الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نديماً للملوك، حينئذ، ولعله فعل ذلك، فنحن نسمع منه حديث العارف لما كان يدور في تلك المجالس، كما مرت الإشارة إلى ذلك من قبل، وهو يصرح أحياناً بقوله: " حضرت مجلس ملك من ملوك المشرق، وفيه جماعة خواصه وندمائه، فغنى صبي دوبيتي، استحسنه الجميع وطربوا عليه وهو:
من متيم جفاه مولاه
…
جفاه وليس لو إلا وهو لا حول ولا قوة إلا بالله
…
فانصرفت من المجلس وأنا أقول نعم لا حول ولا قوة إلا بالله " (1) .
وليس بمستبعد أن تكون هذه الخصائص كلها، أعني قدرته على تأليف الكتب باسم بعض الأمراء، ونظم الشعر في مدحهم (وإن لم يصلنا شيء من مدحه فيهم) ومزاولة بعض الصناعات، والاتجار بالأحجار، والتقرب بالهدايا والطرف، هي التي كانت وسيلته إلى كسب الرزق، بعد أن هاجر من بلده إلى المشرق، ثم بعد استقراره بمصر؛ إذ لم يسند إليه منصب يكفل له دخلاً ثابتاً، فيم وصل إليه اطلاعي (2) . وقد كانت أسفاره تكلفه مالاً، وإن كان يأوي في تنقلاته إلى المدارس والأربطة، ولكنها من ناحية أخرى لم تكن بعيدة عن امتهان التجارة، ويمكن يستشف من شرائه للجواهر، ومن إقدامه على التجارب وبذله المال في سبيلها أنه كان امرءاً ميسور الحال.
وقد صمت التيفاشي بعد النكابة التي ذهبت بأولاده ومعظم ماله، وبعد فقد زوجته عن أية إشارة إلى وضعه " المدني "؛ هل تزوج ثانية؟ أو هل قنع بالتسري؟ ومن ثم يمكن أن يثور سؤال آخر وهو: لماذا هذا الاهتمام بكتابة مؤلفات في الشؤون " الجنسية "؟ أكانت علماً؟ أم كانت وسيلة لكسب المال من المترفين؟؟.
ليس لدينا أي شيء نقوله إذن عن وضع عائلي أو معيشي، للتيفاشي، بعد هجرته إلى المشرق، وإن كنا نعرف عرضاً أنه كان له فتى يعرف بجمال الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن خطلخ الفارسي الأرموي، وأنه كان مثقفاً، وإن ابن سعيد أجازه رواية المغرب مثلما أجاز أستاذه " (3) .
(1) متعة الأسماع: الباب الثالث عشر، الورقة:32.
(2)
قد تشير صحبته للطبيب ابن عتبة الاشبيلي إلى أنه كان يكسب رزقاً من الانتماء إلى البيمارستان، لأنه كان يحسن الطب، ولكن هذا محض احتمال.
(3)
النفح 2: 332.
الباب الثاني
فى أوصاف الليل وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح
32 -
في التنزيل العزيز (ومن شرِّ غاسقٍ إذا وَقَبَ) غسقا الليل شدة ظلمته. ووقب أي دخل.
33 -
وقال العسكري (1) : من أتم أوصاف الظلمة الذي في كلام البشر مثله قوله عز وجل: (أو كَظُلْماتٍ في بَحْرٍ لُجَيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظلماتٌ بعضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إذا أَخْرَجَ يَدَهُ لم يكَدْ يرَاهَا) .
34 -
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " جَنِّبوا صبيانكم فَحْمةَ العِشاء ". وفحمة الليل اشتداد ظلمته.
35 -
ومن أسماء الليل: الدَّجْنُ والدُّجى والدجنَّة والكافر، سمي كافراً لأنه يستر الأشخاص، والكَفْر - بفتح الكاف - الستر، ومنه اشتق اسم الكافر لأنه يجحد نعمة الله عز وجل ويسترها، والكُفُورُ: القرى النائية عن حواضر المدن لأن ساكنها يغيب عن جمهور الناس ويستتر عنهم، وفي الحديث:" لا تسكنوا الكفور (2) ، فإن ساكني الكفور كساكني القبور ".
36 -
وقال الأصمعي: كل ظلماء من الليل حِنْدِسٌ، والليلة الليلاء: الشديدة الظلمة، وكذلك الليل الأليلُ؛ وعسعس الليل: اشتدت ظلمته، وكذلك اكفهرّ وادلهمّ، وليل مكفهر ومدلهم وغيهب وغهيب، كل ذلك شديد السواد.
(1) ديوان المعاني 1: 345.
(2)
ص: القرى، وانظر الجامع الصغير: 2: 201.