المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثاني عشر: المدلس - شرح اختصار علوم الحديث - اللاحم

[إبراهيم اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ترتيب ابن الصلاح لأنواع الحديث

- ‌تقسيم الحديث إلى أنواعه صحة وضعفا

- ‌النوع الأول: الصحيح

- ‌النوع الثاني: الحديث الحسن

- ‌النوع الثالث:الحديث الضعيف

- ‌ النوع الرابع: "المسند

- ‌النوع الخامس: المتصل

- ‌النوع السادس: المرفوع

- ‌النوع السابع: الموقوف

- ‌النوع الثامن: المقطوع

- ‌النوع التاسع: المرسل

- ‌النوع العاشر: المنقطع

- ‌النوع الحادي عشر: المعضل

- ‌النوع الثاني عشر: المدلس

- ‌النوع الثالث عشر: الشاذ

- ‌النوع الرابع عشر: المنكر

- ‌النوع الخامس عشر: في الاعتبارات والمتابعات والشواهد

- ‌النوع السادس عشر: في الأفراد

- ‌النوع السابع عشر: في زياد الثقة

- ‌النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث

- ‌النوع التاسع عشر: المضطرب

- ‌النوع العشرون: معرفة المدرج

- ‌النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع المختلق المصنوع

- ‌النوع الثاني والعشرون: المقلوب

- ‌النوع الثالث والعشرون: معرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل وبيان الجرح والتعديل

- ‌النوع الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه

- ‌النوع الخامس والعشرون: كتابة الحديث وضبطه وتقيده

- ‌النوع السادس والعشرون: صفة رواية الحديث

- ‌النوع السابع والعشرون: آداب المحدث

- ‌النوع الثامن والعشرون: آداب طالب الحديث

- ‌النوع التاسع والعشرون: معرفة الإسناد العالي والنازل

- ‌النوع الثلاثون: معرفة المشهور

- ‌النوع الحادي والثلاثون: معرفة الغريب والعزيز

- ‌النوع الثاني والثلاثون: معرفة غريب ألفاظ الحديث

- ‌النوع الثالث والثلاثون: معرفة المسلسل

- ‌النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌النوع الخامس والثلاثون: معرفة ضبط ألفاظ الحديث متنا وإسنادا

- ‌النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث

- ‌النوع السابع والثلاثون: معرفة المزيد في متصل الأسانيد

- ‌النوع الثامن والثلاثون: معرفة الخفي في المراسيل

- ‌النوع التاسع والثلاثون: معرفة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

- ‌النوع المُوفّي أربعين: معرفة التابعين

- ‌النوع الحادي والأربعون: معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌النوع الثاني والأربعون: معرفة المُدَبَّج

- ‌النوع الثالث والأربعون: معرفة الإخوة والأخوات من الرواة

- ‌النوع الرابع والأربعون: معرفة رواية الآباء عن الأبناء

- ‌النوع الخامس والأربعون: رواية الأبناء عن الآباء

- ‌النوع السادس والأربعون: معرفة رواية السابق واللاحق

- ‌النوع السابع والأربعون: معرفة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد

- ‌النوع الثامن والأربعون: معرفة من له أسماء متعددة

- ‌النوع التاسع والأربعون: معرفة الأسماء المفردة والكُنَى

- ‌النوع الخمسون: معرفة الأسماء والكُنَى

- ‌النوع الحادي والخمسون: معرفة من اشتهر بالاسم دون الكنية

- ‌النوع الثاني والخمسون: معرفة الألقاب

- ‌النوع الثالث والخمسون: معرفة المؤتلف والمختلف في الأسماء والأنساب

- ‌النوع الرابع والخمسون: معرفة المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب

- ‌النوع الخامس والخمسون: الأسماء المتشابهة في الرسم

- ‌النوع السادس والخمسون: معرفة المتشابهين في الاسم واسم الأب والنسبة

- ‌النوع السابع والخمسون: معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم

- ‌النوع الثامن والخمسون: في النسَب التي على خلاف ظاهرها

- ‌النوع التاسع والخمسون: في معرفة المبهمات من أسماء الرجال والنساء

- ‌النوع الموفي الستين: معرفة وفيات الرواة ومواليدهم ومقدار أعمارهم

- ‌النوع الحادي والستون: معرفة الثقات والضعفاء من الرواة وغيرهم

- ‌النوع الثاني والستون: معرفة من اختلط في آخر عمره

- ‌النوع الثالث والستون: معرفة الطبقات

- ‌النوع الرابع والستون: معرفة الموالي من الرواة والعلماء

- ‌النوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم

- ‌ أسئلة

الفصل: ‌النوع الثاني عشر: المدلس

‌النوع الثاني عشر: المدلس

تدليس الإسناد

والتدليس قسمان: أحدهما: أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهما أنه قد سمعه منه، ومن الأول قول علي بن خشرم: كنا عند سفيان بن عيينة، فقال: قال الزهري كذا، فقيل له: أسمعت منه؟ هذا قال: حدثني به عبد الرزاق عن معمر عنه، وقد كره هذا القسم من التدليس جماعة من العلماء وذموه، وكان شعبة أشد الناس إنكارا لذلك، ويروى عنه أنه قال: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس.

قال ابن الصلاح: وهذا محمول منه على المبالغة والزجر، وقال الشافعي: التدليس أخو الكذب، ومن الحفاظ من جرح من عُرف بهذا التدليس من الرواة، فرد روايته مطلقا، وإن أتى بلفظ الاتصال، ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرة واحدة، كما قد نص عليه الشافعي رحمه الله، قال ابن الصلاح: والصحيح التفصيل بين ما صرح فيه بالسماع فيقبل، وبين ما أتى فيه بلفظ محتمل فيرد.

قال: وفي الصحيحين من حديث جماعة من هذا الضرب كالسفيانَين والأعمش وقتادة وهشيم وغيرهم.

قلت: وغاية التدليس أنه نوع من الإرسال لما ثبت عنده، وهو يخشى أن يصرح بشيخه فيُرد من أجله، والله أعلم.

نعم، هذا التدليس، هذا القسم الأول من التدليس، ذكر ابن كثير رحمه الله أن التدليس على قسمين: أحدهما هذا الأول، يسمى تدليس الإسقاط، أو -يعني- أنا أسميه كذا تدليس الإسقاط، وهو أن يُسقط المدلس راويا من الإسناد، ثم نقسمه -هذا القسم أيضا يقسمونه- إلى قسمين، هذا القسم الأول يقسم إلى قسمين، ذكر ابن كثير أحدهما، ولم يذكر الآخر؛ لأنه قليل، ليس بالكثير.

القسم الأول الذي ذكره: هو أن يكون الإسقاط من أول الإسناد، بأن يسقط المدلس شيخه، وقد يسقط معه أيضا غيره.

والقسم الثاني: أن يكون الإسقاط من وسط الإسناد، وهو الذي يسمونه تدليس التسوية، وهذا ما ذكره ابن كثير نتركه.

نعود إلى القسم الأول الذي هو الإسقاط من أول، من مبدأ الإسناد، يسقط المدلس شيخه، فهذا القسم بحث فيه ابن كثير عددا من الأمور، أو ذكر فيه عددا من الأمور، أولها: تعريفه، ماذا قال في تعريفه؟ أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه، -يعني- يروي عن شيخه أحاديث أو يروي عنه حديثا واحدا لم يسمعه منه، بأي صيغة يرويه؟ بأي صيغة؟ يرويه بصيغة محتملة.

ص: 160

أما لو رواه بصيغة صريحة في الاتصال فهذا ماذا يسمى؟ كذب، وهذا لا يفعله الرواة الثقات، قد يفعله بعض الكذابين، هذا كذب، لو رواه بصيغة صريحة في الانقطاع هل هو تدليس أو ليس بتدليس؟ لو رواه بصيغة صريحة في الانقطاع، لو قال: بلغني عن فلان أو نُبئت عن فلان، هذا ليس بتدليس؛ لأنه صرح بالانقطاع، متى يكون تدليسا إذن؟ إذا رواه بصيغة محتملة للسماع، مثل: قال وذكر أو عن، فهذه صيغ محتملة للسماع وعدمه، فهذا أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه سمعه منه.

إذن هذا القسم -الذي هو الإسقاط من مبدأ الإسناد- على صورتين:

الصورة الأولى أن يروي عن شيخه ما لم يسمعه منه، ومثل له ابن كثير أو تبعا لابن الصلاح بتدليس ابن عيينة، أحيانا ربما يدلس عن الزهري، الزهري من كبار شيوخ من؟ سفيان بن عيينة، ولكنه في بعض الأحاديث لم يسمعها منه، سمعها من شخص آخر فماذا يفعل سفيان بن عيينة؟ يرويها عن الزهري مباشرة.

يفعل هذا أحيانا، ويفعله هشيم في بعض شيوخه، ويفعله الأعمش، ومع مجاهد، ومع غيره، ومع إبراهيم النخعي، يفعلونه -يعني- له شيخ معروف بالرواية عنه، ولكن في أحاديث لم يسمعها منه، فيرويها عنه مباشرة بصيغة محتملة للسماع، فهذا يسمونه تدليسا.

الصورة الثانية: يروي عن شخص لم يسمع منه أصلا، وإنما هو وإياه في عصر واحد، وممن يفعل هذا كثيرا يفعله كثيرا سعيد بن أبي عروبة، ويفعله قتادة، ويفعله الحسن البصري، ويفعله جماعة من الرواة، يروون عمن عاصرهم بصيغة محتملة، لِمَ يسمى هذا تدليسا؟ الأول واضح أنه تدليس، لماذا يسمى هذا تدليسا؟ لأنه يوهم أنه قد سمع منه وهو لم يسمع منه، فهذا يسمونه تدليسا.

ص: 161

ونحن نعرف في كتب المصطلح المتأخرة تبعا لابن حجر رحمه الله أنه خص التدليس -الآن كم معنا من صورة للتدليس في مبدأ الإسناد؟ صورتان ابن حجر رحمه الله تبعا لبعض الأئمة مثل البزار ومثل الشافعي ومثل ابن رشيد- خصوا التدليس بالصورة الأولى التي هي أن يروي عن شيخ قد سمع منه.

والصورة الثانية سموها الإرسال الخفي، ولكن للتنبيه جمهور العلماء أو استعمال المتقدمين التدليس في الصورتين كما نقله ابن الصلاح، ووافقه ابن كثير هنا، بس أنبه عليه لئلا -يعني- يقع التباس.

فاستخدام الأئمة رحمهم الله يقولون مثلا، يصفون فعل سعيد بن أبي عروبة في روايته عن الزهري، في روايته عن هشام ابن عروة، في روايته عن جماعة عدهم الإمام أحمد رحمه الله يطلقون على هذا تدليسا، يقولون يدلس يروي فلان عن فلان ولم يسمع منه، إنما يدلس عنه، هذا كثير لم يمثل له ابن كثير، هذا من أمثلته رواية سعيد بن أبي عروبة عن هشام بن عروة، وعن عبيد الله بن عمر، وعن جماعة لم يسمع منهم. نعم.

في نقطة ثانية تكلم عليها ابن كثير رحمه الله، وهو أن جماعة من العلماء عابوا التدليس وذموه، ذم التدليس، ومنهم على رأس من ذمه من؟ الذي اشتهر رحمه الله بعنايته باتصال الأسانيد، وعنايته بسماع الرواة بعضهم من بعض، حتى أنه رحمه الله هذا شعبة له فضل كبير، نحن نعرف شعبة في جرح الرواة، هو الذي تشدد في جرح الرواة وتتبعهم، هذا مشهور عنه، لكن له فضل كبير في جانب آخر في السنة، وهو العناية بأي شيء؟ باتصال الأسانيد.

ص: 162

كان رحمه الله يعني كمن يقول: وقف شعره من كثرة الإرسال، رأى أن الإرسال كثير جدا عند الرواة، كان يقول: لو أتيت إلى محدث، ووفرت عنده بخمسة أحاديث، عند التحقيق يتبين لك أن ثلاثة من هذه الأحاديث لم يسمعها. فشدد رحمه الله، -وإن شاء الله تعالى- يعني مأجور هو في ذلك، ويعني له فضل كبير على السنة وعلى حفظها في تشدده، وبعده شدد الأئمة، وكانوا قبله أيضا يبحثون عن السماع، ولكن شعبة رحمه الله، حتى أن بعض الرواة وهو سفيان بن عيينة، روى حديثا كله فيه، حدثنا فلان، حدثنا فلان، وفي نهايته قال: هذا من بابة شعبة أو هذا يعجب شعبة، لماذا؟.

لأن فيه صياغة التحديث، وكان-رحمه الله إذا جاء إلى راوٍ فيه عسر، من هو الراوي الذي فيه عسر؟ يعني هو الراوي الذي لا يقبل المناقشة، ولا يقبل أن يقال له: أعد الحديث، ولا يقبل أن يقال له: هل سمعت الحديث؟ يأنف من ذلك، كان ربما يوسط أحدا؛ لأن الرواة يذكرون لشعبة من كثرة تنقيبه عن السماع، وتنقيبه، فبدل أن يسأل هو ماذا يفعل؟ يوصي غيره أن يسأل.

في ذلك جاء في قصة، أنه أوصى سماك بن حرب أن يسأل عبد الرحمن بن القاسم: هل سمع هذا الحديث من أبيه؟، فلما خرجوا قال له، فسأله فقال: نعم، سمعته، سأله سماك لم يسأله شعبة، خاف شعبة منه يقول: كان فيه عسر أو كذا، فلما خرجوا قال له سماك: استوثقت لك منه يا شعبة، يعني: استوثقت لك، يعني أنه قد سمع منه، وله أخبار طرائف في توقيف، يسمونه التوقيف.

المهم أنه له أخبار كثيرة في توقيف الرواة وسؤالهم عن السماع، وفي بعض الأحيان يستحلف الراوي، في حديث النهي عن بيع الولاء وهبته، استحلف عبد الله بن دينار أنه سمع هذا الحديث من ابن عمر، فحلف له أنه سمعه، فكان بعد يقول: لو أذن لي عبد الله بن دينار لكنت قبلت رأسه.

ص: 163

يعني المهم أنه كان يكره التدليس، ونقل عنه ابن الصلاح هذه الكلمة وهي معروفة، شعبة رحمه الله أكثر من قوله: لأن أزني، يعني حتى يقول: لأن أزني، أحب إلي من أن أروي عن أبان بن أبي عياش وعن فلان، ويقول: لأن أخر من السماء، أحب إلي من أن أقول: قال فلان وأنا لم أسمعه منه، فعقب عليه الذهبي رحمه الله فقال: هذا والله هو الورع، عقب على كلمة شعبة.

وله أخبار كثيرة في التدليس، هو الذي يقول: كنت أتفقد قتادة، كان عنده أصحابه، وكان يروي لهم يدلس، يصرح بالتحديث ما يصرح بالتحديث، ما يناقشونه في ذلك، يرسل ما يرسل، فلما جاءه شعبة صار يسأله، إذا ساق له إسنادا مرسلا قال له: أين إسنادك؟ فيضجر قتادة، فحدث مرة شعبة فقال له قتادة: من حدثك؟ فقال: تسألني وتأبى علي أن أسألك.

فكان بعد يسند لشعبة رحمه الله، وكان شعبة يقول: كنت أتفقد فم قتادة، إذا قال: حدثنا وسمعت، حفظت، وإذا قال: قال فلان، وذكر فلانا لم ألتفت؛ لهذا فهو رحمه الله تشدد في التدليس، وله كلمات، وغيره كذلك أيضا مثل قول الشافعي: التدليس أخو الكذب، ومثل قول وكيع: لا يحل تدليس الثياب، فكيف تدليس الحديث؟ لكن مع هذه الحملة على التدليس، إلا أن لم يستطيعوا القضاء على المدلسين، ما استطاعوا.

هناك عند المحدثين شيء يسمونه شهوة الحديث، يعني: الرغبة في روايته والإكثار منه، أحيانا لا يستطيع المحدث أن، المهم هذه الحملة لم تؤت ثمارها، أو آتت ثمارها ولكنها يعني إلى درجة معينة، فبقي التدليس وبقيت أحكامه، فوجد مدلسون، ويعني تتبعهم الأئمة، ومنهم سفيان بن عيينة، وإن كان قليل التدليس يعني نسبيا، ومنهم قتادة ومنهم الأعمش، ومنهم هذا في الثقات، وأما غير الثقات في التدليس كثير أيضا، منهم هشيم.

ص: 164

الآن سيدخل ابن كثير أو بعد قليل، ذكر ابن كثير رحمه الله النقطة الثالثة، الأول: حكم التدليس في نفسه، النقطة الثالثة قوله:"ومن الحفاظ من جرح، ومن عرف بهذا التدليس من الرواة".

هذا حكم رواية المدلس، ونلاحظ أن ابن كثير رحمه الله اختصر هنا أيضا، فتداخل الموضوع، أولا هنا في هذه، من قوله: ومن الحفاظ من جرح، من عرف بهذا التدليس من الرواة"، فرد روايته مطلقا، وإن أتى بلفظ الاتصال، هذا اعتبروه جرحا في الضبط، أو جرحا في العدالة؟ جرحا في عدالته، ولكن تعلق على هذا تقول: هذا يعني ليس الذي عليه العمل، ولا يعرف عن أحد من المحدثين أنه رد رواية المدلس، وإن صرح بالاتصال، وإنما الذي قال بهذا: -يعني نظريا- هو الإمام ابن حزم رحمه الله مع بعض التقييد.

فالمهم أن الذي قوله: ومنهم من جرح، من عرف بهذا التدليس من الرواة، فرد روايته مطلقا، وإن أتى بلفظ الاتصال"، هذا لا يعرف، يعني ليس مذهبا للمحدثين، بل شعبة الذي شدد وقال: لأن أزني، وقال: لأن أخر من السماء، قبل رواية من؟ قبل رواية المدلسين، إذا صرحوا بالاتصال، كما مر معنا قبل قليل في قتادة.

نلاحظ أن ابن كثير رحمه الله قال: "فرد روايته مطلقا، وإن أتى بلفظ الاتصال، ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرة واحدة، كما قد نص عليه الشافعي رحمه الله"، نلاحظ هذا التداخل الذي أعنيه، قول الشافعي، الشافعي لم يرد الرواية مطلقا، بس هنا نأتي إلى مذهب المحدثين، أو مذاهب المحدثين، أولها قول الشافعي، وهو أن الشافعي رحمه الله يقول: المدلس إذا دلس مرة واحدة لا أقبل حديثه، إلا إذا صرح بالاتصال.

ص: 165

إذن الشافعي لم يرد رواية المدلس مطلقا، فابن كثير من الاختصار تداخل عليه الكلام، أو داخل بعضه في بعض، ويعني هذا من مساوئ الاختصار، أنه ربما أدى إلى هذا، ربما أدى إلى بعض الخلل، فقوله:"ولو لم يعرف أنه دلس إلا مرة واحدة"، الشافعي نص في الرسالة على أنه يقبل التدليس، يقبل رواية المدلس متى؟ إذا صرح بالاتصال.

فرواية المدلس، لا إشكال في، ليس بجرح عند الشافعي، ولكنه توثق للرواية، فاشترط أن يصرح المدلس بالتدليس، ولو كان قد دلس متى؟ مرة واحدة، يقولون: إن الشافعي رحمه الله تشدد في هذا، حيث أن المدلس ولو دلس مرة واحدة، لا بد من تصريحه بالتحديث في جميع رواياته، والذي عليه العمل عند المحدثين، أن الذي يشترط تصريحه بالتحديث هو من؟ الذي عرف بالتدليس، وأكثر منه، واشتهر عنه التدليس، فهذا هو الذي يشترط، فتقولون: هذا قول الشافعي رحمه الله.

ابن المديني رحمه الله سئل، سئل ابن المديني، سأله يعقوب بن شيبة: المدلس إذا لم يقل: حدثنا وأخبرنا، يقبل قوله؟ قال: إذا كان مكثرا من التدليس، لا يقبل حتى يقول حدثنا، وكذلك جاء عن ابن معين أيضا، ما يمكن أن يلحق بهذا، ويظهر لي -والله أعلم- أن هذا هو المذهب الوسط في مسألة قبول رواية المدلس.

أنه يعني إذا عرف بالتدليس واشتهر به مثل الأعمش ومثل هشيم، على تفاصيل في ذلك ما أطيل بها، ومثل قتادة أنه لا بد من تصريحه بالتحديث، وهذا هو الذي عليه، وهشيم، وهذا هو الذي عليه، يقول: وفي الصحيحين من حديث جماعة من هذا الضرب: كالسفيانين والأعمش وقتادة وهشيم وغيرهم.

هذا يعني هؤلاء معروفون بالتدليس، فأصحاب الصحاح ولا سيما البخاري ومسلم، يخرجون لهؤلاء المدلسين إذا صرحوا بالتحديث، وكذلك يخرجون لهم ما عنعنوا فيه، بقرائن أخرى أيضا ما أطيل فيها، يعني ولو لم يصرحوا بالتحديث، لكن إذا أمن تدليسهم، أو إذا لم يكن لتدليسهم تأثير بأمور أخرى ما أطيل بها.

ص: 166

ذكر ابن كثير رحمه الله أن التدليس اعتذار، اعتذار عن المدلسين، أنه نوع من الإرسال لما ثبت عنده، بس قوله: لما ثبت عنده، هذه هي التي يعني يوضع عندها علامة استفهام، أحيانا المدلس يسقط الضعيف، إذن الحديث ثبت عنده أو لم يثبت عنده؟ ولا سيما في قول ابن كثير: وهو يخشى أن يصرح بشيخه فيرد من أجله، إذن هو أسقط ماذا؟ ثقة أو ضعيفا هنا؟ أسقط ضعيفا، فقوله: لما ثبت عنده، هذه فيها إشكال، بل هو يسقط أحيانا ولو للفظة، لكن يدلسون يعني يدلسون لأغراض، وكما ذكرت هو شهوة.

هشيم رحمه الله ألحوا عليه كثيرا جدا أن يترك التدليس، ألحوا عليه كثيرا ولكنه لم يتركه، ويتلذذ هو، يعني مثلما تقول: يعمي على التلاميذ، ويعني كأنه بمعنى الاختبار، أو بمعنى يعني المهم أنه له شهوة التدليس، كاتبه ابن المبارك رحمه الله قال له: يا هشيم، دعك من هذا التدليس، فماذا أجابه؟ قال: كان كبيراك يدلسان، كبيراك من هما؟

اللذان هما، يقصد الأعمش وسفيان الثوري، فيقول له: أنا أفعل مثلما فعل غيري، يعني هذا كلام هشيم رحمه الله، ويعني هو يسقط أيضا بعض الضعفاء، والأعمش يسقط بعض الضعفاء، فقول ابن كثير رحمه الله: لما ثبت عنده، هذا فيه يعني إشكال ونظر، نعم. اقرأ القسم الثاني.

تدليس الشيوخ

وأما القسم الثاني من التدليس: وهو الاتيان باسم الشيخ أو كنيته، على خلاف المشهور به؛ تعمية لأمره وتوعيرا للوقوف على حاله، ويختلف ذلك باختلاف المقاصد، فتارة يكره كما إذا كان أصغر سنا منه، أو نازل الرواية ونحو ذلك، وتارة يحرم، كما إذا كان غير ثقة، فدلسه لئلا يعرف حاله، أو أوهم أنه رجل آخر من الثقات على وفق اسمه أو كنيته.

ص: 167

وقد روى أبو بكر بن مجاهد المقري، عن أبي بكر بن داود، فقال: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، وعن أبي بكر محمد بن الحسين النقاش المفسر، فقال: حدثنا محمد بن سند، نسبه إلى جد له -والله أعلم-، قال أبو عمرو بن الصلاح: وقد كان الخطيب لاهجا بهذا القسم من التدليس في مصنفاته.

نعم، هذا القسم الثاني من أخبار المدلسين، قبل أن أدخل في هذا القسم، مطر الوراق، راوٍ اسمه مطر الوراق، من تلاميذ قتادة، وفيه ضعف كثير فيه ضعف، قدم مرة إلى البصرة، فحدث قتادة بحديث، يحدث من الآن هو؟ هو من تلاميذ قتادة، لكنه حدث، هو الآن حدث قتادة بحديث، فلما جاء قتادة، قتادة رحمه الله حافظ، كل ما سمعه يحفظه، ما يدخل في رأسه شيء إلا ويحفظه، ومكثر من الرواية، وهذا هو سبب.

المهم أنه لما جاءه مطر، حدث قتادة وأسقط مطرا، أسقط مطرا الوراق وحدث عمن؟ عن الشيخ، يقول مطر في نفسه: قلت قد استضعفني قتادة، يعني لما حذفني، معناه: أنه قد استضعفني.

فهذا قول ابن كثير: أنه لما ثبت عنده، يعني أحيانا يحذف الراوي، مطر هذا شك، أو وقع في نفسه أن قتادة إنما حذفه لأي شيء؟ استضعافا له، فيحذفون يعني لما لم يثبت عندهم كما ذكرت، وأحيانا يذكرون هذا في، المهم هذه أخبار، أو أمور يعني يطلع عليها الشخص بالقراءة في كتب الأولين.

هي هذه الأخبار تحلي علم نقد السنة، نقد السنة فيه نوع من الجفاف دائما، مع الأسانيد ومع العلل ومع الردود ومع كذا، فكتب الأولين فيها ميزة: وهي أنهم يذكرون جميع الأخبار، جميع الأخبار يذكرونها وفيها طرائف وفيها عبر.

لو أخذت مثلا كتاب مثلا يعقوب بن سفيان "المعرفة والتاريخ"، أو كتاب الإمام أحمد "العلل"، ما تستطيع أن تطلقه، يعني أن تدعه إذا كان عندك همة، أو رغبة في القراءة في كتب النقد؛ بسبب أنك تخرج من قصة إلى قصة، ومن حادثة ومن طرفة إلى طرفة، ومن أخبارهم رحمهم الله، ومنها أخبار من؟ أخبار المدلسين.

ص: 168

مرة هشيم رحمه الله يحدث فقال: حدثنا فلان أو أخبرنا فلان، ثم فطن أنه لم يسمعه منه، وإنما أراد أن يدلسه فسبق إلى لسانه كلمة أخبرنا، فأراد أن يُنسي من حوله، وقال: ابتعدوا قليلا عن الطريق، يعني: أوسعوا الطريق للذي يمر، وكذا وكذا، ثم بعد أن هدأت الأمور، رجع ورواه بصيغة محتملة للسماع؛ لأنه أراد أن يدلس، وفي الأول صرح بالتحديث وهو لم يسمعه، ولكن سبق إلى لسانه أو نسي أنه لم يسمعه، ثم فطن بعد ذلك فقال: نحوا الطريق، أو يعني: ابتعدوا عن الطريق أو نحو ذلك.

فهذا أخبار المدلسين واكتشافهم، ويعني هذا مما يروح به القارئ في كتب النقد عن نفسه، ويبين لك أيضا جهود الأئمة رحمهم الله في نقد السنة، وفي تتبعها أمور عظيمة جدا جدا، يعني يطرب لها السامع ويلتذ لها العقل، أو يلتذ بها العقل.

أحيانا يبينون أن مثلا الإمام أحمد وابن معين، يبينون أن هشيما يدلس الكلمة الواحدة والحرف الواحد، إما في الإسناد أو في المتن، يبينون أن هذه الكلمة مدلسة لم يسمعها هشيم من شيخه، فيعني النوع الثاني أو القسم الثاني هو الذي يعرف بتدليس الشيوخ، وهو أن المدلس لا يسقط أحدا، إذن ماذا يفعل؟.

يغير اسم الشيخ، إما يغير كنيته المعروفة، وإما أن يغير اسمه، وإما أن يعني ينسبه إلى بلد، أو ينسبه إلى مثلا نسبة غير معروف بها، أو يغير اسم والده، هذا يسمونه تدليس الشيوخ، وهو يعني بحسب الحامل على التدليس، يعني حكمه بحسب الحامل عليه، ليس في إسقاط والإسناد متصل الآن؛ فلذلك لا يبحث في مسألة السماع والاتصال والعنعنة، إنما يبحثون في حكمه، يقولون: بحسب الحامل له.

ص: 169

أحيانا يكون الحامل له هو التفنن، يعني ما يحب أن يقول: حدثنا فلان بن فلان دائما، ماذا يفعل إذن؟ يغاير، وهذا يفعله البخاري كثيرا، يفعله البخاري في صحيحه كثيرا، أحيانا يقول: حدثنا محمد بن خالد، يقصد شيخه: محمد بن يحيى الذهلي، وأحيانا يقول: حدثنا محمد، دون أن ينسبه، ومنه قول ابن الصلاح-رحمه الله: كان الخطيب لهجا بذكر مصنفاته.

الخطيب رحمه الله يذكر بعض شيوخه على عدد من الصفات، خمس، ست صفات، وهذا يقولون: الغرض منه التفنن، وعدم إملال القارئ، ربما يكون الغرض منه التعمية، إذا كان الشيخ ضعيفا، فهذا هو المحذور، وهذا هو الذي قد يفعله بعض الرواة.

فيه راوٍ اسمه محمد بن قيس المصلوب، وضاع هو، لكن أهل الشام -اشتهر التدليس فيه، يعني البلدان، ما ذكرت هذا- بعض البلدان اشتهرت بأي شيء؟ بالتدليس، التدليس مثلا موجود في الشام، موجود يعني مثلا في أهل الكوفة كثير، كما ذكر الحاكم، فالمقصود أنه أهل الشام يقولون: قلبوا اسم محمد بن قيس هذا، على مائة اسم: محمد بن سعيد، محمد بن قيس، أبو فلان كذا.

هشيم رحمه الله، كان يرتكب أيضا نوعا من التدليس في هذا، كان له شيخ، تارة يسميه أبو ليلى يكنيه بأبي ليلى، وتارة يكنيه بأبي ميسرة، وتارة يكنيه بأبي إسحاق، ويغير اسمه أيضا، فهذا وهو راوٍ مشهور، العلماء تتبعوه، ما يفوت هذا على الأئمة رحمهم الله، ومما نقل المثال الذي ذكره ابن كثير هنا، عن أبي بكر بن مجاهد المقرئ، يروي عن أبي بكر بن أبي داود، من هو أبي بكر بن أبي داود هذا؟.

ص: 170

هو ابن صاحب السنن، معروف حافظ معروف، له كتاب "المصاحف" هو معروف، بدل من أن يقول: حدثنا أبو بكر بن أبي داود، ماذا قال؟: حدثنا عبد الله بن أبي عبد الله، وهذا لا بأس به؛ لأنه نوع تفنن، لكن انظر للثاني، عن أبي بكر محمد بن حسن النقاش المفسر، فقال: حدثنا محمد بن سنان، هذا من التدليس المحظور، لماذا؟ لأن محمد بن حسن هذا، منسوب إلى أي شيء؟ إلى يعني متهم بالكذب.

فمثل هذا فعل أبي بكر بن المجاهد المقرئ، يعني في المثالين، هذا أحدهما لا بأس به، والفعل الآخر يعني هذا هو المحظور، وهو تغيير اسم شخص معروف ومتهم بالكذب.

نقف هنا عند الشاذ، إن كان هناك أسئلة.

س: أحسن الله إليكم، هذا يقول: قول ابن كثير: لما ثبت عنه، هل يحتمل القصد أنه ثبت السماع عنه، لا ثبتت صحة السند؟ وجزاكم الله خيرا.

ج: ما فهمت، يعني ثبت عنده، لكن قوله: وهو يخشى أن يصرح بشيخه، فيرد من أجله، الظاهر يظهر لي-والله أعلم- أنه ثبت عنده، يعني ثبت عنده عمن أرسله عنه، يظهر لي هذا -والله أعلم-، هو الأخ يذكر احتمال أن يكون لما ثبت عنده عمن أسقطه، وهذا ما أدري يعني إن كانت العبارة تحتمله، كأن العبارة لما ثبت عنده يعتمد المدلسين، يقول: إنه ثابت عنده، هو لا يعتقد أنه ضعيف، لا يعتقد أنه لا يصح عمن نقله عنه، هو يعتقد أنه ثابت، وإن كنا قد لا نعتقد نحن مثلا، أو غيره لا يعتقد، فهذا الذي يظهر لي -والله وأعلم-.

س: أحسن الله إليكم، يقول: هل يشترط تصريح المدلس الذي يدلس التسوية، بالسماع في جميع طبقات السند؟ أو يشترط أن يصرح بالسماع في طبقة شيخه فقط؟ وجزاكم الله خيرا.

ص: 171

ج: نعم، هذا تدليس التسوية ما تعرضت له، يعني ما، ليس، أو ما كل ما حذفه ابن كثير، أو لم يذكره ابن كثير نتعرض له؛ لأن المسألة أو القضايا تطول، تدليس التسوية كما ذكرنا، لكن السؤال يقول: تدليس التسوية كما نعرف لا يسقط المدلس شيخه، ويصرح أحيانا بالتحديث، ولكن يسقط متى؟ يسقط في أي مكان؟ في الوسط، وهذا يفعله بعض المدلسين، يعني هذا ليس بالكثير، يفعله بقية بن الوليد، ويفعله الوليد بن مسلم.

الوليد بن مسلم مثلا يروي الأوزاعي، يروي عن نافع ويروي عن عطاء، يروي عن عطاء، معروف بالرواية عن عطاء، ولكنه أيضا يروي عن عطاء أحيانا بواسطة بعض الضعفاء، من الذي يروي هكذا؟ الأوزاعي.

الوليد بن مسلم إذا روى عن الأوزاعي، يسقط هؤلاء الضعفاء، ويجعل الرواية عن الأوزاعي عن عطاء مباشرة، فالأخ يقول: هل يشترط أن يصرح المدلس بتدليس التسوية في جميع الإسناد؛ لكي نأمن من تدليسه في أول الإسناد، ونأمن من تدليسه في وسط الإسناد؟ الذي يظهر هو هذا، الذي يظهر وهو أنه لا بد أن يصرح من عرف بتدليس التسوية، ونجد في كلام العلماء، في كلام ابن حجر-رحمه الله في "الفتح" كثيرا ما يورد هذا ويقول: الإسناد مصرح فيه بالتدليس، فأمن تدليس الوليد وتسويته، يظهر-والله أعلم-، نعم.

س: أحسن الله إليكم، يقول: لماذا سميت المسانيد بهذا الاسم، مع أن كل كتب السنة مسندة؟ وكذلك لماذا سميت السنة بهذا الاسم، مع وجود كثير من السنة في البخاري ومسلم؟ وجزاكم الله خيرا.

ص: 172

ج: هذه التسميات اصطلاح، لكن يعني كما يقولون: يعني التدقيق فيها قد ما يعني، تسمية المسانيد بهذا الاسم؛ لأنه -كما عرفنا- هو ما يسنده الصحابي، فكأنهم لما جمعوا أحاديث كل صحابي، يعني كأنهم قالوا: ما أسنده من؟ هم يقولون: ما أسنده -هكذا يعنونون- ما أسنده عمر بن الخطاب، يعنونون هكذا، فإذن مجموع الكتاب ما أسنده الصحابة، فهو إذن مسند، وهذا لا إشكال فيه، هو يقول: لماذا لا تسمى بقية كتب السنة مسانيد، مع أنهم أسندوها؟.

هي تسمى أحيانا كما نعرف، سنن الدارمي، سماه سمي أيضا "مسند الدارمي"، وصحيح أبي عوانة، ومستخرج أبي عوانة مطبوع الآن باسم "مسند أبي عوانة"، وكثير ما في بأس هنا، لكنهم لما كانت مرتبة على الموضوعات، وقصدوا بها معرفة السنن "التفقه"، أطلقوا عليها اسم "السنن"، ويقول: هو مثلا، ما هو بقية السؤال الثاني؟.

يقول: مثلا يعني هكذا فهمت منه أنه يقول: لماذا فرقوا بين السنن وبين مثلا صحيح البخاري، مع أنها كلها موضوع واحد؟ هذا أيضا كله اصطلاح حسب تسمية المؤلف، فالبخاري سمى كتابه "الجامع"، ومسلم أيضا سمى كتابه "الجامع"، أظن-لو كنت ما نسيت- أن مسلما سماه هكذا، أو ما أدري الترمذي سمى كتابه "الجامع"، ويسميه العلماء أيضا، ويسميه العلماء "السنن"، وهذه التسميات اصطلاحية، من بعض الذين كتبوا في مناهج المحدثين.

من أراد أن يفرق بين الجامع وبين السنن، الجامع: هو الذي يجمع كذا وكذا، لكن هذا التفريق يعني يكون مقصودا، هذا -في نظري- أن فيه عسرا، مثلا لو أخذت "سنن النسائي الكبرى" فيها موضوعات، هي الموضوعات الموجودة في صحيح البخاري، ومع هذا يعني اشتمل على كثير من الكتب: السيرة والتفسير، ومع هذا فبقي اسمه "السنن"، و"الجامع" للبخاري اسمه "الجامع"، فالذي يظهر -والله أعلم- أن هذه التسمية راجعة للمؤلف، ولا إشكال فيه.

أحسن الله إليكم وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

ص: 173