الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس
في القول في الأنواء من الحظر والإباحة في الشرع ومعنى قولهم ناء الكوكب
906 -
روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنّ الله عز وجل يقول ما أنعمتُ على عبادي من نعمةٍ إلاّ أصبحتْ طائفةٌ منهم بها كافرين، يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا، فأما من آمن بي وحمدني على سقياي فذلك الذي آمن بي وكفر بالكوكب ".
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لو أن الله سبحانه وتعالى حبس المطر عن الناس سبع سنين ثم أرسله، أصبحت طائفة به كافرين، يقولون مطرنا بنوء المِجْدَح ".
907 -
قال: هذا كما قال الصادق الأمين عليه أفضل الصلاة والتسليم، وذلك أن العرب يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، أي أنّ المطر كان من أجل أن الكوكب ناء، وبذلك جاءت أشعارهم وكلامهم في الأنواء. وعنه جاء النهي في الحديث. وأما إذا كان قولهم مطرنا بنوء كذا، أي مطرنا في نوئه على شبيه ما يقولون: مطرنا في غُرَّةِ اليوم، ومطرنا في الليالي الأربعينية، لم يكن في ذلك شيء يكره، لأن المعنى حينئذ يكون لتحديد الوقت، كأنه قال: مطرنا حين غابت الثريا وحين طلع السِّماك، أي في ذلك الحين والزمان.
وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وهو يستسقي للناس (1) : " يا عمَّ رسول الله كم بقي من نوء الثريا؟ فقال: العلماء يزعمون أنها تعرض في الأفق سبعاً.
(1) انظر التاج (ناء) .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما لامرأة: خطّأ الله نوءها، يريد خطّأها للغيث؛ وابن عباس في قوله عز وجل:(وتجعلون رزقكم انكم تكذبون) ، إن تأويله الأنواء، وكان علي نضَّر الله وجهه يقرأ (وتجعلون شكركم) . والحظر والإباحة راجعٌ إلى ما بيّناه من المذهبين في قول من يقول إنّ المطر بطلوع الكوكب أو كان عند طلوعه.
908 -
وأما معنى قولهم ناء الكوكب: العرب تقول: ناء الكوكب ينوء نوءاً وتنواءً. ونوؤه عندهم أوّل سقوطٍ يدركه في الأفق بالغداة، قبل امّحاق الكوكب بضوء الصبح؛ واشتقاق هذا اللفظ في اللّغة من السقوط وقيل النوء: النهوض والاستقلال، وإنما سمّي سقوط الكوكب نوءاً لطلوع الرقيب لا لسقوط الساقط. وقيل لو كان كذلك لم يكن على العرب مؤونة في أن يجعلوا النائي هو الطالع، وأن يتركوا الساقط، فيقولوا: مطرنا بنوء البلدة، وإذا كان المطر مع سقوط الذراع، لأنه حينئذ يكون مع طلوع البلدة، وهم لا يقولون هذا ولا يعتدّون بنوء البلدة، وكذلك نوء الثريا، كأنهم يضيفونه إلى رقيته للآفل. ولبس بمدفوع أن النوء في كلام العرب النهوض، ولكنه نهوض الذي كأنه يميله شيء ويجذبه إلى أسفل، ومنه قوله تعالى:(ما إنّ مَفَاتِحَهُ لتنوءُ بالعُصْبَةِ أولي القوَّةِ) وزعم الفراء أنّ النوءَ السقوط والميلان، وأن أبا ثروان أنشده في صفة رام ٍنزع في قوس:
حتى إذا ما التأمتْ مفاصِلُهْ
…
وناءَ في شقِّ الشمالِ كاهِلُهْ يريد أنه لما نزع مال عليها، وقوله:" التأمت مفاصله " أي لزم بعضها بعضاً لشدّة النزع، فالنوء على هذا التفسير من الأضداد، يكون بمعنى النهوض والسقوط.
قال أبو حنيفة: ولو لم يكن النوءُ إلا للنهوض لكان لقولهم ناء النجم - وهم يريدون سقط - مذهب على طريق التفاؤل، كأنهم كانوا كرهوا أن يقولوا سقط، فقالوا ناء بالضدّ. كما قالوا سليم للديغ، ومفازة للفلاة المتلفة. فأما من ذهب إلى أنَّ الكوكب ينوء ثم يسقط، فإذا سقط فقد انقضى نوؤه ودخل نوء الكوكب الذي بعده، فإنَّ تأويل النوء في قول هؤلاء هو التأويل المشهور: إن الكوكب إذا سقط النجم الذي بين يديه أظلَّ هو على السقوط فكان أشبه شيء حالاً بحال الناهض، ولا نهوض به، حتى يسقط، لأن الفلك يجتره إلى الغؤور، فكأنه متحاملٌ تعبٌ قد غلبه.
909 -
وأما الأنواء:
1 -
الشرطان: نوؤه ثلاث ليال، وهو عندهم نوء محمود مذكور في نظمهم ونثرهم.
2 -
البطين: ونوؤه ثلاث ليالٍ، وهو غير محمود ولا مذكور، قال ابن الأعرابي: يقال أنه ما ناء البطين والدبران أو أحدهما فكان له مطر إلا كان ذلك العام جدباً.
3 -
الثريا: نوؤها خمس ليالٍ وقيل سبع وهو من الأنواء المحمودة.
4 -
الدبران: نوؤه ثلاث ليالٍ وقيل ليلة، وهو غير محمود ولم يسمع لنوئه في
شعر العرب ذكر.
5 -
الهقعة: نوؤها ستُّ ليالٍ ولا يذكرون نوأها إلاّ بسوء.
6 -
ثم الجوزاء: وهي مذكورة النوء مشهورة والهقعة رأسها.
7 -
والهنعة: ونوؤها ثلاث ليال، وهو من نوء الجوزاء لا يكاد يفرد.
8 -
الذراع المقبوضة: ونوؤها عشر ليالٍ، وقيل ثلاث ونوؤها أول الأسد. وما بين الهقعة والغفر من الأنواء اسدية كلّها، وهي ثمانية أنجم، أولها الذراع وآخرها السماك، وليسله في السماء نظير في كثرة الأنواء، ونوء الذراع محمود عندهم موصوف، وربما نسب إلى الذراع، وربما نسب إلى المرزم، وهو أحد كوكبيها، وربما نسب إلى الشعرى الغميصاء وهو كوكبها الآخر وهو أنور كوكبيها.
9 -
والنثرة: ونوؤها سبع ليال وهو من الأنواء المذكورة.
10 -
والطرف: ونوؤه ست ليال، ولم يُسْمع بذكره مفرداً في كلامهم في النوء لغلبة الجبهة عليها.
11 -
الجهبة: ونوؤها سبع ليال وهو من الأنواء المذكورة المشهورة.
12 -
الزبرة: ونوؤها أربع ليال وقل ما تفرد أيضاً عندهم بالذكر لغلبة الجبهة عليها.
13 -
الصرفة: ونوؤها ثلاث ليال، ولا يكاد يسمع له في أشعارهم ذكر، وهو داخل في أنواء الأسد.
14 -
العواء: ونوؤها ليلة وليس من الأنواء المسعودة المتواصفة.
15 -
والسّماك الأعزل: ونوؤه أربع ليال، وهو مذكور مشهور، وكثيراً ما يذكر معه السماك الرامح، وليس ينوء معه، ولكنهما متقاربان في الطلوع. 16 - والغفر: ونوؤه ثلاث ليال وقيل ليلة.
17 -
والزبانى: ونوؤها ثلاث ليال، وهي نجوم العقرب، وللعقرب أربعة أنجم: الزبانى أوّلها والشولة آخرها.
18 -
والاكليل: ونوؤه أربع ليال.
19 -
وقلب العقرب: ونوؤه ليلة، وهو غير محمود.
20 -
والشولة: ونوؤها ثلاث ليال وقيل ليلة.
21 -
وسعد الذابح: ونوؤه ليلة وقلّ ما يذكر.
22 -
وسعد السعود: ونوؤه ليلة وليس بالمذكور.
23 -
وسعد الأخبية: ونوؤه ليلة.
24 -
الفرغ الأول: ونوؤه ثلاث ليال.
25 -
والفرغ الثاني: ونوؤه أربع ليال، وهما من الأنواء المذكورة، يذكران بأسمائهما في جملة نوء الدلو.
26 -
والحوت: ونوؤه ليلة وليس بالمذكور، يغلب عليه ما قبله وما بعده فلا يذكر.
وللعرب في جميع ما ذكرناه من هذه الأنواء نظمٌ ونثر معروف.