الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِحْدَاهَا: لَوْ قَالَ لَهُ: اقْذِفْنِي، فَقَذَفَهُ، فَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ: لَا، وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ: لَا يَجِبُ.
الثَّانِيَةُ: لَوِ اسْتَوْفَى الْمَقْذُوفُ حَدَّ الْقَذْفِ، لَمْ يَقَعِ الْمَوْقِعَ، كَحَدِّ الزِّنَا لَوِ اسْتَوْفَاهُ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ، وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ: يَقَعُ الْمَوْقِعَ كَمَا لَوِ اسْتَقَلَّ الْمُقْتَصُّ بِقَتْلِ الْجَانِي.
الثَّالِثَةُ: يَنْشَطِرُ بِالرِّقِّ كَمَا سَبَقَ، وَحُقُوقُ الْآدَمِيِّ لَا تَخْتَلِفُ، قَالُوا: لَكِنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ لِمَسَائِلَ مِنْهَا: أَنَّهُ لَا يُسْتَوْفَى إِلَّا بِطَلَبِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَيَسْقُطُ بِعَفْوِهِ، وَيُورَثُ عَنْهُ، وَلَوْ عَفَا عَنِ الْحَدِّ عَلَى مَالٍ، فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ.
قُلْتُ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَالَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَرْعٌ
مِنَ التَّعْرِيضِ فِي الْقَذْفِ أَنْ يَقُولَ: مَا أَنَا بِابْنِ إِسْكَافٍ وَلَا خَبَّازٍ، وَلَوْ قَالَ: يَا قَوَّادُ، فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي قَذْفِ زَوْجَةِ الْمُخَاطَبِ، لَكِنَّهُ كِنَايَةٌ، وَلَوْ قَالَ: يَا مُؤَاجِرُ، فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي قَذْفِ الْمُخَاطَبِ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ شَيْخِهِ التَّيْمِيِّ: هُوَ صَرِيحٌ فِي قَذْفِهِ بِالتَّمْكِينِ مِنْ نَفْسِهِ، لِاعْتِيَادِ النَّاسِ الْقَذْفَ بِهِ، وَقِيلَ: هُوَ صَرِيحٌ مِنَ الْعَامِّيِّ فَقَطْ، وَلَوْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ، فَقَالَ: مَنْ رَمَانِي فَأُمُّهُ زَانِيَةٌ، فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ الرَّامِيَ فَقَاذِفٌ، وَإِلَّا فَلَا.
فَصْلٌ
الرَّمْي بِالزِّنَا لَا فِي مَعْرِضِ الشَّهَادَةِ يُوجِبُ حَدَّ الْقَذْفِ، فَأَمَّا فِي
مَعْرِضِ الشَّهَادَةِ، فَيَنْظُرُ إِنْ تَمَّ الْعَدَدُ وَثَبَتُوا، أُقِيمَ حَدُّ الزِّنَا عَلَى الْمَرْمِيِّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ، بِأَنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ، فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ حَدُّ الْقَذْفِ؟ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ، وَهُوَ نَصُّهُ قَدِيمًا وَجَدِيدًا ; لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جَلَدَ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا، وَلِئَلَّا تُتَّخَذَ صُورَةُ الشَّهَادَةِ ذَرِيعَةً إِلَى الْوَقِيعَةِ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ.
وَلَوْ شَهِدَ عَلَى زِنَا امْرَأَةٍ زَوْجُهَا مَعَ ثَلَاثَةٍ، فَالزَّوْجُ قَاذِفٌ ; لِأَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَيْهَا بِالزِّنَا لَا تُقْبَلُ، وَفِي الثَّلَاثَةِ الْقَوْلَانِ، وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أَوْ ذِمِّيُّونَ أَوْ عَبِيدٌ، أَوْ فِيهِمُ امْرَأَةٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ ذِمِّيٌّ، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ قَذْفَةٌ فَيُحَدُّونَ ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، فَلَمْ يَقْصِدُوا إِلَّا الْعَارَ، وَقِيلَ: فِيهِمُ الْقَوْلَانِ، وَصَوَّرَ الْإِمَامُ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إِذَا كَانُوا فِي ظَاهِرِ الْحَالِ بِصِفَةِ الشُّهُودِ، ثُمَّ بَانُوا عَبِيدًا أَوْ كُفَّارًا، وَمُرَادُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا عَلِمَ حَالَهُمْ لَا يُصْغِي إِلَيْهِمْ فَيَكُونُ قَوْلُهُمْ قَذْفًا مَحْضًا لَا فِي مَعْرِضِ شَهَادَةٍ.
وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةُ فُسَّاقٍ، أَوْ فِيهِمْ فَاسِقٌ، نُظِرَ إِنْ كَانَ فِسْقُهُمْ مَقْطُوعًا بِهِ، كَالزِّنَا وَالشُّرْبِ، فَقِيلَ: فِيهِمُ الْقَوْلَانِ، وَقِيلَ: لَا يُحَدُّونَ قَطْعًا وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ ; لِأَنَّ نَقْصَ الْعَدَدِ مُتَيَقَّنٌ، وَفِسْقَهُمْ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِالظَّنِّ، وَالْحَدَّ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ، وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُمْ مُجْتَهَدًا فِيهِ، كَشُرْبِ النَّبِيذِ، لَمْ يُحَدُّوا قَطْعًا، وَفِي مَعْنَى الْفِسْقِ الْمُجْتَهَدِ فِيهِ، مَا إِذَا كَانَ فِيهِمْ عَدُوٌّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ بِالْعَدَاوَةِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَلَوْ حَدَدْنَا الْعَبِيدَ الَّذِينَ شَهِدُوا، فَعَتِقُوا وَأَعَادُوا الشَّهَادَةَ، قُبِلَتْ، وَلَوْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ، فَحَدَدْنَا مَنْ شَهِدَ، ثُمَّ عَادَ مَنْ يَتِمُّ بِهِ الْعَدَدُ فَشَهِدُوا، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمْ، كَالْفَاسِقِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ ثُمَّ يَتُوبُ وَيُعِيدُهَا، لَا تُقْبَلُ، وَهَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ هُوَ فِيمَنْ شَهِدَ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، أَمَّا مَنْ شَهِدَ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ، فَقَاذِفٌ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الشَّهَادَةَ.
فَرْعٌ
لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ، ثُمَّ رَجَعُوا، لَزِمَهُمْ حَدُّ الْقَذْفِ ; لِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوا بِهِ الْعَارَ سَوَاءٌ تَعَمَّدُوا أَوْ أَخْطَئُوا ; لِأَنَّهُمْ فَرَّطُوا فِي تَرْكِ التَّثَبُّتِ، وَقِيلَ: فِي حَدِّهِمُ الْقَوْلَانِ ; لِأَنَّهُمْ شُهُودٌ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ، فَعَلَى الرَّاجِحِ الْحَدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَقِيلَ: بِالْقَوْلَيْنِ، وَأَمَّا مَنْ أَصَرَّ عَلَى الشَّهَادَةِ، فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: بِالْقَوْلَيْنِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَسَوَاءٌ الرُّجُوعُ بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالشَّهَادَةِ وَقَبْلَهُ، وَلَوْ شَهِدَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ، فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ، إِنْ بَقِيَ أَرْبَعَةٌ فَلَا حَدَّ عَلَى الرَّاجِعِينَ، وَإِلَّا فَعَلَى الرَّاجِعِينَ الْحَدُّ.
فَرْعٌ
شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى إِقْرَارِهِ بِالزِّنَا، وَلَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ، فَطَرِيقَانِ، أَحَدُهُمَا: فِي وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهِ الْقَوْلَانِ، وَالْمَذْهَبُ: الْقَطْعُ بِأَنْ لَا حَدَّ ; لِأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: أَقْرَرْتُ بِأَنَّكَ زَنَيْتَ، وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الْقَذْفِ وَالتَّعْيِيرِ.
فَرْعٌ
تَقَاذَفَ شَخْصَانِ، لَا يَتَقَاصَّانِ ; لِأَنَّ التَّقَاصِّ إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، وَقَدْ سَبَقَ مُعْظَمُ مَسَائِلِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.