الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ: أَنَا ظَالِمٌ فِي ضَرْبِهِ، فَضَرَبَهُ الْجَلَّادُ وَمَاتَ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ قُلْنَا: أَمْرُ السُّلْطَانِ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلَّادِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِكْرَاهٌ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرَهِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ، وَلَوْ قَالَ: افْعَلْ إِنْ شِئْتَ، فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ قَطْعًا، وَلَوْ قَالَ: اضْرِبْ مَا شِئْتَ، أَوْ مَا أَحْبَبْتَ، لَمْ تَكُنْ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْحَدِّ، فَإِنْ زَادَ، ضَمِنَ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلٍ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ، كَقَتْلِ مُسْلِمٍ بِذِمِّيٍّ، وَحُرٍّ بِعَبْدٍ، وَالْإِمَامُ وَالْجَلَّادُ يَعْتَقِدَانِ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، فَقَتَلَهُ، قَالَ الْبَغَوِيُّ الْقَوَدُ عَلَيْهِمَا إِنْ جَعْلَنَا أَمْرَ السُّلْطَانِ إِكْرَاهًا، وَأَوْجَبْنَا الْقَوَدَ عَلَى الْمُكْرِهِ وَالْمُكْرَهِ جَمِيعًا، وَلَوِ اعْتَقَدَ الْجَلَّادُ مَنْعَهُ، وَالْإِمَامُ جَوَازَهُ، أَوْ ظَنَّ أَنَّ الْإِمَامَ اخْتَارَ ذَلِكَ الْمَذْهَبَ، فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ وَالضَّمَانِ عَلَى الْجَلَّادِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ: الْوُجُوبُ، وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا؛ لِأَنَّ وَاجِبَهُ الِامْتِنَاعُ، فَإِنْ أُكْرِهَ فَحُكْمُهُ مَعْرُوفٌ، وَالثَّانِي: لَا اعْتِبَارَ بِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَعْتَقِدُ جَوَازَ قَتْلِ حُرٍّ بِعَبْدٍ، فَأَمَرَهُ بِهِ تَارِكًا لِلْبَحْثِ، وَكَانَ الْجَلَّادُ يَعْتَقِدُ جَوَازَهُ، فَقَتَلَهُ عَمَلًا بِاعْتِقَادِهِ، فَقَدْ بُنِيَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ قَتْلُهُ، فَإِنِ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْإِمَامِ، وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَإِنِ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْجَلَّادِ، فَلَا، قَالَ الْإِمَامُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ هُنَا؛ لِأَنَّ الْجَلَّادَ مُخْتَارٌ عَالِمٌ بِحَالٍ وَالْإِمَامُ لَمْ يُفَوِّضْ إِلَيْهِ النَّظَرَ وَالِاجْتِهَادَ بَلِ الْقَتْلَ فَقَطْ، فَالْجَلَّادُ كَالْمُسْتَقِلِّ.
فَصْلٌ
لَا ضَمَانَ عَلَى الْحَجَّامِ إِذَا حَجَمَ أَوْ فَصَدَ بِإِذْنِ مَنْ يُعْتَبَرُ إِذْنُهُ، فَأَفْضَى إِلَى تَلَفٍ، وَكَذَا لَوْ قَطَعَ سِلْعَةً بِالْأُذُنِ لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْجَلَّادِ بِخِلَافِ مَنْ قَطَعَ يَدًا صَحِيحَةً بِإِذْنِ صَاحِبِهَا، فَمَاتَ مِنْهُ، حَيْثُ تُوجِبُ الدِّيَةَ عَلَى قَوْلٍ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ هُنَاكَ لَا يُبِيحُ الْقَتْلَ، وَهُنَا الْفِعْلُ جَائِزٌ
لِغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَأَمَّا إِذَا قَطَعَ بِالْأُذُنِ، وَوَقَفَ الْقَطْعُ فَلَمْ يَسْرِ، فَلَا ضَمَانَ بِلَا خِلَافٍ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الْبَابُ الثَّانِي فِي الصِّيَالِ
هُوَ مُتَضَمِّنٌ لِمَعْرِفَةِ الصَّائِلِ وَهُوَ الْمَدْفُوعُ، وَالْمَصُولُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ، وَكَيْفِيَّةُ الدَّفْعِ وَحُكْمُهُ. أَمَّا الصَّائِلُ، فَكُلُّ قَاصِدٍ مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ وَحُرٍّ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَبَهِيمَةٍ، يَجُوزُ دَفْعُهُ فَإِنْ أَبَى الدَّفْعَ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَا ضَمَانَ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ وَلَا قِيمَةَ، وَلَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ مِنْ عُلُوٍّ، وَاسْتَوَتْ عَلَى رَأْسِ إِنْسَانٍ وَخَافَ مِنْهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعَهَا إِلَّا بِإِتْلَافِهَا فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ لَهَا بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ وَالْبَهِيمَةِ، وَلَوْ حَالَتْ بَهِيمَةٌ بَيْنَ جَائِعٍ وَطَعَامِهِ فِي بَيْتٍ، وَلَمْ يَصِلْهُ إِلَّا بِقَتْلِهَا، فَفِي الضَّمَانِ وَجْهَانِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْأَصَحُّ هُنَا نَفْيَ الضَّمَانِ كَمَا ذَكَرْنَا فِيمَا لَوْ عَمَّ الْجَرَادُ الْمَسَالِكَ فَوَطِئَهُ الْمُحْرِمُ.
أَمَّا الْمَصُولُ عَلَيْهِ، فَيَجُوزُ الدَّفْعُ عَنِ النَّفْسِ وَالطَّرَفِ وَمَنْفَعَتِهِ، وَالْبِضْعِ وَمُقَدِّمَاتِهِ، وَعَنِ الْمَالِ وَإِنْ قَلَّ إِذَا كَانَتِ الْمَذْكُورَاتُ مَعْصُومَةً، وَيَجُوزُ لِغَيْرِ الْمَصُولِ عَلَيْهِ الدَّفْعُ، وَلَهُ دَفْعُ مُسْلِمٍ صَالَ عَلَى ذَمِّيٍّ، وَأَبٍ صَالَ عَلَى ابْنِهِ، وَسَيِّدٍ صَالَ عَلَى عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ مَظْلُومُونَ، وَحَكَى الْإِمَامُ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ عَنِ الْمَالِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ الدَّفْعُ إِلَّا بِقَتْلٍ، أَوْ قَطْعِ طَرَفٍ، وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ:«مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» فَلَهُ الدَّفْعُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَإِنْ أَتَى الدَّفْعُ عَلَى الصَّائِلِ، فَلَا ضَمَانَ فِيهِ، وَلَوْ وَجَدَهُ يَنَالُ مِنْ جَارِيَتِهِ مَا دُونُ الْفَرْجِ، فَلَهُ دَفْعُهُ، وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ دَفْعُهُ كَذَلِكَ حِسْبَةً، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَدْفُوعُ عَنْهُ مِلْكَ
الْقَاصِدِ، فَمَنْ رَأَى إِنْسَانًا يَتْلِفُ مَالَ نَفْسِهِ، بِأَنْ يُحْرِقَ كُدْسَهُ وَيُغْرِقَ مَتَاعَهُ، جَازَ لَهُ دَفْعُهُ، وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا بِأَنْ رَآهُ يَشْدَخُ رَأْسَ حِمَارِهِ، وَجَبَ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ دَفْعُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ، لِحُرْمَةِ الْحَيَوَانِ، أَمَّا كَيْفِيَّةُ الدَّفْعِ، فَيَجِبُ عَلَى الْمَصُولِ عَلَيْهِ رِعَايَةُ التَّدْرِيجِ وَالدَّفْعِ بِالْأَهْوَنِ فَالْأَهْوَنِ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ الدَّفْعُ بِالْكَلَامِ أَوِ الصِّيَاحِ، أَوِ الِاسْتِغَاثَةِ بِالنَّاسِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الضَّرْبُ، وَكَذَا لَوِ انْدَفَعَ شَرُّهُ، بِأَنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ أَوْ نَارٍ، أَوِ انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ، لَمْ يَضْرِبْهُ، وَكَذَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ أَوْ خَنْدَقٌ أَوْ نَهْرٌ عَظِيمٌ، فَإِنْ حَالَ نَهْرٌ صَغِيرٌ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إِنْ عَبَرَ النَّهْرَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: فَلَهُ رَمْيُهُ وَمَنْعُهُ الْعُبُورَ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْدَفِعْ الصَّائِلُ إِلَّا بِالضَّرْبِ، فَلَهُ الضَّرْبُ، وَيُرَاعَى فِيهِ التَّرْتِيبُ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِالْيَدِ، لَمْ يَضْرِبْهُ بِسَوْطٍ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِسَوْطٍ، لَمْ يَجُزْ بِالْعَصَا، وَلَوْ أَمْكَنَ بِقَطْعِ عُضْوٍ، لَمْ يَجُزْ إِهْلَاكُهُ، وَإِذَا أَمْكَنَ بِدَرَجَةٍ، فَدَفَعَهُ بِمَا فَوْقَهَا، ضَمِنَ، وَكَذَا لَوْ هَرَبَ فَتَبِعَهُ وَضَرَبَهُ، ضَمِنَ، وَلَوْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً، فَوَلَّى هَارِبًا أَوْ سَقَطَ، وَبَطَلَ صِيَالُهُ فَضَرَبَهُ أُخْرَى، فَالثَّانِيَةُ مَضْمُونَةٌ بِالْقِصَاصِ وَغَيْرِهِ، فَإِنْ مَاتَ مِنْهُمَا، لَمْ يَجِبْ قِصَاصُ النَّفْسِ، وَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّهُ هَلَكَ مِنْ مَضْمُونٍ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ عَادَ بَعْدَ الْجُرْحَيْنِ فَصَالَ، فَضَرَبَهُ ثَالِثَةً فَمَاتَ مِنْهَا، لَزِمَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَمَتَى غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الَّذِي أَقْبَلَ عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ يَقْصِدُهُ، فَلَهُ دَفْعُهُ بِمَا يُمْكِنُهُ، وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْهُ الْمُقْبِلُ، وَلَوْ كَانَ الصَّائِلُ يَنْدَفِعُ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا، وَلَمْ يَجِدِ الْمَصُولُ عَلَيْهِ إِلَّا سَيْفًا أَوْ سِكِّينًا، فَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ الضَّرْبَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ إِلَّا بِهِ وَلَا يُمْكِنُ نِسْبَتُهُ إِلَى التَّقْصِيرِ بِتَرْكِ اسْتِصْحَابِ سَوْطٍ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ شَخْصٍ حَاجَتُهُ، وَلِذَلِكَ نَقُولُ: الْحَاذِقُ الَّذِي يُحْسِنُ الدَّفْعَ بِأَطْرَافِ السَّيْفِ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ يَضَمَنُ إِنْ جَرَحَ، وَمَنْ لَا يُحْسِنُ، لَا يُضَمَنُ بِالْجُرْحِ، وَلَوْ قَدَرَ الْمَصُولُ عَلَيْهِ عَلَى الْهَرَبِ، أَوِ التَّحَصُّنِ بِمَوْضِعٍ حَصِينٍ، أَوْ عَلَى