الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العادل، ملك الديار المصرية يومئذ، فكتب له إلى الإسكندرية بتخليص ماله فخلص له منه جملة (1) ولم تكن مبادرة الكامل محض تدخل رجل غريب منكوب، وإنما كانت تعني تقديراً منه لعلم التيفاشي وفضله، وظرفه أيضاً، إذ لا يبعد أن تكون المقامة التي أنشأها، والنوادر التي ارتبطت بتلك الفاجعة، قد حملت إلى الكامل صورة مغربي ظريف، وكان الكامل معروفاً بمحبة أهل العلم ومجالستهم ومناظرتهم، وكان بيت عنده بالقلعة جماعة منهم، ينصب لهم أسرة ليناموا عليها بجانب سريره ليسامروه، فنفقت العلوم والآداب عنده وقصده أرباب الفضائل ونالوا منه الأرزاق الوفيرة (2) ، وكان للمغاربة من ذلك حظ غير قليل، ولهذا خف التيفاشي على نفسه - فيما أرجح - وعاش في كنفه، ونراه في القاهرة حتى سنة 630/1233 وهي السنة التي خرج فيها الكامل إلى فتح مدينة آمد؛ فانتهز التيفاشي الفرصة، ليستعد عهده بدمشق التي كانت قبلة خواطره منذ أن عزم على فراق الوطن، ويقول ابن العديم إن التيفاشي توجه من دمشق " إلى حلب ومنها إلى آمد فوجد الملك الكامل راجعاً إلى الديار المصرية فعاد معه إليها وسكن بها "(3) ، وهذه السرعة في ربط مفارقة مصر بالأوبة إليها ربما أشارت إلى أن التيفاشي لم يقض فترة طويلة في الشام؛ وإذا صح هذا فإنه يعني أنه اتخذ مصر دار إقامة، إلا أنه ظل كثير الارتحال إلى الشام وغيرها من الأقطار المشرقية، وعلى هذا فيجب أن نقدر أنه عاد يجدد الصلة بديار الشام والجزيرة العراقية وغيرهما بعد وفاة الكامل (635/ 1238؛ وهذه مسألة ليس من السهل أن نقطع فيها، أعني: هل سافر إلى الشام وتجول في الجزيرة العراقية مدة طويلة ثم عاد إلى مصر مع الكامل في إحدى عوداته من الأراضي المشرقية (قبيل 635) أو أنه سافر سنة 630 وعاد مع الكامل بعد إخضاع آمد في السنة نفسها واستقر بمصر، ثم عاد بعد وفاة الكامل إلى الترحال؟ أياً كان الأمر فنحن نعلم أنه قضى فترة من التجواب، تعرف فيها إلى حلب وآمد وحرّان والموصل وجزيرة ابن عمر وغيرهما من البلدان؛ وهو يحدثنا أنه سار من جزيرة ابن عمر إلى آمد ستة أيام بلياليها، وكان الفصل شتاء، فلم يشاهد شمساً لتكاثف السحب، ولم يشاهد أرضاً ولا جبلاً ولا وادياً ولا شجرة لأن كل شيء كان مغطى بالثلج، وكان يعبر على الأنهار وهي جامدة. وفي ذلك الشتاء
(1) بغية الطلب 2: 160.
(2)
السلوك 1: 258 - 259.
(3)
بغية الطلب 2: 160.
نزل في إحدى المدارس، فوضع يده على شباك حديد في تلك المدرسة فما نزع يده إلا وجزء من جلدة كفه قد لصق بالحديد لشدة البرد؛ أصابته وعكة وهو في حران، واحتاج إلى مزورة تعمل باسفاناخ (سبانخ) وبيض، وأخذ خادمه بيضة ليكسرها ويلقيها في المزورة (1) ، فلم تنكسر، فغضب التيفاشي من الخادم وأخذ البيضة وجعل يضربها على جانب الصحفة فلم تنكسر فقوى الضرب، فكان حالها كذلك، فضرب بها الحائط، فانكسرت الطوبة والبيضة صحيحة، إلا أن شقاً خفياً حدث في البيضة كالشعرة، فأدخل السكين فيه وعالج قلع القشرة فإذا البيضة جامدة، فألقاها في المزورة، فنضج بياضها، وظل الصفار منها جامداً قد استلان بعض لين (2) .
وتستحق إقامته في جزيرة ابن عمر بالقرب من الموصل، وقفة خاصة، فقد كانت تلك الجزميرة قبل الهجرة التيفاشي إلى المشرق تحت حكم شمس الدين الجزري محمد بن سعيد بتفويض من السلطان معز الدين سنجر شاه، حيث بقي يصرف الأمور تصريفاً حسناً حتى وفاته في سنة (610/ 1213)(3) وكان لشمس الدين ابنان كلاهما يسمى باسم محمد وهما الصاحب محيي الدين الكبير، وأبو القاسم العماد، وكان الأول منهما فاضلاً أديباً وزر للملك المعظم عيسى واجتمع بالملك الكامل بمصر، فأمسكه مدة، وصار عنده من أكابر دولته، وقد استقل بحكم الجزيرة حتى وفاته (651/ 1257) وكان أخوه العماد عاقلاً لبيباً عالماً أديباً، وتوفي في آخر سنة 651 أيضاً (4) .
وفي بلاط الصاحب نحيي الدين احتشد عدد كبير من العلماء والأدباء منهم (5) :
1 -
شرف الدين التيفاشي، موضوع هذه الدراسة.
2 -
رشيد الدين الفرغاني.
3 -
أثير الدين الأبهري.
4 -
صدر الدين الخاصي.
(1) المزورة: حساء يصنع للمريض، ولكن دون لحم.
(2)
الفقرة: 706 من سرور النفس.
(3)
الوافي للصفدي 3: 105.
(4)
البدر المسافر، الورقة: 104 - 105.
(5)
الوافي للصدفي 1: 172.
5 -
ضياء الدين أبو طالب السنجاري.
6 -
شهاب الدين أبو شامة.
7 -
نور الدين ابن سعيد الأندلسي.
8 -
نجم الدين القمراوي.
وقد تبارى هؤلاء العلماء في التأليف لخزانته، كما نباري الشعراء في مدحه (1) ، فألف له ابن سعيد كتاب " المغرب في محاسن أهل المغرب " و " كتاب المشرق في أخبار المشرق "(2) ، وألف له ابن أبي الإصبع كتاباً جمع فيه أمثال القرآن العزيز وكتب الحديث المشهورة، وغير ذلك من عيون الأمثال نظماً ونثراً (3) ؛ والأرجح أن التيفاشي وضع خطة لتأليف موسوعة كبيرة، أثناء إقامته عند الصاحب محيي الدين، معتمداً على ما كان لدى الصاحب من كتب، ويؤكد ابن سعيد هذا بقوله في كتابه " المشرق ":" هو - أي التيفاشي - مقر بأنه استعان في هذا الكتاب بالخزائن الصاحبية "(4) ، وتلك الموسوعة هي " فصل الخطاب " الذي سيكون موضوع بحث مستقل في ما يلي.
وثمة ما يوحي بالتردد في القطع حول مكان اللقاء بينه وبين الصاحب محيي الدين. فالصفدي يتحدث عن محيي الدين حاكماً لجزيرة ابن عمر من 610 - 651 (5) كما تقدم القول، ويزيد قائلاً إن التيفاشي عند وروده من المغرب وما اتفق عليه في البحر من سلب ماله وكتبه أتى إلى الصاحب فآواه وأقام عنده (6) ؛ والادفوي في البدر السافر يقول إن الكامل أحب محيي الدين وأعجب به وأمسكه عنده (أي بمصر) وصار من أكابر دولته (7) ، وهذا يعني أن ابن ندى حين قدم التيفاشي إلى القاهرة كان بها، فلعله آواه في القاهرة، فلما توفي الكامل وعاد الصاحب إلى جزيرة ابن عمر صحبه التيفاشي.
(1) في الشعراء الذين التفوا حول الصاحب محيي الدين انظر الوافي 1 173.
(2)
الوافي 1: 172 والأبحاث (21/ 1968) : 94.
(3)
النجوم الزاهرة في حلى حضرة القاهرة: 318.
(4)
الوافي 8: 288.
(5)
الوافي 1: 172.
(6)
الوافي 8: 288.
(7)
البدر المسافر، الورقة:104.
وإذا اضطرب علينا مكان اللقاء بين الرجلين: التيفاشي وابن ندى، فإن اللقاء نفسه كان حقيقة واقعة، وثمراته كانت كذلك. ففي ظل بني ندى وجد التيفاشي رعاية وطمأنينة، والتقى بعلماء أفاد منهم كثيراً، واطلع بيسر على كتب هامة أثرت في تفكيره، وبخاصة مؤلفات الموفق التلعفري (602/ 1206)، فقد قال ابن سعيد:" وكان أبو الفضل التيفاشي يذكر لي هذا الرجل، ويزعم أنه استفاد من تصانيفه في ضروب الفلسفة، ويمتعني بما وقع له من أخباره وأشعاره أيام صحبته رؤساء بني ندى أعيان الجزيرة العمرية "(1) .
وحين كان التيفاشي يتعب من التجول، كان يفيء إلى القاهرة، فقد أحس أنها أرحب البلدان صدراً، حتى لقد أنسته ما كان لديه من إعجاب بدمشق، إذ وجدها مركزاً ثقافياً واقتصادياً يلتقي فيه المشرق والمغرب، ويجمع صنوف الثقافات والتجارات، ويمكن التيفاشي من أن يظل على صلة بالمغاربة الكثيرين الذين كانوا يؤمون مصر للاستيطان، أو ينزلون فيها في طريقهم إلى الحج، وكانت الصلة بالحياة التجارية هامة لديه مصل الصلة بالحياة الثقافية؛ إذ هما لديه مترافدتان متعاونتان، وأسواق القاهرة تمكنه من الاطلاع على نماذج السلع التي تهمه، ومن لقاء تجار دخلوا الهند وسرنديب وأقاصي الشرق، فهو يتسقط منهم المعرفة في صورة خبر؛ " اخبرني بعض من دخل الهند من الجوهريين؟ أخبرني رجل من أهل غزنة.. حدثني رجل من أهل عدن؟ أخبرني من دخل سرنديب من التجار؟ أخبرني الشريف الجوهري الذي كان بمدينة القاهرة، وهو المعروف بالخبرة والذكاء في هذا الفن وذلك أنه دخل الهند؟ وأخبرني القاضي الحسيب معين الدين بن ميسر أمين السلطان على معدن الزمرد بالديار المصرية؟ وأخبرني من لا أشك في صدق قوله وثقة نقله، الأمير الأجل الكبير العالم الفاضل سيف الدين قلج (2) ؟ هكذا هو دائماً يلقى الناس ويدوّن عنهم الفوائد، من طبقة التجار الوافدين ومن كبار موظفي الدولة، ويتجول ويغشى الأسواق ويتفحص ويكتسب خبرة واطلاعاً فهو يقول: " ورأيت بسوق القاهرة المعزية حجارة منه (أي البازهر) كثيرة مغشوشة مصنوعة تباع على أنها بازهر حيواني بسوم دينار المثقال " (3) . ويقول أيضاً: " وقد حضرت في دكان جوهري خبير بالأحجار من أهل الأندلس بثغر
(1) الغصون اليانعة (تحقيق إبراهيم الابياري، القاهرة 1945) : 59 وانظر مجلة الأبحاث: 94.
(2)
أزهار الأفكار: 115، 64، 73، 88، 120.
(3)
المصدر السابق: 140.
الإسكندرية، ودخل السوق تاجر أعجمي، فأخرج ثمانية عشر حجراً على أنها بازهر حيواني، ودفعها لدلال، فأوقف عليها أمين السوق، فلم ينكر منها شيئاً، ونادى عليها جملة على أنها بازهر حيواني، فلما وصلت إلينا ورآها الجوهري الذي كنت في دكانه أخرج منها حجرين فأرانيهما وأخبرني أنه ليس في الجميع بازهر خالص غيرهما، وأن الباقي معمول مدّلس، واستدل على صحة قوله بأمرات أبرزها في المعمول وغير المعمول، تظهر للذكر النظر الجيد الفطنة " (1) .
أما في حال الثقافة فقد تعرف إلى كثيرين من أهلها ومن الوافدين، وكان يلتقي المعاربة منهم في مجلس الرئيس جمال الدين موسى بن يغمور (663/ 1265) الذي شغل مناصب متعددة في الدولة، وكان لعطفه على القادمين من المغرب يسمى " كهف المغاربة "، ومن هؤلاء الطبيب أبو الحجاج يوسف بن عتبة الإشبيلي (636/ 1239) الذي جعله ابن يغمور مشاركاً مع أطباء البيمارستان (2) واصبح صاحباً ملازماً للتيفاشي. وعلى مائدة ذلك الرئيس نفسه التقى أبا المحامد القرطبي (643/ 1245) الذي كان مولعاً بالذم (3) . وتوكدت أواصر العلاقة بين وبين ابن سعيد الأندلسي، وكنا يصطحبان في جولاتهما للقاء الأدباء، ويتناشدان الأشعار، ويدونان الأخبار وقد أهداه ابن سعيد كتاب المغرب ثم أجازه رواية الكتاب نفسه. وجاء في تلك الإجازة:" أجزت الشيخ القاضي الأجل أبا الفضل أحمد بن الشيخ أبي يعقوب التيفاشي أن يروي عني مصنفي هذا، وهو المغرب في محاسن المغرب، ويرويه من شاء، ثقة بفهمه واستنامة إلى علمه "(4) .
وقد سجل التيفاشي قصة الإهداء والإجازة في قطعتين من شعره، فقال إحداهما:
سعد الغرب وازدهى الشرق عجباً
…
وابتهاجاً بمغرب ابن سعيد
طلعت شمسه من الغرب تجلى
…
فأقامت قيامة التقييد وقال في الثانية:
يا طيب الأصل والفرع الزكي كما
…
يبدو جنى ثمر من أطيب الشجر
(1) أزهار الأفكار: 139.
(2)
اختصار القدح المعلى: 163 - 164.
(3)
المصدر السابق: 212.
(4)
نفح الطيب 2/ 332.
ومن خلائقه مثل النسيم إذا
…
يبدو إلى بصري أبهى من القمر
أثقلت ظهري ببر لا أقوم به
…
لو كنت أتلوه قرآناً مع السور
أهديت لي الغرب مجموعاً بعالمه
…
في قاب قوسين بين السمع والبصر (1) وفي مجلس ابن يغمور تعرف إلى كثير من الشعراء ومنهم سيف الدين المشد قريب ابن يغمور، كما كان كثير التردد على منزل جلال الدين المكرم - الذي سيأتي التعريف به. وفي القاهرة تعرف إلى ابن العديم حين حلها رسولاً، وأوقفه على شيء من تصانيفه، وأهدى إليه كتاباً من كتبه بخطه، وأنشده مقاطيع من شعره (2) .
وقد أصيب بالصمم في السنوات الأخيرة من عمره (3) ، فأصبح عرضة لسوء الظن في بعض ما يقال، وقد اتفق أن اجتمع يوماً بسيف الدين المشد، فتوهم أنه سمع منه كلاماً لا يليق به، فعاتبه، فقال المشد قصيدة يعرض فيها بعض مصنفاته، وأنه ينشئها " اختلاساً من كاتب وكتاب "(4) . وكذلك أصيب بعد ذلك بنزول الماء في عينيه حتى عمي، فقدحهما وأبصر واستأنف الكتابة، وعوفي، ثم شرب مسهلاً، وأعقبه بشرب آخر، فأدركه حمامه على أثر ذلك في الثالث عشر من المحرم سنة 651/ 16 مارس 1253 بالقاهرة (5) ، ودفن في مقبرة باب النصر.
2 - شخصيته وثقافته:
يقول ابن العديم مصوراً ما انطبع في نفسه من شخصية التيفاشي: " اجتمعت به القاهرة؟ فوجدت شيخاً كيساً ظريفاً "، وفي هاتين اللفظتين خلاصة السمات التي كان يتميز بها التيفاشي، فالكيس - وهو صفة قلما يوصف بها الشيوخ - صفة تشير إلى خفة وتوقد معاً، وتلحق بالظرف حتى تلتبس به، وصاحب هاتين الخلتين يكون بحسب مفهومنا اليوم " رجلاً اجتماعيا " يلابس الناس ويخف على نفوسهم، وهذا القبول الاجتماعي يصبح ضرورة إذا كان صاحبه " طُلَعَةً " - مثل التيفاشي - لا يفتأ يرود كل الميادين، ويواجه أصنافاً مختلفة من الناس، ويطرح مختلف الأسئلة، يتغلغل في صميم المشكلات، ويحاول أن يدرس
(1) نفح الطيب 2: 325 وبغية الطلب 2: 160، وانظر ملحق هذه المقدمة.
(2)
بغية الطلب 2: 159 - 160.
(3)
انظر اختصار القدح: 212 ((فلم يسمعه لثقل كان في سمعه)) .
(4)
الوافي 8: 290 - 291.
(5)
بغية الطلب 2: 161.
الطبيعة وظواهرها، والمجتمع في شتى نماذجه، حتى ولو كانت تلك النماذج مما يتصل بالعالم الخفي - عالم المباذل والشذوذ؛ ولقد علمته التجربة أن الظرف والانبساط لا يصلح في كل الأحوال، وأنه قد يكون خطراً على صاحبه في بعض المواقف، ولذا نجده يقول:" الواجب بعد هذا كله تجنب الانبساط مع غير أهل الأدب، فإن الانبساط مع العوام مهلك للعرض متلف للجاه والحرمة "(1) ، ولكن يبدو أن هذا المبدأ قاعدة نظرية، وحسب.
ولقد كسب له حب استطلاعه سعة في التجربة، وفهماً لدواخل الأمور وبواطن الظواهر، وطبعه على الحذر والترقب، ولكن يبدو أن التجربة الواسعة لم تستطع أن تنزع من نفسه طيبة متأصلة، كانت تبادر حذره فتسبقه وتأخذ عليه الطريق، ولعل في القصة التالية ما يشير إلى ذلك، كان ذات يوم ماراً بدمشق يجتاز جسراً على نهر بردى، فإذا بغلام صغير السن دون البلوغ عريان يبكي، والغلمان يسبحون في النهر دونه، والناس يمرون به يميناً وشمالاً ولا يكلمونه، فأدركته عليه شفقة وأراد أن يتعرف خبره، فسأله عما به، فلم يرد وأمعن في البكاء والضجيج، وتبرع غلام آخر بالحديث نيابة عن الأول وقال للتيفاشي: يا سيدي هذا غلام جاء يسبح، ووضع ثيابه على الحجر فسرقت، وله أم عجوز صالحة تقتله اليوم إن رجع لها عرياناً، وقد جمع له الناس بعض النقود ليشتري بها قماشاً، فحفزت الأريحية التيفاشي إلى أن استخرج منديل نقوده ليدفع له شيئاً، وإذا بشاب من بعد يشير إليه: لا تفعل، فمشى إليه وسأله عن السبب، فقال ذلك الشاب: هذا الغلام العريان مقامر، عادته أن يفعل ذلك ثم يأخذ ما يحصل له ويقامر به، وهو شيطان والناس يعرفون ذلك منه، وإنما يصطاد الغرباء. قال التيفاشي: فوفر علي دراهمي، فجزيته خيراً وانصرفت (2) ؛ طيبة تشبه الغفلة، ومع ذلك فإنها وسعت مجال تجربته، وكشفت له عن نموذج لم يكن يعرفه من التحيل، وربما أفادته فزادته حذراً.
مثل هذه الشخصية يخضع لواقع الحياة أكثر مما يخضع لقانون أخلاقي، ولذلك لم استبعد أن يكون قد عزل عن القضاء لشربه الخمر؛ ذلك لأن الإقبال على الخمر كغيره من المباذل الاجتماعية، موجود يأخذه على أنه قضية مسلمة، ويتحدث عنه حديث عالم الاجتماع. ومن هذه الواقعية أن يقول:
(1) نزهة الألباب (نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم: 1533) ص: 5.
(2)
نزهة الألباب: 88 - 89.
" اعلم أن مجلس الشراب أولى بالسماع من جميع ما عداه من سائر المجالس، وإنه يسيغ الشراب ويشيعه تشييعاً عجيباً حتى يحس سريانه في الجسم وأثره فيه، ولهذا قالت الحكماء: السماع إدام المدام "(1) . وهو مؤرخ اجتماعي حين يحدثنا إن " عوائد الناس الابتداء بالغناء في مجلس الشراب مختلفة، أما أهل المشرق من ملوك العجم وملوك العرب في هذا التاريخ، فإن العادة عندهم أن الملك إذا اخذ القدح في يده ابتدأ المغني في الغناء بغير أمر له بذلك، كأن أخذ الملك للقدح دستوره في الغناء، فإذا ابتدأ المغني بالغناء وضع الملك القدح ثم يستمع ويشرب في وسط ذلك الغناء، وأما ملوك المغرب ورؤساؤه فإنهم يشربون في أول المجلس ساعة على الحديث أو المذاكرة بغير غناء، فإذا أراد صاحب المجلس الغناء نقر بالستارة إن كانت خشباً أو تنحنح أو أبدى إمارة؟ الخ "(2) .
وكان التيفاشي متنوع الثقافة حتى ليصدق فيه ما قاله التوحيدي في زيد بن رفاعة: " اينسب إلى شيء ولا يعرف برهط لجيشانه بكل شيء وغليانه في كل باب "(3) أعني أنك تجده طبيباً بين الأطباء، وفلكياً بين الفلكيين، وموسيقاراً بين الموسيقيين، مثلما تجده شاعراً وناثراً، ولكنك لا تستطيع أن تقول إنه تميز في شيء أو نال فيه تفوقاً. كان كثير المطالعة، ولهذا تجده يقول في بعض المواقف:" إني امرؤ استنبطت العلوم وحذقت النجوم وطالعت جميع الكتب من العلوم بأسرها على اختلاف أجناسها وأصنافها "(4) ، ومع ذلك فلم تكن المطالعة مصدره الأهم في المعرفة، بل ربما كان أهم منها المعرفة التي حصلها عن طريق السماع والمشاهدة والاختبار العملي، وأعانه على ذلك دقة في الملاحظة، ومسارعة إلى تقييد ما يلاحظه أو يسمعه أو يجري فيه اختباراً، تستوي في ذلك بسائط الأمور ومعقداتها. يقول " وقد كان عندي حجر بازهر خالص حيواني فجعلته في كيس فيه دنانير ذهب، ثم سافرت سفراً بعيداً، فلما استقرت فتحت الكيس وأخرجت حجر البازهر فلم أعرفه، حتى ظننت أنه قد بدّل علي بتغير جميع صفاته، ثم وزنته فوجدته أقل مما كان، فزاد تشككي، ولم يكن معي من اتهمه فعجبت من ذلك وبقيت متحيراً في أمره، ثم جعلته في حق صغير بعد أن لفقته بابريسم، وغفلت عنه مدة، ثم
(1) متعة الأسماع (نسخة الخزانة العاشورية) - الباب الثاني، الورقة:6.
(2)
متعة الأسماع؛ الباب الرابع، الورقة:8.
(3)
الإمتاع والمؤانسة 2: 4.
(4)
نزهة الألباب: 8.
أخرجته فوجدت الحجر الذي أعرفه أولاً، وقد زالت عنه الهيئة الرديئة التي اكتسبها من احتكاكه بخشونة الذهب ورجعت إليه جميع صفاته الأولى إلا أن وزنه نقص بما أنحك منه في الكيس)) (1) .
ولا ريب في أن التيفاشي كان يتمتع بروح علمية دقيقة، لأنه كان يحاكم ما يسمع إلى التجربة ويتحمل المشاق في سبيل المعاينة الذاتية؛ فقد كان يسمع مثلاً عن أن الزمرد الذبابي إذا عرض للحيات انفقأت عيونها على المكان، وكان عنده فص زمرد ذبابي خالص، فاستأجر حواء ليصيد له أفعى، ففعل، وجعلها في طشت ثم قرب الفص من عينيها، فما لبث أن سمع فرقعة خفيفة كمن يقتل صؤابةً على ظفره، ثم برزت عيناها بروزاً ظاهراً، وبقيت حائرة في الطشت لا تدري أين تتوجه (2) . وقد مكنته هذه الدقة العلمية من التمرس ببعض الصناعات وإتقانها؛ فقد صنع وهو القاهرة من اليشم الأبيض أواني أهداها لبعض الأمراء ممن يعرف اليشم بدقة فلم يشك ذلك الأمير أن ما أهدي له كان من صنع الصين، ولم يكد يصدق إنها ليست كذلك إلا حين صنع له التيفاشي أواني على شكل مخصوص ووزن مخصوص بحسب اقتراحه (3) . وفي مثل هذه الشؤون، استطاع التيفاشي أن يقع على حقائق يؤكدها العلم الحديث، ولكنه - على خلاف ما يقوله محققاً كتاب الأحجار - لم يبرأ من الخضوع للخرافة (4) ، فقد كان في ذلك ابن عصره، ينقل ما جاء في الكتب دون محاكمة، ومن قرأ الفصول التي عقدها عن خواص القطبين وما أشبه ذلك في ((سرور النفس)) عرف مصداق ما أقول (5) ؛ ويقارب هذا النقل ضعفاً تلك التعليلات التي كان يظنها في عصره علمية أو طبية، وهي نتيجة لقصور العلم والطب حينئذ. وليس يؤاخذ التيفاشي في كل ذلك، فهذه التعليلات نفسها - على فسادها - تدل على أنه كان يحاول أن يجد تفسيراً يقبله العقل.
ذلك بعض ما يمكن أن يقال في الاتجاه العلمي لدى التيفاشي، ولو وصلتنا مؤلفاته الأخرى، لا تسع القول في هذا الاتجاه.
(1) أزهار الأفكار: 124 - 125.
(2)
أزهار الأفكار: 84 - 85.
(3)
أزهار الأفكار: 195.
(4)
انظر مقدمة أزهار الأفكار: 17.
(5)
راجع مثلاً الفقرة: 577.
فأما الاتجاه الأدبي، فقد يبدو في بعض الأحيان ظلاً للاتجاه العلمي، فهذا الشغف بالعشر الذي قيل في النجوم والرياح وتقلب الفصول والحر والبرد والشموع والنيران، يشير إلى ذلك؛ وعلى هذا لم يسمح التيفاشي لصوت النقد بأن يرتقفع عالياً إلا حين رأى التنوخي يكثر من تشبيه المحسوس بغير المحسوس فيقول:" إني لينغص علي إحسان هذا الرجل مع كثرته - ما أخذ به نفسه من تشبيه الأظهر بالأخفى، وهو شيء كرهه أكابر العلماء ونصوا عليه، وهو قد أغري به لا يكاد يخلي منه تشبيهاته "(1) . وأحياناً يعثر في النقد عثرة من لا يعرف أولياته، فيورد بيتين لأحد الشعراء المحدثين ثم يقول وهذا أبلغ من قول امرئ القيس، إلا أنه لا يدخل في مختار الكلام لابتذال لفظه (2) ، فكيف يكون أبلغ وهو مبتذل اللفظ؟ وهو أحياناً يعمم الحكم استناداً إلى سعة مروياته من الأشعار، كأن يقول: وشعراء المغرب حازوا قصب السباق في وصف الاغتباق " (3) وفي سائر المواقف النقدية يعد عالة على من تقدمه من النقاد.
وقد ذكر من ترجموا له بأن له شعراً حسناً ونثراً جيداً (4) ، ولم يصلنا شيء من نثره الفني، فأنا نثره في كتبه، فهو بسيط سائغ، دقيق في إبراز الفكرة التي يعالجها؛ وأما شعره فقد وصلنا منه عدد من المقطعات تبلغ أربعاً وعشرين تتراوح بين بيتين وتسعة عشر بيتاً، ولكن أكثرها من القصار؛ وتدور في معظمها على موضوع الوصف (وصف الليل، الهلال، السماء، الزلزال، النار، الشمعة، الفانوس، الأهرام..) ومن الواضح فيها سيطرة الفكرة والعمل الذهني، وطلب الصورة، دون احتفال بمستوى التعبير، ولا يخرج التيفاشي في هذا عن الاتجاه الغالب على شعراء عصره، ولا يتجاوز الموضوعات التي كانت تستأثر باهتمامهم، إذا هم تجاوزوا مقام المدح والرثاء (5) .
4 - نظرة في حاله المعيشية بعد الهجرة:
كانت الآلات التي ملكها التيفاشي من علم وأدب تؤهله لأن يكون
(1) الفقرة: 379.
(2)
الفقرة: 49.
(3)
الفقرة: 149.
(4)
انظر الديباج: 75.
(5)
سألحق بالمقدمة القطع التي لم ترد في هذا الكتاب مما وجدته من شعر التيفاشي.
الباب الأول
في الملوين الليل والنهار
1 -
في التنزيل العزيز (وآية لهم الليل نسلخُ منه النهار فإذا هم مظلمون، والشمسُ تجري لمستقرٍ لها ذلك تقديرُ العزيز العليم. والقمرَ قَدَّرْنَاهُ منازلَ حتَّى عاد كالعُرْجونِ القديم. لا الشمسُ يَنْبَغِي لها أَنْ كل تُدْرِكَ القمرَ ولا الليلُ سابقُ النهارِ وكلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُون) . (1)
2 -
الليل والنهار يسميان الملوين، ويسميان الجديدين والاحدين والعصرين والقرنين والبردين والأبردين والخافقين والدائرين والحاذقين والخيطين، وهما زنمتا الدهر وابنا سمير وابنا سبات. وذكر أبو العلاء المعري الحَرْسَين، والحَرْسُ الدهر، ولم يسمع مثنىً إلاّ في قوله (2) :
ويحقُّ في رُزْءِ الحُسَيْن تَغَيُّرُ ال
…
حَرْسَينِ بَلْهَ الدر في الأَصدافِ وجمع الحرس أحْرُس، وقد يجمع ما لا يثنى ويثنى ما لا يجمع، وما ذكر من مثنى هذا الباب مسموع لا مقيس. وسميا ملوين لأنهما يملآن الآفاق نوراً وظلمة، وسميا جديدين لتجددهما بالضياء والإظلام على الدوام وسمي النهار نهاراً لظهور ضوء الفجر يجري كالنهر من المشرق إلى المغرب معترضاً حتى يأتي على الظلام، وسمي الليل ليلاً لأنه يلالي بالأشخاص حتى يتشكك الناظر في الشيء فيقول: هو هو، ثم يقول: لا لا - فقد لالا بها. والنهار ضد الليل، ولا يجمع، كما لا يجمع العذاب والسراب، فإن جمعت قُلت في قليله نُهُر، وفي الكثير نُهُر. والنهار ذكر الحُبارَى.
(1) راجع في تفسير هذه الآية القرطبي 15: 26 - 33 وزاد المسير 7: 17 - 21 والبحر المحيط 7: 235 - 337.
(2)
شروح السقط: 1270 من قصيدة في رثاء الشريف الموسوي والد الرضي المرتضى.
3 -
وقوله: (نسلخ منه النهار) أي ننزع عنه الضوء فيظهر سواده، لأنّ أصل، ما بين السماء والأرض من الهواء والظلمة. والنهار في اللغة الضوء، والليل الظلمة.
4 -
(والشمس تجري) جري الشمس سيرها على عكس دور الفلك. فتقطع الفلك في ثلاثماثة وخمسة وستين يوماً وربع يوم وجزءٍ من يوم عند أهل الهند. وعند أهل الروم في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً إلا جزءاً من ثلاثمائة جزء يوم.
(لمستقر) أي محل استقرار الليل والنهار على الاستواء، اعتدال الزمان عند حلولها أول نقطة الحمل أو الميزان، وقيل استقرارها استعلاؤها على جانب الشمال عند نهاية طول النهار في الأقاليم السبعة المائلة نحو الشمال (1) عن خط الاستواء، فيطول اليوم في الإقليم الأول ثلاث عشرة ساعة ونصف ساعة إلى أن ينتهي في الإقليم ست عشرة ساعة بتفاوت نصف ساعة بين كل إقليمين، حسب بعد الأقاليم من خط الاستواء نحو الشمال وقربها منه. وقيل: لمستقر لها أي محل شرف لها، في الدرجة التاسعة عشرة من الحمل عند ظهور أثرها في نفي آثار الشتاء، واعتدال الزمان والهواء، ومحل رفعه في أوجها يعني الجوزاء عند استقامة الحر وبدوّ الثمار وتمام الرياحين، أو محل قوة لها في بيتها، يعني الأسد عند إدراك الزروع وينع الثمار. وقيل لمستقر لها أي محل استقرار الدَّور واستمرار السير على الاستقامة من غير رجعة وانعكاس، كالخمسة المتحيرة أعني زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد.
5 -
(والقمرَ قدَّرناهُ منازلَ) يعني منازله الثمانية والعشرين المعروفة وهي الشرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العواء، السماك، الغفر، الزباني، الإكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، الفرغ المقدم، الفرغ الموخر، بطن الحوت. وهذه المنازل مقسومة على البروج الاثني عشر لكل برج منها منزلتان وثلث، منزلة بالتقريب، فينزل القمر كل يوم منزلاً، حتى إذا اجتمع مع الشمس في منزل انتقص الهلال في ثاني ذلك المنزل كالعرجون القديم. وقيل: قدَّرناه منازل أي قدرنا نوره في منازل، فيزيد في مقدار النور كل يوم في المنازل الاجتماعية، وينقص في المنازل الاستقبالية. وقيل: أي جعلنا أجزاء جرمه
(1) ص: السماء.
منازل لعكس أنوار الشمس " فإن جرم القمر مظلم ينزل فيه النور بقبوله عكس ضياء الشمس "، مثل المرآة المجلوَّة إذا قوبل بها الشعاع تضاحل إلى الظل ويضرب بالنور المقبول عليه، وكذا القمر يقبل نور الشمس ويؤديه إلى الأرض، ولا يزال نصف القمر مقابلاً للشمس ونصفه غائباً عنها، فعند اجتماع الشمس يكون نصفه الذي يلي الشمس مضيئاً كله، فيظلم نصفه الذي يلي الأرض، فإذا جاوزها ليلة الاستهلال انحرف عن موازاتها فمالت الظلمة من النصف لم الأسفل إلى النصف الأعلى بقدر ما ينجلي منها ليلة الهلال كالعرجون القديم لا يزال ينحرف عنها حتى يدبر عن الشمس نصفه الأعلى، ويقابلها نصفه الذي يلي الأرض عند الامتلاء، وهو الاستقبال، فيأخذ النور في الاستقبال من نصفه الأسفل إلى نصفه الأعلى، حتى ينتهي إلى الاجتماع وتدور الشمس والقمر على جانب من الأرض إلا ليلة الخسوف، تحول الأرض بينهما فتحجب القمر عن الشمس، فيخسف بظل الأرض.
6 -
وقوله عز وجل: (لا الشمسُ ينبغي لها أن تدركَ القمر) أي لا يمكنها أن تدرك القمر في سرعة سيره، لأن دائرة فلك القمر في فلك عطارد، وفلك عطارد داخل في فلك الزهرة، وفلك الزهرة داخل في فلك الشمس فإذا كان طريق الشمس أبعد قطع القمر جميع أجزاء فلكه - أعني البروج الإثني عشر - في زمان تقطع الشمس برجاً واحداً من فلكها. وقيل لم يكن يليق بمصلحة العباد لو جُعلت الثمس في سرعة السير كالقمر، فإنها لو قطعت الفلك في ثلاثين يوماً لولدت الفصول الأربعة في كل شهر، واختلّت الزروع والثمار واستقامة الأحوال.
7 -
وقوله عز وجل: (ولا الليلُ سابقُ النّهارِ) أي الشمس التي بها الضياء خلقت مضيئة والليل بكرة الأرض التي يغيب ضوء الشمس بطرف منها عن الأرض، وهي في بعدها من الأفلاك بُعدٌ واحد من جميع الجهات، لأنها في العالم بمنزلة الثقل، والأفلاك والكواكب في غاية اللطف، لما أديرت وقعت كثافة الأرض إلى أسفل، فإن اللطيف يتحرك إلى الأعلى، والثقيل الكثيف إلى أسفل، فلما دفعت أجرام الفلك عنه التراب من جميع النواحي دفعة واحدة اجتمع إلى الوسط، وقد جرب ذلك في قنّينة ملئت ماء وألقي فيها حفنة من تراب، ثم أديرت بالخرط، فبدأت أجزاء التراب تجتمع من جميع النواحي حتى استمسكت في الوسط. فإذا كان الليل بالأرض، والأرض تدفع الأفلاك أجزاءها - كما ضربنا من المثال - كان النهار سابقاً لليل، فذلك قوله عز وجل:(ولا الليلُ سابقُ النهار وكلٌّ في فَلَكٍ يسبحون)
أي يعومون على عكس سير الفلك، كالسباحة على خلاف جري الماء. وخصّ الشمس والقمر بالذكر ههنا، وفي سورة الأنبياء، لأن سيرهما سباحة أبداً على عكس دور الفلك، وسير الخمسة المتحيرة قد يكون موافقاً لدور الفلك عند الرجعة، والجري للاستقامة، والكنوس للدخول تحت الشعاع والاحراق. هذا كلام السجاوندي (1) .
8 -
وقال أبو الحسن الحوفي (2) : (لا الشمسُ ينبغي لها أن تدركَ القمر) أي لا يصلح لها أن تدرك القمر فيذهب نوره بضوئها، فتكون الأوقات كلها نهاراً لا ليلاً (ولا الليلُ سابقُ النهار) أي يعاقب النهار حتى يذهب ظلمته بضيائه فتكون الأوقات كلها ليلاً، أي لكل واحد منهما حدٌّ لا يتجاوزه، إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا.
9 -
وقال ابن فُوْرَك (3) : لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر في سرعة سيره، لأن سير القمر أسرع من سير الشمس. وروي أن ابن عباس رضي الله عنهما قرأ: لا مستقر لها، أي أنها تجري في الليل والنهار، لا وقوف لها ولا قرار.
10 -
وقال يحيى بن سلام (4) : لا تدرك الشمس القمر ليلة البدر خاصة، لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها.
و (العُرْجُون القديم) العذق اليابس إذا استقوس. قال: وفي استدلال قوم من هذه الآية على أن الليل أصل، والنهار فرع طارٍ عليه، نظر. وفي مستقر الشمس أقوال، منها أن مستقرها آخر مطالعها في المنقلبين، لأنهما نهايتا مطالعها، فإذا استقر وصولها كرت راجعة، وإلا فهي لا تستقر عن حركتها طرفة عين.
11 -
وقال أبو نصر القُشَيْري (5) : ولا الليل سابق النهار أي غالب، فتمحي آية
(1) هو أبو عبد الله محمد بن طيفور السجاوندي، إمام مقري نحوي مفسر، كان في وسط المائة السادسة، له تفسير حسن للقرآن وكتاب عللك القراءات وكتاب الوقف والابتداء، (انظر طبقات القراء 2: 157 والوافي 3: 178 وبروكلمان. التاريخ 1: 408 والتكملة 1: 724) .
(2)
هو علي بن إبراهيم الحوفي (- 430) صاحب البرهان في التفسير (انظر الوافيات 3: 300 وانباه الرواة 2: 219) .
(3)
محمد بن الحسن بن فورك (- 460) أحد شيوخ الأشاعرة، انظر ترجمته في السبكي 3: 52 وتبيين كذبم المفتري: 272.
(4)
ترجم له في ميزان الاعتدال 4: 380.
(5)
انظر ترجمته في وفيات الأعيان 3: 207 وعبد الغافر: 93 والسبكي 4: 249 وتبيين كذب المفتري: 308.
أحدهما بالآخر، ليكون الليل للاستراحة والنهار للتصرف ولتميز الأوقات ولعلم السنين والحساب، ولا تصير الأوقات كلها ليلاً أو نهاراً.
12 -
قال الشيخ شرف الدين أحمد التيفاشي المصنف: وليس في هذه الأقوال بيان في أن الليل قبل النهار في الوجود، أو أن النهار قبل الليل، وهو محط السؤال. قال، وأنا أقول: إن الليل والنهار لا يخلو إما أن نعتبر وجودهما بالإضافة الينا أو بالإضافة إلى العالم نفسه؛ فإن كانا بالإضافة إلينا كانا في منزلة المضاف في المنطق كالأب والابن؛ وإذا كانا كذلك لم يكن أحدهما متقدماً على الاخر، فإنا لا نعرف الليل إلا وقبله نهار ولا النهار إلا وقبله ليل، كما لا نعرف الأب من حيث هو أب إلا ومعه الابن، والابن إلا ومعه أب. وسأل الاسكندر (1) بعض الحكماء عن ذلك فقال: هما في دائرة واحدة، والدائرة لا يعرف لها أول ولا آخر. وإن اعتبر وجودهما بالإضافة إلى العالم نفسه، فلا يخلو أن يكون الاعتبار بالإضافة إلى العالم العلوي، وهو من الفلك المحيط إلى مقعر فلك القمر، أو إلى العالم السفلي، وهو من مقعر فلك القمر إلى كرة الأرض، فإن كان بالإضافة إلى العالم العلوي كما اعتبره السجاوندي، كان ذلك باطلاً، إذ العالم العلوي لا ليل فيه ولا نهار، إذ لا ظلام يتعاقب عليه فيسمى نوره نهاراً، بل الأجرام العلوية أجسام شفافة مضيئة نيّرة بطبعها على الدوام، نوراً لا ظلمة تشوبه ولا عتمة تتعاقب عليه. كما في هذا العالم. وإن كنا نرى الشمس والقمر يُكسفان عندنا فإنما ذلك لحائل يحول بين أبصارنا في هذا العالم وبين إدراك نوريهما، وإلا فهما في عالمهما على وتيرة واحدة من النور والضياء والبهجة، لا تبديل لها ولا تغيير، إلى أن يشاء العزيز القدير. وإن اعتبر وجود الليل والنهار بإضافتهما إلى هذا العالم السفلي، وهو من كرة الأرض إلى مقعر فلك القمر، كان اعتباراً حقاً، وهو موضع البحث، إلا أنه يجب أن يوجد اسما الليل والنهار ههنا دالَّين على النور والظلمة، كما قال الخليل: إن الليل عند العرب الظلام، والنهار الضوء، حتى لا يكون مدلول اسمي الليل والنهار على ما نفهمه نحن الآن من تعاقب الضياء والظلام عندنا، فإن كان ذلك كذلك كان الليل متقدماً على النهار بالطبع والذات، على رأي المشرّعين والفلاسفة:
(1) ورد هذا النص في محاضرات الراغب 4: 536.
13 -
أما الفلاسفة فإنهم متفقون على أن جميع أجرام العالم شفافة منيرة أو قابلة للنور مؤدية له، ما خلا كرة الأرض، فإنها كثيفة بذاتها، مظلمة (1) بطبعها، وإن الظلام الموجود في العالم إنما هو منها، وإن ذلك ذاتي فيها لا عرض لها، بل هو ملازم لها ملازمة الظلّ للشخص، والنور للشمس، والضياء فيها إنما هو عرض لها طارٍ على الظلام الذاتي الملازم. قال أبو معشر: الأرض لما وُجِدَت كانت مظلمة من جميع جهاتها، فما قابله منها نور الشمس انزاح الظلام عنه إلى الجهة التي لم تقابلها الشمس، فإذا دارت الشمس إلى الجهة الأخرى المظلمة أنارت وانزاح الظلام إلى الجهة التي كانت مضيئة، هكذا على الدوام.
14 -
وأما المتشرعون فإنهم - على اختلاف مللهم - متفقون على تقديم الليل على النهار في الوجود، وفي نص التوراة في مفتتحها (2) :" أولُ ما خلقَ الله السمواتِ والأرضَ كانت تيهاً وتيهاً وظلامٌ على وجه الغمْر، وأرواحُ الله مرفرفةٌ على وَجْهِ الماء، وقال الله: يكونُ نور فكان النور، ورأى الله النور حَسناً، وفصل الله ببن النور وبين الظلام، فسمَّى عند ذلك النهار نهاراً والظلام ليلاً. وكان مساءٌ وما يليه، وصباحٌ وما يتبعه، الجميعُ يومٌ واحد ". هذا نص التوراة، وهو تصريح جلي. قوله (تيهاً وتيهاً) أي قاع صفصف خالية من العمران، والغَمْر ههنا الماء.
15 -
قال الشيخ المصنف: ومن كتاب " فردوس البيعة " للقسّ أبي الفرج الطبيب (3) في العلة التي من أجلها خلق الله الظلمة أولا ومن بعدها النور، قال: لأن الفاعل الحكيم شأنه، أن يدرّج مفعولاته من النقصان إلى الكمال، ومثال ذلك تصيبره الجنس الآدمي - الذي هو علّة المخلوقات - آخر المخلوقات، فالواجب أن يجعل النور آخراً لأنه أشرف من الظلمة، ولكيما - إذا وجد النور - بانَ الملائكة الروحانيون به وهو ينظر شريف ما تقدم بخلقه من عظيم أفعاله، وكان هذا علة جاذبة
(1) ص: ظلمة.
(2)
جاء في الاصحاح الأول من سفر التكوين: في البدء حلق الله السموات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور. ورأى الله النور أنه أنه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة دعاها ليلاً وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً.
(3)
لعله أبو الفرج بن الطيب من مشاهير أطباء القرن الخامس الهجري ببغداد، وكان متميزاً في النصارى (ابن أبي أصيبعة 1: 239 - 241 ولم يذكر ((فردوس البيعة)) بين كتبه) .
لهم إلى حسن الطاعة، فالمرئيات في النور بينة جداً، ولو خلق الظلمة بعد النور لكان هذا مما يخفي حسن الإنارة، ولكيما لا يصير للذين يعتقدون أن ههنا خالقين متضادين حجة، بأن يكون خالق الظلمة إذا كان يضاد خالق النور لما رآه قد خلق النور ضادَّه بخلق الظلمة.
فهذه آراء اليهود والنصارى بعد إيراد أقاويل المسلمين والمتفلسفين.
16 -
وأما مذاهب العرب: فإنهم متفقون في كلامهم على تقديم الليل على النهار، وعلى هذا يؤرخون فيقولون: لخمس بقين ولست بقين من الشهر، والعلة الموجبة لذلك عندهم أن الشهر إنما تعلم بدايته بالهلال، فيكون أوله على ذلك الليل. وفي الحديث:" صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته "(1) وفيه: " من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر "(2) فقال ستاً ولم يقل " ستة " فدلّ على أنه صلى الله عليه وسلم جعل بداية الشهر الليل، وإنما أراد بالصيام الأيام، إذ الليل لا يصام. وفى رواية " وأتبعه خمساً من شوال ". ووجه الحديثين أن الحسنة بعشر أمثالها، فشهر رمضان بعشرة أشهر، والستة التي بعده بستين يوماً، فذلك عام كامل. ومن روى خمساً فالشهر بعشرة، والخمسة بعده بخمسين يوماً، فتبقى عشرة منها ستة أيام تسقط بنقصان الشهر وأربعة أيام يوم الفطر وثلاثة أيام التشريق.
17 -
ولأبي منصور صدرُ معنى مستطرف في تقديم الليل على النهار، يصف سوداء:
عُلّقْئُهَا (3) سوداء مصقولةً
…
سوادُ عيني صفةٌ فيها
ما انكسفَ البدرُ على تِمّهِ
…
ونورِهِ إلا ليحكيها
لأجلها الأَزمانُ أوقاتُهَا
…
مؤرخاتٌ بلياليها 18 - وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (4) : " لا تسبوا الليل والنهار ولا الشمس ولا القمر ولا الريح فإنها ترسل رحمة لقوم. وعذاباً لآخرين. وقال
(1) الحديث في النسائي (صيام: 8) ومسند أحمد 4: 321 والجامع الصغير 2: 47 واتقان الغزي: 114.
(2)
اتقان الغزي: 187 والجامع الصغير 2: 174.
(3)
ص: حمراء.
(4)
في اتقان الغزي: 220 ولا تسبوا الريح فإنها من روح تأتي بالرحمة والعذاب، وثمة تخريجه، ولم يرد قوله: لا تسبوا الليل
…
الخ، ولكن هذا مضمن في قوله:((لا تسبوا الدهر)) ويزاد في رواية ((أقلب ليله ونهاره)) .
صلى الله عليه وسلم: " الليل والنهار مطيّتان يقربان كل بعيد ويأتيان بكل موعود ". هذا كلام النبوة المشرق بنور المعرفة.
19 -
وقال بعض الحكماء: الليل والنهار فرسان يركضان بالبشر إلى إنقضاء الأعمار وقال آخر: الليل والنهار رحيان (1) لطحن الأعمار.
20 -
وللشيخ المصنف في ذلك:
يا سائلي في شيبِ رأسي شيْبه
…
اسمعْ جوابي فيه غيرَ مُعَرّضِ
طحنتْ رحى المَلوينِ عمري فانثنى
…
في مفرقي أثرُ الغبارِ الأبيض 21 - وللشريف ابن دفتر خوان (2) :
جيشانِ مختلفان جيشُ دُجُنَّةٍ
…
يتغالبان معاً وجيشُ نهارِ
والليلُ يكسو الجوَّ مِسْحَاً أسوداً
…
متحرقاً عند الشروقِ بنار
والصبحُ مدَّ على النجوم مُلاءةً
…
بيضاءَ يمنعها عن الإبصار 22 - وفي كتاب كليلة ودمنة (3) تمثل أيام العمر بغصنين نابتين على فم بئر، وإنسان قائم عليها، والليل والنهار كجرذين أبيض وأسود مُجِدّين في قطع الغصنين، وهو لاه عنهما.
23 -
شاعر في الأيام (4) :
ما سبعةٌ كلُّهُمُ إخوانُ
…
ليس يموتون وهم شبّانُ لم يَرَهُمْ في موضعٍ إنسانُ
…
(1) ص: رحاتان.
(2)
هو الأمير علي بن محمد بن الرضى الحسيني الموسوي الطوسي الشريف دفتر خوان (- 654) انظر تاريخ بروكلمان 1: 352 وله ترجمة في حرف العين من الوافي. ومن الضروري أن يميز المرء بينه وبين دفتر خوان آخر واسمه المنتجب أحمد بن عبد الكريم كان يقرأ الدفاتر للملك العادل ابن أيوب وتوفي 615 (راجع الوافي 7: 78 ونفح الطيب 2: 300) وللأول منهما يشير التيفاشي باسم الشريف الموسوي والشريف الطوسي في ما يلي.
(3)
كليلة ودمنة: 41.
(4)
انظر محاضرات الراغب 4: 536 (2: 240) وربيع الأبرار، الورقة: 3/أوالبصائر 3: 472.
24 -
وذكر أنه وجد قبل الإسلام بألف عام على حجر مكتوباً في بعض غيران نجد (1) :
خِدْنان (2) لم يُريا معاً في منزلٍ
…
وكلاهما يجري به المقدارُ
لونان (3) شتى يكسوان خُلُوقةً
…
ما عاورته الشمسُ والأمطار 25 - شاعر:
فما مقبلاتٌ مدبراتٌ تواتَرَتْ
…
مخالفةَ الاسماءِ واللونُ واحدُ
تصرَّفُ في أبنائهنَّ مرارةٌ
…
ومنهن حُلْواتٌ وَسُخنٌ وبارد 26 - ابن الشبل البغدادي (4) :
ما أسودٌ في حِضْنِهِ أبيضٌ
…
وأبيضٌ في حضنه أَسودُ
ما افترقا قطُّ ولا استجمعا
…
كلاهما مِنْ ضِدَّه يولد 27 - أعرابي في الليل والنهار (5) :
والليلُ يطردُهُ النهارُ ولن ترى
…
كالليل يطرده النهارُ طريدا
فتراه مثلَ البيت زال بناؤه
…
هَتْكَ المقوض سِتْرَهَ الممدودا 28 - والمولّدون يشبّهون الليل والنهار بالزنجيّ والروميّ والحبشيّ والتركي، فمن ذلك قول أبي العلاء المعري (6) :
ودانَتْ لكَ الأيامُ بالرغم وانضوتْ
…
إليك الليالي فارمِ من شئت تُقْصِدِ
بسبعِ إماءٍ من زَغَاوةَ زُوِّجَتْ
…
من الروم في نعماك سبعةَ أَعْبُدِ
(1) محاضرات الراغب 4: 536 (2: 240) .
(2)
ص: جرمان.
(3)
ص: لو كان شيء.
(4)
ابن الشبل البغدادي أبو علي محمد بن الحسين بن عبد الله بن يوسف بن شبل (- 473) ولد ونشأ ببغداد وكان حكيماً فيلسوفاً وشاعراً مجيداً (ابن أبي أصيبعة 2: 247 - 252) واسمه عنده الحسين بن عبد الله وكذلك في معجم الأدباء 10: 23) وانظر ابن خلكان 4: 393 والوافي 3: 11 والمنتظم 8: 328 وتكملة المنذري 1: 71 والمحمدون: 270 والبدر السافر: 91 ودمية القصر 1: 352 وبيتاه في ((المحمدون)) : 278..
(5)
ديوان المعاني 1: 357 وزهر الآداب: 752.
(6)
شروح السقط: 359 في مدح الشريف أبي إبراهيم العلوي.
29 -
أبو بكر بن اللبانة (1) :
يجري النهارُ إلى رضاكَ وليلُهُ
…
وكلاهما متعاقبٌ لا يسأمُ
فكأنما الإصباحُ تحتك أَشقُر
…
وكأنما الإظلامُ تحتك دهمُ 30 - أسعد بن إبراهيم المغربي (2) :
وقد ذاب كُحْلُ الليلِ في دمع فجرِهِ
…
إلى أن تبدَّى الصبحُ كاللمّةِِ الشَّمْطَا
كأنّ الدُّجَى جيشٌ من الزَّنجِ نافرٌ
…
وقد أرسل الإصباحُ في إِثرِهِ القبطا 31 - أحمد بن درّاج القسطلّي (3) :
وليلٍ كريعان الشبابِ قطعتُهُ
…
بجهدِ السُّرى حتى استثيبت (4) ذوائبُهْ
وصلتُ به يوماً أَغرَّ صحبته
…
غلاماً إلى أنْ طُرَّ بالليل ِشاربه
(1) ابن اللبانة: هو محمد بن عيسى الداني (- 507) وله ترجمة في الذخيرة 3/ 2/ 666، وقد ورد البيتان في الخريدة (قسم المغرب والأندلس) 2: 117 (ط. تونس) وشعر ابن اللبانة: 91.
(2)
هو المعروف بابن بليطة (الذخيرة 1: 790 - 801) والبيتان في النفح 4: 100 والخريدة 2: 90 والثاني في الذخيرة 1: 799.
(3)
ديوان ابن دراج: 23 ورايات المبرزين: 73.
(4)
ص: استنبت الديوان: اشيبت.