءً، فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: إِنْ قُطِعَتْ لَا يَنْقَطِعُ الدَّمُ، لَمْ تُقْطَعْ، وَيَكُونُ كَمَنْ لَا يَمِينَ لَهُ، وَإِنْ قَالُوا: يَنْقَطِعُ، قُطِعَتْ وَاكْتُفِيَ بِهَا، وَلَوْ كَانَتْ نَاقِصَةً أَرْبَعَ أَصَابِعٍ، اكْتَفَيْنَا بِهَا لِحُصُولِ الْإِيلَامِ وَالتَّنْكِيلِ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْكَفُّ، أَوْ بَعْضُ الْكَفِّ بِلَا أَصَابِعٍ، فَفِي الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ وَجْهَانِ، أَوْ قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا: الِاكْتِفَاءُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَطَرَدَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ كَانَتْ يَمِينُهُ بِلَا إِبْهَامٍ.

فَرْعٌ

مَنْ لَا يَمِينَ لَهُ، تُقْطَعُ رِجْلُهُ الْيُسْرَى كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ سَرَقَ وَيَمِينُهُ سَلِيمَةٌ، فَسَقَطَتْ بِآفَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ، سَقَطَ عَنْهُ الْقَطْعُ، وَقِيلَ: يُعْدَلُ إِلَى الرِّجْلِ، كَمَا لَوْ فَاتَ مَحَلُّ الْقِصَاصِ يُعْدَلُ إِلَى بَدَلِهِ، وَهُوَ الدِّيَةُ، وَالصَّحِيحُ

ص: 150

الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ تَعَلَّقَ بِهَا، وَلَوْ سَرَقَ مِرَارًا وَلَمْ يُقْطَعْ، اكْتُفِيَ بِقَطْعِ يَمِينِهِ عَنِ الْجَمِيعِ، كَمَنْ زَنَى، أَوْ شَرِبَ مَرَّاتٍ يَلْزَمُهُ حَدٌّ وَاحِدٌ.

فَرْعٌ

بَدَّرَ أَجْنَبِيٌّ، فَقَطَعَ يَمِينَ السَّارِقِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ، لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مُسْتَحِقَّةُ الْقَطْعِ، فَلَوْ سَرَى إِلَى النَّفْسِ، فَلَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّهَا مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ مُسْتَحِقٍّ، لَكِنْ يُعَزَّرُ الْمُبَادِرُ لِافْتِئَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ، هَكَذَا أَطْلَقُوهُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُجْعَلَ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَتْلِ الزَّانِي الْمُحَصَّنِ وَلَوْ قَطَعَ يَسَارَهُ جَانٍ، أَوْ قَطَعَهَا الْجَلَّادُ عَمْدًا، وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاطِعِ، وَلَا يَسْقُطُ عَنِ السَّارِقِ قَطْعُ الْيَمِينِ، فَلَوْ قَالَ الْقَاطِعُ: لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهَا يَسَارُهُ، حَلَفَ وَلَزِمَتْهُ الدِّيَةُ، وَلَوْ قَالَ الْجَلَّادُ لِلسَّارِقِ: أَخْرِجْ يَمِينَكَ، فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ، فَقَطَعَهَا، فَطَرِيقَانِ، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ: إِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ: ظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ، أَوْ أَنَّ الْيَسَارَ تُجْزِئُ سَقَطَ بِهَا الْقَطْعُ عَلَى الْأَظْهَرِ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَسْقُطُ، فَقَالَ الْقَاطِعُ: عَلِمْتُ أَنَّهَا الْيَسَارُ، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ، أَوْ أَنَّهَا تُجْزِئُ، لَزِمَهُ الدِّيَةُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: يُرَاجَعُ الْقَاطِعُ أَوَّلًا، فَإِنْ قَالَ: عَلِمْتُهَا الْيَسَارَ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَبَقِيَ الْقَطْعُ وَاجِبًا فِي الْيَمِينِ، وَإِنْ قَالَ: ظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ، أَوْ أَنَّ الْيَسَارَ تُجْزِئُ، لَزِمَهُ الدِّيَةُ، وَفِي سُقُوطِ قَطْعِ الْيَمِينِ الْقَوْلَانِ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ يُوَافِقُ هَذَا الطَّرِيقَ، إِلَّا أَنَّ الْقِصَاصَ إِنَّمَا يَلْزَمُ الْقَاطِعَ، وَإِنْ عَلِمَ الْحَالَ إِذَا لَمْ يُوجَدْ مِنَ الْمُخْرِجِ قَصْدُ بَذْلٍ وَإِبَاحَةٍ، وَلَوْ سَقَطَتْ يَسَارُ السَّارِقِ بِآفَةٍ بَعْدَ وُجُوبِ قَطْعِ الْيَمِينِ، فَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: يَسْقُطُ قَطْعُ الْيَمِينِ فِي قَوْلٍ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ غَلَطِ الْجَلَّادِ. وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالُوا: لَا يَسْقُطُ.

ص: 151