الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطرب والمنتحل) ؛ والكتب التي تلتقي مع كتابه في موضوعات الليل والنهار والسحاب والمطر وما شاكل ذلك، وأهم كتاب قدم له مادة في هذا المجال هو كتاب المعاني للعسكري، وعلى نحو أقل بكثير محاضرات الأدباء للراغب الأصبهاني، فإذا ارتبط الشعر بوصف الحمام والطيور وما تثيره من شوق، ووصف البرق وما يثيره من حنين، فمرجعه الكبير الزهرة لابن داود. ولما كان كتابه يمثل لقاء واسع الجنبات بين المشرق والمغرب، فإن اهتمامه بالمغرب وخاصة أفريقية (تونس) يتجلى باعتماده كتاب الأنموذج لابن رشيق، وهو يعرف كتاب قطب السرور للرقيق معرفة وثيقة، وإن لم يذكره، ولعله احتفظ به ليجعله أحد مصادره الهامة في الجزء الخاص بالشراب من موسوعته، كما يعرف كذلك كتاب " زهر الآداب " للحصري؛ فأما معرفته بالأندلس فقد كفاه أمرها صديقه ابن سعيد في ما خطه من مؤلفات؛ ولست أزعم أنني استطعت رد مادة هذين الجزءين إلى جميع مصادرها، فإن هناك مادة كثيرة لم أستطع أن أعرف من أين قام المؤلف بنقلها.
5 - قيمة الكتاب:
لست أغالي في ما لسرور النفس من قيمة، فهو صورة لاجتماع ثقافتين: الثقافة العربية الإسلامية والثقافة المستمدة من اليونان، وهو كذلك صورة للقاء على المستوى الأدبي بين المشرق العربي والمغرب العربي؛ كان أمثال التيفاشي وابن سعيد وابن دحية الكلبي وغيرهم من المغاربة المهاجرين يمثلون حلقة وصل بين المشرق والمغرب، فيؤلفون للمشارقة وللمغاربة على السواء، ويعلمون أن المزج بين الجانبين هو الذي يبقي على الوحدة الثقافية قائمة في العالم الإسلامي، ولقد أثروا كثيراً في البيئة المشرقية، وخاصة المصرية حين وجهوا أمثال ابن ظافر وغيره إلى اعتماد ذلك المنهج، واستمر أثرهم من بعد في ابن فضل الله العمري والصفدي والكتبي وغيرهم من مؤلفي القرن التالي.
والكتاب جزء من موسوعة ضخمة: نجد أمثلتها من بعد في نهاية الأرب ومسالك الأبصار، ومناهج الفكر وغير ذلك، ولذا فإن قيمته جزء من القيمة الكبرى لتلك الموسوعة المبكرة التي حاولت أن تضم جميع ضروب المعارف، بل تفوقت على كل ما جاء بعدها في أنها لم تتنكر للثقافة اليونانية.
وتتحدد طبيعة الكتاب بالزمن الذي ألف فيه فالمعارف العلمية التي يحاول
إبرازها كانت في عصر المؤلف علامة على الطريقة العقلية التي تحاول تفسير الظواهر وتعليلها، فإذا الزمن يحيلها إلى أشياء تشبه الأساطير إلا فيما ندر. والشعر الذي احتفل به مؤلف الكتاب، يتصل بموضوعات قلت العناية بها. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن تلك القصائد والمقطعات التي قيلت في تعداد النجوم والمنازل، وفي تصوير تلك النجوم، كانت حينئذ علامة على تعمق الشاعر في النظر إلى الزواهر الكونية، وعلى جهده الفني في ابتكار صور جديدة، ولكن من ذا الذي يعبأ اليوم بكل تلك الصور أو يحاول أن يستكشف ما فيها من براعة: إن أحداً لا يكاد يذكر ذلك التفوق الذي أحرزه ابن طباطبا أو الشريف الموسوي على غيرهما من شعراء عصريهما، ومع ذلك فقد كانا هما وابن مسلمة الأموي وكثيرون آخرون مؤشراً على منتحى أدبي كامل، أهدرت فيه جهود كبيرة.
إن الشاعر يستغرقه عصره وتستغرقه التيارات السائدة فيه فلا يكاد يحس أنه خان رسالته الشعرية الصحيحة أو انحرف بوهم " الحداثة " عنها، وإذا به بعد انقضاء تلك التيارات يصبح جزءاً من تاريخ لا يحب أن يبعثه أحد، إلا شاهداً على ذلك الاستغراق.
فميزة " سرور النفس " أنه يحيي في أنفسنا موضوعاً عنه كثيراً، ويقدم لنا الشواهد عليه من مختلف العصور، وبخاصة عصر المؤلف نفسه، ويمثل حلقة هامة في سلسلة الكتب الأدبية، التي تقع موقعاً وسطاً بين المعرفة العلمية والتسلية بالمعرفة، ويكشف عن منجم كبير من الصور التي حاول الشعراء بها تقريب ظواهر الطبيعة إلى النفوس.
وقد كنت أحسب أن الكتاب استقصائي، لدى مقارنته بأشباهه في هذا المجال، ولكن تبين لي وأنا أراجع المصادر المختلفة بحثاً عن توثيق ما في الكتاب من مادة، أن " منجم الصور " المتصل بظواهر الطبيعة في شعرنا العربي يكاد لا يحصر، وقد أغراني ذلك بادئ الأمر باستدراك ما فات المؤلف، ثم عدلت عن المضي في هذا الطريق الطويل الذي لا يجد اليوم قبولاً كثيراً لدى القراء، وأكتفي بإحالة القراء إلى ما تناثر من شعر سيف الدين المشد - وهو معاصر للتيفاشي - وما حوى من صور كان يمكن للمؤلف أن يستشهد بها، وأن أذكر شاعراً لم يشر إليه المؤلف أبداً وأكثر شعره في وصف الهلال والنجوم والشمس، وذلك هو علي بن محمد بن أحمد بن حبيب (1) .
(1) انظر ترجمته في البدر السافرن الورقة: 22 وهنالك تجد نماذج من شعره.
من كان يحمد ليلاً في تقاصره
…
فان ليليَ لا يُدْرى له سَحَرُ
لا تسألوني، إلاّ عن أوائِلهِ
…
فآخر الليلِ ما عندي له خبر 91 - العسكري (1) :
بانوا فلم أَدْرِ ما أُلاقي
…
مَسٌّ من الوجد أم جنونُ
ليليَ لا يبتغي بَرَاحاً
…
كأنه أدهَمٌ حَرون
أُجيلُ في صفحتيه عيناً
…
ما يتلاقى لها جفون 92 - الاسفرايني (2) :
ألا هاتها ورديةً عنبيةً
…
فقد شَوَّشَتْ ريحُ الصبا طُرَّةَ الوردِ
ولحت هلالُ الفطر نِضواً كأنه
…
بدوُّ غِرارِ السيفِ من أسفلِ الغمد 93 - العسكري (3) :
قصر العيشُ بأكناف الغضا
…
وكذا العيشُ إذا طاب قصير
في ليالٍ كأباهيم القطا
…
لست تدري كيف تأتي فتطير 94 - ابن المعتز (4) :
يا ليلةً كاد من تقاصرها
…
يعثُر فيها العشاءُ بالسَّحَرِ 95 - إبراهيم بن العباس الصولي (5) :
وليلةٍ من الليالي الزُّهْرِ
…
قابلتُ فيها بدرها ببدري
لم يكُ غير شفقٍ وفجر
…
حتى تقضَّتْ وهي بكر الدهر
(1) ديوان المعاني 1: 349 ومنها بيتان في حلبة الكميت: 304 ورسالة الطيف، الورقة: 153/ أ (111) ومجموع شعر العسكري: 154.
(2)
أرى أن هذبن البيتين لم يقعا في موضعهما الصحيح.
(3)
ديوان المعاني 1: 351 ومجموع شعره: 113.
(4)
الذخيرة 1/ 2: 772 (دون نسبة) ولم أجده في ديوانه.
(5)
ديوان المعاني 1: 351 والذخيرة 1/ 2: 772 وزهر الآداب: 299 ومن غاب عنه المطرب: 50 وديوان الصولي: 154.
96 -
شاعر (1) :
ياربَّ ليلِ سرورٍ خلتُهُ قِصَراً
…
كعارضِ البرق في جنح الدجى برقا
قد كاد يعثُر أولاهُ بآخرِهِ
…
وكاد يسبقُ منه فجره الشفقا
كأنما طَرَفاه طَرْفٌ اتفق ال
…
جفنان منه على الإطراقِ وافترقا 97 - جعفر المصحفي (2) :
سألتُ نجومَ الليل هل ينقضي الدجى
…
فخطَّتْ جواباً بالثريّا كخطّ لا
وكنت أرى بآخر ليلتي
…
فأطرق حتى خلته عاد أوّلا 98 - كشاجم (3) :
وليلةٍ فيها قِصَرْ
…
عشاؤها مع السَّحَرْ
صافيةٍ من الكدرْ
…
في مثلها التذَّ السهر
تمحو إساءات القدَرْ
…
وتترك الدهرَ أَغرّ 99 - علي بن أحمد الجوهري (4) :
يا ليل أفدي اختك البارحه
…
ما كان أذكى ريحها الفائحة
كانت لنا خاتمةً لو درت
…
وجدي بها كانت هي الفاتحة 100 - أبو بكر الخوارزمي (5) :
وكم ليلة لا أُعْلِمُ الدهر طولها
…
مخافة أن يقتصَّ مني لها الدهر
سهاد ولكن دونه كل رقدة
…
وليل ولكن دون اشراقه الفجر
وسكري هوى لو كان يحكيه لذةً
…
من الخمر سكرٌ لم يكن حرم الخمر 101 - ابن طباطبا وهو أبلغ ما قيل:
(1) نسبها للحاتمي في زهر الآداب: 300.
(2)
هو الحاجب أيام الحكم المستنصر ومنافس المنصور بن أبي عامر، توفي 372؛ انظر ترجمته في الحلة السيراء 1: 257 والمطمح: 4 والجذوة: 175؛ وشعره في تشبيهات الكناني: 20 والحلة السيراء 1: 259 والنفح 1: 604.
(3)
ديوان كشاجم: 257 (تحقيق خيرية محمد محفوظ، بغداد 1970) .
(4)
اليتيمة 4: 30.
(5)
اليتيمة 4: 211.