الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الأول: في الصفع وما فيه من الفوائد والنفع.
الباب الثاني: في القوادين والقوادات وما جاء فيهم من نوادر وأشعار.
الباب الثالث: في شروط الزناة.
الباب الرابع: في القحاب المبتذلات ونوادرهن؟ الخ.
17 -
متعة الأسماع في علم السماع: وهو في الموسيقى وأنواع الرقص وخيال الظل، ومنه نسخة وحيدة بالمكتبة العاشورية، اعتمدت عليها في هذه الدراسة، وقد عرف بالكتاب ونشر منه فصلين صديقنا محمد بن تاويت الطنجي رحمه الله (1) ؛ والكتاب قيم جداً، وهو (أو أكثره) بخط التيفاشي والنسخة المتبقية منه مضطربة، وخطها عسير جداً؛ ويمثل هذا الكتاب جزءاً من " فصل الخطاب " إذ جاء على الورقة الثانية " وهو الحادي وال؟ من فصل الخطاب " ولما كنا نعلم أن فصل الخطاب يقع في 24 جزءاً (في قول إحدى الروايات) فإن متعة الأسماع قد يمثل الحادي والعشرين منه. وانظر الحديث مستوفى عن فصل الخطاب في موضعه.
18 -
سرور النفس بمدارك الحواس الخمس: ليس للتيفاشي كتاب بهذا الاسم على وجه الدقة، ولكن هذا الكتاب هو الصورة المحورة من " فصل الخطاب " بعناية ابن منظور. وسيجيء الحديث عن ذلك من بعد.
- 2 -
تعريف بمرتب الكتاب ومهذبه
وهو محمد بن مكرم - بتشديد الراء - بن أبي الحسن علي (وقيل رضوان)(2) ابن أحمد بن أبي القاسم بن حبقة بن محمد بن منظور الأنصاري الرويفعي (من ولد
(1) مجلة الأبحاث (1968) : 95 - 116.
(2)
هو رضوان عند الذهبي (تاريخ الإسلام 20 الورقة: 64) وجمع السيوطي بين التسميتين (بغية الوعاة 1: 248) وهو علي في سائر المصادر ما عدا ابن سعيد (النجوم الزاهرة: 322) فإن المكرم أملي عليه نسبه فذكر ((أبا الحسن)) - دون تمييز -. واضطرب الأمر على الأدفوي فكتب في ترجمة محمد: محمد بن مكرم بن علي، وكتب في ترجمة أبيه: مكرم بن رضوان بن أحمد (البدر السافر، الورقة 167، 200) وقد ساق هو نسبه في مادة (جرب) من اللسان وذكر أن جده أبا الحسن يسمى علياً ويلقب نجيب الدين.
رويفع بن ثابت الصحابي) ولقبه جمال الدين وكنيته أبو الفضل، وقد شهر عند المتأخرين باسم " ابن منظور " ونسي ما عد ذلك، واقترنت شهرته بلسان العرب الذي جمع فيه بين صحاح الجوهري ومحكم ابن سيده وتهذيب الأزهري.
وقد ثار في السنوات الأخيرة جدل حول منتمى ابن منظور، أملته النظرة الإقليمية الضيقة، أهو أفريقي أم مصري، حتى قال الأستاذ إبراهيم الأبياري في مقدمته على مختار الأغاني:" ولم يعرض لمكان مولد ابن منظور غير اثنين الزركلي في الأعلام حيث قال: " ولد بمصر وقيل بطرابلس الغرب " ثم الدكتور درويش في كتابه " المعاجم العربية " حيث يقول: ولد في تونس حيث نشأ بها. وما نرى أن كليهما نقل ما نقل عن مرجع بل نراهما قد اجتهدا في لاستنباط، فالمراجع كلها لم تذكر عن هذا البلد الذي ولد فيه ابن منظور شيئاً صريحاً "(1)[كذا] .
ولو تأملت هذا الكلام من جميع هؤلاء الدارسين لتملكك العجب، ودهشت لهذا الذي يجري في الدراسات والتحقيقات، من استنامة إلى السهولة والتساهل؛ مع أن الأدفوي يقول في البدر السافر: محمد بن مكرم الأفريقي المحتد القاهري المولد (2) ؛ وهذا ابن سعيد يروي نقلاً عن المكرم نفسه والد محمد أنه - أي المكرم - ولد بالقاهرة (3) ؛ فإذا كان الأب نفسه ولد بالقاهرة فبأي حق يفتش الدارسون عن عبقرية أفريقية (تونسية) لدى ابن منظور؟ ويعود الادفوي في ترجمة " مكرم " - الأب - فيقول: مكرم بن رضوان بن أحمد الأنصاري المصري - ويعرف والده بابن المغربية - قدم جده (يعني إلى مصر) من ناحية (اقرأ من باجة) أفريقية (4) .
لا لبس إذن: جد محمد المدعو رضوان أو علياً والمكنى بأبي الحسن قدم - كما يقول ابن سعيد نقلاً عن المركم نفسه - من باجة أفريقية، أي مما يسمى اليوم القطر التونسي، واستوطن القاهرة، وبها ولد ابنه المكرم في صفر سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة - أي كان أصغر من التيفاشي بسنتين - وسمع المكرم من أبي الجود اللخمي وعلي بن نصر بن العطار وعبد الله بن محمد بن مجلي وأبي الحسن بن المفضل الحافظ المقدسي وأبي عبد الله بن يوسف النقاش، وأجاز له
(1) مختار الأغاني (القاهرة: 1965)، المقدمة على الجزء الأول: ل.
(2)
البدر السافر، الورقة:167.
(3)
النجوم الزاهرة (المغرب - قسم القاهرة) : 322.
(4)
البدر السافر، الورقة:200.
خبق كثير منهم البوصيري والخشوعي والصيدلاني وخرج له المحدث أبو بكر ابن مسدي مشيخة بالسماع والإجازة (1) ، وقد كان ذكياً ذا خاطر متوقد وقدرة على الحفظ باهرة، واختبره الملك الكامل في الحفظ لما سمع عن تميزه في ذلك فوجده ربما حفظ أحد عشر بيتاً من سمعة واحدة فسماه " ملك الحفاظ " ثم سماه " رئيس الأدباء " لتمهره في فنون الأدب، وحظي عند الكامل كثيراً، ونال من صلاته ما جعله ذا نعم طائلة، فاقتنى خزائن شتى من الكتب، كان يبذلها للمستفيدين يطالعون ويحصلون (2) ، وفي أيامه الأخيرة أضر، من غير أن يفارق الخدم السلطانية، وقد كلفه سلطان مصر حينئذ مساعدة عبد الظاهر الأعمى في تذييل كتاب الكامل لابن الأثير (3) ؛ وقد كان التيفاشي كثير التردد إلى منزله - مع غيره من العلماء والأدباء - وأورد له في هذا الكتاب مقطعات شعرية كثيرة، وكانت وفاة المكرم سنة 645/ 1247.
وقد خلف المكرم ولدين: حسناً ومحمداً؛ أما حسن أكبرهما فقد ولد بالقاهرة سنة 613: 1216، وكان آخذاً في طريقة أبيه، معروفاً بغوصه على المعاني في شعره (4) ، وله شعر في كتاب التيفاشي، وكانت تربطه بابن سعيد صداقة متينة.
وأما محمد فقد ولد في يوم الاثنين ثاني عشر شهر محرم سنة 630/ 30 أكتوبر 1232 وأخذ عن أبيه وعن جلة من علماء عصره منهم: أبو الحسن ابن المقير ويوسف بن المخيلي وابن الصابوني وعبد الرحيم بن الطفيل وابن الجميزي ومرتضى بن العفيف والجلال الدمياطي، وتفرد بأشياء، وحدث بالقاهرة، وعمر فأكثروا الحديث عنه (5) وقال الذهبي أنه تفرد في العوالي. وقد خدم في ديوان الإنشاء بمصر مدة طويلة، ثم ولي نظر طرابلس الغرب (أي قضاءها) وكان يتشيع باعتدال، وله شعر ونثر كثير، وله معرفة بالنحو واللغة والتاريخ والكتابة.
وقد شهر ابن منظور باختصاره للكتب، فاختصر الأغاني وهذبه ورتبه على الحروف، وزهر الآداب للحصري، واليتيمة للثعالبي، والذخيرة لابن بسام،
(1) تاريخ الذهبي 20، الورقة:64.
(2)
عن الذهبي والبدر السافر وابن سعيد (بالجمع بين ما أورده في نسق) .
(3)
النجوم الزاهرة: 322.
(4)
النجوم الزاهرة: 323.
(5)
البدر السافر، الورقة: 167 وابن حجر: الدرر الكامنة (ط. القاهرة) 5: 31 والوافي 5: 54، ونكت الهميان:275.
45 -
وتمنى بعض المُثْقَلِينَ بالدّين دوام الليل فقال (1) :
ألا ليَت النهارَ يعودُ ليلاً
…
فإنّ الصبحَ يأتي بالهمومِ
دواعٍ لا نطيقُ لها قضاءً
…
ولاردّاً وروعاتُ الغريم قوله: " ولا ردّاً " من التتميم الحسن.
46 -
وقول امرئ القيس: " فيا لك من ليل كأنّ نجومه " إلى آخر الأبيات قالوا: إن البيت الأخير فضل لا معنى له ولا فائدة فيه، لأن الثريا في جملة النجوم، وقد اكتفى بذكرها في البيت الأول " فيا لك من ليلٍ كأنّ نجومه " ولم أجدّ لأحد من علماء البديع من وجَّه وجهاً لامرئ القيس في ذلك؛ قال الشيخ: والوجه عندي أن من عادة العرب إذا ذكرت جملة أن تستثني أشرفها منها وتفرد بالذكر عنها لتدل على شرفه وفضله، ومثله في القران العزيز (فيهما فاكهةٌ ونَخْلٌ وَرُمّان) والنخلُ والرمانُ من جملة الفاكهة، فلما ذكر امرؤ القيس النجوم اسثنى الثريا وأفردها ليدل على شرفها وفضلها.
47 -
القاضي التنوخي (2) :
وليلةٍ كأنها يومُ أَمَلْ
…
ظلامها كالدَّهْرِ ما فيه خَلَلْ
كأنما الإصباحُ فيها باطلٌ
…
أزهقه الله بحقٍّ فبطل
ساعاتها أَطولُ من يوم النوى
…
وليلةِ الهجر وساعاتِ العذل
مُوصَدَةٌ على الورى أبوابُهَا
…
كالنارِ لا يخرجُ منها مَنْ دَخَل وهذا مستملح، وإن لم يكن مختاراً من التشبيه، لأن إخراج المحسوس إلى ما ليس بالمحسوس في التشبيه به خفاء.
48 -
ابن المعتز (3) :
كأن نجومَ الليلِ في حجراتها
…
دراهمُ زَيْفٍ لم تُحَرَّرْ على النقد
(1) ديوان المعاني 1: 347.
(2)
ديوان المعاني 1: 347 ونهاية الأرب 1: 136.
(3)
ديوان المعاني 348 ولم يرد في ديوانه.
يريد أن نجومه واقفة ليست تسير كأنها دراهم زيف ليست بنقد فتُصْرَف.
49 -
ولبعض المحدثين (1) :
عهدي بنا ورداءُ الليلِ منسدلٌ
…
والليلُ أَطوله كاللمحِ بالبصرِ
فالآن ليليَ مذ بانوا فَدَيْتُهُمُ
…
ليلُ الضريرِ فصبحي غيرُ منتظر قال: وهذا أبلغ من قول امرئ القيس، إلا أنه لا يدخل في مختار الكلام لابتذال لفظه، والمعنى أن ليله ممدود لا انقضاء له كليلة الضرير، والدهر كله عند الضرير ليل.
50 -
ولآخر في معنى قول امرئ القيس (2) :
يا ليل ليتك سرمداً أبداً
…
ما في الصباحِ لعاشقٍ فَرَجُ 51 - وأجود ما قيل في وصف الليل (3) :
وليلِ يقول الناسُ من ظلماته
…
سواءٌ بصيراتُ العيون وعورها
كأن لنا منه بيوتاً حصينةً
…
مُسوحٌ أعاليها وساجٌ كسورها هذا أبدع تشبيه في الليل فإنه شبه أعلاه بِمِسْحِ شَعْرٍ لتكاثف ظلمته وأسفلهُ بساجٍ، وهو الطيلسان الأخضر، لما بشوب ما بين يدي الناظر فيه من يسير الضياء. وكسور البيت: أسافله المرخاة منه.
52 -
ولآخر (4) :
وليلٍ ذى غياطلَ (5) مُرْجَحِنّ
…
رميتُ بنجمه عَرَضَ الأُفولِ
يردّ الطرفَ (6) حندسُهُ كليلاً
…
ويملأ هَوْلُهُ صدْرَ الدليل
(1) ديوان المعاني 1: 348 والذخيرة 3: 696 وحلبة الكميت: 304 ورسالة الطيف، الورقة: 153/ أ (112) ومن غاب عنه المطرب: 54 - 55 لسيدوك الواسطي وفي لطائف اللطف للثعالبي: 128/ ألكشاجم وفي بغية الطلب 5: 22 للوزير المغربي.
(2)
تشبيهات ابن أبي عون: 206.
(3)
ديوان المعاني 1: 343 لمضرس بن ربعي، والأزمنة والأمكنة 2: 233 لمضرس بن لقيط، وزهر الآداب: 751 لابن محكان السعدي، ومحاضرات الراغب 4:546.
(4)
زهر الآداب: 752.
(5)
زهر الآداب: مدلهم.
(6)
زهر الآداب: منقبضاً.
53 -
آخر (1) :
وليلٍ فيه تحسبُ كلَّ نجمٍ
…
بدا لك من خَصاصةِ طيلسان وصف الليل بشدّة السواد، وكأنّ النجوم تظهر من خروق طيلسان، وشبّه سواد الليل بالطيلسان لخضرته، وشدة الخضرة راجعة إلى السواد، ومنه قوله تعالى (مُدْهَامتانِ) من شدة الخضرة من الريّ؛ والمدهام: الأسود. ومنه سمّي سواد العراق سواداً لنخله وجنانه وكثرة مائه، وذلك أن الماء الكثير البعيد القعر يظهر أسود، ولذلك شبّه امرؤ القيس الليل بالبحر، ويقال لليل إذا اسود أخضر؛ قال الراجز يخاطب ناقته:
وعارضي الليلَ إذا ما اخضرّا
…
54 - وقال الشَّماخُ (2) :
وليلٍ كلونِ الساجِ أسودَ مظلمٍ
…
قليلِ الوغى داجٍ ولونِ الأَرَنْدَجِ أي قليل الأصوات، والأرندج: الجلود السود التي يقال لها بالفارسية رنده، وجمع الساج سيجان.
55 -
ومما يحكى من الاستشهاد على أن الساج الطيلسان أن أبا دلامة كان شاعراً خفيف الروح مقبولاً عند خلفاء بنى العباس، وكان ماجناً منهمكاً على الخمر، فحظر عليه الخليفة شُرْبَها، وأمر الشرطيّ متى وجده سكران أن يخرّق طيلسانه ويُحْبَسَ في بيت الدجاج، فأُخِذَ سكران فحبس، فلما أصبح كتب إلى الرشيد (3) :
أميرَ المؤمنين فَدَتكَ نفسي
…
علامَ حبستني وخرفتَ ساجي
أُقادُ إلى السجونِ بغير ذنب
…
كأني بعضُ عُمّالِ الخراج
ولو معهم حُبِسْتُ لهانَ ذاكم
…
ولكني حبستُ مع الدجاج
دجاجات يُطيفُ بهنَّ ديك
…
تناجى بالصياحِ إذا يناجي فضحك منه الرشيد وأطلقه.
(1) الأنواء لابن قتيبة: 186.
(2)
الأنواء: 186 وديوانه: 78.
(3)
انظر الأغاني 10: 263 - 264 ومعاهد التنصيص 2: 220 وجمع الجواهر: 113 وربيع الأبرار الورقة: 23 ب والبصائر 2: 623 وبهامش ص نقل عن البصائر بخط مختلف عن خط الأصل.