الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَابُ الثَّانِي فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ
وَفِيهِ أَطْرَافٌ:
الْأَوَّلُ فِي صِفَتِهِمْ.
الْبَاغِي فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ: هُوَ الْمُخَالِفُ لِإِمَامِ الْعَدْلِ، الْخَارِجُ عَنْ طَاعَتِهِ بِامْتِنَاعِهِ مِنْ أَدَاءِ وَاجِبٍ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ بِشَرْطِهِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، قَالَ الْعُلَمَاءَ: وَيَجِبُ قِتَالُ الْبُغَاةِ، وَلَا يُكَفَّرُونَ بِالْبَغْيِ، وَإِذَا رَجَعَ الْبَاغِي إِلَى الطَّاعَةِ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ، وَتُرِكَ قِتَالُهُ، وَأَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم عَلَى قِتَالِ الْبُغَاةِ، ثُمَّ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْبَغْيَ لَيْسَ بِاسْمِ ذَمٍّ، وَبِأَنَّ الْبَاغِينَ لَيْسُوا بِفَسَقَةٍ، كَمَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِكَفَرَةٍ، لَكِنَّهُمْ مُخْطِئُونَ فِيمَا يَفْعَلُونَ وَيَذْهَبُونَ إِلَيْهِ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّيهِمْ عُصَاةً، وَلَا يُسَمِّيهِمْ فَسَقَةً وَيَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ مَعْصِيَةٍ بِفِسْقٍ، وَالتَّشْدِيدَاتُ الْوَارِدَةُ فِي الْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ وَفِي مُخَالَفَتِهِ كَحَدِيثِ «مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا» وَحَدِيثِ «مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ» وَحَدِيثِ «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ» كُلُّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ خَرَجَ عَنِ الطَّاعَةِ وَخَالَفَ الْإِمَامَ بِلَا عُذْرٍ وَلَا تَأْوِيلٍ.
فَصْلٌ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ الْإِمَامَ بِالْخُرُوجِ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الِانْقِيَادِ، وَالِامْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الْحُقُوقِ يَنْقَسِمُونَ إِلَى بُغَاةٍ وَغَيْرِهِمْ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الصِّنْفَيْنِ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ، فَنَصِفُ الْبُغَاةَ بِمَا يَتَمَيَّزُونَ بِهِ، وَنَذْكُرُ فِي ضِمْنِهِمْ غَيْرَهُمْ مِنَ الْمُخَالِفِينَ.
أَمَّا الْبُغَاةُ، فَتُعْتَبَرُ فِيهِمْ خَصْلَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ يَعْتَقِدُونَ بِسَبَبِهِ جَوَازَ الْخُرُوجِ عَلَى الْإِمَامِ، أَوْ مَنْعَ الْحَقِّ الْمُتَوَجَّهِ عَلَيْهِمْ، فَلَوْ خَرَجَ قَوْمٌ عَنِ الطَّاعَةِ، وَمَنَعُوا الْحَقَّ بِلَا تَأْوِيلٍ، سَوَاءٌ كَانَ
حَدَّا أَوْ قِصَاصًا أَوْ مَالًا لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلْآدَمِيِّينَ، عِنَادًا أَوْ مُكَابَرَةً، وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِتَأْوِيلٍ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَحْكَامُ الْبُغَاةِ، وَكَذَا الْمُرْتَدُّونَ، ثُمَّ التَّأْوِيلُ لِلْبُغَاةِ إِنْ كَانَ بُطْلَانُهُ مَظْنُونًا، فَهُوَ مُعْتَبَرٌ، وَإِنْ كَانَ بُطْلَانُهُ مَقْطُوعًا بِهِ، فَوَجْهَانِ، أَوْفَقُهُمَا لِإِطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ، كَتَأْوِيلِ الْمُرْتَدِّينَ وَشُبْهَتِهِمْ، وَالثَّانِي: يُعْتَبَرُ، وَيَكْفِي تَغْلِيطُهُمْ فِيهِ، وَقَدْ يَغْلَطُ الْإِنْسَانُ فِي الْقَطْعِيَّاتِ.
فَرْعٌ
الْخَوَارِجُ صِنْفٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً كَفَرَ وَخُلِّدَ فِي النَّارِ، وَيَطْعَنُونَ لِذَلِكَ فِي الْأَئِمَّةِ، وَلَا يَحْضُرُونَ مَعَهُمُ الْجُمُعَاتِ وَالْجَمَاعَاتِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ رضي الله عنهم: لَوْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الْخَوَارِجِ، وَتَجَنَّبُوا الْجَمَاعَاتِ، وَكَفَّرُوا الْإِمَامَ وَمَنْ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُوا وَكَانُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ، لَمْ يُقْتَلُوا وَلَمْ يُقَاتَلُوا، ثُمَّ إِنَّ صَرَّحُوا بِسَبِّ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ، عُزِّرُوا، وَإِنْ عَرَّضُوا، فَفِي تَعْزِيرِهِمْ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لَا يُعَزَّرُونَ، قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ، وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ «التَّنْبِيهِ» . وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ بَعَثَ الْإِمَامُ إِلَيْهِمْ وَالِيًا فَقَتَلُوهُ، فَعَلَيْهِمُ الْقِصَاصُ، وَهَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُ قَاتِلِهِ، كَقَاطِعِ الطَّرِيقِ ; لِأَنَّهُ شَهَرَ السِّلَاحَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إِخَافَةَ الطَّرِيقِ؟ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: أَصَحُّهُمَا: لَا يَتَحَتَّمُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيُّ أَنَّهُمْ إِنْ قَاتَلُوا، فَهُمْ فَسَقَةٌ وَأَصْحَابُ بُهْتٍ، فَحُكْمُهُمْ حُكْمُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، فَهَذَا تَرْتِيبُ الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ وَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ،
وَحَكَى الْإِمَامُ فِي تَكْفِيرِ الْخَوَارِجِ وَجْهَيْنِ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ نُكَفِّرْهُمْ، فَلَهُمْ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ، وَقِيلَ: حُكْمُ الْبُغَاةِ، فَإِنْ قُلْنَا: كَالْمُرْتَدِّينَ، لَمْ تُنَفَّذْ أَحْكَامَهُمْ.
الْخَصْلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَعَدَدٌ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ الْإِمَامُ فِي رَدِّهِمْ إِلَى الطَّاعَةِ إِلَى كُلْفَةٍ، بِبَذْلِ مَالٍ، أَوْ إِعْدَادِ رِجَالٍ، وَنَصْبِ قِتَالٍ، فَإِنْ كَانُوا أَفْرَادًا يَسْهُلُ ضَبْطُهُمْ، فَلَيْسُوا بُغَاةً، وَشَرَطَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَصْحَابِ فِي الشَّوْكَةِ أَنْ يَنْفَرِدُوا بِبَلْدَةٍ، أَوْ قَرْيَةٍ، أَوْ مَوْضِعٍ مِنَ الصَّحْرَاءِ، وَرُبَّمَا قِيلَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمْ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ وِلَايَةِ الْإِمَامِ بِحَيْثُ لَا يُحِيطُ بِهِمْ أَجْنَادُهُ، وَالْأَصَحُّ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ: أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ اسْتِعْصَاؤُهُمْ وَخُرُوجُهُمْ عَنْ قَبْضَةِ الْإِمَامِ حَتَّى لَوْ تَمَكَّنُوا مِنَ الْمُقَاوَمَةِ وَهُمْ مَحْفُوفُونَ بِجُنْدِ الْإِسْلَامِ، حَصَلَتِ الشَّوْكَةُ، وَتَتَعَلَّقُ بِالشَّوْكَةِ صُوَرٌ ذَكَرَهَا الْإِمَامُ:
إِحْدَاهَا: حَكَى فِي قَوْمٍ قَلِيلِي الْعَدَدِ تَقَوَّوْا بِحِصْنٍ وَجْهَيْنِ، وَرَأَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَفْصِلَ، فَيُقَالُ: إِنْ كَانَ الْحِصْنُ عَلَى حَافَّةِ الطَّرِيقِ، وَكَانُوا يَسْتَوْلُونَ بِسَبَبِهِ عَلَى نَاحِيَةٍ وَرَاءَ الْحِصْنِ، فَالشَّوْكَةُ حَاصِلَةٌ وَحُكْمُ الْبُغَاةِ ثَابِتٌ، لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ أَقْضِيَةُ أَهْلِ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَإِلَّا فَلَيْسُوا بُغَاةً، وَلَا نُبَالِي بِمَا وَقَعَ مِنَ التَّعَطُّلِ فِي الْعَدَدِ الْقَلِيلِ.
الثَّانِيَةُ: قَالَ: لَوْ تَحَرَّبَ مِنَ الشُّجْعَانِ عَدَدٌ يَسِيرٌ يَقْوُونَ بِفَضْلِ قُوَّتِهِمْ عَلَى مُصَارَمَةِ الْجُمُوعِ الْكَثِيرَةِ، حَصَلَتِ الشَّوْكَةُ بِلَا خِلَافٍ.
الثَّالِثَةُ: قَالَ: يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الشَّوْكَةَ لَا تَحْصُلُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَتْبُوعٌ مُطَاعٌ، إِذْ لَا قُوَّةَ لِمَنْ لَا يَجْمَعُ كَلِمَتَهُمْ مُطَاعٌ، وَهَلْ يَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ إِمَامٌ مَنْصُوبٌ لَهُمْ أَوْ مُنْتَصِبٌ؟ وَجْهَانِ، وَيُقَالُ: قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ: لَا يُشْتَرَطُ، وَبِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْإِمَامُ، وَفِي
«الْمِنْهَاجِ» لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ حُكْمِ الْإِمَامِ، وَأَنْ يُظْهِرُوا لِأَنْفُسِهِمْ حُكْمًا، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا طَرِيقُ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ، وَلَا بُدَّ فِيهِمْ مِنْهَا، ثُمَّ تُعْتَبَرُ الْخَصْلَتَانِ فَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةُ مَا سُقْنَاهُ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الطَّرَفُ الثَّانِي فِي حُكْمِ الْبُغَاةِ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
إِحْدَاهَا: شَهَادَةُ الْبُغَاةِ مَقْبُولَةٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا فَسَقَةً، وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله: وَلَوْ شَهِدَ مِنْهُمْ عَدْلٌ، قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَا لَمْ يَكُنْ يَرَى الشَّهَادَةَ لِمُوَافَقَتِهِ بِتَصْدِيقِهِ، فَأَثْبَتَ الْعَدَالَةَ مَعَ الْبَغْيِ، فَإِنْ كَانَ لَهُمْ قَاضٍ فِي بَلَدٍ، قَالَ الْمُعْتَبِرُونَ مِنَ الْأَصْحَابِ: إِنْ كَانَ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ، لَمْ يُنَفَّذْ حُكْمَهُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَدْلٍ، وَمِنْ شَرْطِ الْقَاضِي الْعَدَالَةُ، وَكَذَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِيمَا لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَمْوَالِهِمْ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُطْلِقُ نُفُوذَ قَضَاءِ الْبُغَاةِ لِمَصْلَحَةِ الرَّعِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضِيهِمْ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ وَأَمْوَالِهِمْ، وَنَفَذَ حُكْمُهُ فِيمَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُ قَاضِي أَهْلِ الْعَدْلِ، فَلَوْ حَكَمَ بِمَا يُخَالِفُ النَّصَّ أَوِ الْإِجْمَاعَ أَوِ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ، فَهُوَ بَاطِلٌ، حَتَّى لَوْ قَضَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ بِضَمَانِ مَا أَتْلَفَ فِي الْحَرْبِ عَلَيْهِمْ، لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ، وَكَذَا لَوْ حَكَمَ بِسُقُوطِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفُوهُ هُمْ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ، لَمْ يَنْفُذْ، وَلَوْ حَكَمَ بِسُقُوطِ ضَمَانِ مَا أَتْلَفُوهُ فِي الْقِتَالِ، نَفَذَ حُكْمُهُ، وَلَا تَجُوزُ مُطَالَبَتُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ، وَلَا يَنْفُذُ قَضَاءُ الْبَاغِي إِذَا كَانَ مِنَ الْخَطَّابِيَّةِ الَّذِينَ يَقْضُونَ لِمُوَافَقَتِهِمْ بِتَصْدِيقِهِمْ إِذَا قَضَى لِمُوَافِقِهِ، كَمَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ.
فَرْعٌ
إِذَا كَتَبَ قَاضِيهِمْ حَيْثُ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ بِمَا حَكَمَ بِهِ إِلَى حَاكِمِ أَهْلِ الْعَدْلِ، جَازَ قَبُولُهُ وَتَنْفِيذُهُ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْبَلَ اسْتِخْفَافًا بِهِمْ، وَإِنْ كَتَبَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ، فَهَلْ يَحْكُمُ قَاضِينَا بِهِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ، وَحَكَى الْإِمَامُ طَرْدَ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا حَكَمَ بِهِ، وَاسْتَعَانَ فِيهِ بِالِاسْتِيفَاءِ، قَالَ: وَكُنْتُ أَوَدُّ لَوْ فَصَلَ فَاصِلٌ بَيْنَ حُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِأَهْلِ النَّجْدَةِ، وَحُكْمٍ يَتَعَلَّقُ بِالرَّعَايَا.
فَرْعٌ
لَوْ وَرَدَ مِنْ قَاضِي الْبُغَاةُ كِتَابٌ عَلَى قَاضِينَا، وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مِمَّنْ يَسْتَحِلُّ دِمَاءَ أَهْلِ الْعَدْلِ أَمْ لَا، فَفِي قَبُولِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ قَوْلَانِ، حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ، قَالَ: وَاخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ مِنْهُمَا: الْمَنْعُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا أَقَامَ الْبُغَاةُ الْحُدُودَ عَلَى جُنَاةِ الْبَلَدِ الَّذِي اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ، وَأَخَذُوا الزَّكَاةَ مِنْ أَهْلِهِ وَخَرَاجَ أَرْضِهِ، وَجِزْيَةَ الذِّمِّيِّينَ فِيهِ، اعْتَدَّ بِمَا فَعَلُوهُ، وَإِذَا عَادَ الْبَلَدُ إِلَى أَهْلِ الْعَدْلِ، لَمْ يُطَالِبُوا أَهْلَهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَفِي الْجِزْيَةِ وَجْهٌ شَاذٌّ لِبُعْدِهَا عَنِ الْمَسَافَةِ، وَلَوْ فَرَّقُوا سَهْمَ الْمُرْتَزِقَةِ مِنَ الْفَيْءِ عَلَى جُنْدِهِمْ، فَفِي وُقُوعِهِ مَوْقِعَهُ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا، لِئَلَّا يَكُونَ عَوْنًا لَهُمْ، وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ ; لِأَنَّهُمْ مِنْ جُنْدِ الْإِسْلَامِ، وَإِرْعَابُ الْكُفَّارِ حَاصِلٌ بِهِمْ.
فَرْعٌ
إِذَا عَادَ الْبَلَدُ إِلَى أَهْلِ الْعَدْلِ، فَادَّعَى مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ أَنَّ الْبُغَاةَ اسْتَوْفَوْهُ، وَلَا يَعْلَمُ الْإِمَامُ ذَلِكَ وَلَا بَيِّنَةَ، فَإِنْ كَانَ زَكَاةً، صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَهَلِ الْيَمِينُ وَاجِبَةٌ أَمْ مُسْتَحَبَّةٌ؟ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الزَّكَاةِ، وَإِنْ كَانَ