الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العادل، ملك الديار المصرية يومئذ، فكتب له إلى الإسكندرية بتخليص ماله فخلص له منه جملة (1) ولم تكن مبادرة الكامل محض تدخل رجل غريب منكوب، وإنما كانت تعني تقديراً منه لعلم التيفاشي وفضله، وظرفه أيضاً، إذ لا يبعد أن تكون المقامة التي أنشأها، والنوادر التي ارتبطت بتلك الفاجعة، قد حملت إلى الكامل صورة مغربي ظريف، وكان الكامل معروفاً بمحبة أهل العلم ومجالستهم ومناظرتهم، وكان بيت عنده بالقلعة جماعة منهم، ينصب لهم أسرة ليناموا عليها بجانب سريره ليسامروه، فنفقت العلوم والآداب عنده وقصده أرباب الفضائل ونالوا منه الأرزاق الوفيرة (2) ، وكان للمغاربة من ذلك حظ غير قليل، ولهذا خف التيفاشي على نفسه - فيما أرجح - وعاش في كنفه، ونراه في القاهرة حتى سنة 630/1233 وهي السنة التي خرج فيها الكامل إلى فتح مدينة آمد؛ فانتهز التيفاشي الفرصة، ليستعد عهده بدمشق التي كانت قبلة خواطره منذ أن عزم على فراق الوطن، ويقول ابن العديم إن التيفاشي توجه من دمشق " إلى حلب ومنها إلى آمد فوجد الملك الكامل راجعاً إلى الديار المصرية فعاد معه إليها وسكن بها "(3) ، وهذه السرعة في ربط مفارقة مصر بالأوبة إليها ربما أشارت إلى أن التيفاشي لم يقض فترة طويلة في الشام؛ وإذا صح هذا فإنه يعني أنه اتخذ مصر دار إقامة، إلا أنه ظل كثير الارتحال إلى الشام وغيرها من الأقطار المشرقية، وعلى هذا فيجب أن نقدر أنه عاد يجدد الصلة بديار الشام والجزيرة العراقية وغيرهما بعد وفاة الكامل (635/ 1238؛ وهذه مسألة ليس من السهل أن نقطع فيها، أعني: هل سافر إلى الشام وتجول في الجزيرة العراقية مدة طويلة ثم عاد إلى مصر مع الكامل في إحدى عوداته من الأراضي المشرقية (قبيل 635) أو أنه سافر سنة 630 وعاد مع الكامل بعد إخضاع آمد في السنة نفسها واستقر بمصر، ثم عاد بعد وفاة الكامل إلى الترحال؟ أياً كان الأمر فنحن نعلم أنه قضى فترة من التجواب، تعرف فيها إلى حلب وآمد وحرّان والموصل وجزيرة ابن عمر وغيرهما من البلدان؛ وهو يحدثنا أنه سار من جزيرة ابن عمر إلى آمد ستة أيام بلياليها، وكان الفصل شتاء، فلم يشاهد شمساً لتكاثف السحب، ولم يشاهد أرضاً ولا جبلاً ولا وادياً ولا شجرة لأن كل شيء كان مغطى بالثلج، وكان يعبر على الأنهار وهي جامدة. وفي ذلك الشتاء
(1) بغية الطلب 2: 160.
(2)
السلوك 1: 258 - 259.
(3)
بغية الطلب 2: 160.
الباب الأول
في الملوين الليل والنهار
1 -
في التنزيل العزيز (وآية لهم الليل نسلخُ منه النهار فإذا هم مظلمون، والشمسُ تجري لمستقرٍ لها ذلك تقديرُ العزيز العليم. والقمرَ قَدَّرْنَاهُ منازلَ حتَّى عاد كالعُرْجونِ القديم. لا الشمسُ يَنْبَغِي لها أَنْ كل تُدْرِكَ القمرَ ولا الليلُ سابقُ النهارِ وكلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُون) . (1)
2 -
الليل والنهار يسميان الملوين، ويسميان الجديدين والاحدين والعصرين والقرنين والبردين والأبردين والخافقين والدائرين والحاذقين والخيطين، وهما زنمتا الدهر وابنا سمير وابنا سبات. وذكر أبو العلاء المعري الحَرْسَين، والحَرْسُ الدهر، ولم يسمع مثنىً إلاّ في قوله (2) :
ويحقُّ في رُزْءِ الحُسَيْن تَغَيُّرُ ال
…
حَرْسَينِ بَلْهَ الدر في الأَصدافِ وجمع الحرس أحْرُس، وقد يجمع ما لا يثنى ويثنى ما لا يجمع، وما ذكر من مثنى هذا الباب مسموع لا مقيس. وسميا ملوين لأنهما يملآن الآفاق نوراً وظلمة، وسميا جديدين لتجددهما بالضياء والإظلام على الدوام وسمي النهار نهاراً لظهور ضوء الفجر يجري كالنهر من المشرق إلى المغرب معترضاً حتى يأتي على الظلام، وسمي الليل ليلاً لأنه يلالي بالأشخاص حتى يتشكك الناظر في الشيء فيقول: هو هو، ثم يقول: لا لا - فقد لالا بها. والنهار ضد الليل، ولا يجمع، كما لا يجمع العذاب والسراب، فإن جمعت قُلت في قليله نُهُر، وفي الكثير نُهُر. والنهار ذكر الحُبارَى.
(1) راجع في تفسير هذه الآية القرطبي 15: 26 - 33 وزاد المسير 7: 17 - 21 والبحر المحيط 7: 235 - 337.
(2)
شروح السقط: 1270 من قصيدة في رثاء الشريف الموسوي والد الرضي المرتضى.