المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في السحاب الثقال والاستسقاء والحجا؟ وهي القواقع التي يرسمها قطر المطر - سرور النفس بمدارك الحواس الخمس

[أحمد بن يوسف التيفاشي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌مؤلف الكتاب

- ‌1 - نظرة في مصادر ترجمته

- ‌2 - موجز في سيرة المؤلف:

- ‌2 - شخصيته وثقافته:

- ‌4 - نظرة في حاله المعيشية بعد الهجرة:

- ‌5 - مؤلفات التيفاشي

- ‌تعريف بمرتب الكتاب ومهذبه

- ‌التعريف بالكتاب

- ‌1 - الكتاب الأصلي المسمى " فصل الخطاب

- ‌2 - سرور النفس وصلته بفصل الخطاب:

- ‌3 - ما مدى جهد ابن منظور في سرور النفس:

- ‌4 - مصادر الكتاب

- ‌5 - قيمة الكتاب:

- ‌6 - تحقيق الكتاب:

- ‌ملحق بالمقدمة

- ‌أشعار التيفاشي

- ‌الجزء الأول من هذا الكتاب سماه

- ‌نثار الأزهار في الليل والنهار، وأطايبأوقات الأصائل والأسحار، وسائر ما

- ‌الباب الأول

- ‌في الملوين الليل والنهار

- ‌الباب الثاني

- ‌فى أوصاف الليل وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح

- ‌الباب الثالث

- ‌فى الاصطباح ومدحه وذم شرب الليل وايقاظ النديم للاصطباح

- ‌الباب الرابع

- ‌فى الهلال فى ظهوره وامتلاء ربعه ونصفه وكماله، والليلة المقمرة

- ‌الباب الخامس

- ‌في انشقاق الفجر ورقة نسيم السحر وتغريد الطير في الشجر وصياح الديك

- ‌الباب السادس

- ‌في صفات الشمس في الشروق والضحى والارتفاع والطفل والمغيب والصحو والغيم

- ‌الباب السابع

- ‌في جملة الكواكب والسماء وآحاد الكواكب المشهورة

- ‌1 - الثريا:

- ‌2 - الجوزاء:

- ‌3 - الشعرى:

- ‌4 - سهيل:

- ‌5 - النسر

- ‌6 - الفرقدان:

- ‌7 - بنات نعش:

- ‌8 - المجرة:

- ‌9 - الدب:

- ‌10 - السماك الاعزل:

- ‌الكواكب السيارة:

- ‌1 - زحل:

- ‌2 - المشتري:

- ‌3 - المريخ:

- ‌4 - الزهرة:

- ‌5 - عطارد:

- ‌6 - الفلك الأعظم:

- ‌1 - الحمل:

- ‌2 - الثور:

- ‌3 - الجوزاء:

- ‌4 - السرطان:

- ‌5 - الأسد:

- ‌6 - السنبلة:

- ‌7 - الميزان:

- ‌8 - العقرب:

- ‌9 - القوس:

- ‌10 - الجدي:

- ‌11 - الدلو:

- ‌12 - الحوت:

- ‌1 - الشرطان:

- ‌2 - البطين:

- ‌3 - الثريا:

- ‌4 - الدبران:

- ‌5 - الهقعة والهنعة:

- ‌6 - الذراع:

- ‌7 - النثرة:

- ‌8 - الطرف:

- ‌9 - الجبلة:

- ‌10 - الخرتان

- ‌11 - الصرفة:

- ‌12 - العواء:

- ‌13 - السماك:

- ‌14 - الغفر:

- ‌15 - الزبانى:

- ‌16 - الاكليل:

- ‌17 - القلب:

- ‌18 - الشولة:

- ‌19 - النعائم:

- ‌20 - البلدة:

- ‌21 - سعد الذابح:

- ‌22 - سعد بلع:

- ‌23 - سعد السعود:

- ‌24 - سعد الاخبية:

- ‌25 - الفرغان:

- ‌26 - بطن الحوت:

- ‌الباب الثامن

- ‌في آراء المنجمين والفلاسفة الأقدمين في الفلك والكواكب

- ‌الباب التاسع

- ‌في شرح ما تشتمل عليه أسماء الأجرام العلوية وما يتصل بها واشتقاقه

- ‌الباب العاشر

- ‌في تأويل رؤيا الأجرام العلوية وما يتعلق بها في المنام كل مذهب حكماء

- ‌الجزء الثاني من الكتاب سماه

- ‌طل الأسحار على الجلنار في الهواء والنار، وجميع ما يحدث بين السماء

- ‌الباب الأول

- ‌في الفصول الأربعة بقول كلي في فصل الربيع والصيف والخربف والشتاء

- ‌الباب الثاني

- ‌في كَلَبَ البرد وشدّته ودفع القرّ بالجمر، ودلائل الصحو، ومعرفة الشتاء

- ‌الباب الثالث

- ‌في البرق وحنين العرب به لأوطانهم، والرعد والغيم والرباب وهالة القمر

- ‌الباب الرابع

- ‌في السحاب الثقال والاستسقاء والحجا؟ وهي القواقع التي يرسمها قطر المطر

- ‌الباب الخامس

- ‌في القول في الأنواء من الحظر والإباحة في الشرع ومعنى قولهم ناء الكوكب

- ‌الباب السادس

- ‌في الرياح الأربع والنكب والاعصار - وهى الزوبعة - والزلزلة وتغير الهواء

- ‌الباب السابع

- ‌في تقدمة المعرفة بالحوادث الكائنة في العالم السفلي من جهة كسوف

- ‌الباب الثامن

- ‌في النار ذات اللهب وما يتعلّق بها، ونار النفط، والصعاعقة، ونار الفحم

- ‌الباب التاسع

- ‌في أوصاف الشموع وقط الشمعة والفانوس والقناديل والطوافة والجلاّسات

- ‌الباب العاشر

- ‌في تعبير ما تشتمل عليه من الآثار العلوية وغيرها في المنام

الفصل: ‌في السحاب الثقال والاستسقاء والحجا؟ وهي القواقع التي يرسمها قطر المطر

‌الباب الرابع

‌في السحاب الثقال والاستسقاء والحجا؟ وهي القواقع التي يرسمها قطر المطر

على الماء؟ ومنع المطر من تزاور الأخوان، وآراء الفلاسفة في المطر والثلج والبرد والجليد.

797 -

في التنزيل العزيز: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجي سحاباً ثم يؤلِّفُ بينه ثم يجعله ركاماً فترى الوَدْقَ يخرجُ مِنْ خِلالِهِ)، يزجي: أي يسوقه إلى حيث يشاء، ومنه زجي الخراج إذا انساق إلى أهله. فال النابغة (1) :

إني أتيتكُ من أرضي ومن وطني

أُزجي حُشاشة نفسٍ ما لها رَمَقُ ثم (يؤلّفْ بينه) أي يجمعه لتفرقه عند انتشاره، ليقوى باتصال بعضه ببعض، ثم (يجعلُهُ ركاماً) أي يركبُ بعضه بعضاً (فترى الودقَ يخرجُ من خلاله) فيه قولان: أحدهما أنَّ البرق، يخرج من خلل السحاب، والثاني أنه المطر يخرج من خلل السحاب. قال الشاعر (2) :

فلا مزنةٌ ودقت وَدْقَها

ولا أرضَ أَبقلَ إبقالَهَا 798 - وقوله عز وجل: (وينزّلُ من السماءِ من جبالٍ فيها من بَرَدٍ)، فيه ثلاثة أوجه: أحدها أن في السماء جبال بَرَدٍ، فينزل من تلك الجبال ما يشاء، فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء. الثاني: أنه ينزل من السماء برداً يكون كالجبال، الثالث: إن السماء: السحاب، سماه سماءً لعلوه،

(1) لم أجده في ديوانه، ولعله من المنحول له.

(2)

هو لعامر بن جوين الطائي في التاج (ودق) وسيبويه 1: 240 والخزانة 1: 21، 3:330.

ص: 269

والجبال صفة السحاب أيضاً، سماه جبلا لعظمه تشبيهاً له بالجبال، فينزل منه برداً يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء، فتكون إصابته نقمة وصرفه نعمةً.

799 -

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عينٌ غديقة، ويروى عينُ غديقة - بالإضافة -. وفي حديث آخر (1) أنه كان جالساً ذات يوم مع أصحابه إذ نشأتْ سحابة فقالوا: يا رسول الله، هذه سحابة، قال: كيف تَرَوْنَ قواعدها؟ قالوا: ما أحسنها وأشد تمكّنها، قال كيف ترون رحاها؟ قالوا ما أحسنها وأشدّ استدارتها قال: وكيف ترون بواسقها؟ قالوا: ما أحسنها وأشدّ استقامتها! قال: كيف ترون برقها أوميضاً أم يخفو أم يشق شقاً؟ قالوا: بل يشقّ شقاً، فقال صلى الله عليه وسلم: الحيا.

قواعدها: أسافلها، ورحاها: وسطها ومعظمها؛ وإذا استطار البرق من قطرها

إلى قطرها فذلك الانشقاق، وإذا كان كالتبسّم في خلل السحاب فذلك الوميض، يقال منه: ومض البرق وأومض لغتان، والخفوُ أقلُّ من الوميض، يقال خفا يخفو خفواً، وهو أن يلمع تارةً ويسكن.

800 -

القطقط أصغر المطر، وبعده الرذاذ ثم الطش ثم النغش ثم الحلبة، والديمة: المطر الدائم الذي ليس فيه رعد ولا برق، وأقلّ الديمة ثلث نهار أو ثلث ليل، وأكثرها ما جاوزت اليوم والليلة إلى ما بلغت من العدة، والتهتان مثل الديمة، والهَطْلُ مثله.

801 -

النضر بن شميل (2) : أول المطر رشّ وطشٌّ وطلٌّ ورذاذ ونضحٌ ونضحجٌ، وهو قطر بين قطرتين، ثم هَطْلٌ وتهتانٌ ثم وابلٌ وَجوْد.

فإذا (3) أحيا الأرض بعد موتها فهو الحيا، فإذا جاء عقيب المحل أو عند الحاجة إليه فهو الغيث، فإذا دام مع سكون فهو ديمة، فإذا كان عامّاً فهو الجدا، فإذا كان يروي كل شيء فهو الجَوْد، فإذا كان كثير القطر فهو الهطل والتهتان، فإذا كان مستمراً فهو الوَدْق، فإذا رجع وتكرر فهو الرَّجْع، وقد نطق به القرآن العزيز، فإذا كان ضخم القطر شديد الوقع فهو الوبل، فإذا كان القطر صغاراً فهو القِطْقِطُ.

(1) نقل الخبر وشرحه عن أمالي القالي 1: 8 - 9 ووصف المطر: 4.

(2)

ينقل عن سر الأدب: 88.

(3)

النقل مستمر عن سر الأدب: 88 ولكن يبدو أنه ليس من كلام النضر بن شميل.

ص: 270

802 -

والعرب تقول (1) : السحاب ما إذا ألفته الصَّبا، وألقحته الجنوب، ومرته الشمال، فالمطر سحّ طبق، ولهذا قال: الهذلي (2) :

مَرَتهُ الصَّبا وَزَهَتْهُ الجنوبُ

وانتجفته الشمالُ انتجافا قال: وهذا على طَبْعِ البقاع، فإنّ أبا كبير الهذلي جعل الشمال قاشعةَ السحاب، وجعلها النابغة مستدرةً، وبه اقتدى البحتريّ في قوله (3) :

قُلْ للسَّحابِ إذا حَدَتها الشمألُ

وسرى بليلٍ رَكْبُهُ المتحمّلُ 803 - قالوا: وأغزرُ السحاب ما نشأ يمين القبلة، وهي العين في قوله صلى الله عليه وسلم: إذا نشأت بحريَّة ثم تشاءمت فتلك عينُ غديقة؛ وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى المطر قال: اللهم صيّباً نافعاً. وعن أنسٍ قال (4) : أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديثُ عهدٍ بربه.

804 -

قيل لأعرابيّ: هل كان من مطر؟ قال: نعم حتّى عفَّى الأثر، وهصر الشجر، ودهده الحجر.

805 -

خرج رجل من هذيل يرعى غنماً له وقد ضَعُفَ بصره، ومعه ابنةٌ له، فقال لها:

إني لأجدُ ريحَ المطر، فانظري إلى السماء، قالت: أرى السحاب كأنها ظُعُنٌ مقبلة، قال: ارعي واحذري، ثم قال: كيف ترينها، قالت: أراها قد انتصتْ كأنها بطن حمارٍ أصحر، فقال: إلجئي إلى الجبل ولا ملجأ لك، فلم تبلغ الجبل حتى دهمهم المطر.

806 -

قال العسكري (5) : من الوصف الجيّد التامّ في تكاتف المطر قول

(1) انظر مجالس ثعلب: 295 وفيه اختلاف في الرواية.

(2)

هو في محاضرات الراغب (2: 247) لأعرابية، وبيت الهذلي يرد بعده، وانظر مجالس ثعلب: 289، 290 والمخصص 9: 103 واللسان (نجف) ووصف المطر: 70.

(3)

ديوان البحتري: 1599.

(4)

ورد الخبر في ربيع الأبرار 1: 147 (تحقيق د. سليم النعيمي) .

(5)

ديوان المعاني 2: 9 وانظر محاضرات الراغب (2: 248) .

ص: 271

بعضهم: وقع قطرُ صغار وقطر كبار، فكان الصغار لحمة للكبار، جعل الهواء كالثوب المنسوج من كثرة القطر وتكاتفه.

807 -

قال العسكري (1)، قال أبو عمرو لذي الرمة: أيّ قول الشعراء في المطر أشعر؟ قال: قول امرئ القيس (2) :

ديمةُ هَطْلاءُ فيها وَطَفٌ

طَبَقُ الأرضِ تحرَّى وَتَدِرّ قوله: طبق الأرض غاية في وصف عموم السحاب، أراد أنها على الأرض بمنزلة الطبق على الإناء، قال: ولا أعرف أحداً أخذه وأجاد فيه كإجادة ابن الرومي (3) :

سحائبُ قيستْ بالبلاد فأَلَّفَتْ

غطاءً على أغوارها ونجودها

حَدَتها النعامَى مثقلاتٍ فأقبلتْ

تهادَى رويداً سيرها كركودِهَا قوله: سيرها كركودها غاية في وصف ثقلها من كثرة مائها. والبيت البليغ المشار إليه من أبيات امرئ القيس هو قوله (4) :

ويَرى الشَّجراء في ريِّقه

كرؤوسٍ قُطِّعَتْ فيها خُمُرْ الشجراء: الأرض ذات الشجر، وإذا غرقت بَريّقه حتى لا يبين منها (5) إلا فروعها فكيف يكون في شدّته؟ وريّق المطر: أوله وأخفّه؛ وشبَّه رؤوس الشجر خارجة من الماء برؤوس قطعت عليها عمائم، والخمار هاهنا العمامة.

808 -

قال أبو هلال (6) : وأجودُ ما قيل في المطر:

كأنَّ أبانا في أفانينِ وَبْلِهِ

كبيرُ أناسٍ في بجادٍ مُزَمَّلِ يقول: كأنّ أباناً - وهو جبل - من التفاف قطره وتكاثفه في الهواء شيخ مزمل في كساء، وخفض " مزملاً " على قرب الجوار، وهو نعتُ " كبير "، كما قالوا حُجْرُ ضبٍّ خَرِبٍ.

(1) ديوان المعاني 2: 3.

(2)

انظر العسكري وتشبيهات ابن أبي عون: 163.

(3)

النقل مستمر عن العسكري، وانظر نهاية الأرب 1: 80 وديوان ابن الرومي: 604.

(4)

انظر أيضاً ديوانه: 145.

(5)

ص: يبقى فيها، والتصويب عن العسكري.

(6)

ديوان المعاني 2: 3 - 4 وديوان امرئ القيس: 25.

ص: 272

809 -

قال الأصمعي (1) : قلتُ لأبي عمرو ما أحسن ما قيل في المطر؟ فقال: قول عبيد بن الأبرص:

دانٍ مسفٌّ فويقَ الأرض هَيْدَبُهُ

يكادُ يدفَعُهُ مَنْ قام بالراحِ

فمن بنجوته كمن بعفوتِهِ

والمستكنُّ كمن يمشي بقرواح يقول: قد عمَّ هذا السحاب فاستوى في شَيْم برقه وإصابة مطره المنجد والغائر، المستكنُّ والمصحر، وقرب من الأرض لثقله بالماء حتى يكاد يدفعه القائم براحته، وهذا غاية الوصف.

والقرواح: الأرض الملساء، ومنه قيل: ماء قراح أي صاف.

810 -

شاعر في إطباق الغيم وقربه (2) :

في مُزْنَةٍ أَطْبَقَتْ فكادَتْ

(3) تصافحُ التربَ بالعماءِ العماء - ممدود مهموز - السحاب، ومنه الحديث: كان الله في عماءٍ فوقه هواء.

811 -

كلثوم العتَّابي (4) :

أرقتُ للبرق يخفو ثم يأتلقُ

بخفيه طوراً ويبديه لنا الأفقُ

كأنه غرةٌ شهباءُ لائحةٌ

في وَجْهِ دهماءَ ما في جلدها بلق

أو ثغرُ زنجيةٍ تفترُّ ضاحكةً

تبدو مشافرها طوراً وتنطبق

أو سَلّةُ البيضِ في جأواءَ مظلمةٍ

وقد تلاقَتْ ظباها البيضُ والدرق

والغيمُ كالثوب في الآفاق منتشرٌ

من فوقه طَبَقٌ من تحته طبق

تظنّه مصمتاً لا فَتْقَ فيه فإنْ

سالت عزاليه قلتَ الثوبُ منفتق

إنْ مَعْمَعَ الرعد فيه قلتَ ينخرقُ

أو لألأ البرقُ فيه قلتَ يحترق

يستكُّ من رعده أذنُ السميع كما

تَعْشَى إذا نَظَرَتْ من برقِهِ الحدق

(1) ديوان المعاني 2: 4 وانظر بيتي عبيد في مجموعة المعاني: 185 ومحاضرات الراغب (2: 248) وتشبيهات ابن أبي عون: 163 وحماسة ابن الشجري: 225 وديوان عبيد: 34، 36 وديوان أوس ابن حجر: 3 وما بعدها وأمالي القالي 1: 175.

(2)

تشبيهات ابن أبي عون؛ 163 والشعر له.

(3)

التشبيهات: بالغمام.

(4)

ديوان المعاني 2: 9 والأزمنة والأمكنة 2: 246.

ص: 273

فالرعدُ صَهْصَلِقٌ والريحُ منخرقٌ

والبرقُ مؤتلق والماء منبعق

قد حاك حَوْلَ الربى ثوباً له أرجٌ

كأنه الوشي والدّيباجُ والسَّرَقُ

في صفرةٍ بينها حمراء قانية

وصفرٌ فاقعٌ أو أبيضٌ يقق 812 - وقال أبو هلال العسكري (1) :

برقٌ يطرّز ثوبَ الليل مؤتلقُ

والماءُ من ناره يهمي وينبعقُ

توقَّدَتْ في أديمِ الغيثِ جمرتُهُ

كأنها غرّةٌ في الطِّرْفِ أو بلق

ما امتدَّ منها على أرجائه ذَهَبٌ

إلا تحدَّر من حافاته ورق

كأنها في جبينِ المزنِ إذ لمعت

سلاسلُ التبر لا يبدو لها حلق

فالرعدُ مرتجسٌ والبرقُ مُخْتلس

والغيث منبجسٌ والسيلُ مندفق

والضالُ فيما طما من مائه غرقٌ

والجزْع فيما جرى من سيله شرق

والغيمُ خز وأنهاءُ اللوى زَرَدٌ

والروضُ وشيٌ وأنوارُ الربى سرق

والروضُ يزهوه عشبٌ أخضرٌ نضر

والعشبُ يجلوه نَوْرٌ أبيضٌ يقق

والغيمُ إذ صاغ أنوارَ الربى صنع

وحين ينظمها فوق الربي خرق

والقطر دُرٌ خلالَ الروض منتثر

وقبل لأن يتلقى الروضَ متّسق

سقى ديارَ الذي لو متُّ من ظمأ

ما كنتُ بالريّ من أحواضه أّثِقُ

من نازحٍ قلبُهُ دانٍ محلَّته

والشملُ مجتمعٌ منه ومفترق

ما زال ينفرُ عنِّي وهو من نفري

فالشكلُ مختلفٌ فيه ومتّفق

أشكو الهوى بدموعٍ قادها قَلَقٌ

حتى علقن بجفني ردها الفرق

ففي الفؤاد سبيلٌ للأسى جَدَدٌ

وفي الجفون مَقيلٌ للكرى قلق

لهيبُ قلبي أَفاضَ الدمعَ من بصري

والعودُ يقطر ماءً حين يحترق 813 - حكى الأصمعيّ (2) أنّ السبب الذي هاج بين ابن ميادة والحكم الخضري من محارب أن الحكم وقف لينشد بمصلَّى المدينة قصيدته في صفة الغيث، فمرَّ به ابن ميادة فسمع حتى انتهى إلى قوله:

(1) ديوان المعاني 2: 9 - 10 ولم يرد هنالك إلا الأبيات 1 - 8 وكذلك هو في مجموع شعره: 124 ومرت منها الأربعة الأبيات الأولى في الفقرة: 733 في ما تقدم.

(2)

انظر الموشح: 357 والأغاني 2: 248.

ص: 274

يا صاحبيَّ ألم تشيما عارضاً

نضحَ البلادَ بمائه المتفجِّرِ

ركب البلادَ فظلَّ ينهضُ مصعداً

نَهْضَ المقيّد في الدهاسِ الموقر فحسده ابنُ ميادة فقال: أدهست وأوقرت لا أمَّ لك، فمن أنت؟ قال: أنا الحكم الخضري، قال: والله ما أنت في بيت نسب ولا أرومة شعر، قال: قلت ما قلت، فمن أنت؟ قال: أنا ابن ميادة، قال: قبّح الله والدين خيرهما ميادة، لو كان في أبيك خير ما انتسبت إلى أمك، أو لست القائل (1) :

فلا برح الممدورُ ريّانَ ناعماً

وجيدت أعالي منذرٍ (2) وأسافلُهْ فاستسقيت لطرفيه وتركت صدره، وهو خير موضع فيه، فلم تستسق له. فتهاجيا بعد ذلك.

قال أبو هلال (3) : شبَّه ثقل السحاب بسير بعير مقيد في دهاس، وهو موضع فيه رمل ليّن يصعب فيه المشي، وهذا من جيِّد الوصف لأن ثقل السحاب إنما هو لكثرة مائه.

814 -

الحسين بن مطير (4) :

متضاحكٌ بلوامع مستعبرٌ

بمدامعٍ لم تَمْرِها الأَقذاءُ

فله بلا حُزْنٍ ولا بمسرَّة

ضحكٌ يراوحُ بينه وبكاء 815 - الحسن بن دعبل (5) :

أما ترى الغيث قد سالت مدامعه

كأنّه عاشقٌ يسطو به الذِّكَرُ

جاءتْ موقّرةَ الأحشاءِ خاشعةً

تكادُ تؤخذ بالأيدي فَتُعْتَصَرُ

راحتْ رياحُ الصَّبا ينظمنَ عارضها

حتى إذا نَظَمَتْه ظلّ ينتثر

(1) ديوان ابن ميادة: 84 والموشح: 358.

(2)

يروى: صدره، ويروى أيضاً: شعبه.

(3)

لم يرد هذا في ديوان المعاني.

(4)

ديوان المعاني 2: 6 ومحاضرات الراغب (2: 247) والأزمنة والأمكنة 2: 98 وأمالي القالي 1: 174 والعقد 3: 466 ومعجم الأدباء 10: 172 وديوانه 134/28 (غياض/عطوان) .

(5)

محاضرات الراغب: (2: 247) ؛ الحسين.

ص: 275

جادت بما ملكته من ندىً وغدت

صفرَ اليدين إلى الآفاقِ تعتذر

أضحتْ له الأرضُ سكرى والثرى طربٌ

والأفقٌ مبتسمٌ والجَذْبُ مستتر 816 - العلوي الحمّاني (1) :

باتتْ سواريها تَمَخَّ

ضُ في رواعدها القواصفْ

وكأنَّ لَمْعَ جفونها

في الجوِّ أسيافُ المثاقِفْ

ثم انبرتْ سحًّا كبا

كيةٍ بأربعةٍ ذوارف 817 - شاعر:

إذا ما عشارُ المُزْنِ شِيمَ وميضُهَا

وهبَّ لها حادي النسيمِ يروضُهَا

وزمجر في أرجائها الرعدُ مثلما

يُجَلْجِلُ للشَّربِ القداحَ مفيضها

ومَرَّتْ بما لا يُلْحِفَ الأرضَ هدبها

تكاد ضئيلاتُ النَّقَادِ تخوضها 818 - آخر:

وحاملةٍ ما تستقلُّ بحملها

ولكنَّها للثقلِ لأياً وئيدها

تئِنُّ ولم تألمْ كأنّةِ فاقدٍ

مُوَلَّهَةٍ ثُكلاً أصيب وحيدها

فمرَّتْ كلمحِ البرقِ أو غمزِ حاجبٍ

على أنها قد أثقلتها قيودها 819 - علي بن الجهم (2) :

وساريةٍ ترتاد أرضاً تجودها

وكلتُ بها عيناً قليلاً هجودُهَا

أتتنا بها ريحُ الصَّبا فكأنها

فتاةٌ تزجّيها عجوزٌ تقودها 820 - شاعر مغربي (3) :

راحتْ تذكِّر بالنسيم الراحا

وطفاءُ تكسِرُ للجنوب جناحا

(1) هو علي بن محمد الكوفي، انظر السمط: 439 والأمالي 1: 180 ومن قصيدته هذه أبيات في ديوان المعاني 2: 16 وزهر الآداب 882 والبصائر 1: 237 - 238 وأمالي القالي 1: 175 وديوان الحماني (المورد 1974/2) 210 وثمة مزيد من التخريج للأبيات.

(2)

ديوانه: 56 وزهر الآداب: 599 وحماسة ابن الشجري: 228 والغيث المسجم 1: 121.

(3)

هو ابن الحناط محمد بن سليمان الرعيني الأندلسي (- 437) له ترجمة في الذخيرة 1/1: 437 والجذوة: 53 (وبغية الملتمس رقم 124) والمغرب 1:121 والصلة: 640 والتكملة: 387 وأبياته في الذخيرة: 445 ومنها بيتان في النفح 1: 483.

ص: 276

مرتجَّةُ الأَرجاءِ يحبس سيرها

ثقلٌ فتعطيه الرياحُ سراحا

أَخفى مسالكَها الظلامُ فأوقدت

من برقها كي تهتدي مصباحا

فكأنَّ صوت الرعد خَلْفَ سحابها

حادٍ إذا وَنَتِ الركائب صاحا 821 - ابن وكيع (1) :

وسحابٍ إذا همى الماءُ فيه

أَلهبَ الرعدُ في حشاها البروقا

مثل ماءِ العيونِ لم يجرِ إلاّ

ظلَّ يُذكي على القلوبِ حريقا 822 - ابن المعتز (2) :

باكيةٌ تضحكُ عن بروقِ

سَرَتْ بجيبٍ في الدُّجَى مَشْقوقِ

مالَتْ إلى المحلِ اليبيس الريق

كَمَيْلِ مشتاقٍ إلى معشوق

فاشتملتْ على الثرى كالزيق

كأنّما تبكي بكا المشوق حتى غدا في منظرِ أنيق

823 - شاعر:

وبكٍر إذا ما حدتها الجنوب

رأيتَ العشارَ تؤمُّ العشارا

ترى البرقَ يبسمُ سرًّا لها

إذا انتحب الرعدُ فيها جهارا

إذا ما تبسَّمَ وسميُّها

تعصفر بارقُها واستطارا

يعارضها في الهويِّ النسيم

فينثر في الأرض دراً صغارا

فطوراً يشقُّ جيوبَ الحياء

وطوراً يسحُّ دموعاً غزارا 824 - قال أبو علي حسن بن رشيق: تذاكرت أنا وعبد الله بن محمد التميمي ما قيل في دنوِّ السحاب، فعرض لنا قول محمود بن الحسين كشاجم في سحابةٍ وصفها:

دَنَتْ من الأرضِ على جلالها

كأنَّما تسألها عن حالها فقلت: لو أشار إلى العناق لكان أوصف، فأنشدني في الغد من قصيدة:

يا ربَّ متأقةٍ تنوء بثقلها

تسقي البلادَ بوابلٍ غَيْداقِ

(1) اليتيمة 1: 338.

(2)

ديوان ابن المعتز 4: 106 وتشبيهات ابن أبي عون: 162.

ص: 277

مرَّتْ فُوَيْقَ الأرضِ تسحبُ ذيلها

واللوحُ يحملها على الأعناق

ودنتْ فكاد البرقُ ينهضُ دونها

كنهوضِ مشتاقٍ إلى مشتاق

فكأنما جاءَتْ تُقَبِّلُ تُرْبَها

أو حاولتْ منها لذيذَ عناق 825 - وأبيات كشاجم (1) :

مقبلةٌ والخصبُ في إِقبالها

والرعدُ يحدو الورقَ من جمالها

بخطبةٍ أبدعَ في ارتجالها

كأنها في ثِقَلِ انتقالها

تجلُّها الريحُ عن استعجالها

إلا بما تجذبُ في أذيالها

فحين ضاق الجوُّ عن مجالها

(2) وراحتِ الرياحُ من خلالها

جنوبُها تشكو إلى شمالها

(3) دنتْ إلى الأرضِ على كلالها

كأنما تسألها عن حالها

والزَّهْرُ قد أَصغى إلى مقالها

وكاد أن ينهضَ لاستقبالها

فسمحت بالريّ من زلالها

حتى لقال التربُ من تهطالها

أنْ سجِّلا أني على سِجَالها ثم انثني يُثْني على أفعالها

826 - ابن المعتز (4) :

ومزنةٍ جاد من أجفانها المطرُ

فالروض (5) منتظمٌ والقطرُ منتثرُ

ترى مواقعه (6) في الأرضِ لائحةً

(7) مثلَ الدراهمِ تبدو ثم تستتر 827 - أبو علي الضرير:

وعارضٍ ما شاءتِ الريحُ فَعَلْ

جاءتْ به من كلِّ سهلٍ وَجَبَلْ

تسوقه سَوْقاً حثيثاً معجلاً

حثَّ الحُداةِ ليلةَ الورْدِ الإِبل

هبَّتْ وما في الأرضِ منه قَزْعَةٌ

وليس منه أحدٌ على أمل

(1) ديوان كشاجم: 416 والوساطة: 41.

(2)

الديوان: كلالها.

(3)

الديوان: أذلالها.

(4)

ديوان ابن المعتز: 318، 4: 95 وأمالي القالي 1: 176 وشرح الأمالي: 442 والأوراق: 262 - 263 وتشبيهات ابن أبي عون: 159 ومن غاب عنه المطرب: 31 ونهاية الأرب 1: 81.

(5)

ص: فالرعد.

(6)

ص: مواقعها.

(7)

ص: تنتثر.

ص: 278

فأنشأته قطعاً ثمَّتَ ما

زال وما زالتْ به حتى اتصل

وطأطأتْ للأرض من أكنافه

وسدَّدَتْ منه الفروجَ والخلل

حتى إذا كان بعيداً فدنا

وكان في السير خفيفاً فثقل

وأسمع الأصمَّ صوتَ رعده

ووقَّر السمعَ الصحيح أو أَعَلّ

وأبصر الأكمهُ ضوءَ برقه

وخطف الطرفَ الحديدَ أو أكل

وضنَّ حتى قيل هذا حاصبٌ

من السماءِ أو عذابٌ قد نزل

ونحن مصنوعٌ لنا مدبَّرٌ

فيه ولكنّا خلقنا من عجل

حُلَّتْ عزاليه بسرَّ من رأى

فلم يزلْ يُعِلُّها بعدَ النهل

إذا تلكا هتفَ الرعدُ به

ولمعتْ فيه البروقُ فهطل

ليلَ التمامِ والنهار كلَّه

متصلاً من غدوة حتى الأصل

فما ونى حتى اتقى الناسُ أَذّى

إفراطِهِ وقالتِ الأرضُ بَجَلْ 828 - البحتري (1) :

ذاتُ ارتجازٍ بحنينِ الرعدِ

مجرورةُ الذيلِ صدوقُ الوعدِ

مسفوحةُ الدمع لغيرِ وجد

لها نسيمٌ كنسيم الورد

ورنّةٌ مثلُ زئيرِ الأُسْدِ

ولمعُ برقٍ كسيوفِ الهند

جاءَتْ بها ريحُ الصَّبا من نجدِ

فانتثرتْ مثل انتثار العقد

فراحتِ الأرضُ بعيشٍ رَغْدِ

من وشي أنوارِ الربى في برد

كأنما غُدْرانها في الوهدِ

يلعبنَ من حَبَابِها بالنَّرْدِ 829 - أبو العباس الكندي:

ساريةٌ في غَسَقِ الظلامِ

دانيةٌ من فَلَكِ الغمامِ

كأنها والبرقُ ذو ابتسام

كتيبةٌ مُذْهَبَةُ الأعلام

دَنَتْ من الأرضِ بلا احتشام

ثم بكتْ بكاءَ مستهام

وانتثرتْ بسابغ الإنعام

وثروةٍ تَحْكُمُ في الإِعدام 830 - آخر:

أَقبل كالذَّوْدِ رغت شواردُهْ

حتى إذا ما أبحرتْ رواعدُهْ

(1) ديوان البحتري: 567 وتشبيهات ابن أبي عون: 160 ونهاية الأرب 1: 78.

ص: 279

وذُهِّبَتْ بِبَرْقَها مطاردُهْ

عادَتْ بما سرَّ الثرى عوائده

وانتثرتْ في روضها فرائده

شاهدةً بفضله مشاهده منظومةً من شُكْرِهِ قلائده

831 - أبو العباس النامي (1) :

خليليَّ هل للمُزْنِ دمعةُ عاشقٍ

أم النار في أحشائها وهي لا تدري

أشارتْ إلى أرضِ العراق فأصبحتْ

وكاللؤلؤ المنثور أَدْمُعُهَا تجري

تسربل وشياً من خزوز تطرّزت

مطارفها طرزاً من البرق كالتبر

سحابٌ حكى ثكلى أصيبت بواحدٍ

فعاجت له ببن الرياضِ على قبر

فوشيٌ بلا رقمٍ ونقشٌ بلا يدٍ

ودمعٌ بلا عينٍ وضحكٌ بلا ثغر 832 - السري الرفّاء:

غَرَّاءُ تنشرُ للورى أعلاما

عمَّ البلادَ صنيعُها إنعاما

مرَّتْ بظمآنِ الثرى وبروقها

تسري وأدمعها تفيضُ سجاما

مثلَ المحبِّ ترقرقَتْ عَبَراتُهُ

والشوقُ يُذْكي في حشاه ضراما

فَغَدَتْ عيونُ الزَّهْرِ فيه كأنها

مُقَلٌ ترى طيبَ المنام حراما

أهدى الحيا للورد في عَرَصَاتِهِ

خجلاً وزاد الياسمينَ غراما

وتشقَّقَتْ قُمُصُ الشقيقِ فخلتها

في الروضِ كاساتٍ مُلئنَ مداما 833 - الباخرزي:

يومٌ تدرَّعَ جوُّهُ بغيومه

فاسودَّتِ الآفاق بعدَ ضيائها

وتفجَّرَتْ فيه السحابُ وَحَلَّلَتْ

فيه العزالي كي تجودَ بمائها

وتجاوبَتْ فيه الرعودُ وسللت

قضبُ البروقِ تلوحُ في أرجائها

فالجوّ ليلٌ والغيومُ تمدّه

واليومُ صبحٌ مات في احشائها 834 - أبو الفوارس سعد بن محمّد حيص بيص (2) :

دانٍ يكادُ الوحشُ يكرعُ وسطه

وتناله كفُّ الوليدِ المرضَعِ

(1) اليتيمة 1: 247 وزهر الآداب: 195 للناشئ.

(2)

الخريدة (قسم العراق) 1: 270 - 271 وديوانه 1: 285.

ص: 280

متتابعٌ جمٌّ كأنَّ رُكامه

كَبّاتُ قيصرَ أو سرايا تبع

زجلُ الرعودِ يكادُ (1) يخدج عنده

شاءُ الملا ويموتُ سَخْل الموضع

فهمى فألقى بالعراء بَعاعَهُ

سحًّا كمندفعِ الأتيّ المترع

فتساوتِ الأقطار من أمواهِهِ

فالقارَةُ العلياء مثلُ المدفع

وغدا سرابُ القاع بحرَ حقيقةٍ

فكأنّه لتيقّنٍ لم يخدع

متعظماً غَصَبَ الوحوشَ مكانها

تيارُهُ فالضبُّ جارُ الضفدع 835 - دخل الحسين بن مطير الأسدي على والٍ وليَ المدينة، فقيل له: هذا أشعر الناس، وكانت سحابة مكفهرّة ارتفعت وتتابع برقها ورعدها، فأراد أن يمتحن مادتهم له ووصفهم إياه، فقال له: صفها، فقال: بديها (2) :

غُرٌّ محجّلة دوالحُ ضُمِّنَتْ

حَمْلَ اللقاح وكلُّها عذراءُ

سُحْمٌ فهنَّ إذا كظمن فواحمٌ

وإذا ابتسمن فإنّهنّ وضاء

مستضحكٌ بلوامعٍ مستعبرٌ

بمدامع لم تَمْرِها الأقذاء

فله بلا حزنٍ ولا بمسرّة

ضحكٌ يراوح بينه وبكاء

كثرت لكثرةِ ودْقِهِ أطباؤهُ

فإذا تحلَّلَ فاضت الأطباء

وكأنّ بارقَهُ حريقٌ تلتقي

ريحٌ عليه وعرفجٌ وألاء

لو كان من لججِ السواحلِ ماؤه

لم يبق في لجج السواحلِ ماء فعلم الوالي فضيلته وصدَّقَ شهادتهم له.

836 -

ابن المعتز (3) :

روينا فما نزدادُ ريًّا على ظما

وأنتَ على ما في القلوبِ شهيدُ

شقوفُ بيوتي صِرْنَ أرضاً أدُوسُها

وحيطانُ بيتي ركّعٌ وسجود 837 - محمّد بن هانئ (4) :

ألؤلؤٌ دمعُ هذا الغيثِ أم نُقَطُ

ما كان أحسَنَهُ لو كان يُلْتَقَطُ

(1) ص: يحبس.

(2)

ديوان المعاني 2: 6 وبعضها في محاضرات الراغب 2: 247 وديوانه 134/28 وقد تقدم تخرج بيتين منها ص: [305 - 306] الفقرة: 814.

(3)

ديوان ابن المعتز: 313، 4: 80 والأوراق: 258 - 259.

(4)

ديوان ابن هانئ: 84.

ص: 281

بين السحابِ وبين الريح ملحمةٌ

قعاقعٌ وظبا في الجوِّ تُخْتَرط

كأنّه ساخطُ يرضي على عجلٍ

فما يدومُ رضىً منه ولا سخط

أبدى الربيعُ إلينا روضةً أُنفاً

كما تفتح عن مكنونه (1) السقط

غمائمٌ في نواحي الجوِّ عاليةٌ

جُعْدٌ تحدَّرَ منها وابلٌ سبط

والبرقُ يظهرُ في لألأءِ (2) طَلْعَتِهِ

قاضٍ من المزن في أحكامِهِ شطط

والأرضُ تبسطُ في خدّ الثرى ورقاً

كما تُنَشَّرُ في حافاته البسط

والريح (3) تنفث أنفاساً معطَّرةً

مثل العبير بماء الورد يختلط 838 - قال الشيخ شرف الدين التيفاشي رحمه الله لم أسمع في سحاب أفرغ ماءه أبدع من قول أعرابي شاعر (4) :

كأنه لما وهى سقاؤه

فانهلَّ من كلِّ غمامٍ ماؤه حمَّ إذا حمّشه قلاؤه

الحمّ: الشحم، وحمشه: قلاه حتى ذهب دهنه؛ شبه السحابة التي هراقت ماءها بقطعة شحم قليت حتى ذهب دهنها وبقي الشحم بلا دهن، وقد أبدع في هذا التشبيه.

839 -

ولابن المعتز (5) :

جاءتْ بجفنٍ أكحلٍ وانصرفت

مرهاءَ من إسبالِ دمعٍ منسكبْ الاستسقاء:

840 -

روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استسقى قال: اللهم اسقنا سُقْياً واسعةً وادعةً نافعة، تسقي الأموال والأنفس طيباً هنيئاً مريّاً مريعاً طبقاً مجللاً، يشبع به بادينا وحاضرنا، تنزل لنا به من بركات السماء، وتخرج لنا به بركات الأرض ويجعلنا عندك من الشاكرين، إنك سميع الدعاء.

841 -

ومن خطبة أمير المؤمنين علي عليه السلام في الاستسقاء (6) : وإنَّ الله عزّ

(1) الديوان: تنفس عن كافوره.

(2)

الديوان: غرته.

(3)

الديوان: تبعث.

(4)

اللسان (حمش) وتشبيهات ابن أبي عون: 164.

(5)

ديوان ابن المعتز: 16 وتشبيهات ابن أبي عون: 164.

(6)

نهج البلاغة: 199.

ص: 282

وجلّ يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات، وحبس البركات، وإغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب، ويقلع مقلع، ويتذكّر متذكر، ويزدجر مُزْدَجر. وقد جعل الله سبحانه الاستغفار سبباً لدرور الرزق ورحمة للخلق، فقال عز وجل (استغفروا ربَّكُمْ إنَّهُ كانَ غفّاراً، يُرسِلِ السماءَ عليكمْ مِدْرَاراً) فرحم الله امرءاً استقبل توبته، واستقال خطيئته، وبادر منيَّته. اللهم إنا خرجنا إليك من تحت الأستار والأكنان، وبعد عجيج البهائم والولدان، راغبين في رحمتك، وراجين من فضل نعمتك، وخائفين من عذابك ونقمتك، اللهم فاسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسّنين، ولا تؤاخذنا (1) بما فعل السفهاء منّا يا أرحم الراحمين. اللهم إنّا خرجنا إليك نشكو إليك ما لا يخفى عليك، حين ألجأتنا المضايق الوعرة، وأجاءتنا المقاحط المجدبة، وأعيتنا المطالب المتعسرة، وتلاحمت علينا الفتن المستصعبة. اللهم إنا نسألك أن لا تردَّنا خائبين، اللهم انشر علينا غيثك وبركتك، ورزقك ورحمتك، واسقنا سُقيا نافعةً مرويةً معشبة تُخْلِفُ (2) بها ما قد فات، وتحيى بها ما قد مات، تروى بها القيعان، وتسيل البطنان، وتستورقُ الأشجار، وترخص الأسعار، إنك على كل شيء قدير.

842 -

ومن دعاء آخر: اللهمَّ اسقنا ذُلُلَ السحاب دون صعابها.

وهذا من الكلام العجيب الفصاحة، لأنه شبّه السحاب ذوات الرعود والبوارق والرياح الصواعق بالابل الصعاب التي تقمص برحالها وتتوقص بركابها، وشبه السحاب الخالية من ذلك بالإبل الذلل التي تحتلب طيّعةً وتقتعد سمحةً.

843 -

شاعر:

مضى الناسُ يستسقون من كلِّ وجهةٍ

بها كلُّ مسموعِ الدعاءِ مجابِ

فوافاهم الغيثُ الذي سمحتْ به

لهم بعد ذاك المنعِ كلّ سحاب 844 - إسماعيل الحمدويي (3) :

وفي ظنهم أَنْ قد أُجيبَ دعاؤهم

وما علموا أني غسلت ثيابي

(1) ص: تهلكنا.

(2)

النهج: تنبت.

(3)

هو إسماعيل بن حمدويه الحمدويي، اشتهر بوصف طيلسان ابن حرب، انظر الفوات 1: 173 - 177 وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى.

ص: 283

844 -

ب - وقال آخر:

قد قلت إذ خرجوا لكي يستمطروا

لا تقنطوا واستمطروا بثيابي

لو في حزيرانٍ هممتُ بغسلها

غطَّى ضياء الشمس جَوْنُ سحاب 845 - شاعر (1) :

خرجوا ليستسقوا وقد نشأتْ

مشمولةٌ شَرِقٌ بها السَّفْحُ

حتى إذا وقفوا لدعوتهم

ودموعهم بخدودهم سَحُّ

كُشِفَ الغمامُ إجابةً لهمُ

فكأنّما خرجوا ليستصحوا 846 - دخل أعرابيٌّ (2) المسجد وبه أبو علقمة النحويّ يدعو دعاء الاستسقاء، قال الأعرابي وألحّ في سؤاله، فقال أبو علقمة: ارفق حتى نفرغ من دعائنا ثم نعطيك أحمر اللون وازناً، ثم ابتدأ فقال: اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمدٍ وعظِّمْهُ وكرِّمْهُ اللهم من أرادنا بسوء فأحطِ السوء برأسه كإحاطة القلائد بترائب الولائد، وأرسِخْهُ على رأسه كرسوخ السجّيل على رؤوس أصحاب الفيل، اللهم اسقنا سقياً مغيثاً مريًّا مريعاً تاماً عاماً مثعجراً مجلجلاً هزجاً مسحنفراً ودقاً سحًّا سفوحاً طبقاً تخصُّ به حاضرنا وبادينا، تنبتُ به زروعنا وتحيى به ضُروعنا، إنك على كل شيء قدير. قال: فوثب الأعرابي مولياً، فقال أبو علقمة: يا أعرابي أين يراد بك؟ قال: إلى جبلٍ يعصمني من الماء، يا خليفة نوحٍ في قومه.

847 -

أبو على ابن مقلة الوزير:

لا يكن للكاس يومَ ال

غيثِ في كفِّكَ لبثُ

أو ما تعلمُ أنّ ال

غيثَ ساقٍ مستحثّ 848 - كشاجم (3) :

باكر الصبحةَ هذا

يومُ عُودٍ وَمُدامِ

ما ترى بالله ما أَح

سَنَ آداب الغمامِ

بدأ القطرُ بِطَلّ

ثم ثَنَّى برهَامِ

وانجلى مثلَ انجلاءِ ال

غمدِ عن مَتْنِ الحسام

(1) الشعر لابن الطراوة عند ابن خلكان 4، 160 مع اختلاف في الرواية، انظر معاهد التنصيص 2: 52 وألف باء 1: 376 وربيع الأبرار، الورقة: 18 ب.

(2)

قارن بوصف المطر: 26.

(3)

ديوان كشاجم: 444.

ص: 284

كافتتاحٍ حَسَنٍ زيَّ

نَهُ حُسْنُ ختام

مُسْتملاً منكَ أفعا

لَكَ في حُسْنِ النظام

فاشربِ الراحَ بأرطا

لٍ وطاساتٍ وجام

إنما الدنيا كوهمٍ

أو كأحلام منام

لا ترومَنَّ بعيداً

وارضَ بالأمرِ الموامي

لا تدع وُسْطَى من الحا

ل لأحوالٍ جسام

كلُّ شيءٍ يُتَوَقَّى

نَقْصُهُ عندَ التمام 849 - منصور الهروى (1) :

يومُ دجنٍ هواؤُه

فاختيٌّ رداؤه

مطرتنا مسرّةً

حين صابَتْ سماؤُهُ

أشبه الماءَ راحُهُ

وحكى الماء راحه 850 - محمد بن أبي أمية (2) :

أما ترى اليوم قد رقَّتْ حواشيه

وقد دعاك إلى اللذاتِ داعيه

فبادرِ اللهوَ واغنمْ طيبَ ساعته

فإن للدَّجْنِ ديناً يقتضينيه

وجاد بالقَطْرِ حتى خلتُ أنَّ له

إلفاً نآه فما ينفكُّ يَبْكيهِ 851 - ابن وكيع:

بكى الغيثُ عند ابتسام الزَّهَرْ

وهبَّ النسيمُ ورقَّ السَّحَرْ

ووافتْكَ أنفاسُ ريح الصَّبا

مسمكةً من ثمارِ الشجر

وأعلنتِ الأرضُ أخبارها

فلم أر أطيبَ منها خبر

فناديتُ هل من فتىً فاتكٍ

يقومُ فيسطو بجيشِ الفِكَرْ

ويطَّرحُ العقلَ في جانبٍ

فما العيشُ بالعقلِ إلاّ كدر

فلبَّى دعائي فتىً عالمٌ

بأنَّ الزمانَ كثيرُ الغير

يبادرُ عَصْرَ الصما أنْ (3) يفوتَ

وعصرُ الصبا فرصةٌ تبتدر

(1) من غاب عنه المطرب: 67 وخاص الخاص: 168.

(2)

ورد البيت الثالث في محاضرات الراغب (2: 247) منسوباً لعبيد الله بن طاهر.

(3)

زاد لفظة ((قبل)) قبل ((إن)) فإذا أثبت وجب لفظة ((فرصة)) لاستقامة الوزن.

ص: 285

وقام وقمتُ إلى قهوةٍ

تميتُ الهمومَ وتحيي البطر

إذا الهمُّ حاولَ منها الفرارَ

فليس له دونها من وَزَرْ

يطوفُ بها غُصُنٌ ناضِرٌ

تمكَّنَ مهتزُّهُ مِنْ قمر 852 - محمود القوهستاني:

قمْ فاسقني فالأفق أغلظَ حجبه

وتقطّبت فيه أسرَّةُ زاجِر

وتصادمَتْ صَدَفُ السحاب بنحرِهِ

فتكسَّرَتْ عن مُودعات جواهر

فتباشر الروضُ الأريضُ بلقطها

فلذاك أقْبلها ثغورَ أزاهر

لا شيءَ أحلى من تهكّمِ كاسِنا

متضاحكاً لبكا السحابِ الماطر 853 - ابن عنين، لغز في الميزاب (1) :

وما مُسْبَطِرٌّ ماؤه متدفّقٌ

من الطهر يأتي غيرَ زورٍ ولا كَذِبْ

يمجّ بما منه الخليقةُ كُلُّهُمْ

ولا روحَ فيه إنَّ هذا من العجبْ 854 - شاعر في فواقع الماء (2) :

كأنَّ غديرَ الماءِ بين حبابه

وفيه شخوصٌ قُمْنَ مثلَ الأناملِ

مساميرُ تبرٍ تعتلي برؤوسها

مراراً وطوراً تعتلي بالأسافلِ 855 - الغنوي فيها أيضاً:

كأنما القَطْرُ على مياهها

إذا بدا يطلعُ من حيثُ انهبط

قبابُ درٍّ بينها وصائِفٌ

في رقصهنَّ يرتمين بالليط الليط: قشرة القصبة، والجمع لِيَطٌ، شبَّه به ما تطاير من نقط المطر إذا وقعت على الماء.

856 -

ابن الخياط الدمشقي (3) :

ويومٍ أخذنا به فرصةً

من العيش والعيشُ مستفرَصُ

(1) ديوان ابن عنين: 151.

(2)

هو يوسف بن هارون الرمادي، وبيتاه في تشبيهات ابن الكتاني:37.

(3)

ديوان ابن الخياط: 207.

ص: 286

لدى بركةٍ حركت راؤها

فليست تزيد (1) ولا تَنْقُصُ

تغنَّى لنا طرباً ماؤها

وقامتْ أنابيبها ترقص

يريك الجواهرَ تقبيبُهَا

وهنَّ طوافٍ بها غُوَّصُ 857 - شاعر في الفواقع وهي الحجا:

لقد سُرَّ بهذا اليو

م من منزلنا القاعُ

ففيه للحجا رقصٌ

وللميزابِ إيقاعُ 858 - بهاء الدين زهير الكاتب الصالحي (2) :

على حُسْنِ النواعير

وأصواتٍ الشحارير

وقد طاب لنا وَقْتٌ

صفا من كلِّ تكديرِ

فقم يا ألفَ مولاي

أدِرْهَا غيرَ مأمور

نزلنا شاطئَ النيلِ

على بُسْطِ الأزاهير

وقد أضحى له بالمو

ج وجهٌ ذو أسارير

وفي الشطِّ حبابٌ مث

ل أَنصافِ القوارير 859 - محمد بن عبد المنعم الخيمي (3) :

إذا ما رمى بسهام القطار

على هَدَفِ الماءِ قوسُ الغمامِ

رأيتَ الفواقعَ في سَطْحِهِ

رؤوسَ نصالٍ لتلك السهام 860 - وله:

إذا ما الغديرُ رماه الغمامُ

بأسهمِ قطرٍ عليه وَكَفْ

تخالُ الفواقعَ في سطحه

رؤوس نصالِ سهامِ الهدف

(1) الديوان: تقل.

(2)

ديوان البهازهير 137.

(3)

هو شهاب الدين ابن الخيمي (- 685) وه ترجمة في الوافي 4: 50 والفوات 3: 413 والمغرب (قسم القاهرة) : 306 والبدر السافر: 129 والشذرات 5، 129 والشذرات 5، 393 وعبر الذهبي 5: 354 والنجوم الزاهرة 7: 339 وابن الفرات 8: 42 وحسن المحاضرة 1: 569.

ص: 287

861 -

أبو المعالي ابن إسرائيل (1) :

وطفاءُ غادرتِ الغدي

ر بِصَوْبِها المتدفِّقِ

وكأنَّما أبدى الحبا

ب بمائه المترقرق

درراً مجوّفة نثر

ن على فراشٍ أزرق 862 - الشريف ابن دفتر خوان:

كأنَّ قبابَ القطر من فوق مائِهِ

كراتٌ من البلّور تطفو وتغرقُ

كأنَّ نجوماً جُوِّفَتْ كلما بدت

لنفحِ الصّبا من رقةٍ تتمزّق 863 - أبو الحسن ابن عبد الكريم الأنصاري:

تناثر فوق سطحِ الماءِ قَطْرٌ

له حُسْنٌ يجلُّ عن القياسِ

كأنَّ فواقعاً ظَهَرَتْ عليه

تضاريسُ الزجاجِ بظهرِ كاس 864 - وله:

وبركةِ ماءٍ يُرى صَفْوُهَا

كصفوِ زجاج غدا يلتمحْ

وحَبَّبَها نثرُ قطرِ السما

فحبَّبَها وأثارَ الفرح

كأن الفواقعَ من فوقها

فصوصُ الزجاج بظهرِ القدح 865 - ابن كاتب قيصر:

نهرٌ كنصلِ السيف أُحْكِمَ صَقْلُهُ

صافي المتونِ كمقلةِ الحرباءِ

جادَتهُ غاديةٌ فصاغ بقطرها

حبباً كحبِّ الفضةِ البيضاء

فتخالهنَّ لآلئاً قد فارقتْ

أصدافَها وَطَفَتْ بوجه الماء 866 - وله:

ونهرٍ تولَّى القطرُ صَوْغَ حبابه

فأَطلعه مثلَ الجمان عيانا

كذا القطرُ فيما قيل والقولُ واسعٌ

إذا ما أصابَ البحرَ صار جمانا

(1) اسمه محمد بن سوار ولقبه نجم الدين (603 - 677) له ترجمة في الوافي 3: 143 والفوات 3: 383 وابن الفرات 7: 131 والصقاعي: 142 والبدر السافر: 107 والشذرات 5: 359 ولسان الميزان 5: 195 وعبر الذهبي 5: 316 والبداية والنهاية 13: 283 وذيل المرآة 3: 405.

ص: 288

867 -

يوسف بن حمدان (1) :

ولقد ذكرتكِ والنسيمُ مُعَنْبِرٌ

والبحرُ منبعثٌ بلا أمواجِ

والمزنُ يقطرُ فوقه فكأنه

درّ تساقَطَ فوق صَرْحِ زجاج 868 - كتب القاضي التنوخي إلى الوزير المهلبي:

سحابٌ أتى كالأمن بعد تخوُّفِ

له في الثرى فعل الشفاءِ بمدنفِ

أكبَّ على الآفاق إكبابَ مطرقٍ

تذكر أو كالنادم المتلهف

ببرقٍ لو المقرورُ أصبح يصطلي

من الأرض في قلب الشتاء به دفي

ومدَّ جناحَيْه على الأرض جانحاً

فراح علبها كالغرابِ المرفرف

غدا البحر بحراً زاخراً وانثنى الضحى

بظلمته في ثوبِ ليلٍ مسجَّف

يعبِّسُ عن بَرِقٍ به متبسم

عبوسَ بخيلٍ في تبسُّم مُعْتف

دُجَاهٌ إذا ما لاحتِ الشمسُ مُبْطِلٌ

سناها كمنٍّ مبطلٍ منَّ مسعف

كأنَّ التماعَ البرق في ظلماته

هدىً في ضلالٍ يبتدي ثم يختفي

تحاولُ منه الشمسُ في الجو مخرجاً

كما حاول المغلوبُ تجريد مرهف

إذا وَصَلَتْهُ شمألٌ صدَّ قاطعاً

صدودَ المعنَّى عن عذولٍ معنِّف

فأفرغ ماءً قال واردُ شربه

أسلسالُ ماء أم سلافةُ قرقف

غدا رحمةً للناس غيري فإنه

عليَّ عذابٌ ماله من تَكَشُّف

سحابٌ عداني عن سحابٍ وعارضٌ

مُنِعْتُ به عن عارضِ متوكّف 869 - أبو تمام:

وعلمتُ ما يلقى المزورُ إذا همت

من ممطرٍ ذفرٍ وطينِ حفافِ

فجفوتُكُمْ وعلمتُ في أمثالها

أنَّ الوَصُولَ هو القَطُوعَ الجافي 870 - آخر (2) :

منع الوحلُ أن نؤدي الحقوقا

ويزورَ الصديقُ منا الصديقا

سيّما العاجزُ الضعيفُ إذا قا

ل له الراكبُ الطريقَ الطريقا

(1) اليتيمة 2: 341 - 342 ومعاهد التنصيص 2: 15 ونهاية الأرب 1: 79.

(2)

ازاءه بهامش ص: منع التزاور بالمطر.

ص: 289

871 -

أبو بكر الأرَّجاني (1) :

أمولانا (2) الوزير دعاءَ عبدٍ

بِصَفْحِكَ من عقابك مستجيرِ

أَجِرني من زمانٍ قد (3) حباني

بقربك ثم نافسَ في حضوري

إلى يمناكَ أشكو فيضَ سُحْبٍ

كما تشكو الجنودُ إلى الأمير

عداني القطر عن غيث بغيثٍ

وعوَّقني مطيرٌ عن مطير

وأظمأني إليكَ وهل سمعتم

بغيثٍ ملهبٍ غُللَ الصدور 872 - الصاحب بن عباد (4) :

إني ركبتُ ووجه الأرضِ كاتبةٌ

(5) على ثيابيَ خطاً ليس ينفهم

فالأرضُ محبرةٌ والحبرُ من لثق

والطرسُ ثوبي ويمنى الأشهب القلم 873 - الشريف الموسويّ يعتذر عن الزيارة باللثق:

عذراً إذا الغيثُ طما وطنَّبا

وواصلتْ فيه الرياحُ السُّحُبا

حتى اكتسى منها النهارُ غيهبا

وجلَّل الوحلُ الربى والرحبا

إن قام فيه راجلٌ تجوربا

وإنْ مشى المرءُ به تكبكبا كأنَّ تحت كلِّ رِجْلٍ لولبا

آراء الفلاسفة في المطر والثلج والبرد والجليد:

874 -

قالوا: إن من هذه الأشياء المتولّدة في الجو ما يكون تولّده عن البخار المتصعِّد من الرطوبات التي في الأرض، بسبب حرارة الأشعة الواردة عليها من الأجرام العلوية وانعكاسها عنها إلى الجو، وأكبرها شعاع الشمس؛ ومنها ما يكون عن الدخان، ومنها ما يكون عنهما معاً. أما البخار فإن ما تصاعد منه ومادَّته ضعيفة والحرّ عليه غالب فإنه يستحيل إلى الهواء، وقلَّ ما يتكوّن منه شيء، وما تصاعد منه مستعلياً وله مادة وصادفه برد الليل قبل ترقيه إلى الطبقة الباردة من الهواء تكاثف ونزل

(1) ديوان الأرجاني: 165.

(2)

الديوان: الأجل.

(3)

الديوان: سخا لي.

(4)

محاضرات الراغب (2: 249) .

(5)

الراغب: ينكتم.

ص: 290

طلاٍّ، وهو ما يُحَسُّ به من الأنداء وقت الأسحار. وإن اشتد البرد على الطلّ بعد تكاثفه بحيث يجمده نزل صقيعاً، وهو ما تشاهده على وجه الأرض وقت الغدوات كالصِّفاح اللامعة. وما تصاعد منها إلى الطبقة الباردة تكاثف بالبرد سحاباً منضغطَ الأجزاء، وهو ما تشاهده في الجو كالجبال السائرة، فإن غلب عليه البَرد بحيث جمَّده قبل انعقاده، صار ملحاً متحللاً أبيض لمخالطة الهواء لأجزائه، وقلّ ما يكون في غير الشتاء، وإن انعقد ما نزل هابطاً لثقله من سعة محيط إلى ضيق مركز على خطوطٍ مستقيمة فتجتمع أجزاوه وتتشكل بقطرات المطر فينزل مطراً، وعلى حسب التفاوت في القرب والبعد والاجتماع يكون كثير القطرات، وأكثر ما يكون في الربيع لبعد المسافة التي ينعقد السحاب فيها، وان قوي البرد عليه بعد تشكّله بقطرات المطر جمد ونزل بَرَداً، وربما استولى على قطرات المطر من الجوّ حر أوجب حصر البرودة الشديدة في باطنها، فانعقد منه برد، ومثل هذا إنما يكون في أيام الربيع، ولهذا قد تشاهد البرد في الربيع وباطن حبّاتِه أشدّ جموداً من ظاهرها؛ وربما كانت مادة هذه الأشياء أيضاً الهواء، إلاّ أن تكاثف البخار واستيلاء البرد عليه لتلطفه بالحرّ يكون أسرع وأشدّ، ولهذا كان تكاثف بخار القدر وانعقاده بإضافة البرودة أسرع من بخار الحمام، لتفاوتهما في التلطف بالحرارة، وعلى حسب تفاوت المواضع في صعود الأبخرة منها وشدّة البرد وضعفه في جوّها يكون التفاوت في زيادة هذه الأشياء وقلّتها، حتى أن ما كَثُرَت أبخرته من البقاع كالبحار كان أكثر مطراً، وما قلت أبخرته كان أقلّ، وما كان برد جوه أشدّ، كان ثلجه وبرده وصقيعه أكبر، كقلل الجبال والمواضع المرتفعة.

الثلج:

875 -

شاعر (1) :

أقْبَلَ الثلجُ في غلائلِ نور

يتهادى كاللؤلؤِ المنثورِ

فكأنّ السماءَ زُفَّتْ إلى الأر

ضِ (2) وكان النثارُ من كافور

(1) نسبهما للصاحب في من غاب عنه المطرب: 47 ونهاية الأرب 1: 87.

(2)

من غاب ونهاية الأرب: صاهرت الأرض.

ص: 291

876 -

أبو تمام (1) :

من يزعم الصيف لم تذهبْ بشاشته

فغيرُ ذلك أمسى يزعمُ الجبلُ

غدا له مِغفَرٌ في رأسِهِ يَقَقٌ

لا تهتك البيضُ فَوْدَيْهِ ولا الأَسَلُ 877 - صرّدر (2) :

يا طيبَ يومٍ حَجَبَتْ شمسه

سحائبٌ تُمْطِرُ كافورا

لما توارتْ تحتَ أستارها

مجَّتْ لنا من ريقها نورا 878 - المتنبي (3) :

بيني وبين أبي عليٍّ مثله

شُمُّ الجبال ومثلهنَّ رجاءُ

وَعِقابُ لبنانٍ بهيف بقطعها

وهو الشتاءُ وصيفهنَّ شتاء

لبسَ الثلوجَ بها عليَّ مسالكي

فكأنّها ببياضها سوداء 879 - طلب الموفَّق بالله في بغداد في سنة من السنين، وقد تغيّر فيها الهواء في آذار، ثلجاً فلم يوجد إلاّ عند إنسان واحدٍ ممن كان يبيع الثلج، فاستام فيه جملةً عظيمةً، إلى أن وكس إلى خمسين ديناراً، فأمر بها الموفق له من خريطة الركوب، فلما أُحضرت بين يديه قال: لا يراني الله أشرب شربةً بخمسين ديناراً، ثم أمر أن يتصدق بها، ودعا بطرخونٍ فمضغه وشرب الماء عليه، ولم يشترِ الثلج، فلما علم صاحب الثلج ذلك قال؟ لكنّي أنا لا أبخل على نفسي به، فشربه.

880 -

الصنوبري (4) :

الجوُّ بين مضمّخ ومضرّج

والروضُ بين مزخرفٍ ومدبَّجِ

والثلجُ يهطلُ كالنثار فقم بنا

نلتذُّ بابنةِ كرمةٍ لم تمزج

(1) ديوان أبي تمام: 378 (ط. بيروت، 1889) .

(2)

ديوان صردر: 193.

(3)

ديوان المتنبي: 116.

(4)

ديوان الصنوبري: 466 عن سرور النفس، وهي في من غاب عنه المطرب: 48 دون نسبة. ونسبت للنهلبي عند الشريشي 3: 194.

ص: 292

ضَحِكَ (1) النهارُ وبان حُسْنُ (2) شقائقٍ

وزهت غصونُ (3) الوردِ بين بنفسج

فكأنَّ يَوْمَكَ من غلائلِ فضّةٍ

والنورُ من ذهبٍ على فيروزج 881 - كشاجم (4) :

الثلجُ يسقطُ أم لجينٌ يُسْبَكُ

أم ذا حصى الكافورِ ظَلَّ يُفَرَّكُ

راحتْ به الأرضُ الفضاءُ كأنها

من كلِّ ناحيةٍ بثغرِكَ تَضْحَكُ

شابت (5) مفارقُها فبيَّنَ شَيْبها

طرباً وعهدي بالمشيب يُنَسِّك

وتزيّتِ الأشجارُ فيه ملاءة

عما قريبٍ بالرياحِ تُهَتَّكُ

والأرضُ من أرج الهواءِ كأنها (6)

ثوبٌ يعنبر تارةً ويمسَّكُ

كانت كعودِ الهندِ طُرِّيَ فانكفا

بعد النصاعة وهو أسودُ أحلك

فاستنطق العودَ الصموتَ (7) فإنما

تتحرّك الأَطرابُ حين يُحَرَّكُ 882 - قال أبو غسانة الشاعر المجيد: كان بمدينة السلام رجل وقّاد يلقب بغراب، واسمه بيان بن سعيد بن زلزل، وكان مفلسفاً، ثم غُلِبَ على عقله، ومن شعره أن البرد اشتدّ في سنة إحدى ومائتين وسقط ثلجٌ لم يُعْهَدُ بالعراق مثله، وغراب هذا يشرب مع ندمائه، قبل وسواسه، من أهل حرفته، وأقام الثلج يوماً وليلة، فقال بعضهم: قولوا في هذا اليومِ شيئاً، ثم ابتدأ هذا القائل فقال:

يا حبَّذا اليومُ اليقَقْ

والقطنُ يندفُ في الأُفُقْ

حثّوا الكؤوسَ فإنَّها

تنفي عن القلبِ الحُرَقْ

انظرْ فقد نثرَ الغما

ئمُ وردَهُ البيضَ الورق

أو لؤلؤاً متتابعاً

من سلكه لمّا انخرق

(1) من غاب والشريشي: طلع.

(2)

الشريشي: فلاح نور.

(3)

من غاب والشريشي: وبدت سطور.

(4)

ديوان كشاجم: 338 وزهر الآداب: 869 ومن غاب عنه المطرب: 47 ونهاية الأرب 1: 86.

(5)

الديوان: ذوائبها.

(6)

الديوان: والجو

كأنه.

(7)

الديوان: فخذي من الأوتار حظك إنما.

ص: 293

وقال آخر منهم:

يومٌ أغرُّ مُحَجَّلٌ

يبكي على الأرض السما

والغيمُ ينثرُ لؤلؤاً

قد خانه سلكٌ وهى

وكأنّما جمع السحا

ئب ثغر ربات الهوى

فرمى بهنَّ مجمشاً

أحبابهنّ وما ونى

أو مثل أهداب لري

ط تترامى (1) إذ رمى

قمْ يا غلامُ فهاتها

ودعِ المعاتبِ في لظى وقال آخر منهم:

يومٌ من الأيام معروفُ

والبرْسُ برسُ الجوِّ مندوفُ

كأنَّ ما نُشِّرَ في أفقه

ريطُ ملاءٍ وهو مصفوف

ينثرُ دراً خانه سِلْكُهُ

فهو على الأَقطارِ مرصوف

فاشربْ وهاتِ الكاس اني امرؤ

قلبي عليها الدهرَ موقوف

في مجلسٍ غيّب عُذَّالُهُ

فهو بأهل الفضلِ محفوف وقال آخر منهم:

يومٌ من الأيام مشهور

فيه علينا الدرُّ منثورُ

قد نَدَفَ المزنُ لآفاقه

فانحطَّ نور بعده نور

أو قُطِعَ السوسنُ في جوِّه

فهو على الأقطارِ محدور

فداركِ الشربَ أقيكَ الردى

فأنت في شُرْبكَ معذور

وقد أتاكَ الثلجُ مستعجلاً

في كفِّه للحثِّ منشور وقال غراب:

احثثْ كؤوسك واسقنا

فالوردُ في الآفاق يُنْفَضُ

جاءت عروسُ الدَّجن تخ

طرُ في حُليِّ الدرِّ تُعْرض

وردُ الربيعِ مورَّدٌ

والوردُ في كانونَ أبيض

قمْ يا غلام فهاتها

حمراءَ نحو الثغر تركض

أو ما ترى نِعَمَ السما

ء ويومنا يومٌ مفضَّضُ

وكأنما نَثَرَ السحا

ئبُ فيه كافوراً مرضض

(1) ص: الريط ترمي.

ص: 294

فقاموا كلهم فسجدوا لغراب فقال: ما علمت أنه يبلغ بكم من الجهل أن تعبدوا أسود طمطمانياً، أقسمت لأهجرنكم، ثم قال: وكيف أُنغص عيشي في يومي هذا بالبعد عنكم، أنا أحنث وأكفّر عن يميني، ثم قال:

كفّرْ يمينَكَ يا غرابْ

ودع التقاضيَ في الشرابْ

وارجعْ إلى غُرَرِ الأنا

م وكلِّ مختارٍ لباب

واشربْ على الدرِّ الذي

يأتيك من نَثِر السحاب

درٌّ تجمد في الهوا

ء وفي مساقِطِهِ يذاب

ثلجٌ أتاك مبرداً

قلبَ المحبِّ عن التصاب

فإذا تجمد مطفئاً

جدَّ الهوى لك في التهاب

وارفضْ مقالَ العاذلي

ن وعدِّ عن جلِّ العتاب

واصمم عن القولِ الذي

لا يُشْتَهَى ودعِ الخطاب

واركب هواكَ فإنه

رغمٌ لعذّالٍ غضابْ قال شرف الدين: فأخذ ابن المعتز أبياته الضادية فأغار عليها، وربما رويت لغير ابن المعتز، فقال (1) :

ذهِّبْ كؤوسك يا غلا

م فانَّ ذا يومٌ مفضَّضْ

الجو أحلى بالبيا

ض وفي حليِّ الدرِّ يعرض

أظننتَ ذا ثلجاً وذا

درٌّ من الأغصانِ ينفض

وردُ الربيعِ مورد

والوردُ في كانونَ أبيض فزاد في أبياته بقوله " ذَهِّبْ كؤوسك " ليذكر الفضة والذهب.

883 -

ولبعض المحدثين:

ويومٍ واضحِ اللّون

وضوءُ الشمسِ مستورُ

له جيبانِ من ثلج

فمحلولٌ ومزرور

ووجهُ الأرضِ مبيضٌّ

عليه الثلجُ منثور

كأنَ الغيمَ كافورٌ

وظهر الأرض كافور

(1) وردت في ملحق ديوان ابن المعتز 3: 315 ونسبت له في قطب السرور: 635 ووردت للصنوبري في ديوانه: 255 ونثر النظم: 141 ومن غاب عنه المطرب: 46 وزهر الآداب: 870.

ص: 295

884 -

قال: ومما يناسب حكاية هذا الوقاد، وإن لم يكن من هذا الباب، ما يحس أن دويدة الوقاد - واسمه داود بن سلم - كان يحبّ غلاماً هاشمياً من ولد إبراهيم الإمام، وكان يلقّب بالعابد، وكان يكلّم " دويدة " سرّاً وينهاه أن يُعْلِمَ بخبره ومحبته له أحداً، فكان كذلك، ثم غلب عليه العشق فأخبر بعض من كان يأنس به، فأعاد ذلك الخبر على الغلام، فهجره ومنعه من قربه، وكان الغلام يبكّهر إلى الجمعة فيصلى ويقرأ إلى أن تصلّى الجمعة، ثم كذلك إلى العصر وينصرف، فسمي العابد لذلك، قال الطوسي: فإني لفي الجامع يوم الجمعة، والغلام إلى جانبي، ودويدة في بعض الصفوف يرى الغلام، والغلام لا يعلم، وهو في صلاته، إذ كتب دويدة رقعة ورمى بها في حِجْرِ الغلام فأخطأته، ووقعت بيني وبينه، وإذا فيها:

يا مفرداً في كمالِهِ واحدْ

وسيداً ليس فوقه سائدْ

وأكرمَ الناسِ في الورى والدْ

له طريفُ العلاءِ والتالد

هبني جَحَدْتُ الهوى مع الجاحد

كم لي على ما جحدتُ من شاهد

قلبٌ حزينٌ ومقلتا ساهد

وَسُقْمُ جسمٍ على الضنى زائد

رعيُ نجومٍ ومدنفٌ واجدْ

ونومُ عينٍ وطرفه شارد

يا مكثراً في صلاته جاهدْ

رغَّبني فيك قلبك الزاهد

فاعفُ عن العبد أيها العابد

فلستُ فيما كرهتَ بالعائد

يا نائماً عن بليّتي هاجد

أسهرني منك طَرْفُكَ الراقد قال: فقال لي الغلام: ما هذه الرقعة؟ فكتمته حياءً منه، فأبى إلا أن يقرأها، فدفعتها إليه فقرأها وخجل، فقال: خطّ دويدة وشعره، وقد بلغ منّا ما يؤذينا وقد شهَّرنا في الناس، قال: فوجدت مساغاً فقلت: لو كلَّمته وأدنيته اشتريت بذلك لسانه، ومنعته من قول الشعر الذي يُحْفَظُ ويسير، قال: أفعلُ ما أشرت به، ثم انصرفا، ولقيتُ دويدة فعرَّفته، فشكر لي ذلك، وعاد الغلام إلى ما كان عليه.

885 -

خبر وقاد آخر:

كان ببغداد رجل وقاد يعرف بشعر الزنج (1) ، وكنيته أبو الجعد، وكان قد قام مع

(1) ترجمة شعر الزنج في الفوات 1: 280.

ص: 296

سهل بن سلامة (1) حين ظهر أمره لثلاثٍ بقين من شعبان سنة إحدى ومائتين، ودعا الناس إلى لقيام معه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان أبو الجعد هذا نقيب نقبائه، وكان ينتف لحيته لا يدعها تظهر، فعوتب في ذلك فقال:

يلومني الناس في حَصْدي مزارعَ لم

تُنْجِبْ ولا أثمرتْ يوماً لجانيها

مزارعٌ سَلَبَتْ وجهي بشاشَتَهُ

لا بارك اللهُ ربُّ الناسِ لي فيها

فلستُ أتركها تنمي إذا نبتت

فالنتفُ يحصدها والنتف ينشيها

إذا أمتُّ مناغيها بأنملتي

تعرَّضَ الكيد لي فيها فيحييها

كأنها ويدُ الأيام تذكيها

أشب رميتَ بنار في نواحيها

ولو أردتُ بقاءً كان معترضاً

من دونه نار لبٍّ بتُّ اذكيها

وليس يَرْض به خلقٌ لِسَؤْأتِهِ

فكيف أرضى لوجهي منه توجيها قال: أخذه من قول بعض المحدثين، وقد عوتب في نتف لحيته، فقال: أيرضى أحد أن يكون مثلها في استه؟ قالوا: لا، قال: فشيء لا يرضاه أحدٌ في استه كيف أرضاه أنا لوجهي؟.

887 -

الباخرزي (2) :

يومٌ دعانا إلى حثِّ الكؤوسِ به

ثلجٌ سقيطٌ وغيمٌ غيرُ منجابِ

وأفرطَ البردُ حتى الشمسُ ما طلعت

إلا مزمِّلةً في فرْوِ سِنْجابِ 887 - السري الموصلي (3) :

سكنت إلى الرحيل فكيف أثوي

(4) بأرضٍ لم تكنْ مُلْقَى الرحالِ

ألمَّ بِرَبْعِها (5) ثلجٌ فألقى

مُلِمَّ الشيب في لمم الجبال

(1) ثار سهل بن سلامة كما ثار خالد الدربوش لأن فساق الشطار والحربية بغداد والكرخ آذوا الناس أذى شديداً وأظهروا الفسق وقطع الطرق والتعدي على الحرمات (انظر تاريخ الطبري 3: 1008 وما بعدها) .

(2)

الملتقط من ديوان الباخرزي (مطبوع مع دمية القصر) : 27.

(3)

ديوان السري: 230.

(4)

الديوان: رحال.

(5)

الديوان: حذراً.

ص: 297

تلألأت الربى لمّا علاها

كأن على الربى أثواب آل

كأنَّ ذرى الغصونِ، لبسنَ منه

حلى الكافور، رباتُ الحجال

تجولُ العينِ فيه وهو فيها

كَشُهْبِ الخيل رُحْنَ بلا جلال

وأُسْدٍ من أسودِ الراح تسطو

شمائلها على أسدِ الرجال

وساقٍ كالهلالِ يديرُ شمساً

على الندمانِ في مثل الهلال

يخطّ له بمسكٍ صولجان

فتذهب نون (1) وجنتِهِ بخال

ترى الأقداحَ من بيضٍ خفافٍ

يصرّفها ومن حُمرٍ ثقال 888 - كشاجم (2) :

اشربْ (3) فهذي صبيحةٌ قرّه

واليومُ يومٌ سماؤهُ ثَرَّه

ثلجٌ وشمسٌ وصوبُ غاديةٍ

(4) فالأرضُ من كلِّ جانبٍ زهره

باتتْ وقيعانُها زبرجدةٌ

وأصبحتْ قد تحوَّلتْ دُرَّه

كأنّها والثلوجُ تُضحكها

تُعارُ ممن أُحبّه ثغره

كأنَّ في الجو أيدياً نثرت

ورداً علينا فأسرعت نثره

شابتْ فَسُرَّتْ بذاك وابتهجتْ

وكان عهدي بالشيبِ يستكره

فاشربْ على الثلج من مشعشعةٍ

كأنها في إنائها جمره

قد جُلِيَتْ في البياضِ بلدتنا

فاجلُ علينا الكؤوسَ في الحمره البَرَدْ:

889 -

أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل البَرَدَ. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مثل المؤمنِ إذا صح من مرضه كمثل البردة تقع من السماء في صفائِها ولونها ".

890 -

أبو إسحاق إبراهيم بن خفاجة (5) :

لله ندمانُ صدقٍ بات مصطلياً

ناراً من القدح الملآن تستعرُ

(1) الديوان: فتلهب فوق.

(2)

ديوان كشاجم: 211 وزهر الآداب: 870 ونهاية الأرب 1: 84.

(3)

الديوان: باكر.

(4)

الديوان: غرة.

(5)

ديوان ابن خفاجة: 372 والخريدة (قسم المغرب) 2: 155.

ص: 298

والأرضُ فضيّةُ الآفاقِ تحسبها

شمطاءَ حاسرةَ قد مسَّها كبر

وكلُّ نجدٍ ووهدٍ قد أطلَّ به

(1) روضٌ تحلّى بِنَوْرٍ ماله زهر

وللأقاحي ثغورٌ فيه باسمةٌ

فيها من الثلج ريقُ باردٌ خَصِر

كأنّ في الجوِّ أشجاراً منورةً

هبَّ النسيم عليها فهي تنتثر 891 - الصنوبري (2) :

تعالى اللهُ خالقُ كلِّ شيءٍ

بقدرته (3) وبارئ كلِّ نفسِ

لقد أضحى جميعُ الأرضِ تجري

كواكبه بسعدٍ لا بنحس

ألمْ ترَ كيف قد لبستْ رباها

من الثلج المضاعف أيَّ لبس

ثياباً لا تزال تذوب ليناً

إذا الأيديعَرَضْنَ لها بلمس

كأنَّ الغيم مما بُثَّ منه

على أرجائها ندّافُ بِرس

فحاذرْ أنْ يفوتكَ يومُ دَجْنٍ

فيومُ الدَّجْنِ يعدلُ يومَ عرس

وغادِ الشّربَ بكراً لم ينلها

بنان لا ولا قُرِعَتْ بلمس

كأنَّ يد الغلام إذا استقلّت

إليَّ بكاسها خضبت بورس

إذا ما كان وجهك نصبَ عيني

متى تغشى (4) فما أرجو بشمس؟! 892 - شاعر (5) :

جاءتْ تهادَى في برودٍ من حِبَرْ

تنثرُ دراً كان لو ذاب مَطَرْ

يطيرُ في الجوِّ كنوار الزَّهَرْ

أو شررٍ لو كان للماءِ شرر 793 - المأموني (6) :

وبيضاءَ كالبلّور جاد بها الحيا

فأَهوتْ تهادى بين أجنحةِ القطر

تذوبُ كقلبِ الصبِّ لكنّه جوٍ

بنارِ هواهُ وهيَ مثلجة (7) الصدر

(1) الديوان: ثمر.

(2)

ديوان الصنوبري: 179.

(3)

ص: يقدره.

(4)

الديوان: منى نفسي.

(5)

محاضرات الراغب 4: 560 (2: 249) .

(6)

اليتيمة 4: 187.

(7)

اليتيمة: مثلوجة.

ص: 299

894 -

السري الموصلي (1) :

كأنما سماؤُهُ ثاكلةٌ

تبكي علىالأرضِ بدمعٍ مُنْعَقِدْ

تبعثُهُ ريحُ الصَّبا فيبتدي

في جوِّهِ روحاً وفي الأرضِ جسد 895 - الباخرزي:

ورزينة الحصيات غيَّض رحمها

زهرَ الربيع فبات يتلو غيضها

ترمي بجامدةٍ كأنَّ تشتتي

يومَ استقلَّ الحيُّ أَجمدَ فيضها

بَرَدٌ حكى بَيْضَ الحمام ولم تزلْ

من خوفه تُلْقي الحمامةُ بيضها العرب تقول: إن البرد إذا سقط اسقطت الحمامة بيضها.

796 -

الشريف الموسوي:

الثلجُ يسقطُ في أَثنائِهِ بَرَدٌ

فاقدحْ لنا لهباً وامزجْ لنا لهبا

فالجوُّ يمطرنا من سُحْبِهِ درراً

ونحن نشربُ في أرجائِهِ ذهبا 897 - أبو فراس (2) :

والجو ينثر دراً غير منتظم

والأرضُ بارزةٌ في ثوبِ كافور

والنرجسُ الغضُّ يحكي حُسْنُ منظره

صفراءَ صافيةً في كأس بلور 898 - أبو عامر ابن شهيد (3) :

الا مَسَح الله القطارَ حجارةً

تصوبُ علينا والغمامَ غموما

وكانت سماءُ الله لا تمطر الحصى

لياليَ كنا لا نطيشُ حلوما

فلما تحولنا عفاريت (4) جنةٍ

تحوَّلَ شؤبوبُ الغمام رجوما 899 - قال أبو منصور الثعالبي (5) : أول ما عُرِفَ به فضل السلامي في الأدب أنه لما دخل الموصل حسده شعراؤها، وقصدوه بالأذى، وادعوا عليه السرق

(1) لم يردا في ديوانه.

(2)

ديوانه أبي فراس: 194.

(3)

الأبيات لابن خفاجة في ديوانه: 75.

(4)

الديوان: شرة.

(5)

اليتيمة 2: 397.

ص: 300

والانتحال، وأرادوا امتحانه، فقال لهم أحد الخالديَّين: أنا أكفيكم أمره، ثم اتخذ لهم مجلس شراب احتفل فيه ودعا السلاميَّ وأفاضل الشعراء بالموصل وطعموا وشربوا، فبينا هم كذاك إذ صابت السماء فتوقف جميع من بالمجلس، وانبرى السلاميّ فقال بديهاً:

لله درُّ الخالديِّ ال

ماجد (1) النَّدْبِ الخطيرِ

أَهدى لماءِ المزن عن

د جموده نارَ السعير

حتى إذا صدر العتا

بُ إليه (2) عن حنق الصدور

بعثتْ إليه بعذره

من خاطري أيدي السرور

لا تعتبوه فإنه

أَهدى الخدودَ إلى الثغور فسلَّم جميعهم إليه واعترفوا بفضله.

900 -

قال الشيخ شرف الدين المصنف: نزل بمصر برد عظيم في سنةٍ، وأقام يُباع في السّوق أياماً، ولم يُعهد مثله بمصر، وقتل طير الجوّ، فأنشدني أبو بكر ابن محمد بن عثمان الأسلمانيني في ذلك، وكان في شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة:

قلْ للرماة تنحَّوْا عن مقاعدكم

فقد كفى الله رميَ الطير كلَّ يدِ

وأصبح الجوُّ يرميها فيصرعها

من حالقٍ بمصيباتٍ من البرد وتوفي هذا الشاعر في رمضان من السنة المذكورة.

901 -

الأمير أبو الفضل الميكالي في الجليد (3) :

ربِّ جنين من حياً نمير

مهتَّكِ الأستارِ والضميرِ

سللته من رحم الغدير

كأنّه صحائفُ البلور

أو أُكَرٌ تجسَّمتْ من نور

أو قِطَعٌ من خالصِ الكافور

لو بقيت سلكاً على الدهور

لعطَّلَتْ قلائد النحور

وأخجلتْ جواهرَ البحور

وسميت ضرائرَ الثغور

يا حُسْنَهُ في زمن الحرور

إذ قَيْظُهُ مثلُ حشا المهجور

(1) اليتيمة: الأوحد.

(2)

ص: بدت العباب السر، والتصويب عن اليتيمة.

(3)

اليتيمة 4: 374 وزهر الآداب: 870.

ص: 301

يُهدي إلى الأكبادِ والصدور

رَوْحاً يحاكي (1) نفثةَ المصدور 902 - الباخرزي ملغزاً في الجليد:

لا أُحاجي في زمرةِ الفضلاء

غيرَ خلٍّ خصصته باخاءِ

في شبيهِ البلّور رُدَّ إلى الما

ء وقد كان قبلُ عَيْنَ الماء

ينذُر الحرَّ بالهزيمة برداً

فهو المنذر بن ماء السماء 903 - ابن الرومي (2) :

لبسَ الشتاءُ من الجليدِ جلوداً

فاشربْ فقد عاد الزمانُ جديدا

كم مؤمنٍ قرصته أظفار الشتا

فغدا لسكِّانِ الجحيم حسودا

وترى طيورَ الجوِّ في أرجائه

تختارُ حتى النارَ والسفودا

ولو أرتميتَ بفضل كاسك في الهوى

رجعتْ إليك من العقيق عقودا

يا صاحبَ العودين لا تهملهما

حَرِّقْ لنا عوداً وَحَرِّكْ عودا 904 - ابن شرف القيرواني (3) :

لله ليلتنا (4) وقد جَمَدَ الحيا

في الأرض فيها والسماءُ تذوبُ

والكاسُ كاسيةُ القميصِ كأنها

قداً ولوناً (5) معصمٌ مخضوب

مشروبةٌ للبِّ شاربةٌ وما

شيء سواها شاربٌ مشروب

منِّي إليه ومن يديه إلى فمي

فالكاسُ تطلعُ بيننا وتغيب 905 - وليَ حباب العجمي الأهواز لمعاوية، وكان طويل اللحية، فمرض فكان يأكل الثلج والجليد، فنهاه الأطباء عن ذلك فقال: أنا أمضغه وأرمي بثقله.

(1) زهر الآداب: يجلي.

(2)

لم ترد في ديوانه.

(3)

النتف: 91 والفوات 3: 360.

(4)

النتف: ولقد نعمت بليلة.

(5)

النتف: لوناً وقدراً.

ص: 302