الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إنه من بلاياه، وقد تقدم الحديث بنحوه مع الكلام على طرقه وأكثر ألفاظه برقم (58 - 62) فراجعه إن شئت فإن تحته فوائد جمة.
439
- " يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة فى أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان ".
موضوع.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "(3 / 112 / 1) والدارقطني في " سننه "(ص 148) ومن طريقه البيهقي (3 / 137 ـ 138) من طريق إسماعيل بن عياش عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه، وعطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعا.
قلت: وهذا موضوع، سببه عبد الوهاب بن مجاهد، كذبه سفيان الثوري، وقال الحاكم:" روى أحاديث موضوعة ".
وقال ابن الجوزي: " أجمعوا على ترك حديثه ".
وإسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين، وهذه منها، فإن ابن مجاهد حجازي.
وقد قل البيهقي عقب الحديث:
" وهذا حديث ضعيف إسماعيل بن عياش لا يحتج به، وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف بمرة، والصحيح أن ذلك من قول ابن عباس ".
قلت: أخرجه البيهقي من طريق عمرو بن دينار عن عطاء به موقوفا، وسنده
صحيح.
وابن مجاهد، لم يسم في رواية الطبراني، ولذلك لم يعرفه الهيثمي (2 / 157) .
ومما يدل على وضع هذا الحديث، وخطأ نسبته إليه صلى الله عليه وسلم، ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته في أحكام السفر (2 / 6 - 7 من مجموعة الرسائل والمسائل) :
هذا الحديث إنما هو من قول ابن عباس، ورواية ابن خزيمة وغيره له مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم باطلة بلا شك عند أئمة الحديث، وكيف يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة بالتحديد، وإنما قام بعد الهجرة زمنا يسيرا وهو بالمدينة، لا يحد لأهلها حدا كما حده لأهل مكة، وما بال التحديد يكون لأهل مكة دون غيرهم من المسلمين؟!
وأيضا، فالتحديد بالأميال والفراسخ يحتاج إلى معرفة مقدار مساحة الأرض، وهذا أمر لا يعلمه إلا خاصة الناس، ومن ذكره، فإنما يخبر به عن غيره تقليدا، وليس هو مما يقطع به، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقدر الأرض بمساحة أصلا، فكيف يقدر الشارع لأمته حدا لم يجر به له ذكر في كلامه، وهو مبعوث إلى جميع الناس؟!
فلابد أن يكون مقدار السفر معلوما علما عاما.
ومن ذلك أيضا أنه ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة، ومزدلفة، وفي أيام منى، وكذلك أبو بكر وعمر بعده، وكان يصلي خلفهم أهل مكة، ولم يأمروهم بإتمام الصلاة، فدل هذا على أن ذلك سفر، وبين مكة وعرفة بريد، وهو نصف يوم بسير الإبل والأقدام.
والحق أن السفر ليس له حد في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف، فما كان سفرا في عرف الناس، فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم، وتحقيق هذا البحث الهام تجده في رسالة ابن تيمية المشار إليها آنفا، فراجعها فإن فيها فوائد هامة لا تجدها عند غيره.