الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الأولى
إِنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا ومن سيِّئات أعمالِنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إِله إِلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله.
"يا أيُّها الذينَ آمنوا اتَّقوا الله حقَّ تُقاتِه ولا تَموتُنَّ إلا وأنتُم مُسلمونَ "(1) .
"يا أيها الناس اتَّقوا ربكم الذي خَلَقَكُم من نفسٍ واحدةٍ وخلقَ منها زوجَها وبَثَّ منهُما رِجالاً كثيراً ونساءً واتَّقوا الله الذي تساءَلونَ به (2) والأرْحامَ
إِنَّ الله كانَ عليكم رَقيباً" (3) .
(1) آل عمران: 102.
(2)
فيه جواز السؤال بالله تعالى، وأما حديث:"لا يسأل بوجه الله إلا الجنة".
فضعيف. وعلى فرض صحته؟ فهو محمول على سؤال الأمور الحقيرة. كما بينت ذلك في مجلة " المسلمون ".
(3)
النساء:1.
"يا أيها الذينَ آمنوا اتَقوا الله وقولوا قولاً سَديداً. يُصْلحْ لكُم أعْمالَكم ويَغْفِرْ لكم ذُنوبكم ومَن يُطِع الله ورَسولَه فقد فازَ فوزاً عَظيماً"(1) .
"أما بعدُ؛ فإن أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وأحسنَ الهديِ هديُ محمدٍ – صلى الله عليه وسلم، وشر الأمورِ محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعة ضلالةٌ، [وكل ضلالةٍ في النار] "(2) .
ثم إنني كنت بدأت منذ بضع سنين بنشر سلسلة مقالات متتابعة تحت عنوان: "الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأثرها السيئ في الأمة" في مجلة "التمدن الِإسلامي " الغراء، ولا زلت مستمراً في نشرها؛ لأن هذه الأحاديث من الكثرة - مع الأسف الشديد- بحيث تعد المئات، بل الألوف! كيف وقد وضع رجل واحد من الزنادقة نحو أربعة آلاف حديث!
ووضع ثلاثة من المعروفين بالوضع أكثر من عشرة آلاف حديث! فماذا يقول القارئ الكريم في الأحاديث الأخرى التي وضعها أناس آخرون لغايات
(1) الأحزاب: 70- 71.
وهذه الخطبة هي خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعلم أصحابه أن يقولوها بين يدي كلامهم في أمور دينهم، سواء كان خطبة نكاح، أو جمعة، أو محاضرة، أو غير ذلك، ولي فيها رسالة مطبوعة، نشرتها مجلة " التمدن الإسلامي " الغراء، وهي مهجورة- مع الأسف- من العلماء قاطبة فيما علمت، فلعلهم يعودون إليها ويحيونها.
(2)
هو من حديث لجابر رضي الله عنه قال فيه:
إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول ذلك إذا خطب.
كما رواه مسلم، والنسائي، وغيرهما، والزيادة للنسائي.
وذلك يشمل الخطب كلها، وبصورة خاصة خطبة الجمعة، فقد جاء التنصيص عليها عند مسلم في رواية له، فعلى الخطباء أن يحيوا هذه السنة أيضاً.
مختلفة، وأغراض متباينة؛ منها السياسية، ومنها العصبية الجنسية، والمذهبية، ومنها التقرب إلى الله تعالى بزعمهم! ومنها أحاديث وضعت خطأ دون قصد من بعض المغفَّلين من الصوفية، وضعفاء الحفظ من الفقهاء وغيرهم، ممَّن لا عناية لهم بالحديث وضبطه! وهي منتشرة بكثرة في كتب الفقه، والتفسير، والوعظ، والترغيب، والترهيب، وغيرها.
ولكن الله تبارك وتعالى سخر لهذه الأحاديث طائفة من الأئمة، بيَّنوا ضعفها، وكشفوا عُوارَها، وأوضَحوا وضعها، ولذلك لما قيل للِإمام عبد الله ابن المبارك:
"هذه الأحاديث المصنوعة؟ ".
أجاب بقوله:
"يعيش لها الجهابذة".
وقال ابن الجوزي:
"لما لم يمكن أحداً أن يدخل في القرآن ما ليس منه، أخذ أقوامٌ يزيدون في حديث رسولِ اللهِ، ويضعون عليه ما لم يقل، فأنشأ الله علماء يذبُّونَ عن النقل، ويوضَحونَ الصحيح، ويفضحون القبيح، وما يخلي الله منهم عصراً من الأعصار، غير أن هذا الضرب قد قل في هذا الزمان، فصار أعزمن عنقاء مغرب.
وقد كانوا إِذا عُدُّوا قَليلاً *** ففد صاروا أعَزَّ مِن القَليل "
قلتُ: فإذا كان الأمر كذلك في عهد ابن الجوزي، فكم يكون عدد
العلماء الذَّابينَ عن الحديث في هذا العصر؟! لا شك أنهم أقل من القليل.
وهذا مما يؤكد علينا وجوب الاستمرار في نشر الأحاديث الضعيفة والموضوعة؟ تحذيراً للناس منها، وقياماً بواجب بيان العلم، ونجاةً من إثم كتمانه.
ولست أشك أن أهل العلم- ممَّن لم يُعْمِ بصائرَهُم الهوى- يُقدِّرون ذلك حق قدره؛ لما فيه من التعاون على تنقية حديثه صلى الله عليه وسلم مما ليس منه، كيف [و] (*) لا والِإمام عبد الرحمن بن مهدي يقول:
"لأن أعرف علة حديث هو عندي أحب إلي من أن أكتب حديثاً ليس عندي "(1) ؟!
هذا، ومما ينبغي أن يُذكر بهذه المناسبة أنني لا أقلد أحداً فيما أصدِرُه من الأحكام على تلك الأحاديث، وإنما أتَّبِع القواعد العلمية التي وضعها أهل الحديث، وجرَوا عليها في إصدار أحكامهم على الأحاديث من صحة أو ضعف، وذلك في عهد ازدهار الحياة الِإسلامية والعلم الِإسلامي، وإني أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفِّقتُ لإتباعها، وتعريف المسلمين عملياً بها، أو ببعضها؛ راجياً أن يقوم في ناشئة المسلمين من يجدد العمل بهذه القواعد التي هي من أدق ما عرف الفكر العلمي المنهجيُّ في مختلف العصور الِإنسانية، بشهادة جماعة من المستشرقين، وغيرهم من المخالفين، وقديماً قيل: "والفضل ما شهدت به
(1) رواه ابن أبي حاتم في "العلل"(1/10) .
[تعليق مُعِدّ الكتاب للشاملة]
(*) هكذا وردت العبارة في المطبوع؛ ولعلها: " كيف لا والإمام عبد الرحمن بن مهدي
…
"
أسامة بن الزهراء - فريق عمل الموسوعة الشاملة
الأعداء ".
وقد تبيَن لكثير من العلماء والفضلاء في مختلف البلاد والأصقاعِ أهمية تلك المقالات، وفائدتها الكبرى للناس، حيث نبَّهتهم على ضعف ووضع كثير من الأحاديث التي كانوا يرونها أحاديث صحيحة؛ لانتشارها في بطون الكتب، وتداولها على ألسنة الناس، على اختلاف طبقاتهم واختصاصاتهم، وساعد على سعة انتشارها في هذا العصر ما يسَّرَ الله تبارك وتعالى فيه من الوسائل الحديثة؛ كالِإذاعات، والجرائد، والمجلات، وغيرها؛ مما تصدرها المطابع، الأمر الذي يوجب على العلماء الغيورين على السنة المحمدية أن يبذلوا جهدهم في التحقق من الأحاديث لدى كتابتهم، وإذاعتهم، وحديثهم.
لهذا؛ رأيت أولئك الفضلاء يشجعونني على الاستمرار في النشر، ولا أدلَّ على ذلك من إقبال الكثيرين منهم، ومن غيرهم من الطلاب، على الاشتراك في "مجلة التمدن الِإسلامي " للاطِّلاع على الأحاديث الضعيفة فيها- وقد كتب بذلك بعضهم إليَّ-؛ ليكونوا على بيِّنة من أمرها، فلا يقعوا مرة أخرى في الكذب على رسول الله – صلى الله عليه وسلم، أو على الأقل في عزو ما لم يصح نسبته إليه – صلى الله عليه وسلم من الحديث.
ولذلك، فقد حثَّني كثير من أولئك الفضلاء على نشر تلك الأحاديث في كتاب مفرد عن المجلة؟ ليقف عليها من لا اطِّلاع له على المجلة، فيعمَّ النفع بها، وليسهل الرجوع عند الحاجة إليها.
ولطالما كنتُ عازماً على الاستجابة لرغبتهم لولا بعض الموانع، فلما
زالت، وتيسر لي ذلك، بادرت إلى تحقيقها؟ شاكراً لهم حسن ظنهم ولما كان قد صدر من تلك الأحاديث أكثر من أربع مئة حديث، فقد رأيت أن أطبعها في أجزاء متسلسلة، يحوي كل جزء منها مئة حديث، أو أكثر إن اقتضى الأمر، وكلما تم نشر مئة أخرى منها في المجلة، طبعتها في جزء آخر، وجعلت كل خمسة أجزاء منها في مجلد واحد.
وكذلك أضفت إلى كلامنا على بعض الأحاديث المنشورة في المجلة حتى الآن أموراً أخرى، مثل تعديل أسلوب الكلام عليها، وزيادة تحقيق فيها، ونحو ذلك من الفوائد.
وقد أغيِّر حكمي السابق على الحديث بحكم آخر بدا لي فيما بعد أنه أعدل وأرجح، كأن أقول:"ضعيف جداً" بدل: "ضعيف "، أو العكس، و:"ضعيف " بدل: "موضوع "، أو العكس، ونحو ذلك.
وهذا، وإن كان نادراً؛ فقد رأيتُ أن أنبِّهَ إليه لأمرين:
الأول: كي لا يُظَنَّ أنَّ ذلك التغيير خطأ مطبعي.
والآخر: أن يعلمَ من شاءَ الله أن يعلم أن العلم لا يقبل الجمود، فهو في تقدم مستمر من خطأ إلى صواب، ومن صحيح إلى أصح، وهكذا
…
وليعلموا أننا لا نصرّ على الخطأ إذا تبيَّن لنا.
هذا، ومع انتشار مقالات الأحاديث الضعيفة في مختلف البلاد الِإسلامية، فإنه لم يرد إلينا أي انتقاد عليها، ولا أدري إذا كان ذلك لما
وُفِّقْنا إليه من الصواب بإذن الله تعالى- وهذا ما أرجوه- أو لقلة من له معرفة بهذا العلم الشريف، ونفد الأسانيد التي تمكَنه من الجَوَلانِ في هذه
البحوث، أو لغير ذلك من الأمور (1) .
(1) اللهم إلا انتقاد الشيخ عبد الله الحبشي الهرري نزيل دمشق، الذي نشره في رسالة أسماها "التعقب الحثيث على من طعن فيما صح من الحديث "، أو- كما قال-:"تحقيق البيان في إثبات سبحة أهل الإيمان "!
وكنت أود أن يشاركنا الشيخ في نقده إيانا في تطبيق تلك القواعد العلمية التي سبقت الإشارة إليها، وفي تجديد العمل بها.
ولكنه وإن حاول ذلك، فإنه لم يستطع الاستمرار عليه، بل عدل إلى تقليد بعض العلماء ممَّن وافق قولهم رأيه، وإلى اتهامنا بمخالفتهم، وبسح الفهم لكلامهم! وبالتهور والتحكم النفساني! وسود صفحات كثيرة بأمور لا علاقة لها بمحل النزاع، ولا هي موضع خلاف.
وأورد فيها- على صغر حجمها- كثيراً من الأحاديث الضعيفة والآثار الواهية، وحسبك مثالًا على ذلك حديث أورده في الصفحة الأولى بلفظ:"إن محرم الحلال؛ كمستحل الحرام ".
ولا يصح رفعه؟ إنما هو موقوف! وقد بينت ذلك، وخرجته تخريجاً علميّاً فيما سيأتي برقم (6215) من المجلد الثالث عشر.
انتقد الشيخ عليَّ حكمي على حديث: "نعم المذكر السبحة" بالوضع (انظر رقم 83) ، وحكمي على الحديثين المذكورين فيه من حديث صفية وسعد بالضعف، فذهب إلى أن الأول ضعيف لا موضوع، وإلى أن الآخرين صحيحان لا ضعيفان!
فرددتُ عليه في مجلة "التمدن" بينت فيها خطأه في ذلك بأسلوب علمي نزيه؛ خلافاً لما جرى هو عليه في رسالته، ثم نشرنا في ذلك رسالة مفردة بعنوان "الرد على التعقب الحثيث "، فمن شاء الاطلاع على الحقيقة؛ فليرجع إليها.
وفي أثناء نشرنا الرد في المجلة، ولما يكد ينته، طلع علينا فضيلة الشيخ الحبشي برد آخر سماه " نصرة التعقب الحثيث "، شحنه بالمغالطات والسب، والافتراء، والخروج عن الرد بالتي هي أحسن، حتى لقد أنذرني بسوء الخاتمة إن أنا استمررت على نهجي العلمي المخالف لفهمه وعلمه!
فلما رأيت ذلك؛ صرفت النظر عن الرد عليه مرة أخرى، حرصاً مني على الوقت؛ كما بينته في خاتمة ردي المشار إليه، ولعلنا نذكر بعض شبهاته عند الكلام على الحديث المشار إليه آنفاً.
ولا بد لي أخيراً من أن أشكر من كان سبباً لطبع لهذه المقالات مرة أخرى في هذا الكتاب، وأن أشكر بصورة خاصة القائمين على "مجلة التمدن الِإسلامي "- وفي مقدمتهم الأستاذ أحمد مظهر العظمة- فقد كان لهم الفضل الأول في نشرها في مجلتهم، حتى عرف الناس قدرها، فرغبوا في نشرها في كتاب مفرد، وقد لقي أصحابُ المجلة في سبيل ذلك كثيراً من المعارضات والانتقادات من بعض الشيوخ الجامدين، وغيرهم من الطرقيين الذين تأبى نفوسُهم أن يقف الناس على الحقائق التي تكشف عن جهلهم بالشريعة والسنة المحمدية، ولكنهم- أعني أصحاب المجلة- لم
يبالوا بذلك، وصبروا على نشر ما يرونه حقاً، واستمروا عليه، أثابهم الله تعالى، وجزاهم عن الِإسلام خيراً (1) .
أسأله سبحانه أن يجعل عملي كله صالحاً، ولوجهه خالصاً، ولا يجعل لأحد فيه شيئاً، إنه سميع مجيب.
دمشق 3/25/1379
محمد ناصر الدين الألباني
(1) وقد أضافوا إلى ما ذكرناه منقبة أخرى، فإنهم بدؤوا منذ العدد الأول من سنة (1379 هـ) بنشر مقالاتنا في "الأحاديث الصحيحة"، فألفت نظر القراء إليها.