الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الرِّدَّةِ
هِيَ مِنْ أَفْحَشِ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ، وَأَغْلَظِهَا حُكْمًا، وَفِيهِ بَابَانِ:
الْأَوَّلُ: فِي حَقِيقَةِ الرِّدَّةِ، وَمَنْ تَصِحُّ مِنْهُ، وَفِيهِ طَرَفَانِ:
الْأَوَّلُ: فِي حَقِيقَتِهَا، وَهِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ، وَيَحْصُلُ ذَلِكَ تَارَةً بِالْقَوْلِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ، وَتَارَةً بِالْفِعْلِ، وَالْأَفْعَالُ الْمُوجِبَةُ لِلْكُفْرِ هِيَ الَّتِي تَصْدُرُ عَنْ تَعَمُّدٍ وَاسْتِهْزَاءٍ بِالدِّينِ صَرِيحٍ، كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ أَوْ لِلشَّمْسِ، وَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ، وَالسِّحْرِ الَّذِي فِيهِ عِبَادَةُ الشَّمْسِ وَنَحْوِهَا، قَالَ الْإِمَامُ: فِي بَعْضِ التَّعَالِيقِ عَنْ شَيْخِي أَنَّ الْفِعْلَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ كُفْرًا، قَالَ: وَهَذَا زَلَلٌ عَظِيمٌ مِنَ الْمُعَلِّقِ ذَكَرْتُهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى غَلَطِهِ، وَتَحْصُلُ الرِّدَّةُ بِالْقَوْلِ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ، سَوَاءٌ صَدَرَ عَنِ اعْتِقَادٍ أَوْ عِنَادٍ أَوِ اسْتِهْزَاءٍ، هَذَا قَوْلٌ جُمَلِيٌّ، وَأَمَّا التَّفْصِيلُ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي: مَنِ اعْتَقَدَ قِدَمَ الْعَالَمِ، أَوْ حُدُوثَ الصَّانِعِ، أَوْ نَفَى مَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْقَدِيمِ بِالْإِجْمَاعِ، كَكَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا، أَوْ أَثْبَتَ مَا هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ، كَالْأَلْوَانِ، أَوْ أَثْبَتَ لَهُ الِاتِّصَالَ وَالِانْفِصَالَ، كَانَ كَافِرًا، وَكَذَا مَنْ جَحَدَ جَوَازَ بَعْثَةِ الرُّسُلِ، أَوْ أَنْكَرَ نُبُوَّةَ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ، أَوْ كَذَّبَهُ، أَوْ جَحَدَ آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ مُجْمَعًا عَلَيْهَا، أَوْ زَادَ فِي الْقُرْآنِ كَلِمَةً وَاعْتَقَدَ أَنَّهَا مِنْهُ، أَوْ سَبَّ نَبِيًّا، أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِ، أَوِ اسْتَحَلَّ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ كَالْخَمْرِ وَاللِّوَاطِ، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا بِالْإِجْمَاعِ، أَوْ نَفَى وُجُوبَ مُجْمَعٍ عَلَى وُجُوبِهِ، كَرَكْعَةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، أَوِ اعْتَقَدَ وُجُوبَ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالْإِجْمَاعِ، كَصَلَاةٍ سَادِسَةٍ وَصَوْمِ شَوَّالٍ، أَوْ نَسَبَ عَائِشَةَ رضي الله عنها إِلَى الْفَاحِشَةِ، أَوِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ بَعْدَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَدَّقَ مُدَّعِيًا لَهَا، أَوْ عَظَّمَ صَنَمًا بِالسُّجُودِ لَهُ، أَوِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِالذَّبْحِ بِاسْمِهِ، فَكُلُّ هَذَا كُفْرٌ.
قُلْتُ: قَوْلُهُ: إِنَّ جَاحِدَ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ يَكْفُرُ، لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ، بَلِ الصَّوَابُ فِيهِ تَفْصِيلٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ تَارِكِ الصَّلَاةِ عَقِبَ كِتَابِ الْجَنَائِزِ، وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ إِنْ جَحَدَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ يُعْلَمُ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً، كَفَرَ إِنْ كَانَ فِيهِ نَصٌّ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَصٌّ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ضَرُورَةً بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَكْفُرْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَلَوْ قَالَ الْمُسْلِمُ: يَا كَافِرُ بِلَا تَأْوِيلٍ، كَفَرَ ; لِأَنَّهُ سَمَّى الْإِسْلَامَ كُفْرًا، وَالْعَزْمُ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كُفْرٌ فِي الْحَالِ، وَكَذَا التَّرَدُّدُ فِي أَنَّهُ يَكْفُرُ أَمْ لَا، فَهُوَ كُفْرٌ فِي الْحَالِ، وَكَذَا التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، كَقَوْلِهِ: إِنْ هَلَكَ مَالِي أَوْ وَلَدِي تَهَوَّدْتُ، أَوْ تَنَصَّرْتُ، قَالَ: وَالرِّضَى بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، حَتَّى لَوْ سَأَلَهُ كَافِرٌ يُرِيدُ الْإِسْلَامَ أَنْ يُلَقِّنَهُ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ، فَلَمْ يَفْعَلْ، أَوْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يُسْلِمَ، أَوْ عَلَى مُسْلِمٍ بِأَنْ يَرْتَدَّ، فَهُوَ كَافِرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِمُسْلِمٍ: سَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ، أَوْ لِكَافِرٍ: لَا رَزَقَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ، فَلَيْسَ بِكُفْرٍ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ رِضًى بِالْكُفْرِ، لَكِنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ بِتَشْدِيدِ الْأَمْرِ وَالْعُقُوبَةِ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي «الْفَتَاوَى» وَجْهًا ضَعِيفًا، أَنَّ مَنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ: سَلَبَهُ اللَّهُ الْإِيمَانَ، كَفَرَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَكْرَهَ مُسْلِمًا عَلَى الْكُفْرِ، صَارَ الْمُكْرِهُ كَافِرًا، وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَالرِّضَى بِهِ، وَالْعَزْمُ عَلَيْهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ بِإِسْلَامٍ، وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ، وَشَرِبَ مَعَهُمُ الْخَمْرَ، وَأَكَلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، لَا يُحْكَمُ
بِكُفْرِهِ، وَارْتِكَابُ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ لَيْسَ بِكُفْرٍ، وَلَا يَنْسَلِبُ بِهِ اسْمُ الْإِيمَانِ، وَالْفَاسِقُ إِذَا مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ.
فَرْعٌ
فِي كُتُبِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله اعْتِنَاءٌ تَامٌّ بِتَفْصِيلِ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْكُفْرِ، وَأَكْثَرُهُمَا مِمَّا يَقْتَضِي إِطْلَاقُ أَصْحَابِنَا الْمُوَافَقَةَ عَلَيْهِ، فَنَذْكُرُ مَا يَحْضُرُنَا مِمَّا فِي كُتُبِهِمْ.
مِنْهَا: إِذَا سَخِرَ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِأَمْرِهِ، أَوْ بِوَعْدِهِ أَوْ وَعِيدِهِ، كَفَرَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: لَوْ أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِكَذَا لَمْ أَفْعَلْ، أَوْ لَوْ صَارَتِ الْقِبْلَةُ فِي هَذِهِ الْجِهَةِ مَا صَلَّيْتُ إِلَيْهَا، أَوْ لَوْ أَعْطَانِي الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا.
قُلْتُ: مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِي قَوْلِهِ لَوْ أَعْطَانِي الْجَنَّةَ مَا دَخَلْتُهَا، وَهُوَ الصَّوَابُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ: لَا تَتْرُكِ الصَّلَاةَ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُؤَاخِذُكَ، فَقَالَ: لَوْ وَاخَذَنِي اللَّهُ بِهَا مَعَ مَا بِي مِنَ الْمَرَضِ وَالشِّدَّةِ، ظَلَمَنِي، أَوْ قَالَ الْمَظْلُومُ: هَذَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ الظَّالِمُ: أَنَا أَفْعَلُ بِغَيْرِ تَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، كَفَرَ، وَلَوْ قَالَ: لَوْ شَهِدَ عِنْدِي الْأَنْبِيَاءُ وَالْمَلَائِكَةُ بِكَذَا مَا صَدَّقْتُهُمْ، كَفَرَ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: قَلِّمْ أَظْفَارَكَ، فَإِنَّهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا أَفْعَلُ وَإِنْ كَانَ سُنَّةً، كَفَرَ.
قُلْتُ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِهَذَا إِلَّا أَنْ يَقْصِدَ اسْتِهْزَاءً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ قَالَ: فُلَانٌ فِي عَيْنِي كَالْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ فِي عَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ كُفْرٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنْ أَرَادَ الْجَارِحَةَ، كَفَرَ، وَإِلَّا فَلَا، قَالُوا: وَلَوْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ
تَعَالَى جَلَسَ لِلْإِنْصَافِ، كَفَرَ، أَوْ قَامَ لِلْإِنْصَافِ، فَهُوَ كُفْرٌ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا قَالَ الطَّالِبُ لِيَمِينِ خَصْمِهِ، وَقَدْ أَرَادَ الْخَصْمُ أَنْ يَحْلِفَ بِاللَّهِ تَعَالَى: لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِاللَّهِ تَعَالَى، إِنَّمَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ نَادَى رَجُلًا اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَأَدْخَلَ فِي آخِرِهِ حَرْفَ الْكَافِ الَّذِي يَدْخُلُ لِلتَّصْغِيرِ بِالْعَجَمِيَّةِ، فَقِيلَ: يَكْفُرُ، وَقِيلَ: إِنْ تَعَمَّدَ التَّصْغِيرِ كَفَرَ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَصْدٌ، لَا يَكْفُرُ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ قَالَ: رُؤْيَتِي إِيَّاكَ كَرُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ، قَالُوا: وَلَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى ضَرْبِ الدُّفِّ أَوِ الْقَضِيبِ، أَوْ قِيلَ لَهُ: تَعْلَمُ الْغَيْبَ، فَقَالَ: نَعَمْ، فَهُوَ كُفْرٌ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ خَرَجَ لِسَفَرٍ، فَصَاحَ الْعَقْعَقُ، فَرَجَعَ هَلْ يَكْفُرُ؟
قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ قَالَ: لَوْ كَانَ فُلَانٌ نَبِيًّا، آمَنْتُ بِهِ، كَفَرَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ مَا قَالَهُ الْأَنْبِيَاءُ صِدْقًا نَجَوْنَا، أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنْسِيًّا أَمْ جِنِّيًّا، أَوْ قَالَ: إِنَّهُ جِنٌّ، أَوْ صَغَّرَ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ عَلَى طَرِيقِ الْإِهَانَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ قَالَ: كَانَ طَوِيلَ الظُّفْرِ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ مُتَعَمِّدًا، أَوْ مَعَ ثَوْبٍ نَجِسٍ، أَوْ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ.
قُلْتُ: مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، لَا يَكْفُرُ إِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ تَنَازَعَ رَجُلَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، فَقَالَ الْآخَرُ: لَا حَوْلَ لَا تُغْنِي مِنْ جُوعٍ، كَفَرَ، وَلَوْ سَمِعَ أَذَانَ الْمُؤَذِّنِ فَقَالَ: إِنَّهُ يَكْذِبُ، أَوْ قَالَ وَهُوَ يَتَعَاطَى قَدَحَ الْخَمْرِ، أَوْ يُقْدِمُ عَلَى الزِّنَا: بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، اسْتِخْفَافًا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، كَفَرَ، وَلَوْ قَالَ: لَا أَخَافُ الْقِيَامَةَ، كَفَرَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ فِي مَوْضِعٍ وَقَالَ:
سَلَّمْتُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: سَلَّمْتَهُ إِلَى مَنْ لَا يَتْبَعُ السَّارِقَ إِذَا سَرَقَ، وَلَوْ حَضَرَ جَمَاعَةٌ، وَجَلَسَ أَحَدُهُمْ عَلَى مَكَانٍ رَفِيعٍ تَشَبُّهًا بِالْمُذَكِّرِينَ، فَسَأَلُوهُ الْمَسَائِلَ وَهُمْ يَضْحَكُونَ، ثُمَّ يَضْرِبُونَهُ بِالْمِخْرَاقِ، أَوْ تَشَبَّهَ بِالْمُعَلِّمِينَ، فَأَخَذَ خَشَبَةً، وَجَلَسَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ كَالصِّبْيَانِ، وَضَحِكُوا وَاسْتَهْزَءُوا، وَقَالَ: قَصْعَةُ ثَرِيدٍ خَيْرٌ مِنَ الْعِلْمِ، كَفَرَ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِي مَسْأَلَتَيِ التَّشَبُّهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ دَامَ مَرَضُهُ وَاشْتَدَّ فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا، وَإِنْ شِئْتَ تَوَفَّنِي كَافِرًا، صَارَ كَافِرًا، وَكَذَا لَوِ ابْتُلِيَ بِمَصَائِبَ، فَقَالَ: أَخَذْتَ مَالِي، وَأَخَذْتَ وَلَدِي، وَكَذَا وَكَذَا، وَمَاذَا تَفْعَلُ أَيْضًا، أَوْ مَاذَا بَقِيَ وَلَمْ تَفْعَلْهُ، كَفَرَ، وَلَوْ غَضِبَ عَلَى وَلَدِهِ أَوْ غُلَامِهِ، فَضَرَبَهُ ضَرْبًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَلَسْتَ بِمُسْلِمٍ، فَقَالَ: لَا، مُتَعَمِّدًا كَفَرَ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: يَا يَهُودِيُّ، يَا مَجُوسِيُّ، فَقَالَ: لَبَّيْكَ، كَفَرَ، قُلْتُ: فِي هَذَا نَظَرٌ إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ، فَأَعْطَاهُ النَّاسُ أَمْوَالًا، فَقَالَ مُسْلِمٌ: لَيْتَنِي كُنْتُ كَافِرًا فَأُسْلِمُ، فَأُعْطَى، قَالَ بَعْضُ الْمَشَائِخِ: يَكْفُرُ.
قُلْتُ: فِي هَذَا نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ جَازِمٌ بِالْإِسْلَامِ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِقْبَالِ، وَثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي قِصَّةِ أُسَامَةَ رضي الله عنه حِينَ قَتَلَ مَنْ نَطَقَ بِالشَّهَادَةِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» قَالَ: حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ يَوْمِئِذٍ، وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ تَمَنَّى أَنْ لَا يُحَرِّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْخَمْرَ، أَوْ لَا يُحَرِّمَ الْمُنَاكَحَةَ بَيْنَ الْأَخِ وَالْأُخْتِ، لَا يَكْفُرُ، وَلَوْ تَمَنَّى أَنْ لَا يُحَرِّمَ اللَّهُ تَعَالَى الظُّلْمَ أَوِ الزِّنَا،
وَقَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، كَفَرَ، وَالضَّابِطُ أَنَّ مَا كَانَ حَلَالًا فِي زَمَانٍ فَتَمَنَّى حِلَّهُ لَا يَكْفُرُ، وَلَوْ شَدَّ الزُّنَّارَ عَلَى وَسَطِهِ، كَفَرَ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ وَضَعَ قَلَنْسُوَةَ الْمَجُوسِ عَلَى رَأْسِهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفُرُ، وَلَوْ شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ حَبْلًا، فَسُئِلَ عَنْهُ، فَقَالَ: هَذَا زُنَّارٌ، فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ، وَلَوْ شَدَّ عَلَى وَسَطِهِ زُنَّارًا، وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ لِلتِّجَارَةِ، كَفَرَ، وَإِنْ دَخَلَ لِتَخْلِيصِ الْأُسَارَى، لَمْ يَكْفُرْ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ فِي مَسْأَلَةِ التَّمَنِّي وَمَا بَعْدَهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ نِيَّةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَلَوْ قَالَ مُعَلِّمُ الصِّبْيَانِ: الْيَهُودُ خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِكَثِيرٍ ; لِأَنَّهُمْ يَقْضُونَ حُقُوقَ مُعَلِّمِي صِبْيَانِهِمْ، كَفَرَ، وَقَالُوا: وَلَوْ قَالَ: النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَجُوسِيَّةِ، كَفَرَ، وَلَوْ قَالَ: الْمَجُوسِيَّةُ شَرٌّ مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ، لَا يَكْفُرُ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِقَوْلِهِ: النَّصْرَانِيَّةُ خَيْرٌ مِنَ الْمَجُوسِيَّةِ إِلَّا أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا دِينُ حَقٍّ الْيَوْمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالُوا: وَلَوْ عَطَسَ السُّلْطَانُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَقَالَ آخَرُ: لَا تَقُلْ لِلسُّلْطَانِ هَذَا، كَفَرَ الْآخَرُ.
قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِمُجَرَّدِ هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالُوا: وَلَوْ سَقَى فَاسِقٌ وَلَدَهُ خَمْرًا، فَنَثَرَ أَقْرِبَاؤُهُ الدَّرَاهِمَ وَالسُّكَّرَ، كَفَرُوا.
قُلْتُ: الصَّوَابُ أَنَّهُمْ لَا يَكْفُرُونَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالُوا: وَلَوْ قَالَ كَافِرٌ لِمُسْلِمٍ: اعْرِضْ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ، فَقَالَ: حَتَّى أَرَى، أَوِ اصْبِرْ إِلَى الْغَدِ، أَوْ طَلَبَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ مِنْ وَاعِظٍ، فَقَالَ:
اجْلِسْ إِلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ، كَفَرَ، وَقَدْ حَكَيْنَا نَظِيرَهُ عَنِ الْمُتَوَلِّي، قَالُوا: وَلَوْ قَالَ لِعَدُوِّهِ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَمْ أُؤْمِنْ بِهِ، أَوْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه مِنَ الصَّحَابَةِ، كَفَرَ، قَالُوا: وَلَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ: مَا الْإِيمَانُ، فَقَالَ: لَا أَدْرِي، كَفَرَ، أَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، كَفَرَ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ تَتَبَّعُوا فِيهَا الْأَلْفَاظَ الْوَاقِعَةَ فِي كَلَامِ النَّاسِ وَأَجَابُوا فِيهَا اتِّفَاقًا أَوِ اخْتِلَافًا بِمَا ذُكِرَ، وَمَذْهَبُنَا يَقْتَضِي مُوَافَقَتَهُمْ فِي بَعْضِهَا، وَفِي بَعْضِهَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ اللَّفْظِ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِهْزَاءِ.
قُلْتُ: قَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَوِ الْفَضْلُ عِيَاضٌ رحمه الله فِي آخِرِ كِتَابِهِ الشِّفَاءِ بِتَعْرِيفِ حُقُوقِ نَبِيِّنَا الْمُصْطَفَى صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ جُمْلَةً فِي الْأَلْفَاظِ الْمُكَفِّرَةِ غَيْرَ مَا سَبَقَ، نَقَلَهَا عَنِ الْأَئِمَّةِ، أَكْثَرُهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَصَرَّحَ بِنَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَمِنْهَا: أَنَّ مَرِيضًا شُفِيَ ثُمَّ قَالَ: لَقِيتُ فِي مَرَضِي هَذَا مَا لَوْ قَتَلْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ، فَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يَكْفُرُ وَيُقْتَلُ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ النِّسْبَةَ إِلَى الْجَوْرِ، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ وَيُسْتَتَابُ وَيُعَزَّرُ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَسْوَدَ، أَوْ تُوُفِّيَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِيَ، أَوْ قَالَ: لَيْسَ هُوَ بِقُرَشِيٍّ، فَهُوَ كُفْرٌ ; لِأَنَّ وَصْفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ نَفْيٌ لَهُ وَتَكْذِيبٌ بِهِ، وَأَنَّ مَنِ ادَّعَى أَنَّ النُّبُوَّةَ مُكْتَسَبَةٌ، أَوْ أَنَّهُ يَبْلُغُ بِصَفَاءِ الْقَلْبِ إِلَى مَرْتَبَتِهَا، أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ، أَوِ ادَّعَى أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا، وَيُعَانِقُ الْحُورَ، فَهُوَ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ قَطْعًا، وَأَنَّ مَنْ دَافَعَ نَصَّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ الْمَقْطُوعِ بِهَا الْمَحْمُولِ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَهُوَ كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الْإِسْلَامِ كَالنَّصَارَى، أَوْ شَكَّ فِي تَكْفِيرِهِمْ، أَوْ صَحَّحَ مَذْهَبَهُمْ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ أَظْهَرَ مَعَ ذَلِكَ الْإِسْلَامَ وَاعْتَقَدَهُ، وَكَذَا يَقْطَعُ بِتَكْفِيرِ كُلِّ قَائِلٍ قَوْلًا يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى تَضْلِيلِ الْأُمَّةِ، أَوْ تَكْفِيرِ الصَّحَابَةِ، وَكَذَا
مَنْ فَعَلَ فِعْلًا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ أَنَّهُ لَا يَصْدُرُ إِلَّا مِنْ كَافِرٍ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ مُصَرِّحًا بِالْإِسْلَامِ مَعَ فِعْلِهِ، كَالسُّجُودِ لِلصَّلِيبِ، أَوِ النَّارِ وَالْمَشْيِ إِلَى الْكَنَائِسِ مَعَ أَهْلِهَا بِزِيِّهِمْ مِنَ الزُّنَّانِيرِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَا مَنْ أَنْكَرَ مَكَّةَ، أَوِ الْبَيْتَ، أَوِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، أَوْ صِفَةَ الْحَجِّ، وَأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَعْرُوفَةِ، أَوْ قَالَ: لَا أَدْرِي أَنَّ هَذِهِ الْمُسَمَّاةَ بِمَكَّةَ هِيَ مَكَّةُ أَمْ غَيْرُهَا، فَكُلُّ هَذَا أَوْ شَبَهُهُ لَا شَكَّ فِي تَكْفِيرِ قَائِلِهِ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ عِلْمُ ذَلِكَ، وَمَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ، أَوْ بِمُخَالَطَةِ الْمُسْلِمِينَ، عَرَّفْنَاهُ ذَلِكَ، وَلَا يُعْذَرُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَكَذَا مَنْ غَيَّرَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ، أَوْ قَالَ: لَيْسَ بِمُعْجِزٍ، أَوْ قَالَ: لَيْسَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ دَلَالَةٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ أَنْكَرَ الْجَنَّةَ أَوِ النَّارَ، أَوِ الْبَعْثَ أَوِ الْحِسَابَ، أَوِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ، وَلَكِنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ غَيْرُ مَعَانِيهَا، أَوْ قَالَ: الْأَئِمَّةُ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ.
الطَّرَفُ الثَّانِي فِيمَنْ تَصِحُّ رِدَّتُهُ وَشَرْطُهَا التَّكْلِيفُ.
فَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، وَمَنِ ارْتَدَّ ثُمَّ جُنَّ لَا يُقْتَلُ فِي جُنُونِهِ، وَكَذَا مَنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا ثُمَّ جُنَّ، لَا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجِعُ عَنِ الْإِقْرَارِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِقِصَاصٍ، أَوْ حَدِّ قَذْفٍ ثُمَّ جُنَّ، فَإِنَّهُ يُسْتَوْفَى فِي جُنُونِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِرُجُوعِهِ، وَبِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِزِنَاهُ، ثُمَّ جُنَّ، قَالَ الْبَغَوِيُّ: هَذَا كُلُّهُ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ، فَلَوْ قُتِلَ فِي حَالِ الْجُنُونُ، أَوْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، فَمَاتَ لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ، وَتَصِحُّ رِدَّةُ السَّكْرَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ فِي طَلَاقِهِ، فَإِنْ صَحَّحْنَاهَا، فَارْتَدَّ فِي سُكْرِهِ، أَوْ أَقَرَّ بِالرِّدَّةِ، وَجَبَ الْقَتْلُ، لَكِنْ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَفِيقَ فَيُعْرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ، وَفِي صِحَّةِ اسْتِتَابَتِهِ فِي السُّكْرِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيُّ،