الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قُلْتُ: قَالَ الْبَغَوِيُّ: لَوْ كَانَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ مُرْتَدًّا وَالْآخَرُ كَافِرًا أَصْلِيًّا، فَإِنْ قُلْنَا: إِذَا كَانَا مُرْتَدَّيْنِ يَكُونُ الْوَلَدُ مُسْلِمًا، كَانَ هُنَا مُسْلِمًا أَيْضًا، وَإِنْ قُلْنَا: يَكُونُ هُنَاكَ مُرْتَدًّا أَوْ كَافِرًا أَصْلِيًّا، كَانَ هُنَا كَافِرًا أَصْلِيًّا، يُقِرُّ بِالْجِزْيَةِ إِنْ كَانَ الْأَصْلِيُّ مِمَّنْ يُقَرِّبُهَا، كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مَجُوسِيًّا وَالْآخَرُ وَثَنِيًّا، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلِيُّ كِتَابِيًّا، كَانَ الْوَلَدُ كِتَابِيًّا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
الذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ إِذَا نَقَضَ الْعَهْدَ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَتَرَكَ وَلَدَهُ عِنْدَنَا، لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ، فَإِذَا بَلَغَ وَقَبِلَ الْجِزْيَةَ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَلَا يُجْبَرُ وَيُلْحَقُ بِالْمَأْمَنِ، وَفِي وَجْهٍ: يُسْتَرَقُّ وَلَدُهُ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَفِي وَجْهٍ: إِنْ هَلَكَ هُنَاكَ، أَوِ اسْتُرِقَّ، اسْتُرِقَّ وَلَدُهُ.
فَصْلٌ
وَأَمَّا مَالُهُ، فَهَلْ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ، أَحَدُهَا: نَعَمْ لِزَوَالِ عِصْمَةِ الْإِسْلَامِ، وَقِيَاسًا عَلَى النِّكَاحِ، وَالثَّانِي: لَا، كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَأَظْهَرُهَا: مَوْقُوفٌ، فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا، بَانَ زَوَالُهُ بِالرِّدَّةِ، وَإِنْ أَسْلَمَ، بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ ; لِأَنَّ بُطْلَانَ أَعْمَالِهِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَوْتِهِ مُرْتَدًّا، فَكَذَا مِلْكُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِاسْتِمْرَارِ مِلْكِهِ، وَجُعِلَ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ بِالرِّدَّةِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ، وَالْخِلَافُ فِي زَوَالِ الْمِلْكِ يَجْرِي فِي ابْتِدَاءِ التَّمَلُّكِ إِذَا اصْطَادَ أَوِ احْتَطَبَ، فَإِنْ قُلْنَا: يَزُولُ، قَالَ الْإِمَامُ: ظَاهِرُ الْقِيَاسِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فِيمَا اصْطَادَ وَاحْتَطَبَ، كَمَا يَحْصُلُ مِلْكُ السَّيِّدِ فِيمَا احْتَطَبَ الْعَبْدُ، قَالَ: وَلْيَكُنْ شِرَاؤُهُ وَاتِّهَابُهُ، كَشِرَاءِ الْعَبْدِ وَاتِّهَابِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ، حَتَّى يَجِيءَ الْخِلَافُ، وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى الْإِبَاحَةِ كَمَا إِذَا اصْطَادَ الْمُحْرِمُ لَا يَمْلِكُهُ، وَيَبْقَى الصَّيْدُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَبْقَى مِلْكُ الْمُرْتَدِّ فِيمَا احْتَطَبَهُ، أَوِ اصْطَادَهُ
مِلْكَهُ كَالْحَرْبِيِّ، وَإِنْ قُلْنَا: مَوْقُوفٌ، فَمَوْقُوفٌ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ، بَانَ أَنَّهُ مَلَكَهُ مِنْ يَوْمِ الْأَخْذِ، وَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا، قَالَ الْمُتَوَلِّيَ: حُكِمَ بِأَنَّ الْمَأْخُوذَ بَاقٍ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ يُبَيِّنُ أَنَّهُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ، وَعَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا، تُقْضَى مِنْ مَالِهِ دُيُونُهُ الَّتِي لَزِمَتْهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ ; لِأَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى الْمَوْتِ، وَقَدْ تَكُونُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ مِنَ الدَّيْنِ اللَّازِمِ قَبْلَ الرِّدَّةِ، وَلَا تَكُونُ نَفَقَةُ الْقَرِيبِ مِنْهُ لِسُقُوطِهَا بِمُضِيِّ الزَّمَانِ، وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ: لَا تُقْضَى دُيُونُهُ عَلَى قَوْلِ زَوَالِ الْمِلْكِ، وَيُجْعَلُ الْمَالُ كَالتَّالِفِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَأَمَّا فِي مُدَّةِ الرِّدَّةِ، فَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ، وَتَكُونُ نَفَقَتُهُ كَحَاجَةِ الْمَيِّتِ إِلَى الْكَفَنِ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ، وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ عَنِ ابْنِ الْوَكِيلِ، أَنَّهُ لَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ عَلَى قَوْلِ زَوَالِ الْمِلْكِ، بَلْ يُنْفَقُ عَلَيْهِ مُدَّةَ الِاسْتِتَابَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ، وَهَلْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ زَوْجَاتِهِ الْمَوْقُوفِ نِكَاحُهُنَّ، وَنَفَقَةٌ قَرِيبَةٌ، وَغَرَامَةُ مَا يُتْلِفُهُ مِنَ الرِّدَّةِ عَلَى قَوْلِ زَوَالِ الْمِلْكِ؟ وَجْهَانِ، قَالَ ابْنُ سَلَمَةَ وَالْإِصْطَخْرِيِّ: لَا، وَاخْتَارَهُ الْمُتَوَلِّي، إِذْ لَا مِلْكَ لَهُ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرَ عُدْوَانٍ، وَمَاتَ، وَحَصَلَ بِهَا إِتْلَافٌ، يُؤْخَذُ الضَّمَانُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَإِنْ زَالَ مِلْكُهُ بِالْمَوْتِ.
فَرْعٌ
إِذَا قُلْنَا بِزَوَالِ مِلْكِهِ، فَأَسْلَمَ، عَادَ مِلْكُهُ بِلَا خِلَافٍ ; لِأَنَّ إِزَالَةَ مِلْكِهِ عُقُوبَةٌ، فَعَادَ بِالتَّوْبَةِ.
فَرْعٌ
إِذَا قُلْنَا بِزَوَالِ مِلْكِهِ لَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَإِعْتَاقٍ وَوَصِيَّةٍ وَغَيْرِهَا ; لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ، وَفِي الشِّرَاءِ مَا سَبَقَ عَنِ الْإِمَامِ، وَإِنْ قُلْنَا: يَبْقَى مِلْكُهُ، مُنِعَ مِنَ التَّصَرُّفِ، نَظَرًا لِأَهْلِ الْفَيْءِ، وَهَلْ يَصِيرُ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، أَمْ لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ الْقَاضِي؟ وَجْهَانِ، وَيُقَالُ:
قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ، وَخُصَّ الْخِلَافُ بِقَوْلِنَا: مِلْكُهُ مَوْقُوفٌ، ثُمَّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ، هَلْ هُوَ كَحَجْرِ السَّفِيهِ ; لِأَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ أَمْ كَحَجْرِ الْمُفْلِسِ ; لِأَنَّهُ لِصِيَانَةِ حَقِّ غَيْرِهِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، فَإِنْ قُلْنَا: لَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ الْقَاضِي، وَلَمْ يُضْرَبْ نَفَذَتْ تَصَرُّفَاتُهُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَحْصُلُ الْحَجْرُ بِلَا ضَرْبٍ أَوْ بِالضَّرْبِ فَضُرِبَ، فَإِنْ جَعَلْنَاهُ كَحَجْرِ السَّفَهِ، لَمْ يَنْفُذْ تَصَرُّفُهُ فِي الْحَالِ فِي الْمَالِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ، لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ كَمُفْلِسٍ، فَهَلْ تَبْطُلُ تَصَرُّفَاتُهُ أَمْ تُوقَفُ؟ قَوْلَانِ كَمَا فِي الْمُفْلِسِ، وَإِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ وَبِالْعَيْنِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمُفْلِسِ، وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَقْفِ، فَكُلُّ تَصَرُّفٍ يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ، كَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ، مَوْقُوفٌ أَيْضًا، وَأَمَّا الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَالْكِتَابَةُ وَنَحْوُهَا، فَهِيَ عَلَى قَوْلِي وَقْفُ الْعُقُودِ، فَعَلَى الْجَدِيدِ هِيَ بَاطِلَةٌ، وَعَلَى الْقَدِيمِ تُوقَفُ، إِنْ أَسْلَمَ حُكِمَ بِصِحَّتِهَا، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهُ وَلَا إِنْكَاحُهُ، لِسُقُوطِ وِلَايَتِهِ، وَحَكَى الْبَغَوِيُّ عَلَى قَوْلِنَا: لَا يَزُولُ مِلْكُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ إِذَا لَمْ يَحْجُرِ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، كَسَائِرِ تَصَرُّفِهِ الْمَالِيِّ، قَالَ: وَهَذَا غَيْرُ قَوِيٍّ، وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ بِهَذَا.
فَرْعٌ
عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا لَا يَعْتِقُ بِالرِّدَّةِ مُدَبَّرُ الْمُرْتَدِّ، وَلَا أُمُّ وَلَدِهِ، فَإِنْ مَاتَ مُرْتَدًّا، عَتِقَتِ الْمُسْتَوْلَدَةُ، وَفِي الْمُدَبَّرِ كَلَامٌ يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
فَرْعٌ
سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ الْتَحَقَ الْمُرْتَدُّ بِدَارِ الْحَرْبِ، أَمْ كَانَ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، وَعَلَى الْأَقْوَالِ يُوضَعُ مَالُ مُرْتَدٍّ عِنْدَ عَدْلٍ، وَأَمَتُهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ ; لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِبَقَاءِ مِلْكِهِ، فَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ، فَيُحْتَاطُ، وَيُؤَجَّرُ عَقَارُهُ وَرَقِيقُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَمُدَبَّرُهُ، وَيُؤَدِّي مُكَاتَبُهُ النُّجُومَ إِلَى