المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فَفِي تَقْرِيرِهِمْ بِالْجِزْيَةِ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُمْ عُلْقَةُ - روضة الطالبين وعمدة المفتين - جـ ١٠

[النووي]

فهرس الكتاب

- ‌كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ وَالشَّهَادَةِ عَلَى الدَّمِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الْإِمَامَةِ وَقِتَالُ الْبُغَاةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الرِّدَّةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ حَدِّ الزِّنَا

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ حَدِّ الْقَذْفِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ السَّرِقَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فْصِلَ

- ‌بَابُ قُطَّاعِ الطُّرُقِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ حَدِّ شَارِبِ الْخَمْرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌بَابُ التَّعْزِيرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ ضَمَانِ إِتْلَافِ الْإِمَامِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ السِّيَرِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ عَقْدِ الْجِزْيَةِ وَالْهُدْنَةِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

- ‌كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَالضَّحَايَا وَالْعَقِيقَةِ وَالْأَطْعِمَةِ

- ‌كِتَابُ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ

- ‌فَصْلٌ

- ‌فَصْلٌ

الفصل: فَفِي تَقْرِيرِهِمْ بِالْجِزْيَةِ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُمْ عُلْقَةُ

فَفِي تَقْرِيرِهِمْ بِالْجِزْيَةِ قَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا: نَعَمْ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُمْ عُلْقَةُ التَّنَصُّرِ فَلَا تَزُولُ، وَحَقِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ تَرْجِعُ إِلَى أَنْ تَوَثُّنَهُ هَلْ يَسْتَتْبِعُ أَوْلَادَهُ؟ فَإِنْ أَتْبَعْنَاهُمْ، لَمْ يُغْتَالُوا، لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَمَانٍ، وَلَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُمْ جِزْيَةٌ، وَأَمَّا أَبُوهُمْ، فَيُبْنَى حُكْمُهُ عَلَى مَا سَبَقَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّهُ هَلْ يُقْنَعُ مِنْهُ بِالْعَوْدِ إِلَى دِينِهِ أَمْ لَا يُقْنَعُ إِلَّا بِالْإِسْلَامِ، فَإِنْ أَبَاهُمَا، فَيُقْتَلُ أَمْ يَلْحَقُ بِالْمَأْمَنِ؟ قَوْلَانِ الْأَظْهَرُ: الثَّانِي.

فَرْعٌ

الْوَلَدُ الْمُنْعَقِدُ مِنْ مُرْتَدَّيْنِ، هَلْ هُوَ مُسْلِمٌ، أَمْ مُرْتَدٌّ، أَمْ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ؟ فِيهِ أَقْوَالٌ سَبَقَتْ فِي الرِّدَّةِ، فَإِنْ قُلْنَا: مُسْلِمٌ، فَبَلَغَ وَصَرَّحَ بِالْكُفْرِ، فَمُرْتَدٌّ، وَإِنْ قُلْنَا: أَصْلِيٌّ، فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقَرُّ بِجِزْيَةٍ.

فَرْعٌ

يَهُودُ خَيْبَرَ كَغَيْرِهِمْ فِي ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ، وَسُئِلَ ابْنُ سُرَيْجٍ رحمه الله عَمَّا يَدَّعُونَهُ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا بِإِسْقَاطِهَا، فَقَالَ: لَمْ يَنْقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي «الْبَحْرِ» أَنَّ ابْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَسْقَطَ الْجِزْيَةَ عَنْهُمْ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَاقَاهُمْ، وَجَعَلَهُمْ بِذَلِكَ خَوَلًا، قَالَ: وَهَذَا شَيْءٌ تَفَرَّدَ بِهِ، وَالْمُسَاقَاةُ مُعَامَلَةٌ لَا تَقْتَضِي إِسْقَاطَ الْجِزْيَةِ.

‌فَصْلٌ

الزَّمِنُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي، وَالْأَجِيرُ وَالرَّاهِبُ وَالْأَعْمَى تُضْرَبُ عَلَيْهِمِ الْجِزْيَةُ كَغَيْرِهِمْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ، لِأَنَّ الْجِزْيَةَ كَأُجْرَةِ الدَّارِ، وَقِيلَ: إِنْ قُلْنَا: لَا يُقْتَلُونَ، فَلَا جِزْيَةَ، كَالنِّسَاءِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ الْعَاجِزُ عَنِ الْكَسْبِ، فَالْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ، أَنَّ عَلَيْهِ جِزْيَةً، وَفِي قَوْلٍ:

ص: 307

مُوسِرٌ، أَخَذْنَاهَا مِنْهُ، وَإِلَّا فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ، وَكَذَا حُكْمُ الْحَوْلِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ، وَفِي وَجْهٍ: لَا يُمْهَلُ وَلَا يُقَرُّ فِي دَارِنَا، بَلْ يُقَالُ: إِمَّا أَنْ تُحَصِّلَ الْجِزْيَةَ بِمَا أَمْكَنَكَ، وَإِمَّا أَنْ نُبَلِّغَكَ الْمَأْمَنَ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى رَفْعِ الْجِزْيَةِ بِالْإِسْلَامِ، وَإِذَا قُلْنَا: لَا يَجِبُ، عَقَدْنَا لَهُ الذِّمَّةَ عَلَى شَرْطِ إِجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ، وَبَذْلِ الْجِزْيَةِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ، فَإِذَا أَيْسَرَ، فَهُوَ أَوَّلُ حَوْلِهِ، هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَأَشَارَ الْإِمَامُ إِلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ الْحَوْلِ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ.

فَرْعٌ

الْجَاسُوسُ الَّذِي يُخَافُ شَرُّهُ، لَا يُقَرُّ بِالْجِزْيَةِ.

الرُّكْنُ الرَّابِعُ: الْمَكَانُ الْقَابِلُ لِلتَّقْرِيرِ بِلَادُ الْإِسْلَامِ حِجَازٌ وَغَيْرُهُ، فَالْحِجَازُ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَمَخَالِيفُهَا أَيْ: قُرَاهَا، قَالَ الْإِمَامُ: قَالَ الْأَصْحَابُ: الطَّائِفُ وَوَجٌّ، وَهُوَ وَادٍ بِالطَّائِفِ، وَمَا يُضَافُ إِلَيْهِمَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى مَكَّةَ مَعْدُودَةٌ مِنْ أَعْمَالِهَا، وَخَيْبَرُ مِنْ مَخَالِيفِ الْمَدِينَةِ. ثُمَّ الْحِجَازُ ضَرْبَانِ: حَرُمُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُ، أَمَّا غَيْرُهُ، فَيُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنَ الْإِقَامَةِ بِهِ، وَفِي مَنْعِهِمْ مِنَ الْإِقَامَةِ فِي الطُّرُقِ الْمُمْتَدَّةِ فِي بِلَادِ الْحِجَازِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ، الصَّحِيحُ وَهُوَ مُقْتَضَى إِطْلَاقِ الْجُمْهُورِ: نَعَمْ، لِأَنَّهَا مِنَ الْحِجَازِ، وَالثَّانِي: لَا، لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُجْتَمَعَ النَّاسِ، وَلَا مَوْضِعَ إِقَامَةٍ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ رُكُوبِ بَحْرِ الْحِجَازِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ إِقَامَةٍ، وَيُمْنَعُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ فِي سَوَاحِلِهِ فِي الْجَزَائِرِ الْمَسْكُونَةِ فِي الْبَحْرِ وَمَتَى دَخَلَ كَافِرٌ الْحِجَازَ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ، أَخْرَجَهُ وَعَزَّرَهُ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِهِ، وَإِنِ اسْتَأْذَنَ فِي دُخُولِهِ، أُذِنَ لَهُ إِنْ كَانَ فِي دُخُولِهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، كَرِسَالَةٍ أَوْ عَقْدِ هُدْنَةٍ أَوْ ذِمَّةٍ، أَوْ حَمْلِ مَتَاعٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُ لِتِجَارَةٍ لَيْسَ فِيهَا كَثِيرُ حَاجَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَأْذَنْ لَهُ إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ تِجَارَتِهِ شَيْئًا، هَكَذَا أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ، وَحَكَوْهُ

ص: 308

عَنِ النَّصِّ، وَفِي «التَّهْذِيبِ» أَنَّهُ يَشْرُطُ عَلَيْهِ شَيْئًا، وَهُوَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ قَدْرَ الْمَشْرُوطِ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ، لَا أَصْلُ الشَّرْطِ فَلَا يُخَالِفُ مَا أَطْلَقَهُ غَيْرُهُ.

قُلْتُ: هَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ مُرَادُهُ مِنْ غَيْرِ تَرْدِيدٍ، وَهُوَ مُقْتَضَى عِبَارَتِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَا يُمَكَّنُ مَنْ دَخَلَ بِالْإِذْنِ أَنْ يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَيَشْرُطُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عِنْدَ الدُّخُولِ، وَلَا يُحْسَبُ مِنَ الثَّلَاثَةِ يَوْمُ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دُيُونٌ، حُصِّلَتْ بِمُعَامَلَاتِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ، أَوْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلَمْ يُمْكِنْ قَبْضُهَا فِي الْحَالِ، أُمِرَ أَنْ يُوَكِّلَ مُسَلَّمًا بِقَبْضِهَا، وَأُخْرِجَ هُوَ، وَلَوْ كَانَ يَنْتَقِلُ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَى أُخْرَى وَيُقِيمُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، لَمْ يُمْنَعْ وَأَمَّا حَرَمُ مَكَّةَ زَادَهُ اللَّهُ شَرَفًا، فَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ دُخُولِهِ، وَلَوْ كَانَ مُجْتَازًا، فَإِنْ جَاءَ بِرِسَالَةٍ وَالْإِمَامُ فِي الْحَرَمِ، بَعَثَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْمَعُهُ، ثُمَّ يُخْبِرُ الْإِمَامَ، أَوْ خَرَجَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إِذَا قَالَ الْكَافِرُ: لَا أُؤَدِّي الرِّسَالَةَ إِلَّا مُشَافَهَةً، وَإِنْ جَاءَ كَافِرٌ لِيُنَاظِرَهُ لِيُسْلِمَ، خَرَجَ إِلَيْهِ مَنْ يُنَاظِرُهُ، وَإِنْ حَمَلَ مِيرَةً، خَرَجَ إِلَيْهِ الرَّاغِبُونَ فِي الشِّرَاءِ، وَإِنْ كَانَ لِذِمِّيٍّ مَالٌ فِي الْحَرَمِ، أَوْ دَيْنٌ، وَكَّلَ مُسْلِمًا لِيَقْبِضَهُ وَيُسَلِّمَهُ إِلَيْهِ، وَإِنْ بَذَلَ الْكَافِرُ عَلَى الدُّخُولِ مَالًا، لَمْ يَجِبْهُ إِلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ، فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ، فَإِنْ دَخَلَ، أُخْرِجَ وَثَبَتَ الْعِوَضُ الْمُسَمَّى بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا تَثْبُتُ فِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ، لِأَنَّهُ هُنَا اسْتَوْفَى الْمُعَوِّضَ وَلَيْسَ لِمِثْلِهِ أُجْرَةً، وَإِنْ دَخَلَ وَلَمْ يَنْتَهِ إِلَى الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ، وَجَبَتِ الْحِصَّةُ مِنَ الْمُسَمَّى، وَلَوْ دَخَلَ كَافِرٌ بِغَيْرِ إِذْنِ الْإِمَامِ، أُخْرِجَ وَعُزِّرَ إِنْ كَانَ عَلِمَ، فَلَوْ مَاتَ فِيهِ، لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ، فَإِنْ دُفِنَ، نُبِشَ وَأُخْرِجَ، فَإِنْ تَقَطَّعَ، تُرِكَ، وَفِي «الْبَحْرِ» وَجْهٌ أَنَّهُ تُجْمَعَ عِظَامُهُ إِنْ أَمْكَنَ وَتُخْرَجُ، وَبِهَذَا قَطَعَ الْإِمَامُ، وَبِالْأَوَّلِ قَالَ الْجُمْهُورُ،

ص: 309

وَلَوْ مَرِضَ فِيهِ، لَمْ يُمَرَّضْ فِيهِ، بَلْ يُنْقَلُ وَإِنْ خِيفَ مِنَ النَّقْلِ مَوْتُهُ، وَلَوْ مَرِضَ كَافِرٌ فِي الْحِجَازِ خَارِجَ الْحَرَمِ، قَالَ: إِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ بِلَا مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ عَلَيْهِ، كُلِّفَ الِانْتِقَالَ، فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، تَرَكَ حَتَّى يَبْرَأَ، وَإِنْ لَمْ يَخَفِ الْمَوْتَ، وَلَكِنْ تَنَالُهُ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ، فَالْأَصَحُّ تَكْلِيفُهُ الِانْتِقَالَ، وَجَوَابُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُنْقَلُ مُطْلَقًا، فَلَوْ مَاتَ فِي الْحِجَازِ وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ، دُفِنَ فِيهِ، وَلَفْظُ الْإِمَامِ أَنَّا نُوَارِيهِ مُوَارَاةَ الْجِيَفِ، وَإِنْ كَانَ فِي طَرَفِ الْحِجَازِ، نُقِلَ لِسُهُولَتِهِ، وَأَطْلَقَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ يُدْفَنُ فِيهِ، وَقَالُوا: إِذَا جَازَ تَرْكُهُ فِي الْحِجَازِ لِلْمَرَضِ، فَلِلْمَوْتِ أَوْلَى، وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ تَفْصِيلًا جَيِّدًا وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ، نُقِلَ وَلَمْ يُدْفَنْ فِيهِ، وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ، دُفِنَ لِلضَّرُورَةِ، وَإِذَا دُفِنَ حَيْثُ لَا يُؤْذَنُ فِيهِ، هَلْ يُنْبَشُ وَيُخْرَجُ عِنْدَ التَّمَكُّنِ؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْإِمَامُ، وَالصَّحِيحُ: الْمَنْعُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، فَعَلَى هَذَا قَالَ الْإِمَامُ: لَا يَبْعُدُ أَنْ لَا يُرْفَعَ نَعْشُ قَبْرِهِ، وَأَمَّا حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَلَا يُلْحَقُ بِحَرَمِ مَكَّةَ فِيمَا ذَكَرْنَا، لَكِنِ اسْتَحْسَنَ الرُّويَانِيُّ أَنْ يُخْرَجَ مِنْهُ إِذَا لَمْ يَتَعَذَّرِ الْإِخْرَاجُ وَيُدْفَنُ خَارِجُهُ، أَمَّا غَيْرُ الْحِجَازِ، فَيَجُوزُ تَقْرِيرُ الْكُفَّارِ فِيهِ بِالْجِزْيَةِ وَلِكُلِّ كَافِرٍ دُخُولُهُ بِالْأَمَانِ، وَإِذَا اسْتَأْذَنَ كَافِرٌ فِي الدُّخُولِ، لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ، لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَجُسَّ، أَوْ يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَةٍ، وَيَتَوَلَّدَ مِنَ اطِّلَاعِهِ فَسَادٌ، أَوْ يَفْتِكَ بِمُسْلِمٍ، وَيُؤْذَنُ لَهُ إِذَا كَانَ فِي دُخُولِهِ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، كَرِسَالَةٍ وَعَقْدِ ذِمَّةٍ أَوْ هُدْنَةٍ، وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ لِتِجَارَةٍ، فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ إِذَا رَأَى ذَلِكَ، وَيَأْخُذُ مِنْ تِجَارَتِهِ شَيْئًا كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِذَا دَخَلَ لِبَعْضِ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ فَلْيَكُنْ مُكْثُهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَلَيْسَ لِكَافِرٍ أَنْ يَدْخُلَ مَسَاجِدَ هَذِهِ الْبِلَادِ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَلَا يُؤْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِهَا لِأَكْلٍ وَلَا نَوْمٍ، لَكِنْ يُؤْذَنُ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ أَوِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَكَذَا لِحَاجَتِهِ إِلَى مُسْلِمٍ، أَوْ حَاجَةِ مُسْلِمٍ إِلَيْهِ، وَإِذَا دَخَلَ بِلَا إِذْنٍ إِنْ كَانَ جَاهِلًا فَمَعْذُورٌ وَيُعَرَّفُ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا، عُزِّرَ، وَقِيلَ: لَا يُعَزَّرُ إِلَّا أَنْ

ص: 310

يَشْرُطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَدْخُلَ بِلَا إِذْنٍ، وَجُلُوسُ الْقَاضِي فِي الْمَسْجِدِ إِذْنٌ لِلْكَافِرِ فِي الدُّخُولِ، وَإِذَا كَانَ لَهُ خُصُومَةٌ. وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِهِ جُنُبًا وَغَيْرَهُ؟ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالصَّحِيحُ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ يَكْفِي إِذْنُ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ فِي دُخُولِ كُلِّ الْمَسَاجِدِ، وَقَالَ الرُّويَانِيُّ: لَا يَكْفِي فِي الْجَامِعِ إِلَّا إِذْنُ السُّلْطَانِ، وَفِي مَسَاجِدِ الْقَبَائِلِ وَالْمَحَالِّ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُشْتَرَطُ إِذْنُ مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْجِهَادِ، وَأَصَحُّهُمَا: يَكْفِي إِذْنُ مَنْ يَصِحُّ أَمَانُهُ، وَإِذَا قَدِمَ وَفْدٌ مِنَ الْكُفَّارِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُنْزِلَهُمُ الْإِمَامُ فِي دَارٍ مُهَيَّأَةٍ لِذَلِكَ، أَوْ فِي فُضُولِ مَسَاكِنِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ، فَلَهُ إِنْزَالُهُمْ فِي الْمَسْجِدِ، وَيَجُوزُ تَعْلِيمُهُمُ الْقُرْآنَ إِذَا رُجِيَ إِسْلَامُهُمْ، وَلَا يَجُوزُ إِذَا خِيفَ اسْتِخْفَافُهُمْ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي تَعْلِيمِ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْفِقْهِ وَالْكَلَامِ، وَلَا يُمْنَعُونَ مِنَ الشِّعْرِ وَالنَّحْوِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: وَمَنَعَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، لِئَلَّا يَتَطَاوَلُوا بِهِ عَلَى مُسْلِمٍ لَا يُحْسِنُهُ.

قُلْتُ: قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ، وَيُمْنَعُ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ، وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ إِنْ لَمْ يُرْجَ إِسْلَامُهُ وَيَمْنَعُهُ التَّعْلِيمُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَإِنْ رُجِيَ، جَازَ تَعْلِيمُهُ عَلَى الْأَصَحِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَرْعٌ

مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ لِتِجَارَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ إِظْهَارِ خَمْرٍ وَلَا خِنْزِيرٍ، وَلَا يَأْذَنُ لَهُ الْإِمَامُ فِي حَمْلِهَا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ.

الرَّكْنُ الْخَامِسُ: الْمَالُ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، وَفِيهِ مَسَائِلُ: إِحْدَاهَا: أَقَلُّ الْجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ، هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّ الْأَقَلَّ دِينَارٌ، أَوِ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا نَقْرَةً خَالِصَةً مَسْكُوكَةً، يَتَخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَلْزَمُ الْإِمَامُ أَنْ يُخَيِّرَهُمْ بِأَقَلِّ الْجِزْيَةِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُمَاكِسَ حَتَّى يَأْخُذَ مِنَ الْغَنِيِّ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَمِنَ الْمُتَوَسِّطِ دِينَارَيْنِ، وَقَالَ الْإِمَامُ: مَوْضِعُ الْمُمَاكَسَةِ مَا إِذَا لَمْ

ص: 311

يَعْلَمِ الْكَافِرُ جَوَازَ الِاقْتِصَارِ عَلَى دِينَارٍ، فَإِنْ عَلِمَ، تُطْلَبُ الزِّيَادَةُ اسْتِمَاحَةً، فَإِنِ امْتَنَعُوا مِنْ بَذْلِ مَا زَادَ عَلَى دِينَارٍ، وَجَبَ تَقْرِيرُهُمْ بِالدِّينَارِ سَوَاءٌ فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَلَوْ عَقَدَ بِأَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الزِّيَادَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ، لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ، كَمَنِ اشْتَرَى شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ مِنَ الزِّيَادَةِ، فَوَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: يُقْنَعُ بِالدِّينَارِ، وَأَصَحُّهُمَا: أَنَّهُ نَاقِضٌ لِلْعَهْدِ بِذَلِكَ، كَمَا لَوِ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ أَصْلِ الْجِزْيَةِ، وَحِينَئِذٍ هَلْ يُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ أَمْ يُقْتَلُ؟ قَوْلَانِ سَنَذْكُرُهُمَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنْ بُلِّغَ الْمَأْمَنَ وَعَادَ، فَطَلَبَ الْعَقْدَ بِدِينَارٍ، أَجَبْنَاهُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ، وَأَطْلَقَ الْإِمَامُ أَنَّهُ إِذَا قَبِلَ الزِّيَادَةَ، ثُمَّ نَبَذَ الْعَهْدَ إِلَيْنَا لَا يُغْتَالُ، وَإِذَا طَلَبَ تَجْدِيدَ عَقْدٍ بِالدِّينَارِ، لَزِمَ إِجَابَتُهُ، ثُمَّ إِنْ كَانَ النَّبْذُ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ، لَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ، وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا، لَزِمَهُ بِقِسْطِهِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ فِيمَا إِذَا مَاتَ الذِّمِّيُّ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ.

فَرْعٌ

نَصَّ أَنَّهُ لَوْ شَرَطٌ عَلَى قَوْمٍ أَنَّ عَلَى فَقِيرِهِمْ دِينَارًا، وَمُتَوَسَّطِهِمْ دِينَارَيْنِ، وَغَنِيِّهِمْ أَرْبَعَةً، جَازَ، وَالِاعْتِبَارُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ بِوَقْتِ الْأَخْذِ لَا بِوَقْتِ الْعَقْدِ، وَلَا بِمَا يَطْرَأُ، وَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَنَا مُتَوَسِّطٌ أَوْ فَقِيرٌ، قُبِلَ قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِخِلَافِهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَوْ مَاتَ الذِّمِّيُّ، أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ، لَمْ تَسْقُطِ الْجِزْيَةُ كَسَائِرِ الدُّيُونِ، فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَمِنْهُ إِذَا أَسْلَمَ، وَلَوْ مَضَتْ سُنُونَ وَلَمْ يُؤَدِّ الْجِزْيَةَ، أُخِذَتْ مِنْهُ وَلَمْ تَتَدَاخَلْ كَالدُّيُونِ، وَلَوْ مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ، فَهَلْ يَجِبُ قِسْطُ مَا مَضَى كَالْأُجْرَةِ أَمْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَالزَّكَاةِ؟ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا: الْأَوَّلُ، وَقِيلَ: تَجِبُ قَطْعًا، وَقِيلَ: عَكْسُهُ، وَقِيلَ: لَا تَجِبُ فِي الْمَوْتِ، وَفِي الْإِسْلَامِ الْقَوْلَانِ، فَإِنْ أَوْجَبْنَا، فَهَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُطَالِبَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ بِقِسْطِ مَا مَضَى؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا:

ص: 312

لَا، وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ هَلْ لِلْإِمَامِ أَنْ يَشْتَرِطَ تَعْجِيلَهَا؟ وَجْهَانِ، وَجْهُ الْجَوَازِ إِلْحَاقُهَا بِالْأُجْرَةِ، وَمَتَى مَاتَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ، أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى الْوَصِيَّةِ، كَسَائِرِ الدُّيُونِ، فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَمِنْهُ إِذَا أَسْلَمَ، فَلَوْ كَانَ مَعَهَا دَيْنُ آدَمِيٍّ، فَالْمُذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، وَقِيلَ: فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ فِي اجْتِمَاعِ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَدَيْنِ الْآدَمِيِّ هَلْ يُقَدَّمُ ذَا أَمْ ذَاكَ أَمْ يَسْتَوِي، وَفِي «الْوَسِيطِ» طَرِيقَةٌ حَازِمَةٌ بِتَقْدِيمِ الْجِزْيَةِ، وَهُوَ غَلَطٌ.

الثَّالِثَةُ: يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إِذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْرُطَ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذَا صُولِحُوا فِي بُلْدَانِهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَشَرْطُ الضِّيَافَةِ يَكُونُ لِجَمِيعِ الطَّارِقِينَ، وَلَا يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْفَيْءِ، هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ، وَقِيلَ: فِي اخْتِصَاصِهِمْ وَجْهَانِ، وَهَلِ الضِّيَافَةُ زِيَادَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا أَمْ مَحْسُوبَةٌ مِنَ الْجِزْيَةِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا: أَنَّهَا زِيَادَةٌ وَرَاءَ أَقَلِّ الْجِزْيَةِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ قَبِلُوهَا، لَزِمَ الْوَفَاءُ، وَجَرَتْ مَجْرَى الزِّيَادَةِ عَلَى دِينَارٍ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهَا مِنَ الْجِزْيَةِ فَعَلِمْنَا فِي آخِرِ السَّنَةِ أَنَّ مَا ضَيَّفُوا بِهِ لَا يَنْقُصُ عَنْ دِينَارٍ فَذَاكَ، وَإِنْ نَقَصَ، لَزِمَهُمْ تَتْمِيمُهُ، وَإِذَا شَرَطْنَا الضِّيَافَةَ، ثُمَّ رَأَى الْإِمَامُ نَقْلَهَا إِلَى الدَّنَانِيرِ، فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ إِلَّا بِرِضَاهُمْ، فَإِنْ رُدَّتْ إِلَى الدَّنَانِيرِ، فَهَلْ يَبْقَى لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، أَمْ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْفَيْءِ؟ وَجْهَانِ، أَصَحُّهُمَا: الِاخْتِصَاصُ، كَالدَّنَانِيرِ الْمَضْرُوبَةِ، وَتُشْتَرَطُ الضِّيَافَةُ عَلَى الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ، وَفِي الْفَقِيرِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا: لَا تُشْتَرَطُ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: بَلَى، وَالثَّالِثُ: تُشْتَرَطُ عَلَى الْمُعْتَمِلِ دُونَ غَيْرِهِ وَيَتَعَرَّضُ الْإِمَامُ عِنْدَ اشْتِرَاطِ الضِّيَافَةِ لِأُمُورٍ مِنْهَا: أَنْ يُبَيِّنَ عَدَدَ أَيَّامِ الضِّيَافَةِ فِي الْحَوْلِ، كَمِائَةِ يَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، وَفِي «الْبَحْرِ» أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ عَدَدَ الْأَيَّامِ فِي الْحَوْلِ وَشَرَطَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا عِنْدَ قُدُومِ كُلِّ قَوْمٍ، فَوَجْهَانِ، إِنْ جَعَلْنَاهَا جِزْيَةً، لَمْ يَجُزْ، وَإِلَّا فَيَجُوزُ.

ص: 313

وَمِنْهَا: بَيَانُ عَدَدِ الضِّيفَانِ مِنَ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ، وَعَنْ «الْحَاوِي» أَنَّ التَّعَرُّضَ لِعَدَدِ الضِّيفَانِ إِنَّمَا يُشْتَرَطُ إِذَا جَعَلَنَا الضِّيَافَةَ مِنَ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ جَعَلْنَاهَا وَرَاءَهَا، جَازَ أَنْ لَا يُبَيِّنَ الْعَدَدَ، ثُمَّ إِنْ تَسَاوَوْا فِي الْجِزْيَةِ، تَسَاوَوْا فِي الضِّيَافَةِ، وَإِنْ تَفَاوَتُوا، فَاوَتَ بَيْنَهُمْ، فَيَجْعَلُ عَلَى الْغَنِيِّ ضِيَافَةَ عِشْرِينَ مَثَلًا، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ عَشَرَةً، وَالْفَقِيرِ إِنْ قُلْنَا بِاشْتِرَاطِهَا عَلَيْهِ خَمْسَةً، وَفِي وَجْهٍ يُسَوِّي بَيْنَهُمْ فِي الضِّيَافَةِ، وَإِنْ تَفَاوَتُوا فِي الْجِزْيَةِ، وَلَوْ شَرَطَ عَدَدَ الضِّيفَانِ عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَقَالَ: تُضَيِّفُونَ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَ مُسْلِمٍ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: يَكْفِي ذَلِكَ، ثُمَّ هُمْ يُوَزِّعُونَهَا أَوْ يَتَحَمَّلُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ.

وَمِنْهَا: بَيَانُ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَجِنْسِهِمَا، فَيَقُولُ: لِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا مِنَ الْخُبْزِ، وَكَذَا مِنَ السَّمْنِ أَوِ الزَّيْتِ، وَيَتَعَرَّضُ لِعَلَفِ الدَّوَابِّ مِنَ التِّبْنِ أَوِ الْحَشِيشِ أَوِ الْقَتِّ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَرِ قَدْرِ الْعَلَفِ، وَإِنْ ذَكَرَ الشَّعِيرَ، بَيَّنَ قَدْرَهُ، وَإِطْلَاقُ الْعَلَفِ لَا يَقْتَضِي الشَّعِيرَ، نَصَّ عَلَيْهِ.

وَمِنْهَا: مَنْزِلُ الضِّيفَانِ مِنْ فُضُولِ مَنَازِلِهِمْ أَوْ كَنَائِسِهِمْ، أَوْ بُيُوتِ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ لَا يُضَيِّفُونَ، وَلْيَكُنِ الْمَوْضِعُ بِحَيْثُ يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ، وَلَا يُخْرِجُونَ أَهْلَ الْمَنَازِلِ مِنْهَا.

وَمِنْهَا: أَنْ يُبَيِّنَ مُدَّةَ مُقَامِ الضَّيْفُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: يُشْتَرَطُ عَلَى الْمُتَوَسِّطِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَالْغَنِيِّ سِتَّةً. قَالَ الْإِمَامُ: وَإِذَا حَصَلَ التَّوَافُقُ عَلَى الزِّيَادَةِ، فَلَا مَنْعَ، وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الطَّبَقَاتِ فِي جِنْسِ الطَّعَامِ.

فَرْعٌ

لَوْ أَرَادَ الضَّيْفُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ ثَمَنَ الطَّعَامِ، لَمْ يَلْزَمْهُمْ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ الطَّعَامَ وَيَذْهَبَ بِهِ وَلَا يَأْكُلَهُ، فَلَهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ،

ص: 314