الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَانَ يَسْكُنُ بَلَدَيْنِ، فَالِاخْتِيَارُ لِلْإِمَامِ، وَفِي هَذَا مَا يُنَازَعُ فِي الِاكْتِفَاءِ بِأَوَّلِ بِلَادِ الْكُفْرِ، وَلَوْ لَمْ تَظْهَرْ أَمَارَةٌ يَخَافُ بِسَبَبِهَا مِنْهُمْ نَبْذَ الْعَهْدِ، وَلَا اعْتِبَارَ الْوَهْمِ الْمَحْضَ، حُكِيَ ذَلِكَ عَنْ نَصِّهِ فِي «الْأُمِّ» . فَرْعٌ
إِذَا هَادَنَ الْإِمَامُ مُدَّةً لِضَعْفٍ وَخَوْفٍ اقْتَضَاهَا، ثُمَّ زَالَ الْخَوْفُ وَقَوِيَ الْمُسْلِمُونَ، وَجَبَ الْوَفَاءُ بِمَا جَرَى.
فَرْعٌ
قَالَ فِي «الْحَاوِي» : يَجِبُ عَلَى الَّذِينَ هَادَنَهُمُ الْإِمَامُ الْكَفُّ عَنْ قَبِيحِ الْقَوْلِ وَالْعَمَل فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، وَبَذْلُ الْجَمِيلِ مِنْهُمَا، فَلَوْ كَانُوا يُكْرِمُونَ الْمُسْلِمِينَ، فَصَارُوا يُهِينُونَهُمْ، أَوْ يُضِيفُونَ النَّزِيلَ وَيَصِلُونَهُمْ، فَصَارُوا يَقْطَعُونَهُمْ، أَوْ يُعَظِّمُونَ كِتَابَ الْإِمَامِ، فَصَارُوا يَسْتَخِفُّونَ بِهِ، أَوْ نَقَصُوا عَمَّا كَانُوا يُخَاطَبُونَ بِهِ، سَأَلَهُمُ الْإِمَامُ عَنْ سَبَبِ فِعْلِهِمْ، فَإِنِ اعْتَذَرُوا بِمَا يَجُوزُ قَبُولُ مِثْلِهِ، قَبِلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا عُذْرًا، أَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَى عَادَتِهِمْ، فَإِنِ امْتَنَعُوا، أَعْلَمَهُمْ بِنَقْضِ الْهُدْنَةِ وَنَقَضَهَا.
فَصْلٌ
إِذَا شَرَطَ رَدَّ الْمَرْأَةِ إِذَا جَاءَتْنَا مِنْهُمْ مُسْلِمَةً، لَمْ يَجُزْ بِحَالٍ، وَشَرْطُ رَدِّ الرَّجُلِ إِذَا هَاجَرَ مُسْلِمًا جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُصِيبَهَا زَوْجُهَا الْكَافِرُ، أَوْ أَنْ تُزَوَّجَ كَافِرًا، وَلِأَنَّهَا عَاجِزَةٌ عَنِ الْهَرَبِ وَأَقْرَبُ إِلَى الِافْتِتَانِ، فَإِذَا عَقَدَ الْإِمَامُ هُدْنَةً، فَإِمَّا أَنْ يَشْرُطَ أَنْ لَا يَرُدَّ مَنْ جَاءَ مُسْلِمًا، أَوْ يُطْلِقَ، أَوْ يَشْرُطَ الرَّدَّ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَرُدَّ، فَلَا رَدَّ وَلَا غُرْمَ، وَكَذَا لَوْ خَصَّ النِّسَاءَ، يُمْنَعُ الرَّدُّ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَهَلْ يَغْرَمُ الْإِمَامُ
مَهْرَ مَنْ جَاءَتْ مُسْلِمَةً؟ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: لَا، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَجَبَ الْغُرْمُ قَطْعًا، قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ: هَذَا سَهْوٌ مِنْ قَائِلِهِ، وَإِنْ شَرَطَ الرَّدَّ، نُظِرَ إِنْ أَطْلَقَ فَقَالَ: بِشَرْطِ أَنْ نَرُدَّ مَنْ جَاءَنَا مِنْهُمْ، فَفِي وُجُوبِ الْغُرْمِ الْقَوْلَانِ، وَقَدْ يُقَالُ: إِنْ أَوْجَبْنَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَإِلَّا فَقَوْلَانِ، وَلَوْ صَرَّحَ بِشَرْطِ رَدِّ النِّسَاءِ، فَهُوَ فَاسِدٌ، وَفِي فَسَادِ الْعَقْدِ بِهِ مَا سَبَقَ، فَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ، فَفِي الْغُرْمِ الْخِلَافُ السَّابِقُ بِالتَّرْتِيبِ، وَيَتَفَرَّعُ عَلَى وُجُوبِ الْغُرْمِ مَسَائِلُ:
مِنْهَا: الْمَغْرُومُ، وَهُوَ الْمَبْذُولُ مِنْ صَدَاقِهَا، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: عِنْدِي أَنَّهُ هُوَ الْأَقَلُّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمَبْذُولِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَلَوْ لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهَا شَيْئًا، فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يَدْفَعْ إِلَّا بَعْضَهُ، لَمْ يَسْتَحِقَّ إِلَّا ذَلِكَ الْقَدْرَ، وَلَوْ كَانَ أُعْطَاهَا أَكْثَرَ مِنَ الْمُسَمَّى، لَمْ يَسْتَحِقَّ الزِّيَادَةَ، كَمَا لَا يَسْتَحِقُّ مَا أَطْعَمَهَا وَكَسَاهَا وَأَنْفَقَهُ فِي الْعُرْسِ، لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِهِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلَ الْبُضْعِ الَّذِي حُلْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ.
وَمِنْهَا: لَا يَثْبُتُ الْغُرْمُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ: أَعْطَيْتُهَا صَدَاقَهَا، بَلْ يُنْظَرُ إِنْ أَنْكَرَتِ النِّكَاحَ، فَهِيَ الْمُصَدَّقَةُ وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَإِنْ صَدَّقَتْهُ وَأَنْكَرَتِ الْقَبْضَ، فَفِي «الشَّامِلِ» وَغَيْرِهِ: أَنَّهَا تُصَدَّقُ بِالْيَمِينِ، وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: لَا يَمِينَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الصَّدَاقَ عَلَى غَيْرِهَا، وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ: يَفْحَصُ الْإِمَامُ عَنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، فَقَدْ يَعْرِفُهُ مَنْ تُجَّارِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ، وَمِنَ الْأَسَارَى، ثُمَّ يَحْلِفُ الرَّجُلُ أَنَّهُ أَصْدَقَهَا ذَلِكَ الْقَدْرَ وَسَلَّمَهُ، وَلَوِ ادَّعَى الدَّفْعَ وَصَدَّقَتْهُ، فَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ عَنِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ إِقْرَارَهَا كَالْبَيِّنَةِ، وَقَالُوا: تَعْسِرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى مَا يَجْرِي بَيْنَ الْكُفَّارِ، وَرَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَعْتَمِدَ قَوْلَهَا وَلَا يَجْعَلَهُ حُجَّةً عَلَيْنَا.
وَمِنْهَا: مَحَلُّ الْغُرْمِ سَهْمُ الْمَصَالِحِ، وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ إِنْ
كَانَ لِلْمَرْأَةِ مَالٌ، أُخِذَ مِنْهَا، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، فَإِنْ هَاجَرَتْ إِلَى بَلَدٍ فِيهِ الْإِمَامُ، غَرِمَ الْمَهْرَ، وَإِنْ هَاجَرَتْ إِلَى بَلَدٍ فِيهِ نَائِبُهُ، فَكَذَلِكَ، وَهَلِ الْمُعْتَبَرُ نَائِبُهُ فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ، أَمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ وَجْهَانِ، وَإِنْ هَاجَرَتْ إِلَى بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ الْإِمَامُ وَلَا نَائِبُهُ، فَعَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ مَنْعُهَا حِسْبَةً وَلَا يَغْرَمُونَ الْمَهْرَ، قَالَ ابْنُ كَجٍّ: وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْحَالَةِ هَذِهِ رَدُّ الْمَهْرِ، كَمَا لَوْ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى غَيْرِ بَلَدِ الْإِمَامِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَطْلُبُهُ، وَالْأَحْسَنُ مَا حَكَاهُ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ إِنْ قَالَ عِنْدَ الْمُهَادَنَةِ: مَنْ جَاءَنِي مِنْكُمْ مُسْلِمًا رَدَدْتُهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، لِأَنَّهَا مَا جَاءَتْهُ، وَإِنْ قَالَ: مَنْ جَاءَ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مَنْ جَاءَنَا، وَجَبَ.
وَمِنْهَا: لَوْ وَهَبَتْهُ الصَّدَاق، أَوْ أَبْرَأَتْهُ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي التَّشَطُّرِ.
وَمِنْهَا: إِذَا جَاءَتْ مُسْلِمَةً، ثُمَّ أَسْلَمَ الزَّوْجُ، نُظِرَ إِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَالنِّكَاحُ مُسْتَمِرٌّ، وَلَيْسَ لَهَا طَلَبُ الْمَهْرِ، وَإِنْ أَخَذَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، لَزِمَهُ رَدُّهُ إِذَا زَالَتِ الْحَيْلُولَةُ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، نُظِرَ إِنْ أَخَذَ الْمَهْرَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُسْتَرْجَعْ مِنْهُ، وَصَارَ بِالْقَبْضِ كَالْمُسْتَهْلَكِ فِي الشِّرْكِ، وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ، فَإِنْ طَالَبَتْ بِهِ قَبْلَ إِسْلَامِهِ، اسْتَقَرَّ لَهُ الْمَهْرُ لِحُصُولِ الْحَيْلُولَةِ بِإِسْلَامِهَا، وَمَنَعْنَا إِيَّاهَا مِنْهُ، وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ بِهَا قَبْلَ إِسْلَامِهِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ، لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ حَصَلَتْ بِالْبَيْنُونَةِ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَلَا مُطَالَبَةَ بِالْمَهْرِ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ، فَلَوْ كَانَتِ الصُّورَةُ بِحَالِهَا، وَلَمْ يَكُنْ أُعْطَاهَا الْمَهْرَ، فَلَمَّا أَسْلَمْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ أَخَذَتِ الْمَهْرَ بِسَبَبِ الْمَسِيسِ، فَهَلْ تَغْرَمُ لَهُ ذَلِكَ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ لِلْإِمَامِ، وَجَعَلَهُمَا الْغَزَالِيُّ وَجْهَيْنِ، أَرْجَحُهُمَا: الْمَنْعُ، هَذَا إِذَا كَانَ إِسْلَامُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ، فَإِنْ جَاءَتْ مُسْلِمَةً قَبْلَ الدُّخُولِ وَأَسْلَمَ الزَّوْجُ بَعْدَهَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ طَلَبُ الْمَهْرِ، لِأَنَّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ.
وَمِنْهَا: لَوْ جَاءَ فِي طَلَبِهَا غَيْرُ زَوْجِهَا، كَأَبِيهَا وَعَشِيرَتِهَا، لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا، لَأَنَّ الْمُعْتَبَرَ طَلَبُ مَنْ كَانَ لَهُ مِلْكُ الْبُضْعِ، أَوْ طَلَبُ وَكِيلِهِ وَرَسُولِهِ، وَلَوْ جَاءَنَا الزَّوْجُ وَلَمْ يَطْلُبْهَا، لَمْ يَغْرَمْ أَيْضًا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ فِي الْعِدَّةِ، فَأَمَّا إِذَا بَانَتْ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَلَا أَثَرَ لِلطَّلَبِ.
وَمِنْهَا: إِذَا دَخَلَتْ كَافِرَةً، رَدَدْنَاهَا سَوَاءً طَلَبَهَا زَوْجُهَا أَوْ مَحَارِمُهَا، فَإِنْ أَسْلَمَتْ بَعْدَ دُخُولِهَا، فَهُوَ كَمَا لَوْ جَاءَتْ مُسْلِمَةً فِي أَنَّا لَا نَرُدُّهَا وَفِي غُرْمِ الْمَهْرِ، وَقِيلَ: فِي الْغُرْمِ وَجْهَانِ، وَلَوِ ارْتَدَتْ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، وَجَاءَ الزَّوْجُ يَطْلُبُهَا، نُظِرَ إِنْ طَلَبَهَا بَعْدَ قَتْلِهَا، لَمْ نَغْرَمْ شَيْئًا لِحُصُولِ الْحَيْلُولَةِ بِالْقَتْلِ، وَإِنْ طَلَبَهَا قَبْلَ الْقَتْلِ، لَمْ نَرُدَّهَا لِوُجُوبِ قَتْلِهَا، وَفِي الْغُرْمِ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: يَجِبُ لِحُصُولِ الْحَيْلُولَةِ بِالْإِسْلَامِ.
وَمِنْهَا: لَوْ جَاءَتْنَا مُسْلِمَةً، فَجُنَّتْ، أَوْ جَاءَتْنَا مَجْنُونَةً ثُمَّ أَفَاقَتْ وَأَسْلَمَتْ، فَحُكْمُهَا فِي الرَّدِّ وَالْغُرْمِ حُكْمُ الْعَوَاقِلِ، وَإِنْ جَاءَتْ مَجْنُونَةً تَصِفُ الْإِسْلَامَ أَوْ لَا تَصِفُهُ، وَأُخْبِرَ عَنْهَا أَنَّهَا وَصَفَتْهُ وَلَمْ نَعْلَمْ، أَوْ وَصَفَتْهُ قَبْلَ الْجُنُونِ أَمْ فِيهِ، أَوْ لَمْ نُخْبَرْ عَنْهَا بِشَيْءٍ، لَمْ تُرَدَّ لِاحْتِمَالِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْجُنُونِ، وَلَا غُرْمَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا لَمْ تُسْلِمْ حِينَئِذٍ، فَلَا نَغْرَمُ بِالشَّكِّ، فَإِنْ أَفَاقَتْ وَأَقَرَّتْ بِالْإِسْلَامِ، غَرَمْنَا، وَإِلَّا رَدَدْنَاهَا وَلَا غُرْمَ، وَلَوْ عَلِمْنَا أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ مَجْنُونَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ تُرَدَّ.
وَمِنْهَا: إِذَا جَاءَتْ صَبِيَّةً مُمَيِّزَةً وَهِيَ تَصِفُ الْإِسْلَامَ لَا نَرُدُّهَا، لِأَنَّا وَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ إِسْلَامَهَا فَنَتَوَقَّعُهُ، فَيُحْتَاطُ لِحُرْمَةِ الْكَلِمَةِ، وَقِيلَ: تُرَدُّ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، وَلَا غُرْمَ فِي الْحَالِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقِيلَ: الْأَظْهَرُ كَالْمَجْنُونَةِ، فَإِنْ بَلَغَتْ وَوَصَفَتِ الْكُفْرَ، رَدَدْنَاهَا، وَإِنْ وَصَفَتِ الْإِسْلَامَ، غَرَمْنَا.
وَمِنْهَا: لَوْ جَاءَتْ رَقِيقَةً مِنْهُمْ مُسْلِمَةً، فَلَا تُرَدُّ عَلَى سَيِّدِهَا وَلَا زَوْجِهَا، وَيُحْكَمُ بِعِتْقِهَا إِنْ فَارَقَتْهُمْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، لِأَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ مُرَاغَمَةً لَهُمْ، مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالْقَهْرِ فَتُعْتَقُ، كَعَبْدٍ قَهَرَ سَيِّدَهُ الْحَرْبِيَّ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ حُرًّا، وَهَلْ يَغْرَمُ لِسَيِّدِهَا قِيمَتَهَا مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ إِذَا جَاءَ يَطْلُبُهَا؟ فِيهِ طَرِيقَانِ، الْمَذْهَبُ: أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي: لَا غُرْمَ قَطْعًا، لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ حَصَلَتْ بِالْعِتْقِ وَالْقَهْرِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ قَالَ بِالْمَذْهَبِ، قَالَ: الْمَانِعُ هُوَ الْإِسْلَامُ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ حُرَّةً كَافِرَةً لَمْ يُمْنَعْ زَوْجُهَا، وَلَوْ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ فَارَقَتْهُمْ، وَهَاجَرَتْ مُسْلِمَةً، فَقَالَ الْبَغَوِيُّ: لَا تَصِيرُ حُرَّةً، لِأَنَّهُمْ فِي أَمَانِنَا، وَأَمْوَالُهُمْ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْنَا، فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْهَا بِالْهِجْرَةِ بِخِلَافِ مَا إِذَا هَاجَرَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، لِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَا تُوجِبُ أَمَانَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، فَمَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالْقَهْرِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ جَمَاعَةٌ لِهَذَا التَّفْصِيلِ، وَأَطْلَقُوا الْحُكْمَ بِالْعِتْقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ، لِأَنَّ الْهُدْنَةَ جَرَتْ مَعَنَا لَا مَعَهَا، كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرَّجُلِ إِذَا جَاءَنَا مُسْلِمًا وَرَدَدْنَاهُ، أَنَّ لَهُ التَّعَرُّضَ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا تُرَدُّ إِلَى سَيِّدِهَا لِإِسْلَامِهَا وَشِرْكِهِ، وَلَكِنْ نَغْرَمُ لَهُ قِيمَتَهَا، كَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْهُمْ مَالٌ وَتَلِفَ، وَاعْتَرَضَ صَاحِبُ «الْبَيَانِ» وَقَالَ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّا لَا نَغْرَمُ الْقِيمَةَ وَيَأْمُرُهُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهَا، كَأَمَةِ كَافِرٍ أَسَلَمَتْ، وَنَعُودُ إِلَى هَذَا الْكَلَامِ وَالتَّفْصِيلِ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِذَا كَانَتِ الْأَمَةُ مُزَوَّجَةً، فَفِي غُرْمِ الْمَهْرِ الْقَوْلَانِ، فَإِنْ قُلْنَا بِغَرَامَةِ الْمَهْرِ وَالْقِيمَةِ، نُظِرَ إِنْ حَضَرَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ مَعًا، أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ حَقَّهُ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا: نَغْرَمُ حَقَّ الطَّالِبِ، وَالثَّانِي: لَا نَغْرَمُ شَيْئًا، لِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ مُشْتَرَكٌ وَلَمْ يَتِمَّ الطَّلَبُ، وَالثَّالِثُ: نَغْرَمُ لِلسَّيِّدِ إِنِ انْفَرَدَ بِالطَّلَبِ، وَلَا نَغْرَمُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ فِي الْمُزَوَّجَةِ لِلسَّيِّدِ آكِدٌ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُسَافِرُ بِهَا بِخِلَافِ الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ زَوْجُ الْأَمَةِ عَبْدًا، فَلَهَا خِيَارُ الْفَسْخِ إِذَا عَتَقَتْ، فَإِنْ فَسَخَتِ النِّكَاحَ،
لَمْ نَغْرَمِ الْمَهْرَ لِأَنَّ الْحَيْلُولَةَ حَصَلَتْ بِالْفَسْخِ، وَإِنْ لَمْ تَفْسَخْ وَأَوْجَبْنَا غُرْمَ الْمَهْرِ، فَلَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ جَمِيعًا، وَطَلَبُ الزَّوْجِ الْمَرْأَةَ وَالسَّيِّدِ الْمَهْرَ، فَإِنِ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا، لَمْ نَغْرَمْ لِأَنَّ الْبُضْعَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلسَّيِّدِ، وَالْمَهْرَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْعَبْدِ.
وَمِنْهَا: إِنَّمَا نَغْرَمُ إِذَا طَلَبَهَا الزَّوْجُ فَمَنَعْنَاهَا بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ، أَمَّا إِذَا مَاتَ قَبْلَ الطَّلَبِ، فَلَا غُرْمَ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهَا مِنَّا وَإِنْ كَانَ قَدْ دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الطَّلَبِ وَالْمَنْعِ، لَمْ يَسْقُطِ الْغُرْمُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتُ، صُرِفَ الْمَهْرُ إِلَى وَرَثَتِهِ، وَإِنْ قُتِلَتْ قَبْلَ الطَّلَبِ، فَلَا غُرْمَ، كَمَا لَوْ مَاتَتْ، وَإِنْ قُتِلَتْ بَعْدَهُ، ثَبَتَ الْغُرْمُ، ثُمَّ نَقَلَ الْإِمَامُ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْقَاتِلِ، لِأَنَّهُ الْمَانِعُ بِالْقَتْلِ، وَرَأَى أَنْ يُفَصَّلَ فَيُقَالُ: إِنْ قَتَلَهَا عَلَى الِاتِّصَالِ بِالطَّلَبِ، فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرُوهُ، وَإِنْ تَأَخَّرَ الْقَتْلُ، فَقَدِ اسْتَقَرَّ الْغُرْمُ عَلَيْنَا بِالْمَنْعِ، فَلَا أَثَرَ لِلْقَتْلِ بَعْدَهُ، وَفِي الْحَالَتَيْنِ لَا حَقَّ لِلزَّوْجِ فِيمَا عَلَى الْقَاتِلِ مِنْ قِصَاصٍ وَدِيَةٍ، لِأَنَّهُ لَا يَرِثُهَا، وَلَوْ جَرَحَهَا شَخْصٌ قَبْلَ الطَّلَبِ، ثُمَّ طَلَبَهَا الزَّوْجُ وَقَدِ انْتَهَتْ إِلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِينَ، فَهُوَ كَالطَّلَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ بَقِيَتْ فِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، فَهَلِ الْغُرْمُ عَلَى الْجَارِحِ، أَمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْمَنْعَ فِي الْحَيَاةِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، وَلَا يَسْقُطُ الْغُرْمُ، بِأَنْ يُطْلِقَهَا بَعْدَ طَلَبِهَا، وَأَمَّا قَبْلَهُ، فَإِنْ خَالَعَهَا، أَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا، فَلَا غُرْمَ، لِأَنَّهُ تَرَكَ بِاخْتِيَارِهِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَكَذَا لَوْ مَلَّكَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَقَدْ يُلَائِمُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ أَنْ يُقَالَ: يُشْتَرَطُ كَوْنُ الطَّلَبِ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا، أَوْ طَلَّقَهَا، فَأَسْلَمَتْ وَهِيَ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيَّةِ، ثُمَّ جَاءَ الزَّوْجُ يَطْلُبُهَا، فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّا إِنَّمَا نَغْرَمُ لَهُ إِذَا رَاجَعَهَا لِظُهُورِ قَصْدِ الْإِمْسَاكِ بِالرَّجْعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ رَجْعَةُ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَةَ لَا تَصِحُّ، قَالَ الْإِمَامُ: وَخَرَّجَ الْمُحَقِّقُونَ قَوْلًا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْمَهْرَ بِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ بِلَا رَجْعَةٍ، لِأَنَّهَا فَاسِدَةٌ، فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِهَا.
فَرْعٌ
جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِي رَدِّ النِّسَاءِ الْحَرَائِرِ، أَمَّا الْإِمَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْمَجَانِينُ، فَلَا يُرَدُّونَ لِضَعْفِهِمْ، وَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ بِشَرْطِ رَدِّهِمْ، وَلَا غُرْمَ فِي تَرْكِ رَدِّهِمْ، كَمَا فِي غَيْرِ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ، فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ، فَإِنْ وَصَفَا الْإِسْلَامَ، فَذَاكَ، وَإِنْ وَصَفَا كُفْرًا لَا يُقَرُّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمَا، وَإِمَّا أَنْ يُرَدَّا إِلَى مَأْمَنِهِمَا، وَإِنْ وَصَفَا كُفْرًا يُقَرُّ أَهْلُهُ، فَإِمَّا أَنْ يُسْلِمَا وَإِمَّا أَنْ يَقْبَلَا الْجِزْيَةَ، وَإِمَّا أَنْ يُرَدَّا إِلَى مَأْمَنِهِمَا.
وَأَمَّا الذُّكُورُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ، فَنَقَلَ الْإِمَامُ فِي رَدِّ الْعَبْدِ وَجْهَيْنِ، الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ: لَا يُرَدُّ، لِأَنَّهُ جَاءَ مُسْلِمًا مُرَاغَمًا لَهُمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَسْتَرِقُّونَهُ وَيُهِينُونَهُ وَلَا عَشِيرَةَ لَهُ تَحْمِيهِ، وَالثَّانِي: يُرَدُّ، وَالْمَنْعُ فِي النِّسَاءِ لِخَوْفِ الْفَاحِشَةِ، وَهَلْ يُعْتَقُ الْعَبْدُ الَّذِي جَاءَ مُسْلِمًا؟ قَالَ فِي «الْحَاوِي» : إِنْ غَلَبَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ، عَتَقَ، لِأَنَّ الْهُدْنَةَ لَا تُوجِبُ أَمَانَ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ، وَإِنْ أَسْلَمَ، ثُمَّ غَلَبَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ وَجَاءَنَا، نُظِرَ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ هَادَنَّاهُمْ، فَكَذَلِكَ، لِأَنَّهُ غَلَبَ فِي حَالِ الْإِبَاحَةِ، وَإِنْ فَعَلَهُ بَعْدَ الْهُدْنَةِ، لَمْ يُعْتَقْ، لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مُحَرَّمَةٌ حِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُهَا بِالْقَهْرِ، ثُمَّ لَا يُرَدُّ إِلَى السَّيِّدِ، وَإِنْ لَمْ يُعْتَقْ، وَلَا يُمْكِنُ مِنَ اسْتِرْقَاقِهِ، فَإِنْ أَعْتَقَهُ وَإِلَّا بَاعَهُ الْإِمَامُ لِمُسْلِمٍ، أَوْ دَفَعَ قِيمَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَأَعْتَقَهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً، وَوَلَاؤُهُ لَهُمْ. وَأَمَّا الْحُرُّ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَشِيرَةٌ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يُذَلُّ وَيُهَانُ، فَفِي رَدِّهِ طَرِيقَانِ، الصَّحِيحُ طَرْدُ الْوَجْهَيْنِ فِي رَدِّ الْعَبْدِ، وَالثَّانِي: يُرَدُّ قَطْعًا لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ فِي الْجُمْلَةِ مَظَنَّةُ الْقُدْرَةِ، فَإِنْ قُلْنَا: يُرَدُّ، قَالَ الْإِمَامُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ: عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَشْرُطَ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يُهِينُوا الْمُسْلِمَ الْمَرْدُودَ، فَإِنْ أَهَانُوهُ كَانُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ، وَإِنْ كَانَ لِلْحُرِّ عَشِيرَةٌ وَطَلَبَتْهُ، رُدَّ كَمَا رَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا جَنْدَلٍ رضي الله عنه عَلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمْ يَحْمُونَهُ، وَأَمَّا كَوْنُ عَشِيرَتِهِ تُؤْذِيهِ بِالتَّقْيِيدِ وَنَحْوِهِ، فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ، فَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ
تَأْدِيبًا فِي زَعْمِهِمْ، وَإِنْ طَلَبَهُ عَيْنُ عَشِيرَتِهِ، لَمْ يُرَدَّ إِلَّا إِذَا كَانَ الطَّالِبُ مِمَّنْ يَقْدِرُ الْمَطْلُوبُ عَلَى قَهْرِهِ وَالْإِفْلَاتِ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا حُمِلَ رَدُّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَصِيرٍ رضي الله عنه وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ أَحَدٌ، فَلَا رَدَّ كَمَا لَا غُرْمَ إِذَا لَمْ يَطْلُبُ أَحَدٌ الْمَرْأَةَ، قَالَ الْأَصْحَابُ: وَمَعْنَى الرَّدِّ أَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنَ الرُّجُوعِ، وَيُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَطْلُبُهُ، لَا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى الرُّجُوعِ، وَهَذَا مَعْنَى رَدِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبَا جَنْدَلٍ وَأَبَا بَصِيرٍ رضي الله عنهما وَلَا يَبْعُدُ تَسْمِيَةُ التَّخْلِيَةِ رَدًّا كَمَا فِي رَدِّ الْوَدِيعَةِ، وَلَوْ شَرَطَ الْإِمَامُ فِي الْهُدْنَةِ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِمْ مَنْ جَاءَهُ مُسْلِمًا، فَمِنَ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ: يَجِبُ الْوَفَاءُ بِشَرْطِهِ، وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يُعْتَبَرَ الطَّلَبُ، وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنِ النَّصِّ أَنَّهُ يَفْسُدُ الْعَقْدُ بِهَذَا الشَّرْطِ، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لَوْ طَلَبُوا مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى كُفْرِهِ، مَكَّنَّاهُمْ مِنْهُ، وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا شَرَطُوا أَنْ يَقُومَ بِرَدِّهِ عَلَيْهِمْ، وَفَّيْنَا بِالشَّرْطِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَطْلُوبِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَيْهِمْ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي بَصِيرٍ رضي الله عنه امْتِنَاعَهُ، فَإِنِ اخْتَارَ الْإِقَامَةَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، لَمْ يُمْنَعْ، وَيَقُولُ الْإِمَامُ لِلطَّالِبِ: لَا أَمْنَعُكَ مِنْهُ إِنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ، وَلَا أَعِينُكَ إِنْ لَمْ تَقْدِرْ، وَعَنِ النَّصِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لِلْمَطْلُوبِ سِرًّا: لَا تَرْجِعُ، وَإِنْ رَجَعْتَ فَاهْرُبْ إِذَا قَدَرْتَ، وَلِلْمَطْلُوبِ أَنْ يَقْتُلَ الطَّالِبَ، وَلَنَا أَنْ نُرْشِدَهُ إِلَى قَتْلِهِ تَعْرِيضًا لَا تَصْرِيحًا، لِأَنَّ الْإِمَامَ إِنَّمَا الْتَزَمَ بِالْهُدْنَةِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْهُمْ، وَيُمْنَعَ الَّذِينَ يُعَادُونَهُمْ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ، فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ بَعْدُ، فَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا تَنَاوَلَهُ شَرْطُ الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَبْضَتِهِ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّعَرُّضُ لِمَنْ عَصَمَ الْإِمَامُ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَلِهَذَا مَنْ جَاءَنَا مُسْلِمًا وَلَمْ يُطْلَبْ، يَلْزَمُهُ بِعَقْدِ الْهُدْنَةِ مَا لَزِمَنَا.