الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر أبو نعيم في «صفة الجنة»
(1)
أيضًا من حديث المسعودي، عن المنهال، عن أبي عبيدة، عن عبد الله قال: «سارعوا إلى الجمعة في الدنيا، فإن الله تبارك وتعالى يبرز لأهل الجنة كلَّ جمعة على كثيب من كافور أبيض، فيكونون منه في القرب على قدر سرعتهم إلى الجمعة، ويُحدِث لهم من الكرامة شيئًا لم يكونوا رأوه قبل ذلك
(2)
، فيرجعون إلى أهليهم وقد أحدث لهم».
فصل
في مبدأ الجمعة
قال ابن إسحاق
(3)
: حدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه، قال: حدثني عبد الرحمن بن كعب
(4)
بن مالك، قال: كنتُ قائدَ أبي حين
(1)
(2/ 227)، وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» (2/ 131) وابن خزيمة في «التوحيد» (آخر الكتاب في الباب الأخير) وعبد الله بن أحمد في «السنة» (460 - نشرة عادل آل حمدان) وابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» (90 - ط. دار أطلس) والطبراني (9/ 238) والدارقطني في «الرؤية» (165، 166) وابن بطة في «الإبانة الكبرى» (2593 - نشرة عادل آل حمدان) كلهم من طرق عن المسعودي به. والمسعودي إن كان قد اختلط، ففي بعض الطرق مَن سمِع منه قبل الاختلاط، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه.
(2)
انتهى هنا السقط في صورة خ.
(3)
نقله عنه ابن هشام (1/ 435). وأخرجه أبو داود (1069) وابن ماجه (1082) وأحمد بن علي الأموي المروزي في «الجمعة وفضلها» (1) وابن خزيمة (1724) وابن المنذر في «الأوسط» (4/ 30) وابن حبان (7013) والطبراني (1/ 305، 19/ 91) والدارقطني في «السنن» (1585 - 1587) والحاكم (3/ 187) والبيهقي في «السنن الكبرى» (3/ 176، 177) و «دلائل النبوة» (2/ 441)، والحديث حسن لأجل محمد بن إسحاق، وقد صرَّح بالتحديث كما سيأتي من كلام البيهقي.
(4)
«بن كعب» ساقط من ص.
كُفَّ بصره. فإذا خرجت به إلى الجمعة، فسمع الأذان بها، استغفر لأبي أمامة أسعد بن زُرارة. فكنتُ
(1)
حينًا أسمع ذلك منه. فقلت: إنَّ عجزًا أن لا أسأله عن هذا. فخرجت به كما كنت أخرج، فلما سمع الأذان بالجمعة استغفر له. فقلت: يا أبتاه! أرأيتَ استغفارك لأسعد بن زرارة كلَّما سمعت الأذان بالجمعة؟ قال: أي بنيَّ! كان أسعدُ أولَ من جمع بنا بالمدينة قبل مقدَم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هَزْمٍ
(2)
من حَرَّة بني بَياضة، في نقيع يقال له: نقيع الخَضَمات. قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال: أربعون رجلًا.
قال البيهقي
(3)
: ومحمد بن إسحاق إذا ذكر سماعه في الرواية، وكان الراوي ثقةً، استقام الإسناد. وهذا حديث حسن الإسناد صحيح، انتهى.
قلت: وهذا كان مبدأ الجمعة.
ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فأقام بقُباء في بني عمرو بن عوف ــ كما قال ابن إسحاق
(4)
ــ يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء ويوم الخميس، وأسس مسجدهم. ثم خرج يوم الجمعة، فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف، فصلَّاها في المسجد الذي في بطن الوادي، وكانت
(5)
أول جمعة صلَّاها بالمدينة، وذلك قبل تأسيس مسجده.
(1)
كذا في جميع النسخ، ولعله تحريف «مكثت» كما في «السنن الكبرى» ــ وعنه صدر المؤلف ــ وغيره من مصادر التخريج، وفي بعضها:«فمكث» .
(2)
في م، مب:«هذْم» بالذال، تصحيف.
(3)
في «السنن الكبرى» (3/ 177).
(4)
«السيرة» لابن هشام (1/ 494).
(5)
ما عدا ق، م، ص:«فكانت» .
قال ابن إسحاق
(1)
:
وكانت أول خطبة خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ــ ونعوذ بالله أن نقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل ــ أنه قام فيهم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: «أما بعد، أيها الناس، فقدِّموا لأنفسكم. تعلَّمُنَّ: والله لَيُصْعَقَنَّ أحدُكم، ثم لَيَدعَنَّ غنَمه ليس لها راعٍ، ثم لَيقولنَّ له ربُّه، ليس له ترجمانٌ ولا حاجبٌ يحجُبه دونه: ألم يأتِك رسولي فبلَّغَك، وآتيتُك مالًا، وأفضلتُ عليك؟ فما قدَّمتَ لنفسك؟ فَلَينظرَنَّ يمينًا وشمالًا، فلا يرى شيئًا. ثم لينظرَنَّ قُدَّامه، فلا يرى غير جهنم. فمن استطاع أن يقي
(2)
وجهه من النار، ولو بشِقٍّ من تمرة، فليفعل. ومن لم يجد فبكلمة طيِّبة، فإنَّ بها تُجزى الحسنةُ عشرَ
(3)
أمثالها إلى سبعمائة ضعف. والسلام عليكم ورحمة الله
(4)
وبركاته».
(1)
«السيرة» لابن هشام (1/ 500). وأخرجه هناد بن السري في «الزهد» (492) والبيهقي في «دلائل النبوة» (2/ 524) من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال: حدثني المغيرة بن عثمان بن محمد بن عثمان بن الأخنس بن شريق، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: «كان أول خطبة خطبها النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أنه قام فيهم
…
». فالحديث مرسل.
تنبيه: كان في مخطوطة «الزهد» لهناد نحو ما ذكرت، فتصرف محقق «الزهد» في الإسناد حدسًا منه، فجعله:«حدثني المغيرة بن عثمان، عن محمد بن عثمان بن الأخنس بن شريق» . ومما يؤيد ما في مخطوطة «الزهد» وما عند البيهقي أنه هكذا نقله ابن كثير في «البداية والنهاية» (4/ 528) وكذا ابن رجب في «فتح الباري» (5/ 387).
(2)
ق، م:«يتقي» .
(3)
ك، ع:«بعشر» .
(4)
لم يرد لفظ الجلالة في م.
قال ابن إسحاق
(1)
: ثم خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم مرةً أخرى، فقال: «إنَّ الحمد لله، أحمده وأستعينه. نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. إنَّ أحسنَ الحديث كتابُ الله. قد أفلح من زيَّنه الله في قلبه وأدخله في الإسلام بعد الكفر، فاختاره على ما سواه من أحاديث الناس. إنه أحسنُ الحديث وأبلغُه. أحِبُّوا ما أحبَّ الله
(2)
. أحِبُّوا الله من كلِّ قلوبكم. ولا تملُّوا كلام الله وذكره، ولا تقسُ عنه قلوبكم؛ فإنه [من كلِّ ما يخلُق الله يختار ويصطفي] قد سمَّاه خِيرَتَه من الأعمال [ومصطفاه من العباد] والصالحَ من الحديث، ومن كلِّ ما أوتي الناسُ من الحلال والحرام. فاعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، واتقوه حقَّ تقاته، واصدقوا الله صالحَ ما تقولون بأفواهكم. وتحابُّوا بروح الله بينكم. إنَّ الله يغضب أن يُنْكَث عهدُه. والسلام عليكم».
وقد تقدَّم طرَفٌ من خطبه صلى الله عليه وسلم عند ذكر هديه في الخطبة
(3)
.
فصل
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم، وتشريفه، وتخصيصه بعبادات يختصَّ بها عن غيره.
وقد اختلف الفقهاء: هل هو أفضل أم يوم عرفة؟ على قولين، وهما
(1)
«السيرة» لابن هشام (1/ 501) وما بين المعقوفين منه. وأخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (2/ 524، 525) بالإسناد المذكور في التخريج السابق.
(2)
«أحبوا ما أحب الله» ساقط من ك، ع.
(3)
الجملة «وقد تقدم
…
الخطبة» لم ترد في ص، ق، م. وسيأتي فصل آخر أيضًا في هديه صلى الله عليه وسلم في خطبه.
وجهان لأصحاب الشافعي
(1)
.
وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي (الم تنزيل) و (هل أتى على الإنسان)
(2)
.
ويظنُّ كثير ممن لا علم عنده أنَّ المراد تخصيص هذه الصلاة بسجدة زائدة، ويسمُّونها سجدة الجمعة. وإذا لم يقرأ أحدهم هذه السورة استحبَّ قراءة سورة أخرى فيها سجدة. ولهذا كره من كره من الأئمة المداومةَ على قراءة هذه السورة في فجر الجمعة دفعًا لتوهُّم الجاهلين.
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنما كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر الجمعة لأنهما تضمَّنتا ما كان ويكون في يومها، فإنهما اشتملتا على خلق آدم وعلى ذكر المعاد وحشر الخليقة، وذلك يكون يوم الجمعة، فكان
(3)
في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون. والسجدة جاءت تبعًا، ليست مقصودةً حتى يقصد المصلِّي قراءتها حيث اتفقت
(4)
. فهذه خاصَّة من خواصِّ يوم الجمعة.
(1)
انظر: «المجموع شرح المهذب» (6/ 381) وقد تقدمت المسألة (ص 39 - 40).
(2)
أخرجه البخاري (1068) مسلم (880) من حديث أبي هريرة، وقد تقدم (ص 43).
(3)
ص، ق، م:«وكان» .
(4)
انظر هذا الكلام دون عزوه إلى شيخ الإسلام في «بدائع الفوائد» (4/ 1402)، وقد مضى نحوه في كتابنا هذا في ذكر وقفة الجمعة يوم عرفة (ص 43)، وسيأتي مرة أخرى عند ذكر الخاصة الثالثة والثلاثين من خواصِّ يوم الجمعة.