المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث - شرح اختصار علوم الحديث - اللاحم

[إبراهيم اللاحم]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌ترتيب ابن الصلاح لأنواع الحديث

- ‌تقسيم الحديث إلى أنواعه صحة وضعفا

- ‌النوع الأول: الصحيح

- ‌النوع الثاني: الحديث الحسن

- ‌النوع الثالث:الحديث الضعيف

- ‌ النوع الرابع: "المسند

- ‌النوع الخامس: المتصل

- ‌النوع السادس: المرفوع

- ‌النوع السابع: الموقوف

- ‌النوع الثامن: المقطوع

- ‌النوع التاسع: المرسل

- ‌النوع العاشر: المنقطع

- ‌النوع الحادي عشر: المعضل

- ‌النوع الثاني عشر: المدلس

- ‌النوع الثالث عشر: الشاذ

- ‌النوع الرابع عشر: المنكر

- ‌النوع الخامس عشر: في الاعتبارات والمتابعات والشواهد

- ‌النوع السادس عشر: في الأفراد

- ‌النوع السابع عشر: في زياد الثقة

- ‌النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث

- ‌النوع التاسع عشر: المضطرب

- ‌النوع العشرون: معرفة المدرج

- ‌النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع المختلق المصنوع

- ‌النوع الثاني والعشرون: المقلوب

- ‌النوع الثالث والعشرون: معرفة من تقبل روايته ومن لا تقبل وبيان الجرح والتعديل

- ‌النوع الرابع والعشرون: كيفية سماع الحديث وتحمله وضبطه

- ‌النوع الخامس والعشرون: كتابة الحديث وضبطه وتقيده

- ‌النوع السادس والعشرون: صفة رواية الحديث

- ‌النوع السابع والعشرون: آداب المحدث

- ‌النوع الثامن والعشرون: آداب طالب الحديث

- ‌النوع التاسع والعشرون: معرفة الإسناد العالي والنازل

- ‌النوع الثلاثون: معرفة المشهور

- ‌النوع الحادي والثلاثون: معرفة الغريب والعزيز

- ‌النوع الثاني والثلاثون: معرفة غريب ألفاظ الحديث

- ‌النوع الثالث والثلاثون: معرفة المسلسل

- ‌النوع الرابع والثلاثون: معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه

- ‌النوع الخامس والثلاثون: معرفة ضبط ألفاظ الحديث متنا وإسنادا

- ‌النوع السادس والثلاثون: معرفة مختلف الحديث

- ‌النوع السابع والثلاثون: معرفة المزيد في متصل الأسانيد

- ‌النوع الثامن والثلاثون: معرفة الخفي في المراسيل

- ‌النوع التاسع والثلاثون: معرفة الصحابة رضي الله عنهم أجمعين

- ‌النوع المُوفّي أربعين: معرفة التابعين

- ‌النوع الحادي والأربعون: معرفة رواية الأكابر عن الأصاغر

- ‌النوع الثاني والأربعون: معرفة المُدَبَّج

- ‌النوع الثالث والأربعون: معرفة الإخوة والأخوات من الرواة

- ‌النوع الرابع والأربعون: معرفة رواية الآباء عن الأبناء

- ‌النوع الخامس والأربعون: رواية الأبناء عن الآباء

- ‌النوع السادس والأربعون: معرفة رواية السابق واللاحق

- ‌النوع السابع والأربعون: معرفة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد

- ‌النوع الثامن والأربعون: معرفة من له أسماء متعددة

- ‌النوع التاسع والأربعون: معرفة الأسماء المفردة والكُنَى

- ‌النوع الخمسون: معرفة الأسماء والكُنَى

- ‌النوع الحادي والخمسون: معرفة من اشتهر بالاسم دون الكنية

- ‌النوع الثاني والخمسون: معرفة الألقاب

- ‌النوع الثالث والخمسون: معرفة المؤتلف والمختلف في الأسماء والأنساب

- ‌النوع الرابع والخمسون: معرفة المتفق والمفترق من الأسماء والأنساب

- ‌النوع الخامس والخمسون: الأسماء المتشابهة في الرسم

- ‌النوع السادس والخمسون: معرفة المتشابهين في الاسم واسم الأب والنسبة

- ‌النوع السابع والخمسون: معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم

- ‌النوع الثامن والخمسون: في النسَب التي على خلاف ظاهرها

- ‌النوع التاسع والخمسون: في معرفة المبهمات من أسماء الرجال والنساء

- ‌النوع الموفي الستين: معرفة وفيات الرواة ومواليدهم ومقدار أعمارهم

- ‌النوع الحادي والستون: معرفة الثقات والضعفاء من الرواة وغيرهم

- ‌النوع الثاني والستون: معرفة من اختلط في آخر عمره

- ‌النوع الثالث والستون: معرفة الطبقات

- ‌النوع الرابع والستون: معرفة الموالي من الرواة والعلماء

- ‌النوع الخامس والستون: معرفة أوطان الرواة وبلدانهم

- ‌ أسئلة

الفصل: ‌النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث

‌النوع الثامن عشر: معرفة المعلل من الحديث

كيفية معرفة الحديث المعلل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على آله وصحبه أجمعين.

قال -رحمه الله تعالى-:

النوع الثامن عشر: "معرفة المعلل من الحديث"، وهو فن خفي على كثير من علماء الحديث، حتى قال بعض حفاظهم: معرفتنا بهذا كهانة عند الجاهل، وإنما يهتدي إلى تحقيق هذا الفن، فالجهابذة النقاد منهم يميزون بين صحيح الحديث وسقيمه، ومعوجه ومستقيمه، كما يميز الصيرفي البصير في صناعته بين الجياد والزيوف، والدنانير والفلوس، فكما لا يتمارى هذا كذلك يقطع ذاك بما ذكرناه.

ومنهم من يظن، ومنهم من يقف بحسب مراتب علومهم وحفظهم واطلاعهم على طرق الحديث، وذوقهم حلاوة عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم التي لا يشبهها غيرها من ألفاظ الناس، فمن الأحاديث المروية: ما عليه أنوار النبوة، ومنها ما وقع فيه تغيير لفظ أو زيادة باطلة أو مجازفة أو نحو ذلك، يدركها البصير من أهل هذه الصناعة، وقد يكون التعليل مستفادا من الإسناد، وبسط أمثلة ذلك يطول جدا، وإنما يظهر بالعمل.

نعم، هذا النوع الثامن عشر "المعلل من الحديث" لم يعرفه ابن كثير -رحمه الله تعالى- ولم يمثل له، تكلم فيه على قضيتين:

القضية الأولى -التي قرأها الأخ-: وهي متعلقة بـ

يعني صفة هذا النوع وكونه دقيقا، حتى قال بعض المحدثين -منقولا عن بعض المحدثين مثل: عبد الرحمن بن مهدي، ومثل أبي حاتم -رحمه الله تعالى- و

يقولون: "معرفتنا بهذا عند الجاهل نوع من الكهانة"؛ لأن السائل يأتيه فيقول له: هذا الحديث

ما صحة هذا الإسناد؟ فيقول له المجيب: هذا الحديث خطأ.

أو قد يعرض عليه مجموعة من الأحاديث، فيقول: هذا الحديث خطأ، وهذا الحديث صواب، وهذا الحديث الصواب فيه كذا، وهذا الحديث دخل على هذا الحديث، فغيرهم يظن أن هذا مثلا

حتى اعترض عليهم رحمهم الله تعالى.

يقول السخاوي رحمه الله: إن من لا يشارك أهل هذا العلم في قواعده ويمارس قد يستنكر عليهم تعليلهم بعض الأحاديث، وأما من يشارك يقول السخاوي معنى كلامه: فإنه لا يعترض وقد يشاركهم في تطبيق هذا العلم، ومثل لذلك -للمشاركين- هو يقصد الأئمة، ومثل لمن بعدهم بالإسماعيلي وبالبيهقي وبـ

يعني جماعة من الحفاظ الذين شاركوا أئمة النقد في شيء من هذا العلم.

ص: 211

لأن الكلام الآن -كلام ابن كثير رحمه الله يتكلم عن أهل النقد في عصر الرواية، متى عصر الرواية؟ يعتبر عصر الرواية إلى نهاية القرن الثالث وشيء من القرن الرابع، فالحفاظ الذين كانوا في ذلك القرن، أو في ذلك الزمان -هم الذين وصفهم أو ذكرهم ابن كثير في كلامه هذا، وأنهم هم الذين يعني اطلعوا في هذا الأمر وعرفوا يعني: تهيأت لهم من الأسباب

خلاصة الموضوع -وهذا ما ذكره ابن كثير-: تهيأت لهم من الأسباب ما أهلهم للحكم على أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المروي من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخطأ أو بالصواب، وألفوا في ذلك مؤلفات كثيرة سيذكرها ابن كثير بعد قليل، سيعرج عليها سيعد بعضها.

ومن الأمور التي تهيأت لهم: ذكر ابن كثير كثرة ممارستهم، وقراءتهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعرفون أن هذا الحديث غلط أو صواب أحيانا من متن الحديث، أو أن بعضه صواب وبعضه خطأ، أو أنه

يعرفون أن هذا من حديث فلان وليس من حديث فلان.

يعني: ليس فقط يعرفون أن هذا من حديث رسول الله، أو ليس من حديث رسول الله، وإنما يعرفون أن هذا من حديث عمر أو من حديث أبي هريرة، وكذلك في أصحاب أبي هريرة يعرفون أن هذا من حديث سعيد أو من حديث أبي سلمة.

والسبب هو

ما هو؟ السبب ما هو؟ هو أنهم رحمهم الله اتجهوا إلى هذا الشيء، وتفرغوا له وتعبوا فيه، ورحلوا وجمعوا و

يعني: فلو مثلا سمعت عن حفظ بعضهم

إذا قيل مثلا: إن ابن معين مثلا كتب بيده ألف ألف حديث يعني: كم من حديث؟ مليون حديث كتبها بيده.

ص: 212

المقصود، ليس المقصود بالمليون هذه متون، وإنما هي أسانيد؛ حتى يعرفون ما عند الحسن البصري يعني: من كلامه، وما عند فلان من كلامه وما عند فلان، والإمام أحمد رحمه الله يحفظ

ذكروا في ذكر حفظه شيئا كثيرا، وكذلك غيرهما من الحفاظ يحفظون شيئا كثيرا جدا، فإذا سئل الواحد منهم السنة كلها تقريبا بين

أو في ذهنه حاضرة، يستطيع أن يجيب: أن هذا أخطأ وأن هذا أصاب وكذا وكذا.

من يأتي بعدهم رحمهم الله يستطيع أن يشاركهم، يستطيع بالممارسة وبكثرة قراءة كتبهم ونحو ذلك، وأهم ما في الموضوع -انتبهوا يا إخوة - ليس المشاركة، الحقيقة أننا يعني تنزلنا، أو تنزل العلماء إلى ما ذكره السخاوي، وهو أن نستوعب علمهم، وألا نعترض عليهم؛ لأنه وجد من يعترض عليهم من بعض من لم يمارس هذا العلم، حتى قال بعض الفقهاء وبعض الأصوليين: يتعلل ابن معين وجماعة من المحدثين بعلل في رد أحاديث يعني: مثل ما يقول: ليست بشيء.

وذكر مثل هذا ابن الجوزي وابن حزم وغيرهما وابن القطان، ورفضوا علم المحدثين بالنسبة لهذا العلم الذي هو يعني العلل.

لماذا رفضوه؟ لأن علم العلل

ما هو المعلل؟ علم العلل هذا أكثر ما يتطرق إلى أحاديث الثقات، هذا هو المشكلة فيه يعني: لو كان الراوي ضعيفا لاشترك الجميع في معرفة العلة، لو كان الإسناد منقطعا فإن كثيرا من الانقطاع يدركه أي باحث؛ تنظر في وفاة الشيخ وفي ولادة التلميذ وتعرف أن أحدهما لم يدرك الآخر.

أما كون هذا أخطأ وكون هذا أصاب فهذا يعرف من جمع الطرق، ولهم أشياء في هذا عجيبة يعني: القارئ في كتب العلل يدركها، ولهم أساليب أو لهم وسائل تعتبر ذهبت بذهابهم، تعتبر هذه الوسائل

إنما نشاركهم نحن

يشاركهم الباحثون ومن جاء بعدهم في الوسائل التي بقيت.

بقي وسائل نحن لما جئنا نتكلم على موضوع العلل والقرائن والمرجحات نقسمها إلى قسمين:

قسم ذهب بذهاب الأئمة، لا يستطيع أن يقوم بها إلا هم.

ص: 213

والقسم الآخر يستطيع الباحث أن يشاركهم في هذا، وأن يفسر تعليلهم، وأن قد يعلل هو بنفسه.

إذن: يعرفون المعلل بأنه إسناد ظاهره الصحة، إذا قرأت الإسناد وإذا كله ثقات، وإذا إسناده متصل، ويعني رواته عدول ضابطون، والإسناد متصل -فإذن هذا هو الذي يحكم عليه كثير من العلماء والباحثين بقولهم: إسناده صحيح، وإسناده على شرط الشيخين.

ولكن بعد التفتيش وبعد الاعتبار الذي مر بنا قد يطلع فيه على علة قادحة تمنع من صحته، ومن الأمثلة -أكتفي بمثال واحد-: روى محمد بن فضيل

هذا مثال معروف يعني

والأمثلة كثيرة ستأتي معنا، ستأتي معنا في المباحث اللاحقة؛ لأن بعض الأنواع اللاحقة لها صلة بالمعلل.

من أمثلته -حتى نقرب الموضوع-: روى محمد بن فضيل، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ? إن للوقت أولا وآخرا ? وذكر الحديث في أوقات الصلوات.

هذا الحديث إذا نظرت إلى إسناده وإلى محمد بن فضيل ثقة، والأعمش معروف، فهذه السلسلة قد صححها جماعة من المتأخرين على شرط الشيخين، بناء على أي شيء؟ على ظاهر الإسناد.

أما الأئمة الأولون: البخاري وابن معين وجمع من الأئمة فيقولون: هذا الحديث خطأ، أخطأ فيه محمد بن فضيل، وإنما رواه جماعة من الثقات منهم عبدر بن القاسم وجماعة من الثقات، رووه عن الأعمش.

انظر الآن وجه الخطأ: عن الأعمش، عن مجاهد بدل من؟ أبي صالح مرسلا لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من الصحابة، وإنما قال: كان يقال: "إن للصلاة أولا وآخرا".

فإذن نقول عن الإسناد الأول: إن ظاهره الصحة، ولكنه بقي فيه شرط من شروط الحديث الصحيح، وهو الشرط الأخير وهو: ألا يكون شاذا. قال: "ولا يكون معللا" فهذه هي العلة.

ص: 214

إذن هذه العلة اكتُشفت أو عرفها الأئمة من معرفتهم برواية الثقات الآخرين، فمثل هذا لا يتردد الأئمة أبدا في الحكم عليه بكونه متن، وهذا من القرائن التي نشاركهم فيها؛ لأن الجمع من الثقات الآن رووه وانفرد واحد -وهو الذي قد يسمى الشاذ أيضا- انفرد واحد بذكر أبي صالح وأبي هريرة رضي الله عنه.

هذا المثال بسيط، وسيأتي معنا أمثلة له، وكما ذكرت بعض أدلتهم -رحمهم الله تعالى- يعني: لا نستطيع أن نشاركهم فيها.

نقرأ الآن الموضوع الثاني الذي ذكره ابن كثير في المعلل وهو المؤلفات في هذا الفن. نعم.

الكتب التي ألفت في العلل

ومن أحسن كتاب وضع في ذلك وأجله وأفحله كتاب "العلل" لعلي بن المديني شيخ البخاري وسائر المحدثين بعده في هذا الشأن على الخصوص، وكذلك كتاب "العلل" لعبد الرحمن بن أبي حاتم، وهو مرتب على أبواب الفقه، وكتاب "العلل" للخلال.

ويقع في مسند الحافظ أبي بكر البزار من التعاليل ما لا يوجد في غيره من المسانيد، وقد جمع أزمة ما ذكرناه كله الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني في كتابه في ذلك، وهو من أجل كتاب، بل أجل ما رأيناه، وضع في هذا الفن لم يسبق إلى مثله، وقد أعجز من يريد أن يأتي بشكله رحمه الله وأكرم مثواه.

ولكن يعوزه شيء لا بد منه وهو: أن يرتب على الأبواب؛ ليقرب تناوله للطلاب، أو أن تكون أسماء الصحابة الذين اشتمل عليهم مرتبة على حروف المعجم ليسهل الأخذ منه؛ فإنه مبدد جدا لا يكاد يهتدي الإنسان إلى مطلوبه منه بسهولة، والله الموفق.

هذه بعض الكتب التي ألفت في العلل، والمؤلفات في علل الأحاديث كثيرة جدا، لكن مثل ابن كثير رحمه الله ببعض هذه الكتب، وذكر أن من أحسن كتاب وضع في ذلك كتاب "العلل" لعلي ابن المديني، وهو كتاب مفقود تقريبا، يعني: لا يوجد منه إلا قطعة صغيرة طبعت مرتين أو أكثر.

ص: 215

وهي تنبئك عن جلالة هذا الكتاب وعن جلالة مؤلفه -رحمه الله تعالى-، وهو الذي يقول فيه البخاري: ما استصغرت نفسي عند أحد، أو بين يدي أحد إلا عند علي بن المديني رحمه الله؛ إمام جليل في

وبالذات في علم علل الحديث واختلاف الأسانيد، له شيء عظيم.

والقطعة هذه صغيرة لكنها -يعني- دليل على جلالة هذا الإمام وجلالة كتابه، وهو كبير كتابه حسب ما وصفه علي، والظاهرأنه قد ذهب هذا الكتاب في وقت علي بن المديني، الظاهر والله أعلم يعني؛ لأنه أَذْكر عنه نصا أنه يقول: ألّفت المسند المعلل ثم وضعته -يعني مثل ما تقول- في مكان حفظ الكتب، فلما سافرت سفرة فلما جئت وإذا الأرض قد أكلت الأوراق، وعجزت عن تقريبه، ولم أنشط لكتابته مرة ثانية.

وفي عبارة ابن كثير الآن يقول: وسائر المحدثين بعده في هذا الشأن على الخصوص، يحتمل أن يكون مراده أن المؤلفين قد ألفوا، أو أن المحدثين قد ألفوا بعده كتبا كثيرة، ويحتمل أن يكون في العبارة شيء من السقط يعني: وسائر المحدثين بعده عيال عليه أو مستفيدون منه في هذا الشأن على الخصوص، ونحو هذه العبارة.

كذلك مثّل ابن كثير رحمه الله بكتاب "العلل" لابن أبي حاتم، وهو الأسئلة له والأجوبة لمن؟ الأجوبة لأبيه أبي حاتم، ولأبي زرعة أيضا، ويسألهما ابن أبي حاتم وهما يجيبان.

وهذا الكتاب -بحمد الله تعالى- وجد كاملا، وله نسخ مخطوطة كثيرة، ومن أحسن الكتب وأسهلها وأقربها تناولا وأخفها جمعا يعني: لا يطيل كثيرا كما سيأتي في كلام في صنيع الدارقطني، فهو -يعني- قريب من الطلاب وسهل، والاستفادة منه والتدرب من هذا الكتاب بالنسبة للطالب يعني: سهل التعامل معه نسبيا.

يعني بالنسبة لكتاب الدارقطني مثلا وقد حقق بعضه رسائل عليا في جامعة الإمام، والطلاب الآن سائرون في تحقيقه لم ينته الكتاب بعد.

ص: 216

وكذلك كتاب "العلل" للخلال، كتاب "العلل" للخلال هو من جمعه رحمه الله وإلا فهو للإمام أحمد، وقد فقد هذا الكتاب، كتاب عظيم جدا جدا، لو وجد هذا الكتاب لكان يعني الفائدة منه كبيرة، وإنما ابن قدامة رحمه الله صاحب المغني انتخب أحاديث من هذا الكتاب، ويوجد الآن جزء يسير من هذا المنتخب.

يعني الذي يوجد الآن من المنتخب، وأما الأصل يحتمل أن يكون موجودا منه بعضه، وأما سائره فهو مفقود.

وكذلك أيضا قال ابن كثير: مسند البزار. نعم. وهو مسند البزار اسمه "المسند الكبير المعلل" يذكر فيه البزار عللا كثيرة للأحاديث، والظاهر -والله أعلم- أن البزار يعني قصد به شرح علل الأحاديث يعني: ليس على طريقة مسند من؟ مسند الإمام أحمد يسوق الأحاديث ويسكت، أو مسند أبي يعلى، ويشبهه في هذا مسند يعقوب بن شيبة.

يعقوب بن شيبة هذا إمام جليل، لكن حصل له بعض الظروف فيعني لم يشتهر كثيرا، المهم أن له مسندا كبيرا، ولكن لكبره لم يتمه؛ لضخامته مات قبل أن يتمه، وكان عنده وراقون كثيرون يهيئ لهم الفرش، ويهيئ لهم الطعام ويهيئ لهم السكن، وكل شغلهم تبييض

أو عملهم في هذا المسند لكبره.

يقولون: إنه تم منه عشرات الأجزاء، ومع ذلك لم يتم الكتاب؛ لأنه كتاب كبير جدا يعني: لو تم لكان يعني من أكبر ما أُلف، لا يوجد منه إلا قطعة صغيرة، وأيضا تدلك على جلالة هذا الكتاب، قطعة صغيرة من مسند عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

من أكبر الكتب في العلل التي وصلت إلينا ما أثنى عليه ابن كثير كثيرا وهو كتاب "العلل" للدارقطني، كتاب عظيم ويقولون: إن الدارقطني رحمه الله أملاه من حفظه، ويعني القراءة في بعض أحاديث هذا الكتاب تصيب الرأس بالصداع، بعضه بعض أحاديثه مثلا حديث بسرة بن صفوان، تكلم عليه تقريبا في جزء لو نشر لكان جزءا لوحده.

ص: 217

ويطيل أحيانا في بعض الأحاديث يطيل، يذكر وجوها للاختلاف، ويذكر روايات و

يعني: فعلا ينبئك عما قاله ابن كثير -رحمه الله تعالى- عن جلالة علم العلل، ومن الذي يقوم به على حقيقته، والغريب أو من العجيب أن الدارقطني نفسه يقول: إذا أردت أن تعرف فضل علم السلف على علمنا فاقرأ كتاب: "علل حديث الزهري" لمحمد بن يحيى الزهري.

الذي يقوله من الآن؟ الدارقطني، ونحن نتعجب أو ابن كثير يتعجب من كتاب الدارقطني، وهو فعلا موضع عجب، لكن هو يقول:"علل أحاديث الزهري" محمد بن يحيى الزهري تخصص في الزهري، وألف كتابا عظيما في علل حديث الزهري، بس فقط في علل حديث الزهري.

ويقول الدارقطني: "إذا أردت أن تعرف فضل علمهم على علمنا فاقرأ في كتاب محمد بن يحيى الزهري"، وهذا الكتاب في "علل أحاديث الزهري"، وقد اتجه بعض الأئمة إلى تخصيص كتب في علل بعض الأئمة يعني مثلا: ابن حبان له كتاب "علل حديث سفيان بن عيينة"، ويعني الآن مثلا: فيه رسالة علمية في "علل حديث الزهري" فقط التي ذكرها الدارقطني في كتابه العلل.

يعني: هذا الطالب أو هذا الباحث -الآن هو دكتور أستاذ فاضل- طبع الكتاب، أخرج أحاديث الزهري من كتاب "العلل"، وصار يتكلم عليها ويخرج الروايات التي يذكرها الدارقطني، ويذكر أقوال العلماء الآخرين، وكذلك فعل بعض الطلاب في أئمة آخرين: بعضهم في قتادة، والآخر في أبي إسحاق، و

فهذا علم جليل عظيم واسع، وهو كما وصفه ابن كثير ووصفه غيره أيضا بهذا الوصف. نعم.

ص: 218