المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في الرياح الأربع والنكب والاعصار - وهى الزوبعة - والزلزلة وتغير الهواء - سرور النفس بمدارك الحواس الخمس

[أحمد بن يوسف التيفاشي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌مؤلف الكتاب

- ‌1 - نظرة في مصادر ترجمته

- ‌2 - موجز في سيرة المؤلف:

- ‌2 - شخصيته وثقافته:

- ‌4 - نظرة في حاله المعيشية بعد الهجرة:

- ‌5 - مؤلفات التيفاشي

- ‌تعريف بمرتب الكتاب ومهذبه

- ‌التعريف بالكتاب

- ‌1 - الكتاب الأصلي المسمى " فصل الخطاب

- ‌2 - سرور النفس وصلته بفصل الخطاب:

- ‌3 - ما مدى جهد ابن منظور في سرور النفس:

- ‌4 - مصادر الكتاب

- ‌5 - قيمة الكتاب:

- ‌6 - تحقيق الكتاب:

- ‌ملحق بالمقدمة

- ‌أشعار التيفاشي

- ‌الجزء الأول من هذا الكتاب سماه

- ‌نثار الأزهار في الليل والنهار، وأطايبأوقات الأصائل والأسحار، وسائر ما

- ‌الباب الأول

- ‌في الملوين الليل والنهار

- ‌الباب الثاني

- ‌فى أوصاف الليل وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح

- ‌الباب الثالث

- ‌فى الاصطباح ومدحه وذم شرب الليل وايقاظ النديم للاصطباح

- ‌الباب الرابع

- ‌فى الهلال فى ظهوره وامتلاء ربعه ونصفه وكماله، والليلة المقمرة

- ‌الباب الخامس

- ‌في انشقاق الفجر ورقة نسيم السحر وتغريد الطير في الشجر وصياح الديك

- ‌الباب السادس

- ‌في صفات الشمس في الشروق والضحى والارتفاع والطفل والمغيب والصحو والغيم

- ‌الباب السابع

- ‌في جملة الكواكب والسماء وآحاد الكواكب المشهورة

- ‌1 - الثريا:

- ‌2 - الجوزاء:

- ‌3 - الشعرى:

- ‌4 - سهيل:

- ‌5 - النسر

- ‌6 - الفرقدان:

- ‌7 - بنات نعش:

- ‌8 - المجرة:

- ‌9 - الدب:

- ‌10 - السماك الاعزل:

- ‌الكواكب السيارة:

- ‌1 - زحل:

- ‌2 - المشتري:

- ‌3 - المريخ:

- ‌4 - الزهرة:

- ‌5 - عطارد:

- ‌6 - الفلك الأعظم:

- ‌1 - الحمل:

- ‌2 - الثور:

- ‌3 - الجوزاء:

- ‌4 - السرطان:

- ‌5 - الأسد:

- ‌6 - السنبلة:

- ‌7 - الميزان:

- ‌8 - العقرب:

- ‌9 - القوس:

- ‌10 - الجدي:

- ‌11 - الدلو:

- ‌12 - الحوت:

- ‌1 - الشرطان:

- ‌2 - البطين:

- ‌3 - الثريا:

- ‌4 - الدبران:

- ‌5 - الهقعة والهنعة:

- ‌6 - الذراع:

- ‌7 - النثرة:

- ‌8 - الطرف:

- ‌9 - الجبلة:

- ‌10 - الخرتان

- ‌11 - الصرفة:

- ‌12 - العواء:

- ‌13 - السماك:

- ‌14 - الغفر:

- ‌15 - الزبانى:

- ‌16 - الاكليل:

- ‌17 - القلب:

- ‌18 - الشولة:

- ‌19 - النعائم:

- ‌20 - البلدة:

- ‌21 - سعد الذابح:

- ‌22 - سعد بلع:

- ‌23 - سعد السعود:

- ‌24 - سعد الاخبية:

- ‌25 - الفرغان:

- ‌26 - بطن الحوت:

- ‌الباب الثامن

- ‌في آراء المنجمين والفلاسفة الأقدمين في الفلك والكواكب

- ‌الباب التاسع

- ‌في شرح ما تشتمل عليه أسماء الأجرام العلوية وما يتصل بها واشتقاقه

- ‌الباب العاشر

- ‌في تأويل رؤيا الأجرام العلوية وما يتعلق بها في المنام كل مذهب حكماء

- ‌الجزء الثاني من الكتاب سماه

- ‌طل الأسحار على الجلنار في الهواء والنار، وجميع ما يحدث بين السماء

- ‌الباب الأول

- ‌في الفصول الأربعة بقول كلي في فصل الربيع والصيف والخربف والشتاء

- ‌الباب الثاني

- ‌في كَلَبَ البرد وشدّته ودفع القرّ بالجمر، ودلائل الصحو، ومعرفة الشتاء

- ‌الباب الثالث

- ‌في البرق وحنين العرب به لأوطانهم، والرعد والغيم والرباب وهالة القمر

- ‌الباب الرابع

- ‌في السحاب الثقال والاستسقاء والحجا؟ وهي القواقع التي يرسمها قطر المطر

- ‌الباب الخامس

- ‌في القول في الأنواء من الحظر والإباحة في الشرع ومعنى قولهم ناء الكوكب

- ‌الباب السادس

- ‌في الرياح الأربع والنكب والاعصار - وهى الزوبعة - والزلزلة وتغير الهواء

- ‌الباب السابع

- ‌في تقدمة المعرفة بالحوادث الكائنة في العالم السفلي من جهة كسوف

- ‌الباب الثامن

- ‌في النار ذات اللهب وما يتعلّق بها، ونار النفط، والصعاعقة، ونار الفحم

- ‌الباب التاسع

- ‌في أوصاف الشموع وقط الشمعة والفانوس والقناديل والطوافة والجلاّسات

- ‌الباب العاشر

- ‌في تعبير ما تشتمل عليه من الآثار العلوية وغيرها في المنام

الفصل: ‌في الرياح الأربع والنكب والاعصار - وهى الزوبعة - والزلزلة وتغير الهواء

‌الباب السادس

‌في الرياح الأربع والنكب والاعصار - وهى الزوبعة - والزلزلة وتغير الهواء

بحسب هبوب الرياح على رأي الاطباء والقدماء

910 -

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (1) : " لا تسبّوا الريح فإنها من نفس الرحمن " قالوا: معناه يتنفس بها الكرب ويذهب الجدب والوباء، ومنه: اللهم نفّس عني، أي روّح.

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو إذا هبّت الريح فيقول: " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " معناه راجع إلى ما ذكرناه، وبين الريح والرياح فرق عند العرب، وسيأتي ذكره.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: هاجت ريحٌ أشفق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم استقبلها وجثا على ركبتيه وقال: " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا " وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ الرياح المذكورة في القرآن ثمان: أربعٌ رحمة وأربع عذاباً. فأما التي هي الرحمة فالمبشرات والمرسلات والذاريات والناشرات، وأما التي هي العذاب فالصرصر والعقيم وهما في البر، والقاصف والعاصف وهما في البحر.

911 -

وذكر أئمة التفسير رضي الله عنهم أن لفظ الريح والأمطار لم يأت في القرآن العزيز إلاّ في الشرّ كما لم يأت لفظ الرياح إلا في الخير. قال عز وجل في الرياح: (وهو الذي يُرْسِلُ الرياحَ بشراً بينَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) . (الأعراف:57)

(1) انظر ألف باء البلوي 2: 503.

ص: 307

قالوا في تعليل الرياح: إنها لا تأتي إلا للخير لأنها جمع، الجنوب والشمال والصبا لأنها لواقح، والعذاب ريح واحدة وهي الدبور لأنها لا تلقح. وقرئت بشراً بالباء، فمن قرأها نشراً بالنون فمعناه: حياة طلقة كحياتهم بالنشور، ومن قرأها بشراً بالباء ففيه وجهان: أحدهما أنها بشرى بالمطر، والثاني لأنّ الناس يستبشرون بها. وقوله:(بين يدي رحمته) يعني المطر، لأنه رحمة من الله عز وجل لخلقه. وأما قوله عز وجل:(وأرسلنا الرياح لواقح) ففيه قولان: أحدهما لواقح السحاب حتى يمطر، والآخر: لواقح الشجر حتى تثمر. وقال في الريح: (وفي عادٍ إذْ أرْسَلْنَا عليهمُ الريحَ العَقيم)، وقال: عز وجل في الأمطار: (وأمطرنا عليهمْ حجارةً من سِجِّيل)، وقال:(وأمطرنا عليهمْ مطراً فساءَ مَطَرُ المُنْذَرين) ، وجميعُ ما في الكتاب العزيز جاء على هذا الأسلوب، وهو معنى دعائه صلى الله عليه وسلم " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً ".

912 -

وقال علماء اللغة: إذا وقعت الريح بين الريحين فهي النكباء، وإذا وقعت بين الصبا والجنوب فهي الجربياء، فإذا هبّت من جهات مختلفة فهي المتناوحة، فإذا جاءت بنفسٍ ضعيف ورَوْحٍ فهي النسيم، فإذا كانت شديدة فهي العاصف، فإذا اشتدَّت حتى تقلع الخيام فهي الهّجوم، فإذا حرَّكت الأشجار إلى أن تقلعها فهي الزعزعان والزعزع، فإذا جاءت بالحصباء فهي الحاصب، فإذا هبّت من الأرض كالعمود نحو السماء فهي الإعصار، فإذا هبّت بالغبرة من فهي الهبوة، فإذا كانت باردة فهي الحَرْجَفْ والصّرْصَروالعَرِيّة. فإذا كان مع بردها ندى فهي البليل، فإذا كانت حارّة فهي الحرور والسّموم، بالفتح فإذا كانت تخرق البيوت فهي الخريق، فإذا كانت لا تلقح شجراً ولا تحملُ مطراً فهي العقيم.

913 -

وجمع الريح أرواح، وهو مما يغلط الناس فيه فيجمعونه على أرياح قياساً على قولهم رياح وهو خطأ فاحش، قال ذو الرمة:

إذا هبّتِ الأرواحُ من نحو جانب

به أهل ميّ زاد وجدي هبوبها وقالت ميسون بنتُ بحدل، لما نُقِلَتْ إلى معاوية بالشام،. تحنُّ إلى البادية من أبيات:

لبيتٌ نخفقُ الأرواحُ فيه

أَحبُّ إليَّ من قَصْرٍ مُنيفِ والعلّة في ذاك أن أصل ريح روح، لاشتقاقها من الروح، لأنها تعيش بها.

ص: 308

وإنما أبدلت الواو ياء في ريح ورياح للكسرة التي قبلها، فإذا جمعت على أرواح فقد سكن ما قبل الواو وزالت العلّة التي نوجب قلبها، فلهذا وجب أن تعاد إلى أصلها، كما أعيدت لهذا السبب في التصغير فقيل رويحة.

914 -

قال خالد بن صفوان (1) : الرياح أربع: الصبا ومهبّها فيما بين مطلع الشرطين إلى القطب، ومهبّ الشمال فيما بين القطب إلى مسقط الشرطين، وما بين مسقط الشرطين إلى القطب الأسفل مهبّ الدبور، وما بين القطب الأسفل إلى مطلع الشرطين مهبّ الجنوب.

915 -

وحكي (2) عن جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب أنه قال: الرياح ستّ، القّبول وهي الصبا، والدّبور والشمال والجنوب والنكباء وريح سادسة يقال لها محوة، وجعل ما بين المغربين مخرج الدبور، وجعل ما بين مشرق الصيف إلى القطب مخرج النكباء، وجعل ما بين القطب إلى مغرب الصيف مخرج الشمال، وجعل ما بين مغرب الشتاء إلى القطب الأسفل مخرج الجنوب، وجعل ما بين القطب الأسفل إلى مشرق الشتاء مخرج مَحْوة، قال أبو حنيفة: والناس على قول خالد.

916 -

وأما الأصمعي فإنه قال (3) : معظم الرياح أربع، وحدَّهُنّ بالبيت الحرام فقال: القبول التي تأتي من تلقاء الكعبة، يريد التي تستقبلها، وهي الصَّبا، والدبور التي تأتي من دبر الكعبة، والشمال التي تأتي من قبل الحجر، والجنوبُ من تلقائها، يريد تلقاء الشمال. قال: وكل ريح انحرفت فوقعت بين ريحين من هذه فهي نكباء. والمنجمون على قول الأصمعي يجعلون مهبّ الصبا من وسط المشرقين اللذين هما مشرقا الصيف والشتاء، ومهبّ الدّبور من وسط المغرب، ومهبّ الشمال من نفس القطب الأعلى، ومهبّ الجنوب من نفس القطب الأسفل، وما هب بين هذه الحدود فهو عادل عن مهبّ الأربع ناكب عنها، فالقبول هي الشرقية لأنها تجيء من مطلع الشرق، والدبور تناوحها وهي الغربية، وهكذا هاتان الريحان في جميع الأرض: مهبّ الصّبا بكل بلد من قبل شرقه، ومهبّ الدبور من قبل مغربه، وكذاك الريحان الأخريان مهبُّهُما بكلّ بلدٍ من جهة القطبين.

(1) انظر ابن الاجدابي: 127 وألف باء 2: 503 والأزمنة والمكنة 2: 75.

(2)

الأزمنة والأمكنة: 2: 75 - 76 والأنواء: 158.

(3)

ابن الأجدابي: 128 والمخصص 9: 84 والأزمنة والأمكنة: 74.

ص: 309

917 -

وقال أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي (1) : الرياح المعروفة أربع: الصّبا وهي تسلّي عن المكروب، والجنوب وهي تجمع السحاب، والشمأل وهي تعصره وتفرقه، فهي الرياح كلُّ واحدة منها فيها خير، والدبور تهدم البنيان وتقلع الشجر وهي المذكورة قي القرآن فقال: الريح العقيم، وريح عاصف، وريح صرصر. وكل موضع جرى فيه ذكر الرياح في القرآن فإنه يرجع إلى الثلاث التي تقدّم ذكرها، فيراد بها الرحمة، وإذا جرى ذكر الريح فالمراد به الدبور، والمراد بها العقوبة، وعنه صلى الله عليه وسلم قال (2) :" نُصِرْتُ بالصَّبا وأهلكتْ عاد بالدَّبور ". وقد نظم ذاك أبو شجاع السهروردي فقال:

" قال لنا يحيى الخطيبُ المصقعُ

وهو نقابٌ لوذعيٌّ مقنعُ

إن الرياحَ الذارياتِ أربعُ

منها النعامى والصبا والزعزع

ثم الدبور مرُّها لا ينفع

قد أهلكتْ عاد بها وتبّع

والريحُ في الوحي إليها يرجع

وفي الثلاثِ الخيرُ حين تُجْمع 918 - مهدي بن الملوح (3) :

إذا الريحُ من نحو الحبيب تنسَّمَتْ

وجدتُ لرياها على كبدي بَرْداً

على كبدٍ قد كاد بها الهوى

صدوعاً وبعضُ الناسِ يحسبني جلدا 919 - هدبة بن خشرم (4) :

ألا ليتَ الرياحَ مسخراتٌ

لحاجتنا تراوحُ أو تؤوب

فتبلغنا الشمالُ إذا اتتنا

وتبلغ أهلنا عنَّا الجنوب 920 - كلاب بن عقبة (5) :

بنفسي وأهلي من تجنَّبتُ دارَه

ومن لا أرى لي من زيارته بُدَّا

ومَنْ لا تهبُّ الريحُ من نحوِ أرضه

فتبلغني إلا وجدتُ لها بردا

(1) ورد أيضاً عند الغزولي 1: 49.

(2)

مصنف عبد الرزاق 11: 89.

(3)

الزهرة: 222.

(4)

الزهرة: 223.

(5)

الزهرة: 225 وحماسة ابن الشجري: 167.

ص: 310

921 -

شاعر (1) :

ما هبَّتِ الريحُ من تلقاءِ أرضكمُ

إلا وجدتُ لها برداً على كبدي

ولا تنسمتُ أخرى أستفيقُ بها

إلا وجدتُ خيالاً منكِ بالرصد 922 - ابن الرومي (2) :

ونسيمٍ كأنّ مسراهُ في الأروا

ح مَسْرَى الأَروحِ في الأجسادِ 923 - قال ابن حمدون: كان الفتح بن خاقان يأنس بي ويطلعني على الخاصّ من أمره، فقال لي مرة: أعلمتَ أني انصرفتُ من مجلس أمير المؤمنين البارحة فلما دخلتُ منزلي اسقبلتني فلانة جاريتي، فلم أتمالك أن قبّلتُها، فوجدتُ من شفتيها هواءً لو رقد المخمور فيه لصحا، فكان هذا مما يُسْتَحْسَنُ من كلام الفتح بن خاقان، فسمع به أبو الفرج الوأواء الدمشقي فقال (3) :

رعى الله ليلاً طاب إذ زار طيفه

فأفنيته حتى الصّباحِ عناقا

بطيبِ نسيمٍ منه يستجلبُ الكرى

فلو رقد المخمورُ فيه أفاقا 924 - الشريف الموسوي لغزاً في الريح:

وما شيءٌ ولا شيء تراه

بلا جسدٍ بذي جسم لطيفِ

يسيرُ فليس تدكه المهارى

ولا هو بالسُّكَيْتِ ولا القطوف

ولا نَصَبٌ عليه إذا تمادى

ولا يخشى من السيرِ العنيف 925 - وله:

إذا خلا الجوُّ من هواءٍ

فعيشُهُمْ نقمةٌ وبوسُ

فهو حياةٌ لكلِّ حيٍّ

كأن أنفاسَهُ نفوس 926 - مذاهب العرب في استطابة الريح مختلفة لأسباب: أحدها المساكن، فإن منها ما تطيب فيه الرياح الباردة كالأغوار والوهود، ومنها ما تطيب فيه الرياح

(1) الزهرة: 225.

(2)

ديوان ابن الرومي: 684.

(3)

اليتيمة 1: 236 ومن غاب عنه المطرب: 23 وخاص الخاص: 39 وشرح الشريشي 1: 44 (تحقيق أبو الفضل إبراهيم) ومطالع البدور 1: 57 وديوان الوأواء: 164.

ص: 311

الدفيئة كالجبال والنجود، والسبب الآخر علاقتهم وهوى نفوسهم، فإن من كان له منهم محبوب نأى عنه أستطاب النسيم الهاب بينه وبينه كائناً ما كان من الأهوية فإن كان صادراً عنه حمله التحية والسلام، وإن كان وارداً عليه استشفى به من الآلام، كقول ذي الرمة (1) :

إذا هبَّتِ الأَرواحُ من نحو جانب

به أهلُ ميّ هاج شوقي هبوبها

هوىً تذرفُ العينانِ منه وإنما

هوى كلِّ نفسٍ أين حلَّ حبيبها والسبب الثالث: استطابة الهواء من حيث خصوصيته في نفسه، كما يستطيبون الصبا لأنها شتوية كثيرة الأمطار مباركة طيّبة ليّنة البرد قليلة العجاج، ويستطيبون الجنوب لأنها تجيء بالسحاب والمطر وفيه الحياة والخصب وهي دفئة ليّنة الدفء، وهي أدوم الرياح هبوباً، وتكون في الصيف والشتاء معاً.

927 -

فأما القبول فقد زعم بعضهم أنها كلُّ ريحٍ طيبة ليّنة لا أذى فيها كائنة ما كانت من الرياح، لا أنه اسم لريح بعينها مخصوصة،. وإنما سمّيت قبولاً لأنها طيبة تقبلها النفس وتلتذّ بها؛ قال: وليس ذلك بصحيح، بل القبول اسم يخصُّ الريح الشرقية، وهي الصّبا، سميت قبولاً لأنها تأتي من قبل الكعبة، كما سميت الدّبور دبوراً لأنها تأتي من دبرها.

928 -

فأما الدبور والرياح النُّكْبُ كلّها فإنهم لا يستطيبون شيئاً منها، ولا تجيء في أشعارهم إلا في معرض الذم لا المدح، وسبب ذلك أنّ الدبور من رياح القيظ، لا تكون إلاّ فيه، وهي مع ذلك مهياف.

929 -

والنكب (2) أربع فنكباء الصبا والجنوب مهيافٌ ملواحٌ ميباسٌ للبقل، وهي تجيء بين الريحين، ونكباء الشمال معجاج مصراد لا مطر فيها ولا خير، ونكباء الشمال والدبور ريح قرة وربما كان فيها مطر قليل، ونكباء الدبور والجنوب ريح حارة وهي الهيف، وقد تتفرّع فتكون أكثر من أربع. وإذا ذكرت العرب في أشعارها الريح الشآمية فإنما يريدون بها الشمأل، لأنها تأتي من ناحية الشام، وإذا ذكروا الريح اليمانية فإنما يريدون بها الجنوب، لأنها تأتي من ناحية اليمن، والصبا شرقية لأنها تأتي من مطلع الشمس في الصيف.

(1) ديوانه: 694 - 695.

(2)

انظر اللسان (نكب) .

ص: 312

الصبا:

930 -

قال صلى الله عليه وسلم (1) : " نصرت بالصّبا وأهلكتْ عادٌ بالدبور ".

931 -

تزوج رجل من تهامة امرأةً من أهل نجد، فقالت له يوماً: ما فعلت ريحٌ كانت تأتينا ونحن بنجدٍ يقال لها الصَّبا لا أحسبها عندكم، فقال لها: حجزها عنك هذان الجبلان، فقالت (2) :

أيا جبليْ نَعْمانَ بالله خليا

نسيمَ الصبا يخلصْ إليَّ نسيمها

أجدْ بَرْدَهَا أو تشفِ مني حرارةً

على كبدٍ لم يبقَ إلا صميمها

فإنّ الصبا ريحٌ إذا ما تنفَّسَتْ

على نَفْسِ مهموم تجلَّتْ همومها قال: ورأيت هذا الشعر منسوباً للمجنون.

932 -

وللمجنون أيضاً (3) :

ألا حبّذا يومٌ تهبُّ به الصبا

لنا وعشياتٌ تدانتْ غيومها

بنعمانَ إذ أهلي بنعمانَ جيرةٌ

لليلى وإذ ترضى بدارٍ نقيمها

ألا إنَّ أدوائي بليلى قديمةٌ

وأقتلُ أدواءِ الرجالِ قديمها

وإني لمجلوبٌ ليَ الشوقُ كلّما

بدا ليَ من أعلام ليلى رسومها

وقد لامني من غيرِ جُرْمٍ أتيته

أقاربُ ليلى واستخف حلومها

يقولون لي دعها فليلى مشومةٌ

بنفسي وأهاب يُمْنُ ليلى وشومها 933 - شاعر:

أيا جبلي طيٍّ متى أنا نتظرٌ

بعينيَّ يوماً نظرة لا أراكما

لقد حُلْتُما دونَ الهوى لا سُقيتما

ودونَ الصَّبا لا بلَّ قطرٌ ثراكما 934 - آخر (4) :

وإني لَتُحْيِيني الصَّبا وتميتني

إذا هبَّ من بعدِ الشمال جنوبُ

وأرتاحُ للبرقِ اليماني كأنني

له حينَ يجري في السماء نسيب

(1) مصنف عبد الرزاق 11: 89 والفقرة: 917.

(2)

الزهرة: 221 ومحاضرات الراغب 4: 550 والغزولي 1: 51 ونهاية الأرب 1: 102 وديوان المجنون: 251، (وفيه مزيد من التخريج) .

(3)

البيتان الأولان في الزهرة: 225 والديوان: 252.

(4)

الزهرة: 223.

ص: 313

935 -

مهيار (1) :

يا نسيمَ الريحِ من كاظمةٍ

شدَّ ما هجتَ الأَسى والبُرَحَا

الصَّبا إن كان لا بُدَّ الصَّبا

إنها كانتْ لقلبي أروحا 936 - إبراهيم الصولي (2) :

تمرُّ الصَّبا صفحاً بساكن ذي الغضا

ويصدعُ قلبي إذ يهبُّ هبوبها

قريبةُ عهدٍ بالحبيب وإنما

هوى كلِّ نفس أين حلَّ حبيبها 937 - معدّ (3) بن حسن بن جبارة:

ما ترى الشرقَ كيف يُهدي نسيماً

كلّما مسَّ يابسَ الصخرِ لانا

لم تدعه مجامرُ البرقِ حتى

طبَّقتهُ من العبيرِ دخانا 938 - كان (4) لبيد بن ربيعة قد آلى في الجاهلية أنْ لا تهبَّ صباً إلا أطعم. وكانت له جفنتان يغدو بهما ويروح على مجالس قومه، فهبّتِ الصّبا يوماً والوليد بن عقبة على الكوفة، فصعد الوليد فخطب ثم قال: إن أخاكم لبيداً نذر في الجاهلية أن لا تهبَّ صبا إلا أطعم، وهذا يومٌ من أيامه، فأعينوه وأنا أوّل كل من يفعل، وأرسل إليه مائة بكرة، وكتب إليه:

أَرى الجزّار يشحذُ شفرتيه

إذا هبَّتْ رياحُ أبي عقيلِ

أشمُّ الأنفِ أَصْيَدُ عامريٌّ

طويلُ الباعِ كالسيفِ الصقيل

وَفَى ابنُ الجعفريِّ بحلفتيه

على العلاتِ والماءِ القليل

بنحرِ الكُومِ إذ سحبت عليه

ذيولُ صباً تجاوبُ بالأصيل فلما وصلت البكرات والأبيات إلى لبيد قال لابنته: أجيبي عنّي، فلعمري لقد كنت لا أعيها بجواب شاعر، فقالت:

(1) ديوان مهبار 1: 202.

(2)

ديوانه: 139 وديوان المعاني 1: 274 وحماسة ابن الشجري: 169 وهما للمجنون في الأغاني 2: 85 (ط. دار الكتب) والحماسة البصرية 2: 169 ولبعض الأعراب في أمالي القالي 3: 92 وشرح الأمالي: 44 والزهرة: 222.

(3)

ص: معن؛ ومعد بن حسن بن جبارة أحد شعراء الأنموذج؛ نشأ بالبادية من ساحل البحر بنواحي المهدية واستوطن صقلية زمناً ثم عاد إلى وطنه (المسالك 11: 299) وبيتاه في المسالك: 301.

(4)

الأغاني 15: 298 والغزولي 1: 52.

ص: 314

إذا هبَّتْ رياحُ أبي عقيل

دعونا عند هبَّتها الوليدا

أشمَّ الأنفِ أبيضَ عبشمياً

أعان على مروءته لبيدا

بأمثالِ الهضاب كأنّ ركباً

عليها من بني حام قعودا

أبا وهبٍ جزاك الله خيراً

نحرناها وأطعمنا الثريدا

فَعُدْ إن الكريم له معاد

ووظني بابنِ أروى أن يعودا فقال: لقد أحسنت يا بنية لولا أنك استزدتيه، فقالت: إنه ملك ولو كان سوقةً ما استزدته، فقال: أنت يا بنيّة في هذا أشعر.

الجنوب

939 -

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الجنوبُ من ريح الجنة ". وعنه صلى الله عليه وسلم " ما جَرَتْ جنوبٌ إلا أرسل الله عز وجل بها عيشاً " وفي حديث: " ولا هبَّت جنوباً إلا سال منها وادٍ ".

940 -

أبو القمقام الأسدي (1) :

لعمرك ما ميعادُ عينيك ولبكا

بداراءَ إلاّ أن تهبَّ جنوبُ

أَعاشرُ في داراءَ من لا أُحبّه

وبالرمل مهجورٌ إليَّ حبيب

إذا هبَّ عُلويٌّ الرياحِ وجدتني

كأنّي لعلويِّ الرياحِ نسيب 941 - أبو العارم:

إذا هبَّتِ الأرواح من نحو أرضها

أضرَّتْ بنفسٍ قد أُطيلَ سقامها

على أنَّ نَفْحَاتِ الجنوبِ إذا جَرَتْ

يقرُّ بعيني بَرْدُهَا وانتسامها 942 - آخر (2) :

وإن الكثيبَ الفردَ من جانب الحمى

إليَّ وإن لم آته لحبيبُ

(1) هي للمجنون في ديوانه: 62 والأول والثاني في الزهرة: 221 لصخر الحرماني، وفي الأمالي 2: 40 واللآلي: 676لبعض بني عبس، وورد الثالث مع آخر قبله للأقرع بن معاذ العامري في الحماسة البصرية 2: 96 ودون نسبة في حماسة ابن الشجري: 167.

(2)

للمجنون في ديوانه: 50، 53 ما عدا الثاني، والأول في ديوان ابن الدمينة: 110 ونسب في اللآلي: 485 لمالك بن الصمصامة.

ص: 315

فيا حبَّذا ريحُ الصَّبا حين أعصفتْ

بقضبانه تحتَ الظلام جنوب

ولا خيرَ في الدنيا إذا أنت لم تَزُرْ

حبيباً ولم يطربْ إليكَ حبيب 943 - الأقرع بن معاذ القشيري (1) :

يقرُّ بعيني أن أَرى ضوءَ برقةٍ

يمانية أو أن تهبَّ جنوب

وقد شعفتني أمُّ بكر وبغَّضَتْ

إليَّ نساءً ما لهنَّ ذنوب

وقد كنتُ قبل اليوم أحسبُ أنني

ذلولٌ بأيام الفراقِ ركوب

فما برحتْ نفسي تَساقَطُ أنفساً

وتجمد روحي مرّةً وتذوب

يقولون لو عزَّيْتَ قلبك لارعوى

فقلتُ وهلْ للعاشقينَ قوب 944 - جميل بن معمر (2) :

فبالمسكِ تأتيك الجنوبُ إذا جرت

أم الخمر (3) أم ريَّا بثينةَ تنفحُ

منعّمة لو يدرجُ الذرُّ بينها

وبين حواشي دِرْعِها (4) ظلَّ يجرح 945 - مالك بن الصّمصامة (5) :

فيا نَخَلاتِ الحيِّ حيِّ ابنِ يكرمٍ

سقيتنَّ ما دامتْ لكنَّ جنوبُ

فيا خيرَ أسماءِ الرياحِ تركتني

كذي الداء ما يُدْعَى إليه طبيب 946 - حميد بن ثور الهلالي (6) :

فلا يُبْعِدِ اللهُ الشبابَ وقولَنا

إذا ما صبونا صبوةً سنتوبُ

لياليَ أبصارُ الغواني وسمعها

إليَّ وإذ ريحي لهنَّ جنوب 947 - رفيع الوابلي:

وقد أُعْطِيَتْ فوقَ الغواني محبةً

جنوبُ كما خيرُ الرياحِ جنوبُها

إذا هيَ هبَّتْ زادتِ الأرضَ بهجةً

وبالسَّعْدِ والبشرى يكونُ هبوبها

وإن صعبت كانت شفاءً لذي الهوى

يمانيةً يستنشرُ الميْتَ طيبها

(1) هي له في أمالي القالي 2: 40 وانظر ديوان المجنون: 63.

(2)

ديوان جميل: 45.

(3)

الديوان: لك الخير.

(4)

الديوان: ثوبها.

(5)

ترجمة مالك في الأغاني 22: 83 وشرح الأمالي: 485 والبيتان لم يردا فيهما.

(6)

الزهرة: 272 وديوان حميد: 52 والبلدان (داراء) وفي الديوان تخريجات أخرى.

ص: 316

948 -

ابن الدمينة (1) :

هوى صاحبي ريحُ الشّمالِ إذا جَرَتْ

وأهوى لقلبي أن تهبَّ جنوبُ 949 - كان (2) للبحتريّ غلام يقال له نسيم، وكان بديع الجمال، وحفَّظه البحتري فنون العلوم وروَّاه الشعر، فصار واحد دهره، وكان البحتري إذا أعسر باعه، وإذا أيسر شكا حبّه ووجده به بالشعر إلى أن يُرَدَّ عليه، وكان هذا دأبه، فباعه على الحسن بن وهب. ولم يزل يمدحه ويذكر وجده وتأسّفه عليه إلى أن طال ذلك عليه، فكتب إليه:

أنسيمُ هل للدهر عهدٌ صادقُ

فيما يؤمّله المحبُّ الوامقُ

ما لي فقدتك في المنامِ ولم تزلْ

عونَ المشوق إذا جفاهُ الشائق

أَمُنِعتَ أنت من الزيارةِ رقبة

منهم فلمْ مُنِعَ الخيالُ الطارق

اليومَ جاز بي الهوى مقدارَهُ

في أهله وعلمتُ أنّيَ عاشق

فليهنئ الحسن بن وهبٍ أنّه

يلقى أحبَّته ونحن نفارق فقال الحسن بن وهب: أريحوني من البحتري، ورده عليه؛ فأخذه وأقام عنده مدة،. ثم أباعه على إبراهيم بن المدبّر، فحظىَ عنده وتمكَّن من قلبه، وجعل البحتريّ يقف له في الطرق ويرفع إليه الرقاع، ويستعطفه بالشعر، وبلغ ذلك إبراهيم فأمره أن لا يركب معه، وأن يلزم داره، وتقدّم بأن تُزاح كلّ علّة له، ولا توصل إليه رقعة من البحتري، ولا يدخل إليه، فأضرَّ ذلك بالبحتريّ، ولم يجد حيلةً لإيصال رقعة إليه إلاّ من جهة سقّاء كان يدخل دار الوزير، فأعطاه دراهم كثيرة، وسأله إيصال رقعته إلى نسيم، فأخذ الدراهم والرقعة، ودفعها إلى نسيم وفيها (3) :

قل للجنوبِ أذا جريتِ فبلّغي

كبدي نسيماً من جَنابِ نسيمِ

أَخُدِعْتُ عنكَ وأنت بدرٌ كاشف

لليل من غَسَقٍ به يحموم

وأقمتَ في قلبي وشخصُكَ بائنٌ

لا تبعدنْ من ظاعنٍ ومقيم

(1) لم يرد في ديوانه، والبيت في الأغاني 3: 171، 210 لبشار بن برد وفي ديوان المجنون: 58 وورد في الزهرة: 222 وشرح المختار: 84 ونهاية الأرب 2: 158 دون نسبة.

(2)

أخبار البحتري: 124 والديوان: 1513 وابن خلكان 6: 26 والأبيات في الزهرة: 265.

(3)

الديوان: 1994 والزهرة: 183.

ص: 317

كَرُمَ الزمانُ ولمتُ فيك ولن ترى

عجباً سوى كرمِ الزمان ولومي

وظلمتُ نفسي جاهداً في ظلمها

فاسمعْ ندامةَ ظالمٍ مظلوم

لا كان صبري أين كان وأنت لي

ملكٌ وعهدي منك غيرُ ذميم

الآن أطمعُ في الوصال ودونه

عينُ الرقيب وبابُ إبراهيمِ فقرأ الرقعة ورقّ للبحتري، وبكى بكاء شديداً، ودخل عليه إبراهيم الوزير فرآه كذلك فقال له: ضع يدك على رأسي وأصدقني، فدفع إليه الرقعة، فاستحسنها وقال: أتحبُّ أن ترجع إليه فقال: كيف لا أُحبُّ الرجوع إليه، وهو ربّاني وأدّبني وبتأديبه وصلتُ إلى خدمتك؟! فقال إليه إبراهيم: لله درّك، ثم أتى البحتري فقال له: قد فتحنا لك الباب، وصرفنا الرقيب، ونسيمٌ موهوبٌ لك، وجميع ما يحتوى عليه ملكه من مالٍ وبزٍ وكراع، ولكن على شرط، إنه وحقّ رأس أمير المؤمنين إن بلغني أنك بعته بعد هذا لأسترجعنّ منك جميع ما صار إليك ولآمرنّ بقتلك، قال: لك ذلك، فأخذ الغلام وجميع ما كان له، وحلف لا يبيعه أبداً، وكتب إلى الوزير يشكره:

يكلُّ لساني عن مديحك بالشعر

وأعجزُ أن أجزي صنيعكَ بالشكرِ

فإن رمتُ شعراً كنت فيه مقصراً

وإن رمتُ شكراً حرتُ فيه ولا ادري

على أن ما تولي وتبلي وتبتلي

بقدرك والتقصيرُ فيه على قدري الشمال:

950 -

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تسبُّوا الشمالَ فإنّها تقتلُ الأفعى وتخرج أنف الربيع، ويجيء بعدها النتاج والثمار وتغيّر خبث نفس الإنسان.

951 -

سُحَيم العبد (1) :

وهبَّتْ شمالٌ آخرَ الليل قَرّةٌ

ولا ثوبَ إلا درعها وردائيا

فما زال بردي طيباً من ثيابها

إلى الحولِ حتى أَنهجَ البردُ باليا

(1) ديوان سحيم: 20 والغزولي 1: 50.

ص: 318

952 -

آخر:

وهبَّتْ لنا ريحُ الشمالِ غُدَيَّةً

وعهدي بنفسي معجبٌ لي هبوبها

فأهدتْ لنا من نحوها صوتَ أنةٍ

على النأي ما يَفْنَى على النأي طيبها 953 - الحسن بن الزبير:

خليليَّ هل ريحُ الشمالِ شمولُ

صفت أم نسيمٌ كالنسيمِ عليلُ

كأنّي وما سُقِّيتُ خمراً إذا سَرَتْ

بِنَعْمانَ غصنٌ يستوي ويميل 954 - أبو فراس بن حمدان (1) :

هبَّتْ لنا ريحٌ شآميّة

متَّت إلى القلبِ بأسبابِ

أدت رسالاتٍ لنا في الهوى

عرفتها (2) من بينِ أصحابي يحكى عن الصاحب بن عباد، رحمه الله تعالى، أنه كان إذا سمع هذين البيتين ترنَّحَ لهما.

955 -

أحمد بن فرج من شعراء المغرب (3) :

وربَّتَ ريحٍ امتزجتْ بنفسي

مزاجَ الراحِ بالماءِ الزلالِ

وجدتُ بها وبي للشوقِ ما بي

كما وجدَ المهجِّرُ بالظلال

وبات ثرى العقيقِ ينمُّ عنها

إليَّ بمثلِ أنفاسِ الغوالي

فقلْ في نشوةٍ من نفحِ ريح

شفيتُ بها الشَّمولَ من الشمال

سَرَتْ في نارِ أَشواقي سراها

إلى جَدَثِ الثرى تحيي العوالي 956 - إبراهيم بن خفاجة الأندلسي (4) :

قعيدَكِ أنَّى زرتِ ضوؤك شارقٌ

وطيبك نمامٌ (5) وَحَلْيُكِ هادلُ

هبيك اغتررتِ الحيَّ واشيكِ هاجعٌ

وفرعُكِ غربيبٌ وليلك لائل

(1) ديوان أبي فراس: 52 والغزولي 1: 50.

(2)

الديوان: أدت رسالات حبيب لنا، فهمتها.

(3)

تشبيهات الكتاني: 29 - 30.

(4)

الأبيات لابن زيدون في ديوانه: 390.

(5)

الديوان: نفاح.

ص: 319

فأنَّى اقتحمتِ (1) الهولَ: خَصْرُكِ مُدْمَجٌ

وردفُكِ رجراجٌ (2) وَعِطْفُكِ مائل

خليليَّ ما لي كلما رمتُ سلوةً

تعرَّضَ شوقٌ دونَ ذلك حائل

أراحُ إذا راح النسيمُ شآمياً

كأنَّ شمولاً ما تُديرُ الشمائلُ 957 - القاسم بن مروان من أفريقية (3) :

وهبَّ (4) أريجُكُمْ من أرضِ نجدٍ

نسيماً شِيبَ بالمسكِ الفتيقِ

فأحيا مهجتي وشفى غليلي

وأطفأَ ما بقلبي من حريق

إذا ذَكَرَ الأحبّةَ بات شوقاً

فؤادي كالجناحِ من الخفوق

سأُفني مهجتي أَسفاً عليهم

معَ الزَّفَرات والدَّمعِ الدفوق

سلامُ الله ما هبَّتْ شمالٌ

على الأحبابِ من صبٍّ مشوق 958 - كان (5) أهل بثينة قد هدر لهم السلطان دم جميل، فضاقت الدنيا به، فكان يصعد في الليل على تلِّ رملٍ، ويتنسّم الريح من نحو بثينة ويقول:

أيا ريحَ الشمالِ أما تريني

أهيمُ وأنّني بادي النحولِ

هبي لي نسمةً من ريحِ بَتْنٍ

وَمُنِّي بالهبوبِ على جميل

وقولي يا بثينةُ حسْبُ نفسي

قليلُكِ أو أقلُّ من القليل فإذا أصبح انصرف.

959 -

قال الشيخ شرف الدين رحمه الله (6) : حدثني بعض من دخل سجستان وكرمان أن جميع أرحائهم ودواليبهم تدور بريح الشمال، قد جُعِلَتْ منصوبة تلقاء الشمال، وأن هذه الريح تجري عندهم على الدوام صيفاً وشتاء، وهي في الصيف أكثر وأدْوَم، وربما سكنت في اليوم والليلة مرّة أو مرّات، فيسكن كل رحىً ودولاب بذلك الإقليم، ثم تتحرك فيتحرك. وذكر أنّ عدَّة الدواليب المنصوبة عندهم اثنا عشر ألف دولاب، يجرى بها مع جريان ريح الشمال اثنا عشر ألف نهر وتنقطع بانقطاعها.

(1) الديوان: اعتسفت.

(2)

ص: جراح.

(3)

شارع من أهل قصطيلية وسكن القيروان، وهو من شعراء الأنموذج (المسالك 11: 349) .

(4)

ص: من ريحكم.

(5)

الأغاني 8: 9 والديوان: 182 - 183.

(6)

نقله الغزولي 1: 50.

ص: 320

قال: والخصبُ والقحط معتبر في بلادهم بكثرة جريان ريح الشمال وقلّته. قال: ولهم في الأرحاء مَنَافِسُ تُغْلَقُ وتفتح للريح فتقلّ وتكثر، وذلك أنها إن كانت قويّة حرقت الدقيق فيخرج أسود، وربّما حمي حجر الرحى فانفلق، فهم يحتاطون لذلك بما ذكرناه.

الدبور والنكب:

960 -

الريح الدبور والرياح النكب جميعها من الرياح العواصف غير المستطابة. ولا تجيء في أشعارهم إلاّ على سبيل الذم والتبرم لها. رَوَت عائشة (1) رضي الله عنها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كان اليوم ذو الغيم والريح عرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، وإذا كان المطر سُرَّ وذهب ذلك عنه، قالت: فسألته فقال: إني أخشى أن يكون عذاباً سُلِّط على أمتي.

961 -

وحدَّث عبد الله بن فرقد مولى المهدي قال: هبّت ريح زمن المهدي، فدخل المهدي بيتاً في جوف بيت فألزق وجهه بالتراب ثم قال: اللهم إني بريء من هذه الجناية، فإن كان هذا لخلق فاجعله غيري، فإن كنت أنا المطلوب من بين خلقك فها أنا ذا بين يديك، اللهم لا تُشَمِّت بي أهل الأديان، ولم يزل كذلك حتى انجلت الريح.

962 -

وقال شريح: ما هاجت ريحٌ قط إلا لسُقْمِ صحيح أو شفاء سقيم.

963 -

وأما الرياح النكب (2) : فإن الرياح أجناسها أربع كما تقدم، الشمأل والجنوب والصعبا والدبور، وهاهنا ثمان رياح تسمى النكب، لأن كل ريح منها نكّبت عن مجرى الريح الأصليّة، ولكلّ ريح منها اسم يخصّها، وذلك أنه يهبّ مما يلي كل ريح من الرياح الأربع الأصلية ريحان، فتهبّ من ناحية الجنوب ريحان، إحداهما مما يلي المشرق وتسمى النعامى، والأخرى مما يلي المغرب وتسمى الهير؛ ويهبّ مما يلي الشمال ريحان: إحداهما مما يلي المشرق وتسمى المسع، والأخرى مما يلي المغرب وتسمى الجربياء؛ ويهب عن جنبتي المشرق ريحان إحداهما مما يلي الجنوب وهو المطلع الشتوي يقال لها الأزيب، والأخرى مما يلي الشمال وهو المطلع الصيفي ويقال لها المسع، والريحان الهابّتان عن جنبتي المغرب إحداهما مما يلي الشمال وهو المغرب الصيفي يقال لها محوة، والأخرى مما يلي الجنوب وهو المغرب الشتوي يقال لها الخريق، فجملة الرياح اثنتا عشرة ريحاً: الرياح الأصلية أربع، والنكب ثمان.

(1) انظر مصنف عبد الرزاق 11: 88.

(2)

قارن بالفقرة: 929.

ص: 321

964 -

الغزيّ في الدبور:

لا يستوي البحرانِ بحرٌ خضرم

يبني وينمي للعلا ويهدِمُ

فكفُّ هذا ديمةٌ تهمهم

وكفُّ ذا ريحٌ دبورٌ تحطم يتلفُ هذاك وهذا يَقْسِمُ

965 - ذو الرمة في النكباء (1) :

سمعتُ الناسَ ينتجعون غيثاً

فقلت لصيدحَ انتجعي بلالا

تناخي عند خير فتىً يمانٍ

إذا النكباءُ ناوحتِ الشمالا 966 - أكثم بن صيفي:

عن الدهرِ لا تسألْ ولكن عن الذي

أباد جديداه من الشِّيبِ والمُرْدِ

طوتهمْ يداه تحت حرفِ خطوبه

كما خَفِيَتْ في الطيِّ حاشيةُ البرد

كما لعبتْ نكباءُ بالغصنِ مرّةً

تصرّفهمْ ما بين نَحْسٍ إلى سعد 967 - الفرزدق في الرياح الهوج غير المستطابة (2) :

وركبٍ كأنَّ الريحَ تطلبُ عندهم

لها تِرةً من جذبها بالعصائبِ

سَرَوا يخبطون الليلَ وهي تلفُّهُمْ

إلى شُعَبِ الأكوارِ من كلِّ جانب

إذا أنِسوا ناراً يقولون ليتها

وقد خَصِرَتْ أيديهمُ نارُ غالب 968 - المهلبي، وأبدع في التجنيس (3) :

(4)

وريحٍ تُطيرُ الروحَ عن مستَقرِّها

وتستلبُ الركبانَ فوقَ الركائبِ

فلو أنها ريحُ الفرزدقِ لم تكنْ

لها ترةٌ من جَذْبها بالعصائب

نصبتُ لها وجهي وأنصبتُ صاحبي

إلى أنْ حللنا في محلِّ الحبائب 969 - البحتري (5) :

كأنَّ الريحَ والمطرَ المناجي

خواطرها عتابٌ واعتذارُ

(1) ديوان ذي الرمة: 1535 - 1536.

(2)

ديوان الفرزدق: 29 وأمالي القالي 3: 40 وشرح المختار: 102 وزهر الآداب: 335 والأول في محاضرات الراغب (2: 245) ونشوار المحاضرة 3: 286.

(3)

محاضرات الراغب (2: 245) ؛ ومنها بيتان في نشوار المحاضرة 3: 287 وانظر شهر الوزير المهلبي (المورد 2/ 1974) : 49.

(4)

الراغب: وريح تضل الروح عن مستقره؛ النشوار: تغيم الجو مما تثيره.

(5)

ديوان البحتري: 961 وتشبيهات ابن أبي عون: 249 ومجموعة المعاني: 186.

ص: 322

970 -

الحسن بن حسان (1) السناط:

فجبت بساطَ الأرضِ لم أَكُ سامعاً

به عند شَدْوِ الحيِّ هَتْفاً إلى هتفي

كأنَّ حنينَ الريحِ في جَنَباتِهِ

حنينُ المثاني والمثالثِ في العزف 971 - ابن هذيل:

وكأنَّ الريح في إعجاجه

نَفَسٌ (2) أرهقه كدُّ الأَجلْ 972 - قال الشيخ شرف الدين المصنف: حدثني غير واحد من الفرس والترك والعرب المترددين إلى أقصى بلاد فارس والصين أن فيما بين الفرس مما تاخم بلاد التتار - خذلهم الله تعالى - وبين بلاد التتار مفازة، مسيرة نحو ستة أيام، إذا كان أوان معلوم في كل عام جرت في تلك المفازة ريح عاصف، مدة محدودة معلومة الوقت والمقدار، لا تمر بحيوان ولا نبات إلا أهلكته، قالوا: وإن اتفّق أن يسلك في ذلك الوقت عسكر أو قافلة بذلك المكان، وخرجت عليهم تلك الريح، اختطفت الفارس بفرسه، فصكّتْ به الفارس الآخر، وحملت الجمل بحمله، فصدمت به الجمل الآخر، حتى يهلك الجميع، وأن التتار وغيرهم من المسافرين يتنكبون المرور بذلك الموضع في ذلك الوقت المحدود.

973 -

الإعصار:

هذا هو الريح التي تلتف دائرة على نفسها، وتصعد نحو الجو ويسميه المحدثون " الزوبعة "؛ قال ابن المعتز يصف كلبةَ صيد (3) :

وان أُطْلِقَتْ من رباطاتها

وطار الغبارُ وجدَّ الطَّلبْ

فزوبعةٌ من بناتِ الرياح

تريك على الأرض شيئاً عجب 974 - ابن إسرائيل:

وتجمَّعتْ فإذا الرياحُ أثرنها

رفعتْ إلى أُفُقِ السماءِ دخانا

(1) ص: حسان بن الحسين؛ والبيتان في تشبيهات ابن الكتاني: 27؛ وللحسن ترجمة في الجذوة: 179 (البغية رقم 631) واليتيمة 2: 68 وانظر كتاب التشبيهات ص: 302.

(2)

ص: نقش.

(3)

ديوان ابن المعتز 4: 12 ونهاية الأرب 9: 252.

ص: 323

975 -

وله:

لله فعلُ عارضِ النكباء

لما أثار ساكنَ الغبراء

أبدى من التربِ لعين الرائي

سارية شامخةَ البناء تجمعُ بين الأرض والسماء

976 - الشريف ابن دفتر خوان:

اعجبْ لزوبعةٍ تدورُ لوالباً

في الأرض تحكي وهي في جولانها

رقّاصةً هيفاءَ دارتْ خفّةً

وثيابُها تلتفُّ في دورانها 977 - زكي الدين بن أبي الإصبع، ولم يَسْمَعْ بما قاله الشريف ابن دفتر خوان قبل ذلك:

علا وَهَجُ الإعصارِ عند التفافه

فأعجلَ عيني أن تغمِّضَ جفنيها

كراقصةٍ قد أسرعت دورانها

إذا انفتلتْ لَفَّتْ على الخصرِ كُمَّيْها فلما سمع الشريف قال على سبيل العرامة:

شاهدتُ للإعصارِ شكلَ عجاجةٍ

ملتفّهٍ ثارتْ بجوٍّ مقفرِ

فظننتُ أنَّ البرَّ بحرُ الثغرِ إذ

أبدى إليَّ منارةَ الإسكندر

ورشاشُ موجِ البحرِ حَوْلَ رصيفها

كغبارِ دوّارِ العجاجِ الأكدر 978 - وله:

قام في قائم الظهيرة نَقْعٌ

مستطيلٌ أثاره إِعصارُ

مثلَ ظلِّ الأَشباحِ في الأرض يعلو

مستطيلاً إذا تولَّى النهار 979 - قال: ومثل ما اتفق لهذين الفاضلين ما نذكره، قال أبو الحسن ابن سعيد الغماري (1) :

تصادمتِ الرياحُ فثار منها

عجاجٌ قام في صَدْرِ الفضاءِ

كأنَّ الأرضَ قد رَفَعَتْهُ صرحاً

تطالعُ منه أسبابَ السماء

(1) إن كان هو ابن سعيد صاحب المغرب فنسبة الغماري فيه مستغربة لأنها تعني النسبة إلى قبيلة غمارة وهي قبيلة بربرية؛ وأظنه العماري نسبة إلى عمار بن ياسر جد بني سعيد.

ص: 324

980 -

وقال جلال الدين المكرم بن أبي الحسن الأنصاري، وهو والد محمد مختار هذا الكتاب:

وزوبعةٍ لما استدارتْ تعالياً

إلى الجوِّ حتى ما أطقتُ لها شرحا

توهّمتُ فرعونَ الرِياح بعصفه

يقولُ لهامانِ الغبارِ ابنِ لي صَرْحَا 981 - أبو الحسن الغماري:

للهِ زوبعةٌ أُثيرَ بها الثرى

فتعلَّقَتْ بذوائِب الآفاقِ

أتَرى الرياحَ وقد جَرَتْ في حَلْبَةٍ

رفعتْ لواءً بينها لِسِباقِ 982 - ولوالدي جلال الدين المكرم رحمه الله:

شكتِ الأرض مَحْلَها بلسانٍ

صاعدٍ من غبارها للعنانِ

فأغيثت من السماء بميزا

بٍ إلى الأرض واصلٍ في العيان 983 - وله رحمه الله:

أقولُ للناسِ وقد أَنذرَ الإِ

عصارُ مَنْ شاهده في الهواءْ

تعوَّذوا في الأرضِ من فتنةٍ

غبارها يصعدُ نحو السماء 984 - أبو الحسن ابن عبد الكريم الأنصاري:

قد وافتِ الريحُ بسلطانها

تحملُ تُرْبَ الأرضِ نحو السحابْ

تلفّها جاذبةً مثل ما

تلفُّ بعد الدَّرج طيَّ الكتاب

فخلتُها إذ فعلتْ فعلَها

قد صنعتْ فوارةً بالتراب 985 - وله:

وذارياتٍ جُنَّ فيها الهوا

فَنَقْعُهُ في جوِّهِ راقي

كأنّها إذ رفعته غَدَتْ

تحملُ أجبالاً بأعناق

كثيفة البنيانِ لكنَّه

ليس على الأيام بالباقي

لو كان تحتَ الأرض ما فوقها

لقامتِ الأرضُ على ساق

ص: 325

أحسن الاحتياط بقوله " ليس على الأيام بالباقي " بعد قوله " كثيفة البنيان "، وقوله " لو كان تحت الأرض ما فوقها " برز فيه على جميع من نظم في هذا المعنى.

الزلزلة:

986 -

قال: لما كان سبب الزلزلة إنما هو احتقان بخاريّ في بطن الأرض يطلب الصعود، فيتصاعد ويتموج، فيزعزع الأرض التي يحتقن فيها ويزلزلها حتى يخرق منها موضعاً، فتصعد منه ألحقته لسبب ذلك بالرياح.

987 -

قال أبو بكر الزيات (1) :

إنَّ الزلازلَ قد تفاقم أمرها

والناسُ منها في اتصالِ همومِ

والأرضُ في أقطارها مرتجَّةٌ

تحت الأنامِ كَرَعْدَةِ المحوم 988 - والدي جلال الدين المكرم:

قلتُ إذ زلزلتِ الأرضُ وما

فوقها للعهدِ إلا ناقضُ

حُمَّتِ الدنيا من الغيظِ على

ساكنيها فاعتراها النافِضُ 989 - وله:

هزَّتكمُ الأرضُ بزلزالها

لما اشتغلتمْ باكتسابِ الحطامْ

كأنها قالتْ لقد طال ما

غفلتمُ فانتبهوا يا نيام 990 - وله:

يا أيّها الناسُ افهموا ما قاله

مَلَكُ الزلازل أو إليه أشارا

ما الأرضُ إلاّ غَرْبَلَتْ سكانها

قصداً لتقبضَ منهم الأخيارا 991 - أبو الحسن ابن سعيد، وأجاد:

انظر إلى الأرضِ وقد زلزلت

غب انسكابِ السُّحُبِ الغُرِّ

كأنّها في فعلها طائرٌ

منتفضٌ من بَلَلِ القطر 992 - وله:

تقعقعتِ الآفاقُ رعداً وأَشْعَلَتْ

بروقاً ونادى بالقيامةِ داعي

(1) غير معجبة في ص.

ص: 326

فأقبلتِ الحيطانُ تهوي تعانقاً

مخافةَ بينٍ قبلَ ضمِّ وداع 993 - أبو المعالي ابن اسرائيل:

وزلزلةٍ تروِّعُ كلَّ شَهْمٍ

مخافتها وتزعجُ كلَّ ساكنْ

كأنَّ الأرضَ منها لُجُّ بحرٍ

ترقّص مَوْجُهُ سُفُنَ المساكن 994 - وله:

يا رُبَّ زلزلةٍ تَزلزلُ خيفةً

من أن تُلَفَّ بغيثها الأفكارُ

لما غَدَتْ للأرضِ من صَوْبِ الحيا

كاساتِ راحٍ بالرياح تدار 995 - وله:

ويومِ قرٍّ قد غدا غَيمُهُ

يلفُّ قرصَ الشمسِ في بُرْدِهِ

كأنما الأرضُ وقد زلزلت

تهتزُّ للرعدةِ مِنْ بَرْدِهِ 996 - الزكي بن أبي الإصبع:

شكا البخارُ ببطنِ الأرضِ محبسه

عساهُ يُطْلَقُ فاهتزّتْ لشكواه

ونفستْ عنه كرباً عندما وَجَدَتْ

خوفاً من الخَسْفِ أنْ يقضي به الله

فكانتِ الأرض كالحُبْلَى إذا اختلجَ ال

جنينُ في جوفها يهتزُّ أعلاه 997 - وله:

ما اهتزَّتِ الأرض زلزالاً بساكنها

تبغي هلاكهمُ يوماً بذا السببِ

وكيف وَهْيَ لهمْ أمٌّ وبينهمُ

وبينها نَسَبٌ ناهيكَ من نسب

وإنما ذكرتْ ذاك الخطابَ لها

من خالقِ الخَلْقِ في الماضي من الحقب

وكونها امتثلتْ طوعاً أَوامِرَهُ

ولم تخالِفْهُ فاهتزَّتْ من الطرب

والمرءُ يذكرُ شيئاً كان يعجبه

فينثني عِطْفُهُ من ذلك العجب

لأجلِ ذا جُعِلَتْ طهراً يُدانُ به

ومسجداً لمصلَّى سيّدِ العرب 998 - أبو الحسن ابن عبد الكريم الأنصاري وأجاد:

وزلزالٍ يهزُّ الأرضَ هزّاً

كما هزَّ الكريمَ الابتهاجُ

يبشر وجهها بقدومِ غَيْثٍ

كما قد بشر العين اختلاج

ص: 327

999 -

أبو إسحاق ابن كاتب قيصر:

زدْتُ عجباً بقدرةِ الله لمّا

أن عدا الأرضَ طارقُ الزلزالِ

فرأيت الجدرانَ قبّلتِ الأر

ضَ وعادتْ لحاها في الحال 1000 - له:

آذارُ شهرٌ أشرسٌ نَزِقٌ

جهمٌ عَبُوسٌ وجهُهُ حَنِقٌ

والأرضُ قد مادتْ بزلزلةٍ

والغيثُ قد غَصَّتْ به الطرق

فكأنها من فرطِ رعدتها

حُمَّت وأعقب هزَّها عرق 1001 - للشيخ شرف الدين المصنف (1) :

أما ترى الأرض في زلزالها عجباً

تدعو إلى طاعةِ الرحمنِ كلَّ تقي

أضحتْ كوالدة خرقاءَ مرضعةٍ

أولادَها درَّ ثديٍ حافلٍ غدق

قد مهَّدتهُمْ مهاداً غير مضطرب

وأفرشتهم فراشاً غيرَ ما قلق

حتى إذا أبصرتْ بعضَ الذي كرهتْ

مما يشقٌّ من الأولادِ من خلق

هزَّتْ بهم مهدهم شيئاً (2) تنهّضهم

ثم استشاطتْ وآل الطبعُ للخُرُق

فصكَّتِ المهدَ غضبى فهي لافظةٌ

بعضاً على بعضهم من شدّةِ النزق 1002 - ومما ورد في الأرض في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أكرموا الأرض فإنّها بكم بَرَّة " قال أبو عبيد: صلّوا عليها ولا تصلّوا على دابة ولا في محمل، ومعنى:" هي بكم برَّة " أي منها خلقتم وفيها معاشكم وإليها مصيركم، فيها الثمار والنبات، ومآرب الأحياء والأموات، والمعادن والكنوز والبحار والأنهار.

1003 -

وخرج الشعبي إلى الجبّانات فقرأ: (ألم نجْعلِ الأرضَ كِفاتاً أحياءً وأمواتاً) وأشار إلى المقابر وقال: هذه الكفات.

1004 -

واسم الأرض مشتق من الأَرَضِ وهو الهدوء والسكون، وذلك لسكونها وعدم حركتها، ومنه رياضة المدام وهو تذليلها.

(1) معاهد التنصيص 3: 79 والوافي 8: 289.

(2)

المعاهد: تنبيههم، الوافي: تنهنههم.

ص: 328

خواص الرياح وما ورد فيها:

1005 -

الصبا: خواصها ترطّب الأجسام القحلة وتنعمها، كائنةً ما كانت، من بَشَرةِ الإنسان وشعره، وشعر الحيوان ووبره، والكتان وغيره، ويبرد بها الحليُّ على النساء وهنّ في فرشهن ومضاجعهنّ، وتقبلها النفس وتطيب بها، وتسلي الحزين وتنفس عن المكروب، ويلتذّها الصحيح والخليّ والمريض والشجيّ.

1006 -

الجنوب (1) : من خواصها أنها تعفِّن اللحم (2) حتى يسودّ، وتظهر كلّ ندى في الأرض حتى تلثق الأرض، وإذا صادفت بناءً بني في الشتاء والأنداء أظهرت نداءه حتى يتساقط، وتطيل الثوب القصير، ويضيق لها الخاتم في الإصبع الأيمن، ويسلس في الأيسر، والجنوب تسري بالليل، تقول العرب: إن الجنوب قالت للشمال: أنا أسرى وأنتِ لا تسرين، فقالت الشمال: إنَّ الحرّة لا تسري.

1007 -

الشمال: من خاصيتها أنها تهبّ النهار كلّه، فإذا جاء الليل سكنت، قال الهذلي:

قد حالّ دون دريسيهِ مؤوبةٌ

مسعلها بعضاهِ الأرض تهزيز المؤوَّبة (3) : التي تهبُّ النهار كلّه إلى الليل ثم تسكن، وفي التنزيل:(يا جبالُ أوّبي معه والطَّيْر) ، أي سبحي النهار كلّه إلى الليل، ومسعٌ: ريح الشمال، والدّريس: الثوب الخَلَقُ.

ومن خواص الشمال أنها يُستذرى منها بأدنى شيء ويشترك فيها الرحل وذرى الشجرة في الاستتار، والجنوب تدور ولا يستر منها شيء، وربما وقع الحريق في البادية في اليبيس فإن كانت الريح جنوباً احترق أياماً، وكان تحريقه طولاً وعرضاً، وإن كانت شمالاً فإنما يذهب خطاً لا يذهب عرضاً.

وللشمال ذرى الشجر، وذلك أن يجتمع التراب من قبلها فيستذرى بالشجر،

(1) الأنواء: 161 والأزمنة والأمكنة 2: 343 وانظر ربيع الأبرار، الورقة: 19 ب (نقلاً عن أبي حنيفة الدينوري) .

(2)

الأنواء والأزمنة: تثير البحر.

(3)

الأنواء: 162 والأزمنة والأمكنة 2: 341.

ص: 329

فإن كانت الشجر عظاماً كانت له جراثيم، وإن كانت صغاراً ساوى التراب غصونه، ولا ذرى للجنوب، ترى ما يلي الجنوب منها عارياً مكشوفاً منحفراً.

والشمال تُذَمُّ بأنها تقشع الغيم وتجيء بالبرد، ويُحْمَدُ منها أنها تُمسك الثرى، وأنها صاحبة الضباب، تصبح الأرض منها كأنها ممطورة، والغصون تنطُفُ، وأكثر ما يكون ذلك عن غب المطر، فإذا ارتفعت الشمس ذهب الندى، وانقطع الضباب.

والشمال أدوم الرياح في الشتاء والصيف.

1008 -

الدّبور: مذمومة في الشتاء والصيف، وهي إحدى الهيفين، إلا أنها قليلة الهبوب، قالت العلماء: ما أهلك الله قوما إلاّ بالدّبور.

1009 -

النكباء: ليس من الرياح شيء أكثر عجاجاً ولا أكثر سحاباً لا مطر فيه، وهي هيف تيبسُ الأرض، ويحرق العود من النكباء التي بين الدَّبور والجنوب التي تجيء من مغيب سهيل.

1010 -

وخاصة الريح في الحكمة - أيّ ريح كانت - إذهاب النتن والعفن من الموضع الذي يكون فيه أي موضع كان من العالم. روي عن مطرّف أنه قال: " لو حبس الله عز وجل الريح عن الناس ثلاثة أيام لأنتن ما بين السماء والأرض ".

1011 -

أبو إسحاق إبراهيم بن علي الأنصاري الحصري من إفريقية (1) :

ولقد تنسَّمْتُ الرياحَ لعلَّني

أرتاحُ أنْ يبعثن منكِ نسيما

فأَثَرْنَ من حُرَقِ الصبابةِ كامناً

وأَذْعَنَ من سِرِّ الهوى مكتوما

وكذا الرياحُ إذا مررنَ على لظى

نارٍ خَبَتْ ضرَّمنها تضريما 1012 - قال شرف الدين المصنف: رأيت أهل المشرق يستغربون لابن قسيم - شاعر مشرقي - أبياتاً يزعمون أنه ابتكر معناها وهي (2) :

روَحني عائدي فقلتُ له

مه لا تزدني على الذي أجدُ

أما ترى النارَ كلّما (3) خمدتْ

عند هبوب الرياحِ تتقد

(1) الذخيرة 2/4: 593.

(2)

ورد البيتان للمصحفي في تشبيهات الكتاني: 247.

(3)

التشبيهات: وهي جامدة.

ص: 330

وإنما أغار ابن قسيم على شعر الحصري المتقدّم.

1013 -

موسى بن سعيد الغرناطي (1) :

الريحُ أقودُ ما رأيتُ لأنها

تبدي خبايا الرّدفِ والأَعكانِ

وتميلُ بالأغصانِ بعدَ علوّها

حتى تقبلَ عارضَ الغدران

ولذلك العشاقُ يتخذونها

رُسُلاً إلى الأحبابِ والأوطان البيت الأول يقرب من معنى قول البها زهير الكاتب (2) :

حبّذا نفحةُ ريحٍ

فرَّجَتْ عنّيَ غُمَّهْ

ضربتْ ثوبَ فتاةٍ

أكثرتْ تيهاً وحشمه

فرأيتُ البطنَ والسرّ

ةَ والخصرَ وثمّه والجميع راجعٌ إلى قول الأول (3) :

أبتِ الروادفُ والثديُّ لِقُمْصِها

مسَّ البطونِ وأنْ تمسَّ ظهورا

وإذا الرياحُ معَ العشيِّ تناوحت

نَبَّهْنَ حاسدةً وهجن غيورا 1014 - اشتدت بأبي العيناء ريح كانت تتعهده، فكتب إلى طبيب: أمّا بعد فإن جسدي مرتعُ الرياح الأربع، فأما صدري فمهبُّ القبول، وأما ظهري فمنشأُ الدبور، وأما جانبي الوحشي فمَدْرجة الجنوب، وأما شماله فَمَعْصَفَةُ الشمأل، والفؤاد من قوم عاد، والله علي من الشهود، أنني مؤمن بهود، فهل لي أمان من النذير، ورجاء من حسن التدبير؟.

1015 -

قال أحمد المصنف: أورد القاضي أحمد بن مطرف الكناني في كتابه المسمى ب " الرتيب " للرياح مائةً وستة عشر اسماً في لغة العرب اختصرناها لأن كتابنا ليس كتاب لغة فنذكرها فيه.

1016 -

قال: آراء الأطباء في تغييرالهواء: إعلم أن لكل ريحٍ من هذه الرياح

تغيَّر مزاج بالهواء إلى مزاجها وتؤثّر في الأبدان تأثيراً خاصاً لا تؤثره الأخرى.

1 -

فالشمأل (4) تقوى الأبدان، وتصفي الأرواح والأخلاط والحواسّ

(1) الأبيات في الفوات 3: 104 والغزولي 1: 54 ونسبها لابنه علي بن موسى وذكر قصة حدثت بمصر.

(2)

ديوان البهازهير: 310.

(3)

هما في أمالي 1: 24 والحماسة البصرية 2: 91 ونهاية الأرب 3: 66.

(4)

قارن بما في القانون لابن سينا 1: 91.

ص: 331

وتلطفها، وتصحح الدماغ، وتقوي الحركة،. وتزيد في شهوة الجماع، وتقوي الهضم، وتمنع انصباب المواد إلى الأعضاء، لأنها تبرّد ظاهر الأبدان وتعكس الحرارة الغريزية إلى الباطن، فتجمعها وتقوّيها، وتشدّ الأعضاء الباطنة وتصلحها، لأنها تهيّج السّعال ووجع الصدر بتجفيفها لآلة النفس وتَعْقِلُ البطن، وتُحدِث في الأعين لذعاً، وتضرُّ بالأبدان الباردة.

2 -

وأما الجنوب فإنها إذا هبّت بالضدّ مما وصفناه، تُرخي الأبدان والعصب، وتكدّر الأرواح والأخلاط والحواس، ويحدث لذلك ثقل في السمع وغشاوة في البصر، وتورث الكسل وترخي الحركة وتهيح صداعاً، وتحرّك نوائب الصرع وتُنقص من الشهوة، وتضعف الهضم، وذلك لأنها حارّة رطبة وهي تملأ الدماغ فضولاً رطبة.

3 -

وأما الصبا والدّبور فلاعتدال مزاجيهما تكون الأبدان فيهما معتدلة متوسطة صحيحة.

4 -

وأما الرياح النكب الباقية فإنّ كلّ واحدة منها تؤثر في الأبدان تأثيراً أسوأ

مما تؤثر الريح التي تهبّ من جانبيها.

1017 -

قال: وآراء الفلاسفة في الهواء:

1 -

قال أبو علي الحسين ابن سينا البخاري (1) : تأثير التغيرات الهوائية الخارجة عن المجرى (2) يكون إما لاستحالة جوهر الهواء في نفسه، وإما لاستحالة كيفيته. فأما الذي في جوهره فهو أن يستحيل جوهره إلى الرداءة، لأنّ كيفيته أفرطت في الاشتداد أو النقص وهذا هو الوباء، وهو تعفّنٌ (3) يعرض في الهواء شبيه بعفن الماء الآجن (4) ولسنا نعني بالهواء الهواء البسيط المجرد، فإن ذلك ليس هو الهواء الذي يحيط بنا، وكلّ واحد من البسائط المجرّدة فإنه لا يعفن، بل إما أن يستحيل في كيفيته، وإما أن يستحيل في جوهره إلى البسيط الآخر، بأن يستحيل مثلاً الماء هواء، بل نعني بالهواء الجسم المبثوث في الجو، وهو جسم ممتزج في الهواء الحقيقي من الأجزاء المائية البخارية وومن الأجزاء الأرضية المتصعدة من الدخان والغبار ومن أجزاء أُخر ناريّة، وإنما نقول له هواء كما نقول لماء البحر والبطاحِ ماء.

(1) القانون 1: 90.

(2)

القانون: عن الطبيعة.

(3)

القانون: بعض تعفن.

(4)

القانون: يشبه تعفن الماء المستنقع الآجن.

ص: 332

وإن لم يكن ماء صرفاً بسيطاً، بل كان ممتزجاً من ماء وأرض ونار، ولكن الغالب فيه الماء؛ فهذا الهواء قد يعفن (1) فيستحيل جوهره إلى الرداءة، كما أن ماء البطاح قد يعفن (2) فيستحيل جوهره إليها، وأكثر (3) ما يعرض الوباء وعفونة الهواء في أواخر الصيف والخريف. وأما الذي في كيفيّته فان يخرج في الحرّ والبرد إلى كيفية غير محتملة، حتّى يفسد الزرع والنسل، وذلك إما باستحالةٍ مجانسة كمعمعة القيظ إذا فسد، أو استحالة مضادة كزمهرير البرد في الصيف لعَرَضٍ عارض. والهواء إذا تغيّر عرضت منه عوارض في الأبدان: فإنه إذا تعفّن عفَّن الأخلاط، وابتدأ بعض الخلط المخصوص بالقلب، لأنه أقرب منه وصولاً إلى غيره، وإن سَخُنَ شديداً أَرخى المفاصل وحلّل الرطوبات (4) ، " وزاد في العطش، وحلّل الروح، وأسقط القوى، ومنعَ الهضم، بتحليل الحارِّ الغريزّي المستبطن الذي هو آلة الطبيعة وصفَّر اللون بتحليله الأخلاط المحمرة للّون، وتغليبه المرّة على سائر الأخلاط، وسخنَ القلب سخونة غير غريزيّة، وسيَّل الأخلاط وميَّلها عفنة إلى التجاويف وإلى الأعضاء الضعيفة (5) ، وليس بصالح الأبدان المحمودة، بل ربما انتفعبه به المستسقون والمفلوجون وأصحاب النَّزْلة الباردة والتشنّج الرطب واللقوة الرطبة. وأما الهواء البارد فإنه يحصر الحارّ الغريزيّ داخلاً، ما لم يفرطْ إفراطاً يتوصّل منه (6) إلى الباطن، فإن ذلك يميت، والهواء البارد غير المفرط يمنع سيلان المواد ويحبسها، لكنه يُحدث النزلة، ويضعف العصب، ويضرُّ بقصبة الرئة ضرراً شديداً، وإذا لم يفرط شديداً قوَّى الهضم، وقوى الأفعال الباطنة كلّها، وأثار الشهوة، وهو أوفق للأصحّاء من الهواء المفرط الحرّ، ومضارُّهُ هي من جملة الأفعال المتعلّقة بالعصب وبسدِّه المسامَّ. والهواء الرطب صالح موافق لأكثر الأمزجة ويحسّن اللّون ويبقي المسام منفتحةً، إلا أنه رديء العفونة، واليابس بالضد.

2 -

وقال علي بن العباس المتطبّب: الهواء المعتدل هو النقي الصافي اللطيف الذي لا يخلطه شيء من البخارات، وإذا شممته وجدت له رائحة طيّبة لذيذة،

(1) ص: تغير.

(2)

ص: تغير.

(3)

ص: ولكن.

(4)

القانون: المحصور في القلب.

(5)

ص: الصعبة.

(6)

القانون: يتوغل به.

ص: 333

وليس بالحارّ الذي يعرق البدن منه، ولا بالبارد الذي يقشعرّ منه، بل يكون سريع التغيّر إلى البرد إذا غابت الشمس، سريع التغير إلى الحرّ إذا طلعتْ، وما كان من الهواء حاله هذه الحال فإنه يعدِّل المزاج، ويقوي الأبدان، ويصفي الأخلاط والأرواح، ويعين على جودة الهضم، وأما الهواء الخارج من الاعتدال في كيفيّته فيكون أحرّ أو أبرد، وأرطب أو أيبس من المعتدل، وأما في ذات جوهره فمثل الهواء الوبائي.

1018 -

آراء الأطباء في الرياح والأهوية على التفصيل:

1 -

الريح التي تهبّ من ناحية القطب الشمالي، وهي ناحية الفرقدين وبنات نعش، باردة تصلِّبُ الأبدان وتقويها، وتُضْعِف الرأس، وهي أصلح الرياح وأدفعها للعفن، غير أنها تهيِّحُ العلل التي تكون في الرئة والحلق والننرلات والزكام، وتعقل البطن وتدرُّ البول.

2 -

والهابَّة من ناحية القطب الجنوبي، وهي ناحية سهيل، تُرْخي الجسد، وتكدِّر الحواس، وتهيج الصداع والرمد، ونوائب الصرع، والحميّات العفنة، غير أنها لا تخشِّنُ الحلق والصدر، وهي أجلب الرياح للأمراض، لا سيّما إذا كثر هبوبها في الصيف وآخر الربيع.

3 -

وأما الريح التي تهبّ من حدِّ المشرق الصيفيّ إلى المشرق الشتوي والتي تهبّ من حدّ المغرب الشتوي إلى المغرب الصيفيّ فمعتدلتان في الحرّ والبرد، إلاّ أن أصحّهما وأصلحهما الهابّة من المشرق، وأردأهما وأغلظهما الهابة من المغرب.

4 -

وأما الهواء فأصلحه الصافي اللطيف الذي ليس فيه بخارات كثيرة، ولا هو راكد مختنق، بل متحرِّك بهبوب الرياح، لذيذ المستنشق، يسرع إلى البرد إذا غابت الشمس عنه، وأشرُّه ما كان بالضدّ مما وصفنا، وما كان لغلظه كأنه يقبضُ على الفؤاد ويُمْسك النَّفَس، وما كان فيه بخارات من مجاورة بخارات وآجام فيها ماء راكد، وكان فيه عفونات وجيف، وكان شديد الحرّ ملتهباً، وكان مختنقاً لا تخترقه الرياح، فإن هذه الأهوية كلّها رديئة. ويكون الهواء مختنقاً في المساكن التي في الجوبات، وحيث يحيط بها جبال شاهقة وآجام، وحيث لا تهبُّ رياح كثيرة.

1019 -

ومذاهب العرب والمنجين في الرياح وفعلها في الأجسام: فقد ذكرنا أن أصول الرياح أربعة الصَّبا والدَّبور والشمأل والجنوب:

ص: 334

1 -

فالصبا الريح الشرقية الهابة من حيث تطلع الشمس، وهي أعدل الرياح عند الأطباء، ومع كونها معتدلة تميل إلى الحر واليبس، واعتدالها لأن الشمس لا تقاطعها فتكون باردة، ولا تواصلها فتكون حارّة، ولاعتدالها تجعل الأبدان معتدلة، والأجسام صحيحة، والقوى قويّة، وألوان أهلها بيض مشربة حُمْرةً.

2 -

والدبور هي الريح الغربية الهابة من حيث تغرب الشمس وهي تشبه الصَّبا لمساماتها لها، إلا أنها مضطربة مع ميل إلى البرد واليبس. أما اضطرابها فلأن الشمس لا تلقي شعاعها بالغدوات عليها، فكأنها تستكن (1) البرد بالغدوات والحرّ بالعشيّات.

3 -

والشمأل وجهة مهبّها مائل لجهة الجنوب عن يسار مطلع الشمس، ومزاجها بارد يابس، لبعد ممرّ الشمس عن هذا الموضع، لأن الشمس تصير إليه إذا صارت في فلك أوجها، وهي أبعد ما تكون من الأرض. وفعلها ضدّ فعل الجنوب لأنها تقوّي الأبدان وتصلِّبُها، وتصفّي الأرواح والأخلاط وسائر الحواس، وتصحّح الدماغ، وتقوّي الشهوة والهضم، وتمنع من انصباب المواد.

4 -

والجنوب جهتها عن يمين المستقبل مطلع الشمس، وهي حارة لانحطاط الشمس عن بعدها من فلك أوجها، رطبة لأجل البخار المتحلّل عن البحر العظيم المحيط بها، وهي ترخي الأبدان، وتكدر الحواس، وتهيّج الصداع، وتحرّك نوازل الصرع، وتملأ الدماغ فضولاً، ولا سيّما الأدمغة الرطبة، وتضعف الهضم وتوجب النوم، وتورث الحميّات المعفنة.

(1) ص: يستكون.

ص: 335

فراغ

ص: 336