المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في الفصول الأربعة بقول كلي في فصل الربيع والصيف والخربف والشتاء - سرور النفس بمدارك الحواس الخمس

[أحمد بن يوسف التيفاشي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌مؤلف الكتاب

- ‌1 - نظرة في مصادر ترجمته

- ‌2 - موجز في سيرة المؤلف:

- ‌2 - شخصيته وثقافته:

- ‌4 - نظرة في حاله المعيشية بعد الهجرة:

- ‌5 - مؤلفات التيفاشي

- ‌تعريف بمرتب الكتاب ومهذبه

- ‌التعريف بالكتاب

- ‌1 - الكتاب الأصلي المسمى " فصل الخطاب

- ‌2 - سرور النفس وصلته بفصل الخطاب:

- ‌3 - ما مدى جهد ابن منظور في سرور النفس:

- ‌4 - مصادر الكتاب

- ‌5 - قيمة الكتاب:

- ‌6 - تحقيق الكتاب:

- ‌ملحق بالمقدمة

- ‌أشعار التيفاشي

- ‌الجزء الأول من هذا الكتاب سماه

- ‌نثار الأزهار في الليل والنهار، وأطايبأوقات الأصائل والأسحار، وسائر ما

- ‌الباب الأول

- ‌في الملوين الليل والنهار

- ‌الباب الثاني

- ‌فى أوصاف الليل وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح

- ‌الباب الثالث

- ‌فى الاصطباح ومدحه وذم شرب الليل وايقاظ النديم للاصطباح

- ‌الباب الرابع

- ‌فى الهلال فى ظهوره وامتلاء ربعه ونصفه وكماله، والليلة المقمرة

- ‌الباب الخامس

- ‌في انشقاق الفجر ورقة نسيم السحر وتغريد الطير في الشجر وصياح الديك

- ‌الباب السادس

- ‌في صفات الشمس في الشروق والضحى والارتفاع والطفل والمغيب والصحو والغيم

- ‌الباب السابع

- ‌في جملة الكواكب والسماء وآحاد الكواكب المشهورة

- ‌1 - الثريا:

- ‌2 - الجوزاء:

- ‌3 - الشعرى:

- ‌4 - سهيل:

- ‌5 - النسر

- ‌6 - الفرقدان:

- ‌7 - بنات نعش:

- ‌8 - المجرة:

- ‌9 - الدب:

- ‌10 - السماك الاعزل:

- ‌الكواكب السيارة:

- ‌1 - زحل:

- ‌2 - المشتري:

- ‌3 - المريخ:

- ‌4 - الزهرة:

- ‌5 - عطارد:

- ‌6 - الفلك الأعظم:

- ‌1 - الحمل:

- ‌2 - الثور:

- ‌3 - الجوزاء:

- ‌4 - السرطان:

- ‌5 - الأسد:

- ‌6 - السنبلة:

- ‌7 - الميزان:

- ‌8 - العقرب:

- ‌9 - القوس:

- ‌10 - الجدي:

- ‌11 - الدلو:

- ‌12 - الحوت:

- ‌1 - الشرطان:

- ‌2 - البطين:

- ‌3 - الثريا:

- ‌4 - الدبران:

- ‌5 - الهقعة والهنعة:

- ‌6 - الذراع:

- ‌7 - النثرة:

- ‌8 - الطرف:

- ‌9 - الجبلة:

- ‌10 - الخرتان

- ‌11 - الصرفة:

- ‌12 - العواء:

- ‌13 - السماك:

- ‌14 - الغفر:

- ‌15 - الزبانى:

- ‌16 - الاكليل:

- ‌17 - القلب:

- ‌18 - الشولة:

- ‌19 - النعائم:

- ‌20 - البلدة:

- ‌21 - سعد الذابح:

- ‌22 - سعد بلع:

- ‌23 - سعد السعود:

- ‌24 - سعد الاخبية:

- ‌25 - الفرغان:

- ‌26 - بطن الحوت:

- ‌الباب الثامن

- ‌في آراء المنجمين والفلاسفة الأقدمين في الفلك والكواكب

- ‌الباب التاسع

- ‌في شرح ما تشتمل عليه أسماء الأجرام العلوية وما يتصل بها واشتقاقه

- ‌الباب العاشر

- ‌في تأويل رؤيا الأجرام العلوية وما يتعلق بها في المنام كل مذهب حكماء

- ‌الجزء الثاني من الكتاب سماه

- ‌طل الأسحار على الجلنار في الهواء والنار، وجميع ما يحدث بين السماء

- ‌الباب الأول

- ‌في الفصول الأربعة بقول كلي في فصل الربيع والصيف والخربف والشتاء

- ‌الباب الثاني

- ‌في كَلَبَ البرد وشدّته ودفع القرّ بالجمر، ودلائل الصحو، ومعرفة الشتاء

- ‌الباب الثالث

- ‌في البرق وحنين العرب به لأوطانهم، والرعد والغيم والرباب وهالة القمر

- ‌الباب الرابع

- ‌في السحاب الثقال والاستسقاء والحجا؟ وهي القواقع التي يرسمها قطر المطر

- ‌الباب الخامس

- ‌في القول في الأنواء من الحظر والإباحة في الشرع ومعنى قولهم ناء الكوكب

- ‌الباب السادس

- ‌في الرياح الأربع والنكب والاعصار - وهى الزوبعة - والزلزلة وتغير الهواء

- ‌الباب السابع

- ‌في تقدمة المعرفة بالحوادث الكائنة في العالم السفلي من جهة كسوف

- ‌الباب الثامن

- ‌في النار ذات اللهب وما يتعلّق بها، ونار النفط، والصعاعقة، ونار الفحم

- ‌الباب التاسع

- ‌في أوصاف الشموع وقط الشمعة والفانوس والقناديل والطوافة والجلاّسات

- ‌الباب العاشر

- ‌في تعبير ما تشتمل عليه من الآثار العلوية وغيرها في المنام

الفصل: ‌في الفصول الأربعة بقول كلي في فصل الربيع والصيف والخربف والشتاء

‌الباب الأول

‌في الفصول الأربعة بقول كلي في فصل الربيع والصيف والخربف والشتاء

596 -

فصل الربيع (1) : أوله نزول الشمس برج الحمل، وهو في خمسة (2) عشر يوماً من آذار، ويوافقه من شهور القبط برمهات، ومن شهور الروم مارس. وطبعه معتدل لممرّ الشمس على خط الاستواء، وآخره نزول آخر جزء من برج الجوزاء. وهو أفضل الفصول لمناسبته لمزاج الروح والدم، ولذلك تحمر فيه الأبدان بما يحدثه من الدم المعتدل وعجزها عن تحليله، ولهذا السبب تهيج فيه الأمراض المزمنة لتحريكه لموادّها، ويكثر فيه الرعاف والخوانق والدماميل والصداع العروق، ويجب أن يستعمل في ابتدائه الفصد والإسهال والقيء بحسب الواجب، وكذلك الرياضة المعتدلة، ويتجنب الامتلاء من الطعام والأشربة والأشياء الحارة والحرّيفة، ويجب الميل فيه إلى المبردات المطفئة.

597 -

فصل الصيف (3) : أوله نزول الشمس السرطان، وهو في خمسة عشر (4) يوماً من حزيران، ويوافق من شهور القبط بؤونه، ومن شهور الروم يونيه. وآخرة نزول الشمس آخر جزء من السنبلة، وطبعه حار يابس لأن الشمس تكون في غاية ارتفاعها في الشمال وتسامت الرؤوس وتسخن، وهو أحرّ الفصول، وتكثر فيه المرّة الصفراء والسوداء ويقل فيه البلغم والدم، وتضعف القوى لتحليله، وتصفر فيه

(1) قارن بنهاية الأرب 1: 169.

(2)

كتب فوقها في ص: اثنا عشر.

(3)

قارن بنهاية الأرب 1: 171.

(4)

هامش ص: الصحيح ثلاثة عشر.

ص: 217

الألوان، ويضعف الهضم، وتعرض فيه الحميات المحرقة والغب والرمد وما أشبهه، ويجب أن لا يستعمل فيه القيء أكثر لمن، يسهل عليه، وتقلل فيه الرياضة، ويمال إلى الراحة والسكون، وتستعمل فيه الأشياء المطفئة المطفئة المبردة أكثر مما تستعمل في الربيع.

598 -

فصل الخريف: أوله نزول الشمس أول الميزان، وهو سبعة عشر يوماً من أيلول، ويوافق من شهور القبط توت، ومن شهور الروم شتنبر، وآخره نزولها آخر القوس؛ وفيه تعود الشمس إلى الاعتدال، وطبعه بارد يابس باعتدال لتقدم فصل الصيف عليه، وقربه من الشتاء، وهو مضاد لمزاج الدم، وتكثر فيه الأمراض لاختلاف أحواله، وتكثر فيه حميات الربع والسرطانات القوابي، ويعظم فيه الطحال لتوليده السوداء ولذلك يجب أن لا يستعمل فيه الاسهال والقيء بل تسكن الأخلاط ويقلل الغذاء، ويلزم التدبير الجيد، وتحذر الفواكه، ويتجنب الجماع والاستحمام بالماء البارد والنوم على الامتلاء.

599 -

فصل الشتاء (1) : أوله نزول الشمس الجدي، وهو في خامس عشر كانون الأول، ويوافق من شهور القبط كهك، ومن شهور الروم دجنبر، وهو نهاية انحطاط الشمس، وآخره نزولها آخر جزء من الحوت، وطبعه بارد رطب لبعد الشمس عن سمت الرؤوس، وهو أبرد الفصول وأعونها على الهضم لتقويته الحرارة الغريزية بحصره إياها، وأكثر الأمراض الحادثة فيه البلغمية وأمراض العصب ووجع الحلق والنحوحة والزكام وذات الجنب، ولذلك يزاد في الرياضات والغذاء وتكون الأغذية فيه إلى الغلظ والقوة كاللحمان وغيرها، وإن اضطر إلى استفراغ فالإسهال فيه خير من الفصد.

القول في الفصول بالتفصيل.

1 -

الربيع:

أفرد له المصنف مقالة قائمة بذاتها في سابع جزء من هذا الكتاب تتضمن تفضيله على سائر الفصول، وجعلها أبواباً عدة رأيت إيرادها في هذا المكان للجمع بينه وبين بقية الفصول مما تقدم القول عليها.

600 -

روي (2) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث يُحْيينَ

(1) قارن بنهاية الأرب 1: 176.

(2)

محاضرات الراغب: (2: 253) .

ص: 218

القلب: النظر إلى الماء الجاري وإلى الخضرة وإلى الوجه الحسن " وفي رواية " النظر إلى الخضرة، والإثمد عند النوم، والوجه الحسن ".

وعنه صلى الله عليه وسلم: " النظر في وجه المرأة الحسناء والخضرة يزيدان في البصر ".

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن ينضر إلى الخضرة وإلى الحمام الأحمر.

601 -

وكتب (1) عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد: مُروا الناس أن يخرجوا إلى الصحاري أيام الربيع فينظروا إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها.

602 -

وقال (2) أمير المؤمنين علي عليه السلام: إذا دخلت البساتين فأَطِلْ تأمُّلها، فإن فيها جلاء للبصر، وارتياحاً للهم، وتكرمةً للطباع، وتسكيناً للصداع.

603 -

وقال بقراط (3) : من لم يبتهج لرؤية الربيع وتبسم أنواره فهو عديم حسّ، أو سقيم نفس.

604 -

وقيل لماسرجس (4) : لمَ أبصار أهل الرساتيق أصحّ وطعامهم ثقيل؟ فقال: ما أعرف لذلك علة إلاّ كثرة وقوع أبصارهم على الخضرة.

605 -

وقال بعضهم: الربيع بهجة الدنيا ومجمع المنى.

606 -

وقال الشاعر:

ثلاثة مُذهبة للحزن

الماء والخضرة والوجهُ الحسن 607 - القاضي الجرجاني (5) :

ألم ترَ أنوار الربيع كأنما

نَشَرْنَ على الآفاقِ وشياً مذهباً

فمن شجرٍ أظهرنَ فيه طلاقة

وكان عبوساً قبلَ ذاك مقطبا

ومن روضةٍ فضَّ الشتاُء حِدادَها

فوشَّحَ عطفيها مُلاءً مطيبا

سقاها سلاف الغيث فأصبحت

تَمايلُ سكراً كلما هبّتِ الصَّبا

(1) محاضرات الراغب (2: 253) .

(2)

محاضرات الراغب (2: 253) .

(3)

محاضرات الراغب (2: 253) .

(4)

محاضرات الراغب (2: 254) .

(5)

اليتيمة 4: 15

ص: 219

608 -

الأُسواري:

أوائل رُسْلٍ للربيع تقدَّمَتْ

على حُسْنِ وجه الأرض خيرَ قدومِ

فراقتْ لها بعدَ المماتِ حدائقٌ

كواسٍ وكانت مثلَ ظهر أديم

كأن اخضرار الروضِ والنورُ طالعٌ

عليه سماء زُيِّنَتْ بنجوم

إذا اقتصَّها طَرْفُ البصيرِ بلحظةٍ

توهما مفروشةً برقوم

تردّت بظلٍّ دائمٍ وتضاحكت

بضحكِ بروقٍ في بكاء غيوم 609 - الخليع (1) :

ضحكتْ ضواحي الأرض لما رقرقت

طهراً بهن مدامعُ الأنواءِ

فترى الرياضَ كأنّهن عرائسٌ

يُنْقَلْنَ من صفراءَ في حمراءِ 610 - البسامي (2) :

أما ترى الأرض قد أعطتكَ زهرتها

مخضرة واكتسى بالنور عاريها

فللسماء بكاءٌ في جوانبها

وللربيعِ ابتسامٌ في نواحيها 611 - أبو العلاء السروري (3) :

أما ترى قُضُبَ الأشجار قد لَبِسَتْ

أغصانُها (4) بعد عُرْيٍ كسوةَ الكاسي

منظومةً بسموط الدر لابسةً

حسنا يبيح دمَ العنقودِ للحاسي

وغردت خطباءُ الطيرِ ساجعةً

على منابر من وردٍ ومن آس 612 - أبو هلال العسكري (5) :

انضر إلى الصحراء كيف تزخرفَتْ

وإلى دموعِ المزنِ كيف تُذْرَّفُ

وعلى الربى حُلَلٌ وشاهنّ الحيا

فمسّهم وَمُعَصَّبٌ ومفوّفُ

وملابسُ الأنواءِ منها سُنْدُسٌ

ومضاجعُ الأنداء منها زخرفُ

نَمَّ الرياض على الرياح كأنما

ذكَّرْتَكَ الكافور حين يُدَوَّفُ

(1) لم يرد في ديوانه المجموع.

(2)

حلب الكميت: 240 لابن المعتز وقيل للشامي (اقرأ: للبسامي) .

(3)

اليتيمة 4: 50.

(4)

اليتيمة: أنوارها.

(5)

ديوان المعاني 2: 18 ومجموع شعره: 122.

ص: 220

وعلى التلاعِ من الأقاحي حُلَّةٌ

وعلى البقاع من الشقائق مُطْرَفُ

والغيمُ تنفشُةُ الرياحُ عشيّةً

كالقطن في زُرْقِ الثياب يُنَدَّفُ

والقَطْرُ يهمي وهو أبيضُ ناصع

ويصيرُ سيلاً وهو أغبر أكلفُ

والبرقُ يلمعُ مثلَ سيفٍ يتنضى

والسيلُ يجري مثلَ أفعى تزحفُ 613 - أبو بكر الصنوبري (1) :

إن كان في الصيف أثماٌر وفاكهةٌ

فالأرضُ مُسْتَوْقَدٌ والجوُّ تنورُ

وإن يكن في الخريفِ النخلُ مُخترفاً

فالأرضُ محصورةٌ والجوّ مأسور

وإن يكن في الشتاء الغيمُ متصلاً

فالأرضُ عريانةٌ والأفقُ مقرر

ما الدهرُ إلا الربيع المستنيرُ إذا

جاء الربيع أَتاكَ النَّوْرُ والنور

فالأرضُ ياقوتةٌ والجوُّ لؤلؤة

والنّبتُ فيروزجٌ والماءُ بلّور

لا تعدمُ الأرضُ كأساً من سحائبه

فالنبتُ ضربان: سكرانٌ ومخمور

فيه جنى الورد منضودٌ مُوَرَّدَةٌ

به المجالسُ والمنثورُ منثور

حيث التفتَّ فقمريٌّ وفاختةٌ

وبلبلٌ وَوَرَاشِينٌ وزرزور

يطيبُ حول صحاريه المقامُ كما

تطيبُ في غيره الحاناتُ والدور

فكلُّ ظهرٍ علونا فيه دَسْكَرةٌ

وكلّ بطنٍ هبطنا فيه ماخور

تبارك الله ما أحلى الربيعَ فلا

يغْرُرْ مُقَايِسَهُ بالصيفِ مغرور

من شمَّ طِيبَ تحيَّاتِ الرّبيع يقلْ

لا المسكُ مسكٌ ولا الكافور كافور 614 - ابن وكيع (2) :

فُرِشَ الفضاءُ بأحمرٍ وبأصفرٍ

وبدتْ لنا حُلَلُ الربيع الأَزهرِ

حُلَلٌ تُعَدُّ إذا اجتهدتَ مقصراً

في وصفها وتكونُ غيرَ مقصر

فترى الرياضَ كأنهن عرائسٌ

يخلطنَ بين تمايُلٍ وتبختر

في جوهرٍ فاتَ الجواهرَ قيمةً

لو أنه يبقى بقاءَ الجوهر

سرٌّ أسرَّ به السحائب في الهوا

فأذاعه فانذاع أَجملُ منظر

سرٌّ طواه فلم يكن مستحسناً

حتى أُشيعَ فكان أحسنَ مظهر

(1) ديوان الصنوبري: 42 وفيه تخريجها، وورد بعضها في حلبة الكميت: 239 للمعوج الشامي، وانظزر محاضرات الراغب (2: 253) .

(2)

حلبة الكميت: 205 وديوان ابن وكيع: 63.

ص: 221

زمنٌ أغرّ لو اشتريتَ بطيبه

طيب الحياة (1) لكنتَ أَحسنَ مشتري

متزيِّن زَيناً ولم يقصد لها

متضمخ عطراً ولم يتعطّر

وافى على أَثَرِ الشتاء كأنه

إِقبالُ جَدٍّ بعد أمرٍ مُدْبر

فكأنَّ ذاك كان وجه مهدِّدٍ

وكأن هذا جاء وَجْهَ مبشِّر 615 - وله (2) :

انظرْ إلى حُسْنِ الربيع وما جَلَتْ

فيه عليك طرائفُ الأنوارِ

أبدتْ لنا الأمطارُ فيه بدائعاً

شهدت بحكمة مُنْزِلِ الأمطار

ما شئت للأسحارِ في صحرائه

من درهم بَهِجٍ ومن دينار

وجواهرٍ لولا تغير حُسْنِها

جلَّت عن الأثمانِ والأخطار

من أبيضٍ يَقَقٍ وأصفرَ فاقعٍ

مثلِ الشموس ُقِرَّن بالأقمار

دارٌ لو اتصل البقاءُ لأهلها

لتشوقوا لنعيم تلك الدار أستغفر الله تعالى عن ابن وكيع وعن المصنف في إيراد هذا أالبيت فإنه قال:

دارٌ لو اتصل النعيمُ لأهلها

لم يحفلوا بنعيم تلك الدّار فلم أجسرْ على ذكره كما ذكراه، وغيّرتُهُ على هذه الصورة: إنهم مع اتصال النعيم لهم يشتاقون إلى نعيم تلك الدار. وصَّلَ الله تعالى إليها بكرمه.

616 -

ابن الرومي (3) :

ونرجسٍ كالثغورِ مبتسمٍ

له دموعُ المحدّقِ الشاكي

أَبكاه قَطْرُ الندى وأضحكَهُ

فهو من القَطْرِ ضاحكٌ باكي 617 - ابن طباطبا (4) :

نظر إلى زهرِ الرياضِ كأنه

وشيٌ تُنَشِّرُهُ الأكُفُّ مُنَمْنَمُ

والنَّوْرُ يهْوي كالعقودِ تبدَّدت

والوردُ يخجل والأَقاحي تبسم

ويكادُ يُذري الدمعَ نرجسُهَا إذا

أضحى، ويقطر من شقائقها الدّم

(1) الديوان: الجنان.

(2)

اليتمية 1: 339 وديوان ابن وكيع: 59.

(3)

ديوان ابن الرومي 5: 1890.

(4)

البيتان الأولان في حلبة الكميت: 241.

ص: 222

هذا معنى بديع في طلّ الشقائق لم يُسبق إليه، وذلك ان الحكماء قالوا:

إن لون الماء لون إنائه، فلما كانت الشقائق كالإناء لطلّها ظهر عليها أحمر كالدم.

618 -

الخباز البلدي (1) :

وروضةٍ بات ساري الطلِّ ينسجُهَا

حتى إذا التحمتْ أضحى يُدَبِّجها

يبكي عليها بكاءَ الصبِّ فارقه

إلفٌ فيضحكها طوراً ويبهجها 619 - التنوخي:

ونرجسٍ كأنّه نواظرٌ

يَقْطُرْنَ عذباً بارداً على الظما

إذا بدا الطلُّ عليه خِلْتَهُ

غرقى عيونٍ في بحورٍ من بكا 620 - السَّروي (2) :

غدونا على الروضِ الذي طَلَّهُ النَّدى

سُحَيْراً (3) وأودج الأباريق تُسْفَكُ

فلم أرَ شيئاً كان أحسنَ منظراً

من النَّوْرِ (4) بجري دمعُهُ وهو يضحك 2 - الصيف:

621 -

هو أحدّ الفصول، وأكثرها أمراضاً وإضعافاً للقوى والأفعال، مع كثرة خشاش الأرض والذباب وَكَرْبِ الأنفاس فيه، بركود الهواء وعدم الالتذاذ للطعام والشراب، لضعف الهضم وقلة برد الماء، وكذلك النكاح يعظم ضرره فيه.

وإنما يُحْمَدُ من الصيف فاكهته وهي سبب استقامته، وأما معاقرو الشراب فالصيف عندهم عذاب لما يولّده الشراب فيه من إسخان البدن وإحماء المزاج، فهم

(1) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن حمدان أحد شعراء اليتيمة 2: 208 وله ترجمة في الوافي 2: 57. والبيتان في اليتيمة 2: 211.

(2)

البيتان في اليتيمة 4: 50 وحلبة الكميت: 241.

(3)

اليتيمة: مررنا على

قد تبسمت ذراه.

(4)

اليتيمة: فلم نر

من الروض.

ص: 223

يمدحون الشرب في كل فصل من الفصول ويتزاورون فيه ويستدعون فيه المعاقرة إلا فصل الصيف فإنهم يذمونه، قال أبو نواس:

ثلاثةُ أشهرٍ فيها العذابُ

حزيرانٌ وتموزٌ وآبُ وقال ابن المعتز (1) :

قد مضى آُب صاغراً لعنة الل

هـ عليه ولعنةُ اللاعنينا

وأتانا أَيلولُ وهو ينادى

أَلصبوحَ الصبوحَ يا غافلينا 622 - يقال للشيء إذا ضربته الشمس ولم يستره عنها شيء؛ صهرته وصقرته وصَخَدتْهُ وصَمَحَتْه، والوديقةُ شدّة الحر، يقال: أودقَ الناس إذا اشتدّ عليهم الحر، وأصل الوديقِ والتودُّقِ الدنوُّ والاقتراب، ومنه تودَّقت الأتان للعَيْرِ إذا أمكنت نفسها من النزو.

قال ابن الرقاع:

تودَّقَتْ شمسُهُ حتى إذا حميت

منها الجماجمُ كادتْ يومَهَا تَقفُ 623 - قيل لأعرابي (2) : كيف كان الهواء البارحة؟ قال: مات فلم يكن له نَفَس.

624 -

وقال آخر (3) : سُدَّتْ طُرُقُ الرياح، وانسدّت بذلك طرق الأرواح.

625 -

شاعر (4) :

ويومٍ كأنَّ المصطلينَ بحرّه

وإن لم يكنْ جمرٌ قيامٌ على الجمرِ 626 - آخر (5) :

ويوم من الشّعْرَى يذوبُ لعابُهُ

أَفاعيه في رمضائِهِ تتململُ

(1) ديوان ابن المعتز: 253، 3:119.

(2)

محاضرات الراغب (2: 244) .

(3)

محاضرات الراغب (2: 244) .

(4)

هو نهشل بن حري كما في زهر الآداب: 1088 وانظر مجموعة المعاني: 190.

(5)

محاضرات الراغب (2: 244) .

ص: 224

627 -

الكميت (1) :

وخرقٍ تعزفُ الجنّان فيه

لأفئدة الكُماةِ به وجيبُ

قطعتُ ظلامَ ليلتِهِ ويوماً

تكادُ حصى الاكامِ به تذوبُ 628 - ابن أبي الثياب (2) :

وهاجرةٍ تشوي الوجوهَ كأنّها

إذا لَفَحَتْ خدّيَّ نارٌ تَوَهَّجُ

وماءٍ كَلَوْنِ الزيتِ ملحِ كأنَّه

بوجديَ يُغلى أو بهجرك يُمْزَجُ 629 - قال أبو حنيفة الدينوري: أخبرني غير واحدٍ من العرب أنّ القيظ إذا أفرط عندهم وصهرت الهواجر الرمل آض مثل الملَّة لا يستطيع حيوان يعلوه، فربما راع الوحش ذعر ذلك الوقت فيقع فيه، فلا تلبث أطلاقُها أن تتصل. وهم يتحدثون عن شدة الحرّ بكلّ عجيب، وبذلك ينطق شعرهم، وكيف ما كان فهو أهون عليهم من البرد. والأطباء يحمدون الحر الشديد والبرد الشديد بالنسبة إلى الاقليم وجريان العادة فيه. وقال حكيمهم: خير شتائكم الشديد بردُهُ، وخير صيفكم الشديد حرّه. وكانوا يستعيذون من الشتاء السخن. قال الأصمعي: ما وقع الطاعون قطّ إلا في شتاءٍ سخن أو بعقبه

630 -

ومن لوازم الصيف المراوح، وهي ثلاثة أنواع (3) : مراوح الخُوص، ومراوح الأديم، ومراوح الخَيْشِ.

631 -

قال السريّ الموصلي في مراوح الخوص (4) :

ومبثوثةٍ في كلِّ شرقٍ ومغربٍ

لها أمهاتٌ بالعراقِ قواطنُ

تحرّكُ أنفاسَ الرياح حراكها

كأن نسيمَ الريح فيهنَّ كامن 632 - ابن أبي الندى المعري (5) :

وقابضةٍ لعنان النسيم

تصرِّفُةُ حيث شاءتْ هبوبا

(1) الحيوان 5: 76 وديوان الكميت 1: 85.

(2)

ص: ابن أبي البنات، وابن أبي الثياب من شعراء اليتيمة 4: 147 واسمه محمد وانظر نهاية الأرب 1: 172.

(3)

انظر الغزولي 1: 64.

(4)

لم يردا في ديوانه.

(5)

انظر الخريدة (قسم الشام) 2: 73.

ص: 225

فمن حيثُ شاءت أهبَّتْ صَباً

ومن حيث شاءت أهبَّتْ جنوبا

إذا أقبل القرّ كانت عدواً

وإن أقبل الصيفُ كانت جيبا 633 - حسان بن نمير المدعو عرقلة (1) :

ومحبوبةٍ في القيظ لم تخلُ من يد

وفي القرّ تخفوها أكفُّ الحبائبِ

إذا ما الهوى المقصورُ هيجّ عاشقاً

أتت بالهوا المدودِ من كلِّ جانب 634 - ابن معقل (2) :

ومروحةٍ أهدت إلى النفسِ روحها

لدى القيظ مشبوباً باهداءِ ريحها

روينا صن الريح الشمال حديثها

على ضعفه مستخرجاً من صحيحها 635 - علي بن صاحب تكريت (3) :

يا سائلي عن نسيمٍ طيَّ مروحةٍ

أهدتْ سروراً بترجيعٍ وترويحٍ

أما ترى الخوصَ أهدى من مراوحه

ما أودعته قديماً نسمةُ الريح 636 - ومما يكتب على مروحة لشرف الدين التيفاشي المصنف:

أنا في الكف راحةٌ

لصحيحٍ وذي عِلَلْ

أنا سترٌ لعاشق

عندما يخلسُ القبل

أنا مخفٍ لوجنةٍ

خجلت أيسرَ الخجل

أنا أُهدي إليكمُ

ارجَ الزهر إنْ ذبل

أنا وحدي كروضة

جادها واكفٌ هَطِلْ

أنا بي يُبْعَثُ الندي

مُ على الكاسِ إن غفل

مجلسٌ لا أزوره

ليس في قربه أملْ ومما يكتب على مروحة ملك:

تأملْ إلى ما قد حويتُ من الفخر

لخدمةِ مَلْكٍ جلَّ في رفعةِ القدر

وفكّرْ تجدْ منه ومني روضةً

يمرّ بها طيبُ النسيم على البحر

(1) الخريدة (قسم الشام) 1: 186 والفوات 1: 316 والغزولي 1: 64 وديوانه: 12.

(2)

الغزولي 1: 64.

(3)

الغزولي 1: 64 وحلبة الكميت: 150.

ص: 226

637 -

قال شاعر:

دقيقةُ الجسم لها ساعدٌ

تسعد من تحييه أَنفاسُهَا

محبوبةٌ في القيظِ مهجورة

في القرّ لا يقربها ناسها

كأنها من بيتِ مال الهوا

ان لوحت تنفضُ أكياسها 638 - قال أبو الفوارس سوار بن إسرائيل الدمشقي (1) : كنتُ عند السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فحضر إليه رسول أمير المدينة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ومعه قود وهدايا، فلما جلس أخرج من كمه مروحةَ سعفٍ بيضاء، عليها سطران من نساجةِ السَّعف الأحمر وقال: الشريف يخدم السلطان، وقال: خذْ هذه فما رأيت أنت ولا أبوك ولا جدُّك مثلها، فاستشاط صلاح الدين غضباً، فقال الرسول: لا تعجل بالغضب قبل تأملها، وكان صلاح الدين ملكاً حليماً، فإذا عليها مكتوب:

أنا من نخلةٍ تجاورُ قبراً

ساد مَنْ فيه سائر الناس طرا

شملتني سعادةُ القبرِ حتى

صرتُ في راحة ابن أيوب اقرا وإذا هي من خوص النخل الذي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبلها صلاح الدين ووضعها على وجهه.

639 -

مروحة الأديم: وتسمى الهندية وهي نوعان إحداهما مستديرة إلا موضع النصاب لا غير، والأخرى مستديرة ثم يقطع ربع دائرتها الذي يلي الوجه.

640 -

الشريف:

مروحة الهند إذا ما بَدَتْ

فوصفها من فلسفيٍّ حكيمْ

كأنها البرجاسُ في دَوْرِهَا

لكنها دائرة من أديم

وأعطتِ الجلاّسَ أنفاسَها

عدلا فكانت لولباً للنسيم 641 - الشيخ شرف الدين التيفاشي المصنف:

وبدر تمّ غدا ينفي الحرورَ كما

ينفيه مُشْبِهُهُ في الأفق إنْ طلعا

(1) وردت القصة عند الغزولي 1: 64 - 65.

ص: 227

يهدي لأَرواحنا روحاً بمروحة

من الأَديم إذا ما حُسْنُها برعا

كالشمس ترعدُ من بدرٍ ألمَّ بها

مقارناً كاسفاً من جرمها الربعا

حظ اللحاظ وحظّ الروحِ قد جمعا

فيه لكل جليسٍ يأتيان معا 642 - وله:

ومروحةُ الهند من فيلهم

أُقيمُ على ذاك برهانَهُ

أَلستَ تراها إذا روَّحَتْ

كما روَّح الفيل آذانه

وتعدلُ صاحبها في النسيم

ينال ويشمل جيرانه 643 - ولابن خروف (1)(2) :

ومروحةٍ إنْ تأملتها

ترى فلكاً دائراً في اليدِ

وَتُطْوى وَثُنْشَرُ من حسنها

فتشبه قُنْزُعَةَ الهدهد 642 - مروحة الخيش: هذه المروحة محدثة في زمن بني العباس؛ ذكر جحظة البرمكي في كتابه " في العطر " قال: كان سبب حدوث مروحة الخيش أن هرون الرشيد دخل يوماً على أخته علية بنت المهدي في قيظ شديد، فألفاها قد صبغت ثياباً بزعفران وصندل، ونشرتها على الحبال لتجف، فجلس هارون بمقربة من تلك الثياب المنشورة، فجعلت الريح تمرُّ على الثياب فتحمل منها ريحاً بليلة عطرة، فوجد لذلك راحة من الحرّ واستطابه، فأمر أن يصنع له في مجلسه مثله، فكثر واستعمله الناس.

645 -

ومن ملح ألغاز الصاحب بن عباد فيها قوله لأبي العباس الخازن في يوم قيظ: ما يقول الشيخ في قلبه؟ فلم يفهم عنه، أراد في قلب " الشيخ " وهو " خيش ".

646 -

كشاجم (3) :

وبيتٍ نشيِّدُهُ في الهجير

على غير أسٍّ وثيقِ البناء

(1) الغزولي 1: 65 وحلبة الكميت: 151 وابن خروف هو أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف القرطبي الشاعر؛ هاجر إلى المشرق وسكن حلب وتوفي فيها 604 (وهو غير ابن خروف النحوي وخلط بينهما ابن سعيد في الغصون اليانعة: 139) انظر ترجمة الشاعر في صلة الصلة: 114 والتكملة رقم 1894 وزاد المسافر (رقم: 6) والذيل والتكملة 5: 296 وصفحات متفرقة من نفح الطيب.

(2)

الغزولي 1: 66.

(3)

لم ترد في ديوانه.

ص: 228

ونهجرهُ عند لفحِ الشتاء

إذا كان عنّا قليلَ الغناء

فيا لك بيتاً بناهُ الحكيم

حصيناً من الحرِّ رحبَ الفناء

ويحملُ ماءً كحملِ السَّحابِ

وليس يجودُ بغير الهواء

إذا قام قام على أربعٍ

ومن بين أثوابهِ ثوبُ ماء

حكى فرساً باتَ في جُلِّهِ

وقد أسبلَ الغيثَ تحت السماء 647 - ابن حمدون مصنف " التذكرة ":

ومرسلةٍ معقودةٍ دون قصدها

مقيّدةٍ تجري حبيساً طليقها

يمرُّ حفيفُ الريح وهي مقيمة

ويسري وقد سُدَّتْ عليها طريقها

لها من سليمان النبي وراثةٌ

وقد ضربت آل النبيط عروقها

إذا صدق النوءُ السماكيُّ أمحلت

وتمطر والجوزاء دانٍ حريقها

تحيّتها إحدى الطبائع أنها

لذلك كلُّ روحٍ صديقها 648 - شاعر (1) :

وجاريةٍ نشأتْ بين الغصونِ غمامةٌ

من الندّ إلا أنَّها ليس تهطلُ

وَعُلَّ بماءِ الوردِ خَيْشٌ كأنه

على خِدْرِهِ ثوبُ العروسِ المصندل 650 - علي ابن صاحب تكريت ملغزاً في الخيش (2) :

ما ذاتُ خدرٍ حصانٌ كان منشؤها

بين الحواضرِ لا بين الأعاريبِ

منقادةُ طالَ ما أهدتْ أزِمّتها

روحاً إلى كلِّ محرور ومكروب

شدّت صليباً وزنّاراً وما عَرَفَتْ

دينَ المسيح ولم تركنْ إلى حُوب

تسري إذا قيل للقوم المسيُر ولا

تسعى على أربعٍ كالخيل والنيب

مصلوبةٌ ما رأت عيباً ولا اجرحتْ

ذنباً فتلحظها في زيّ مصلوب

ككاعبٍ يومَ عيدٍ تعتلى لَعِباً

أرجوحةً بين أتراب كواعيب

(1) هما مما أنشده الحريري في المقامة النجرانية رقم: 42 وانظر شرح الشريشي 5: 57 والغزولي 1: 65.

(2)

البيت الثاني في ديوان السري: 211.

ص: 229

تروى وتظمأ أحياناً وما عرفت

كغيرها طَعْمَ مأكولٍ ومشروب

يميتها القرُّ في المشتى ويُنْعِشُها

حرُّ الهجيرِ بترجيع وتأويب

نواظبُ الغُسْلَ عن طُهْرٍ وما ارتكبت

يوماً مباضعةَ الشبان والشيب

في ذيلها ديمةٌ في الصيفِ ساكبةٌ

بالقَطْرِ والقطرُ فيه غير مسكوب 3 - الخريف:

651 -

سمي (1) خريفاً لأن الثمار تُخْرَفُ فيه أي تجنى وتقطع، ومنه اشتق الخَرَفُ للشيخ، وهو ذهاب العقل، كأن عقله انقطع. وقال أبو حنيفة: لم يذكر أحد من العرب الخريف في الأزمنة لأن الخريف عندهم ليس اسماً للزمان، وإنما هو اسم لأمطار أواخر الشتاء.

ووصف عليّ بن حمزة الخريف فقال: الخريف ثمرة الربيع، كالشجرة التي تُثْمِر ولولا الثمرة لم تكن في الشجرة منفعة.

وفي الخريف تحصل أصناف ما يتمول، وتدَّخر أقوات الخلائق الممسكة لأرواحها إلى الخريف القابل، وفيه يكون الزعفران، وله على جميع أنوار الربيع فضل، وله ورد يطلع كنصل السهم وقرن الخشف، في لون الياقوت الأزرق واللازورد المشُوف كالعيون الشهل وأعراف الطواويس، يتفتح عن شعر كخطوط الذهب وكشرر نار تلوح من حدائق البنفسج كألسن الحيات المنضنضة، ويطلع ورد الزعفران البري في السنة مرتين، غير أن البري ليس له زعفران ولا حشيش، وفيه يُجْتنى النخل وتحرز أعسال النحل وتقطف الأعيان التي فيها المنافع، وتُجْنى الأقطان التي قيها لباس الناس وزينتهم أحياء وسترتُهم أمواتاً، وفيه يقطف اللوز والجوز والعناب والزعرور وغير ذلك، وفيه تتناكح ذوات الأظلاف الانسيّة والوحشية، وفيه مطارح البزاة وسائر الجوارح، وفيه الأترجُّ وأوراقه، وله ورد كالفاغية وينفتق عن مثل خرز الزبرجد، ويعظم وتُشْرَبُ خضرته صفرةً، فإذا خلصت الصفرة صار كقلالٍ ظاهرها ذهب وباطنها فضة. فيها حبّ كاللؤلؤ والمرجان، وقشره ينفع الممعود، وله إذا عُرِكَ أريجٌ ذكي، ويستخرج منه دهنٌ أذكى من الند، وله حماض لذيذ يطيب للمقرور وينفع المحرور، وإذا تصرمت الرياحين في البساتين فالأترجّ غضٌّ طري، وقد اجتمع فيه وفي العنب الطبائع الأربع.

(1) قارن بنهاية الأرب 1: 173.

ص: 230

وقال أبو محمد ابن المقتدر: وفيه يكال الأرز، وهو أحد الأقوات المحتاج إليها، ولا يقوم مقامه شيء لأنه أولى أغذية بني آدم صغاراً وكباراً، وقد يُستغنى به عن الحنطة ولا يستغنى بها عنه، لأنه يغذو المراضيع في الأوقات لتي لا يصلح لهم أكل الخبز فيها، وبغلَّته وعظمها وكثرة ريعها يضرب المثل.

وفي الخريف يبلغ قصب السكر الذي هو قوام أبدان الناس، وحاجتهم إليه ماسة، ولا يعتاضون بغيره، فهو أطعمة الأصحاء وحلواهم، وفيه شفاء المرض وأقواتهم، لأنه أصل سائر الأشربة والمعاجين الحارة والباردة والمزوّرات والأغذية، وهو قوام الناس في صحتهم وغَناؤهم في أمراضهم؛ وفيه تخرج الجوارح من قرنصتها ويُستحبّ الصيد وتكثر محاليف الدراج، ويمكن الصيادين (1) من جهات كثيرة: أحدها أن الغلات تكون قصاراً لم تطل فتمنع وتستر ما يستتر بها من الطير والوحش، وأخرى أن الجوارح لا تعمل في الحرّ إلا ساعةً في برد الهواء، وقد تعمل في الخريف والشتاء طول نهارها، والكلاب فلا تعمل في الحرِّ بوجه ولا سبب ولا تطعم نهاراً، والملوك والمترفون الذين يخرجون إلى الصيد بالجوارح لا يعرّضون بنفوسهم لحرّ الهواجر، ولا يخاطرون بمهجتهم من أجل الصيد، ولا ينشطون له إلا في البرد وطيب الهواء والزمان.

وفي الخريف يقدم طير الشتاء من الجبال والبلاد الباردة، مثل الكراكي والإوز واللغالغ مما يتصيّد بالجوارح وسائر آلات القنص والرمي بالبندق وغيره.

وفيه تُقطَع أنابيب الأقلام وتجلب من كلّ مكان، وهو أوان إدراكها وصلابتها واستقامتها، ولولا الأقلام وقفت أمور الناس ولم تنمَّ لهم شهادة ولا قضيّة ولا بيع ولا شراء، ولا تُضْبَط العلوم وتقيّد الأخبار إلا بها.

وفي الخريف يكون الدرّ الذي جعله الله زينةً للعباد، وحبِّبَ للناس وتجمَّل بلبسه سائر الأمم. وفُضِّل على سائر الأحجار النفيسة من الذهب وغيره، مع ما فيه من المنافع والبرء من الأمراض الصعبة وإدخاله في الأكحال، وهو أنفسُ ذخيرة وأخفُّها محملاً. وقد يمكن الانسان أن يحمل معه من الجواهر ما قيمته خمسمائة ألف درهم لا تعييه ولا تؤذيه. ولا يمكنه حملُ ألف درهم إلا بمشقة ولا يستتر ولا يخفى، ولذلك أدّخره الملوك وجعلوه عدّة للشدائد.

والخريف أصحُّ السنة زماناً وأسلمها أواناً، والشمس فيه بالميزان، وهو أحد الاعدلين المتوسطين حين أطلعت السماء حوافل انوائها، وتأذَّنت بانسكاب مائها،

(1) ص: الصحارى.

ص: 231

وصَفَت الموارد من كدرها، وتهذّبت من عكرها، وخلصت الأرض من حمارة قيظها ورمضائها؛ وإجماع الناس على محبة ريح الشمال وإيثارها على الرياح الأربع مشهور لا اختلاف فيه، وإنما تحمد في الخريف لا في الربيع لأنها في ذلك الزمان تقوي النفوس، وتجذب للناس النشاط والظرف، وتصلح عليها المرضى وتقوى أجسامهم، وكل علّة يطول مكثها إنما تحدث في إقبال الصيف وتُقلع في إقبال دخول الشتاء، وهي تستحيل في الربيع بخلاف هذا لأنها تتلف الغلاّت وتفسدها، ولا يكون سقوط البَرَد فيه إلا في الشمال ولا تكون الزلازل والصواعق إلاّ معها، وقوله عز وجل:(فأهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتية) ، قال المفسرون هي ريح الشمال.

وفي الخريف إقبال كل خير، وفيه المطر الوسميّ الذي يتباشر به الناس ويتبركون به، وتكثر عليه العمارة وتزيد فيه الأنهار، ويكره المطر في الربيع لأنه يفسد الغلاّت ويهدم المنازل، فهو في الخريف سقيا وشراب، وفي الربيع صواعق وعذاب، وفي هذا غيثٌ يُرجى صلاحه، وفي ذاك غيث يُخشى فساده؛ وبرد ماء الخريف مستطاب دون ماء سائر السنة؛ وكانت العرب تقول في من مات في أول الخريف: مات ولم يشرب ماء الخريف. وكان ابن الرومي يفضل الخريف على سائر فصول السنة، وقال وهو يجود بنفسه: ما آسى من دنياكم إلاّ على ثلاث: هواء التشارين والرطبِ الأزاد كأنه أولادُ الملوك في الغلائل الممسكة، واطلاعةٌ في وجه نجاح.

652 -

أبو نواس (1) :

أتى أيلولُ وانقشعَ الحرورُ

وأخبتْ نارها الشعرى العبورُ

فقوما فالقحا خمراً بماءٍ

فإن نتاج بينهما السرور

نتاجٌ لا تدر عليه أمّ

وحملٌ لا تُعَدُّ له الشهور

إذا الكاسات كر بها علينا

تكوّنَ بيننا فَلَكٌ يدور 653 - شاعر:

انظر دمشقَ وقد رقت محاسنها

كغادةٍ أَعْصَرَتْ بالحسنِ في الغيدِ

أجرى الخريفُ أصيلاً في الغصون بها

صبحاً فأثْمرَ تبراً كلُّ أُملود

تمَّتْ بها ذهبياتٌ ذهبن بأل

بابِ الذين سبوا ماءَ العناقيد

(1) لم ترد في ديوانه.

ص: 232

وسلسل البرد في السّلسال من بردى

(1) نفحُ النسيم سرى من فوقَ يَبرودِ 654 - جحظة البرمكي:

ما بالُ أيلولَ يدعوني وأتبعه

إلى الصَّبوح كأني عبدُ أيلولِ

ما ذاك إلاّ لأنّ العيشَ مقتبل

والليلُ ملتحفٌ بالبرد والطول

وقد بَدَتْ طَلَّةٌ شجواً تخبرنا

عن الخريف بقصْفٍ غير مملول

ولاح وجهُ سهيلٍ فهو جوهرة

حمراء قد ركبتْ في وسط إكليل 655 - عبدان بن عبد الله الأصفهاني يصف الخريف ويفضله على الربيع:

راب الربيعُ عيونَ قومٍ أغفلوا

طيبَ الخريفِ وسجسجَ الأَشجارِ

لما عن اغباش الشتا قد سرحوا

أنسوا بنور الحرِّ والأنوارِ

فلها نثارٌ في الخريفِ يفوقها

حُسناً على الجنّاتِ والأنهار

تحكي دنانيراً لنا أوراقُها

ولها فضيلةُ مطعمِ الأثمار

وخلا الربيعُ من النعيم فما لنا

فيه سوى الأرواحِ والأمطار

ومخافة الهدّارِ إثرَ صواعق

ترمي البلادَ وأهلَها بالنار

فاسعدْ بتشرينين وانعمْ فيهما

(2) متعوذاً بالله من آذار

واشرب على ورديهما مشمولةً

من زعفران طالعٍ وبهار

يغنيك عن وردِ الربيع، وعرفُهُ

عن شمِّ عَرْفِ لطيمةِ العطَّار 657 - أحمد بن إبراهيم:

قمْ بنا نصطبحْ وقد برد الل

يلُ لشرابها ورقَّ الأصيلُ

وبدا للعيونِ يزهر في الصب

ح سُهَيْلٌ كأنّه قنديل

وتولَّتْ حرارةُ القيظِ عنَّا

حين ولّى مُوَدِّعا أيلول 658 - شاعر:

باكرنا الدهر بِسَرَّائِهِ

وكفَّ عنّا بأسَ بأسائِهِ

وجاءنا أيلول مستبشراً

يُثني على الزَّهرِ بآلائه

أما ترى الرقة في جوه

تناسب الرقَّةَ في مائه

(1) بهامش ص: يبرود اسم موضع.

(2)

بهامش ص: أراد الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القيامة تقوم في آذار، فقال: أعوذ بالله من آذار.

ص: 233

انظرْ إلى أنواعِ أثماره

قد ضمَّها في بَرْدِ أحشائه

راحتْ عليها نسماتُ الصبا

تقرصها في برد أفيائه

انظر إلى رمَّانِهِ ضاحكاً

حمراؤه في وجه بيضائه

أيلولُ عضوٌ من زمان الصبا

لكنه من خَيْرِ أعضائه 659 - أبو سعد الأصبهاني:

يهناك إِقبالُ الخري

ف عليك بالوجه الرضيِّ

تمّ اعتدالاً في الكما

لِ فجاء في خُلُقٍ سَوِيِّ

وينوبُ ورد الزعفرا

ن به عن الوردِ الجني

أهدى إليك المهرجا

نَ يميسُ في زي الهدي

قد ضُمِّخَتْ بالزعفرا

ن وهيئت في حُسْنِ زي

وتحلَّتِ التفاحَ والاتر

ج في نظمِ الحلي 660 - الباذاني (1) :

وأسعدك الله بالمهرجان

إذا ما انقضى عنك عاماً يَكُرّ

ولا زلتَ في عيشةٍ كالخريف

فإن الخريفَ جميعاً سحر

ترى الماءَ فيه وذاك الهواء

يجلوهما نَسْمُ ريحٍ عطر

وأترجّه عاشقٌ مدنفٌ

إذا ما رجا طيبَ وصلٍ هُجِرْ

ولونُ سفرجله حائلٌ

وأحسبه من صدودٍ حذر

وتفاحهُ فوقَ أغصانه

خدودٌ خجلن لوحي النظر

وما كنتُ أحسبُ أن الخدودَ

تكونُ ثماراً لتلك الشجر 661 - ابن المعتز:

هات كأسَ المدامِ في أيلولِ

بَرَدَ الظلُّ في الضحى والمقيلِ

وخَبَتْ جَمْرَةُ الهواجرِ عنّا

واسترحنا من النهارِ الطويلِ

وخرجنا من السموم إلى رو

ح شمالٍ وطيبِ ظلٍّ ظليل

(1) البيت الأول في محاضرات الراغب (2: 253) والباذاني: نسبة لم يوردها السمعاني أو ابن الأثير وأقرب الصور إليها: الباذاني وإليها ينسب أبو عبد الله الباذاني النيسابوري شاعر ضرير مجود كان يمدح البلعمي وغيره.

ص: 234

ونسيمٍ يبشر الأرضَ بالقط

ر كذيلِ الغلالة المبلول

وكأنّا نزدادُ قرباً من الجنّ

ة في كلِّ شارقٍ وأصيل

ووجوهُ البلادِ تنتظر الغي

ثَ انتظار المحبِّ رَجْعَ الرسول (1) 662 - شاعر:

قم فاسقني يا خليلي

من المدام الشَّمولِ

أوْلَى الشهورِ بقصفٍ

شعبانُ في أيلول 663 - جحظة البرمكي (2) :

لا تُصْغِ للعذل إنَّ العذلَ تضليلُ

واشرب ففي الشرب للأحزان تحليلُ

فقد مضى القيظُ واجتثت رواحله

وطابتِ الراح لما آل أيلول

فليس في الأرضِ نبتٌ يشتكي مَرَهاً

إلا وناظرُهُ بالطلِّ مكحول 664 - شاعر:

أيلولُ وقتُ مسرَّةِ الإنسان

وأوانُ طيب الراح والريحان

فصلٌ له بنسيمه ونعيمه

صِفَةٌ تحاكي جنَّةَ الرضوان 665 - ابن الحجاج (3) :

أيلولُ والعيدُ واعتلال ال

هواءِ في الليلِ والنهارِ

وشهرُ شوَّالَ في تكافي

ساعاتِ أيامِهِ القصار

أربعةٌ تقتضيك دِيْنَ ال

سماع واللهو والعقار

فاشرب لها بالكبير إنَّ ال

كبير للسادةِ الكبار 666 - الباخرزي:

ألا فاسقني الراحَ مشمولةً

أُرَوّحْ بها القلبَ من كلِّ غمّ

(1) كانت أبيات الباذاني قد فصلت بين البيت الأول وسائر الأبيات، ولكن الأبيات وردت جميعاً لابن المعتز في من غاب عنه المطرب: 41 وانظر ديوانه 3: 298 (2: 212 السامرائي) والأوراق: 200 ونهاية الأرب 1: 97، 167 وديوان المعاني 2:46.

(2)

من غاب عنه المطرب: 41.

(3)

اليتيمة 3: 68.

ص: 235

فانَّ الخريفَ أعار الرياض

من الحُسْنِ والطيبِ أوفى القسم

فأصبح صَفْصافها بينها

كما بان عن مَوْضع الفصْدِ دم

وشُبِّه غربانُ أشجارها

بسودِ القلانس فوق القمم 667 - الشريف الطوسي:

حلَّ الخريفُ على الأَغصانِ وانتثرت

أوراقُهُ غيرَ ما يبقى على الحِقَبِ

كانتْ غلائلها خُضْراً وقد صُبِغَتْ

بصفرةٍ مثل لونِ الورس والذهب

واستطردَ القيظُ إذ ولّت عساكره

واستبردَ الظلُّ فاقدحْ جمرةَ العنب

واغنمْ بها العيشَ في تشرينَ منتهزاً

فالقيظُ في رحلةٍ والقرّ في الطلب 668 - وله (1) :

خُذْ في التدبر في (2) الخريفِ فإنه

مستوبَلٌ ونسيمُهُ خَطَّافُ

يجري مع الإنسان جَرْيَ حياته

كصديقه ومن الصديقِ يُخافُ 669 - التيفاشي المصنف:

أبدى الخريفُ لنا حسناً وإحساناً

إذ بزَّ من كسوةِ الأوراقِ أغصانا

فأصبحتْ كرشيقِ القدِّ ذي هيف

نشوانَ أَملحَ ما يأتيكَ عريانا 670 - تأخر الحسن بن سهل عن مجلس محمد بن عبد الملك الزيات بغير سبب، فكتب إليه محمد:

قالوا جفاكَ فلا عهدٌ ولا خبرٌ

ماذا تراه دهاهُ قلتُ أيلولُ

شهرٌ تحولُ حبالُ الوصلِ فيه فلا

عَقْدٌ من الوصلِ إلا وهو محلول فأجابه الحسن:

أَنى يحولُ فتىً أَعليتَ رتبتَهُ

فناله بكَ تعظيمٌ وتبجيلُ

فأنت عُدَّتُهُ في نيلِ نعمته

وأنت في كلّ ما يخشاه مأمول

ما ليس لعهده من والدٍ ولدٌ

ولا أخٌ من أخ والحبلُ موصول

(1) حلبة الكميت: 240.

(2)

الحلبة: لا تأمنن فصل.

ص: 236

ما غالني عنك أيلولٌ ولذته

وطيبه ولنعمَ الشهرُ أيلول

الليلُ لا قِصَرٌ فيه ولا طولُ

والجوُّ صافٍ ورحلُ الكاسِ مرحول

والعودُ مستنطَقٌ عن كلِّ معجبةٍ

يضحي بها كل سيف وهو مسلول

لكنْ توقع وشك البينِ عن بلدٍ

تحلُّ فيه فسلكُ الدمع محلول قال ذلك لأنه كان مزمعاً سفراً.

671 -

والخريف عند معاقري الخمر أخو الربيع، لبرد مائه، واعتدال هوائه، وكثرة أزهاره وثماره، واستواء ليله ونهاره، واستطابة المدام، بعد تكرهها في زمن القيظ، وطيب الندام.

4 -

الشتاء:

672 -

الشتاء جامع لذَّات أرباب النعم، وامتع أوقات ذوى الهمم، لأن فيه تظهر هممهم، وعند هجومه تتبيّن نعمهم، من أنواع المطاعم والمشارب والملابس والمساكن وغير ذلك مما يظهر فيه خلل حال منْ دون طبقتهم، حتى أنه لتجتمع لهم فيه فواكه الصيف والخريف ومشمومات الربيع، ويُمكنهم من الإلتذاذ بالاستكثار من الطعاج والشراب والنكاح، والتنعم بأصناف الملابس مما لا يمكن استعماله في الصيف وحمارة القيظ، فلأجل ذلك يثلبون الصيف ويمدحون الربيع والشتاء والخريف.

673 -

قال: ولم اسمع في مدح الشتاء كقول أبي هلال العسكري (1) :

لستُ أَنسى منه دماثةَ دَجْنٍ

ثمَّ من بعده نضارةَ صَحْوِ

وجنوباً تبشرُ الأرضَ بالقط

ر كما بُشِّرَ العليلُ ببرو

وغيوماً مطرزاتِ الحواشي

بوميضٍ من البروقِ وخفو

كلما أرختِ الجنوبُ عراها

جمع القطرُ بين سفلٍ وعلو

وهو يعطيك حين هبَّتْ شمالاً

بردَ ماءٍ منها ورقةَ جو

واستعار العراءُ منه لباساً

سوف يمنى من الرياح بنضو

وكأنَّ الكافور موضعُ ترب

وكأنَّ الجمانَ موضع مرو

(1) من قصيدة له في كعجم الأدباء 3: 138 وانظر مجموع شعر أبي هلال: 168.

ص: 237

674 -

وله:

وإذا شَتَوْتَ أمنتَ لسعةَ عقرب

كالنار طارتْ من زنادٍ قادح

قد خِلْتَها تسعى بِسُبْحةِ عابدٍ

كلَاّ لقد تمشي بصعدة رامح 675 - ابن عبد السّلام خطيب سنجار:

أظنّ آذار أهدى من خمائله

لشهر كانونَ أنواعاً من الحللِ

أو الغزالةُ من طول المدى خرفت

فما تفرِّقُ بين الجدى والحمل 676 - أبو تمام (1) :

رقَّتْ حواشي الدهر فهي تمرمر

وغدا الثرى في حَلْيِهِ يتكسَّرُ

نزلت مُقَدَّمةُ المصيفِ حميدةً

ويدُ الشتاءِ جديدةٌ لا تكفر

لولا الذي غرس الشتاءُ بكفّه

قاسى المصيفُ هشائماً لا تثمر

مطرٌ يذوب الصحوُ (2) منه وبعده

صحوٌ يكادُ من الغضارة يمطر

غيثان فالأَنواء غيثٌ ظاهرٌ

لك وجهه والصحوُ غيثٌ مضمر

وندىً إذا ادَّهنتْ به لممُ الثرى

خِلْتَ السحابَ أتاه وهو معذّر 677 - روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صل الله عليه وسلّم قال:" اشتكت النارُ إلى ربّها عز وجل فقالت: أيْ ربّ أكلَ بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف. قال: فأشدّ ما تجدون من الحرّ من حرّها، وأشد ما تجدون من البرد من بردها ".

وعن أبي عاصم قال: أتيت أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم في الشتاء فوجدتهم يصلّون في البرانس والأكسية وأيديهم فيها.

678 -

أحمد بن فارس اللغوي (3) :

إذا كنت يؤذيك حرُّ المصيفِ

ويبسُ الخريفِ وبردُ الشتا

ويلهيك حُسْنُ زمانِ الربيع

فأَخْذُكَ للعلم قلْ لي متى

(1) ديوان أبي تمام 2: 191 وديوان المعاني 2: 19.

(2)

ص: الصخر.

(3)

المنتخل: 249 وانباه الرواة 1: 95 ومعجم الأدباء 4: 88.

ص: 238

679 -

يحيى بن صاعد (1) :

يشتهي الإِنسانُ في الصيفِ الشتا

فإذا جاء الشتا أنكرَهُ

فهو لا يرضى بحالٍ أبداً

قُتِلَ الإنسانُ ما أكفره 680 - علي بن عبد الله الطوسي (2) :

هجم البردُ والشتاءُ وما أَم

لك إلا روايةَ العربيّه

وقميصاً لو هبَّتِ الريحُ لم يب

قَ على عاتقيَّ منه بقيه ويقلُّ الغَناءَ عني فنونُ العلم إن أَعصفتْ شمالٌ عَرِيَّه

681 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" الشتاء ربيع المؤمن ".

682 -

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " الشتاء غنيمةُ العابدين ".

683 -

وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير صيفكم أشدُّهُ حرًّا، وخير شتائكم أشدُّه برداً، وإن الملائكة لتشتكي الشتاء رحمةً لبني آدم ". 684 - وعن إسحاق الخطيب قال: " الرأي في الشتاء أجمع، والوعظ في القلوب أنجع ".

685 -

قيل لأعرابي (3) وقد هجم القرّ: ما أعددتَ لهذا الفصل الضارب، بجرانه، الجاري إلى أوانه ملء عنانه؟ قال:" أعددتُ له عُرْيَ المتنين، وحفاء القدمين، وقلقلة الفكّين، ودمعَ العينين، وسيلانَ المنخرين، مع شدّة الرعدة، وقرفصاء القعدة، وذرب المعدة، وكسوفِ البال، وفرطِ البلبال، وقلَّةِ المال، وكثرةِ العيال ".

686 -

وعن ابن عباس قال (4) : " إنَّ الملائكة لتفرحُ بذهاب الشتاء رحمةً للمساكين ".

(1) يحيى بن صاعد: أرجح أنه أبو عمرو يحيى بن صاعد بن سيار الهروي أحد شعراء الدمية، وقد توفي 515هـ؟ (دمية القصر 2: 189 تحقيق د. مكي سامي العاني) .

(2)

منها بيتان في محاضرات الراغب (2: 246) وربيع الأبرار، الورقة: 20/أ.

(3)

ورد بعض هذا القول في محاضرات الراغب (2: 246) وانظر خبراً مشابهاً في ربيع الأبرار: 20/ أ.

(4)

انظر قولاً مشابهاً في محاضرات الراغب (2: 246) .

ص: 239

687 -

دخل أعرابيٌّ خراسان فلحقه الشتاء فأقام بسمرقند، فلما طاب الزمان عاد إلى وطنه، وكان ينزل البصرة، فسأله أمير البصرة عن خراسان فقال: جنّة في الصيف وجهنم في الشتاء؛ فقال له: صف لي الشتاء بها، فقال: تهبُّ الرياح، وتضجر الأرواح، وتدوم الغيوم، وتكثر الغموم، وتسقط الثلوج ويقلُّ الخروج، وتغور الأنهار، وتجفُّ الأشجار، فالشمس مريضة، والعين غضيضة، والوجوه عابسة، والأغصان يابسة، والمياه جامدة، والأرض هامدة، يفترشون اللبود، ويلبسون الجلود، نيرانهم تثور، ومراجلهم تفور، لحاهم صُفْرٌ من النيران، وثيابهم سود من الدخان، والمواشي من البرد كالفراش المبثوث، والجبال من الثلج كالعهن المنفوش، فأما من كثرت نيرانه، وَثَقُلَ ميزانه، فهو في عيشة راضية، وأمّا من قلّت نيرانه، وخفَّ ميزانه، فأمّه هاوية، وما أدراك ما هيه، نارٌ حامية، فقال له الأمير: ما تركت عذاباً في الاخرة إلاّ وصفته لنا في الدنيا.

688 -

وكان عمر رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهد الناس، وكتب إليهم بالوصيّة، إن الشتاء قد حضر وهو عدوّ، فتأهبوا له أهبةً من الصوف والجباب والجوارب والخفاف المنعلة، واتّخذوا الصوف شعاراً، والقطن دثاراً، فإن البرد عدوّ سريعٌ دخوله، بعيد خروجه.

689 -

قال كعب الأحبار: أوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام أن تأهبْ لعدوّ وقد أظلَّكَ، قال: يا ربِّ من عدوي وليس يحضرني، قال: بلى، الشتاء.

690 -

قال الأصمعي: كانت العرب تسمّي الشتاء الفاضح.

691 -

وقيل لامرأة منهم: أيّما أشدّ عليك القيظ أم القرّ؟ قالت: يا سبحان الله من جعل البؤس كالأذى؟! فجعلتِ الشتاء بؤساً والقيظَ أذىً.

692 -

قال يحيى بن صالح: كنّا نأتي إسماعيل بن عياش فيكرمنا ويبرُّنا ويقدم لنا من الفواكه ما يتخيّره ويقول: كلوا فإن الله تعالى وصف الجنّة بصفة الصيف لفواكهها، لا بصفة الشتاء، فقال عز وجل (في سِدْرٍمَخْضُودٍ وطلحٍ منضود وظلٍّ ممدود وماءٍ مسكوب وفاكهة كثيرة) .

693 -

خرج مسعر بن حزام يوماً فإذا أعرابيّ في الشمس يقول:

جاء الشتاءُ وليس عندي درهم

ولقد يَغَصُّ بمثلِ ذاك المسلمُ

ص: 240

قد أُلْبِسَ الناسُ الجبابَ وغيرها

وكأنّني بفناءِ مكةَ مُحْرم 694 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استعينوا على حرّ الصيف بالحجامة، واستعينوا على برد الشتاء بأكل التمر والزبيب.

695 -

وعن مجاهد قال: مَثَلُ المؤمن كمثل النملة تجمع في صيفها لشتائها.

696 -

الحسن بن مسعود بن الوزير الدمشقي الحافظ بمرو:

يا سادتي ما عاقني عنكمُ

قلىً ولكنْ قلّةُ الكُسْوَه

بردٌ وثلجٌ ووحولٌ ولا

خفّ ولا لبدٌ ولا فروه

وكيف من أحوالُهُ هكذا

بمروَ في بحبوحة الشتوه 697 - منصور بن أحمد الأزدي (1) :

فذدْ بردَ الشتاء بحرِّ راحٍ

كوردِ الخدِّ ضُرِّجَ بالحياءِ

فبردي والشتاء وبردُ زهدي

شتاءٌ في شتاء في شتاء

(1) هنالك من شعراء اليتيمة من اسمه منصور بن محمد الأزدي الهروي، وكرر ترجمته في تتمة اليتيمة 2: 46 وانظر أيضاً دمية القصر 2: 153 ومعجم الأدباء 19: 191.

ص: 241

فراغ

ص: 242