الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا موضوع واسع جدا ومتشعب ذكر منه ابن الصلاح -يعني- أدخل، ذكر منه مسائل كثيرة، وبقي فيه مسائل أيضا، وأدخلها كلها تحت هذا النوع سنأخذها على عجل سنمر بها على عجل؛ لأن هذه مسائل تتعلق بعلم الجرح والتعديل، وبالأمور التطبيقية -يعني- الممارسة فيها، تحتاج إلى ممارسة تحتاج أكثر مما تحتاج إلى
…
يحتاجها من يريد أن يمارس التطبيق العملي لدراسة السنة، وهي تتضح بالممارسة، ولكن -يعني- ذكروها نقرؤها الآن، وأعلق عليها بما يتيسر. نعم. تفضل.
النوع الثالث والعشرون: معرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل وبيان الجرح والتعديل
معرفة من تقبل روايته وبما تثبت عدالة الراوي
المقبول: الثقة الضابط لما يرويه، وهو المسلم العاقل البالغ سالما من أسباب الفسق وخوارم المروءة، وأن يكون مع ذلك متيقظا غير مغفل حافظا إن حدث من حفظه فاهما إن حدث عن المعنى، فإن اختل شرط مما ذكرنا وثبتت عدالة الراوي باشتهاره بالخير والثناء الجميل عليه أو بتعديل الأئمة أو باثنين منهم له أو واحد على الصحيح، ولو بروايته عنه في قول قال ابن الصلاح وتوسع ابن عبد البر فقال: كل حامل علم معروف العناية به، فهو عدل محمول أمره على العدالة حتى يتبين جرحه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ? يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ? قال: وفيما قال اتساع غير مرض، والله أعلم.
قلت: لو صح كما ذكره من الحديث لكان ما ذهب إليه قويا، ولكن في صحته نظر قوي، والأغلب عدم صحته والله أعلم.
نعم. هذا كلام يتعلق بالشرط الأول من شروط الحديث الصحيح، أو بالشرطين الأولين من شروط الحديث الصحيح، وهما العدالة والضبط، فأولا عرف ابن كثير أول ما تكلم في أول كلامه عرف الراوي المقبول، من هو الراوي المقبول الذي مر في الحديث الصحيح؟ يقول: المقبول هو الثقة الضابط لما يرويه، وهذا هو ملخص كل ما سيأتي، وما سيأتي فروع عليه، وما سيأتي مفرع على هاتين الكلمتين: من هو الذي تقبل روايته أو الذي يسمى حديثه صحيحا هذا هو بهاتين الكلمتين: الثقة الضابط لما يرويه هذا باختصار.
سيشرح الآن ابن كثير هذه الكلمة، وكيف نتحقق منها، وما يتعلق بأمور أخرى، فذكر من هو الثقة الضابط، فقال: هو المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة هذا فيما يتعلق بعدالته في نفسه، وهذا لا بد من هذه الشروط لكي يضمن، أو يؤمن جانب التعدي المتعمد في الحديث بالزيادة أو بالنقص، فكل هذه الأمور المذكورة، أو الشروط المذكورة راجعة للعدالة، واشترطها المحدثون -رحمهم الله تعالى- صيانة لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم-ولا تأتي هكذا عنهم لم يأت -يعني- يذكرون هذه الشروط على التحديد، ولكنها مأخوذة من مجموع كلامهم، فيتكلمون في الراوي إذا كان معروفا بشيء من الفسق، يتكلمون فيه إذا كان معروفا ببعض خوارم المروءة، فربما يقول: بعض الأئمة يقولون:
يأتيك كلام في بعض الرواة كان يلعب به المجان مثلا -يعني- أنه كان يضحك به بعض الصبيان، أو بعض الذين يحبون المزاح -يعني- أنه فيه بعض خوارم المروءة يقص في حديثه وغرضه من القصص الحصول على المال، هذا اعتبروه من خوارم المروءة وكل هذا احتياط يخافون، أو يستدلون ببعض أعمال الراوي على أنه قد يتزيد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم-لا يؤمن جانبه في هذا الشأن، فاحتاطوا -رحمهم الله تعالى- للرواية احتياطا كبيرا، واشترطوا في الراوي هذه الشروط التي ذكرها ابن كثير.
وذكر بعد ذلك ما يتعلق بالضبط قال: " وأن يكون مع ذلك متيقظا غير مغفل حافظا إن حدث من حفظه فاهما إن حدث عن المعنى" يضاف إلى ذلك حافظا لكتابه ذكره الشافعي وغيره أيضا: حافظا لكتابه إن حدث من كتابه، فيشترط فيه أن يكون متيقظا يؤمن عليه الغلط هذا في جانب الضبط -يعني- لا يكفي أن يكون صالحا في نفسه، ولهم بكلمات كثيرة جدا في عدم كفاية الصلاح؛ لأن الصالح في نفسه صالح له أو لغيره هو الآن؟ هو صالح لنفسه نعم أمنا منه جانب الكذب، ولكن يبقى جانب الغلط.
فالغلط يعين لا يكفي فيه الصلاح، بل لا بد من التيقظ، وأن يكون حافظا لحديثه؛ ولهذا متى اشتغل الصالح بصلاحه وعبادته عن مراجعة حفظه والمذاكرة والاعتناء بكتبه عن التزوير -يعني- قد يكون صالح، ولكن فيه تغفيل، فربما أُدخل في كتابه ما ليس منه، وهذا كثير في الرواة يكون له ابن يكون له وراق سيئ يكون له مثلا من يطلب الحديث معه، ويدخل الحديث عليه لا بد من هذا -يعني- لا بد من ضبط الكتاب، وهذه أمور -يعني- إذا تتبعتها في كلام الأئمة في الرواة تجد عجبا من دقتهم في -يعني- موضوع التلقين هذا الذي عبر عنه ابن كثير أن يكون متيقظا غير مغفل، موضوع التلقين هذا نسميه التلقين -يعني- المهم هذا موضوع التلقين موضوع كبير.
وقد مر بنا بالأمس شيء منه في موضوع القلب واختبار الراوي بهذه الطريقة موضوع التلقين هذا، يمكن أن يكتب فيه رسائل من جهة أنواعه ومن وقع فيه ومن سلم منه، فالمهم أن هذه الشروط كذلك بالنسبة لحفظ الكتاب ما ذكره ابن كثير، وهو داخل في قوله "حافظا إن حدث من حفظه فاهما إن حدث عن المعنى".
يضاف إليه أيضا شرط اشترطه العلماء أنه إن كان يحدث من كتابه فلا بد أن يكون حافظا لكتابه، بل لا بد أن يكون حافظا لكتابه، وإن حدث من حفظه بأنه حتى، وإن كان يحدث من حفظه يحتاج إلى مراجعة كتابه.
القضية التي بعد هذا يتكلم عنها ابن كثير، هي نحن الآن بعيدون عن الرواة، وفي عصر متأخر حتى في عصر ابن كثير، وأيضا اطلاعنا على أحوال الرواة وعلى تمكننا من الوسائل التي نعرف بها ضبط الرواة وعدالتهم ضعفت أو قلت، وفقدناها تقريبا الاعتماد على كلام من إذًا؟
على كلام أئمة الجرح والتعديل الذين انتصبوا لـ قال ابن كثير رحمه الله الآن بم يثبت ما تقدم؟
قال ابن كثير: يثبت بأمور منها اشتهاره بالخير والثناء الجميل عليه، أو بتعديل الأئمة، أو باثنين منهم له، أو واحد على الصحيح هذه أمور تثبت بها ثقة الراوي وبينها تداخل إذا اشتهر الراوي بالخير والثناء الجميل عليه من أين يشتهر هو؟ من أين يشتهر؟ من كلام الأئمة، إذ هو راجع إلى تعديل أئمة الجرح والتعديل له، يرجع الأمر إلى تعديل أمة الجرح والتعديل له.
نحن عالة على أئمة الجرح والتعديل، لكن بعض الذين -يعني- يرفضون التقليد، أو يقولون: لا يصح التقليد في أمور الدين، أو كذا يسمون اتباعنا لعمل الأئمة، أو لتعديل الأئمة، أو لكلام الأئمة في الجرح والتعديل يسمونه، أو يطلقون عليه إنه تصديق بدل ما يقولون تقليد.
يقولون: نحن نصدق خبرهم -يعني- أن إمام الجرح والتعديل يقول: فلان ثقة فلان كذا فلان كذا، يخبرنا، فنحن نصدق خبره، وليس حكما منه نقلده فيه، وهذا فيه نظر في نظري، والذي يظهر أن أحكامهم هي أخبار أو اجتهاد هي، غالبها، ولا سيما ما يتعلق بالضبط إنما هي اجتهاد -يعني- عنده مجموعة من الأمور والقرائن والأحوال درسها، ونظر فيها فبمجموعها حكم على هذا الراوي اجتهد في الحكم عليه؛ ولهذا يختلفون أحيانا في الراوي لهذا السبب، فنحن نقلدهم نحن تبع لهم في هذا إلا في النادر جدا، لكن النادر لا حكم له، الكلام على الإجمال.
إذا نحن الآن
…
يمكن صدرت كتب وبحوث في ضوابط الجرح والتعديل، وفي قواعد الجرح والتعديل نتداولها ما المقصود بها بالنسبة لنا؟
المقصود بها ضوابط هذا باختصار، قواعد النظر في أقوال الأئمة، أو ضوابط النظر في أقوال أئمة الجرح والتعديل، وليس المقصود بها كيف نعدل نحن أو نجرح، وهذا أمر مهم لا بد أن ننتبه؛ ولهذا بعض الباحثين يقول: وثقه أحمد وابن حجر، كثير هذا في البحوث كثير جدا يقول: وثقه أبو حاتم والذهبي، وهذا خلل في البحث خلل في التصور، الذهبي لا يوثق. الذهبي لا يوثق بالمعنى الذي نريد الآن -يعني- الذي ذكره ابن كثير الآن بم تثبت عدالة الراوي؟ وإنما الذهبي ماذا فعل؟
نظر في أقوال الأئمة وفي تصرفاتهم وعملهم وتطبيقهم، فَحكمَ على الراوي بما حكم به مثلا أحكام ابن حجر في التقريب، بناها على نظره هو في الرواة أو نظره قوال الأئمة في الرواة؟
بناها على نظره
…
على ما ذكره ابن كثير الآن تثبت عدالة الراوي، وكذلك جرحه بما ذكره بالشهرة، أو بتعديل اثنين أو بواحد. نعم يكفي واحد على الصحيح.
ثم تحدث ابن كثير رحمه الله على مذهب لابن عبد البر يقول فيه: "إن كل حامل علم معروف العناية به محمول أمره على العدالة حتى يتبين جرحه" وهذا -يعني- توسط ابن عبد البر، اشترط للحكم بالعدالة إذا لم يتبين جرح الراوي بأن يكون معروف العناية بعلم من العلوم، يقول: مثل أن يكون أديبا مشهورا بالأدب، أو أن يكون مثلا مشهورا مثلا بالورع مشهورا بعلم من العلوم مشهورا به، ولم يثبت جرحه، فهو إذا محمول أمره على أي شيء؟ على العدالة، وهذا يقول ابن الصلاح: إنه توسع لا بد من النص؛ لأنه لا يكفي عدالته.
المهم عند الأئمة ما هو أكثر؛ لأنه بحمد الله ترى -يعني- بالمناسبة قضية الفسق وخوارم المروءة والأمور هذه، إذا تجاوزت الوضع في الحديث والكذب فيه، فليست بكثيرة في الرواة الأكثر ما هو؟ ما يتعلق بالخلل في أي شيء؟ في الضبط والحفظ، وهذا هو الأكثر هو الذي اشتغل عليه الأئمة؛ ولهذا لو تبحث في كلام الأئمة فيما عدا الكذب والوضع مع أنه جاء من الصالحين، لكن المقصود أنه فيما عدا الكذب والوضع فإنه يقال: فلان ترك لشربه الخمر؛ أو لأنه لا يصلي؛ أو لأنه كذا. قليل ليس بكثير إذا نسبته إلى شيء؟ إلى الكلام في ضبط الراوي وحفظه.
فإذًا كلام ابن عبد البر ينفع، ربما نفع في العدالة لكن في الضبط غير كافٍ فلا بُد من النص على ضبطه، وسيذكر ابن كثير بعد قليل كيف يعرف ضبط الراوي، يقول ابن كثير: إن عبد البر اعتمد على حديث: ? يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ? ويعني: أمر مسجوع من هذا الكلام، يدلك ظاهر الحديث على ضعفه أو على قوته؟ يدلك على ضعفه، ظاهر الحديث يدل على ضعفه، والأمر كما قال ابن كثير، هذا الحديث لا يثبت يقول ابن كثير: لو ثبت لكان فيه قوة أو فيه تأييد لكلام ابن عبد البر، لكنه لا يثبت. نعم. اقرأ يا شيخ.
معرفة ضبط الرواة
ويعرف ضبط الراوي بموافقة الثقات لفظا، أو معنى، وعكسه عكسه والتعديل مقبول، ذُكر السبب أو لم يذكر؛ لأن تعداده يطول وقبل إطلاقه بخلاف الجرح؛ فإنه لا يقبل إلا مفسرا لاختلاف الناس في الأسباب المفسقة، وقد يعتقد الجارح شيئا مفسقا، فيضعفه، ولا يكون كذلك في نفس الأمر أو عند غيره؛ فلهذا اشترط بيان السبب في الجرح قال الشيخ أبو عمرو: وأكثر ما يوجد في كتب الجرح والتعديل فلان ضعيف أو متروك، ونحو ذلك، فإن لم نكتف به انسدَّ باب كبير في ذلك، وأجاب بأنا إذا لم نكتف به توقفنا في أمره لحصول الريبة عندنا بذلك.
قلت: أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يؤخذ مسلما من غير ذكر أسباب؛ وذلك للعلم بمعرفتهم، واطلاعهم في هذا الشأن واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل، أو كونه متروكا، أو كذابا، أو نحو ذلك، فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في موافقتهم بصدقهم، وأمانتهم، ونصحهم؛ ولهذا يقول الشافعي في كثير من كلامه على الأحاديث لا يثنيه أهل العلم بالحديث، ويرده ولا يحتج به لمجرد ذلك، والله أعلم.
أما إذا تعارض جرح وتعديل، فينبغي أن يكون الجرح حينئذ مفسرا، وهل هو المقدم أو الترجيح أو الأحفظ فيه نزاع مشهور في أصول الفقه وفروعه وعلم الحديث والله أعلم.
نعم هذا الكلام فيه عدد من الأمور أولها: قول ابن كثير رحمه الله ويعرف ضبط الراوي، هذا السطر يتعلق بوسائل الأئمة لتحديد هل الراوي ضابط أو غير ضابط؟ وهذا مر بنا أكثر من مرة، وأن الأئمة -رحمهم- الله لم يتركوا وسيلة من الوسائل التي يكتشفون بها عدالة الراوي، أو ضبطه إلا وسلكوها تارة بتتبع سيرة الراوي والنظر فيها، وفي أحواله، وفي كسبه، وفي تعامله، وفي صلاته، وفي أحواله كلها، وأحيانا بتوجيه الأسئلة له متى ولدت؟ متى دخلت البلد الفلاني؟ متى سمعت من فلان يختبرونه هذا بالنسبة للعدالة، وكذلك الضبط ثم كذلك أيضا ينظرون في
…
كما مر بنا أمس ربما اختبروه، ربما لقنوه، يلقنه الإمام ينظر هل ينتبه أولا ينتبه، والتلقين والقلب، وهذا من أهم الوسائل التي -يعني- استخدمها الأئمة لسبر حال الراوي، أو لمعرفة حال الراوي.
ذكر ابن كثير وسيلة من وسائل الحكم على الراوي التي هي النظر في حديثه، وهي أهم الوسائل، وأعظمها، وهي شاقة جدا ينظر في حديث الراوي، ويقارن أحاديثه بأحاديث أقرانه عن شيوخه هل أصاب؟ ما مقدار ما أصاب فيه؟ هل هو يخطئ؟ ما مقدار ما أخطأ فيه؟ هل هو يتفرد عنهم أو ما يرويه يوافقه غيره؟ فمن خلال نظره هذا يحكم على هذا الراوي بأنه ثقة ثبت.
يقول إسماعيل بن علية، أو ابن معين رحمه الله يقول لإسماعيل أو إسماعيل سأل ابن معين: كيف وجدتم حديثي؟ فقال: وجدته مستقيما، قال كيف عرفت هذا؟ قال: عرضته على حديث الثقة، وهذا أمر مهم، العرض هذا يسمونه العرض مقارنة المرويات، وهذا من أهم علومه، وهو أهمها تقريبا يكتشفون خطأ الراوي كيف يكتشف خطأ الراوي؟ لا يكتشف إلا بهذه الطريقة في الغالب، نعم أحيانا يكتشف بوسائل دقيقة مثل أن يسأل شيخه هل ما رواه عنك فلان صحيح، أو ليس بصحيح، لكن هذا -يعني- ليس بكثير.
الأكثر منه هو هذا أن يأتي الراوي، كما مر بنا في كلام ابن وهب، كلام أبي زرعة يقول: نظرت في بعض الروايات يقول: نظرت في مائة ألف حديث من حديث ابن وهب في مائة ألف حديث، ما رأيت له حديثا ليس له أصل، وفي بعض الروايات أنه نظر يقول نظرت في ثلاثين ألف حديث، هذا عمل في راوٍ واحد فقط -يعني- مثلا ابن وهب رحمه الله يروي عن جماعة لأبي زرعة أن يقارن مروياته بمرويات أقرانه عن كل شيخ منهم؛ لينظر هل هو ضابط، وكذلك أيضا تفصيل حال الراوي هذا بحر لا ساحل له، ينظرون في حديث الراوي عن هذا الشيخ، فيقولون: هو حافظ لحديث هذا الشيخ، طيب بقي الشيخ الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع، وهكذا يستمرون في شيوخ الراوي ينظرون في حديثه، ويصدرون أحكامهم على الراوي في هذا الشيخ، وفي هذا الشيخ، وفي هذا الشيخ يسبرون أحواله في البلاد.
ينظرون في رواية البصريين عنه، هل هي توافق رواية المدنيين، أو تخالفها؟ هل هو إذا حدث في البلد الفلاني مثله، إذا حدث في البلد الفلاني أو يختلف؟ ينظرون حديثه الأول وحديثه الآخر، هل تغير، أو اختلف؟ هذا كله -يعني- يعيشون مع الراوي من أول حياته إلى آخرها، ولهم في ذلك أمور عجيبة جدا جدا -يعني- القارئ في كتب الجرح والتعديل إذا قرأ بتمعن لا ينفك من الترحم عليهم، ويعني الدعاء لهم والاعتراف بفضلهم، وأيضا من التشوق لهذا العلم، وأنه لم يأت من فراغ، ولم يأت إلا بجهود كبيرة جدا بذلها هؤلاء الأئمة -رحمهم الله تعالى- فهذه الكلمة، وهذا السطر من ابن كثير، وهو قوله:" ويعرف ضبط الراوي بموافقة الثقات لفظا، أو معنى وعكسه عكسه" هذا تحته من الأمور العظيمة شيء كثير جدا -يعني- لا يقدر قدره من الجهد الذي بذله إذا نظرت، تتبعهم لحياة الراوي متى -يعني- حاله في صغره، حاله في كبره، حاله في بعض شيوخه، حاله في كتابه، حاله إذا حدث من حفظه -يعني- أمور -يعني- مما تشوق القارئ والناظر في هذا العلم، وأنه يدخل في علم جليل، ويدخل في علم منظم له قواعده، ولم -يعني- يحصل هكذا اعتباطا.
نعم. بعد ذلك تعرض ابن كثير تبعا لابن الصلاح إلى أمر مهم جدا، وهو إذا قال الإمام: فلان ثقة هل يلزم أن يقول هو ثقة؛ لأنه يصلي، ويفعل كذا وكذا؛ ولأنه ضابط في حديثه؛ ولأنه لم يخطئ يبدأ يعدد أو لا يلزم؟ وكذلك في الجرح ابن الصلاح رحمه الله قال: إن هو -يعني- فيه أقوال في المسألة، لكن ابن الصلاح اختار انه في التعديل، لا يلزم لماذا لا يلزم؟ لأن أسباب التعديل تطول؛ ولأنها معروفة لكن الذي نحتاجه إلى بيان إذا كان في قضية الجرح يقول: يلزم أن يبين أن يقول: ضعيف لكذا بأنه يخطئ؛ لأنه أخطأ في الحديث الفلاني؛ لأنه فعل كذا إذا كان بالعدالة، ثم استدرك ابن الصلاح على نفسه، نلاحظ هذا الأمر المهم، ابن الصلاح استدرك على نفسه، قال:
قد يقول قائل: إن أكثر أحكام الأئمة في كتب الجرح والتعديل غير مفسرة السبب فيقولون -فقط-: فلان ضعيف، فلان متروك، فقال ابن الصلاح، أجاب بجواب لم يقنع ابن كثير، ابن الصلاح ماذا يقول؟
يقول؛ لأنا إذا لم نكتف به توقفنا في أمره. إذ ليس قبولا للحكم بإطلاق، وإنما هو توقف في أمر هذا الراوي، ابن كثير رحمه الله لم يقتنع بهذا، والحق معه.
يقول: لا يكفي أن نتوقف في أمره، بل الصواب أننا نقبل حكم هذا الإمام، وإن لم يكن مفسرا؛ لأننا إذا اشترطنا أن الجرح والتعديل لا بد أن يكون من عالم بأسبابه، وعرفنا أن هذا الإمام لا يتكلم إلا بـ -يعني- بأدلة قوية، وسبرنا أحواله، وأنه يتفق مع باقي الأئمة في كثير من أحكامه، فهذا كاف في أن نقبل حكمه، وإن لم يكن مفسرا، وهذا هو الصحيح -يعني- إذا قال ابن معين في راوٍ ضعيف ما نطبق عليه مثلا، وإن كان رأي ابن كثير وابن الصلاح ليس بينهما تباعد، لكن قوله: نتوقف فيه ولا -يعني- لم يعبر بالقبول هذا هو الذي أشكل على ابن كثير -يعني- لا يقول قائل: إن ابن معين لم يفسر الجرح، بل لا نقبله، وهذا إنما يقوله بعض المتعصبين، قد يأتي -يعني- بعض المتعصبين، فيقول: هذا جرح غير مفسر، ويرده إما لكي يقوي حديثا، ولكن الإنصاف يقتضي أننا نقبل من هؤلاء الأئمة أحكامهم على علاتها، ولا نسأل عن سبب الجرح ثقة بهم من أين عرفنا هذا؟
يكفي أن نقرأ سيرتهم، وإنصافهم. تكلموا في آبائهم هل هناك أكثر من هذا يتكلم الراوي في أبيه، سئل ابن المديني رحمه الله عن والده، فيعني تغافل هكذا ما يريد أن يتكلم في أبيه يريد -يعني- أن السؤال يطرح على غيره، ثم السائل أتاه مرة أخرى وطرح عليه، فأيضا تغافل -يعني- ما أحب، وفي الثالثة قال: والدي ضعيف، والده يعني ليس متهما، لكنه ضعيف في حفظه، وتكلموا في إخوانهم يقول بعضهم: أخي يكذب في حديثه فلا تقبلوا منه فإني أخاف أن يكذب.
هذا من كلام
…
المهم زيد بن أنيس تكلم في أخيه يحيى. أخوه يحيى كذاب، فتكلم فيه، تكلموا في آبائهم، في إخوانهم، في أولادهم إنصافهم وروعهم رحمهم الله فنأمن.
وكذلك أحكامهم لما سبرت وجدت صحيحة عليهم -يعني- من جانبين أن يكونوا قد تحاملوا، ومن جانب أن يكونوا أخطئوا، فإذًا نقبل أقوالهم غير مفسرة سواء في التعديل أو في الجرح ولا تلتفت إلى غير هذا.
تكلم ابن كثير رحمه الله على تعارض الجرح والتعديل، وهذا باب واسع جدا لماذا؟ لأنه موجود بكثرة، الإمام قد يروى عنه عدد من الروايات بينها تعارض حتى الإمام نفسه، ونقول تعارض بناء على الظاهر، وقد يتعارض كلامه مع كلام غيره؛ ولهذا النظر في التعارض قواعد نشرحها في باب الجرح والتعديل، ونطيل فيها ليس هذا موضعها؛ لأن احتمال أن يكون هذا التعارض في الظاهر، أما في الباطن، فتلتقي الأقوال.
احتمال أن يكون الإمام ليس به بأس، ثم يقول: في مرة ليس بالقوي، ويقول مرة: ضعيف، وإذا درست هذه الأحوال أو هذه الأقوال ربما لا تجد بينها تعارض في الحقيقة؛ لأنها: ليس به بأس -يعني- أنه لم يصل إلى درجة الضعيف المتروك، ضعيف ليس به -يعني- لم يصل إلى درجة الثقة، فتلتقي أقوال الأئمة، ربما نترك قول الإمام؛ لأنه خالف غيره، وخالف عشرة من الأئمة، ربما نترك قول الإمام؛ لأنه مثلا تبين لنا أنه لم يخبره -يعني- أمور عديدة تسمى قواعد أو تدخل في قواعد النظر في أقوال الأئمة، فقضية
…
إذا نقول هنا -يعني- قضية الجرح والتعديل، لا ينبغي أن يطلق الحكم على أن الجرح هو المقدم، أو أن التعديل هو المقدم، أو أنه إذا بين السبب، فالجرح و.. كلام كثير هناك أقوال شاذة تذكر في كتب المصطلح، هناك من يقول لو عدله مائة وجرحه واحد يقدم قول من؟ المجرح يقولون: لأن معه زيادة علم، وهذا كلام خطير ما يمكن، ولا يصلح هذا في باب التطبيق، وإلا لم يبق عندك راو -يعني- لا يخلو راو من كلام إمام، ولو من كلام يسير، فمثل هذا الكلام لا يصلح.
بعض الأقوال في هذا الموضوع في هذا الفرع -كما ستأتي معكم- منقولة عن أصوليين أو منقولة نظريا أحيانا، فمسألة تعارض الجرح والتعديل هذه من أهم مسائل علم نقد السنة، ولها ضوابطها وقواعدها. نعم اقرأ يا شيخ.
الاكتفاء بقول الواحد في الجرح والتعديل
ويكفي قول الواحد في التعديل والتجريح على الصحيح، وأما رواية الثقة عن شيخ، فهل يتضمن تعديله ذلك الشيخ أم لا؟
فيه ثلاثة أقوال: ثالثها: إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوثيق وإلا فلا والصحيح أنه لا يكون توثيقا له حتى، ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه، ولو قال: حدثني الثقة لا يكون ذلك توثيقا له على الصحيح؛ لأنه قد يكون ثقة عنده لا عند غيره، وهذا واضح ولله الحمد، قال: وكذلك فتيا العالم، أو علمه، أو عمله وفق حديث لا يستلزم تصحيحه له.
قلت: وفي هذا نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث، أو تعرض للاحتجاج به في فتياه، أو حكمه، أو استشهد به عند العمل بمقتضاه قال ابن الحاجب: وحكم الحاكم المشترط العدالة تعديل باتفاق وأما إعراض العالم عن الحديث المعين بعد العلم به، فليس قادحا في الحديث باتفاق؛ لأنه قد يعدل عنه لمعاريض أرجح عنده مع اعتقاد صحته.
نعم. هذه أيضا أمور تتعلق بالجرح والتعديل واحد منها تقدم، وهو الاكتفاء بالتعديل بواحد، أو لا بد من العدد الصحيح أنه يكفي واحد، فإذا قال إمام من أئمة الجرح والتعديل عن شخص: إنه ثقة، فهو ثقة، وإذا قال: إنه ضعيف، فهو ضعيف، وهناك أمور تحكم -يعني- هذا هو -يعني- الصحيح في الجملة تحدث ابن كثير -أيضا- عن رواية الثقة عن شيخه، وهذه مسألة عظيمة، وهي التوثيق العملي، أو نعم يمكن أن نسميها هكذا، أو التعديل الضمني إذا روى الثقة عن راو، هل هو تعديل له أو ليس بتعديل؟
ذكر ابن كثير ثلاثة أقوال، وذكر الأول منها، أشار إلى ثلاثة أقوال واحد أنه ليس بتوثيق والآخر أنه توثيق، والثالث هو الذي ذكره قال: إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوثيق، وإلا فلا والصحيح أنه لا يكون توثيقا له حتى، ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه.
لست أعلق على هذا، تقول: يظهر من عمل الأئمة أن من لا يروي إلا عن ثقة إذا عرف من منهجه، أنه لا يروي إلا عن ثقة، فالصحيح أن روايته عن الشخص تقوية له، ونستفيد في من لم يكن فيه تعديل ولا تجريح يستفاد منه تقوية هذا الراوي، ولكن ليس معنى هذا أنه ثقة بإطلاق، وإنما -يعني- هذا خلاصة الكلام، والكلام طويل في هذا الموضوع، وكتب فيه كتابات خلاصته هذا أن رواية الراوي إذا كان عرف من حاله مثل شعبة، ويحيى القطان والإمام أحمد، وأبو داود وابن معين والبخاري وجماعة أئمة الجرح والتعديل في الغالب، لا يروون إلا عن ثقات في الغالب، لكن تقيد معنى الثقة هنا بأنه ليس المقصود به مطلق الثقة، وإنما له حظ من الثقة -يعني- ليس بمتروك الحديث، وهذا باب واسع كما ذكرت خلاصته:
أن الأئمة رحمهم الله عندهم حد للراوي، إذا لم يصل إلى حد الترك يروون عنه، وإن كان فيه شيء من الضعف، فالخلاصة أن من روى عنه من لا يروي إلا عن ثقة، فأقل أحواله أن يكون ضعفه محتملا -يعني- له حظ من الثقة بالنسبة لفتيا العالم على ضوء حديث، أو تركه للفتيا الواردة في الحديث -يعني- ذكر ابن كثير أنه هذه مسألة تصحيح الحديث، انتقل منها -يعني- أدخلها في مسألة الجرح والتعديل، يقول: ليست فتياه تصحيحا له على ضوئه، ولا تركه العمل به أيضا تضعيفا لهذا الحديث لاحتمالات أخرى، وقيد مسألة التصحيح إذا لم يكن في الباب غيره، أو احتج به أو كذا، وهذه أمور نعم، ما نطيل فيها.
اقرأ
…
مسألة أيضا، في مسألة هو قيد قضية فتيا العالم، يقول في هذا نظر، نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث أو تعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه، أو استشهد به عند العمل بمقتضاه يقول: هذا دليل على التصحيح له، وهذا فيه نظر، كلام ابن كثير؛ لأن بعض الأئمة يوردون أدلة فيها ضعف، ولا يكون عليها الاعتماد، قد يكون اعتماده على إجماع، أو قد يكون على قياس، أو قد يكون على أصل آخر غير السنة، أو على أقوال صحابة، قد يكون على أقوال صحابة نعم.
رواية مجهول العدالة ظاهرا وباطنا
مسألة: مجهول العدالة ظاهرا وباطنا، لا تقبل روايته عند الجماهير، ومن جهلت عدالته باطنا، ولكنه عدل في الظاهر، وهو المستور وقد قال بقبوله بعض الشافعيين، ورجح ذلك سليم بن أيوب الفقيه، ووافقه ابن الصلاح، وقد حررت البحث في ذلك في المقدمات، والله أعلم، فأما المبهم الذي لم يسم أو سمي، ولم تعرف عينه، فهذا ممن لا يقبل روايته أحد علمناه، ولكنه إذا كان في عصر التابعين والقرون المشهود لهم بالخير، فإنه يُستأنس بروايته، ويستضاء بها في مواطن، وقد وقع في مسند الإمام أحمد وغيره من هذا القبيل كثير والله أعلم.
وقال الخطيب البغدادي وغيره: وترتفع الجهالة عن الراوي بمعرفة العلماء له، أو برواية عدلين عنه قال الخطيب: لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه، وعلى هذا النمط مشى ابن حبان وغيره بأن حكم له بالعدالة بمجرد هذه الحالة، والله أعلم، قالوا: فأما من لم يرو عنه سوى واحد مثل عمرو ذي مر، وجبار الطائي، وسعيد بن ذي حُدان تفرد بالرواية عنهم أبو إسحاق السبيعي، وجُريّ بن كليب تفرد عنه قتادة قال الخطيب: الهزهاز بن ميزن تفرد عنه الشعبي، قال ابن الصلاح، وروى عنه الثوري وقال ابن الصلاح: وقد روى البخاري لمرداس الأسلمي، ولم يرو عنه سوى قيس بن أبي خازم، ومسلم لربيعة بن كعب، ولم يرو عنه سوى أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: وذلك مصير منهما إلى ارتفاع الجهالة برواية واحد، وذلك متجه كالخلاف في الاكتفاء بواحد في التعديل.
قلت: توجيه جيد، لكن البخاري ومسلم إنما اكتفيا في ذلك برواية الواحد فقط؛ لأن هذين صحابيان وجهالة الصحابي لا تضر بخلاف غيره، والله أعلم.
نعم هذا الكلام كله في المجهول، وهو الذي لم ينص أحد على عدالته أو على جرحه ما حكمه؟ هذا فيه تفصيل كثير -يعني- للعلماء -رحمهم الله تعالى- فمنهم من تسامح، ومشى على أنه إذا روى عنه عدلان، فهذا توثيق له، وهذه قاعدة ابن حبان، بل ربما تسامح فوثق من لم يرو عنه إلا راوٍ واحد، وخلاصة الكلام هنا أن الجهالة هذه ينظر فيها إلى أمرين: أشار ابن كثير إلى أحدهما، وفي الطبقة فالمجهول في عصر التابعين يختلف عنه عن العصور التي جاءت بعده، فكلما تأخر الزمن كلما كانت رواية المجهول أقرب إلى الرد أو إلى القبول؟ إلى الرد، هذه قاعدة مهمة في الموضوع؛ ولهذا -يعني- نلاحظ تطبيقها في الصحيحين، وهذا ضابط في موضوع الجهالة، بغض النظر عن كلام ابن كثير الذي ذكره عن سليم بن أيوب، وهذا أحد الفقهاء متأخر هذا جاء بعد عصر الرواية، ونحن نتكلم على أي شيء؟ على قواعد المحدثين أشرت إلى هذا مرارا، أن بعض هذه الآراء أخذت من -يعني- من كتب أصول الفقه.
فنخلص الموضوع في موضوع الجهالة، وهو كلام ابن كثير أنه يحكمه أمران:
الأمر الأول: الزمن فكلما تقادم العهد بالراوي كلما كان أدعى إلى قبول حديثه. هي ثلاثة أمور: هذا أمر -يعني- مثلا المجهول في عصر أحمد وفي عصر ابن معين يختلف لماذا يختلف؟ لماذا يختلف الحكم في الزمن؟ وهكذا ترى في قواعد النقد كلها تطبيقها في التفرد كما مر بنا، وفي زيادة الثقة وفي أمور كثيرة في قواعد النقد، كلما تأخر الزمن احتجنا في تطبيقها إلى التدقيق، هذه قاعدة عامة في قواعد النقد، ومنها أن نطبقها في الجهالة.
الجهالة، المجهول -يعني- مثلا إذا كان تابعيا، أشار ابن كثير والذهبي وابن عبد الهادي وجماعة إلى أن التابعي إذا كان مجهولا، وذكروا شروطا أخرى، فإنه يستأنس بروايته، ويتقوى بها، ويعني: قوي يكون حديثه قويا هذه واحدة.
الأمر الثاني: الذي يحكم موضوع الجهالة: هو الراوي عنه من الرواة، سئل ابن معين رحمه الله إذا روى الثقة عن شخص هل هو توثيق له؟ -يعني- معنى هذا السؤال فقال: إن كان ممن لا يروي إلا عن ثقة ومثل بابن سيرين من التابعين، ومثل أيضا فيما أذكر بالشعبي قيل له: فأبو إسحاق وسماك بن حرب، قال: لا، هؤلاء يروون عن مجهولين -يعني- يتسامحون في الرواة.
فإذًا ينظر في الرواة، الذي روى عن هذا المجهول؛ ولهذا يقول أحمد: هو ما تقدم قبل قليل، يقول أحمد رحمه الله: فلان ثقة روى عنه يحيى القطان، أو روى عنه مالك اعتمد في توثيقه على أي شيء؟ على رواية هذين، ولهم نصوص في هذا، في يحيى القطان، ويقول الإمام أحمد رحمه الله في بعض شيوخه: إنهم كانوا لا يحدثون عن كل أحد، ولا يرضون كل حد ذكر منهم أبا كامل مظفر بن مدرك، وذكر
…
المهم أنه ذكر بعض شيوخه، يثني عليهم بهذا، وأنهم ينتقون، فهذه قضية الانتقاء في الرواة تفيد في موضوع الجهالة.
والأمر الثالث: الذي يحكم موضوع الجهالة هو حديث الراوي. حديث الرواي الذي جاء به أحيانا لا نحتاج إلى البحث في عدالة الراوي وضبطه المجهول. ينكشف حاله من أي شيء؟ تنكشف حاله من حديثه، أحيانا يكون قد وافق الثقات، ولا نعرفه، فإذًا حديثه ماذا يكون الآن؟ لأن الغرض أصلا من الكلام في الرواة هو الوصول إلى درجة حديثه.
فإذًا هذه ثلاثة أمور تحكم موضوع الجهالة -يعني- تكلم كثير في الجهالة، وألقيت محاضرات وكتب الكثير، وفي نظري أنه يحكم هذه الأمور قضية المجهول، وأيضا بعض الأمور الجانبية مثل تخريج الشيخين، ومثل -يعني- هذه أمور تحكم موضوع الجهالة، لكنها هي تدور حول هذه الأمور الثلاثة قضية الزمن.
قضيه الراوي عنه من هو، ويعني الآن مثلا ذكر ابن كثير أنه إذا روى عنه عدلان ارتفعت جهالة عينه، وبقيت جهالة حاله، ذكره عنه الخطيب، يقولون هذا ليس على إطلاقه، ربما يروي عنه خمسة ولا ترتفع حاله، وربما يروي عنه واحد، وترتفع الجهالة عن حاله يكون قويا، وهذا -يعني- كما ذكرت ينظر في حال الراوي عنه.
ذكر ابن كثير أن البخاري ومسلما -رحمهما الله- أخرجا لرواة لا يروي عنهم إلا ثقة، ومثل بصحابيين فقال ابن كثير: هذا أمر يختلف؛ لأننا نتكلم في غير الصحابة، أما الصحابي إذا أثبتت صحبته، فيكفي كونه صحابيا لا علاقة بهذا.
اعتراض ابن كثير وجيه، لكن ليس معنى ذلك أنه لا يوجد في الصحيحين إلا هذين، يعني: يوجد بعض الرواة لم يوثقهم أئمة الجرح والتعديل، حتى في الصحيحين، يقول: أظن أحد الباحثين، إنه وقف على خمسين راويا في صحيح مسلم ممن لم -يعني- أظنه ذكر أيضا، ليس لهم إلا راوٍ واحد أو ذكر أنهم لم -يعني- ليس فيهم جرح ولا تعديل، فهذا موجود حتى في الصحيحين، ولكن كما ذكرت هناك أمور للنظر في حال الراوي غير التوثيق والتعديل، ونسميها الأحكام العملية التي هي من روى عنه، وأيضا ما مرويه، فهذه أمور تتعلق بالجهالة.
نعم أقرأ
…
الآن سيدخل في موضوع أكثر منه، يعني شائك جدا، وهو موضوع الابتداع، وسألخص الكلام فيه أيضا على هذه الطريقة نعم.
رواية المبتدع إن كفر ببدعته
مسألة: المبتدع إن كفر ببدعته، فلا إشكال في رد روايته، وإذا لم يكفر، فإن استحل الكذب ردت أيضا، وإن لم يستحل الكذب، فهل يقبل أو لا أو يفرق بين كونه داعية، أو غير داعية في ذلك نزاع قديم وحديث، والذي عليه الأكثرون التفصيل بين الداعية وغيره، فقد حكي عن نص الشافعي، وقد حكى ابن حبان عليه الاتفاق، فقال: لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة لا أعلم بينهم فيه خلافا.
قال ابن الصلاح: وهذا أعدل الأقوال، وأولاها والقول بالمنع مطلقا بعيد مباعد للشائع عن أئمة الحديث؛ فإن كتبهم طافحة بالرواية عن مبتدعة غير الدعاة، ففي الصحيحين من حديثهم في الشواهد والأصول كثير، والله أعلم.
قلت: وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره، ثم ما الفرق في المعنى بينهما، وهذا البخاري قد خرج لعمران ابن حطان الخارجي مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل عليّ رضي الله عنه وهذا من أكبر الدعاة إلى البدعة، والله أعلم.
نعم هذه قضية الابتداع قضية شائكة؛ لأننا، أو لأنهم اشترطوا في الرواي أن يكون عدلا، والابتداع في بادئ الأمر ينافي العدالة، ولكن الإنصاف مطلوب، ويعني التعامل مع الواقع يختلف عن الأمور النظرية؛ ولهذا -يعني- هذا في أمور كثيرة جدا جدا، فأنت قد تنظر، وفي الفقه مثلا قد تنظر، وكذا لكن لو تبتلي بالقضاء ربما نظراتك وأحكامك الأولى ربما يجري عليها تعديل، أن تعيد النظر في آرائك وفي أحكامك أو تبتلى مثلا بالتصدي للفتوى، أو نحو ذلك -يعني- يختلف التنظير عن التطبيق، فمسألة الابتداع هذه قضية شائكة، ما أطيل في أسباب الابتداع، وفي أنواع الابتداع وفي
…
لكن الكلام الذي ذكره ابن كثير ذكر عددا من المذاهب، أو من الأقوال في رد حكم رواية المبتدع، أنها ترد مطلقا واستبعده ابن كثير رحمه الله وقال هذا لا يمكن؛ لأننا من الناحية العملية نرى يقولون:
فلان كان يرى القدر، فلان كان يرى الإرجاء، فلان شيعي جلد، فلان كذا -يعني- مروي ببعض أنواع الابتداع فلان فيه نص، أنواع الابتداع كما تعرفون البلاد الإسلامية ابتليت بهذا مثلا، البصرة كثر فيها القدر والكوفة كثر فيها التشيع وكثر فيها الإرجاء والشام كثر فيه النص، وشباب نشئوا على هذا الشيء نشأ أهل الكوفة على التشيع لعلي، ونشأ أهل البصرة أن بعضهم على القدر، ويعني كذلك في المدينة قدر وفي الشام أيضا قدرية. نشئوا على هذه مسألة التنشئة هذه والبيئة -يعني- لا يصح إغفالها في قضية المعتقدات، المهم أئمة السنة وازنوا في قضية المصالح والمفاسد.
هل المصلحة في رد رواية المبتدعة من أجل ابتداعهم، أو في قبول حديثهم إذا كانوا ثقات ضابطين، وازنوا بين هذا، وهذا، فيقول ابن الصلاح: إن هذا بعيد أن نرد، أو أن نقول بأن رواية المبتدعة مردودة بإطلاقه هكذا، وذكر قولين، أو ذكر ما هو الراجح عنده أنه إن كان المبتدع داعيا لبدعته، فإن حديثه يرد أو لا يقبل حديثه، وإن كان مبتدعا في نفسه، ولا يدعو إلى بدعته، فإن حديثه مقبول، ويعني: يقول: الدليل على هذا أن في الصحيحين أنه أخرج
…
وللعلماء كلام أيضا في قبول أحاديث مبتدعة، ليسوا بدعاة، لكن الذي أحب -يعني- أن أعلق عليه بالنسبة لهذا أن قضية التفريق بين كون هذا داعية، وهذا ليس بداعية -يعني- قد ما يتهيأ دائما، وأحيانا تكون الدعوة إلى البدعة، أحيانا تكون ليس بالكلام
…
ربما تكون بالسلوك، عبد الرزاق رحمه الله قيل له: إن -يعني- شيوخك سنة معمر والثوري، وفيه تشيع هو من أين جاءك هذا؟ فيه نوع من التشيع -يعني- لكنه من تشيع الأئمة الذي هو التشيع الخفيف الذي هو -يعني- لا يتكلم في أبي بكر وعمر، وإنما يفضل عليا على عثمان -يعني- هذا هو التشيع الخفيف.
فقال رحمه الله: إنه قدم علينا جعفر بن سليمان الضبعي، فرأيته، أو فرأيت سلوكه، أو رأيت مثلما تقول أخلاقه، أو سلوكه حسنا، فأخذت هذا عنه.
وهذا يرشدك إلى قضية السلوك في الدعوة ربما يكون الداعية -يعني- مثلا.. كثير من البلاد الإسلامية كيف دخلها الإسلام؟ عن طريق ماذا دخلها الإسلام؟ عن طريق التجار أناس عاديون، ولكنهم تجار صادقون في معاملاتهم أحبهم الناس، فانتشر الإسلام في بعض البلاد، وأصبح الآن أصبحت بلاد إسلامية.
فإذا قضية الدعوة هذه، فالذي يظهر لي -والله أعلم- أن العبرة بصدق الراوي وضبطه لحديثه، ويتكلمون في بدعته يقولون: فلان يرى القدر فلان كذا وكذا، ويثنون عليه في حديثه ثبت ثقة ضابط، يثنون عليه بثناء عاطر جدا، ويذكرون عنه أنه كان مبتدعا، فالمهم أنه يظهر لي، أن قضية التفريق بين الداعية وغيره من الناحية العملية، قد أقول: قد لا تتهيأ كما ينبغي.
فالذي يظهر أن العبرة بصدق الراوي وضبطه لحديثه وبدعته عليه كما قال يحيى القطان، وجماعة من الأئمة في تعليلهم قبول حديث المبتدع؛ لأنهم وازنوا كما ذكرت يقولون: لو تركنا حديث أهل البصرة للقدر، وحديث الكوفة للتشيع وحديث الشام للنص، وحديث كذا لم يبق عندنا سنة، ابتلوا بهذا الشيء، ويعني: قد يكونون معذورين متأولين، فيهم -أيضا- أئمة رحمهم الله وفيهم الزهاد والعباد، ومع ذلك ابتلوا بهذا الشيء لا -يعني- ليس هذا -يعني- بأسباب كثيرة، فالمقصود أن هذا ما يتعلق بموضوع الابتداع هو موضوع دقيق، فكأن العلماء -رحمهم الله تعالى- فصلوا بين ابتداع الراوي، ويبن قبول روايته إذا وثقوا بها، وهذا هو -يعني- خلاصة الموضوع في الابتداع نعم.
رواية التائب من الكذب في حديث الناس
مسألة: التائب من الكذب في حديث الناس: تقبل روايته، خلافا لأبي بكرٍ الصيرفي، فأما إن كان قد كذب في الحديث متعمدا، فنقل ابن الصلاح عن أحمد بن حنبل، وأبي بكر الحُميدي شيخ البخاري أنه لا تُقبل روايته أبدا.
وقال أبو المظفر السمعاني: من كذب في خبر واحد وجب إسقاط ما تقدم من حديثه.
قلت: فمن العلماء من كَفَّرَ متعمدَ الكذب في الحديث النبوي، ومنهم من يحتم قتله، وقد حررت ذلك في المقدمات.
وأما من غلط في حديث فيُبَيَّن له الصواب، فلم يرجع إليه، فقال ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، والحميدي: لا تُقبل روايته أيضا.
وتوسط بعضهم فقال: إن كان عَدم رجوعه إلى الصواب عنادا، فهذا يلتحق بمن كذب عمدا، وإلا فلا، والله أعلم.
ومن ها هنا ينبغي التحرز من الكذب كلما أمكن، فلا يحدِّث إلا من أصل معتمد، ويجتنب الشواذ والمنكرات، فقد قال القاضي أبو يوسف: من تتبع غرائب الحديث كذب.
وفي الأثر: ? كفى بالمرء إثما أن يحدِّث بكل ما سمع ?.
نعم. هذه قضية التوبة من الكذب، تكلم عليها ابن كثير، ويقول: إنه إذا تاب من الكذب في حديث الناس تُقبل روايته، خلافا لأبي بكر الصيرفي، وهذا أصولي متأخر.
وكذلك أيضا تكلم عن إذا كذب في الحديث متعمدا، فنقل ابن الصلاح عن أحمد والحميدي أنها لا تقبل روايته، وإن تاب، وإن تاب لا تقبل روايته؛ لأنه تغليظ له على كذبه الأول.
ونقل
…
-يعني- منهم من يكفره.
المهم
…
هذه المسألة بس نعلق عليها، أن تأثيرها في الرواة قليل جدا -بحمد الله تعالى-، لا تصادف الباحث كثيرا، لا تصادفك، يعني: إن صادفتك فهي نادرة جدا أن يقال: فلان كان يكذب في الحديث ثم تاب.
هذا -بحمد الله تعالى- نادر جدا، يمكن لا يذكر.
يعوزك المثال الصحيح أن فلانا كان يكذب في الحديث ثم تاب، فاحتجنا إلى النظر: هل تقبل توبته أوتقبل روايته أو لا؟ هذا -بحمد الله تعالى- نادر جدا، تأثيرها في باب الرواة، وإنما يذكرونها هكذا من باب التغليظ في الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قضية العناد أو الغلط، قد نَصَّ جماعة من الأئمة على أن الرواي إذا غلط في حديث، أو في أحاديث، وقيل له: هذا غلط، وأَصَرَّ على روايته، أن هذا جرح فيه، ولكن في كلامهم ما يوحي أن هذا إذا أصر على غلط مُجْمَع عليه، يعني: الناس قالوا له: هذا غلط وهكذا، فإن هذا جرح فيه.
وهذا الكلام صحيح أنه يُعَدّ جرحا، وممن يجرَّح بذلك إمامٌ مشهور يقال له علي بن عاصم.
علي بن عاصم هذا أكثر ما أخذوا عليه إصراره على الخطأ، كان فيه رحمه الله نوع كِبْر وإباء، وإلا كان من المحدثين الكبار، كان يحضر مجلسه
…
يعني يحزرون الذين يحضرون مجلسه بمائة ألف شخص، ولكنه رحمه الله يغلط؛ لأنه كان كثير الاعتماد على الصحف، فيصحِّف، ويغلط في أسماء الرواة، فيقال له: هذا اسمه كذا. يقول: لا، هذا شخص آخر، يعني: أن من أروي عنه شخص غير الذي تريده، وهو هو، لكنه أخطأ في اسمه.
فبعض الرواة ضُبِطَ عليهم أنهم..؛ ولهذا يقول الإمام أحمد: إن الرواي -في كلام له- إن الراوي إذا نُبِّه إلى الغلط ورجع ينبئُك عن صدقه، وعن ثقته وأمانته، وأما إذا أصرَّ على غلطه..، وهذا موجود في بعض الرواة -كما ذكرت في علي بن عاصم وغيره- موجود أنهم يُنَبَّهون.
ولهذا نص على هذا شعبة وغيره، يقولون: الرجل إذا كان أصر على خطأ مُجْمَعٍ عليه فهذا جرح فيه.
نَبَّه ابن كثير رحمه الله إلى أنه ينبغي للراوي ألا يحدِّث إلا من أصل معتمد، وهذا صحيح.
كثير من الأئمة رحمهم الله يوصون ألا يحدث الإنسان إلا من كتاب، ويقصد بالأصل المعتمد: يعني عند المتأخرين هذا.
ويجتنب الشاذ والمنكرات -الشواذ والمنكرات- وهذا أيضا صحيح؛ لأن بعض الرواة يأخذون عليهم، الإكثار من الرواية عن الضعفاء، ومن الرواية للمناكير، وربما أثّر هذا فيهم وهم ثقات، مثل عيسى بن موسى، يقال له بنجار، ومثل بقية بن الوليد، ومثل جماعة من الرواة، يكثرون من رواية الشاذ والمناكير، حتى أثرت على روايتهم، وهم في أنفسهم ثقات -رحمهم الله تعالى. نعم.. اقرأ يا شيخ..
النسيان من الراوي
مسألة: إذا حدث ثقة عن ثقة بحديث، فأنكر الشيخ سماعه لذلك بالكلية، فاختار ابن الصلاح أنه لا تُقبل روايته عنه؛ لجزمه بإنكاره، ولا يقدح ذلك في عدالة الراوي عنه فيما عداه، بخلاف ما إذا قال: لا أعرف هذا الحديث من سماعي، فإنه تُقبل روايته عنه.
وأما إذا نسيه فإن الجمهور يقبلونه، ورده بعض الحنفية، كحديث سليمان بن موسى عن الزهري، عن عروة عن عائشة -رضي الله تعالى عنها-: ? أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنحكاها باطل ? قال ابن جريج: فلقيت الزهري فسألته عنه فلم يعرفه.
وكحديث ربيعة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه ? قضى بالشاهد واليمين ?.
ثم نسي سهيل لآفة حصلت له، فكان يقول: حدثني ربيعة عني، قلت: هذا أولى بالقبول من الأول، وقد جمع الخطيب البغدادي كتابا فيمن حدث بحديث ثم نسي.
نعم هذه قضية، وهي قضية النسيان من الراوي، إذا حدث الراوي بحديث أو رواه عنه بعض تلامذته، ثم أنكره أو قال: نسيته، أو قال: لا أعرفه، جعلوها على قسمين -جعلها ابن الصلاح على قسمين-:
القسم الأول: أن يرده جازما، يقول: لا أعرفه، أو ينكره، يقول: لم أروه، فهذا يقول ابن الصلاح: إنه ترد به رواية الراوي.
والقسم الثاني: أن لا يجزم، بل يقول: نسيته -كما يفعله بعض الرواة- بعض الرواة يقول: حدثني فلان عني، أني حدثته بكذا، فهذا حَمَل الأمر على.. صدق صاحبه وثوقا به، ولكنه حمله على أنه هو نسي، وهذا كثير يقع -أيضا- بين الناس، ربما تحدث شخصا بقصة وبعد سنوات يسألك عنها، فتقول مثلا: ما أذكر أني قلت لك كذا، وربما يكون في مجلس فيُحضر من يصدقه، وهذا موجود.
هذا كلام ابن الصلاح، قسمه على قسمين، أو جعله على قسمين، الذي يظهر لي -والله أعلم- وقد نبّه عليه بعض الشراح أو المعلقين على هذا الكتاب، أن العبرة بثقة الراوي الذي حدث، سواء أنكره الشيخ أو قال: نسيته، يعني بأي عبارة رد بها هذا الحديث، يعني التفريق بين قوله: لا أعرفه، وبين قوله: نسيته.
هذا.. -يعني- من أشهر الأحاديث، في هذا حديث مشهور، في البخاري ومسلم، وهو حديث ابن عباس: ? ما كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير ?.
أو: ? كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير ?.
فهذا من الذي يرويه عن ابن عباس؟ هو جابر بن زيد، وعنه عمرو بن دينار، عمرو بن دينار يقول: سألت عنه بعد ذلك جابر بن زيد فأنكره، وهذا الإنكار موجود في صحيح مسلم، الحديث في الصحيحين، لكن الإنكار موجود، أثبته مَن؟ الإمام مسلم.
فيقول العلماء: هذا نصيرٌ من الإمامين، يقول الشافعي رحمه الله: كأنه نسي بعد أن حدثه، الذي نسي من هو؟ جابر بن زيد.
أبو هريرة رضي الله عنه كان يحدث أصحابه، فقالوا له: كنت قد حدثتنا بكذا، فرطن لهم بالأعجمية، أي قال: أبيت أو كذا، فيقول أبو سلمة: لا أدري، أنسي أبو هريرة أو نسخ حديثه الآخِر حديثه الأول! .
فالمقصود أن النسيان هذا وارد، وأنه يظهر أن الاعتماد على ثقة الراوي وجلالته الذي نسب إلى هذا الشيخ ما حدث به، فإذا كان ضابطا ثقةً فالأصل قبول حديثه، ولا يحكم عليه بالغلط بمجرد أن شيخه نسي، وله أمثله، الخطيب البغدادي ألف كتابا اختصره السيوطي برسالة صغيرة اسمها " تذكرة المؤتسي فيمن حدث ونسي ".
وكتاب السيوطي مطبوع، أما كتاب الخطيب فيقول بعض الباحثين: إنه مفقود، يعني لا يوجد. نعم.
أخذ الأجرة على التحديث
مسألة: ومن أخذ على التحديث أجرة هل تقبل روايته أم لا؟ روي عن أحمد وإسحاق وأبي حاتم أنه لا يُكتب عنه؛ لما فيه من خرم المروءة، وترخص أبو نعيم الفضل بن دكين وعلى بن عبد العزيز وآخرون، كما تؤخذ الأجرة على تعليم القرآن، وقد ثبت في صحيح البخاري: ? إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ?.
وقد أفتى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي فقيه العراق ببغداد لأبي الحسين بن النقور بأخذ الأجرة؛ لشغل المحدثين له عن التكسب لعياله.
هذه القضية تتعلق بالمروءة، مروءة المحدثين، وليست المروءة عموما.
المحدثون -رحمهم الله تعالى- تعارفوا فيما بينهم على نبذ، أو صرف النظر عن الدنيا، بالنسبة للتحديث، ولهم في ذلك أقوال كثيرة جدا جدا، وتصرفات.
كان الواحد منهم.. -يعني- يصف الإمام أحمد منزل أحد شيوخه -وهو عبدة بن سليمان، أظنه عبده بن سليمان- المهم يقول: لو أخرج متاعه ووضعه في الشارع ما أخذه أحد -يعني ما يسوى من يلتفت له- وكان شيخه زيد بن الحباب رحمه الله أتوا إليه وإذا هو عريان، ليس له إلا ثوب واحد، عريان هو، يغسل ثوبه وينتظر أن يجف، ولهم أخبار
…
كذلك خصوصا في الرحلات، في الرحلات ربما يعني الواحد منهم مثلا تقل نفقته فيبيت الثلاثة الأيام أو الأربعة، يبيت الثلاثة الأيام بدون أكل، وينقطع عن زملائه، ولا يخبرهم تعففا، حتى إن بعضهم نقلوا أو ذكروا عن
…
أظنه حماد بن سلمة -أنسى الأسماء- المهم أنه كان عطشانا، فطرق باب بيت يريد ماء، فخرج عليه صبي وأحضر له ماء، فلما أتاه بالماء نظر إلى الصبي، فإذا هو.. كأنه عرفه، قال له: ألست تتردد إلينا -يعني في مجلس العلم- قال: بلى. فأعطاه الكأس، ولم يشرب.
وكانوا يقولون: نصون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عرض الدنيا.
وأيضا أغلقوا هذا الباب؛ لأنه مظنة أن يُطلَب به الدنيا، أو أن يتزيّد المحدث من أجل غرض
…
المهم هذه مروءة تعارفوا عليها، وإن كانت في أصل الشرع مباحة، فكان الإمام أحمد رحمه الله يقول: لا يُؤخذ عمن يبيع الحديث، ولا كرامة.
ولهم في ذلك كلمات، لكن مع هذا، الأمر فيه سعة، هو مروءة، ومروءة حديثية -كما ذكرت- من جهة الشرع يقولون: لا بأس؛ لأنه صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه يقول: ? إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ?.
فإذا كان هذا في كتاب الله، ففي الحديث من باب أولى. فقالوا: إن الراوي إذا كان ثقة ضابطا، وأمن عليه التزيد، واحتاج، فلا بأس.
قد تقرأ بعض التراجم أنه كان يأخذ الأجرة. هذا أبو نعيم الفضل بن دكين، الإمام أحمد يقول: نزاحم به ابن عيينة -يعني من شيوخه الذين يزاحم بهم
…
، يعني نضعه في مصافِّ من؟ ابن عيينة رحمه الله، وكان يأخذ الأجرة ويقول هو رحمه الله: يلومونني على أخذ الأجرة، وفي بيتي ثلاثة عشر نفسا، وما في بيتي رغيف واحد! وهو من الثقة والضبط والإتقان..، هو الذي مر بنا أن يحيى بن معين اختبره في تلك القصة.
فالمقصود أنه رحمه الله
…
هذه القضية الأصل فيها المنع، منعا للتكسب بالحديث والتزيد منه، ولكن قد تصادفك في بعض التراجم، بعضهم يشترط.
والبغوي -هذا رحمه الله الذي ذكره- كان محتاجا، كان في مكة، ويأتي إليه الطلبة، وكان يشترط عليهم -يعني يأخذ الأجره على التحديث- وبعض العلماء أفتى لبعض المحدثين بأن طلبة الحديث منعوه من التكسب لعياله، أشغلوه بطلب الحديث، فأفتى له بعض الفقهاء بأن يأخذ الأجرة عليهم، ولا بأس بذلك.
فهذا الموضوع إذا جمع الثقة والإتقان وأيضا الأمن من التزيد، فهذا يقولون: لا بأس به، وبهذا يُجمع بين ما ظاهرة التعارض حول هذه المسألة. نعم.
مراتب الجرح والتعديل
مسألة: قال الخطيب البغدادي: أعلى العبارات في التعديل والترجيح أن يقال: حجة أو ثقة، وأدناها أن يقال: كذاب.
قلت: وبين ذلك أمور كثيرة يعسر ضبطها، وقد تكلم الشيخ أبو عمر على مراتب منها، وسمى اصطلاحات في أشخاص ينبغي التوقيف عليها، من ذلك: أن البخاري أيضا قال في الرجل: سكتوا عنه أو فيه نظر: فإنه يكون في أدنى المنازل وأفضحها عنده، ولكنه لطيف العبارة في التجريح، فليعلم ذلك.
وقال ابن معين: إذا قلت: ليس به بأس فهو ثقة. قال ابن أبي حاتم: إذا قيل: صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به، فهو من من يُكتب حديثه وينظر فيه. وروى ابن الصلاح عن أحمد بن صالح المصري، أنه قال: لا يترك الرجل حتى يجتمع الجميع على ترك حديثه، وقد بسط ابن الصلاح الكلام في ذلك، والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم بما عرف من عباراتهم في غالب الأحوال، وبقرائن ترشد إلى ذلك، والله الموفق.
قال ابن الصلاح: وقد فقدت شروط الأهلية في غالب أهل زماننا، ولم يَبْقَ إلا مراعاة اتصال السلسلة في الإسناد، فينبغي ألا يكون مشهورا بفسق ونحوه، وأن يكون ذلك مأخوذا عن ضبط سماعه من مشايخه من أهل الخبرة في هذا الشأن، والله أعلم.
نعم. هذا الكلام على ما يتعلق بمراتب الجرح والتعديل، وهو أحد أبواب الجرح والتعديل، وهو المقصود من علم الجرح والتعديل، ولكن ابن كثير رحمه الله اختصره؛ لأنه رأى الموضوع واسعا، وابن الصلاح يقول: توسع وأطال. فما كان من ابن كثير إلا أن أشار إشارات، وهذا هو زبْدة علم الجرح والتعديل، لماذا هو زبدة علم الجرح والتعديل؟ لأنهم -يعني من كلام الأولين- وضعوا مراتب من مجموع كلامهم، ولكن أول من حررها هو ابن أبي حاتم في مقدمة الجرح والتعديل، لكي يُسهّل على طلبة العلم والناظرين، والنقاد بعد أئمة الجرح والتعديل، يسهل عليهم الاستفادة من كلام الأولين.
فوضعوا مراتب للرواة توثيقا وتجريحا: المرتبة الأولى: كذا، المرتبة الثانية: كذا، المرتبة الثالثة: كذا، وأصدروا أحكاما، أصدر ابن أبي حاتم حكم أصحاب المرتبة الأولى: أنه يحتج بهم، الثانية: يحتج بهم، والثالثة: يُكتب حديثهم وينظر فيه، والرابعة: كذلك، ووضع أحكاما لكل مرتبة، فإذن يسهُل عليك، فإذا قيل: الراوي ثقة، هذا في مرتبة وتنظر ومعها حكمها، إذا قيل: صدوق، فهذا في مرتبة ومعها حكمها، إذا قيل مثلا: ليس به بأس، إذا قيل: ضعيف، إذا قيل: ليس بالقوى، إذا قيل: ليس بشيء، إذا قيل: واهم، إذا قيل: متروك، إذا قيل: وضّاع، ما زال العلماء يتوسعون في هذه المراتب، حتى استقر العمل أو استقر التوسع هذا
…
ابن أبي حاتم، وضعها أربعا للجميع، جرحا وتعديلا.
وسّعها ابن الصلاح قليلا، ثم وسّعها الذهبي، ثم العراقي، ثم ابن حجر، ثم السخاوي، واستقرت على اثنتي عشرة مرتبة: للتعديل ست مراتب، وللجرح ست مراتب، يبدءون بالأعلى منها، وهي الثقة -يعني ما تكرر: ثقة ثقة ثقة، أو ما يقال فيه: إنه أوثق الناس- وينزلون إلى الوضاع.
فهذه اثنتا عشرة مرتبة، ولها أحكام، يقولون مثلا: الأربع مراتب الأولى: هذه حديثهم صحيح، المرتبتان الأخيرتان من مراتب التعديل: هذه حديثهم يدور حول الحديث الحسن، المرتبة الأولى والثانية من مراتب الجرح: حديثهم ضعيف، قابل للاعتضاد، المراتب الأربع الأخيرة من مراتب الجرح: هذه لا يعتضد بأصحابها، يعني حديثهم هو الذي قيل: إنه لا يصلح للاعتضاد.
فهذه هي زبدة باب الجرح والتعديل التي هي مراتبها، مراتب الجرح والتعديل، والكلام فيها واسع، يُوجد في الكتب المطولة.
ابن كثير رحمه الله ما كان منه إلا أنه لَمَّ الموضوع واختصره، ويوجد -مثلا- في "فتح المغيث" تطويل حول هذا، وفيه كتب صدرت في ضوابط الجرح والتعديل، أشهرها الآن كتاب الشيخ عبد العزيز بن عبد اللطيف رحمه الله، وهو أحد أساتذة الجامعة الإسلامية، ودرس هذه المادة، وتخصص فيها، ووضع ضوابط للنظر في أقوال الأئمة في الجرح والتعديل، واستقصى موضوع المراتب هذه، ولخصها وسلسلها تاريخيا.
ثم تكلم ابن كثير رحمه الله على أنه ينبغي لطالب العلم أن يراعي الاصطلاحات الخاصة لبعض الأئمة، وهذا الكلام صحيح، يقول هو رحمه الله: إن البخاري رحمه الله إذا قال لنا عن فلان: سكتوا عنه. ما ظاهر هذه العبارة الآن (سكتوا عنه) ؟ ظاهرها: أنهم لم يتكلموا عليه، لكن باطنها: أنه متروك الحديث، باطنها..، يعني أخذا من الاستقراء، حتى إنه ربما يقول -وهذا من الغريب-: سكت عنه ابن المبارك، فإذا ذهبت إلى كلام ابن المبارك، فإذا هو يقول فيه متروك الحديث.
وكذلك كلمة البخاري الثانية، يقول: فيه نظر، لكن هذه أخف من الأولى، حتى إن بعض الباحثين يقول: إطلاق أن (فيه نظر) من أدنى المراتب عند البخاري فيه نظر، فالبخاري يطلقها على من هو متروك الحديث، وعلى من هو فوقه.
فالمقصود أن البخاري رحمه الله -يقولون- يختار عبارات لينة لتجريح الراوي، معروف أن الأئمة يختلفون في التجريح، هم يجرحون، الدرجة واحدة ولكن قد يختارون عبارة هذا
…
، مثلا ابن معين يختار عبارات قوية جدا، إما أن يلعنه أو يقول: الخبيث، عدو الله، ما أحوجه إلى أن يُقتل! ما أحوجه إلى أن تهدم داره! يعني يقول عن شخص: ينبغي أن تهدم داره، ويُهدم ما حولها؛ أربعين من هنا، وأربعين من هنا، وأربعين من هنا، وأربعين من هنا.. فقال له قائل: إذن تدخل دارك في الهدم، قال: يُبدأ بها. معنى كلامه.. يشدد هو في الرواة؛ ولهذا السبب نُسب إلى التشدد في الجرح والتعديل، وليس كذلك هو، لكن التشديد في أي شيء؟ إذا قارنته بكلام الإمام أحمد، تجد بينهما فرقا في اختيار العبارات، وإن كان المؤدي واحد، لكن هو يختار عبارات
…
؛ ولهذا كان يخاف منه الرواة.
المهم يقول ابن كثير: ينبغي أن يراعي مصطلحات الأئمة، أحيانا الإمام
…
مثلا نقلوا عن ابن معين أنه قال: إذا قلت ليس به بأس فهو ثقة، هذا منقول عن ابن معين وعن غيره أيضا، ويعني ظاهرها الآن بالنسبة لمراتب الجرح والتعديل: أنهم يضعون (ليس به بأس) في مرتبة دون الثقة، لكن منقول عن ابن معين أنه يقول: إني أردت به..، إذا قلت: ليس به بأس، فهو ثقة، وهذا الكلام صحيح، ولكن مع هذا يظهر -والله أعلم- أن ابن معين لا يقول في الراوي:(ليس به بأس) هكذا، إلا وهو ثقة، لكنه في أدنى مراتب الثقة، هذا الذي يظهر.
فيه جملة أخيرة في كلام ابن الصلاح، لما فرغ من جميع ما يتعلق بأصول الجرح والتعديل أو بفروع الجرح والتعديل، ختمه بكلام ينبغي أن نفهمه جيدا، أمر مهم، وهو أن هذه الشروط التي اشترطها الأئمة في الجرح والتعديل في الراوي، جرحا وتعديلا.
في العصور المتأخرة تخففوا منها كثيرا، وألغوها تقريبا، في النهاية ألغيت، حتى لم يعد لها وجود، وكما ذكرت نحن لسنا بحاجة إلى علم الجرح والتعديل، لِم ألغيت؟ لأنه ذهب عصر الرواية، هذا هو السبب، لو كان هناك عصر الرواية ما ذهبت، إذن ذهب عصر الرواية، فيقولون: الرواة الآن يروون كتبا، الرواة في العصور المتأخرة لا يرون أحاديث، وإنما يروون نسخا وكتبا، يرون "صحيح البخاري"، يروون "صحيح مسلم"، يروون "مصنف ابن أبي شيبة"، يروون "مصنف عبد الرزاق" كتب موجودة متعارف عليها، يروون أجزاء معروفة، متعارف عليها.
إذن يكفي أن يكون هذا الراوي -وإن لم تتوافر فيه شروط الرواة الأولين- يكفي فيه أن يكون هناك أصل مثبت من ثقة أن هذا سمع، وقد مر بنا -يمكن ما مر بنا هنا- أن ابن كثير رحمه الله روى حديث المسلسل بقراءة سورة "الصف"، حديث معروف كل راوٍ يقرأ سورة "الصف" إلى النبي صلى الله عليه وسلم فابن كثير أحب أن يلتحق بهذه السلسة، فجاء إلى شيخ يروي هذا الحديث.
لكن نتصور هذا الشيخ عامّي ما يعرف أن يقرأ سورة "الصف"، ولكنه أيام كان صغيرا أُحضر مجلسا، وهذا هو سبب رواية الرواة وإن لم يكونوا أهلا للرواية في العصور المتأخرة، أنهم يحضرون وهم صغار، ثم قد ينشغل عن الرواية، لكنه يعمر فيحتاجونه الناس.
يقول ابن كثير: وضاق الوقت عن تلقينه إياها، يعني: ما استطاعوا حتى أن يلقنوه سورة "الصف"، وإن كان ابن كثير قد رواها مرة ثانية، يعني حصلت له فرصة أن يرويها بطريق آخر، لكن هذا ينبئنا
…
وكذلك الذهبي رحمه الله في معجم شيوخه، عتب على نفسه هو، عتب وشدد في العتاب على نفسه وعلى بعض المحدثين الذين يروون عمن هو ليس بأهل للرواية، وإنما الغرض هو كثرة الرواية.
وهذا -كما ذكرت- له سبب، السبب هو أنهم يقولون: المقصود بقاء سلسلة الإسناد الذي خص الله به هذه الأمة، وأيضا مزيد ضبط لهذه الكتب، حتى يعتنى بها، وتُسمّع وتُضبَط، وتُقرأ على علماء، -ما في شك- فيه فوائد أخرى غير قضية التوثق من الرواية، هذا هو معنى التسمح، وسيأتي معنا مزيد تسمح في النوع الذي بعد هذا الذي هو النوع الرابع والعشرون، تسمّحوا في طريقة التحمل، داخل في هذا الشيء، الذي هو الإجازة والمناولة وما يتعلق بها.
نقف هنا، هذا النوع -كما ذكرت- طويل، ونأخذ النوع الذي بعده غدا -إن شاء الله تعالى- وربما نكمل الكتاب -إن شاء الله- بهذه الطريقة.
س: يقول السائل: قررتم -حفظكم الله- أنه لا ينبغي لطالب العلم أن يروي الحديث الصحيح بصيغة التمريض، والناظر إلى "صحيح البخاري" يرى كثيرا من الأحاديث التي يرويها البخاري بصيغة التمريض، فهل هي قاعدة خاصة به، وجزاكم الله خيرا؟
ج: نعم، هو في البخاري موجود هذا، قد يذكر حديثا بصيغة التمريض، وقد أخرجه في مكان آخر، ولكن نلاحظ أن البخاري رحمه الله، يراعي قضية الاستنباط، ذكروا عنه هذا، فلعل هذا قاعدة له، يُراعي قضية الاستنباط من الحديث، يعني يشير ابن حجر إلى هذا، أن البخاري إن ما ذكره بصيغة التمريض بسبب فيه يتعلق بالاستنباط، أو لكونه ساقه بالمعنى أو نحو هذا، فلعل هذا قاعدة له، والله أعلم.
س: يقول السائل: ما المقصود من قول الحافظ ابن كثير في المقدمات؟
ج: كتاب له سماه "المقدمات"، هو في أصول الفقه، كتاب معروف لابن كثير اسمه "المقدمات"، وهو في أصول الفقه. نعم.
أحسن الله إليكم.
س: السؤال الأخير يقول: ما هو الفرق بين العدالة الظاهرة، والعدالة الباطنة؟ ومن هو المستور؟
ج: المستور: هو العدل ظاهرا، ولكن لم تخبر حاله باطنا، يعني: لم يُعرف عنه فسق ولا.. يعني لم يعرف عنه ما يخل بالعدالة الظاهرة، ولكنه لم يُخبر باطنا؛ لأنه معروف أنه لا يكفي أن يكون.. . المزكي هذا إذا أراد أن يزكي شخصا لا بد أن يكون يعرفه، لا بد أن يعرفه معرفة باطنة، إما أن يكون قد عامله، أو عاشره، أو له به صلة، فهذه هي العدالة الباطنة، العدالة الباطنة: معرفة حال الشخص، ولا يكفي ألا نعرف عنه خارما للعدالة، أو ناقضا للعدالة، هذا معنى كلامه.
أحسن الله إليكم.
س: الجزء الثاني من السؤال يقول: وهل قول أحمد وغيره: "الحديث الضعيف أحب إليّ من رأي الرجال" يدل على الاستشهاد بالحديث الضعيف في الأحكام؟
ج: نعم. -بلا شك- يدل هذا على أنه ربما أخذ بالحديث الضعيف في الأحكام أيضا، وهو أحب إليه من رأي الرجال، وقد ذكرت أكثر من مرة رحمه الله أن الأئمة يحرضون على الاتباع، يفرحون إذا وجدوا في المسألة أثرا، أو حديثا ولو ضعيفا، ولكن بعض.. مثل شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنه ليس مراد أحمد بالضعف هذا، الضعف الذي نتركه نحن، يعني لم يصل عندنا إلى الحسن، الذي عرّفه به الترمذي.
وكلامه فيه نوع من الدقة، أو فيه شيء من الدقة بلا إشكال، دقيق رحمه الله يقول: إن ما اصطلح عليه الترمذي ويسميه حسنا هذا هو الذي كان أحمد رحمه الله يسميه.. أو يطلق عليه الضعف، أما ما لم يصل إلى الحسن عندنا فهذا يقول: لا يستدل به أحمد، هذا معنى كلامه رحمه الله. نعم.
أحسن الله إليكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد
سبحانك اللهم وبحمدك، نستغفرك اللهم ونتوب إليك، اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.