المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ هِيَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: فِيمَا - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١٠

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الدَّمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْإِمَامَةِ وَقِتَالُ الْبُغَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ حَدِّ الزِّنَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلَ

- ‌بَابُ قُطَّاعِ الطُّرُقِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ ضَمَانِ إِتْلَافِ الْإِمَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ السِّيَرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَالْهُدْنَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَالضَّحَايَا وَالْعَقِيقَةِ وَالْأَطْعِمَةِ

- ‌كِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ هِيَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ: الْأَوَّلُ: فِيمَا

‌كِتَابُ السَّرِقَةِ

هِيَ مُوجِبَةٌ لِلْقَطْعِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَبْوَابٍ:

الْأَوَّلُ: فِيمَا يُوجِبُ الْقَطْعَ، وَهُوَ السَّرِقَةُ وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: أَحَدُهَا: الْمَسْرُوقُ، وَلَهُ سِتَّةُ شُرُوطٍ، أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ نِصَابًا، وَهُوَ رُبُعُ دِينَارٍ مِنَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ، فَلَا قَطْعَ فِيمَا دُونَهُ، وَيُقْطَعُ بِرُبُعِ دِينَارٍ قُرَاضَةً بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ سَرَقَ دِينَارًا مَغْشُوشًا، فَإِنْ بَلَغَ خَالِصُهُ رُبُعًا، قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ سَرَقَ دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَهَا، قُوِّمَ بِالذَّهَبِ، وَحُكِيَ أَنَّ ابْنَ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ اخْتَارَ مَذْهَبَ دَاوُدَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ الْقَلِيلِ، وَلَا يُعْتَبَرُ نِصَابٌ.

قُلْتُ: هَذَا غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي اعْتِبَارِ رُبُعِ دِينَارٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالِاعْتِبَارُ بِالذَّهَبِ الْمَضْرُوبِ، فَبِهِ يَقَعُ التَّقْوِيمُ، حَتَّى لَوْ سَرَقَ شَيْئًا يُسَاوِي رُبُعَ مِثْقَالٍ مِنْ غَيْرِ الْمَضْرُوبِ، كَالسَّبِيكَةِ وَحُلِيٍّ لَا تَبْلُغُ رُبُعًا مَضْرُوبًا بِالْقِيمَةِ، فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَبِهِ قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالطَّبَرِيُّ، وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ، وَجَزَمَ بِهِ الْعَبَّادِيُّ، وَلَوْ سَرَقَ خَاتَمًا وَزْنُهُ دُونَ رُبُعٍ، وَقِيمَتُهُ بِالصَّنْعَةِ تَبْلُغُ رُبُعًا، فَلَا قَطْعَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ رَاجِعٌ إِلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْقِيمَةِ، وَأَمَّا التِّبْرُ الَّذِي إِذَا خَلَصَ نَقُصَ، فَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ رُبُعٍ مِنْهُ، بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَخْلُصَ مِنْهُ رُبُعٌ، وَلَا سَرَقَ فُلُوسًا ظَنَّهَا دَنَانِيرَ، قُطِعَ إِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهَا نِصَابًا، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ سَرَقَ دَنَانِيرَ ظَنَّهَا فُلُوسًا لَا تَبْلُغُ قِيمَتُهَا نِصَابًا قُطِعَ، وَلَوْ سَرَقَ ثَوْبًا خَسِيسًا وَفِي جَيْبِهِ رُبُعُ دِينَارٍ، أَوْ

ص: 110

مَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا وَلَمْ يَعْلَمْ بِالْحَالِ، وَجَبَ الْقَطْعُ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزِهِ بِقَصْدِ السَّرِقَةِ.

فَرْعٌ

لَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ دُفْعَتَيْنِ فَصَاعِدًا، نُظِرَ إِنْ تَخَلَّلَ اطِّلَاعُ الْمَالِكِ وَإِعَادَتُهُ الْحِرْزَ بِإِصْلَاحِ النَّقْبِ أَوْ إِغْلَاقِ الْبَابِ، فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى، فَإِنْ كَانَ الْمُخْرَجُ فِي كُلِّ دُفْعَةٍ دُونَ النِّصَابِ، لَمْ يَجِبِ الْقَطْعُ، وَإِنْ لَمْ يَتَخَلَّلِ الِاطِّلَاعُ وَالْإِعَادَةُ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: يَجِبُ الْقَطْعُ، وَالثَّانِي: لَا، وَالثَّالِثُ: إِنْ عَادَ وَسَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَمَا اشْتُهِرَ خَرَابُ الْحِرْزِ، وَعَلِمَ بِهِ النَّاسُ أَوِ الْمَالِكُ، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ عَادَ قَبْلَهُ، قُطِعَ، وَالرَّابِعُ: إِنْ عَادَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، قُطِعَ، وَإِنْ عَادَ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى، فَلَا، وَالْخَامِسُ: إِنْ لَمْ يُطِلِ الْفَصْلَ بَيْنَ الْإِخْرَاجَيْنِ قُطِعَ، وَإِنْ طَالَ فَلَا، وَالسَّادِسُ: إِنْ كَانَ يُخْرِجُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيَضَعُهُ خَارِجَ الْبَيْتِ أَوْ خَارِجَ الْبَابِ، حَتَّى تَمَّ نِصَابًا وَلَمْ يُفَارِقِ الْحِرْزَ، قُطِعَ، وَإِنْ ذَهَبَ بِالْمَسْرُوقِ أَوَّلًا إِلَى بَيْتِهِ وَنَحْوِهِ مُسْرِعًا وَعَادَ وَلَوْ مَعَ قُرْبِ الْفَصْلِ فَلَا قَطْعَ.

فَرْعٌ

انْثِيَالِ الْحِنْطَةِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ فَتْحِ أَسْفَلِ وِعَائِهِ أَوْ نَحْوِهِ، هَلْ هُوَ كَإِخْرَاجِهِ بِالْيَدِ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا ; لِأَنَّهُ خَرَجَ بِسَبَبٍ لَا مُبَاشَرَةٍ، وَالسَّبَبُ ضَعِيفٌ فَلَا يُقْطَعُ بِهِ، وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ ; لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ هَتَكَ الْحِرْزَ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخْرَجَ بِيَدِهِ أَوِ انْثَالَ دُفْعَةً مَا يُسَاوِي نِصَابًا قُطِعَ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى التَّوَاصُلِ، أَوِ انْثَالَ كَذَلِكَ، قُطِعَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: وَجْهَانِ، وَلَوْ طَرَّ جَيْبَهُ أَوْ كُمَّهُ، فَسَقَطَتِ الدَّرَاهِمُ

ص: 111

شَيْئًا فَشَيْئًا فَكَانْثِيَالِ الْحُبُوبِ، وَلَوْ أَخَذَ طَرَفَ مِنْدِيلٍ أَوْ جِذْعٍ وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحِرْزِ جَرًّا قُطِعَ ; لِأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ أَخْرَجَ نِصْفَهُ وَتَرَكَ النِّصْفَ الْآخَرَ فِي الْحِرْزِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَلَا قَطْعَ وَإِنْ كَانَ حِصَّةُ الْمُخْرَجِ أَكْثَرَ مِنْ نِصَابٍ ; لِأَنَّهُ مَالٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يَتِمَّ إِخْرَاجُهُ.

فَرْعٌ

لَوْ جَمَعَ مِنَ الْبَذْرِ الْمَبْثُوثِ فِي الْأَرْضِ مَا بَلَغَ نِصَابًا، فَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْأَرْضُ مُحْرَزَةً، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ كَانَتْ فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يُقْطَعُ ; لِأَنَّ الْأَرْضَ تُعَدُّ بُقْعَةً وَاحِدَةً، وَالْبَذْرُ الْمُفَرَّقُ فِيهَا كَأَمْتِعَةٍ فِي زَوَايَا بَيْتٍ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ إِحْرَازِ الْأَرْضِ.

فَرْعٌ

لَوْ أَخْرَجَ اثْنَانِ مِنْ حِرْزٍ نِصَابًا أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يَبْلُغْ نِصَابَيْنِ، فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَخْرَجَا مَا يَبْلُغُ نِصَابَيْنِ، قُطِعَا جَمِيعًا، وَإِنِ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِإِخْرَاجٍ، قُطِعَ مَنْ بَلَغَ مَا أَخْرَجَهُ نِصَابًا دُونَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَا أَخْرَجَهُ نِصَابًا.

فَرْعٌ

قَالَ الْإِمَامُ: إِذَا كَانَ الْمَسْرُوقُ عَرَضًا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ بِالِاجْتِهَادِ رُبُعَ دِينَارٍ فَقَدْ يُوجَدُ لِلْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ، وَالَّذِي أَرَى الْجَزْمَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَا لَمْ يَقْطَعِ الْمُقَوِّمُونَ بِبُلُوغِهَا نِصَابًا، وَلِلْمُقَوِّمِينَ قَطْعٌ وَاجْتِهَادٌ، وَالْقَطْعُ مِنْ جَمَاعَةٍ لَا يَزِلُّونَ مُعْتَبَرٌ، وَمِنْ جَمَاعَةٍ لَا يَبْعُدُ الزَّلَلُ مِنْهُمْ فِيهِ احْتِمَالَانِ، أَحَدُهُمَا: يَكْفِي، كَمَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ مَعَ احْتِمَالِ الْغَلَطِ، وَالثَّانِي: الْمَنْعُ ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَسْتَنِدُ إِلَى مُعَايَنَةٍ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي «جَمْعِ الْجَوَامِعِ» : لَوْ شَهِدَ عَدْلَانِ بِسَرِقَةٍ، فَقَوَّمَ أَحَدُهُمَا الْمَسْرُوقَ نِصَابًا، وَالْآخَرَ دُونَهُ، فَلَا قَطْعَ، وَأَمَّا الْمَالِكُ فَإِنْ رَضِيَ بِأَقَلِّ الْقِيمَتَيْنِ فَذَاكَ

ص: 112

وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الَّذِي شَهِدَ بِالْأَكْثَرِ وَيَأْخُذَهُ، وَلَوْ شَهِدَا بِأَنَّهُ نِصَابٌ، وَقَوَّمَهُ آخَرَانِ بِدُونِهِ، فَلَا قَطْعَ، وَيُؤْخَذُ فِي الْغُرْمِ بِالْأَقَلِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْأَكْثَرِ.

فَرْعٌ

الْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِالْبِلَادِ وَالْأَزْمَانِ، فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ قِيمَةُ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ.

فَرْعٌ

ادَّعَى السَّارِقُ نَقْصَ قِيمَةِ الْمَسْرُوقِ عَنِ النِّصَابِ لَمْ يُقْطَعْ، فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ قِيمَتَهُ نِصَابٌ قُطِعَ.

فَرْعٌ

نَقَصَتْ قِيمَةُ الْمَسْرُوقِ فِي الْحِرْزِ عَنْ نِصَابٍ، بِأَنْ أَكَلَ بَعْضَهُ، أَوْ أَحْرَقَهُ، وَأَخْرَجَ دُونَ نِصَابٍ، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ نَقَصَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ، قُطِعَ، وَلَوْ شَقَّ الثَّوْبَ فِي الْحِرْزِ، أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ فِي الْحِرْزِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُ النَّقْصِ، وَإِنْ كَانَ الْمُخْرَجُ نِصَابًا قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا.

فَرْعٌ

سَوَاءٌ كَانَ النِّصَابُ الْمَسْرُوقُ لِوَاحِدٍ أَوْ لِجَمَاعَةٍ، فَيَجِبُ الْقَطْعُ إِذَا اتَّحَدَ الْحِرْزُ.

الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِغَيْرِ السَّارِقِ، فَلَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ، كَيَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ وَعَامِلِ الْقَرَاضِ وَالْوَكِيلِ وَالشَّرِيكِ، فَلَوْ أَخَذَ مَعَ مَالِهِ نِصَابًا

ص: 113

آخَرَ، لَزِمَهُ الْقَطْعُ، وَلَوْ سَرَقَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ أَوْ بَعْدَهُ، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ سَرَقَ مَعَهُ مَالًا آخَرَ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ، قُطِعَ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ، فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ، كَمَنْ سَرَقَ مِنْ دَارٍ اشْتَرَاهَا، وَلَوْ وُهِبَ لَهُ شَيْءٌ، فَسَرَقَهُ بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ فَسَرَقَهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَإِنْ سَرَقَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقَبُولِ، بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْوَصِيَّةِ بِمَاذَا يَحْصُلُ؟ إِنْ قُلْنَا: بِالْمَوْتِ، لَمْ يُقْطَعْ، وَإِلَّا قُطِعَ، وَلَوْ أَوْصَى بِمَالٍ لِلْفُقَرَاءِ، فَسَرَقَهُ فَقِيرٌ بَعْدَ مَوْتِهِ لَمْ يُقْطَعْ، كَسَرِقَةِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ وَإِنْ سَرَقَهُ غَنِيٌّ، قُطِعَ.

فَرْعٌ

لَوْ طَرَأَ الْمِلْكُ فِي الْمَسْرُوقِ قَبْلَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ، بِأَنْ وَرِثَهُ السَّارِقُ، أَوِ اشْتَرَاهُ، أَوِ اتَّهَبَهُ وَهُوَ فِي الْحِرْزِ، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ طَرَأَ الْمِلْكُ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الْحِرْزِ، لَمْ يَسْقُطِ الْقَطْعُ، لَكِنْ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ قَبْلَ الرَّفْعِ إِلَى الْقَاضِي لَمْ يُمْكِنِ اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقَطْعِ يَتَوَقَّفُ عَلَى دَعْوَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَمُطَالَبَتِهِ بِالْمَالِ كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَرْعٌ

إِذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ مَا أَخَذَهُ عَلَى صُورَةِ السَّرِقَةِ مِلْكَهُ، فَقَالَ: كَانَ قَدْ غَصَبَهُ مِنِّي، أَوْ مِنْ مُورِثِي، أَوْ كَانَ وَدِيعَةً لِي عِنْدَهُ، أَوْ عَارِيَةً، أَوْ كُنْتُ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ، أَوْ وَهَبَهُ لِي وَأَذِنَ لِي فِي قَبْضِهِ، أَوْ أَذِنَ لِي فِي أَخْذِهِ، لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي الْمَالِ، بَلْ يُصَدَّقُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، وَبِلَا يَمِينٍ فِي قَوْلِهِ: أَذِنَ لِي فِي أَخْذِ مَالِهِ، وَيَسْقُطُ الْقَطْعُ بِدَعْوَى الْمِلْكِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ، وَفِيهِ وَجْهٌ أَوْ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِيمَا لَوِ ادَّعَى أَنَّ الْمَسْرُوقَ

ص: 114

مِنْهُ عَبْدُهُ، وَهُوَ مَجْهُولُ النِّسَبِ، أَوْ أَنَّ الْحِرْزَ مِلْكَهُ غَصَبَهُ مِنْهُ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، وَفِيمَا إِذَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِزِنًا، فَادَّعَى أَنَّ الْمَرْأَةَ زَوْجَتُهُ، أَوْ كَانَتْ أَمَةً، فَقَالَ: بَاعَنِيهَا مَالِكُهَا، وَرَأَى الْإِمَامُ الْأَصَحَّ فِي حَدِّ الزِّنَا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِهَذِهِ الدَّعْوَى بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ فِيمَا إِذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ زَنَى بِأَمَةِ فُلَانٍ الْغَائِبِ أَنَّهُ يُحَدُّ، وَلَا يُنْتَظَرُ حُضُورُ الْغَائِبِ بِخِلَافِ مِثْلِهِ فِي السَّرِقَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يَجْرِي فِيمَنْ قَطَعَ يَدَ إِنْسَانٍ وَادَّعَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي قَطْعِهَا، بَلْ يُقْتَصُّ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ ; لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقٌّ آدَمِيٌّ، فَهُوَ كَالْمَالِ، وَلَوْ أَقَرَّ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ أَنَّ الْمَالَ كَانَ مِلْكَ السَّارِقِ، فَلَا قَطْعَ بِلَا خِلَافٍ، وَإِذَا قُلْنَا: بِالْمَنْصُوصِ، فَسَرَقَ شَخْصَانِ، وَادَّعَيَا أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكُهُمَا، لَمْ يُقْطَعَا، وَإِنِ ادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُمَا وَأَنْكَرَهُ الْآخَرُ، وَاعْتَرَفَ بِالسَّرِقَةِ، فَلَا قَطْعَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَفِي الْمُنْكِرِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يُقْطَعُ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: هَذَا مِلْكُ شَرِيكِي وَأَخَذْتُ مَعَهُ بِإِذْنِهِ، وَأَنْكَرَ الشَّرِيكُ، فَالَّذِي نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ كَالصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ، لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ يَدَّعِي مِلْكَ الشَّرِيكِ، وَفِي الْآخَرِ الْوَجْهَانِ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: يُقْطَعُ الْمُنْكِرُ، وَفِي الْمُدَّعَى الْوَجْهَانِ، وَلَوْ سَرَقَ عَبْدٌ وَادَّعَى أَنَّ الْمَسْرُوقَ مِلْكُ سَيِّدِهِ، فَإِنْ صَدَّقَهُ السَّيِّدُ، فَلَا قَطْعَ، وَكَذَا إِنْ كَذَّبَهُ عَلَى الْأَصَحِّ.

فَرْعٌ

قَالَ الْإِمَامُ: يَجْرِي الْخِلَافُ فِي دَعْوَى الْمِلْكِ إِذَا ظَهَرَتْ صُورَةُ السَّرِقَةِ، فَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ هُوَ بِمَا فِيهِ فِي يَدِ رَجُلٍ، وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ مُفَصَّلَةٌ، فَقَالَ السَّارِقُ: هُوَ مِلْكِي، فَعَلَى قَوْلِنَا بِسُقُوطِ الْقَطْعِ بِبَقَاءِ النِّزَاعِ بَيْنَهُمَا فِي الْمَالِ، فَيُصَدَّقُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَسْقُطُ الْقَطْعُ بِالدَّعْوَى، فَإِنْ حَلَفَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، ثَبَتَ الْقَطْعُ مَعَ الْمَالِ، وَيَجِيءُ الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْقَطْعَ يَثْبُتُ بِالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ، وَالْأَصَحُّ ثُبُوتُهُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ

ص: 115

تَعَالَى، وَيَجْرِي أَيْضًا فِيمَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ مُفَصَّلَةٌ يَثْبُتُ مُثُلُهَا فِي السَّرِقَةِ، فَقَالَ السَّارِقُ: كَانَ أَبَاحَهُ، أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ بَاعَهُ لِي، وَاعْتَمَدَ الشُّهُودُ ظَاهِرَ الْحَالِ، أَمَّا إِذَا قَالَ: لَمْ يَزَلْ مِلْكِي وَكَانَ غَصَبَنِيهِ، أَوْ قَالَ: مَا سَرَقْتُ أَصْلًا، فَهَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَ الشُّهُودِ وَيُكَذِّبُهُمْ، فَهَلْ يَسْقُطُ بِهِ الْحَدُّ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ الدَّعْوَى الَّتِي لَا تُكَذِّبُهُمْ مُسْقَطَةٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، قَالَ ابْنُ كَجٍّ: مَوْضِعُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ الْقَطْعَ يَسْقُطُ بِدَعْوَى السَّارِقِ الْمِلْكَ مَا إِذَا حَلَفَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ عَلَى نَفْيِ الْمِلْكِ الَّذِي يَدَّعِيهِ، أَمَّا لَوْ نَكَلَ حَلَفَ وَحَلَفَ السَّارِقُ، فَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ، وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَطْعُ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ نَكَلَ السَّارِقُ أَيْضًا، فَيُشْبِهُ أَنْ يَجِيءَ فِيهِ الْخِلَافُ.

الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ مُحْتَرَمًا، فَلَوْ سَرَقَ خَمْرًا، أَوْ كَلْبًا، أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ غَيْرَ مَدْبُوغٍ، فَلَا قَطْعَ، سَوَاءٌ سَرَقَهُ مُسْلِمٌ أَمْ ذِمِّيٌّ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَوْ كَانَ الْإِنَاءُ الَّذِي فِيهِ الْخَمْرُ يُسَاوِي نِصَابًا، قُطِعَ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَوْلٌ، فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقَطْعِ، وَطَرَدَ صَاحِبُ «الْبَيَانِ» فِيهِ الْوَجْهَيْنِ، وَطَرْدُهُمَا فِيمَا يُسْتَهَانُ بِهِ، كَقُشُورِ الرُّمَّانِ، وَهُوَ بَعِيدٌ، بَلِ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ، وَلَوْ سَرَقَ آلَاتِ الْمَلَاهِي، كَالطُّنْبُورِ وَالْمِزْمَارِ، أَوْ صَنَمًا، فَإِنْ كَانَ لَا يَبْلُغُ بَعْدَ الْكَسْرِ وَالتَّغْيِيرِ نِصَابًا، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ بَلَغَهُ، قُطِعَ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْهُمُ الْعِرَاقِيُّونَ والرُّويَانِيُّ ; لِأَنَّهُ سَرَقَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ، وَاخْتَارَ الْإِمَامُ وَأَبُو الْفَرَجِ الزَّازُ أَنَّهُ لَا قَطْعَ مِنَ الْمَلَاهِي فَأَشْبَهَ الْخَمْرَ، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ ; لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مَأْمُورٌ بِإِفْسَادِ آلَاتِ الْمَلَاهِي، وَيَجُوزُ الْهُجُومُ عَلَى الدُّورِ لِكَسْرِهَا وَإِبْطَالِهَا، وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِمْسَاكُهَا، فَهِيَ كَالْمَغْصُوبِ يُسْرَقُ مِنْ حِرْزِ الْغَاصِبِ، ثُمَّ الْوَجْهَانِ فِيمَا إِذَا قَصَدَ السَّرِقَةَ، أَمَّا إِذَا قَصَدَ بِإِخْرَاجِهَا أَنْ يَشْهَدَ تَغْيِيرَهَا وَإِفْسَادَهَا، فَلَا قَطْعَ بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ كَسَرَ مَا أَخَذَهُ فِي

ص: 116

الْحِرْزِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَهُوَ يَبْلُغُ نِصَابًا، قُطِعَ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَلَوْ سَرَقَ آنِيَةَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، فَفِي «الْمُهَذَّبِ» وَ «التَّهْذِيبِ» أَنَّهُ يُقْطَعُ ; لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ لِلزِّينَةِ، وَالْوَجْهُ مَا قَالَهُ صَاحِبُ «الْبَيَانِ» أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى اتِّخَاذِهَا، إِنْ جَوَّزْنَاهُ قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا، كَالْمَلَاهِي، وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ، لَكِنَّهُ رَأَى نَفْيَ الْقَطْعِ بَعِيدًا.

الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ تَامًّا قَوِيًّا وَفِيهِ مَسَائِلُ:

إِحْدَاهَا: إِذَا سَرَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ حِرْزِ الْآخَرِ مَالَهُمَا الْمُشْتَرَكَ، فَهَلْ يُقْطَعُ؟ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: لَا ; لِأَنَّ لَهُ فِي كُلِّ قَدْرٍ جُزْءًا وَإِنْ قَلَّ، فَيَصِيرُ شُبْهَةً، كَوَطْءِ الْمُشْتَرَكَةِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ سَرَقَ أَلْفَ دِينَارٍ لَهُ مِنْهُ قَدْرَ دِينَارٍ شَائِعًا، لَمْ يُقْطَعْ، وَالثَّانِي: نَعَمْ، إِذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ، فَعَلَى هَذَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، قَالَ الْأَكْثَرُونَ: إِنْ كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، فَسَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، فَقَدْ سَرَقَ مِنَ الشَّرِيكِ نِصَابًا، وَإِنْ كَانَ ثُلُثَاهُ لِلسَّارِقِ، فَإِذَا سَرَقَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعٍ فَقَدْ سَرَقَ مِنْهُ نِصَابًا، وَالثَّانِي: إِنَّمَا يُجْعَلُ سَارِقًا لِنِصَابٍ مِنَ الشَّرِيكِ إِذَا زَادَ الْمَأْخُوذُ عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ بِنِصَابٍ، فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً، فَسَرَقَ نِصْفَ الْمَالِ وَزِيَادَةَ رُبُعَ دِينَارٍ، أَوْ كَانَ ثُلُثَاهُ لِلسَّارِقِ، فَسَرَقَ ثُلُثَيْهِ وَزِيَادَةً لَا تَبْلُغُ رُبُعَ دِينَارٍ، فَلَا قَطْعَ، وَالثَّالِثُ: إِنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ مِمَّا يُجْبَرُ عَلَى قِسْمَتِهِ، كَالْحُبُوبِ وَسَائِرِ الْمِثْلِيَّاتِ، فَلَا قَطْعَ حَتَّى يَزِيدَ الْمَأْخُوذُ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ بِنِصَابٍ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُجْبَرُ فِيهِ، كَالثِّيَابِ، فَإِذَا سَرَقَ نِصْفَ دِينَارٍ إِنِ اشْتَرَكَا بِالسَّوِيَّةِ أَوْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ دِينَارٍ إِنْ كَانَ الثُّلُثَانِ لِلسَّارِقِ، قُطِعَ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا سَرَقَ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، نُظِرَ إِنْ سَرَقَ مِمَّا أُفْرِزَ لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصِينَ وَلَيْسَ السَّارِقُ مِنْهُمْ، قُطِعَ، قَالَ الْإِمَامُ: وَكَذَا الْفَيْءُ الْمُعَدُّ لِلْمُرْتَزِقَةِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُمْ، وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِهِ، فَأَوْجُهٌ،

ص: 117

أَحَدُهَا وَهُوَ مُقْتَضَى إِطْلَاقِ الْعِرَاقِيِّينَ: لَا قَطْعَ، سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا، وَسَوَاءٌ سَرَقَ مِنَ الصَّدَقَاتِ، أَوْ مَالِ الْمَصَالِحِ، وَالثَّانِي: يُقْطَعُ، وَأَصَحُّهَا: التَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَ السَّارِقُ صَاحِبَ حَقٍّ فِي الْمَسْرُوقِ، بِأَنْ سَرَقَ فَقِيرٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ، أَوْ مَالِ الْمَصَالِحِ، فَلَا قَطْعَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حَقٍّ فِيهِ، كَالْغَنِيِّ، فَإِنْ سَرَقَ مِنَ الصَّدَقَاتِ، قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَ مِنَ الْمَصَالِحِ، فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُصْرَفُ ذَلِكَ إِلَى عِمَارَةِ الْمَسَاجِدِ وَالرِّبَاطَاتِ وَالْقَنَاطِيرِ فَيَنْتَفِعُ بِهَا الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، أَمَّا إِذَا سَرَقَ ذِمِّيٌّ مَالَ الْمَصَالِحِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْطَعُ ; لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَى إِنْفَاقِ الْإِمَامِ عَلَيْهِمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُنْفَقُ لِلضَّرُورَةِ، وَبِشَرْطِ الضَّمَانِ، وَلَا يُنْظَرُ إِلَى انْتِفَاعِهِ بِالْقَنَاطِرِ وَالرِّبَاطَاتِ ; لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنْتَفِعُ تَبَعًا، وَفِي وَجْهٍ: لَا قَطْعَ، وَاخْتَارَهُ الْبَغَوِيُّ وَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ إِنْفَاقُ الْإِمَامِ عَلَيْهِ بِشَرْطِ الضَّمَانِ، قَالَ: وَهَذَا فِي مَالِ الْمَصَالِحِ، أَمَّا لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ ; لِأَنَّهُ إِرْثٌ لِلْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً، وَلَوْ كُفِّنَ مُسْلِمٌ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَسَرَقَ نَبَّاشٌ كَفَنَهُ، قُطِعَ إِذَا لَمْ يَبْقَ لِغَيْرِ الْمَيِّتِ فِيهِ حَقٌّ، كَمَا لَوْ كَسَاهُ حَيًّا.

الثَّالِثَةُ: إِذَا سَرَقَ سِتْرَ الْكَعْبَةِ وَهُوَ مُحْرَزٌ بِالْخِيَاطَةِ عَلَيْهِ، فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقَطْعِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ ابْنُ كَجٍّ فِيهِ قَوْلَيْنِ، وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ، وَأَلْحَقُوا بَابَ الْمَسْجِدِ وَجِذْعَهُ وَتَأْزِيرَهُ وَسَوَارِيَهُ، فَأَوْجَبُوا الْقَطْعَ بِسَرِقَتِهَا، قَالُوا: وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَا يُفْرَشُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ حَصِيرٍ وَغَيْرِهِ، وَلَا فِي الْقَنَادِيلِ الْمُسْرَجَةِ ; لِأَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِانْتِفَاعِ النَّاسِ، وَالْقَنَادِيلُ الَّتِي لَا تُسْرَجُ، وَلَا يُقْصَدُ مِنْهَا إِلَّا الزِّينَةُ كَالْأَبْوَابِ، هَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ، وَرَأَى الْإِمَامُ تَخْرِيجَ وَجْهٍ فِي الْأَبْوَابِ وَالسُّقُوفِ ; لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ، وَالْمَسْجِدُ مُشْتَرَكٌ وَذَكَرَ فِي الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ

ص: 118

وَنَحْوِهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ، ثَالِثُهَا: الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِضَاءَةَ أَوِ الزِّينَةَ، وَكُلُّ هَذَا فِي الْمُسْلِمِ، أَمَّا الذِّمِّيُّ إِذَا سَرِقَ الْبَابَ أَوِ الْحَصِيرَ أَوْ غَيْرِهِمَا، فَيُقْطَعُ بِلَا خِلَافٍ، وَذَكَرَ الْفُورَانِيُّ فِي سَرِقَةِ بَكَرَةِ الْيَدِ الْمُسْبَلَةِ أَنَّهُ يُقْطَعُ، وَكَذَا حَكَاهُ الْبَغَوِيُّ قَالَ: وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّهَا كَحَصِيرِ الْمَسْجِدِ ; لِأَنَّهَا لِمَنْفَعَةِ النَّاسِ.

الرَّابِعَةُ: لَوْ سَرَقَ مَالًا مَوْقُوفًا، أَوْ مُسْتَوْلَدَةً وَهِيَ نَائِمَةٌ، أَوْ مَجْنُونَةً، وَجَبَ الْقَطْعُ عَلَى الْأَصَحِّ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ; لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ، وَكَذَا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، وَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَلَّةِ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ أَوْ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ مَوْقُوفَةٍ، قُطِعَ بِلَا خِلَافٍ، فَلَوْ كَانَ لِلسَّارِقِ اسْتِحْقَاقٌ، أَوْ شُبْهَةُ اسْتِحْقَاقٍ، بِأَنْ وُقِفَ عَلَى جَمَاعَةٍ، فَسَرَقَهُ أَحَدُهُمْ، أَوْ سَرَقَ أَبُو بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، أَوِ ابْنُهُ، أَوْ وُقِفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَسَرَقَ فَقِيرٌ، فَلَا قَطْعَ بِلَا خِلَافٍ.

فَرْعٌ

الصَّحِيحُ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى مَنْ زَنَى بِجَارِيَةِ بَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبِ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ مَالٍ.

الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ شُبْهَةُ اسْتِحْقَاقٍ لِلسَّارِقِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

إِحْدَاهَا: سَرَقَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ مَالَ الْمَدِينِ، نَصَّ أَنَّهُ لَا قَطْعَ، فَقِيلَ بِإِطْلَاقِهِ، وَالْأَصَحُّ: التَّفْصِيلُ، فَإِنْ أَخَذَهُ لَا بِقَصْدِ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ، أَوْ بِقَصْدِهِ وَالْمَدِينُ غَيْرُ جَاحِدٍ وَلَا مُمَاطِلٍ قُطِعَ، وَإِنْ قَصَدَهُ وَهُوَ جَاحِدٌ أَوْ مُمَاطِلٌ، فَلَا قَطْعَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَقِيلَ: يُخْتَصُّ بِمَنْ أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ أَخَذَ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ حَقِّهِ، فَلَا قَطْعَ عَلَى الصَّحِيحِ ; لِأَنَّهُ إِذَا تَمَكَّنَ مِنَ الدُّخُولِ

ص: 119

وَالْأَخْذِ، لَمْ يَبْقَ الْمَالُ مُحْرَزًا عَنْهُ، وَقِيلَ: إِنْ بَلَغَتِ الزِّيَادَةُ نِصَابًا وَهِيَ مُسْتَقِلَّةٌ، قُطِعَ.

الثَّانِيَةُ: مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِالْبَعْضِيَّةِ عَلَى الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِهِ، وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ الْأَخِ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ، وَلَوْ سَرَقَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ مَالَ الْآخَرِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْرَزًا عَنْهُ، فَلَا قَطْعَ، وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، أَظْهَرُهَا: يُقْطَعُ، وَالثَّانِي: لَا، وَالثَّالِثُ: يُقْطَعُ الزَّوْجُ دُونَ الزَّوْجَةِ، وَقِيلَ: يُقْطَعَانِ بِلَا خِلَافٍ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَمَنْ لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مَالِ شَخْصٍ، لَا يُقْطَعُ عَبْدُهُ بِسَرِقَةِ مَالِ ذَلِكَ الشَّخْصِ، فَلَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالِ أَبِي سَيِّدِهِ وَابْنِهِ، وَفِي قَطْعِ عَبْدِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِسَرِقَتِهِ مَالَ الْآخَرِ الْخِلَافُ، وَفِي وَجْهٍ يُقْطَعُ الْعَبْدُ وَإِنْ لَمْ يُقْطَعْ سَيِّدُهُ، وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ ; لِأَنَّ يَدَ الْعَبْدِ كَيْدِ السَّيِّدِ، وَلَوْ سَرَقَ مُكَاتَبُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مَالَ الْآخَرَ وَقُلْنَا: لَا قَطْعَ عَلَى الْعَبْدِ فَوَجْهَانِ، كَمَا لَوْ سَرَقَ الْمُكَاتَبُ مَالَ سَيِّدِهِ، فَفِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَعَنِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّا إِذَا لَمْ نَقْطَعْ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ بِسَرِقَةِ مَالِ الْآخَرِ، يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْطَعَ وَلَدُ أَحَدِهِمَا بِسَرِقَةِ مَالِ الْآخَرِ، وَغَلِطَ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ زَوْجَتَانِ، سَرَقَتْ إِحْدَاهُمَا مَالَ الْأُخْرَى، أَوْ سَرَقَ مَالَ زَوْجَةِ أَبِيهِ، أَوِ ابْنِهِ، فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْحَدِّ، وَلَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ بِسَرِقَةِ مَالِ سَيِّدِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ زَنَى بِجَارِيَتِهِ، وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَالْقِنِّ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يُقْطَعُ بِمَا فِي يَدِ مَمْلُوكِهِ وَإِنْ قَدَّرْنَا لَهُ مِلْكًا، وَلَوْ سَرَقَ مِمَّنْ بَعْضُهُ مَمْلُوكُهُ مَا مَلَكَهُ بِبَعْضِهِ الْحُرِّ، قَالَ الْقَفَّالُ: لَا يُقْطَعُ، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ: يُقْطَعُ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ أَخَذَ الْمَالَ عَلَى صُورَةِ السَّرِقَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمَأْخُوذَ

ص: 120

مِلْكُهُ، أَوْ مِلْكُ أَبِيهِ، أَوِ ابْنِهِ أَنَّ الْحِرْزَ مِلْكُهُ، فَلَا قَطْعَ عَلَى الْأَصَحِّ لِلشُّبْهَةِ.

فَرْعٌ

فِي صُوَرٍ يُتَوَهَّمُ أَنَّهَا شُبْهَةٌ، وَلَيْسَتْ مُؤَثِّرَةً، فَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ الْمَسْرُوقِ مُبَاحَ الْأَصْلِ، كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ وَالصَّيْدِ وَمَالِ الْمَعْدِنِ، وَلَا لِكَوْنِهِ مُعَرَّضًا لِلْفَسَادِ، كَالرُّطَبِ وَالتِّينِ وَالرَّيَاحِينِ وَالشِّوَاءِ وَالْهَرِيسَةِ وَالْجَمَدِ وَالشَّمْعِ الْمُشْتَعِلِ، وَلَوْ سَرَقَ عَيْنًا فَقُطِعَ، ثُمَّ سَرَقَهَا مِنَ الْمَالِكِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ، قُطِعَ ثَانِيًا، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَسْرُوقِ فِي يَدِ الْمَالِكِ، بَلِ السَّرِقَةُ مِنْ يَدِ الْمُودَعِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْوَكِيلِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ، تُوجِبُ الْقَطْعَ، وَالْخَصْمُ فِيهَا الْمَالِكُ، وَإِذَا قُلْنَا: الْمَاءُ لَا يُمْلَكُ، فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يُمْلَكُ، قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ تَافِهٌ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي سَرِقَةِ التُّرَابِ ; لِأَنَّهُ لَا تُقْصَدُ سَرِقَتُهُ لِكَثْرَتِهِ، وَيَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ الْمُصْحَفِ وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ، وَكَذَا الشَّعْرِ الَّذِي يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ، وَمَا لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا قَطْعَ فِيهِ إِلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْجِلْدُ وَالْقِرْطَاسُ نِصَابًا، وَيَجِبَ الْقَطْعُ بِسَرِقَةِ قُرُونِ الْحَيَوَانِ.

الشَّرْطُ السَّادِسُ: كَوْنُهُ مُحْرَزًا، فَلَا قَطْعَ فِي سَرِقَةِ مَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ، وَيَخْتَلِفُ الْحِرْزُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَمْوَالِ، وَالتَّعْوِيلُ فِي صِيَانَةِ الْمَالِ وَإِحْرَازِهِ عَلَى شَيْئَيْنِ، أَحَدُهُمَا: الْمُلَاحَظَةُ وَالْمُرَاقَبَةُ، وَالثَّانِي: حَصَانَةُ الْمَوْضِعِ وَوَثَاقَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَوْضِعِ حَصَانَةٌ، كَالْمَوْضُوعِ فِي صَحْرَاءَ، أَوْ مَسْجِدٍ، أَوْ شَارِعٍ، اشْتُرِطَ مُدَاوَمَةُ اللِّحَاظِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حَصَانَةٌ، وَانْضَمَّ إِلَيْهَا اللِّحَاظُ الْمُعْتَادُ، كَفَى، وَلَمْ تُشْتَرَطْ مُدَاوَمَتُهُ، وَيَحْكُمْ فِي ذَلِكَ الْعُرْفُ، وَتَفْضِيلُهُ بِمَسَائِلَ:

ص: 121

إِحْدَاهَا: الْإِصْطَبْلُ حِرْزُ الدَّوَابِّ مَعَ نَفَاسَتِهَا وَكَثْرَةِ قِيمَتِهَا، وَلَيْسَ حِرْزًا لِلثِّيَابِ وَالنُّقُودِ، وَالصِّفَةُ فِي الدَّارِ وَعَرْصَتِهَا حِرْزَانِ لِلْأَوَانِي وَثِيَابِ الْبِذْلَةِ دُونَ الْحُلِيِّ وَالنُّقُودِ ; لِأَنَّ الْعَادَةَ فِيهَا الْإِحْرَازُ فِي الْمَخَازِنِ، وَكَذَا الثِّيَابُ النَّفِيسَةُ تُحْرَزُ فِي الدُّورِ، وَفِي بُيُوتِ الْحَانَاتِ وَفِي الْأَسْوَاقِ الْمَنِيعَةِ، وَالْمَتْبَنُ حِرْزٌ لِلتِّبْنِ دُونَ الْأَوَانِي وَالْفُرُشِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا كَانَ حِرْزًا لِنَوْعٍ كَانَ حِرْزًا لِمَا دُونَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِرْزًا لِمَا فَوْقَهُ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا نَامَ فِي صَحْرَاءَ، أَوْ مَسْجِدٍ، أَوْ شَارِعٍ عَلَى ثَوْبِهِ، أَوْ تَوَسَّدَ عَيْبَتَهُ أَوْ مَتَاعَهُ، أَوِ اتَّكَأَ عَلَيْهِ، فَسُرِقَ الثَّوْبُ مِنْ تَحْتِهِ، أَوِ الْعَيْبَةُ، أَوْ أُخِذَ الْمِنْدِيلُ مِنْ رَأْسِهِ، أَوِ الْمَدَاسُ مِنْ رِجْلِهِ، أَوِ الْخَاتَمُ مِنْ أُصْبُعِهِ، وَجَبَ الْقَطْعُ ; لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِهِ، وَلَوْ زَالَ رَأْسُهُ عَمَّا تَوَسَّدَهُ، أَوِ انْقَلَبَ فِي النَّوْمِ عَنِ الثَّوْبِ وَخَلَّاهُ، فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ، وَلَوْ رَفَعَ السَّارِقُ النَّائِمَ عَنِ الثَّوْبِ أَوَّلًا، ثُمَّ أَخَذَهُ، فَلَا قَطْعَ، وَلَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ أَوْ ثَوْبَهُ بِقُرْبِهِ فِي الصَّحْرَاءِ أَوِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ نَامَ أَوْ وَلَّاهُ ظَهَّرَهُ، أَوْ ذَهِلَ عَنْهُ بِشَاغِلٍ، لَمْ يَكُنْ مُحْرَزًا، وَإِنْ كَانَ مُتَيَقِّظًا يُلَاحِظُهُ فَتَغَفَّلَهُ السَّارِقُ، وَأَخَذَ الْمَالَ، قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْمَوْضِعِ زَحْمَةُ الطَّارِقِينَ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا، وَتَكْفِي الْمُلَاحَظَةُ، لَكِنْ لَا بُدَّ بِسَبَبِ الزَّحْمَةِ مِنْ مَزِيدِ مُرَاقَبَةٍ وَتَحَفُّظٍ، وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ، وَتُخْرِجُهُ الزَّحْمَةُ عَنْ كَوْنِهِ مُحْرَزًا، وَأُجْرِيَ الْوَجْهَانِ فِي الْخَبَّازِ وَالْبَزَّازِ وَغَيْرِهِمَا إِذَا كَثُرَتِ الزَّحْمَةُ عَلَى حَانُوتِهِ.

قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ وَضَعَ الْمَتَاعَ فِي شَارِعٍ، وَلَاحَظَهُ جَمْعٌ، صَارَ عَدَدُ اللَّاحِظِينَ فِي مُعَارَضَةِ عَدَدِ الطَّارِقِينَ، كَلَاحِظٍ فِي الصَّحْرَاءِ فِي مُعَارَضَةِ طَارِقٍ، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمُلَاحَظِ بِحَيْثُ يَقْدِرُ عَلَى الْمَنْعِ لَوِ اطَّلَعَ عَلَى سَارِقٍ إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِالِاسْتِغَاثَةِ، فَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يُبَالِي بِهِ السَّارِقُ،

ص: 122

وَالْمَوْضِعُ بَعِيدٌ عَنِ الْغَوْثِ، فَلَيْسَ بِحِرْزٍ، بَلِ الشَّخْصُ شَائِعٌ مَعَ مَالِهِ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُفَرَّقَ بَيْنَ كَوْنِ الصَّحْرَاءِ مَوَاتًا أَوْ غَيْرَهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الرُّكْنَ الْأَوَّلَ فِي كَوْنِهِ مُحْرَزًا الْمُلَاحَظَةُ، فَلَا تَكْفِي حَصَانَةُ الْمَوْضِعِ عَلَى أَصْلِ الْمُلَاحَظَةِ، حَتَّى إِنَّ الدَّارَ الْمُتَفَرِّدَةَ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ لَا تَكُونُ حِرْزًا وَإِنْ تَنَاهَتْ فِي الْحَصَانَةِ، وَكَذَا الْقَلْعَةُ الْمُحْكَمَةُ ; لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَوْضِعُ عَلَى أَصْلِ الْمُلَاحَظَةِ، حَتَّى إِنَّ الدَّارَ الْمُنْفَرِدَةَ فِي طَرَفِ الْبَلَدِ لَا تَكُونُ خَطَرًا، لَكِنْ لَا يُحْتَاجُ مَعَ الْحَصَانَةِ إِلَى دَوَامِ الْمُلَاحَظَةِ بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَا فِي الصَّحْرَاءِ.

فَرْعٌ

لَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ إِنْسَانٍ أَوْ كُمِّهِ، وَأَخَذَ الْمَالَ، أَوْ طَرَّ جَيْبَهُ، أَوْ كُمَّهُ، وَأَخَذَ الْمَالَ، قُطِعَ ; لِأَنَّهُ مُحْرَزٌ بِهِ، وَسَوَاءٌ رَبَطَهُ مِنْ دَاخِلِ الْكُمِّ، أَمْ مِنْ خَارِجِهِ أَمْ لَمْ يَرْبُطْهُ؟ وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ رَأْسِ مِنْدِيلٍ عَلَى رَأْسٍ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: إِنْ كَانَ قَدْ شَدَّهُ عَلَيْهِ، قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا.

الثَّالِثَةُ: الدَّارُ إِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنِ الْعِمَارَاتِ، بِأَنْ كَانَتْ فِي بَادِيَةٍ، أَوْ فِي الطُّرُقِ الْخَرَابِ مِنَ الْبَلَدِ، أَوْ فِي بُسْتَانٍ، فَلَيْسَتْ بِحِرْزٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا أَوْ مُغْلَقًا، فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا، أَوْ حَافِظٌ آخَرَ، نُظِرَ إِنْ كَانَ نَائِمًا وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ، فَلَيْسَتْ حِرْزًا، وَإِنْ كَانَ مُغْلَقًا فَوَجْهَانِ، الَّذِي أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمَنْ تَابَعَهُ: أَنَّهُ مُحْرَزٌ، وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ إِطْلَاقُ الْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ خِلَافُهُ.

قُلْتُ: الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ أَقْوَى، وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ فِي «الْمُحَرَّرِ» بِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْرَزٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

ص: 123

وَإِنْ كَانَ مَنْ فِيهَا مُتَيَقِّظًا، فَالْأَمْتِعَةُ فِيهَا مُحْرَزَةٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا أَوْ مُغْلَقًا، لَكِنْ لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُبَالَى بِهِ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنِ الْغَوْثِ، فَالْحُكْمُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَلْحُوظِ بِعَيْنِ الضَّعِيفِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَإِنْ كَانَتِ الدَّارُ مُتَّصِلَةً بِدُورِ أَهْلِهِ، نُظِرَ إِنْ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا وَفِيهَا صَاحِبُهَا، أَوْ حَافِظٌ آخَرُ، فَهِيَ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا لَيْلًا وَنَهَارًا مُتَيَقِّظًا كَانَ الْحَافِظُ أَوْ نَائِمًا، وَإِنْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا، فَإِنْ كَانَ مَنْ فِيهَا نَائِمًا لَمْ يَكُنْ حِرْزًا لَيْلًا قَطْعًا، وَلَا نَهَارًا فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: حِرْزٌ نَهَارًا فِي زَمَنِ الْأَمْنِ مِنَ النَّهْبِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ فِيهَا مُتَيَقِّظًا لَكِنَّهُ لَا يُتِمُّ الْمُلَاحَظَةَ بَلْ يَتَرَدَّدُ فِي الدَّارِ، فَتَغَفَّلُهُ إِنْسَانٌ فَسَرَقَ، لَمْ يُقْطَعْ عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ لِلتَّقْصِيرِ بِإِهْمَالِ الْمُرَاقَبَةِ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ، وَلَوْ كَانَ يُبَالِغُ فِي الْمُلَاحَظَةِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْإِحْرَازُ بِمِثْلِهِ فِي الصَّحْرَاءِ، فَانْتَهَزَ السَّارِقُ فُرْصَةً، قُطِعَ بِلَا خِلَافٍ.

وَلَوْ فَتَحَ صَاحِبُ الدَّارِ بَابَهَا، وَأَذِنَ لِلنَّاسِ فِي الدُّخُولِ كَشِرَاءِ مَتَاعِهِ، كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَخْبِزُ فِي دَارِهِ فَوَجْهَانِ ; لِأَنَّ الزَّحْمَةَ تَشْغَلُ، فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ، فَالْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيُّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا، فَهُوَ حِزْرٌ بِالنَّهَارِ فِي وَقْتِ الْأَمْنِ، وَلَيْسَ حِرْزًا فِي وَقْتِ الْخَوْفِ وَلَا فِي اللَّيْلِ، وَإِنْ كَانَ مَفْتُوحًا، لَمْ يَكُنْ حِرْزًا أَصْلًا، وَمَنْ جَعَلَ الدَّارَ الْمُنْفَصِلَةَ عَنِ الْعِمَارَاتِ حِرْزًا عِنْدَ إِغْلَاقِ الْبَابِ فَأَوْلَى أَنْ يَجْعَلَ الْمُتَّصِلَةَ بِهَا عِنْدَ الْإِغْلَاقِ حِرْزًا، وَإِذَا ادَّعَى السَّارِقُ أَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ: نَامَ، أَوْ ضَيَّعَ مَا فِيهَا وَأَعْرَضَ عَنِ اللِّحَاظِ، فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: يَسْقُطُ الْقَطْعُ بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، كَمَا فِي دَعْوَى الْمِلْكِ، وَيَجِيءُ فِيهِ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ هُنَاكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ فِي كُلِّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ فِي الْإِحْرَازِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلُ، قَالَ الْأَصْحَابُ: النَّقْدُ وَالْجَوْهَرُ وَالثِّيَابُ لَا تَكُونُ مُحْرَزَةً إِلَّا بِإِغْلَاقِ الْبَابِ عَلَيْهَا، وَأَمْتِعَةُ الْعَطَّارِينَ وَالْبَقَّالِينَ وَالصَّيَادِلَةِ إِذَا تَرَكَهَا عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ وَنَامَ فِيهِ، أَوْ غَابَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ ضَمَّ بَعْضُهَا إِلَى

ص: 124

بَعْضٍ وَرَبَطَهَا بِحَبْلٍ، أَوْ عَلَّقَ عَلَيْهَا شَبَكَةً، أَوْ وَضَعَ لَوْحَيْنِ عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ مُخَالِفَيْنِ، كَفَى ذَلِكَ إِحْرَازًا فِي النَّهَارِ ; لِأَنَّ الْجِيرَانَ وَالْمَارَّةَ يَنْظُرُونَهَا، وَإِنْ تَرَكَهَا مُفَرَّقَةً وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ، لَمْ تَكُنْ مُحْرَزَةً، وَأَمَّا بِاللَّيْلِ، فَلَا تَكُونُ مُحْرَزَةً إِلَّا بِحَارِسٍ.

قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَالْبَقْلُ وَالْفُجْلُ قَدْ يُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ، وَيُطْرَحُ عَلَيْهِ حَصِيرٌ، وَيُتْرَكُ عَلَى بَابِ الْحَانُوتِ وَهُنَاكَ حَارِسٌ يَنَامُ سَاعَةً وَيَدُورُ سَاعَةً، فَيَكُونُ مُحْرَزًا، وَقَدْ يُزَيِّنُ الْعَامِّيُّ حَانُوتَهُ أَيَّامَ الْعِيدِ بِالْأَمْتِعَةِ النَّفِيسَةِ، وَيُشَقُّ عَلَيْهِ رَفْعُهَا لَيْلًا، فَيَتْرُكُهَا، وَيَلْقِي عَلَيْهَا نَطْعًا، وَيُنَصِّبُ حَارِسًا، فَتَكُونُ مُحْرَزَةً بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَيَّامِ ; لِأَنَّ أَهْلَ السُّوقِ يَعْتَادُونَ ذَلِكَ، فَيَقْوَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَالثِّيَابُ عَلَى بَابِ حَانُوتِ الْقَصَّارِ وَالصَّبَّاغِ، كَأَمْتِعَةِ الْعَطَّارِينَ، هَذَا فِيمَا يُنْقَلُ فِي الْعَادَةِ إِلَى دَاخِلِ بِنَاءٍ وَيُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابٌ، فَأَمَّا الْأَمْتِعَةُ الثَّقِيلَةُ الَّتِي يُشَقُّ نَقْلُهَا، كَالْحَطَبِ، فَهِيَ مُحْرَزَةٌ بِأَنْ يُشَدَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ الْخَزَفُ وَالْقُدُورُ تُحْرَزُ بِالشَّرَائِحِ الَّتِي تَنْصَبُّ عَلَى وَجْهِ الْحَانُوتِ، وَإِنْ تُرِكَتْ مُتَفَرِّقَةً لَمْ تَكُنْ مُحْرَزَةً، وَفِي وَجْهٍ لَا يَكْفِي الشَّدُّ، بَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا بَابٌ مُغْلَقٌ، أَوْ يَكُونُ عَلَى سَطْحٍ مَحُوطٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ حَيْثُ جَرَتِ الْعَادَةُ بِهِ، وَكَذَا الطَّعَامُ فِي الْغَرَائِرِ فِي مَوْضِعِ الْبَيْعِ مُحْرَزًا إِذَا شُدَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْهُ إِلَّا بِحَلِّ الرِّبَاطِ، أَوْ فَتْقِ بَعْضِ الْغَرَائِرِ، نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله، وَالْحَطَبُ وَالْقَصِيلُ عَلَى السَّطْحِ الْمَحُوطِ مُحْرَزَانِ، وَالْأَجْذَاعُ الثِّقَالُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاكِينِ مُحْرَزَةٌ، وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: مَتَاعُ الْبَقَّالِ فِي الْحَانُوتِ فِي اللَّيْلِ مُحْرَزٌ فِي وَقْتِ الْأَمْنِ إِذَا كَانَ الْبَابُ مُغْلَقًا، وَفِي غَيْرِ وَقْتِ الْأَمْنِ لَا بُدَّ مِنْ حَارِسٍ، وَمَتَاعُ الْبَيَّاعِ وَالْبَزَّارِ، لَا يَكُونُ مُحْرَزًا إِلَّا بِالْحَارِسِ، وَإِنَّ الْكَدْسَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبَذْرَ الْمُسْتَتِرَ بِالتُّرَابِ، وَالزَّرْعَ وَالْقُطْنَ،

ص: 125

قَصِيلًا كَانَا أَوِ اشْتَدَّ الْحَرَبُ وَخَرَجَ الْجَوْزَقُ لَيْسَتْ مُحْرَزَةً إِلَّا بِحَارِسٍ.

وَفِي «جَمْعِ الْجَوَامِعِ» لِلرُّويَانِيِّ أَنَّ الزَّرْعَ فِي الْمَزَارِعِ مُحْرَزٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَارِسٌ، وَفِي تَعْلِيقَةِ الشَّيْخِ إِبْرَاهِيمَ الْمَرُّوذِيِّ أَنَّ الزَّرْعَ إِذَا كَانَ قَصِيلًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى حَارِسٍ ; لِأَنَّهُ يُحْفَظُ مِثْلُهُ فِي الْعَادَةِ، وَهَذَا يَجْرِي فِي الْبَذْرِ الْمُسْتَتِرِ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي مَحُوطٍ فَهِيَ كَالثِّمَارِ فِي الْبَسَاتِينِ، وَالثِّمَارُ عَلَى الْأَشْجَارِ إِنْ كَانَتْ فِي بَرِّيَّةٍ لَا تَكُونُ مُحْرَزَةً إِلَّا بِحَارِسٍ، وَفِي الْكَرْمِ وَالْبَسَاتِينِ الْمَحُوطَةِ كَذَلِكَ إِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً عَنِ الطُّرُقِ وَالْمَسَاكِنِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً بِهَا، وَالْجِيرَانُ يُرَاقِبُونَهَا فِي الْعَادَةِ، فَهِيَ مُحْرَزَةٌ، وَإِلَّا فَيُحْتَاجُ إِلَى حَارِسٍ، وَالْأَشْجَارُ فِي أَفَنِيَةِ الدُّورِ مُحْرَزَةٌ، وَفِي الْبَرِّيَّةِ تَحْتَاجُ إِلَى حَارِسٍ، وَالْحِنْطَةُ فِي مَطَامِيرِ الْمَفَازَةِ، وَالتِّبْنُ فِي الْمَتْبَنِ، وَالثَّلْجُ فِي الْمَثْلَجَةِ، وَالْجَمَدُ فِي الْمَجْمَدَةِ فِي الصَّحْرَاءِ غَيْرُ مُحْرَزَةٍ إِلَّا بِحَارِسٍ، وَبَابُ الدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَالْمِغْلَاقُ وَالْحَلْقَةُ عَلَى الْبَابِ مُحْرَزَةٌ بِالتَّرْكِيبِ وَالتَّسْمِيرِ، وَكَذَا الْآجُرُّ إِذَا سُرِقَ مِنْ صَحْنِ الدَّارِ، أَوِ اسْتَخْرَجَهُ مِنَ الْجِدَارِ دَاخِلًا أَوْ خَارِجًا، لَيْلًا أَوْ نَهَارًا، وَجَبَ الْقَطْعُ، وَالشَّرْطُ فِي كَوْنِهَا مُحْرَزَةً أَنْ تَكُونَ الدَّارُ بِحَيْثُ تُحْرَزُ مَا فِيهَا، وَلَوْ كَانَ بَابُ الدَّارِ مَفْتُوحًا، فَدَخَلَ دَاخِلٌ، وَقَلَعَ بَابَ بَيْتٍ وَأَخْرَجَهُ، فَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا قَطْعَ، كَمَا لَوْ أَخَذَ مَتَاعًا مِنْهَا، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: يُقْطَعُ، وَالْبَابُ مُحْرَزٌ بِالتَّرْكِيبِ كَبَابِ الدَّارِ، وَالْقُفْلِ عَلَى الْبَابِ مُحْرَزٌ كَالْبَابِ وَالْحَلْقَةِ، وَقَالَ ابْنُ سَلَمَةَ: لَيْسَ بِمُحْرَزٍ ; لِأَنَّهُ لِلْإِحْرَازِ بِهِ لَا لِإِحْرَازِهِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

ص: 126

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْخِيَامُ بِرَبْطِهَا وَتَنْضِيدِ الْأَمْتِعَةِ فِيهَا لَهُ تَأْثِيرٌ فِي الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ دَوَامِ اللِّحَاظِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْأَمْتِعَةِ الْمَوْضُوعَةِ فِي الصَّحْرَاءِ، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ كَالدُّورِ فِي الْحَصَانَةِ ; لِأَنَّهَا فِي نَفْسِهَا قَابِلَةٌ لِلسَّرِقَةِ، فَإِذَا ضَرَبَ فِي صَحْرَاءَ خَيْمَةً، وَآوى إِلَيْهَا مَتَاعًا، فَسُرِقَ مِنْهَا، أَوْ سُرِقَتْ هِيَ، نُظِرَ إِنْ لَمْ يَشُدَّ أَطْنَابَهَا، وَلَمْ يُرْسِلْ أَذْيَالَهَا، فَهِيَ وَمَا فِيهَا كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَإِنْ شَدَّهَا بِالْأَوْتَادِ وَأَرْسَلَ أَذْيَالَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا فِيهَا، فَلَا قَطْعَ، وَقِيلَ: الْخَيْمَةُ مُحْرَزَةٌ دُونَ مَا فِيهَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا فِي نَفْسِهَا مُسْتَيْقِظًا، أَوْ نَائِمًا، أَوْ نَامَ بِقُرْبِهَا، وَجَبَ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهَا أَوْ سَرِقَةِ مَا فِيهَا لِحُصُولِ الْإِحْرَازِ فِي الْعَادَةِ، قَالَ الْأَئِمَّةُ: وَالشَّرْطُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَتَقَوَّى بِهِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي مَفَازَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْغَوْثِ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُبَالَى بِهِ، فَلَيْسَ بِحِرْزٍ، وَلَوْ ضَرَبَ خَيْمَةً بَيْنَ الْعِمَارَةِ، فَهُوَ كَالْمَتَاعِ الْمَوْضُوعِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي السُّوقِ، وَهَلْ يُشْتَرَطُ إِسْبَالُ بَابِ الْخَيْمَةِ إِذَا كَانَ مَنْ فِيهَا نَائِمًا؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: لَا، وَلَوْ شَدَّهَا بِالْأَوْتَادِ وَلَمْ يُرْسِلْ أَذْيَالَهَا وَكَانَ يُمْكِنُ دُخُولُهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَهِيَ مُحْرَزَةٌ وَمَا فِيهَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ، هَكَذَا ذَكَرُوهُ، وَقَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْأَمْتِعَةَ وَالْأَحْمَالَ إِذَا شُدَّ بَعْضُهَا بِبَعْضِ تَكُونُ مُحْرَزَةً بَعْضَ الْإِحْرَازِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ خَيْمَةً، وَلَوْ أَنَّ السَّارِقَ يَجِيءُ النَّائِمَ فِي الْخَيْمَةِ، ثُمَّ سَرَقَ، فَلَا قَطْعَ ; لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حِرْزًا حِينَ سَرَقَ.

الْخَامِسَةُ: الْمَوَاشِي فِي الْأَبْنِيَةِ الْمُغْلَقَةِ الْأَبْوَابِ مُحْرَزَةٌ إِنِ اتَّصَلَتْ بِالْعِمَارَةِ، سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا أَمْ لَمْ يَكُنْ، لِلْعَادَةِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي بَرِّيَّةٍ، لَمْ تَكُنْ مُحْرَزَةً إِلَّا إِذَا كَانَ صَاحِبُهَا فِيهَا مُسْتَيقِظًا أَوْ نَائِمًا، فَإِنْ كَانَ الْبَابُ مَفْتُوحًا، اشْتُرِطَ كَوْنُهُ مُسْتَيْقِظًا، وَيَكْفِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَاحُ مِنْ حَطَبٍ أَوْ حَشِيشٍ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْأَبْنِيَةِ فَلَهَا أَحْوَالٌ.

أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْإِبِلُ تَرْعَى فِي صَحْرَاءَ، فَهِيَ مُحْرَزَةٌ إِذَا كَانَ

ص: 127

مَعَهَا حَافِظٌ يَرَاهَا جَمِيعًا، وَيَبْلُغُهَا صَوْتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَرَ بَعْضَهَا، لِكَوْنِهِ فِي وَهْدَةٍ أَوْ خَلْفَ جَبَلٍ أَوْ حَائِطٍ، فَذَلِكَ الْبَعْضُ غَيْرُ مُحْرَزٍ، وَلَوْ نَامَ، أَوْ تَشَاغَلَ لَمْ تَكُنْ مُحْرَزَةً، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغْ صَوْتُهُ بَعْضَهَا فَفِي «الْمُهَذَّبِ» وَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ الْبَعْضَ غَيْرُ مُحْرَزٍ، وَسَكَتَ آخَرُونَ عَنِ اعْتِبَارِ بُلُوغِ الصَّوْتِ اكْتِفَاءً بِالنَّظَرِ ; لِأَنَّهُ إِذَا قَصَدَ مَا يَرَاهُ أَمْكَنَهُ الْعَدْوُ إِلَيْهِ، وَحُكْمُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَهِيَ تَرْعَى حُكْمُ الْإِبِلِ، وَكَذَا الْغَنَمِ إِذَا كَانَ الرَّاعِي عَلَى نَشَزٍ مِنَ الْأَرْضِ يَرَاهَا جَمِيعًا فَهِيَ مُحْرَزَةٌ إِذَا بَلَغَهَا صَوْتُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً.

الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ سَائِرَةً، أَمَّا الْإِبِلُ فَإِنْ كَانَتْ مَقْطُورَةً يَسُوقُهَا سَائِقٌ، فَمُحْرَزَةٌ إِنْ انْتَهَى نَظَرُهُ إِلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ يَقُودُهَا اشْتُرِطَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا كُلَّ سَاعَةٍ، وَيَنْتَهِيَ نَظَرُهُ إِلَيْهَا إِذَا الْتَفَتَ، فَإِنْ كَانَ لَا يَرَى الْبَعْضَ لِحَائِلِ جَبَلٍ أَوْ بِنَاءٍ، فَذَلِكَ الْبَعْضُ غَيْرُ مُحْرَزٍ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ انْتِهَاءُ النَّظَرِ إِلَى آخِرِهَا، وَلِيَجِيءَ هَذَا فِي سُوقِهَا، وَلَوْ رَكِبَ الْحَافِظُ أَوَّلَهَا فَهُوَ كَقَائِدِهَا، وَلَوْ رَكِبَ غَيْرَ الْأَوَّلِ، فَهُوَ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ كَسَائِقٍ، وَلِمَا خَلْفَهُ كَقَائِدٍ، وَحَيْثُ يُشْتَرَطُ انْتِهَاءُ نَظَرِهِ إِلَيْهَا فَفِي اشْتِرَاطِ بُلُوغِ الصَّوْتِ مَا سَبَقَ، وَقَدْ يُسْتَغْنَى بِنَظَرِ الْمَارَّةِ عَنْ نَظَرِهِ إِذَا كَانَ يُسَيِّرُهَا فِي سُوقٍ مَثَلًا، أَمَّا إِذَا لَمْ تَكُنْ مَقْطُورَةً، بِأَنْ كَانَتْ تُسَاقُ أَوْ تُقَادُ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ ; لِأَنَّهَا لَا تَسِيرُ هَكَذَا غَالِبًا، وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ: الْمَقْطُورَةُ وَهَذِهِ سَوَاءٌ، وَبِهَذَا أَخَذَ الرُّويَانِيُّ، الْمُعْتَبَرُ أَنْ تَقْرُبَ مِنْهُ، وَيَقَعَ نَظَرُهُ عَلَيْهَا، وَلَا تُعْتَبَرُ صُورَةُ الْقُطُرِ، فَإِنِ اعْتَبَرْنَاهُ، فَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَزِيدَ الْقِطَارُ الْوَاحِدُ عَلَى تِسْعَةٍ لِلْعَادَةِ الْغَالِبَةِ، فَإِنْ زَادَ فَهِيَ كَغَيْرِ الْمَقْطُورَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ ذِكْرَ الْقُطُرِ وَلَمْ يُقَيَّدْ بِعَدَدٍ، وَالْأَصَحُّ تَوَسُّطٌ ذَكَرَهُ أَبُو الْفَرَجِ السَّرَخْسِيُّ فَقَالَ: فِي الصَّحْرَاءِ لَا يُتَقَيَّدُ بِعَدَدٍ، وَفِي الْعُمْرَانِ يُعْتَبَرُ مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِأَنْ

ص: 128

يَجْعَلُ قِطَارًا، وَهُوَ مَا بَيْنَ سَبْعَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ، فَإِنْ زَادَ، لَمْ تَكُنِ الزِّيَادَةُ مُحْرَزَةً، وَالْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَالْغَنَمُ السَّائِرَةُ، كَالْإِبِلِ السَّائِرَةِ إِذَا لَمْ تَكُنْ مَقْطُورَةً، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا الْقَطْرَ فِيهَا، لَكِنَّهُ مُعْتَادٌ فِي الْبِغَالِ، وَيَخْتَلِفُ عَدَدُ الْغَنَمِ الْمُحْرَزَةِ بِالْوَاحِدِ بِالْبَلَدِ وَالصَّحْرَاءِ.

الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْإِبِلُ مُنَاخَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ، فَلَيْسَتْ مُحْرَزَةً، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا صَاحِبُهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَعْقُولَةً، لَمْ يَضُرَّ نَوْمُهُ وَلَا اشْتِغَالُهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّ فِي حَلِّ الْمَعْقُولَةِ مَا يُوقِظُ النَّائِمَ وَالْمُشْتَغِلَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً اشْتُرِطَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا وَيُلَاحِظَهَا.

فَرْعٌ

الطَّعَامُ عَلَى دَابَّةٍ مُحْرَزَةٍ مُحْرَزٌ، فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ سَوَاءً مِنَ الْوِعَاءِ، أَوْ مَعَ الْوِعَاءِ، أَوْ مَعَ الدَّابَّةِ، وَلَوْ سَاقَ بَقَرَةً وَتَبِعَهَا عِجْلُهَا، فَإِنَّمَا يَكُونُ الْعِجَلُ مُحْرَزًا إِذَا قَرُبَ مِنْهُ بِحَيْثُ يَرَاهُ إِذَا الْتَفَتَ، وَأَنْ يَلْتَفِتَ كُلَّ سَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ فِي قَائِدِ الْقِطَارِ، وَعَنِ الْمَسْعُودِيِّ أَنَّ الْغَنَمَ الْمُرْسَلَةَ فِي سِكَّةٍ تُشْرَعُ إِلَيْهَا أَبْوَابُ الدَّوْرِ لَا تَكُونُ مُحْرَزَةً حَتَّى تَأْوِيَ إِلَى مَوْضِعٍ، وَلْيَكُنْ هَذَا فِيمَا إِذَا كَثُرَتْ، وَتَعَذَّرَتِ الْمُلَاحَظَةُ، وَمَنْ دَخَلَ مَرَاحًا، وَحَلَبَ الْغَنَمَ، أَوْ جَزَّ صُوفَهَا وَأَخْرَجَ مِنْهُ نِصَابًا، قَطْعٌ.

السَّادِسَةُ: إِذَا نَبَشَ قَبْرًا وَسَرَقَ مِنْهُ الْكَفَنَ، فَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقَطْعِ فِي الْجُمْلَةِ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى ابْنُ خَيْرَانَ وَابْنُ الْوَكِيلِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْبِلَى لَا لِلْإِحْرَازِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْمَذْهَبِ صُوَرٌ.

إِحْدَاهَا: إِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُحْرَزٍ، قُطِعَ بِسَرِقَةِ الْكَفَنِ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتِ الْمَقْبَرَةُ مَحْفُوفَةً بِالْعِمَارَةِ يَنْدُرُ تَخَلُّفُ الطَّارِقِينَ عَنْهَا فِي زَمَنٍ يَتَأَتَّى فِيهِ النَّبْشُ، أَوْ كَانَ عَلَيْهَا حُرَّاسٌ مُرَتَّبُونَ، وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ

ص: 129

فِي مَفَازَةٍ وَبُقْعَةٍ ضَائِعَةٍ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَيْسَ بِحِرْزٍ، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» وَالْغَزَالِيُّ وَعَزَاهُ إِلَى جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ السَّارِقَ يَأْخُذُ مِنْ غَيْرِ خَطَرٍ، وَالثَّانِي وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي، وَرَجَّحَهُ الْعَبَّادِيُّ: الْقَبْرُ حِرْزٌ لِلْكَفَنِ حَيْثُ كَانَ؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَهَابُ الْمَوْتَى، وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ مُحْرَزٍ فَسَرَقَ الْكَفَنَ حَافِظُ الْبَيْتِ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا قَطَعَ، وَعَلَى الثَّانِي: يَجِبُ، وَلَوْ كَانَ الْقَبْرُ فِي مَقَابِرِ الْبِلَادِ الْوَاقِعَةِ عَلَى طَرَفِ الْعِمَارَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهَا حَارِسٌ، وَجَبَ الْقَطْعُ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يَجِبُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ حِرْزٌ فِي الْعَادَةِ.

الثَّانِيَةُ: لَوْ وُضِعَ فِي الْقَبْرِ شَيْءٌ سِوَى الْكَفَنِ، قَالَ الْإِمَامُ: إِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي بَيْتٍ، تَعَلَّقَ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمَقَابِرِ فَوَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: لَا قَطْعَ لِلْعَادَةِ، بِخِلَافِ الْكَفَنِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَطَعَ فِيهِ النَّبَّاشَ، وَجَعَلَهُ مُحْرَزًا لِضَرُورَةِ التَّكْفِينِ وَالدَّفْنِ، وَخَصَّ الْإِمَامُ الْوَجْهَ الْآخَرَ بِمَا إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْكَفَنِ، كَثَوْبٍ وُضِعَ فِيهِ، وَكَمَا لَوْ كُفِّنَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى خَمْسَةِ أَثْوَابٍ، فَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ الَّتِي تَلِي الْمَيِّتَ الْوَجْهَانِ، وَلَيْسَ الْوَجْهُ مُخْتَصًّا فَقَدْ حَكَاهُ الرَّويَانِيُّ فِيمَا لَوْ وُضِعَ فِي الْقَبْرِ مِضْرَبَةٌ، أَوْ وِسَادَةٌ لِلْمَيِّتِ، وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ أَجْرَاهُ فِيمَا لَوْ وُضِعَ مَعَهُ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ، بَلْ فِي «الرَّقْمِ» لِلْعَبَّادِيِّ أَنَّ الْقَفَّالَ أَوْجَبَ الْقَطْعَ فِيمَا لَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالٌ فِي بَرِّيَّةٍ، وَالتَّابُوتُ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ كَالْأَكْفَانِ الزَّائِدَةِ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى مَا اسْتُحِبَّ تَطْيِيبُ الْمَيِّتِ بِهِ، كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَعَنِ الْمَاسَرْجِسِيُّ أَنَّهُ يُقْطَعُ بِالْقَدْرِ الْمُتَسَحَّبِ كَالْكَفَنِ.

الثَّالِثَةُ: إِذَا كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَلِمَنِ الْكَفَنُ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: لِلْوَرَثَةِ، لَكِنْ يُقَدَّمُ الْمَيِّتُ فِيهِ كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ لِلْوَرَثَةِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ سَرَقَهُ بَعْضُ الْوَرَثَةِ، أَوْ وَلَدُ بَعْضِهِمْ، فَلَا قَطْعَ،

ص: 130

وَالثَّانِي: يَبْقَى عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْمِلْكُ ابْتِدَاءً، كَمَا يَبْقَى الدَّيْنُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً، وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِلَّهِ عز وجل، فَإِنْ قُلْنَا: الْمِلْكُ فِيهِ لِلْوَارِثِ، فَهُوَ الْخَصْمُ فِي السَّرِقَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: لِلْمَيِّتِ، فَهَلِ الْخَصْمُ الْوَارِثُ أَمِ الْحَاكِمُ؟ وَجْهَانِ، وَإِنْ قُلْنَا: لِلَّهِ عز وجل، فَالْخَصْمُ الْحَاكِمُ، هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ الْإِمَامُ: إِنْ كَانَ مَنْ يَقُولُ: الْمِلْكُ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْمَيِّتِ، يَقُولُ: يَتَعَيَّنُ رَدُّهُ بَعْدَ مَا أَخَذَهُ النَّبَّاشُ إِلَى الْمَيِّتِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَارِثِ إِبْدَالُهُ، فَالتَّفْرِيعُ وَالْخِلَافُ فِي أَنَّ الْخَصْمَ مَنْ هُوَ صَحِيحٌ، لَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ عَرِيَ عَنِ التَّحْصِيلِ، وَالْوَجْهُ عِنْدِي أَنَّ لِلْوَارِثِ إِبْدَالَهُ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنِ الْمَيِّتِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ الْخَصْمُ لَا غَيْرَ، وَلَوْ أَكَلَ الْمَيِّتَ سَبْعٌ، أَوْ ذَهَبَ بِهِ سَيْلٌ، وَبَقِيَ الْكَفَنُ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ مِلْكُ الْوَرَثَةِ، اقْتَسَمُوهُ، وَإِنْ قُلْنَا: مِلْكُ الْمَيِّتِ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِلْوَرَثَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: لِلَّهِ تَعَالَى، جُعِلَ فِي بَيْتِ الْمَالِ قَطْعًا، هَذَا كُلُّهُ إِذَا كُفِّنَ مِنْ تَرِكَتِهِ، فَإِنْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ، أَوْ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَلِمَنِ الْمِلْكُ فِيهِ؟ فِيهِ طَرِيقَانِ: أَحَدُهُمَا: عَلَى الْأَوْجُهِ، وَالثَّانِي: لِلْأَجْنَبِيِّ، أَوْ عَلَى حُكْمِ بَيْتِ الْمَالِ، وَيَكُونُ كَالْعَارِيَةِ.

قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَالْقَوْلُ فِي أَنَّ الْخَصْمَ فِي السَّرِقَةِ مَنْ هُوَ؟ وَفِي أَنَّهُ لَوْ أَكَلَهُ سَبْعٌ إِلَى مَنْ يُرَدُّ الْكَفَنُ؟ مَبْنِيٌّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمِلْكِ.

فَرْعٌ

كَفَّنَ سَيِّدٌ عَبْدَهُ، فَهَلِ الْكَفَنُ مِلْكُ السَّيِّدِ أَمْ لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ؟ وَجْهَانِ،

ص: 131