المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فى أوصاف الليل وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح - سرور النفس بمدارك الحواس الخمس

[أحمد بن يوسف التيفاشي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌مؤلف الكتاب

- ‌1 - نظرة في مصادر ترجمته

- ‌2 - موجز في سيرة المؤلف:

- ‌2 - شخصيته وثقافته:

- ‌4 - نظرة في حاله المعيشية بعد الهجرة:

- ‌5 - مؤلفات التيفاشي

- ‌تعريف بمرتب الكتاب ومهذبه

- ‌التعريف بالكتاب

- ‌1 - الكتاب الأصلي المسمى " فصل الخطاب

- ‌2 - سرور النفس وصلته بفصل الخطاب:

- ‌3 - ما مدى جهد ابن منظور في سرور النفس:

- ‌4 - مصادر الكتاب

- ‌5 - قيمة الكتاب:

- ‌6 - تحقيق الكتاب:

- ‌ملحق بالمقدمة

- ‌أشعار التيفاشي

- ‌الجزء الأول من هذا الكتاب سماه

- ‌نثار الأزهار في الليل والنهار، وأطايبأوقات الأصائل والأسحار، وسائر ما

- ‌الباب الأول

- ‌في الملوين الليل والنهار

- ‌الباب الثاني

- ‌فى أوصاف الليل وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح

- ‌الباب الثالث

- ‌فى الاصطباح ومدحه وذم شرب الليل وايقاظ النديم للاصطباح

- ‌الباب الرابع

- ‌فى الهلال فى ظهوره وامتلاء ربعه ونصفه وكماله، والليلة المقمرة

- ‌الباب الخامس

- ‌في انشقاق الفجر ورقة نسيم السحر وتغريد الطير في الشجر وصياح الديك

- ‌الباب السادس

- ‌في صفات الشمس في الشروق والضحى والارتفاع والطفل والمغيب والصحو والغيم

- ‌الباب السابع

- ‌في جملة الكواكب والسماء وآحاد الكواكب المشهورة

- ‌1 - الثريا:

- ‌2 - الجوزاء:

- ‌3 - الشعرى:

- ‌4 - سهيل:

- ‌5 - النسر

- ‌6 - الفرقدان:

- ‌7 - بنات نعش:

- ‌8 - المجرة:

- ‌9 - الدب:

- ‌10 - السماك الاعزل:

- ‌الكواكب السيارة:

- ‌1 - زحل:

- ‌2 - المشتري:

- ‌3 - المريخ:

- ‌4 - الزهرة:

- ‌5 - عطارد:

- ‌6 - الفلك الأعظم:

- ‌1 - الحمل:

- ‌2 - الثور:

- ‌3 - الجوزاء:

- ‌4 - السرطان:

- ‌5 - الأسد:

- ‌6 - السنبلة:

- ‌7 - الميزان:

- ‌8 - العقرب:

- ‌9 - القوس:

- ‌10 - الجدي:

- ‌11 - الدلو:

- ‌12 - الحوت:

- ‌1 - الشرطان:

- ‌2 - البطين:

- ‌3 - الثريا:

- ‌4 - الدبران:

- ‌5 - الهقعة والهنعة:

- ‌6 - الذراع:

- ‌7 - النثرة:

- ‌8 - الطرف:

- ‌9 - الجبلة:

- ‌10 - الخرتان

- ‌11 - الصرفة:

- ‌12 - العواء:

- ‌13 - السماك:

- ‌14 - الغفر:

- ‌15 - الزبانى:

- ‌16 - الاكليل:

- ‌17 - القلب:

- ‌18 - الشولة:

- ‌19 - النعائم:

- ‌20 - البلدة:

- ‌21 - سعد الذابح:

- ‌22 - سعد بلع:

- ‌23 - سعد السعود:

- ‌24 - سعد الاخبية:

- ‌25 - الفرغان:

- ‌26 - بطن الحوت:

- ‌الباب الثامن

- ‌في آراء المنجمين والفلاسفة الأقدمين في الفلك والكواكب

- ‌الباب التاسع

- ‌في شرح ما تشتمل عليه أسماء الأجرام العلوية وما يتصل بها واشتقاقه

- ‌الباب العاشر

- ‌في تأويل رؤيا الأجرام العلوية وما يتعلق بها في المنام كل مذهب حكماء

- ‌الجزء الثاني من الكتاب سماه

- ‌طل الأسحار على الجلنار في الهواء والنار، وجميع ما يحدث بين السماء

- ‌الباب الأول

- ‌في الفصول الأربعة بقول كلي في فصل الربيع والصيف والخربف والشتاء

- ‌الباب الثاني

- ‌في كَلَبَ البرد وشدّته ودفع القرّ بالجمر، ودلائل الصحو، ومعرفة الشتاء

- ‌الباب الثالث

- ‌في البرق وحنين العرب به لأوطانهم، والرعد والغيم والرباب وهالة القمر

- ‌الباب الرابع

- ‌في السحاب الثقال والاستسقاء والحجا؟ وهي القواقع التي يرسمها قطر المطر

- ‌الباب الخامس

- ‌في القول في الأنواء من الحظر والإباحة في الشرع ومعنى قولهم ناء الكوكب

- ‌الباب السادس

- ‌في الرياح الأربع والنكب والاعصار - وهى الزوبعة - والزلزلة وتغير الهواء

- ‌الباب السابع

- ‌في تقدمة المعرفة بالحوادث الكائنة في العالم السفلي من جهة كسوف

- ‌الباب الثامن

- ‌في النار ذات اللهب وما يتعلّق بها، ونار النفط، والصعاعقة، ونار الفحم

- ‌الباب التاسع

- ‌في أوصاف الشموع وقط الشمعة والفانوس والقناديل والطوافة والجلاّسات

- ‌الباب العاشر

- ‌في تعبير ما تشتمل عليه من الآثار العلوية وغيرها في المنام

الفصل: ‌فى أوصاف الليل وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح

نديماً للملوك، حينئذ، ولعله فعل ذلك، فنحن نسمع منه حديث العارف لما كان يدور في تلك المجالس، كما مرت الإشارة إلى ذلك من قبل، وهو يصرح أحياناً بقوله: " حضرت مجلس ملك من ملوك المشرق، وفيه جماعة خواصه وندمائه، فغنى صبي دوبيتي، استحسنه الجميع وطربوا عليه وهو:

من متيم جفاه مولاه

جفاه وليس لو إلا وهو لا حول ولا قوة إلا بالله

فانصرفت من المجلس وأنا أقول نعم لا حول ولا قوة إلا بالله " (1) .

وليس بمستبعد أن تكون هذه الخصائص كلها، أعني قدرته على تأليف الكتب باسم بعض الأمراء، ونظم الشعر في مدحهم (وإن لم يصلنا شيء من مدحه فيهم) ومزاولة بعض الصناعات، والاتجار بالأحجار، والتقرب بالهدايا والطرف، هي التي كانت وسيلته إلى كسب الرزق، بعد أن هاجر من بلده إلى المشرق، ثم بعد استقراره بمصر؛ إذ لم يسند إليه منصب يكفل له دخلاً ثابتاً، فيم وصل إليه اطلاعي (2) . وقد كانت أسفاره تكلفه مالاً، وإن كان يأوي في تنقلاته إلى المدارس والأربطة، ولكنها من ناحية أخرى لم تكن بعيدة عن امتهان التجارة، ويمكن يستشف من شرائه للجواهر، ومن إقدامه على التجارب وبذله المال في سبيلها أنه كان امرءاً ميسور الحال.

وقد صمت التيفاشي بعد النكابة التي ذهبت بأولاده ومعظم ماله، وبعد فقد زوجته عن أية إشارة إلى وضعه " المدني "؛ هل تزوج ثانية؟ أو هل قنع بالتسري؟ ومن ثم يمكن أن يثور سؤال آخر وهو: لماذا هذا الاهتمام بكتابة مؤلفات في الشؤون " الجنسية "؟ أكانت علماً؟ أم كانت وسيلة لكسب المال من المترفين؟؟.

ليس لدينا أي شيء نقوله إذن عن وضع عائلي أو معيشي، للتيفاشي، بعد هجرته إلى المشرق، وإن كنا نعرف عرضاً أنه كان له فتى يعرف بجمال الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن خطلخ الفارسي الأرموي، وأنه كان مثقفاً، وإن ابن سعيد أجازه رواية المغرب مثلما أجاز أستاذه " (3) .

(1) متعة الأسماع: الباب الثالث عشر، الورقة:32.

(2)

قد تشير صحبته للطبيب ابن عتبة الاشبيلي إلى أنه كان يكسب رزقاً من الانتماء إلى البيمارستان، لأنه كان يحسن الطب، ولكن هذا محض احتمال.

(3)

النفح 2: 332.

ص: 19

‌5 - مؤلفات التيفاشي

(1) :

1 -

تفسير التيفاشي؛ ذكره صاحب صبح الأعشى وقال إنه تغلب عليه القصص (2) .

2 -

كتاب في علم البديع له، متوسط الحجم، ذكره صاحب صبح الأعشى (3) .

3 -

كتاب في المسالك؛ عرض به السيف المشد في قصيدة له تهكم فيها بالتيفاشي، فقال:

خفت أن أملك " المسالك " أو أجنح يوماً لنسخ " فصل الخطاب "(4) .

4 -

قادمة الجناح في آداب النكاح: ذكره صاحب الروض المعطار في مادة " تيفاش " ونسبه لمن اسمه عمر التيفاشي (5) ، ويبدو أن لفظة " عمر " مصحفة عن " أحمد " وينقل عنه التجاني في تحفة العروس في عدة مواضع (6) .

5 -

مشكاة أنوار الخلفاء وعيون أخبار الظرفاء، ذكره صاحب الروض المعطار، وقال فيه " وهو كتاب مطول، حسن ممتع ضاهى به عقد ابن ربه فأبدع (7) .

6 -

كتاب في التاريخ؛ قال الادفوي في البدر السافر في ترجمة محمد بن سعيد بن ندى الجزري المعروف بالعماد: " وذكره الشريف (أقرأ: الشرف) التيفاشي في تاريخه، وذكر أنه حضر عند الملك الأشرف ابن العادل بسنجار.. الخ "(8) ؛ ويذكر الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب أن للتيفاشي كتابين في تاريخ الأمم،

(1) قد عد معظم هذه المؤلفات كل من حسن حسني عبد الوهاب في ورقات 2: 455 - 459 ومحققي كتاب الأحجار (المقدمة 12 - 16) وعبد القادر زمامة في مجلة المجمع: 19 - 20 وبروكلمان في التاريخ 1: 495 ونعيد ذكرها هنا لما قد نضيفه من فوائد.

(2)

صبح الأعشى 1: 471.

(3)

صبح الأعشى 1: 469.

(4)

الوافي 8: 291.

(5)

الروض المعطار: 146.

(6)

انظر تحفة العروس: 49، 66، 71، 99، 155، 186 (ط. القاهرة 1: 13) . وانظر كشف الظنون 2: 1305 (ط. استانبول 1941) وهدية العارفين 1: 94 (ط. استانبول 1951) .

(7)

الروض المعطار: 146.

(8)

البدر السافر، الورقة 104.

ص: 20

وأنهما داخلان في " فصل الخطاب "(1) ، فانظر الحديث عن هذا الكتاب الأخير في موضعه.

7 -

أزهار الأفكار في جواهر الأحجار: ذكر منه بروكلمان ما يربو على عشرين مخطوطة، في المكتبات المختلفة، عدا عما لم يره مثل مخطوطتين بمكتبة الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب، ومخطوطة مكتبة الكونغرس وغير ذلك. وقد عني المستشرقون به فطبع غير مرة وتم تحقيقه في طبعة جديدة هي التي اعتمدتها (القاهرة 1977) مذيلة بتعليقات هامة، وقد عده صاحب صبح الأعشى أحسن مصنف في الأحجار ونقل عنه في عدة مواضع (2) وقال الصفدي فيه: وله مجلد جيد في معرفة الجواهر (3) ويكاد الغزولي أن يكون قد لخصه في مطالع البدور (4) .

8 -

سجع الهديل في أخبار النيل، اعتمد عليه السيوطي في حسن المحاضرة في غير موضع (5) .

9 -

المنقذ من التهلكة في دفع مضار السمائم المهلكة، لم يشر إليه إلا محققاً كتاب أزهار الأفكار، إذ جاء في خاتمة النسخة المحفوظة بطوبقبوسراي أن الكتاب (أي أزهار الأفكار) يتلوه كتاب " المنقذ من التهلكة؟ الخ " " للمؤلف نفسه، لكن الكتاب نفسه غير موجود (6) .

10 -

الدرة الفائقة في محاسن الأفارقة: أهدى المؤلف منه نسخة إلى ابن العديم حين لقيه بالقاهرة (7) .

11 -

درة اللآل في عيون الأخبار ومستحسن الأشعار، انفرد بذكره الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب ولم يذكر مصدره (وكذلك فعل في كتب تفرد بذكرها) وعنه محققاً الأحجار.

(1) ورقات 2: 455.

(2)

صبح الأعشى 2: 98 ويستمر النقل عنه حتى ص 117.

(3)

الوافي 8: 288.

(4)

مطالع البدور 2: 140 - 159؛ وانظر كشف الظنون 1: 72 وهدية العارفين 1: 94 ومعجم سركيس: 651.

(5)

انظر حسن المحاضرة 2: 340، 3349، 1، 354، 358، 374، وراجع كشف الظنون 2: 979 وهدية العارفين 1: 94.

(6)

انظر مقدمة أزهار الأفكار: 13 (رقم: 2 في أسماء الكتب) .

(7)

بغية الطلب 2: 160 وانظر كشف الظنون: 742 وورقات. وهدية العارفين 1: 94.

ص: 21

12 -

الديباج الخسرواني في شعر ابن هاني، انفرد بذكره الأستاذ عبد الوهاب وعنه محققاً الأحجار.

13 -

الشفا في الطب المسند عن المصطفى مما خرجه الإمام أبو نعيم الأصفهاني وجمعه التيفاشي، أوله " اللهم يا من لطف حتى دق عن الأوهام والظنون؟ " جردها من السند ورتبها على ترتيب كتب الطب وسماه:((الوافي في الطب الشافي " (1) .

14 -

رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه: ذكر حاجي خليفة أنه من تأليف أحمد بن سليمان الشهير بابن كمال باشا (940/ 1533) ؛ فهو لا يعد من كتب التيفاشي، ولا يشبه طريقته في التأليف (2) .

15 -

رسالة فيما يحتاج إليه الرجال والنساء في استعمال الباه مما يضر وينفع (3) ؛ قلت ولعلها منحولة له، كما هي حال الكتاب السابق.

16 -

نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب (ذكر بروكلمان منه نسخاً ثلاثاً ليست نسخة خزانة الرباط إحداها) ؛ وقد ذكر حاجي خليفة كتاباً بهذا الاسم ونسبه إلى ابن جماعة (767/ 1366)(4) ومفتتحه كمفتتح كتاب التيفاشي: " الحمد لله الذي علم طبع الإنسان في الملال " وهذا وهم خالص، فإن مؤلف الكتاب مغربي، وليس لابن جماعة علاقة بالمغرب، فقد جاء فيه:" قال مؤلف الكتاب وقد شاهدت نازلة اتفقت في هذا الأمر بمدينة تونس من بلاد أفريقية؟ "(5) والمؤلف قريب العصر من عهد الملك المعظم (أي في القرن السابع) وابن جماعة من رجال القرن الثامن (6) ويصور الكتاب " الحياة الخفية " من المجتمع، ويتميز بما استطاع المؤلف أن يرصده من أحداث ونماذج أثناء تجواله بين تونس ومصر والإسكندرية ودمشق وبغداد، فهو يتحدث عن جانب من الواقع، ويتضمن اثني عشر باباً، ومن أمثلتها:

(1) كشف الظنون 2: 1055 وانظر هدية العارفين 1: 94.

(2)

كشف الظنون 1: 835؛ وانظر بروكلمان التكملة 1: 904.

(3)

هدية العارفين 1: 94 وبروكلمان التكملة (نفسه) .

(4)

كشف الظنون 2: 1940.

(5)

نزهة الألباب: 52.

(6)

نزهة الألباب: 102.

ص: 22

الباب الأول: في الصفع وما فيه من الفوائد والنفع.

الباب الثاني: في القوادين والقوادات وما جاء فيهم من نوادر وأشعار.

الباب الثالث: في شروط الزناة.

الباب الرابع: في القحاب المبتذلات ونوادرهن؟ الخ.

17 -

متعة الأسماع في علم السماع: وهو في الموسيقى وأنواع الرقص وخيال الظل، ومنه نسخة وحيدة بالمكتبة العاشورية، اعتمدت عليها في هذه الدراسة، وقد عرف بالكتاب ونشر منه فصلين صديقنا محمد بن تاويت الطنجي رحمه الله (1) ؛ والكتاب قيم جداً، وهو (أو أكثره) بخط التيفاشي والنسخة المتبقية منه مضطربة، وخطها عسير جداً؛ ويمثل هذا الكتاب جزءاً من " فصل الخطاب " إذ جاء على الورقة الثانية " وهو الحادي وال؟ من فصل الخطاب " ولما كنا نعلم أن فصل الخطاب يقع في 24 جزءاً (في قول إحدى الروايات) فإن متعة الأسماع قد يمثل الحادي والعشرين منه. وانظر الحديث مستوفى عن فصل الخطاب في موضعه.

18 -

سرور النفس بمدارك الحواس الخمس: ليس للتيفاشي كتاب بهذا الاسم على وجه الدقة، ولكن هذا الكتاب هو الصورة المحورة من " فصل الخطاب " بعناية ابن منظور. وسيجيء الحديث عن ذلك من بعد.

- 2 -

‌تعريف بمرتب الكتاب ومهذبه

وهو محمد بن مكرم - بتشديد الراء - بن أبي الحسن علي (وقيل رضوان)(2) ابن أحمد بن أبي القاسم بن حبقة بن محمد بن منظور الأنصاري الرويفعي (من ولد

(1) مجلة الأبحاث (1968) : 95 - 116.

(2)

هو رضوان عند الذهبي (تاريخ الإسلام 20 الورقة: 64) وجمع السيوطي بين التسميتين (بغية الوعاة 1: 248) وهو علي في سائر المصادر ما عدا ابن سعيد (النجوم الزاهرة: 322) فإن المكرم أملي عليه نسبه فذكر ((أبا الحسن)) - دون تمييز -. واضطرب الأمر على الأدفوي فكتب في ترجمة محمد: محمد بن مكرم بن علي، وكتب في ترجمة أبيه: مكرم بن رضوان بن أحمد (البدر السافر، الورقة 167، 200) وقد ساق هو نسبه في مادة (جرب) من اللسان وذكر أن جده أبا الحسن يسمى علياً ويلقب نجيب الدين.

ص: 23

رويفع بن ثابت الصحابي) ولقبه جمال الدين وكنيته أبو الفضل، وقد شهر عند المتأخرين باسم " ابن منظور " ونسي ما عد ذلك، واقترنت شهرته بلسان العرب الذي جمع فيه بين صحاح الجوهري ومحكم ابن سيده وتهذيب الأزهري.

وقد ثار في السنوات الأخيرة جدل حول منتمى ابن منظور، أملته النظرة الإقليمية الضيقة، أهو أفريقي أم مصري، حتى قال الأستاذ إبراهيم الأبياري في مقدمته على مختار الأغاني:" ولم يعرض لمكان مولد ابن منظور غير اثنين الزركلي في الأعلام حيث قال: " ولد بمصر وقيل بطرابلس الغرب " ثم الدكتور درويش في كتابه " المعاجم العربية " حيث يقول: ولد في تونس حيث نشأ بها. وما نرى أن كليهما نقل ما نقل عن مرجع بل نراهما قد اجتهدا في لاستنباط، فالمراجع كلها لم تذكر عن هذا البلد الذي ولد فيه ابن منظور شيئاً صريحاً "(1)[كذا] .

ولو تأملت هذا الكلام من جميع هؤلاء الدارسين لتملكك العجب، ودهشت لهذا الذي يجري في الدراسات والتحقيقات، من استنامة إلى السهولة والتساهل؛ مع أن الأدفوي يقول في البدر السافر: محمد بن مكرم الأفريقي المحتد القاهري المولد (2) ؛ وهذا ابن سعيد يروي نقلاً عن المكرم نفسه والد محمد أنه - أي المكرم - ولد بالقاهرة (3) ؛ فإذا كان الأب نفسه ولد بالقاهرة فبأي حق يفتش الدارسون عن عبقرية أفريقية (تونسية) لدى ابن منظور؟ ويعود الادفوي في ترجمة " مكرم " - الأب - فيقول: مكرم بن رضوان بن أحمد الأنصاري المصري - ويعرف والده بابن المغربية - قدم جده (يعني إلى مصر) من ناحية (اقرأ من باجة) أفريقية (4) .

لا لبس إذن: جد محمد المدعو رضوان أو علياً والمكنى بأبي الحسن قدم - كما يقول ابن سعيد نقلاً عن المركم نفسه - من باجة أفريقية، أي مما يسمى اليوم القطر التونسي، واستوطن القاهرة، وبها ولد ابنه المكرم في صفر سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة - أي كان أصغر من التيفاشي بسنتين - وسمع المكرم من أبي الجود اللخمي وعلي بن نصر بن العطار وعبد الله بن محمد بن مجلي وأبي الحسن بن المفضل الحافظ المقدسي وأبي عبد الله بن يوسف النقاش، وأجاز له

(1) مختار الأغاني (القاهرة: 1965)، المقدمة على الجزء الأول: ل.

(2)

البدر السافر، الورقة:167.

(3)

النجوم الزاهرة (المغرب - قسم القاهرة) : 322.

(4)

البدر السافر، الورقة:200.

ص: 24

خبق كثير منهم البوصيري والخشوعي والصيدلاني وخرج له المحدث أبو بكر ابن مسدي مشيخة بالسماع والإجازة (1) ، وقد كان ذكياً ذا خاطر متوقد وقدرة على الحفظ باهرة، واختبره الملك الكامل في الحفظ لما سمع عن تميزه في ذلك فوجده ربما حفظ أحد عشر بيتاً من سمعة واحدة فسماه " ملك الحفاظ " ثم سماه " رئيس الأدباء " لتمهره في فنون الأدب، وحظي عند الكامل كثيراً، ونال من صلاته ما جعله ذا نعم طائلة، فاقتنى خزائن شتى من الكتب، كان يبذلها للمستفيدين يطالعون ويحصلون (2) ، وفي أيامه الأخيرة أضر، من غير أن يفارق الخدم السلطانية، وقد كلفه سلطان مصر حينئذ مساعدة عبد الظاهر الأعمى في تذييل كتاب الكامل لابن الأثير (3) ؛ وقد كان التيفاشي كثير التردد إلى منزله - مع غيره من العلماء والأدباء - وأورد له في هذا الكتاب مقطعات شعرية كثيرة، وكانت وفاة المكرم سنة 645/ 1247.

وقد خلف المكرم ولدين: حسناً ومحمداً؛ أما حسن أكبرهما فقد ولد بالقاهرة سنة 613: 1216، وكان آخذاً في طريقة أبيه، معروفاً بغوصه على المعاني في شعره (4) ، وله شعر في كتاب التيفاشي، وكانت تربطه بابن سعيد صداقة متينة.

وأما محمد فقد ولد في يوم الاثنين ثاني عشر شهر محرم سنة 630/ 30 أكتوبر 1232 وأخذ عن أبيه وعن جلة من علماء عصره منهم: أبو الحسن ابن المقير ويوسف بن المخيلي وابن الصابوني وعبد الرحيم بن الطفيل وابن الجميزي ومرتضى بن العفيف والجلال الدمياطي، وتفرد بأشياء، وحدث بالقاهرة، وعمر فأكثروا الحديث عنه (5) وقال الذهبي أنه تفرد في العوالي. وقد خدم في ديوان الإنشاء بمصر مدة طويلة، ثم ولي نظر طرابلس الغرب (أي قضاءها) وكان يتشيع باعتدال، وله شعر ونثر كثير، وله معرفة بالنحو واللغة والتاريخ والكتابة.

وقد شهر ابن منظور باختصاره للكتب، فاختصر الأغاني وهذبه ورتبه على الحروف، وزهر الآداب للحصري، واليتيمة للثعالبي، والذخيرة لابن بسام،

(1) تاريخ الذهبي 20، الورقة:64.

(2)

عن الذهبي والبدر السافر وابن سعيد (بالجمع بين ما أورده في نسق) .

(3)

النجوم الزاهرة: 322.

(4)

النجوم الزاهرة: 323.

(5)

البدر السافر، الورقة: 167 وابن حجر: الدرر الكامنة (ط. القاهرة) 5: 31 والوافي 5: 54، ونكت الهميان:275.

ص: 25

ونشوار المحاضرة للتنوخي، وتاريخ بغداد للخطيب، والذيل عليه لابن النجار، وتاريخ دمشق لابن عساكر (1) . وصفة الصفوة لابن الجوزي، ومفردات ابن البيطار، وفصل الخطاب للتيفاشي، وظل يكتب حتى أضر في آخر عمره، وقد ذكر ابنه قطب الدين أن والده ترك خمسمائة مجلدة بخطه، وقيل أن الكتب التي اختصرها هذا المقدار. وكانت وفاته في العاشر أو الحادي عشر من شعبان سنة 711/ 23 أو 24 من ديسمبر (كانون الأول) 1311 (2) .

- 3 -

‌التعريف بالكتاب

‌1 - الكتاب الأصلي المسمى " فصل الخطاب

"

كان التيفاشي في تردده على جلال الدين المكرم يذكر له أنه ألف كتاباً كبيراً أفنى فيه عمره واستغرق دهره، وسماه ((فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب)) وكان محمد بن جلال الدين في ذلك الوقت في سن الطفولة، يسمع باسم الكتاب، ولا يفقه كثيراً مما يتحدث به الأدباء والعلماء المتحلقون في بيتهم، إلا أنه استنكر هذه التسمية وعدها جرأة من المؤلف، إذ إن ((فصل الخطاب)) خاص بالنبي داود الذي قال الله تعالى فيه (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) (ص: 20) فكيف يجرؤ مؤلف على أن يسمي كتابه ((فصل الخطاب)) ؟.

ويقول ابن منظور الذي كان عمره يوم توفي التيفاشي يقارب الثانية والعشرين، إنه أنسي أمر الكتاب وشغل عنه ثم تذكره وقد جاوز الستين (3) ، فأخذ يبحث عنه، حتى اهتدى إليه أخيراً عند واحد من أصدقاء التيفاشي، فحاول الحصول عليه منه فلم يستطع وأنفق ذلك جهداً كثيراً، وأخيراً حصل عليه سنة 690 (4) . فوجده في مسودات وجزازات وظهور، وقد جعله المؤلف من أربعين

(1) يقوم على تحقيقه ونشره صديقنا الدكتور رضوان السيد الأستاذ بالجامعة اللبنانية.

(2)

لعل الذهبي هو الذي رسم الخطوط العريضة لترجمة ابن منظور، وعنه أخذ الصفدي ترجمته في الوافي وأعيان العصر ونكت الهميان، وعن الصفدي أخذ الكتبي في الفوات 4: 39 والزركشي في عقود الجمان: 307، ثم لخص هذه الترجمة كل من ابن حجر في الدرر الكامنة 5: 31، وابن العماد في شذرات الذهب 6: 26 والسيوطي في بغية الوعاة 1: 248؛ ولدى الادفوي في البدر السافر: 167 بعض استقلال فيما يورده ولكن ذلك موجز كثيراً.

(3)

لو قال وقد جاوزت الخمسين لكان أصح (انظر الحاشية التالية) .

(4)

إذا كان ابن منظور قد ولد أول سنة 630، وتذكر الكتاب حين تجاوز الستين فمعنى ذلك أنه لم يذكره قبل سنة 960، فإذا حصل عليه سنة 960 فهذا يعني أن محاولته لم تستغرق وقتاً طويلاً، كما يحاول أن يوحي للقارئ في مقدمته.

ص: 26

جزءاً، غير إن ابن منظور لم يجد منها سوى ست وثلاثين ربطة (1) . فهل الربطة تساوي جزءاً أو أقل من ذلك؟.

ذلك ما قاله ابن منظور وهو مصدق فيما يقول، إلا أن الصفدي يقول شيئاً آخر، يقول:" له كتاب كبير إلى الغاية وهو في أربع وعشرين مجلدة جمعه في علم الأدب، وسماه " فصل الخطاب؟ " ورتبه وبوبه وجمع فيه من كل شيء وتعب عليه إلى الغاية "(2) ، فلم هذا التفاوت في عدد الأجزاء؟ أغلب الظن أن المجلدة عند الصفدي لا تقتصر على جزء واحد، بل ربما جمعت - في بعض الحالات - جزءين من تجزئة المؤلف.

وينفرد الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب بفرضية لابد من أن يكون لها ما يسوغها، فهو يرى أن فصل الخطاب موسوعة كبيرة لا تقتصر على الآداب كما يقول الصفدي بل تشمل الآداب والعلوم والتاريخ وأنها في أربعين جزءاً لا يقل حجم الجزء عن مائتي صحيفة في القالب الربعي، تتناول:

1 -

مظاهر الطبيعة كالليل والنهار والشمس والقمر والسماء والكواكب، وهذا يقع في جزءين.

2 -

العالم الحيواني بما فيه من أصناف المخلوقات (لا ندري كم جزءاً) .

3 -

عالم الأحجار والمعادن (وهذا يجعل كتاب أزهار الأفكار جزءاً من فصل الخطاب) .

4 -

جزء في الطب عنوانه الشفاء انظر رقم: 13 في مؤلفات التيفاشي) .

5 -

جزء في الموسيقى عنوانه متعة الأسماع (انظر رقم 17 في مؤلفات التيفاشي) .

6 -

تاريخ الأمم (جزءان) .

وهذا في مجموعة ربما لم يتجاوز ثمانية أجزاء أو تسعة، فماذا تحتوي الأجزاء الأخرى حتى تبلغ أربعين؟.

إن الذي يشجع على وضع مثل هذا هو أن متعة الأسماع يحمل على

(1) انظر ص: 5 - 6 من سرور النفس.

(2)

الوافي 8: 288 وانظر هدية العارفين 1: 94.

ص: 27

الورقة الثانية منه ما يشير إلى أنه الجزء الحادي والعشرون (أو الحادي والثلاثون) من فصل الخطاب، وكذلك وجود الجزءين الأولين المتعلقين بمظاهر الطبيعة، ولكن حتى لو أدرجنا كل ما عددناه من مؤلفات التيفاشي ضمن هذه الموسوعة فإن ذلك لا يفي بالمطلوب. على أن بعض المؤلفات كان منذ البداية على شكل كتاب مستقل، فسيف الدين المشد يعد " المسالك " كتاباً مستقلاً إلى جانب " فصل الخطاب "، وشرح شعر ابن هاني لا يمكن أن يدخل في الموسعة، والدرة الفائقة كتاب منفرد أهداه المؤلف لابن العديم، وهناك كتب في شؤون الباه - إذا صحت نسبتها إلى التيفاشي - لا يمكن أن تندرج كلها في الموسوعة، وهكذا، وإذن فإن شيئاً غامضاً لا يزال يحف بتلك الموسوعة، وربما ظل الحال كذلك لأنها فقدت، ولم يرها أحد مكتملة، حتى ولا ابن منظور نفسه.

‌2 - سرور النفس وصلته بفصل الخطاب:

لنقل إذن إن ابن منظور حصل على أكبر عدد من أجزاء تلك الموسوعة فماذا فعل فيها؟ يقول الصفدي إنه اختصرها في عشرة مجلدات وسماها سرور النفس (1) وهو يحدثنا أنه لم يطلع على فصل الخطاب لكنه رأى سرور النفس (2) ، ثم إن الصفدي يفرد الحديث عن كتاب التيفاشي في الأحجار، مما قد يشير إلى أنه لم يكن جزءاً من سرور النفس الذي رآه.

من تلك المجلدات العشرة - إن صح كلام الصفدي - ليس لدينا من سرور النفس إلا جزءان أحدهما سماه المؤلف الأصلي: " نثار الأزهار في الليل والنهار " والثاني سماه: " طل الأسحار على الجلنار في الهواء والنار "(3) .

ومعنى ذلك أن ثمانية أجزاء من تلخيص ابن منظور قد صاغت؛ ومما قد يؤكد هذا الضياع شواهد معينة:

أولها: أن القلقشندي ينقل عن سرور النفس في تحديد الشام فيقول: وطوله

(1) نكت الهميان: 276.

(2)

الوافي 8: 288.

(3)

هذا ينقض قول حسن حسني عبد الوهاب (2: 457) أن ابن منظور غير أسماء الأجزار، لأن ابن منظور ينص على ذلك بقوله مثلاً: الجزء الأول من هذا الكتاب سماه - يعني التيفاشي - نثار الأزهار في الليل والنهار، فهو على هذا لم يغير أسماء الأجزار.

ص: 28

أكثر من شهر (1) ، وهذا يعني أن سرور النفس يحوي جزءاً جغرافياً. إذ إن هذا القول في الشام لا يرد في الجزءين اللذين وصلانا من الكتاب.

وثانيهما: أن السخاوي نقل عن ابن الاكفاني مؤلف " إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد " ما يفيد أن " فصل الخطاب " يعد بين كتب التاريخ التي تدمع بين عيون الأخبار ومستحسنات الأشعار كالعقد والتذكرة الحمدونية وغيرهما (2) .

وثالثها: أن الغزولي ينقل في مطالع البدور قطعة عن الشراب يذكر أن مصدرها سرور النفس ولا وجود لها في الجزءين اللذين نعرفهما، وهذه هي القطعة:

قال التيفاشي في كتابه: سرور النفس بمدارك الحواس الخمس - وهو عدة مجلدات - إنني لما رأيت لهج الخلفاء والملوك وشغف جمهور الأمم من العرب والعجم بشرب شراب العنب واختلاف مذاهبهم في استعماله، مع الاتفاق على الميل إليه، على تباين نحلهم، - وقد ذكر عن الأحنف بن قيس أن رجلاً قال له: يا أبا بحر ما ألذ الأشربة؟ فقال له: الخمر، فقال: كيف علمت ولم تذقها؟ قال: لأني رأيت من أحلت له لا يصبر عنها، ورأيت من حرمت عليه يخطئ البهائم [؟]- ووجدت جل من يستعمل هذا المشروب لا يفي له خيرة بشره، ولا يقوم نفعه بضره، وذلك لجهله بوجه استعماله، فإن من المعلوم أن الخمر إنما المقصود من شربها منفعتان، إحداهما للنفس بالتفريح ونفي الهموم، وأخراهما للبدن بحفظ صحته عليه ونفي الأمراض النازلة به، وتحقق عند كل من له أدنى مسكة من عقل أنها إذا استعملت على غير ما ينبغي انعكست هاتان المنعتان مضرتين، فصار عوض السرور هما وغما وضجراً وسوء خلق، وعوض الصحة مرضاً مزمناً، أو موتاً فجأة، حسب ما نشرحه، إلا أنه لا يقتصر الأمر على عكس هاتين المنفعتين فقط، بل يتعدى إلى مضار أخرى عظيمة، إن سلمت المهجة، كذهاب العقل والمال والجاه والذكر الجميل، بل لا يقف الأمر على ذلك، بل يتعدى الضرر إلى الأعقاب، فإن الحكماء أجمعوا قاطبة على أن مدمن الخمر لا ينجب، وإن أنجب كان الولد أحمق، انتهى كلام التيفاشي (3) .

(1) صبح الأعشى 4: 77.

(2)

الاعلان بالتوبيخ في ((علم التاريخ عند المسلمين)) تأليف فرانز روزنتال وترجمة الدكتور صالح أحمد العلي (بغداد 1963) 425، 705.

(3)

مطالع البدور 1: 143 ونقل النواحي بعضه في حلبة الكميت: 16.

ص: 29

فالغزولي يصرح أن سرور النفس عدة مجلدات، والقطعة التي ينقلها تعد - من حيث مضمونها - مقدمة جزء خاص بالشراب، وهذا الجزء في عداد ما هو مفقود من الكتاب، حتى اليوم.

‌3 - ما مدى جهد ابن منظور في سرور النفس:

ويتلخص عمل ابن منظور في الجزءين الباقيين بالخطوات الآتية:

1 -

حذف من الكتاب ما عده تكراراً، ونفي منه ما يندرج تحت عنوان ما " تمجه الأسماع " - وأغلب الظن أنه يعني شعراً أو خبراً فيه إحماض، فقد كان ابن منظور متحرجاً في هذه الناحية، بينما التيفاشي بعيد عن ذلك؛ ولهذا يمكن أن يقال أن ابن منظور بنى عمله على الاختيار.

2 -

ضم الشيء إلى نظيره، فأعاد ترتيب الأبواب، وقلل من عددها، ونقل مادة من موضع إلى آخر، فهو يعترف بأن " نثار الأزهار " كان بحسب تقسيم المؤلف في أبواب عدة، فرده هو إلى عشرة أبواب، وأن طل الأسحار كان في أبواب كثيرة، فجمع ما فيها في عشرة أبواب أيضاً، وكان القول في الربيع مقالة قائمة برأسها في الجزء السابع من الأقسام الكلية (1) ، فجعله ابن منظور فصلاً صغيراً نسبياً في الباب الأول من الجزء الثاني.

3 -

سمح لنفسه مرة واحدة بإضافة شعر لم يكن في أصل الكتاب (2) ، دون أن يخفي هذه الحقيقة، ولكني لا أظنه تورط في هذا الأمر في مواضع أخرى.

4 -

أدركه التحرج إزاء بعض الغلو في بعض الأشعار، فغير الرواية، ولكنه لم يخف ذلك أيضاً، بل وضح ما أقدم عليه، فمن ذلك قول الخوارزمي:

ناقضت ما قال المؤذ

ن بالفعال وبالكلام

هو قال حي على الصلاة

وقلت حي على المدام فغير البيت الأول وجعله:

قال المؤذن ما أراد وقل

ت من حسن الكلام (3)

(1) هذا يعني أن القول في الربيع كان يمثل جزءاً من 24 (أو من 40)، وأن تقسيمات المؤلف كانت تخضع أحياناً لاتساع الموضوع. وانظر الفقرة 599 رقم:1.

(2)

انظر الفقرة: 323.

(3)

انظر الفقرة: 369.

ص: 30

وما أظنه أقدم على ذلك إلا في موضعين - هذا أحدهما - ومن عجيب شأن ابن منظور أن تستوقفه هذه المبالغات الشعرية فيقدم على التغيير، ولا تستفزه تخرصات المنجمين وأدعيتهم، فيبقيها على حالها.

ولكن ما فعله ابن منظور لم ينقذ الكتاب من التكرار بوجه كلي، ولا جعله حسن التبويب، فضم الحديث عن الاغتباق ومدحه وذم الاصطباح مع وصف الليل (الباب الثاني من الجزء الأول) ثم تخصيص باب لمدح الاصطباح وذك وشرب الليل بعده لا يدل على منطق في التقسيم بل الأولى أن يخصص للاصطباح والاغتباق في حالي المدح والذم باب مستقل؛ ومن تصفح فهرس المحتويات أمكنه أن يرى الاضطراب واضحاً في بعض الفصول (1) ، حتى ليمكن أن يقال أن ابن منظور أحسن حقاً باستنقاذ الكتاب، إذ كان من أقدر على قراءة خط التيفاشي، ولكنه لم يعفه من التحكم المخل، والتعسف الضار.

‌4 - مصادر الكتاب

لو وصلتنا المجلدات العشرة التي اختصرها ابن منظور من فصل الخطاب وسماها سرور النفس، كلنا البحث عن مصادر المادة فيها أمراً بالغ العسر، لتعدد الموضوعات وتنوعها، فإن يكتب موسوعة شاملة لا غنى له عن الاستكثار من المصادر؛ غير أن الجزءين اللذين بقيا من ذلك الكتاب متقاربان في الموضوع، فهما يتناولان الليل والنهار والشمس والقمر والكواكب جملة والفصول والبرق والرعد والمطر والرياح والنار، يتناولان هذه الموضوعات على مستويات مختلفة: على المستوى العلمي والأدبي شعراً ونثراً، وعلى المستوى شبه العلمي، وعلى المستوى اللغوي والديني، وهكذا. ولا ريب أن هذه الموضوعات الكبرى التي يتناولها الكتابان تتفرع إلى موضوعات دقيقة، وترتبط بموضوعات لاحقة، وهكذا يتسع الموضوع أمام المؤلف فتتعدد المصادر، إلا أنه لا يصرح دائماً بأسماء الكتب التي يعتمدها؛ ففي التفسير يشير مثلاً إلى السجاوندي والحوفي وابن فورك، ولكن لا ندري في بعض المواطن إلى أي حد يعتمد كتاباً له التفسير لم يصلنا، ثم على من يعتمد في ذلك الكتاب نفسه. ورغم حاجته الماسة إلى كتب لغوية، فإنه لا يذكر منها إلا سر

(1) انظر مثلاً المواد التي أدرجت في الفصل الخامس من نثار الأزهار.

ص: 31

الأدب للثعالبي وكتاباً يسميه " الترتيب " لأحمد بن مطرف الكناني (1) ، وينقل أكثر الفصل بالنار وأحوالها وما يتصل بها من كتاب " النبات " لأبي حنيفة الدينوري (2) .

وفي المعارف العلمية تجده بقسم هذه المعارف إلى ما هو مستمد من العرب وإلى ما هو مستمد من الفلاسفة القدماء والمنجمين، فأما ما كان مستمداً من العرب فهو إذا اتصل بالحيوان كان فيه عالة على الجاحظ، ولذلك نقل عنه كثيراً فيما يتصل بالحمام وطبائعه، وفصلاً استطرادياً عن الخفاش - ليس هناك ما يسوغ إيراده، إلا الشغف ببعض الأمور المتصلة بالعلم (3) . ويلحق بالمعارف (شبه العلمية) عن العرب تعبير الرؤيا، وهو في هذا المجال يراجع مصادر لا نعرفها؛ فإذا كانت المعارف عن شؤون الجو والكواكب والنجوم والفصول فإنه يستمد مادته من كتب خاصة بهذه المعلومات مثل: كتاب الأنواء لابن قتيبة والأنواء لأبي حنيفة الدينوري والأنواء للسراج والأزمنة والأمكنة للمرزوقي: وفيما يقابل هذه المعلومات من زاوية الفلاسفة القدماء والمنجمين نرى مصادره، تتدرج من أثلولوجيا المنسوب لارسطالطاليس والذي يمثل في الحقيقة بعض آراء افلوطين في تاسوعاته، إلى كتب في الطب مثل سر البيعة لأبي الفرج الطبيب، وهو يعرف كتاب القانون لابن سينا معرفة وثيقة، كما أن لديه حصيلة وافرة من كتب التنجيم والفلك منها كتب لأبي معشر وكوشيار ومكلوشيا والبيروني (وهو لا يذكر هذا الأخير أبداً) وفي مقابل التعبير على مذهب العرب نراه يعرف كتاب أرطاميدورس في هذا الفن، وكتباً أخرى لا يصرح بأسمائها.

وتمتد مصادر الأدبي على نطاق واسع؛ فهو إذ يقدم صورة مسهبة للنشاط الشعري المعاصر المتصل بما يعالجه من موضوعات، نجده يرود دواوين الشعراء من مختلف العصور، إلا أن ذوقه المحدث يبعده كثيراً عن الشعر القديم؛ ولما كان ما يروقه من الشعر هو الصور فإنه يتكئ كثيراً على الشعراء المصورين كابن المعتز وكشاجم، والسري وابن طباطبا، ولهذا السبب نفسه يجد ضالته بيسر في كتب التشبيهات ككتاب تشبيهات ابن أبي عون وكتاب تشبيهات الكتاني، والمجموعات الشعرية مثل اليتيمة (وغيرها من كتب الثعالبي مثل خاص الخاص ومن غاب عنه

(1) يعتمد على هذا الكتاب أيضاً في أزهار الأفكار، انظر ص:154.

(2)

راجع الفقرات: 1029 حتى 1033 ثم 1038 - 1044.

(3)

راجع الفقرتين: 350، 355.

ص: 32

المطرب والمنتحل) ؛ والكتب التي تلتقي مع كتابه في موضوعات الليل والنهار والسحاب والمطر وما شاكل ذلك، وأهم كتاب قدم له مادة في هذا المجال هو كتاب المعاني للعسكري، وعلى نحو أقل بكثير محاضرات الأدباء للراغب الأصبهاني، فإذا ارتبط الشعر بوصف الحمام والطيور وما تثيره من شوق، ووصف البرق وما يثيره من حنين، فمرجعه الكبير الزهرة لابن داود. ولما كان كتابه يمثل لقاء واسع الجنبات بين المشرق والمغرب، فإن اهتمامه بالمغرب وخاصة أفريقية (تونس) يتجلى باعتماده كتاب الأنموذج لابن رشيق، وهو يعرف كتاب قطب السرور للرقيق معرفة وثيقة، وإن لم يذكره، ولعله احتفظ به ليجعله أحد مصادره الهامة في الجزء الخاص بالشراب من موسوعته، كما يعرف كذلك كتاب " زهر الآداب " للحصري؛ فأما معرفته بالأندلس فقد كفاه أمرها صديقه ابن سعيد في ما خطه من مؤلفات؛ ولست أزعم أنني استطعت رد مادة هذين الجزءين إلى جميع مصادرها، فإن هناك مادة كثيرة لم أستطع أن أعرف من أين قام المؤلف بنقلها.

‌5 - قيمة الكتاب:

لست أغالي في ما لسرور النفس من قيمة، فهو صورة لاجتماع ثقافتين: الثقافة العربية الإسلامية والثقافة المستمدة من اليونان، وهو كذلك صورة للقاء على المستوى الأدبي بين المشرق العربي والمغرب العربي؛ كان أمثال التيفاشي وابن سعيد وابن دحية الكلبي وغيرهم من المغاربة المهاجرين يمثلون حلقة وصل بين المشرق والمغرب، فيؤلفون للمشارقة وللمغاربة على السواء، ويعلمون أن المزج بين الجانبين هو الذي يبقي على الوحدة الثقافية قائمة في العالم الإسلامي، ولقد أثروا كثيراً في البيئة المشرقية، وخاصة المصرية حين وجهوا أمثال ابن ظافر وغيره إلى اعتماد ذلك المنهج، واستمر أثرهم من بعد في ابن فضل الله العمري والصفدي والكتبي وغيرهم من مؤلفي القرن التالي.

والكتاب جزء من موسوعة ضخمة: نجد أمثلتها من بعد في نهاية الأرب ومسالك الأبصار، ومناهج الفكر وغير ذلك، ولذا فإن قيمته جزء من القيمة الكبرى لتلك الموسوعة المبكرة التي حاولت أن تضم جميع ضروب المعارف، بل تفوقت على كل ما جاء بعدها في أنها لم تتنكر للثقافة اليونانية.

وتتحدد طبيعة الكتاب بالزمن الذي ألف فيه فالمعارف العلمية التي يحاول

ص: 33

إبرازها كانت في عصر المؤلف علامة على الطريقة العقلية التي تحاول تفسير الظواهر وتعليلها، فإذا الزمن يحيلها إلى أشياء تشبه الأساطير إلا فيما ندر. والشعر الذي احتفل به مؤلف الكتاب، يتصل بموضوعات قلت العناية بها. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن تلك القصائد والمقطعات التي قيلت في تعداد النجوم والمنازل، وفي تصوير تلك النجوم، كانت حينئذ علامة على تعمق الشاعر في النظر إلى الزواهر الكونية، وعلى جهده الفني في ابتكار صور جديدة، ولكن من ذا الذي يعبأ اليوم بكل تلك الصور أو يحاول أن يستكشف ما فيها من براعة: إن أحداً لا يكاد يذكر ذلك التفوق الذي أحرزه ابن طباطبا أو الشريف الموسوي على غيرهما من شعراء عصريهما، ومع ذلك فقد كانا هما وابن مسلمة الأموي وكثيرون آخرون مؤشراً على منتحى أدبي كامل، أهدرت فيه جهود كبيرة.

إن الشاعر يستغرقه عصره وتستغرقه التيارات السائدة فيه فلا يكاد يحس أنه خان رسالته الشعرية الصحيحة أو انحرف بوهم " الحداثة " عنها، وإذا به بعد انقضاء تلك التيارات يصبح جزءاً من تاريخ لا يحب أن يبعثه أحد، إلا شاهداً على ذلك الاستغراق.

فميزة " سرور النفس " أنه يحيي في أنفسنا موضوعاً عنه كثيراً، ويقدم لنا الشواهد عليه من مختلف العصور، وبخاصة عصر المؤلف نفسه، ويمثل حلقة هامة في سلسلة الكتب الأدبية، التي تقع موقعاً وسطاً بين المعرفة العلمية والتسلية بالمعرفة، ويكشف عن منجم كبير من الصور التي حاول الشعراء بها تقريب ظواهر الطبيعة إلى النفوس.

وقد كنت أحسب أن الكتاب استقصائي، لدى مقارنته بأشباهه في هذا المجال، ولكن تبين لي وأنا أراجع المصادر المختلفة بحثاً عن توثيق ما في الكتاب من مادة، أن " منجم الصور " المتصل بظواهر الطبيعة في شعرنا العربي يكاد لا يحصر، وقد أغراني ذلك بادئ الأمر باستدراك ما فات المؤلف، ثم عدلت عن المضي في هذا الطريق الطويل الذي لا يجد اليوم قبولاً كثيراً لدى القراء، وأكتفي بإحالة القراء إلى ما تناثر من شعر سيف الدين المشد - وهو معاصر للتيفاشي - وما حوى من صور كان يمكن للمؤلف أن يستشهد بها، وأن أذكر شاعراً لم يشر إليه المؤلف أبداً وأكثر شعره في وصف الهلال والنجوم والشمس، وذلك هو علي بن محمد بن أحمد بن حبيب (1) .

(1) انظر ترجمته في البدر السافرن الورقة: 22 وهنالك تجد نماذج من شعره.

ص: 34

ومهما يكن من شيء فلدينا هنا كتاب يقترن بعشرات الكتب، ويعد في تضافره معها مفتاحاً لبعض ما استغلق من نصوصها، كما يعد من ناحية أخرى خزانة احتفظت ببعض كتب ضاعت؛ وهو في كل ذلك لا يخلو من فائدة وإمتاع.

وكما اعتمد " سرور النفس " على كتب كثيرة ينقل عنها، ويركب من تلك النقول وحدات جديدة، فإنه أصبح بدوره مرجعاً لكثيرين من المؤلفين من بعد. فنحن نجد سمات منه في كتب مثل الغيث المسجم وحلبة الكميت وغيرهما من الكتب التي اعتمدت عليه دون أن تذكره، ولكن من أكثر الكتب اعتماداً عليه مطالع البدور للغزوالي، فهو ينقل عنه، وحيناً يذكر اسمه وحيناً يغفله (1) ، ولعل هذا هو السبب الذي جعل بعضهم ينسب مطالع البدور للتيفاشي نفسه (2) .

‌6 - تحقيق الكتاب:

كان النصف الأول من هذا الكتاب وهو " نثار الأزهار " قد نشر في استانبول، عن مطبعة الجوائب (سنة 1298) ؛ ولا أعرف أحداً نشر النصف الثاني، ولما كان الجزءان يمثلان وحدة متكاملة رأيت نشرهما معاً، فحصلت على صورة من مخطوطة " سرور النفس " المحفوظة بمكتبة طوبقوسراي في استانبول (تحت رقم: 2557) ، وهي مخطوطة جميلة الخط مشكولة بعض شكل، مرقمة بحسب الصفحات، وجاء في آخرها إنها نسخت بدمشق المحروسة، ووافق الفراغ من نسخها تاسع شهر المحرم سنة ثلاث وسبعين سبعمائة، أي بعد مضي اثنتين وستين سنة على وفاة مرتب الكتاب ابن منظور.

وقد جاء على الورقة الأولى منها: الجزء الأول من كتاب سرور النفس بمدارك الحواس الخمس، تهذيب الإمام العالم العلامة، علامة وقته، العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب، عفا الله عنه بمنه. وعلى هذه الصفحة نفسها صورة تملك باسم محمد بن أحمد بن ينال العلائي الدواداري الحنفي.

وتقع المخطوطة في 460 صفحة، في كل صفحة 15 سطراً ومعدل الكلمات في السطر الواحد (حيث لا يتحدد السطر ببيت من الشعر) 16 كلمة: وقد اجتذبني

(1) ينقل مع ذكر الاسم 1: 50، 88 ودون ذكر للاسم 1: 49، 52، 57، 64، 159.

(2)

انظر بروكلمان، التاريخ والتكملة (نفسه) .

ص: 35

جمال المخطوطة وشجعني على العمل فيها، ولكني ما كدت أتوغل في شعابها حتى وجدت التصحيف والحذف والوهم غالبة عليها، وقد كنت بدأت العمل فيها في بيروت سنة 1974 وبعض 1975، فلما شاء الله لي أن أسافر إلى برنستون بالولايات المتحدة لأعمل أستاذاً زائراً في جامعتها، حملت أوراق هذا الكتاب بين ما حملته معي من أوراق، وأكملت العمل فيها، بل الحق أني استأنفته، إذ استعنت بمكتبة تلك الجامعة في الحصول على مصادر لم تكن متوفرة لدي؛ ومع الزمن رأيت أن الكتاب بدأ يستوي نصاً بقراءته على المصادر المختلفة، ولولا ذلك لم أستطع أن أقدمه للقراء؛ على أني أعتقد أن هناك مواطن ما تزال قلقة، وأسماء أعلام لم أستطع الاطمئنان إلى صحتها ومن ثم إلى التعريف بها، وشعراً لم أعثر عليه في المصادر، رجاء توثيق النص وضبطه، رغم كل ما بذلته من جهد خلال ما يزيد على ست سنوات، كان هذا الكتاب في أثنائها محط عناية مستمرة، تكاد لا تنقطع إلا بسفر طارئ أو شغل ملح.

وقد كان منهجي في التحقيق - كما هو منهجي في أغلب ما حققت - أن أثبت وجه الصواب في المتن، وأن أدرج القراءة المحتملة في الحاشية؛ وأن لا أعبأ بالخطأ الواضح، إلا إن كانت الإشارة إليه استدراجاً للقارئ بأن يقترح وجهاً أصوب. وحتى لا يتشكك القارئ في حقيقة ما أعنيه بالخطأ الواضح، أذكر له أمثالاً منه وردت في الصفحة 20 من الأصل في أبيات من معلقة امرئ القيس:

وليل كموج البحر أرخى سدوله

علي بأنواع الهموم ليقتل

فقلت له لما تمطى بصلته

وأردف أعجازاً وناء بكلكل

فيالك من ليل كأن نجومه

بكل مغار الفتل سدت بيذبل

كان الثريا علقت في مضآيها

بامراس كان إلى صم جندل هذه خمسة أخطاء كتابية: فهل من المعقول أن أصححها ثم أثبت الخطأ في الحاشية؟ أنا أجد فعل ذلك استخفافاً بوقت القارئ وبجهد الطابع، وكشفاً عن سوء تقدير لدى المحقق؛ فليعذرني الذين لا يعجبهم هذا المنهج، إن كنت أسأت إلى ما يعتقدون صواباً.

وقبل أن أختم القول في هذه المقدمة، أرى حقيقاً علي أن أتوجه بالشكر لاثنين من أصدقائي، أولهما الدكتور رضوان السيد الذي أعانني في حل بعض ما

ص: 36

استعصت علي قراءته، وثانيهما الدكتور جورج صليبا الذي راجع بعض المعلومات المتصلة بالفلك والنجوم وكان لتوجيهاته أثرها في ضبط النص.

وبعد فهذا كتاب " سرور النفس " - صورة لمحاولة متواضعة، كلفتني الكثير من الجهد الوقت - أقدمه للقراء والدارسين راجياً أن يكون ذا نفع، والله من وراء القصد، وهو يهدي سواء السبيل.

بيروت في 25 أغسطس (آب) 1980

إحسان عباس

ص: 37

‌ملحق بالمقدمة

‌أشعار التيفاشي

(1)

- 1 -

نبه نديمك أن الليل قد صخبا

والليل قوض من تخييمه الطنبا

والفجر في كبد الليل السقيم حكى

سر المتيم عن إخفائه غلبا

كأنه بظلام الليل ممتزجاً

سمراء تفتر أبدت مبسماً شنبا

كأنما الفجر زند قادح شرراً

في فحمة الليل لاقي الفحم والتهبا

كأن أول فجر فارس حملت

راياته البيض في إثر الدجى فكبا

كأن ثاني فجر غرة وضحت

تسيل في وجه طرف أدهم وثبا (الوافي 8: 289)

- 2 -

سعد الغرب وازدهى الشرق عجباً

وابتهاجاً بمغرب ابن سعيد

طلعت شمسه من الغرب تجلى

فأقامت قيامة التقييد

لم يدع للمؤرخين مقالاً

لا ولا للرواة بيت نشيد

أن تلاه على الحمام تغنت

ما على ذا في حسنه من مزيد (بغية الطلب 2: 160 ونفح الطيب 2: 325)

(1) القطع الشعرية التي وردت للتيفاشي في سرور النفس هي (بحسب الفقرات) : 42، 163، 190، 570، 636، 669، 1001، 1079، 1112، 1116، 1143، 1171، 1180، 1203.

ص: 38

- 3 -

يا طيب الأصل والفرع الذكي كما

يبدو جنى ثمر من أطيب الشجر

ومن خلائقه مثل النسيم إذا

يهفو على الزهر حول النهر في السحر

ومن محياه والله الشهيد إذا

يبدو إلى بصري أبهى من القمر

أثقلت ظهري ببر لا أقوم به

لو كنت أتلوه قرآناً مع السور

أهدت لي الغرب مجموعاً بعالمه

في قاب قوسين بين السمع والبصر

كأنني الآن قد شاهدت أجمعه

بكل من فيه من بدو ومن حضر

نعم ولاقيت أهل الفضل كلهم

في مدتي هذه والأعصر الأخر

إن كنت لم أرهم في الصدر من عمري

فقد رددت علي الصدر من عمري

وكنت لي واحداً فيه جميعهم

ما يعجز الله جمع الخلق في بشر

جزيت أفضل ما يجزى به بشر

مفيد عمر جديد الفضل مبتكر (بغية الطلب 2: 160 - 161 ونفح الطيب 2: 325)

- 4 -

ويوم سرقناه من الدهر خلسة

بل الدهر أهداه لنا متفضلا

أشبهه بين الظلامين غرة

لحسناء لاحت بين فرعين أرسلا - 5 -

مغناك أغناك من أرض تيممها

لكسب مال فلا تفرح به ونم

فسوف تأكل فيه [رزق] كل فتى

من سائر الناس من عرب ومن عجم

ربع تعدى لما يلقى بساحته

من لذة وانبساط سائر الأمم

وكل ما فيه ممنوع ومحترم

فلا سبيل به إلا إلى الحرم (نزهة الألباب: 38)

- 6 -

قد كان للماضين من

أرباب مصر همم

فالفضل عنهم فضلة

والعلم فيهم علم

إن انقضت أعلامهم

وعلمهم وانصرموا

ص: 39

فاليوم مصر عدم

إن كان يرجى العدم

وانظر تراها ظاهراً

بادٍ عليها الهرم (الوافي 8: 290 وخطط المقريزي 1: 122)

- 7 -

ألست ترى الأهرام دام بناؤها

ويفنى لدينا العالم الأنس والجن

كأن رحى الأفلاك أكوارها على

قواعدها الأهرام والعالم الطحن (خطط المقريزي 1: 121)

- 8 -

خليلي لا باق على الحدثان

من الأول الباقي فيحدث ثان

إلى هرمي مصر تناهت قوى الورى

وقد هرمت في دهرها الهرمان

فلا تعجبا أن قد هرمت فإنما

رماني بفقدان الشباب زماني

وعوجا بقرطاجنة فانظرا بها

جنايتي العادين تنتحبان

وإيوان كسرى فانظراه فإنه

يخبركما بالصدق كل أوان

فلا تحسبا أن الفناء يخصني

ألا كل ما فوق البسيطة فان (خطط المقريزي 1: 122)

ص: 40

‌الباب الثاني

‌فى أوصاف الليل وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح

32 -

في التنزيل العزيز (ومن شرِّ غاسقٍ إذا وَقَبَ) غسقا الليل شدة ظلمته. ووقب أي دخل.

33 -

وقال العسكري (1) : من أتم أوصاف الظلمة الذي في كلام البشر مثله قوله عز وجل: (أو كَظُلْماتٍ في بَحْرٍ لُجَيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظلماتٌ بعضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إذا أَخْرَجَ يَدَهُ لم يكَدْ يرَاهَا) .

34 -

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " جَنِّبوا صبيانكم فَحْمةَ العِشاء ". وفحمة الليل اشتداد ظلمته.

35 -

ومن أسماء الليل: الدَّجْنُ والدُّجى والدجنَّة والكافر، سمي كافراً لأنه يستر الأشخاص، والكَفْر - بفتح الكاف - الستر، ومنه اشتق اسم الكافر لأنه يجحد نعمة الله عز وجل ويسترها، والكُفُورُ: القرى النائية عن حواضر المدن لأن ساكنها يغيب عن جمهور الناس ويستتر عنهم، وفي الحديث:" لا تسكنوا الكفور (2) ، فإن ساكني الكفور كساكني القبور ".

36 -

وقال الأصمعي: كل ظلماء من الليل حِنْدِسٌ، والليلة الليلاء: الشديدة الظلمة، وكذلك الليل الأليلُ؛ وعسعس الليل: اشتدت ظلمته، وكذلك اكفهرّ وادلهمّ، وليل مكفهر ومدلهم وغيهب وغهيب، كل ذلك شديد السواد.

(1) ديوان المعاني 1: 345.

(2)

ص: القرى، وانظر الجامع الصغير: 2: 201.

ص: 19

37 -

سأل هشام (1) بن عبد الملك خالد بن صفوان: كيف كان سيرك؟ فقال: قتل أرضاً عالمها، وقتلت أرض جاهلها (2) ، بينا أنا أسير ذات ليلة إذ عصفت ريح شديد ظلماؤها. أطبق سماؤها، وطبَّق سحابها، وتعلّق ربابها، فبقيت مُحْرَنْجماً كالأشقر إن تقدَّم نُحِرَ، وإن تأخر عُقِرَ (3) ، لا أسمع لواطئٍ همساً، ولا لنابح جرساً؛ تدلّت عليَّ غيومها، وتوارت عنى نجومها، فلا أهتدي بنجمٍ طالع، ولا بعَلَمٍ لامع، أقطع مَحَجَّةً، وأهبط لُجَّةً، في ديمومةٍ قفر، بعيدة القعر، فالريح تخطفني، والشوك يخبطني، في ريحٍ عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشني إِكامها، وقطعني سلامها؛ فبينا أنا كذلك قد ضاقت عليَّ معارجي، وسُدَّتْ مخارجي، إذ بدا نجمٌ لائح، وبياضٌ واضح. وعرجتُ إلى آكام محزئلّة فإذا أنا بمصانعكم هذه، فقرَّت العين، وانكشفَ الرَّيْنُ.

فقال هشام: لله درك، ما أحسنَ وصفك.

38 -

ومن أحسن ما جاء في الليل قول ذي الرمة (4) :

وليلٍ كجلبابِ العروسِ ادَّرعته

بأربعةٍ والشخصُ في العين واحدُ أخذه ابن المعتز فقال:

وليل كجلبابِ الشَّبابِ. (5)

قال العسكري (6) : جلباب العروس أطرب من جلباب الشباب.

9 -

وقال العلوي (7) :

وربَّ ليلٍ باتت عساكرُهُ

تحملُ في الجوِّ سودَ راياتِ

لامعةً فوقها أسنَّتُهَا

مثلَ الأزاهيرِ وَسْطَ روضات

(1) انظر محاضرات الراغب 4: 546 (2: 241) .

(2)

((قتل أرضاً خابرها وقتلت أرض جاهلها)) ورد منسوباً للإسكندر في مختار الحكم: 246.

(3)

كالأشقر إن تقدم نحر إن تأخر عقر: هذا مثل، انظر فصل المقال: 376 والميداني 2: 58.

(4)

ديوانه: 1108 وديوان المعاني 1: 342 وتشبيهات ابن أبي عون: 20 ومجموعة المعاني: 190 والشريشي 1: 161.

(5)

تتمة البيت: ((قطعته، بفتيان صدق يملكون الأمانيا)) .

(6)

ديوان المعاني 1: 342.

(7)

العلوي: هو المعروف بابن طباطبا اصبهاني العلوي، انظر الفقرة: 59 في ما يلي.

ص: 20

40 -

ومن أحسن الاستعارات في الليل قول عبد الصمد بن المعذّل (1) :

أقولُ وجنحُ الدجى مُلْبَدُ

ولليلِ في كلِّ فجٍّ يدُ

ونحنُ ضجيعانِ في مجسدٍ

فلله ما ضُمِّنَ المجسد

أيا ليلة الوصل لا تنفدي

كما ليلةُ الهجرِ لا تنفد

ويا غدُ إن كنتَ لي راحماً

فلا تدنُ من ليلتي يا غد 41 - قال العسكري (2) : وأجود ما قيل في طول الليل من الشعر القديم، قول امرئ القيس:

وليلٍ كموج البحر أرخى سدولَهُ

عليَّ بأنواع الهمومِ ليبتلي

فقلتُ له لما تمطَّى بِصُلْبِهِ

وأردفَ أعجازاً وناء بكلكل

ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي

بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثل

فيا لك من ليلٍ كأن نجومه

بكل مُغارٍ الفتل شُدَّْت بيذبل

كأن الثريا عُلِّقَتْ في مصامها

بأمراسِ كَتّانٍ إلى صُمِّ جندل قال العسكري: هذا من فصيح الكلام وأبدعه (3) . شبَّه الليل بالبحر، وترادف ظلماته بالموج، واستعار له سدولاً وهي الستور، واحدها سِدْل، لما يحول منه بين البصر وبين إدراك المبصرات؛ وقوله:" وما الإصباح منك بأمثل " معناه أن صبحك إذا كان فيك فليس فيك راحة، كأنه يريد به طلوع الفجر المتقدم بين يدي ضوء النهار، وقيل معناه: إن ليله كنهاره في البث، وانه لا يجد في النهار راحة كما لا يجدها في الليل، فجعل الليل والنهار سواء فيما يكابده من الوجد والحب.

42 -

قال الشيخ المصنف: كنت وقفت لشاعر بعد امرىء القيس على هذا المعنى وفيه زيادة مطبوعة وذهبت عني فنظمت في معناه:

لا أظلمُ الليلَ الطويلَ وأشتكي

منه وما لي في الصباح رجاءُ

(1) شاعر عباسي توفي في حدود سنة 240، انظر ترجمته في الأغاني 13: 228 وطبقات ابن المعتز: 368 وشعره في الشريشي 1: 160 وديوان المعاني 1: 345 ونسبه لابن أبي فتن، والأول في تشبيهات ابن أبي عون: 19 وانظر ديوانه: 82 - 83.

(2)

ديوان المعاني 1: 345 وانظر زهر الآداب: 748 وتشبيهات ابن أبي عون: 206 والشريشي 2: 244 ورسالة الطيف، الورقة: 152 ب (108) .

(3)

العسكري: أفصح الكلام وابرعه، والنص المنقول عنه ينتهي هنا.

ص: 21

مَنْ كان يطمع في الصباح براحةٍ

ويسرهُ إنْ لاح منه ضياء

فجوايَ متّصلُ الظلامِ بضوئِهِ

الليلُ عندي والنهارُ سواء وهذا هو معنى بيت امرئ القيس؛ ثم ذكرت البيت الذي كنت أحفطه وهو للطرماح (1) :

ألا أيها الليل الطويلُ ألا اصبحِ

ببمٍّ وما الإصباح منك بأروحِ

ولكنَّ للعينين في الصبحِ راحةً

بطرحِهِما لَحْظَيْهِما كلَّ مَطْرَحِ بمً: اسم مدينة كرمان - بباء موحدة تحتها - ويروى:

أليلتنا في بمّ كَرْمَانَ أصبحي

بخيرٍ وما الإِصباحُ منكِ بأروحِ وهذا معنى امرئ القيس، واستدرك فقال:" على أن للعينين في الصبح راحة " فجاء بما لا يُشَكُّ فيه، إلا أن لفطه لا يقع من لفظ امرئ القيس موقعاً، والتكلف في قوله " بطرحهما طرفيهما كلَّ مطرح " بيّن، والكراهة فيه ظاهرة؛ ونحوه قول ابن الدمينة (2) :

أقضّي نهاري بالحديثِ وبالمنى

ويجمعني والهمَّ بالليلِ جامعُ 43 - وأنشد العسكري لنفسه (3) :

وأزدادُ في جنحِ الظلامِ صبابةً

ولا صَعْبَ إلاّ وهو بالليل أَصعبُ 44 - إسحاق الموصلي في معنى النابغة (4) :

إنّ في الصبحِ راحةً لمحبٍّ

ومع الليلِ ناشئاتُ الهمومِ هذا مأخوذٌ من ناشئة الليل.

(1) ديوان المعاني 1: 346 وديوان الطرماح: 96 والزهرة: 290 وحماسة ابن الشجري: 216 وزهر الآداب: 748 واللآلي: 220 والبلدان (بم) وتشبيهات ابن أبي عون: 206 والشريشي 2: 243. والأول في الغيث 1: 15.

(2)

ديوان الكعاني 1: 346 وديوان ابن الدمينة 88 وتخريجه فيه ص: 235.

(3)

ديوان المعاني 1: 247 ومجموع شعره: 62.

(4)

ديوان المعاني 1: 347.

ص: 22

45 -

وتمنى بعض المُثْقَلِينَ بالدّين دوام الليل فقال (1) :

ألا ليَت النهارَ يعودُ ليلاً

فإنّ الصبحَ يأتي بالهمومِ

دواعٍ لا نطيقُ لها قضاءً

ولاردّاً وروعاتُ الغريم قوله: " ولا ردّاً " من التتميم الحسن.

46 -

وقول امرئ القيس: " فيا لك من ليل كأنّ نجومه " إلى آخر الأبيات قالوا: إن البيت الأخير فضل لا معنى له ولا فائدة فيه، لأن الثريا في جملة النجوم، وقد اكتفى بذكرها في البيت الأول " فيا لك من ليلٍ كأنّ نجومه " ولم أجدّ لأحد من علماء البديع من وجَّه وجهاً لامرئ القيس في ذلك؛ قال الشيخ: والوجه عندي أن من عادة العرب إذا ذكرت جملة أن تستثني أشرفها منها وتفرد بالذكر عنها لتدل على شرفه وفضله، ومثله في القران العزيز (فيهما فاكهةٌ ونَخْلٌ وَرُمّان) والنخلُ والرمانُ من جملة الفاكهة، فلما ذكر امرؤ القيس النجوم اسثنى الثريا وأفردها ليدل على شرفها وفضلها.

47 -

القاضي التنوخي (2) :

وليلةٍ كأنها يومُ أَمَلْ

ظلامها كالدَّهْرِ ما فيه خَلَلْ

كأنما الإصباحُ فيها باطلٌ

أزهقه الله بحقٍّ فبطل

ساعاتها أَطولُ من يوم النوى

وليلةِ الهجر وساعاتِ العذل

مُوصَدَةٌ على الورى أبوابُهَا

كالنارِ لا يخرجُ منها مَنْ دَخَل وهذا مستملح، وإن لم يكن مختاراً من التشبيه، لأن إخراج المحسوس إلى ما ليس بالمحسوس في التشبيه به خفاء.

48 -

ابن المعتز (3) :

كأن نجومَ الليلِ في حجراتها

دراهمُ زَيْفٍ لم تُحَرَّرْ على النقد

(1) ديوان المعاني 1: 347.

(2)

ديوان المعاني 1: 347 ونهاية الأرب 1: 136.

(3)

ديوان المعاني 348 ولم يرد في ديوانه.

ص: 23

يريد أن نجومه واقفة ليست تسير كأنها دراهم زيف ليست بنقد فتُصْرَف.

49 -

ولبعض المحدثين (1) :

عهدي بنا ورداءُ الليلِ منسدلٌ

والليلُ أَطوله كاللمحِ بالبصرِ

فالآن ليليَ مذ بانوا فَدَيْتُهُمُ

ليلُ الضريرِ فصبحي غيرُ منتظر قال: وهذا أبلغ من قول امرئ القيس، إلا أنه لا يدخل في مختار الكلام لابتذال لفظه، والمعنى أن ليله ممدود لا انقضاء له كليلة الضرير، والدهر كله عند الضرير ليل.

50 -

ولآخر في معنى قول امرئ القيس (2) :

يا ليل ليتك سرمداً أبداً

ما في الصباحِ لعاشقٍ فَرَجُ 51 - وأجود ما قيل في وصف الليل (3) :

وليلِ يقول الناسُ من ظلماته

سواءٌ بصيراتُ العيون وعورها

كأن لنا منه بيوتاً حصينةً

مُسوحٌ أعاليها وساجٌ كسورها هذا أبدع تشبيه في الليل فإنه شبه أعلاه بِمِسْحِ شَعْرٍ لتكاثف ظلمته وأسفلهُ بساجٍ، وهو الطيلسان الأخضر، لما بشوب ما بين يدي الناظر فيه من يسير الضياء. وكسور البيت: أسافله المرخاة منه.

52 -

ولآخر (4) :

وليلٍ ذى غياطلَ (5) مُرْجَحِنّ

رميتُ بنجمه عَرَضَ الأُفولِ

يردّ الطرفَ (6) حندسُهُ كليلاً

ويملأ هَوْلُهُ صدْرَ الدليل

(1) ديوان المعاني 1: 348 والذخيرة 3: 696 وحلبة الكميت: 304 ورسالة الطيف، الورقة: 153/ أ (112) ومن غاب عنه المطرب: 54 - 55 لسيدوك الواسطي وفي لطائف اللطف للثعالبي: 128/ ألكشاجم وفي بغية الطلب 5: 22 للوزير المغربي.

(2)

تشبيهات ابن أبي عون: 206.

(3)

ديوان المعاني 1: 343 لمضرس بن ربعي، والأزمنة والأمكنة 2: 233 لمضرس بن لقيط، وزهر الآداب: 751 لابن محكان السعدي، ومحاضرات الراغب 4:546.

(4)

زهر الآداب: 752.

(5)

زهر الآداب: مدلهم.

(6)

زهر الآداب: منقبضاً.

ص: 24

53 -

آخر (1) :

وليلٍ فيه تحسبُ كلَّ نجمٍ

بدا لك من خَصاصةِ طيلسان وصف الليل بشدّة السواد، وكأنّ النجوم تظهر من خروق طيلسان، وشبّه سواد الليل بالطيلسان لخضرته، وشدة الخضرة راجعة إلى السواد، ومنه قوله تعالى (مُدْهَامتانِ) من شدة الخضرة من الريّ؛ والمدهام: الأسود. ومنه سمّي سواد العراق سواداً لنخله وجنانه وكثرة مائه، وذلك أن الماء الكثير البعيد القعر يظهر أسود، ولذلك شبّه امرؤ القيس الليل بالبحر، ويقال لليل إذا اسود أخضر؛ قال الراجز يخاطب ناقته:

وعارضي الليلَ إذا ما اخضرّا

54 - وقال الشَّماخُ (2) :

وليلٍ كلونِ الساجِ أسودَ مظلمٍ

قليلِ الوغى داجٍ ولونِ الأَرَنْدَجِ أي قليل الأصوات، والأرندج: الجلود السود التي يقال لها بالفارسية رنده، وجمع الساج سيجان.

55 -

ومما يحكى من الاستشهاد على أن الساج الطيلسان أن أبا دلامة كان شاعراً خفيف الروح مقبولاً عند خلفاء بنى العباس، وكان ماجناً منهمكاً على الخمر، فحظر عليه الخليفة شُرْبَها، وأمر الشرطيّ متى وجده سكران أن يخرّق طيلسانه ويُحْبَسَ في بيت الدجاج، فأُخِذَ سكران فحبس، فلما أصبح كتب إلى الرشيد (3) :

أميرَ المؤمنين فَدَتكَ نفسي

علامَ حبستني وخرفتَ ساجي

أُقادُ إلى السجونِ بغير ذنب

كأني بعضُ عُمّالِ الخراج

ولو معهم حُبِسْتُ لهانَ ذاكم

ولكني حبستُ مع الدجاج

دجاجات يُطيفُ بهنَّ ديك

تناجى بالصياحِ إذا يناجي فضحك منه الرشيد وأطلقه.

(1) الأنواء لابن قتيبة: 186.

(2)

الأنواء: 186 وديوانه: 78.

(3)

انظر الأغاني 10: 263 - 264 ومعاهد التنصيص 2: 220 وجمع الجواهر: 113 وربيع الأبرار الورقة: 23 ب والبصائر 2: 623 وبهامش ص نقل عن البصائر بخط مختلف عن خط الأصل.

ص: 25

56 -

وفي شعر ذي الرمة " الرويزي ":

وليلٍ كأثناءِ الرويزيّ جُبْتُهُ

بأربعةٍ والشخصُ في العينِ واحدُ قال: الرويزيّ الطيلسان، وهي الأكسية الخُضر الرويزية، قال المصنف وكذلك أُثبتَ في " كتاب الأنواء " لأبي حنيفة الدينوريّ.

57 -

لغز في السنة:

أربعةٌ وهي ثُلْثُ واحدةٍ

كثيرةُ العدِّ وهي ثنتان

دائمةُ السير لا يدان لها

تقطع أرضاً ولا جناحان أراد بالأربعة الفصول، وهي ثلث واحدة: أراد أن الأربعة ثُلث السنة، وكثيرة العدّ أراد الأيام، وهي ثنتان أي أنها في الغالب شتاء وصيف، كما قال عز وجل (رحلةَ الشتاءِ والصَّيْفِ) والبيت الثاني ظاهر لأنها تسير وتتصرَّم وليس لها عضوٌ تتحرك به.

58 -

أبو القاسم الزاهي (1) :

الريحُ تعصفُ والأغصانُ تعتنقُ

والمزنُ باكيةٌ والزهرُ مُغْتَبقُ

كأنما الليلُ جَفْنٌ والبروقُ له

عينٌ من الشمسِ تبدو ثم تَنْطَبِقُ 59 - العلوي (2) :

وربَّ ليلٍ باتت عساكرُهُ

تحملُ في الجوِّ منه رايات

في كلِّ أفقٍ من السماءِ له

كمينُ جَيْشٍ من الدجنَّات

تردّ عنه العيونَ خاسئة

مرتبكاتٍ ذواتِ حيرات 60 - ومن المبالغة في وصف الليل قول عبد العزيز بن خلوف الجروي (3) من أفريقية:

(1) هو علي بن إسحاق بن خلف الزاهي من شعراء اليتيمة وشعره في اليتيمة 1: 250 وحلبة الكميت: 290.

(2)

ص: العطوي؛ والتصويب عن العسكري ومن أبياته هذه بيتان في ديوان المعاني 1: 345 ونهاية الأرب 1: 143 وانظر الفقرة: 39 في ماتقدم.

(3)

وردت ترجمة الجروي ي انباه الرواة 2: 180 والمسالك 11: 303.

ص: 26

ومن دونها طَوْدٌ من السُّمْرِ شامخٌ

إلى النجمِ أو بحرٌ من البيضِ مُتْأَقُ

وأسودُ لا تبدو به النارُ حالكٌ

وبيداءُ لا تجتازها الريحُ سَمْلَقُ قوله: " لا تبدو به النار " من أعجب المبالغة، مع اختصار لفظ وجزالة معنى.

وذكر ابن رشيق (1) في " أنموذج الشعراء بأفريقية " أن عبد العزيز بن خلوف أخذ هذا المعنى من محمد بن إبراهيم، وذكر له حكاية لطيفة قال: كان لمحمد بن إبراهيم هذا محبوب فماحكه فيه عبد أسود اسمه خلف، فقطعه عنه، فماحكه فيه عبد آخر اسمه فرج، فعمل أبياتاً مشهورة بالقيروان أولها:

أيّ الهموم عليه اليوم لم أعُجِ

وأيّ بابٍ من الأَحزانِ لم ألِجِ

تأملوا ما دهاني تبصروا قِصصاً

ظلامُهَا ليس يُمْشى فيه بالسُّرُجِ هذا موضع الاستشهاد.

ما نالني الخُلْفُ إلا وهو من خَلَفٍ

وعاقني الضيقُ إلا وهو من فَرَج

حتى لقد صار كافورُ المشيب هوىً

أشهى لنفسيَ من مِسْكِ الصّبا الأَرِجِ 62 - النابغة الذبياني في طول الليل (2) :

كليني لهمٍّ يا أُميمةَ ناصبِ

وليلٍ أُقاسيه بطيءِ الكواكبِ

تقاعسَ حتى قلتُ ليس بمنجلٍ

وليس الذي يرعى النجومَ بآيبِ الذي يرعى النجوم: الصبح، استعار له اسم الراعي لكونه يأتي معقباً وراء النجوم.

63 -

شاعر:

ألا هل على الليلِ الطويلِ معينُ

إذا نزحتْ دارٌ وحنَّ حزينُ

أُكابدُ هذا الليلَ حتى كأنما

على نجمه أنْ لا يَغُورَ يَمينُ 64 - آخر (3) :

(1) راجع هذه القصة في المسالك 11: 302.

(2)

ديوان المعاني 1: 346 وديوان النابغة: 54 وزهر الآداب: 748 وتشبيهات ابن أبي عون: 209 ورسالة الطيف، الوراقة: 152/ أ.

(3)

تشبيهات ابن أبي عون: 208.

ص: 27

ما لنجومِ الليل لا تغربُ

كأنها من خلفها تُجْذَبُ

رواكدٌ ما غاب في غربها

ولا بدا مِنْ شرقها كوكب 65 - آخر (1) :

كأن بهيمَ الليلِ أعمى مقيَّدٌ

تحيَّرَ في تيهٍ من الأرضِ مَجْهَلِ

كأنَّ الظلامَ حين أرخى سُدُولَهُ

يبيتُ على ليلٍ بليلٍ مُوَصَّل 66 - ابن الرقاع (2) :

وكأنّ ليلي حينَ تغربُ شمسُهُ

بسوادِ آخرَ مثلِهِ مَوْصُولُ

أَرعى النجومَ إذا تغيَّبَ كوكبٌ

أَبصرتُ آخرَ كالسرّاجِ يجول 67 - أصرم بن حميد (3) :

وليلٍ طويلِ الجانبين قطعتُهُ

على كَمَدٍ والدمعُ تجري سواكبُهْ

كواكبه حَسْرى عليه كأنما

مقيَّدةٌ دون المسير كواكبه 68 - وذكر عمر بن شَبَّةَ أن الأصل في ذكر الليل الطويل بيت الحارث بن خالد وهو (4) :

تعالوا أَعينوني على الليلِ إنه

على كلِّ عينٍ لا تنامُ طويلُ ثم تبعه الناس.

69 -

بشار بن برد (5) :

خليلي ما بالُ الدُّجَى ليس يَبْرحُ

وما لِعَمودِ الصبح لا يتوضَّحُ

(1) تشبيهات ابن أبي عون: 207.

(2)

تشبيهات ابن أبي عون: 207 والمختار: 17 ونهاية الأرب 1: 139.

(3)

ذكره في الأغاني 22: 513، والبيتان في تشبيهات ابن أبي عون: 208 ونهاية الأرب 1: 139.

(4)

تشبيهات ابن أبي عون: 210 وشرح المختار: 19 وأمالي الزجاجي: 12 منسوباً لمسلم بن جندب والعقد 6: 423؛ وانظر ملحقات الديوان: 122.

(5)

ديوان بشار 2: 104 وشرح المختار: 12 ومنها بيتان في كل من ديوان المعاني 1: 350 ونهاية الأرب 1: 136 وحلبة الكميت: 305 وثلاثة في هر الآداب: 746 وتشبيهات ابن أبي عون: 207. ورسالة الطيف، الورقة: 152 ب (110) .

ص: 28

أضلَّ النهارُ المستنيرُ طريقَهُ

أَمِ الدهرُ ليلٌ كلُّهُ ليس يبرح

لطالَ عليّ الليلُ حتى كأنني

بليلين موصولين لا يتزحزح

أَظنُّ الدجى طالتْ وما طالتِ الدجى

ولكنْ أَطالَ الليلَ همّ مبرح 70 - وله (1) :

كأن جفونَهُ سُمِلَتْ بشوكٍ

فليس لنومه فيها قَرارُ

جَفَتْ عيني عن التغميضِ حتّى

كأنَّ جفونَها عنها قصار

أقولُ وليلتي تزدادُ طولاً

أما لليلِ بعدهمُ نهار 71 - شاعر:

صباحي ما لضوئك لا ينيرُ

وليلي ما لنجمك لا يغورُ؟!

أَقُيِّدَ كلُّ نجمٍ كان يجري

أمِ الظلماءُ حائرةً تدور 72 - أبو الفضل محمد بن عبد الواحد التميمي (2) :

يا ليل هلا انجليتَ عن فَلَقِ

طُلْتَ ولا صَبْرَ لي على الأَرَقِ

جَفَتْ لحاظي التغميضَ فيك فما

تُطْبِقُ أَجفانَها على الحَدق

كأنها صورةٌ مُمَثَّلَةٌ

ناظِرُهَا الدهرَ غيرُ منطبق 73 - التنوخي (3) :

وليلةِ مشتاقٍ كأنَّ نجومها

قد اغتصبت عيني الكرى فهي نُوَّمُ

كأن عيونَ الساهرين لطولها

إذا شَخَصَتْ للأنْجمِ الزُّهْرِ أَنجم 74 - جحظة البرمكي (4) :

وليلٍ في كواكبه حرانٌ

فليس لطولِ مُدَّتها انتهاءُ

(1) ديوان بشار 3: 247 وشرح المختار: 7 - 8 والزهرة: 290 وزهر الآداب: 747 وتشبيهات ابن أبي عون: 209 (بيتان) .

(2)

انظر في ترجمته الذخيرة 4/ 1: 87 والجذوة: 68 (البغية رقم: 209) ونفح الطيب 3: 111 - 116 وتتمة اليتيمة 1: 64 والوافي 4: 67 وكانت وفاته في حدود عام 455هـ؟.

(3)

اليتيمة 2: 338.

(4)

ورد البيت الثاني في مجموعة المعاني: 191 والبياتن في رسالة الطيف، الورقة: 153/ أ (110) وربيع الأبرار الورقة: 3/ أ.

ص: 29

عدمتُ تبلّجَ الاصباحِ فيه

كأن الصبحَ جودٌ أو وفاء 75 - جعفر بن محمد (1) :

ربَّ ليلٍ كالبحرهَوْلاً وكالده

ر امتداداً وكالمداد سوادا

خُضْتُهُ والنجومُ يوقدن حتى

أطفأ الفجرُ ذلك الإِيقادا 76 - سعيد بن حميد (2) :

يا ليلُ بل يا أَبَدُ

أنائمٌ عنكَ غَدُ

يا ليل لو تلقى الذي

ألقى بها أَو تجد

قصَّر من طولك أو

ضُوعف منكَ الجلد 77 - العباس بن الأحنف (3) :

أيها الراقدون حولي أَعينو

ني على الليل حسبةً وانتصارا

خبّروني عن النهارِ حديثاً

وصفوه فقد نسيتُ النهارا 78 - وله (4) :

رقدتَ ولم ترثِ للساهر

وليلُ المحبِّ بلا آخر

ولم تدرِ بعد ذهابِ الرقا

دِ ما فعل الدمعُ بالناظر 79 - علي بن الخليل (5) :

(1) رسالة الطيف، الورقة: 155 ب.

(2)

شرح المختار: 18 وتشبيهات ابن أبي عون: 209 والقالي 1: 101 ونهاية الأرب 1: 139 والأول منها في ديوان المعاني 1: 349. أما سعيد بن حميد فإنه من شعراء العصر العباسي، كان حياً بعد عهد المعتصم، وكان أبو من وجوه المعتزلة، انظر الأغاني 18: 90 وقد جمع يونس أحمد السامرائي رسائله وأشعار (بغداد 1971) وأبياته هذه وردت في ذلك المجموع ص: 126.

(3)

ديوان العباس: 133 والثاني في ديوان المعاني 1: 349 ونهاية الأرب 1: 138 وانظر تشبيهات ابن أبي عون: 209 وشرح المختار: 12 وحماسة ابن الشجري: 215 وحلبة الكميت: 305 ورسالة الطيف، الورقة: 152/ أ.

(4)

ديوان العباس: 154 وهما في الآلي: 311 لخالد الكاتب وكذلك في شرح المختار: 13 ومن غاب عنه المطرب: 54 والزهرة: 289 والفوات 1: 402 وتشبيهات ابن أبي عون: 210.

(5)

ديوان المعاني 1: 348 وشرح المختار: 20 والذخيرة 1/ 2: 276 وزهر الآداب: 749 ونهاية الأرب 1: 135 والغيث 1: 17 ومعاهد التنصيص 1: 266.

ص: 30

لا أظلم الليل ولا أدعي

أن نجوم الليل ليست تزول

ليلي كما شاءت قصيرٌ إذا

جادت وان صَدتْ فليلي طويل أخذه ابن بسام فقال (1) :

لا أظلمُ الليلَ ولا أدَّعي

أن نجومَ الليلِ ليست تغورْ

ليلي كما شاءت فإن لم تَجُدْ

طال وان جادتْ فَلَيْلي قصير 80 - وذكر الفرزدق العلة في طول الليل فقال (2) :

يقولون طال الليلُ والليلُ لم يَطُلْ

ولكنَّ من يهوى من الوجد يسهرُ 81 - شاعر (3) :

أخو الهوى يستطيل الليلَ من سهره

والليلُ من طوله جارٍ على قَدَرِهْ

ليلُ الهوى سنَةٌ في (4) الهجر مُدَّتُهُ

لكنه سِنَةٌ في الوصلِ مِنْ قِصَرِهْ 82 - الوليد بن يزيد (5) :

لا أسألُ الله تغييراً لما صَنَعَتْ

سُعْدَى وانْ أسهرتْ عينيَّ عيناها

فالليل أطولُ شيءٍ حين أفقدها

والليل أقصرُ شيءٍ حين ألقاها 83 - شاعر:

ليلٌ طويلٌ كمثلِ أحْرُفِهِ

أوَّلُهُ في الهجاء آخِرُهُ 84 - وذكر آخر سروره بالسهر فقال (6) :

يا نسيمَ الروضِ في السَّحَرِ

وشبيهَ الشمسِ والقمر

إنَّ من أسْهرتَ ناظرَهُ

لَقَريرُ العينِ بالسهر

(1) انظر المصادر السابقة، وأضيف إليها القالي 1: 106 وتشبيهات ابن أبي عون: 208 والشريشي 4: 284. والزهرة: 289 منسوباً لعلي بن هشام وكذلك في المعاهد 1: 266 وهو في معجم المرزباني: 136 لعلي بن الخليل الكوفي.

(2)

شرح المختار: 19 والقالي 1: 100 وتشبيهات ابن أبي عون: 208.

(3)

نهاية الأرب 1: 135 والشريشي 4: 283 (والقافية دون هاء) وهو للمطراني.

(4)

ص: والدهر.

(5)

شرح المختار: 21 وزهر الآداب: 749 والذخيرة 1/ 2: 276 ونهاية الأرب 1: 135 والعكبري 1: 40 وديوان الوليد: 20 والشريشي 4:4: 283 والواحدي: 473 والمختار من القطب: 219.

(6)

الزهرة: 289.

ص: 31

85 -

ومما يطرب قول محمد بن عبد الملك الزيات (1) :

كتبتْ على فصٍّ لخاتمها

مَنْ مَلَّ من أَحبابِهِ رقدا

فكتبتُ في فصي ليبلُغَها

مَنْ نامَ لم يشعرْ بمن سَهِدا

قالتْ يعارضني بخاتَمِهِ

والله لا كَلَّمْتُهُ أبدا 86 - إبراهيم بن خفاجة (2) :

يا ليلَ وجدي بنجدٍ

أمَا لطيفك مَسْرَى

وما لدمعي طليقٌ

وأنجمُ الجو (3) أسرى

وقد طما بحرُ ليلٍ

لم يُعْقِبِ المدَّ جزرا

لا يعبرُ الطرفُ فيه

غيرَ المجرةِ جِسْرا 87 - ابن الرومي:

يحولُ الحولُ في الوصلِ

ويبقى ليَ تذكارُهْ

ويومُ الهجرِ والبينِ

كيومٍ كان مِقْدارُهْ 88 - مؤيد الدولة الطغرائي (4) :

ليلي وليلَى نومي اختلافُهُما

حتى لقد صَيّراني في الهوى مثلا

يجودُ بالطولِ ليلي كلّما بَخَلتْ

بالوصل ليلى وان جادتْ به بخلا 89 - علي بن أبى غالب من أفريقية (5) :

كأنَّ نجومَ الليلِ بُدِّلَ سيرها

فصارتْ إلى نحوِ المشارقِ تقصدُ 90 - الخفاجي الحلبي (6) :

(1) الزهرة: 292.

(2)

ديوان ابن خفاجة: 155 ونهاية الأرب 1: 138.

(3)

ص: الليل.

(4)

الشريشي 4: 283 للسلامي وفي معاهد التنصيص 2: 266 لبعض المتأخرين.

(5)

هو علي بن عبد الكريم من شعراء الأنموذج؛ انظر المسالك 11: 365 وفيه البيت.

(6)

هو ابن سنان الخفاجي واسمه عبد الله بن محمد بن سعيد (- 466) ؛ وترجمته في الفوات 3: 220 ودمية القصر 1: 142 والنجوم الزاهرة 5: 96 واللباب (الخفاجي) وبيتاه في حلبة الكميت: 305 وديوانه (مخطوطة الجامعة الأميركية) : 81.

ص: 32

من كان يحمد ليلاً في تقاصره

فان ليليَ لا يُدْرى له سَحَرُ

لا تسألوني، إلاّ عن أوائِلهِ

فآخر الليلِ ما عندي له خبر 91 - العسكري (1) :

بانوا فلم أَدْرِ ما أُلاقي

مَسٌّ من الوجد أم جنونُ

ليليَ لا يبتغي بَرَاحاً

كأنه أدهَمٌ حَرون

أُجيلُ في صفحتيه عيناً

ما يتلاقى لها جفون 92 - الاسفرايني (2) :

ألا هاتها ورديةً عنبيةً

فقد شَوَّشَتْ ريحُ الصبا طُرَّةَ الوردِ

ولحت هلالُ الفطر نِضواً كأنه

بدوُّ غِرارِ السيفِ من أسفلِ الغمد 93 - العسكري (3) :

قصر العيشُ بأكناف الغضا

وكذا العيشُ إذا طاب قصير

في ليالٍ كأباهيم القطا

لست تدري كيف تأتي فتطير 94 - ابن المعتز (4) :

يا ليلةً كاد من تقاصرها

يعثُر فيها العشاءُ بالسَّحَرِ 95 - إبراهيم بن العباس الصولي (5) :

وليلةٍ من الليالي الزُّهْرِ

قابلتُ فيها بدرها ببدري

لم يكُ غير شفقٍ وفجر

حتى تقضَّتْ وهي بكر الدهر

(1) ديوان المعاني 1: 349 ومنها بيتان في حلبة الكميت: 304 ورسالة الطيف، الورقة: 153/ أ (111) ومجموع شعر العسكري: 154.

(2)

أرى أن هذبن البيتين لم يقعا في موضعهما الصحيح.

(3)

ديوان المعاني 1: 351 ومجموع شعره: 113.

(4)

الذخيرة 1/ 2: 772 (دون نسبة) ولم أجده في ديوانه.

(5)

ديوان المعاني 1: 351 والذخيرة 1/ 2: 772 وزهر الآداب: 299 ومن غاب عنه المطرب: 50 وديوان الصولي: 154.

ص: 33

96 -

شاعر (1) :

ياربَّ ليلِ سرورٍ خلتُهُ قِصَراً

كعارضِ البرق في جنح الدجى برقا

قد كاد يعثُر أولاهُ بآخرِهِ

وكاد يسبقُ منه فجره الشفقا

كأنما طَرَفاه طَرْفٌ اتفق ال

جفنان منه على الإطراقِ وافترقا 97 - جعفر المصحفي (2) :

سألتُ نجومَ الليل هل ينقضي الدجى

فخطَّتْ جواباً بالثريّا كخطّ لا

وكنت أرى بآخر ليلتي

فأطرق حتى خلته عاد أوّلا 98 - كشاجم (3) :

وليلةٍ فيها قِصَرْ

عشاؤها مع السَّحَرْ

صافيةٍ من الكدرْ

في مثلها التذَّ السهر

تمحو إساءات القدَرْ

وتترك الدهرَ أَغرّ 99 - علي بن أحمد الجوهري (4) :

يا ليل أفدي اختك البارحه

ما كان أذكى ريحها الفائحة

كانت لنا خاتمةً لو درت

وجدي بها كانت هي الفاتحة 100 - أبو بكر الخوارزمي (5) :

وكم ليلة لا أُعْلِمُ الدهر طولها

مخافة أن يقتصَّ مني لها الدهر

سهاد ولكن دونه كل رقدة

وليل ولكن دون اشراقه الفجر

وسكري هوى لو كان يحكيه لذةً

من الخمر سكرٌ لم يكن حرم الخمر 101 - ابن طباطبا وهو أبلغ ما قيل:

(1) نسبها للحاتمي في زهر الآداب: 300.

(2)

هو الحاجب أيام الحكم المستنصر ومنافس المنصور بن أبي عامر، توفي 372؛ انظر ترجمته في الحلة السيراء 1: 257 والمطمح: 4 والجذوة: 175؛ وشعره في تشبيهات الكناني: 20 والحلة السيراء 1: 259 والنفح 1: 604.

(3)

ديوان كشاجم: 257 (تحقيق خيرية محمد محفوظ، بغداد 1970) .

(4)

اليتيمة 4: 30.

(5)

اليتيمة 4: 211.

ص: 34

وليلةٍ مثلِ أمرِ الساعةِ اقتربتْ

حتى تقضَّتْ ولم نشعر بها قصرا

لا يستطيع بليغ وَصْفَ سرعتها

كانت ولم تعتلق وهما ولا نظرا 102 - شاعر (1) :

وليل لم يقصّره رقادٌ

وقصَّره منادمةُ الحبيبِ

نعيمُ الحبِّ أورقَ فيه حتى

تناولنا جناه من قريب

ومجلسُ لذةٍ لم نلوِ فيه

على شكوى ولا عدد الذنوب

بخلنا أن نقطّعه بلفظٍ

فترجمتِ العيونُ عن القلوب 103 - أمية ابن أبي الصلت (2) :

يا ليلةً لم تبنْ من القصر

كأنها قبلةٌ على حَذَرِ

لم تك إلا كلا ولا ومضتْ

تدفعُ في صدرها يدُ السحر 104 - شاعر:

يا ليلتي أحسنتِ مقبلةً

وأسأتِ عند تبلج الفجرِ

أقصرتِ حين وفى بزورِتهِ

هلاّ قصرتِ لياليَ الهجر 105 - شاعر:

يا ليلُ يا ليلُ إلى أين

ارْبع على ذَيْنِ المحبينِ

ناشدتك الله تقفْ ساعة

فالصبحُ منا موعدُ المحبين البين 06 1 - آخر:

إذا نادى المنادي كاد يبكي

حذارَ الصُّبْح لو نفعَ الحذارُ

وودَّ الليلَ زيد إليه ليلٌ

ولم يُخلَقْ له أبداً نهار 107 - أبو الحسن الأنصاري:

وليلةٍ غائبة النحوس

كثيرة الأَقمار والشموسِ

قصيرة كالنظر المخلوس

تَمَّتْ فكانت منيةَ النفوس

(1) ديوان المعاني 1: 352 وزهر الآداب: 298.

(2)

هو ابو الصلت أمية بن عبد العزيز الداني الحكيم (- 529) وترجمته في الخريدة 1: 189 (ط. تونس) وشعره فيها 1: 227 وفي ديوانه: 94 ونفح الطيب 5: 20.

ص: 35

108 -

البهازهير الكاتب (1) :

وليلة كأنها يومٌ أغَرّ

ظلامها آنس (2) من ضوءِ القمرْ

كأنها في مقلة الدهر حَوَرْ

ما قصرت لو سلمتْ من القصر

حين (3) أتت مَرَّتْ كلمحٍ بالبصر

ليس لها بين النهارين أثر

تطابَقَ العشاء فيها والسحر

ألذّ من طيب الكرى فيها السهر 109 - ابن سناء الملك (4) :

ياساقيَ الراح بل ياسائقَ الفرح

ويا نديميَ بل ياكلَّ مقترحي

لا تخشَ من قصر ليلٍ في تواصلنا (5)

أما تراني شربتُ الصبحَ في قدحي 110 - ابراهيم الغزي (6) :

وليلٍ رجونا أن يدبَّ عذارُهُ

فما دبَّ حتى صار بالفجر (7) ذائبا 111 - الشريف الموسوى:

وليلةٍ سال بها صُبْحُها

والصبحُ في المشرقِ كالسَّيْلِ

حتى توهمنا بأنَّ الدجى

طيفٌ يحيّينا بلا ليل 112 - القاضي الفاضل (8) :

بتنا على حالٍ تسرُّ الهوى

وربما لا يمكنُ الشرحُ

بوّابُنا الليلُ وقلنا له

إن غبتَ عنَّا دخل الصبح 113 - الخفاجي الحلبي (9) :

إن كان ليلي طويلاً بعد بينكمُ

فقد نعمت بكم والليلُ كالسَّحَرِ

(1) ديوان البهازهير: 154.

(2)

الديوان: أشرق.

(3)

ص: حرانة.

(4)

ديوان ابن سناء الملك: 150.

(5)

الديوان: في ليل لهوي من تقاصره.

(6)

الخريدة (قسم الشام) 1: 11.

(7)

ص: بالهجر.

(8)

ديوانه 1: 26 وابن خلكان 3: 106 والغزولي: 25.

(9)

البيتان في ديوان (مخطوطة الجامعة الأميركية) : 79.

ص: 36

لا أظلمُ الليل، ليلي في فراقكم

بليلِ وصلكمُ، فالطول كالقصر (1) 114 - ابن المعتز (2) :

يا ليلةً نسي الزمانُ بها

أحداثَهُ كوني بلا فجر

باح الظلامُ ببدرها ووشت

فيها الصبا بمواقع القطر

ثم انقضتْ والقلبُ يتبعها

في حيثما سقطتْ من الدهر 115 - شاعر في طيب الأيام:

يا ربَّ يوم لي كظل

ك أو كظنك لو يقاربْ

رقَّتْ حواشيه وغضَّ

تْ عينُ واشيهِ المراقب

قَصُرَتْ لنا أطرافُهُ

قِصَرَ القناع عن الترائب

وتبرَّجَتْ لذاته

للخاطبين وللخواطب 116 - شاعر:

يومٌ كأن نسيمه من عنبرِ

وتخالُ أنَّ أَديمَهُ من جوهر

لو باعتِ الأيام آخرَ مثله

بالعمر أَجمعَ كنتُ أوّلَ مشتري 117 - ابن رشيق (3) :

أيّها الليل طُلْ بغير جناحِ

ليس للعين راحةٌ في الصباح

كيف لا أُبغِضُ الصباحَ وفيه

غاب عنّي أولو الوجوهِ الصِّباح 118 - يحيى بن أحمد التيفاشي عم المصنف:

أتتني وقلبُ البرقِ يخفقُ غَيْرةً

عليها وعينُ النجم تنظرها شَزْرا

وقد هجعتْ عينُ الوشاة وأَسْبَلَتْ

علينا الدياجي من حنادسها سترا

فبتنا إلى وجه الصّباح كأننا

قضيبان لا صدّاً نخافُ ولا هجرا

فيا ليلةً قد قَصَّرَ الوصلُ طيبها

تُعَدّ إذا أحصى الفتى دَهْرَهُ عمرا

(1) الديوان: بالقصر.

(2)

ديوان ابن المعتز: 318، 4: 94 وديوان المعاني 1: 354 وزهر الآداب: 181.

(3)

ديوان ابن رشيق: 54 والشريشي 1: 296 (بولاق) 2: 245.

ص: 37

119 -

العلوي الاصبهاني في قصر الليل واليوم (1) :

ويوم دجن ذي ضمير متهم

مثل سرور شابه عارض غم

أو كمضي الرأي يقفوه الندم

يبرزه في زى ذى حمد وذم

عبوس ذي البأس وبشر ذي الكرم

كقبح لا خالطه حسن نعم

صحوٌ وغيمٌ وضياء وظلمْ

كأنه مستعبرٌ قد ابتسم

مازلتُ فيه عاكفاً على صنم

مهفهفِ الكشح لذيذِ الملتثم

تفاحُهُ وقفٌ على لثمٍ وشم

وبانُهُ وَقْفٌ على هَصْرٍ وَضَمّ

يا طيبَهُ يوماً تولَّى وانصرم

وجودُهُ من قِصَرٍ مثلُ العدم 120 - قال الأصمعي (2) : قرأت على خَلَف الأحمر شعراً لجرير، فلما بلغت إلى قوله:

ويومٍ كإبهامٍ القطاة محبَّبٍ

إليَّ هواه غالب لي باطلُهْ

فيا لك يوماً خيرُهُ قبلَ شرِّهِ

تغيَّبَ واشيه وأقصرَ عاذله قال: ويله وما ينفعه خير يؤول إلى شر؟! فقلت: كذا قرأته على أبي عمرو، قال: صدقت، كذا قال جرير، وكان قليل التنقيح مشرَّد الألفاظ، وما كان أبو عمرو ليقرئك إلا كما سمع، قلت: فكيف كان يجب أن يقول؟ قال: الأجود له ان كان قال: " فيا لك يوماً خيره دون شره "، فاروه هكذا فقد كانت الرواة تصلح من أشعار القدماء، فقلت: لا أرويه بعدها إلا هكذا.

121 -

ابن طباطبا (3) :

بأبي من نعمتُ منه بيومٍ

لم يكن للسرور فيه نُمُوُّ

يومُ لهوٍ قد التقى طرفاه

فكأن العشيَّ فيه غدو 122 - علي بن جبلة العكوك (4) :

(1) ديوان المعاني1: 351، وهذا العلوي هو محمد بن أحمد الأصبهاني المعروف بابن طباطبا، وانظر من غاب عنه المطرب: 64 حيث نسبت لابن طباطبا.

(2)

ديوان المعاني 1: 352 - 353 وزهر الآداب: 298 والأول في الواحدي 473 وفي ديوان جرير: 964.

(3)

ديوان المعاني 1: 353 وزهر الآداب: 299 (لمحمد بن أحمد الأصبهاني، انظر الحاشية رقم: 1) .

(4)

علي بن جبلة العكوك من شعراء المحدثين وترجمته في الشعر والشعراء: 742 وطبقات ابن المعتز: 171 والأغاني 19: 287 ونكت الهميان: 209، لم ترد هذه الأرجوزة في ديوانه المجموع.

ص: 38

وليلة كأنها نهارُ

غرَّاءُ لاتعشى بها الأَبصارُ

مشرقةٌ من حسنها الأقطارُ

لا يمكنُ البدرَ بها استتار

طالتْ لنا ساعاتها القصار

ولم يكن لفجرها انفجار كانت سواءً هيَ والاسفار

123 - محمد بن أحمد الحسيني المعروف بابن طباطبا:

وتنوفةٍ مَدَّ الضمير قطعتها

والليلُ فوق إكامها يتربَّعُ

ليلٌ يمدّ دجاه دونَ صباحه

آمال ذي الحرص الذي لا يقنع

باتت كواكبُهُ تحوطُ بقاءَهُ

في كلِّ أفقٍ منه نجمٌ يلمع

زُهْرٌ بَعَثْنَ على الصباح طلائعاً

حول السماء فهن حسرى ظلَّعُ

متيقطاتٌ في المسير كأنها

باتت تناجى بالذي يُتَوَقَّع

والصبحُ يرقبُ من دجاه غرةً

متضائلٌ من سجفه يتطلع

متنفساً فيه جناناً واهناً

في كلِّ لحظة ساعه يتشجع

حتى انزوى الليلُ البهيمُ لضوئه

وقد استجاب ظلامُهُ يتقشع

وبدت كواكبُهُ حيارى فيه لا

تدري لِوَشْكِ زيالها ما تصنع

متهادلاتُ النور في آفاقها

مستعبراتٌ في الدجى تسترجع

وكواكبُ الجوزاء تبسطُ باعها

لتعانقَ الظلماء وهي تودع

وكأنها في الجو نعشُ أخي بلىً

يُبْكَى ويوقَفُ تارةً ويشيَّع

وكأنما الشعرى العَبورُ وراءها

ثكلى لها دمعٌ غزيزٌ يهمع

وبناتُ نعشٍ قد برزن حواسراً

قُدَّامها أخواتُهُنّ الأربع

عبرى هتكن قناعهن على الدجى

جزعاً وآلتْ بعدُ لا تتقنع

وكأن أفقاً من تلألؤ نجمه

عند افتقادِ الليل عينٌ تدمع

والفجرُ في صفو الهواء مورّدٌ

مثلُ المدامةِ في الزجاج تشعشع

يا ليلُ ما لك لا تغيث كواكباً

زفراتُهَا وجداً عليك تَقَطَّع

لو أن لي بضياء صبحك طاقةً

يا ليلُ كنت أردّه لا يسطع

حذراً عليك، ولو قدرتُ بحيلتي

جَرَّعْتُهُ الغُصَصَ التي تتجرع

يا صبحُ هاك شبيبتي فافتكْ بها

ودع الدُّجى بسواده يتمتع

افقدتني أُنسي بأنجمها التي

أصبحتُ من فقدي لها أتوجَّع

ص: 39

هذا الذي أبدع فيه، وخالف الشعراء في أُنسِهِ بالليل والكواكب، وبكائه عليهما، وتوجُّعه لفقدهما، وجميع الشعراء مَهْيَعُهُمْ شكوى الليل وطوله، والتوجع لرعي النجوم. ووصف الليل والنجوم مما انفرد ابن طباطبا بالاجادة فيه، كأبي نواس في الخمر، وابن المعتز في التشبيه، والصنوبري في صفات الربيع، والبحتري في طيف الخيال، وأبي تمام في البديع والرثاء (1) ، وابن حازم في القناعة، وأبي العتاهية في الزهد، وابن الرومي في الهجو، ومحمود الوراق في الحِكَم، والمتنبي في المدح والأمثال، والحمدوي في طيلسان ابن حرب، والمعري في الدّرع، وعمر بن أبي ربيعة في النسيب، وكشاجم في الأوصاف النادرة (2) ، ومحمد بن هانئ في وصف الحرب وأدواتها، والسريّ الموصليّ في وصف شعره، وأبي العباس الخازن في الاعتذار والاستعطاف، وطياب (3) في الحمار، وابن الحجاج في المجون، وأبي حكيمة راشد ابن عبد القدوس في رثاءِ ذَكَره؛ ومن المتقدمين امرو القيس في وصف الخيل، والنابغة في الاعتذار، والأعشى في الخمر، وزهير في المدح، والشمّاخ في وصف الاعسار، وذي الرمة في وصف الفلواتِ والهواجر، وشعراء (4) هذيل في القسيِّ والنبل، والفرزدق في الفخر. فهؤلاء الشعراء وَقَفَ كلٌّ منهم قريحته على اجادة الفن المذكور عنه، وفتح له فيه مالم يفتح لغيره.

124 -

وذكر ههنا طبقات الشعراء فقال: الشعراء خمس طبقات: الجاهلية ورأسها امرؤ القيس، والمخضرمون ورأسهم حسان، والاسلامية ورأسها جرير، والمحدثون ورأسهم علي بن العباس الرومي، وهذه الأسماء واقعة على من جاء بعد هذه الطبقة إلى يوم القيامة. وشعراء الأندلس طبقة واحدة ورأسها أحمد بن عبد ربه.

125 -

والعرب تقول: الليل أخْفَى للويل (5)، ومنه قول الشاعر:

الليلُ للويلِ أَخْفَى

والدمعُ للوجدِ أَشْفَى

(1) ص: والثريا.

(2)

ص: والنادرة.

(3)

هو طياب السقاء شاعر له مقاطيع في حماره الهزيل ويقال أن الشعر لأبي غلالة المخزومي (ثمار القلوب: 366 والتاج " طيب ") .

(4)

لعله يشير إلى أبي كبير الهذلي من بينهم.

(5)

انظر هذا المثل في جمهرة العسكري 2: 181 والفاخر: 195 وفصل المقال: 61 والميداني 1: 94 والحيوان 1: 285.

ص: 40

ما يعرفُ الليلَ إلا

إِلفٌ يعانقُ إِلفا وتقول: فلان أنمُّ من الصبح (1) وأقود من الليل (2)، ومنه أخذ ابن المعتز قوله (3) :

لا تلقَ إلا بليلٍ مَنْ تواعده

فالشمسُ نمّامةٌ والليلُ قَوَّادُ

كم من محبٍّ أتى والليل يستُرُه

(4) لاقى الأحبةَ والواشون رُقَّاد وقد حسَّن أبو الطيب هذا المعنى وأزال عنه هُجْنَةَ لفظتي نمام وقواد فقال (5) :

أزورهمْ وظلامُ الليلِ يشفعُ لي

وأَنثني وبياضُ الصبحِ يُغْري بي فصار أحقّ بالمعنى ممن أخذه منه، وقال العلماء فيه: أخذ عباءةً وأعطى ديباجة (6) .

126 -

اجتمع بغرناطة (7) محمد بن غالب الرصافي الشاعر (8) ومحمد بن عبد الرحمن الكتندي (9) الشاعر وغيرهما من الفضلاء الرؤساء فأخذوا في أن يخرجوا لنجد أو لحور المؤمل، وهما من أشرف متنزهات غرناطة، وكان الرصافي قد أظهر الزهد وترك الخلاعة، فقالوا: ما لنا غنىً عن أبي جعفر بن سعيد (10) فكتبوا إليه:

(1) المثل في جمهرة العسكري 2: 315 والدرة الفاخرة: 174 والميداني 2: 206.

(2)

المثل في جمهرة العسكري 2: 132 والدرة الفاخرة: 154 والميداني 2: 48.

(3)

ديوان ابن المعتز: 96 ومن غاب عنه المطرب: 51 والمنتخل: 190 وجمهرة العسكري 2: 132.

(4)

روايته في الديوان: كم عاشق ةظلام الليل يستره

لاقى أحبته والناس رقاد (5) ديوان المتنبي: 446.

(6)

يرجع هذا الحكم في أصله إلى أبي الفتح ابن جني وعنه نقله الآخرون، انظر اليتيمة 1: 115 والشريشي 2، 244.

(7)

انظر هذه القصة في نفح الطيب 3: 513.

(8)

الرصافي البلنسي من أشهر شعراء الأندلس في عصره (- 572) ؛ انظر مقدمتي على ديوانه وفيها اعتماد على مصادر ترجمته.

(9)

هو أبو كبر الكندي من شعراء زاد المسافر (59) وكتندة من كورة سرقسطة، توفي في حدود 584؛ وله ترجمة في التكملة والمغرب وانظر صفحات متفرقة من نفح الطيب.

(10)

هو أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن سعيد صاحب حفصة الركونية وعم ابن سعيد صاحب المغرب، كان وزيراً لعثمان بن عبد المؤمن والي غرناطة. له ترجمة في المغرب 2: 164 والإحاطة 1: 94 وانظر صفحات متفرقة من نفح الطيب.

ص: 41

بعثنا إلى ربِّ السماحةِ والمجدِ

ومن ماله في ملة الظَّرْفِ من نِدِّ

ليسعدَنا عند الصبيحةِ من غدٍ

بسعيٍ إلى حور المؤمل أو نجد

لتشرح منا أَنْفُسٌ من شجونها

ثَوَتْ في سجونٍ هنَّ شرٌّ من الحمد

ونظفرَ من بُخْلِ الزمان بساعةٍ

ألذَّ من العليا وأشهى من الحمد

على جَدْولٍ ما بين ألفافِ دوحةٍ

يهزّ الصبا فيها بنوداً من الزند

ومن كان ذا شربٍ يُخَلَّى (1) لشأنه

ومن كان ذا زهدٍ تركناه للزهد

ومن ظرفه (2) يأبى الحديثَ على الطلا

ولا أن يُديل الهزلَ حيناً من الجد

نهزُّ معاني الشعر أغصانَ عطفه

ويمرحُ في ثوبِ الصبابة والوجد

ومانغَصَّ العيشَ المهنأ غير أَنْ

يمازجَهُ تكليفُ ما ليس بالود

نظمنا من الخلان عقدَ فرائدٍ

ولما نجدْ إِلاّكَ واسطةَ العقد

فماذا نراه لا عدمناكَ ساعةً

فنحن بما تبديه في جنَّةِ الخلد فكان جوابه:

هو القولُ منظوماً أمِ الدر في العقدِ

هو الزَّهْرُ تفَّاحُ الصفا أم شذا الوردِ

أتاني وفكري في عقالٍ من الأسى

فحلَّ بِنَفْثِ السِّحْرِ ما حلَّ من عقد

فيا مَنْ بِهِنْم تُزْهَى المعالى ومَنْ لهمْ

قيادُ المعاني ما سوى قصدكم قصدي

فسمعاً وطوعاً للذي قد أشرتمُ

به لا أرى عنه مدى الدهر من بُدِّ

وعنديَ ما يختارُ كلُّ مؤملٍ

من الراح والمعشوق والكتب والزند

فقوموا على اسم الله نحو حديقةٍ

مقلَّدَةِ الأجيادِ موشيّةِ البُرْد

وكلُّ إلى ماشاءه لستُ ناوياً

عتاباً له إني المساعدُ بالود

ولستُ خلياً من تأنس قينةٍ

إذا ما شَدَتْ ضلَّ الخليُّ عن الرشد

لها ولدٌ في حجرها لا تزيلُهُ

أوانَ غناءٍ ثم ترميه بالبعد

فيا ليتني قد كنتُ منها مكانَهُ

تقلّبني ما بين خَصْرٍ إلى نهد

ضمنتُ لمن قد قال إنيَ زاهدٌ

إذا حلَّ عندي أن يحولَ عن الزهد

فإن كان يرجو جنةَ الخلدِ آجلاً

فعندي له في عاجلٍ جنةُ الخلد

(1) ص: بشانه.

(2)

ص: وما ظرفه.

ص: 42

فركبوا واجتمعوا ومرَّ لهم أحسن يوم، وما زالوا بالرصافي إلى أن شرب معهم فقال الكتندي:

غلبناك عما رُمْتَهُ يا ابن غالبِ

براحٍ وريحانٍ وشدوٍ وكاعبِ فقال أبو جعفر:

بدا زهدُهُ مثلَ الخضاب فلم يزل

به ناصلاً حتى بدا زهدَ كاذب ثم غربت الشمس فقالوا: ما رأينا أقصر من هذا اليوم، وما ينبغي أن نترك وصفه، فقال أبو جعفر: أنا له، ثم قال وهو من عجائبه المعجزة:

لله يومُ مسرةٍ

أضوا وأقصرُ من ذُبَالَهْ

لما نصبنا للمنى

فيه بأوتار حباله

طار النهارُ به كمر

تاعٍ وأجفلتِ الغزاله

فكأننا من بعدِهِ

بعنا الهدايةَ بالضلاله النهار: ذكر الحبارى، وإليه أشار بقوله: طار النهار، والغزالة: الشمس، فتمَّ له المعنى، فسلَّم له الجميع تسليم السامع المطيع.

127 -

ولأبي جعفر في الغزالة أيضاً (1) :

بدا ذَنَبُ السّرحانِ يُنْبئُ أنه

تقدَّمَ سبقاً والغزالةُ خَلْفَهُ

ولم تَرَ عيني مثلها من متابعٍ

لمن لا يزال الدهرَ يطلبُ حتفه 128 - قال المصنف: جرت في قِصَر النهار نادرة (2) : أنشدني سليمان بن إسماعيل المارديني المسيحي لنفسه فيما زعم من قصر النهار:

ويومٍ حواشيه ملمومةٌ

ظنناه من قِصَرٍ مُدْمَجا

قنصتُ غزالتهُ والتفتُّ

أريدُ أختها فاحتمت بالدجى فأثبت البيتين عندي، فأخبرني بعد ذلك أبو الحسن بن سعيد (3) انه وقف في

(1) نفح الطيب 3: 515.

(2)

ص: زيادة؛ وانظر ذيل المرآة 2: 26 لعلي بن يوسف المارديني، المعروف بابن الصفار (- 658) .

(3)

هو علي بن موسى مؤلف المغرب وغيره.

ص: 43

" تاريخ اربل " لابن المستوفي (1) لابي عبد الله محمد بن أبي الوفاء القبيصي من ذرية عمر رضي الله عنه:

ويومٍ خواشيه ملمومةٌ

علينا نحاذرُ أن يفرجا

قنصتُ غزالته والتفتُّ

أريدُ اختها فاحتمتْ بالدجى قال ابن المستوفي: ثم ورد علينا أبو الحسن على بن يوسف الصفار فنسبهما لنفسه قال: ولعلهما ليسا له ولا لابن القبيصي.

قال المصنف: فقيدتُ هذا على هذه الصورة؛ ثم جرى بعد ذلك مذاكرة في هذه الأبيات وتجاذب من تجاذبها من الشعراء فقال بعض من حضر: هذه الأبيات عندى في تعليق لغير من ذكر، فرغبنا إليه في الكشف عنها، فأحضر التعليق فإذا فيه: خرج المنتجب العاني (2) - منسوب إلى عانة، جزيرة بالفرات - مع الملك الزاهر ابن صلاح الدين صاحب البيرة للصيد، فأثاروا ظبيةً في آخر النهار فاستطردت لهم، فلم يدركها السلطان إلا عند غروب الشمس، فأمسكها ونظر إلى الشمس وهي تغرب فاستظرف هذا الاتفاق وقال الشاعر: قل في ذلك شيئاً فقال:

ويومٍ حواشيه ملمومةٌ

علينا نحاذرُ أنْ تفرجا

قنصتُ غزالته والتفتُّ

أريد اختها فاحتمتْ بالدجى قال المصنف: فصحَّ عندي أن هذا هو قائلها على الخصوص، وان الجميع لصوص، قال: وقد قرأت " كتاب اللصوص " للجاحظ فلم أسمع فيه بأن ثلاثة لصوص اجتمعوا بالاتفاق الظريف على بيت واحد.

129 -

ابراهيم بن محمد القابوني الدمشقي:

يومٌ تقاصَرَ حتى خلتُهُ حُلُما

فليس يبصره إنسانُ انسانِ

ما تطلعُ الشمسُ إلاّ وهي غاربةُ

كأنما شمسُهُ في الأفقِ شمسان

(1) هو أبو البركات المبارك بن أحمد، شرف الدين بن المستوفي الاربلي (- 637) وتاريخه لاربل في أربع مجلدات بقي منه مجلد واحد. انظر ابن خلكان 4: 147 ومرآة الزمان: 644 وفي حاشية الوفيات ذكر لمصادر أخرى.

(2)

للدكتور أسعد علي دراسة عن المنتجب العاني وقد اضطرب عليه معرفة العصر الذي عاش فيه المنتجب، وهذا النص ذو قيمة بالغة لأنه يحدد أن المنتجب كان يصاحب الزاهر ابن صلاح الدين وقد توفي الزاهر داود صاحب قلعة البيرة سنة 632. والبيرة قلعة بقرب سمسياط (ابن خلكان2: 257 - 258) .

ص: 44

130 -

وللشيخ شرف الدين المصنف:

ويومٍ سرقناهُ من الدهر خلسةً

بل الدهرُ أهداه لنا متفضّلا

أشبهه بين الظلامين غُرَّةً

لحسناءَ لاحت بين فرعين أُرسلا 131 - والحكماء يمدحون الليل والاشتغال فيه، قال بعضهم لابنه: يا بنيّ اجعل نظرك في العلم ليلا، فإن القلب في الصدر كالطير، يننشر بالنهار ويعود إلى وكره في الليل، فهو في الليل ساكن، وما ألقيت إليه من شيء وعاه.

وقال بعضهم: في الليل تجمّ الأذهان، وتنقطع الأشغال، ويصحّ النظر، وتؤلف الحكمة، وتدر الخواطر، ويتسع مجال القلب، والليل أجرى في مذهب الفكر، وأخفى لعمل البر، وأعون على صدقة السر، وأصحُّ لتلاوة الذكر. وأرباب الأمر يختارون الليل على النهار لرياضة النفوس، وسياسة التقدير في دفع الملمّ، وإمضاء المهمّ، وإنشاء الكتب ونظم الشعر وتصحيح المعاني، وإظهار الحجج وإصابة غرض الكلام، وتقريبه من الأفهام، وفي الليل تتزاور الأحباب، وتتهنأ بالشراب، وتكمل الاطراب، وتغيب الرقّاب وتغلق في أوجه الأضداد الأبواب، ولا يمكن فعل شيء من ذلك كله في النهار، لاستجلاب الظنة بالاستتار.

132 -

وكان (1) ابن المعتز لا يشرب إلا ليلاً ويقول: الليل أمتع، لا يطرق فيه خبر قاطع، ولا شغلٌ مانع والنهار أبرص لا يتم فيه سرور.

ونظم ذلك كشاجم فقال (2) :

اتخذِ الليلَ جَمَلْ

ما حُمِّلَ الليلُ حَملْ

آمن فيه طارقاً

يَشْغَلني عن الشُّغُل 133 - كان يحيى (3) بن خالد ولّى ابنه الفضل خراسان، فبلغه عنه إقبال على القصف واهمال للرعية، وتفقد أعماله فوجدها مختلّة، فكتب إليه: بلغني عنك إقبال على القصف واهمال لأمورك، وقد يهفو ذو الفطنة، ويزلّ الحليم ثم يرجع

(1) محاظرات الراغب 1: 337 (ط. مصر 1326) .

(2)

ديوان كشاجم: 428 ومحاظرات الراغب 2: 708 (بيروت) .

(3)

انظر ابن خلكان 4: 28 والمنتخل: 190 والفاضل للوشاء 1: 132 وربيع الأبرار، الورقة: 355 ب والدميري 2: 65 ومحاضرات الراغب 2: 709 والأبيات في جمهرة العسكري تحت المثل: " الليل أخفى للويل ".

ص: 45

إلى ما هو أولى به، حتى كأن أهل دهره لم يعرفوه إلا بذلك. وقد كتبت إليك بأبيات إن أنت اخلفتها ولم تمتثلها هجرتك حولاً، وعزلتك على سخط، وكتب إليه:

انصبْ نهاراً في طِلابِ العلا

واصبرْ على فقدِ لقاءِ الحبيبْ

حتى إذا الليلُ دنا مقبلاً

وانحسرتْ فيه عيونْ الرقيب

فاخلُ مع الليل بما تشتهي

فانما الليلُ نهارُ الأريب

كم فاتكٍ تحسبه ناسكاً

يستقبلُ الليلَ بأمر عجيب

غطَّى عليه الليلُ أثوابَهُ

فبات في أمنٍ وعيشٍ خصيب

ولذةُ الأحمقِ مكشوفةٌ

يسعى بها كلُّ عدوٍّ رقيب قال فآلى أن لا يشرب نهاراً.

134 -

أبو بكر ابن دريد (1) :

وليلةٍ سامَرَتْ عيني كواكبها

نادمتُ فيها الصبا والنومُ مطرودُ

يستنبط الراح ما تخفي النفوس وقد

جادت بما منعته الكاعب الرود

والراح نفترُّ عن درٍّ وعن ذَهَبٍ

فالتبرُ مُنْسَبِكٌ والدرُّ معقود

ياليلُ لا تبحِ الإِصباحَ حَوْزَتَنا

وليحمِ جانبَهُ أَعطافُكَ السود 135 - بشار بن برد (2) :

قد نام واشٍ وغاب ذو حَسَدٍ

فاشربْ هنيئاً خلا لكَ الجوُّ 136 - آخر:

ولم أرَ مثلَ الليلِ جُنَّةَ فاتكٍ

إذا همَّ أمضى أو غنيمةً ناسكِ 137 - ابن المعتز (3) :

سقتنيَ في ليلٍ شبيهٍ بشعرها

شبيهةَ خَدَّيْهَا بغيرِ رقيبِ

فأمسيتُ في ليلين للشعرِ والدُّجى

وصبحين من كأسٍ ووجه حبيب 138 - شاعر:

(1) ديوان ابن دريد 65/ 37 (عن نثار الأزهار) .

(2)

ديوانه: 425 (جمع العلوي) ومحاضرات الراغب 2: 709 (بيروت) .

(3)

ديوان ابن المعتز 3: 16 وتشبيهات ابن أبي عون: 104 وورد الأول في ديوان المعاني 1: 433 منسوباً لابن أبي طاهر وانظر الشريشي 1: 120 (بولاق) وحماسة ابن الشجري: 266.

ص: 46

وليلةِ قَصْفٍ ليلةُ العرس دونها

أنارتْ بها الظلماءُ والليلُ لائلُ

وسكرانة سُكْرَيْ دلالٍ وقهوةٍ

إذا هي قامتْ لم تَخُنْها المفاصل

تثنتْ كغصنٍ ذابلٍ عند سكرها

وذا عجبُ غُصْنٌ من الريِّ ذابل 139 - البحتري (1) :

يا ليلتي بالسفح من بطياس

ومعرِّسي بالقصرِ بل أَعراسي

باتت تبرّدُ من جوايَ وغلتي

أنفاسُ ظبيٍ طيِّبِ الأنفاس

هيف الجوانح منه هاض جوانحي

ونعاسُ مقلته أَطار نعاسي

يدنو إليَّ بخمرهِ وبريقِهِ

فيعلّني بالكاسِ بعد الكاس 140 - آخر:

وليلةٍ بات يجلو الراحَ من يده

أَحوى أَغنُّ غضيضُ الطرف جذلانُ

والليلُ ترمقنا شَزْراً كواكبُهُ

كأنه من دنوّي منه غيران

كأنها (2) نَقْدٌ بالدوِّ نَفَّرَهَا

لما بدا ذَنَبُ السرحانِ سرحان 141 - آخر:

وليل قد سهرتُ ونام فيه

ندامى صُرِّعوا حولي رقودا

أُنادمُ فيه قرقرةَ القناني

ومزماراً يحدّثني وَعُودا

وكاد الليلُ يرجمتي بنجمٍ

وقال أراه شيطاناً مريداً 142 - آخر:

اشربِ الراحَ واسقني بظلامِ

واتركِ النومَ للئامِ النيامِ

لا أحبُّ اللذاتِ إلا مع اللي

لِ إذا ما هَدَتْ عيونُ الانامِ 143 - القائد علي:

يا ربَّ ليلٍ شربنا فيه صافيةً

حمراءَ في لونها تنفي التباريحا

ترى الفَراشَ على الأكواس ساقطةً

كأنما أَبصرتْ منها مصابيحا

(1) ديوان البحتري: 1138.

(2)

النقد: صغار الغنم.

ص: 47

144 -

عبد الله بن محمد المعروف بابن البغدادي (1) من أفريقية - كان أبوه ظريفاً لبقاً فلقب البغدادي لذلك -:

أزرى بلبِّكِ شادنٌ ذو قُرْطُقٍ

يسقي العُقَارَ ويعقدُ الزنّارا

ولقد شكوتُ إليه بعضَ صبابتي

فحنا وقال أرى بقلبكَ نارا

في ليلةٍ حلفتْ عليَّ بطيبها

لأُقاطعنَّكَ إن شربتَ نهارا

ولأسترنَّ البدرَ عنكَ بظلمتي

فيكونَ في ليلِ التمام سرارا 145 - ابن المعتز يذم الصبوح (2) :

على الصبوح لعنةُ الرحمن

فاسمعْ أُخَبِّركَ ببعضِ الشانِ

إذا اردتَ الشربَ عند الفجرِ

والنجمُ في لجّةِ ليلٍ يسري

وكان (3) بردٌ والنديمُ يرتعد

وريقُهُ على الثنايا قد جمد

وللغلام ضَجْرَةٌ وهمهمه

وشتمةٌ في صَدْرِهِ مُجَمْجَمه

يمشي بلا رجلٍ من النعاس

ويدفقُ الكاسَ على الجلاس

فإن يكنْ (4) للنوم ساقٍ يَعْشَقُ

فجفنه بجفنه مُدَبَّق

ورأسه كمثل فروٍ قد مُطِرْ

وصدغه كصولجانٍ منكسر

فأيُّ فضلٍ للصبوحِ يُعْرَفُ

على الغَبوقِ والظلاُم مُسْدَف 146 - وله (5) :

لا تَدْعُني لصبوحٍ

إنَّ الغبوقَ حبيبى

فالليل لونُ شبابي

والصبحُ لونُ مشيبي ناقضه ابن حجَّاج فقال:

الصبحُ مثل البصير نوراً

والليلُ في صورةِ الضريرِ

فليت شعري بأيّ رأي

يُختارُ أعمى على بصير

(1) انظر ترجمته في الفوات 2: 227 والزركشي: 156 والمسالك 1: 339 وقد وردت أبياته في المصدر الأخير.

(2)

ديوان ابن المعتز: 309، 4: 67 ولم يرد هنالك الشطران الأولان، وانظر قطب السرور:339.

(3)

ص: برق.

(4)

ص والديوان: للقوم.

(5)

ديوان ابن المعتز 3: 16 وديوان المعاني 1: 343 واللطائف والظارئف: 78.

ص: 48

147 -

ظافر الحداد (1) :

وعشيّةٍ أَهْدَتْ لعينك منظراً

قدمَ السرورُ به لقلبك رائدا

روضٌ كمخضرِّ العذارِ وجدولٌ

نَقَشَتْ عليه يدُ النسيم مباردا

والنخلُ كالهيفِ الحسان تزيَّنَتْ

فلبسن َ (2) من أثمارهن قلائدا 148 - ابن المعتز (3) :

لا تذكرن لي (4) الصبوحَ وعاطني

كأسَ المدامةِ عند كلِّ مساءِ

في (5) ليلةٍ شغل الرقادُ رقيبَها

عن عاشِقَيْنِ تواعدا للقاء

عقدا عناقاً طولَ ليلهما معاً

قد أَلصقا الأحشاءَ بالأحشاء

حتى إذا طلعَ الصباحُ تفرفا

بتنفُّسٍ وتلهف وبكاء

ما راعنا تحتَ الدجى شيءٌ سوى

شَبَهِ النجومِ بأَعْين الرقباء 149 - قال: وشعراء المغرب حازوا قصب السباق، في وصف الاغتباق، فمن ذلك قول عبد الكريم بن ابراهيم النهشلي (6) مصنف " كتاب الممتع في علم الشعر وعمله " يصف غبوقاً اغتبقه مع المعز بن باديس (7) :

يا ربَّ فتيان صدق رحتُ بينهمُ

والشمسُ كالدنف المشغوف في الأُفُقِ

مَرْضَى أصائِلُهَا حَسْرَى شمائلها

تَرَوُّحَ الغصن الممطورِ في الورقِ

معاطياً شمسَ إبريقٍ إذا مُزِجَتْ

(8) تقلدت عِرْقَ مرجانٍ من البرقِ

عن ماجلٍ طافحٍ بالماء معتلجٍ

كأن نُغْبَتَهُ صيغت من الحدق

تضمّهُ الريحُ أحياناً وتفرقه

فالماء ما بين محبوسٍ ومنطلق

(1) ديوان ظافر: 92.

(2)

ص: فلقيت.

(3)

ديوان ابن المعتز: 206، 3: 4 ومن غاب عنه المطرب: 51 وحلبة الكميت: 348.

(4)

الديوان: لا تذكرني بالصبوح.

(5)

الديوان: كم.

(6)

هو أستاذ ابن رشيق وعليه يعتمد كثيراً في العمدة، انظر ترجمته في المسالك 11: 292 وقد كتب عنه الدكتور منجي الكعبي دراسة ونشر المختصر الباقي من كتاب الممتع (ليبيا - تونس 1978) .

(7)

الأبيات في زهر الآداب: 190.

(8)

الحصري: عقد

النزق.

ص: 49

من أخضرٍ ناضرٍ في الماء يلحفه (1)

وأبيضٍ تحت قبطيِّ الضحى يَقَق

تهزُّهُ الريحُ أحياناً فيمنحها

للزجر خَفْقَ فؤادِ العاشق القلق

كأنَّ حافاتِهِ نُطِّقْنَ من زَبَدٍ

مناطقاً رُصِّعَتْ من لؤلؤ نَسَق

كأنّ مثبتَهُ من سندسِ نمطٍ

حسناءُ مجلّوةُ اللَّبات والعُنُق

إذا تبلّج نجمٌ فوق زرقته

حسبتَهُ فرساً دهماءَ في بلق

أو لازَوَرْداً جرى في مَتْنِهِ ذَهَبٌ

فلاح في شارقٍ من مائه شرق

عشيّة كَمُلَتْ حُسناً وساعدها

ليلٌ يمدِّدُ أطناباً على الأفق

تُجْلَى بغرةِ وضاحِ الجبين له

ما شئتَ من كرم دانٍ (2) ومن خلق 150 - ولأبي عبد الله محمد بن إدريس الجزيري من جزيرة شقر، وهو المعروف بمرج كحل (3) :

عّرِّجْ بمنعرج الكثيب الأعفر

بين الفرات وبين شاطي الكوثر

وعشيةٍ قد بِتُّ أرقُب وقتها

سمحتْ بها الأيامُ بعد تعذر

نلنا بها آمالنا في روضةٍ

تهدي لناشقها نسيمَ العنبر

والدهرُ من ندمٍ يسفّهُ رأيه

فيما صفا من عيشِهِ المتكدر

والورقُ تشدو والاراكةُ تنثني

والشمسُ ترفلُ في قميصٍ أصفر

والروضُ بين مفضّضٍ ومذهبٍ

والزهرُ بين مُدَرْهَمٍ ومدنَّر

والنهرُ مصقولُ الأباطح والربى

بمصندلٍ من زهره ومعصفر

وكأنما ذاك الحبابُ فرنده

مهما صفا في صَفْحِهِ كالجوهر

وكأنه وكأن خُضْرَةَ بُسْطِهِ

سيفٌ يُسَلُّ على بساط اخضر

وكأنما وجناتُهُ محفوفةً

بالآسِ والنعمان خدُّ معذر

روضٌ يهيم بحسنه من لم يهمْ

ويجيدُ فيه الشعرَ من لم يشعر

ما اصفرَّ وجهُ الشمسِ عند غروبها

إلا لفرقةِ حُسْنِ ذاك المنظر 151 - وللحسن بن على ببجاية يصف اغتباقه مع أمير بجاية:

ولما نزلنا ساحةَ القصر راقنا

بكلِّ جمالٍ مبهج الطرف مونقِ

(1) الحصري: والظل يلحقه.

(2)

الحصري: وافٍ.

(3)

ترجمته في الذيل والتكملة 6: 111 والإحاطة 2: 252 (2: 344 عنان) وأزهار الرياض 2: 315 والنفح 5: 51.

ص: 50

بما شئتَ من ظلٍ يرفُّ وجدولٍ

وروضٍ متى تُلممْ به الريحُ يعبقِ

وشادٍ معاني الشعر في نَغَماتهِ

يطارحه شدوُ الحمام المطوق

إذا ما رقصنا بالروؤسِ لشدوه

رمونا بكاساتِ الرحيق المعتق

فيا حُسْنَ ذاك القصرِ لا زال آهلا

ويا طيبَ ريّا نَشْرِهِ المتنشَّقِ

رَتَعْنَا به في روضةِ الأُنسِ بعدما

هَصَرْنا بِغُصْنٍ للمسرةِ مونق

ويضحكنا طيبُ الوصالِ وربما

يمرُّ على الاوهام ذكرُ التفرق

فتضحي مصوناتُ الدموعِ مذالةً

يَنُحْنَ على طِرْفٍ من الدهر أبلق

فلّله ساعاتٌ مضينَ صوالحاً

عليهنّ من زيّ الصبا أيُّ رونق

خلعنا عليها النسكَ إلا أقلَّهُ

وان عاودتْ نخلعْ عليها الذي بقي 152 - علي بن أحمد من شعراء بلنسية (1) :

قمِ اسقني والرياضُ لابسةٌ

وشياً من النَّوْرِ حاكه الزَّهْرُ

والشمسُ مصفرةٌ غلائلها

والروض تبدو ثيابُهُ الخضر

في مجلسٍ كالسماء (2) لاح به

مِنْ وجه من قد هَوِيتُهُ بدر

والنهرُ مثلُ المجرِّ حفَّ به

من الندامى كواكبٌ زهر 153 - أبو الفضل ابن الاعلم (3) :

وعشيّةٍ كالسيف إلا حدَّهُ

بسطَ الربيعُ بها لنعليَ خَدَّهُ

عاطيتُ كأسَ الأُنسِ فيها واحداً

ما ضره أَنْ كان جمعاً وحده 154 - إبراهيم بن خفاجة (4) :

وعشيِّ أُنسٍ أضجعتني نشوةٌ

فيه تمهِّدُ مضجعي وتدمِّثُ

خلعتْ عليّ يد الاراكة ظلَّها

والغصنُ يُصغي والحمامُ يحدث

والشمسُ تجنحُ للغروب مريضةً

والرعدُ يَرْقي والغمامةُ تنفث

(1) قلائد العقيان: 69 ونفح الطيب 1: 658.

(2)

ص: كالسماح.

(3)

المطمح: 65 ونفح الطيب 4: 33 وأبو الفضل هو جعفر بن محمد بن الأعلم وهو حفيد أبي الحجاج يوسف الأعلم الشنتمري وله ترجمة في المطمح والنفح والمغرب 1: 396 والخريدة (قسم المغرب) 3: 469.

(4)

ديوان ابن خفاجة: 285 ونفح الطيب 3: 200.

ص: 51

155 -

الرصافي (1) :

وعشيٍ رائقٍ منظرُهُ

قد قَصَرْناهُ على صَرْفِ الشمولِ

وكأن الشمس في أثنائه

ألصقتْ بالأرضِ خدًّا للنزول

والصبا يرفع أذيال الربى

ومحيّا الجوّ كالسيف الصقيل

حبّذا منزلنا مغتبقاً

حيث لا يطربنا غيرالهديل

طائرٌ شادٍ وغصنٌ منثنٍ

والدجى يشربُ صهباء الأصيل 156 - أبو الحسن ابن عبد الكريم:

أقولُ لخلِّي والمدامةُ تجتلى

كلمع بروقٍ في سجوفِ غمامِ

ألا فاسقني وقتَ الأصيلِ ولا تَرُعْ

فؤاديَ يا خلَّ الهوى بملام

فقد نعستْ عينُ الغزالةِ للكرى

وقد رنَّقَتْ أجفانُها بمنام

ألم تر أُفقَ الغرب كيف يغرني

ويشربُ شمساً مثل جام مدام 157 - الرصافي (2) :

وكنت أراني في الكرى وكأنني

أناوَلُ كالدينار من ذهب الدنيا

فلما انقضى ذاك الوصال وطيبه

على ساعةٍ من أُنسنا صحَّتِ الرؤيا 158 - ابن أفلح يصف غبوقاً من المغرب إلى شروق الشمس:

ولربّ مغتبَقٍ خلعتُ منشطاً

فيه العذارَ لفاترٍ لم ينشط

وسروجُ لهوي في ظهورِ خلاعتي

مذْ شَدَّها داعي الصبا لم تُحْطَطِ

ناديتُ حيَّ على الغبوق وفي يدي

نارٌ متى صافحتُها لم تعلط

صفراءُ كالذهب السَّبيك ترى لهال

في بَزْلها سور الذّبالِ المسلط

يبدي (3) المذلةَ طعمها فإذا سَرَتْ

فعلتْ كفعلِ الغادر المتسلط

تعطي الجبانَ شجاعةً عرضية

والنكسَ تيهَ الماجدِ المتخمِّط

ما خامرتْ عقلَ امرئٍ إلا غدا

متبسّطاً سكراً وان لم يبسط

يسعى بها صَلِفُ الشمائلِ أهْيَفُ

لدنٌ كغصنِ البانةِ المتخوط

(1) ديوان الرصافي: 123 ونفح الطيب 3: 203 ورايات المبرزين: 85.

(2)

ديوان الرصافي: 124 والمعجب: 291.

(3)

ص: بيد.

ص: 52

سيّانِ فعلُ مدامِهِ ولحاظِهِ

ورضابه للخابر المستنبط

ما بين جامٍ بالمدام مكلَّل

فينا وكأسٍ بالحباب مقرَّط

وعلى الهضابِ من النهار ملاءة

سَحْقُ الحواشي ان تُخَطْ تتمعط

والشمسُ خافضةُ الجناحِ مُسِفّةٌ

في الغرب تنسابُ انسيابَ الأرقط

أو كالعروس بَدَتْ فأُسْدِلَ دونها

جنباتُ سترٍ كالجساد مخطط

وأتى الظلامُ على الضياء كما أتى

أَجَلٌ على أَمَلٍ فلم يتثبط

واستلأمتْ منه السماءُ بنَثْرَةٍ

حَصْداءَ شَرْطُ قتيرها لم يمعط

والزُّهْرُ تقمصُ في المجرةِ عوَّماً

عومَ المَهَا في جَدْولٍ متغطمط

والنجمُ يرقى في السماءِ محلّقاً

كنزوّ طفلٍ في المهاد مقمط

واللهو قد سلب الجفونَ رقادها

منا اغتباطاً بالسرور المفرط

حتى تبدَّى الفجر في ذيل الدّجى

يحكي نصولَ خضابِ شَعْرٍ أشمط

وتلاه مبيضُّ الصباحِ كأنه

عَمَلٌ لمجتهدٍ زكا لم يحبط

والتاج قرنُ الشمسِ عند ذروره

كالتاج فوق جبينِ كسرى المقسط

هذاك آخر ما عهدتُ وطاح بي

(1) برق رعشت به ارتعاشَ مبرقط

وتحكَّمَتْ فينا الشمولُ فلم تَدَعْ

فينا صحيحَ تصوّرٍ لم يخلط 159 - أبو الحسن علي بن عطية البلنسي المعروف بابن الزقّاق (2) :

وعشيةٍ لبست رداءَ شقيق

تُزْهَى بلونٍ للخدودِ أنيقِ

أبْقَتْ بها الشمسُ المنيرةُ مثلما

أبقى الحياءُ بوجنة المعشوق

لو أستطيعُ شربتها كلفاً بها

وعدلتُ فيها عن كؤوس رحيق 160 - أبو العلاء المعري (3) :

ووالبدرُ قد مدَّ عماد نوره

والليلُ مثلُ الأدهمِ المُقفَّزِ المقفز: الذي بلغ تحجيله إلى ركبتيه.

161 -

ومن أوقات الشرب وقتان غير الاصطباح والاغتباق، وهما الجاشريّة وهي شُرْبُ

(1) ص: ترف

مرقط.

(2)

ديوان ابن الزقاق: 206 والمطرب: 104 والشريشي 1: 72 والمغرب 2: 334 ونفح الطيب 4: 300.

(3)

شروح السقط: 422.

ص: 53

نصف النهار، والفحمة وهي شرب نصف الليل. ولم يعتن الشعراء بوصف الشرب فيهما لكراهة استعمال الشراب فيهما لأنهما وقتا الهدوء والمنام، وإجمام النفس وراحة الجسم لاستمراء الشراب والطعام.

162 -

القاضي السعيد ابن سناء الملك في ذمِّ الشمس (1) :

لا كانت الشمس فكم أَصدأتْ

صفحةَ خدٍّ كالحسام الصقيلْ

وكم وكم صدَّتْ بوادي الكرى

طيفَ خيال جاءني من خليل

وأعدمتني من نجوم الدجى

ومنه روضاً بين ظلٍّ ظليل

تكذب في الوعد وبرهانُهُ

أنْ سَرابَ القفرِ منها سليل

وتحسبُ النهرَ حساماً فتر

تاع وتحكي فيه قلب الذليل

ان صَدِئ الطرفُ فما صَقْلُهُ

إلا التملّي بمحيا جميل

وهي إذا ابصرها مبصرٌ

حديدُ طرف راحَ عنها كليل

يا علة المهموم ياجلْدَةَ ال

محموم يا زَفْرَهَ صَبٍّ نحيل

يا قرحةَ المشرق وقتَ الضحى

يا سلحةَ المغرب وقتَ الأصيل

انت عجوزٌ لم تبرجتِ لي

وقد بدا منك لعابٌ يسيل

وأنتِ بالشيطانِ قرنانةٌ

فكيف تهدينا سواءَ السبيل 163 - الشيخ شرف الدين المصنف (2) :

في خلقةِ الشمس وأَخلاقها

شتَّى عيوب جمة تُذْكَرُ

رَمْداءُ عَمْشَاءُ إذا أصبحت

عمياءُ عند الليل لا تبصر

وهي رقيبٌ في الهوى كاشحٌ

تنمُّ بالإِلْفَيْنِ لا تستر

وخلقها خُلْقُ المَلول الذي

ينكثُ في العهدِ ولا يصبر

من صبحها النور لإمسائها

مغاير الأشكال لا تفتر

والظلُّ منها زائلٌ دائماً

شبهَ خليلِ السوء إذ يغدر

ويغتدي البدرُ لها كاسفاً

وجرمه من جرمها أصغر

حَرورها في القيظِ لا يتقى

ودفؤها في القرِّ مستنزر

ليست بحسناءَ وما حُسْنُ مَنْ

تنبو لحاظٌ عنه إذ تنظر

(1) ديوان ابن سناء الملك: 577 ونهاية الأرب 1: 47 والغيث المسجم 2: 155.

(2)

نهاية الأرب 1: 47 والغيث المسجم 2: 155.

ص: 54

لا تملأ العينين من وجهها

فالشمسُ مرأىً ساقط يحقر

البدرُ يهدي وهي من شؤمها

تُضِلُّ فالخلقُ بها كفروا

وعمرها يومٌ وفي ليله

تُقْبَرُ في مالحة تنشر

تبيتُ في الحمأةِ من خِسّةٍ

وتغتدي منها لنا تظهر

ص: 55

فراغ

ص: 56