الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(مباحث التخصيص)
قال: (التخصيص قصر العام على بعض مسمياته، أبو الحسين إخراج بعض ما يتناوله الخطاب عنه وأراد ما يتناوله بتقدير عدم المخصص كقولهم خصص العام وقيل تعريف أن العموم للخصوص وأورد الدور وأجيب بأن المراد فى الحد التخصيص اللغوى).
أقول: قد فرغنا من بحث العام وها نحن نشرع فى التخصيص وفى المخصص وما يتعلق بهما، التخصيص فى الاصطلاح: قصر العام على بعض مسمياته، ويتناول ما أريد به جميع المسميات أولًا، ثم أخرج بعض كما فى الاستثناء وما لم يرد إلا بعض مسمياته ابتداء كما فى غيره، وقال أبو الحسين هو إخراج بعض ما يتناوله الخطاب عنه، وأورد عليه أن ما أخرج فالخطاب لم يتناوله، فأجاب بأن المراد ما يتناوله الخطاب بتقدير عدم المخصص كقولهم خصص العام وهذا عام مخصص ولا شك أن المخصص ليس بعام لكن المراد به كونه عامًا لولا تخصيصه وقيل هو تعريف أن العموم للخصوص وأورد عليه أنه تعريف التخصيص بالخصوص وفيه دور والأولى أنه ليس أعرف منه بل هو مثله فى الجلاء والخفاء، فإن من عرف حصول الخصوص عرف تحصيل الخصوص وبالعكس.
الجواب: أن المراد بالتخصيص المحدود التخصيص فى الاصطلاح وبالخصوص المذكور فى الحد هو الخصوص فى اللغة فتغايرا فلا دور ولا تساوى فى الجلاء لأن اللغوى قد عرف والاصطلاحى بعد لم يعرف.
قوله: (التخصيص) جمهور الشارحين على أن المراد بالمسميات أجزاء المسمى للقطع بأن الآحاد كزيد وعمرو مثلًا ليس من أفراد مسمى الرجال إذ مسماه ما فوق الاثنين من هذا الجنس لكن سيق فى تحقيق مفهوم العام أنها الآحاد التى دل العام عليها باعتبار أمر اشتركت فيه وهو معنى المسميات العام لا أفراد مدلوله ولولا أنه
جوّز التخصيص بمثل الاستثناء إلى الواحد لجاز جعل مسميات صيغة الجمع هى الجماعات لا الآحاد.
قوله: (ويتناول) يعنى أن فى مثل: اقتلوا الكافرين إلا أهل الذمة؛ المراد بالكافرين جميع الكفار ليصح إخراج أهل الذمة فيتعلق الحكم فيكون القصر على البعض باعتبار الحكم فقط وفى مثل: اقتلوا المشركين ولا تقتلوا أهل الذمة يتبين أن المراد بالكافرين غير أهل الذمة خاصة فيكون القصر على البعض باعتبار الدلالة والحكم جميعًا ويكون معنى القصر فى الأول أن اللفظ الذى يتناول جميع المسميات قد اقتصر الحكم فيه على بعضها، وفى الثانى أن اللفظ الذى كان يتناول الجميع فى نفسه قد اقتصرت دلالتها على البعض خاصة وحينئذٍ يندفع ما يتوهم من أن اللفظ إن كان على عمومه فلا قصر وإن وجدت قرينة صارفة عنه فلا عموم ولا قصر.
قوله: (كقولهم خصص العام) فهم الشارحون أن الشبهة من جهة أن معناه أخرج بعض ما تناوله بتقدير عدم المخصص وهو كلام قليل الجدوى فالأولى ما ذهب إليه المحقق من أن العام بمنزلة المتناول فى عبارة أبى الحسين إذ لا عموم بعد التخصيص وإنما المراد أنه عام على تقدير عدم المخصص وهذا ظاهر فى غير الاستثناء فاللفظ عام لتناوله الجميع وإن لم يكن الخطاب أعنى الحكم متناولًا فعبارة أبى الحسين تفتقر إلى هذا التأويل فى الاستثناء وغيره وفى الإخراج أيضًا لاقتضائه سابقة الدخول، وقولنا قصر العام على البعض إنما يفتقر إليه فى غير الاستثناء فيكون أولى وبعضهم لم يفرق بين العام والخطاب فزعم أن عبارة أبى الحسين أيضًا لا تفتقر إلى التأويل لأن الخطاب فى نفسه متناول لذلك البعض المخرج.
قوله: (وفيه دور) إنما يصح لو توقف معرفة الخصوص على معرفة التخصيص نعم لو قيل إنه تعريف الشئ بنفسه بناء على أن التأثير عين الأثر كما هو رأى الأشعرى لكان شيئًا وكأنه هو المراد بالدور إلا أنه أيضًا ليس بوارد لأن ذلك إنما هو بحسب الوجود دون المفهوم للقطع بتغاير مفهوم الإحراق والاحتراق، فلذا قال المحقق الأولى أنه تعريف للشئ بما يساويه فى الجلاء والخفاء وأما جوابه بأن المراد بالخصوص المذكور فى الحد هو اللغوى حتى كأنه قال التخصيص تعريف أن المراد باللفظ الموضوع لجميع الأفراد هو البعض منها فصحيح إلا أنه لا يطابق المتن حيث
قال المراد فى الحد التخصيص اللغوى وكأنه مبنى على زعم المعترض أن التخصيص والخصوص واحد لا يخفى أنه إذا احتاج تعريفنا وتعريف أبى الحسين إلى تقدير عدم المخصص كان لزوم الدور ظاهرًا للقطع بأن المخصص هو الذى يفيد التخصيص الاصطلاحى، ويمكن أن يدفع بأن المراد أن المخصص لا من حيث هذا الوصف.
الشارح: (فإن من عرف حصول الخصوص) الأولى حذف لفظ الحصول إلا أنه ذكره لمناسبة التعبير عن التخصيص بتحصيل الخصوص.
قوله: (فى تحقيق مفهوم العام. . . إلخ) أى أن ما سبق من هذا التحقيق يصحح حمل المسميات على جزئيات المسمى فإن الرجال مثلًا جزئيات مدلوله أفراد الرجل الذى اشتركت فيه المأخوذ من لفظ الرجال فكل فرد مسمًى للمأخوذ من الصيغة جزئى له، ويصح تصحيح التعبير بالمسميات بوجه آخر وهو أن "ال" الجنسية فى الجمع قد أبطلت معنى الجمعية فالرجال فى قوة الرجل ولا شك أن أفراده آحاد وجزئيات له وكل منها مسمًى لتحقق الرجل فيه فالكل مسميات وهو معنى العام أى الآحاد التى دل عليها العام باعتبار أمر اشتركت فيه هى معنى مسميات العام.
قوله: (لا أفراد مدلوله) لأن مدلوله الجمع والآحاد ليست أفرادًا له.
قوله: (وحينئذ يندفع. . . إلخ) أى يكون القصر دائمًا باعتبار الحكم وتارة يكون باعتبار الدلالة والحكم وتارة يكون باعتبار الحكم فقط يندفع إلخ.
قوله: (إن التشبيه) أى فى قوله كقولهم خصص العام.
قوله: (بمنزلة المتناول فى عبارة أبى الحسين) أى وإن كان المراد بالمتناول فى عبارة أبى الحسين هو الحكم المعبر عنه بالخطاب فى كلامه.
قوله: (فزعم أن عبارة أبى الحسين لا تفتقر إلى التأويل) أى فى الاستثناء.
قوله: (ولا يخفى أنه إذا احتاج تعريفنا وتعريف أبى الحسين إلى تقدير عدم المخصص كان لزوم الدور ظاهرًا) فيه أنه ليس المراد أنه يقدر فى التعريف ذلك وإنما المراد أن المعنى على ذلك.
قال: (ويطلق التخصيص على قصر اللفظ وإن لم يكن عامًا كما يطلق عليه عام لتعدده كعشرة والمسلمين المعهودين وضمائر الجمع ولا يستقيم تخصيص إلا فيما يستقيم توكيده بكل).
أقول: التخصيص كما يطلق على قصر العام على بعض مسمياته فقد يطلق على قصر اللفظ على بعض مسمياته، وإن لم يكن عامًا وذلك كما يطلق على اللفظ كونه عامًا لتعدد مسمياته، مثاله: عشرة، يقال له عام باعتبار آحاده، فإذا قصر على خمسة بالاستثناء عنه قيل قد خصص وكذلك المسلمون للمعهودين نحو جاءنى مسلمون وأكرمت المسلمين إلا زيدًا، فإنهم يسمون المسلمين عامًا، والاستثناء منه تخصيصًا له، واعلم أن التخصيص أى تفسير فسرناه من التفسيرين فلا يستقيم ولا يمكن إلا فيما يؤكد بكل وهو ذو أجزاء يمكن افتراقها حقيقة نحو الإنسان كلهم أو حكمًا نحو الجارية كلها وذلك ليكون له بعض يمكن القصر عليه ولأن التأكيد بكل إنما هو لدفع توهم إرادة القصر وكون الظاهر تجوّزًا أو سهوًا فتلازما.
قوله: (قصر اللفظ على بعض مسمياته) هذا كما فى العام للقطع بأن آحاد العشرة ليست مسمياتها وإنما مسمياتها العشرات.
قوله: (وضمائر الجمع) مثل جاءنى مسلمون فأكرمتهم إلا زيدًا، أو فقلت لهم أكرمونى إلا زيدًا، أو فقالوا: نحن نكرمك إلا زيدًا، وأما إذا كان المرجع عامًا فلا ينبغى أن يتردد فى عمومها، وقد تردد العلامة فى ذلك بل جزم بأنها ليست بعامة وبعضهم زعم أن المراد ما إذا كان المرجع معهودًا وأن حكمها حكم مرجعها فى العموم والخصوص.
قوله: (فتلازما) أى جواز التأكيد بكل وإمكان القصر على البعض سواء أريد قصر العام أو قصر اللفظ وهو المراد بالتفسيرين وهذا يشكل بمثل ما رأيت أحدًا فإنه يصح التخصيص ولا يصح التأكيد وبمثل أكلت الرغيف كله فإنه يصح التأكيد ولا يصح التخصيص بالتفسير الأول وكأنه أراد التلازم بين التأكيد بكل والتخصيص بأحد التفسيرين لا بكل منهما وحينذٍ يندفع الإشكال الثانى.
الشارح: (واعلم أن التخصيص بأى تفسير فسرناه من التفسيرين فلا يستقيم)
الأولى حذف الفاء لأن الخبر هنا ليس من المواضع التى تقترن بالفاء.
قوله: (هذا كما فى العام. . . إلخ) أى أن قوله على التفسير الثانى للتخصيص قصر اللفظ على بعض مسمياته يجرى فيه ما تقدم من أن المراد بالمسميات الأجزاء.
قوله: (وأن حكمها حكم مرجعها فى العموم والخصوص) أى وهو زعم باطل لأنه متى كان المرجع معهودًا لا يكون عامًا.
قوله: (وهذا يشكل بمثل ما رأيت أحدم) فيه أنه ليس المراد بالتأكيد بكل التأكيد الاصطلاحى بل تقوية الإحاطة والشمول وإن لم يكن توكيدًا اصطلاحيًا ولا شك أنه فى مثل ما رأيت أحدًا يصح أن يقال ما رأيت كل أحد على أنه من عموم السلب.
قال: (مسألة: التخصيص جائز إلا عند الشذوذ).
أقول: تخصيص العام جائز إلا عند شذوذ، ودليله ما تكرر أنه لا يلزم من وضع ألفاظ العموم للخصوص مجازًا محال لا لذاته ولا لغيره، ولنا أيضًا كثرة وقوعه مثل:{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الزمر: 62]، {وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} [النمل: 23]، حتى قيل لا عام عْير مخصص إلا قوله:{وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد: 3]، ومستندًا لنا فيما مر فى المجاز أنه كذب إذ ينفى فيصدق والجواب ما مر.
قوله: (أنه كذب) إنما يتم فى الخبر فالأولى أن يقال إنه كذب أو بداء، والجواب المنع فإن صدق النفى إنما هو فيما يفيد العموم لا مطلقًا والبداء إنما يلزم لو أريد من أول الأمر العموم أبدًا.
قوله: (فإن صدق النفى إنما هو فيما يفيد العموم لا مطلقًا) أى حتى يكون صدقه تكذيبًا للإيجاب الوارد على البعض.
قوله: (لو أريد من أول الأمر العموم) أى مع أن التخصيص ليس العموم فيه مرادًا أصلًا بل المراد هو الخصوص من أول الأمر.
قال: (مسألة: الأكثر أنه لا بد فى التخصيص من بقاء جمع يقرب من مدلوله وقيل يكفى ثلاثة، وقيل اثنان، وقيل واحد والمختار أنه ما بالاستثناء والبدل يجوز إلى واحد وبالمتصل كالصفة يجوز إلى اثنين وبالمنفصل فى المحصور القليل يجوز إلى اثنين مثل قتلت كل زنديق، وقد قتل اثنين وهم ئلاثة وبالمنفصل فى غير المحصور أو العدد الكثير المذهب الأول، لنا أنه لو قال قتلت كل من فى المدينة وقد قتل ثلاثة عدّ لاغيًا وخُطِّئ، وكذلك: أكلت كل رمانة، وكذلك لو قال من دخل أو أكل وفسره بثلاثة القائل باثنين أو ثلاثة ما قيل فى الجمع، ورد بأن الجمع ليس بعام القائل بالواحد أكرم الناس إلا الجهال وأجيب بأنه مخصوص بالاستثناء ونحوه، قالوا: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وليس محل النزاع، قالوا: لو امتنع ذلك لكان لتخصيصه وذلك يمنع الجميع، وأجيب بأن الممتنع تخصيص خاص بما تقدَّم، قالوا: قال اللَّه تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} [آل عمران: 173]، وأريد نعيم بن مسعود ولم يعدّ مستهجنًا للقرينة، قلنا الناس للمعهود، فلا عموم، قالوا: صح أكلت الخبز وشربت الماء، لأقل، قلنا ذلك للبعض المطابق المعهود والذهنى مثله فى المعهود والوجودى فليس من العموم والخصوص فى شئ).
أقول: قد اختلف فى منتهى التخصيص إلى كم هو فذهب الأكثر إلى أنه لا بد من بقاء جمع يقرب من مدلول العام، وقيل: يجوز إلى ثلاثة، وقيل إلى اثنين، وقيل: إلى واحد، والمختار أنه إن كان التخصيص باستثناء أو بدل جاز إلى واحد نحو عشرة إلا تسعة، واشتريت العشرة أحدها، وإلا فإن كان بمتصل غيرهما كالصفة والشرط جاز إلى اثنين نحو أكرم الناس العلماء، أو إن كانوا علماء.
وإن كان بمنفصل فإن كان فى محصور قليل جاز إلى اثنين كما تقول قتلت: كل زنديق وهم ثلاثة أو أربعة، وإن كان فى غير محصور أو فى عدد كثير فالمذهب الأول وهو أنه لا بد من بقاء جمع يقرب من مدلوله، فلا يقال من دخل دارى فأكرمه ويفسر بزيد وعمرو وبكر، لنا لو قال قتلت كل من فى المدينة ولم يقتل إلا ثلاثة عدَّ لاغيًا ومخطئًا، وكذا لو قال أكلت كل رمانة فى البستان ولم يأكل إلا ثلاثة، وكذلك لو قال كل من دخل دارى فهو حر أو كل من أكل فأكرمه وفسره بثلاثة فقال: أردت زيدًا وعمرًا وبكرًا عدَّ لاغيًا وخطئ، القائل بجواز التخصيص إلى اثنين أو ثلاثة، احتج بما قيل فى الجمع أن أقله ثلاثة أو اثنان كأنه جعله فرعًا
لكون الجمع حقيقة فى الثلاثة أو فى الاثنين.
والجواب: أن الكلام فى أقل مرتبة يخصص إليها العام لا فى أقل مرتبة يطلق عليها الجمع، فإن الجمع ليس بعام ولم يقم دليل على تلازم حكميهما فلا تعلق لأحدهما بالآخر فلا يكون المثبت لأحدهما مثبتًا للآخر.
القائلون بجواز التخصيص إلى واحد قالوا: أولًا: يجوز أكرم الناس إلا الجهال وإن كان العام واحدًا اتفاقًا.
والجواب: أن عموم قولنا لا يجوز تخصيص العام إلى الواحد مخصوص بالاستثناء ونحوه أعنى بدل البعض فإنا قد استثنيناهما عن الكلية المدعاة فلا يمكن الإلزام بهما والفرق قائم وسيأتى.
قالوا: ثانيًا: قال اللَّه تعالى: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، والمراد هو تعالى وحده لا شريك له.
الجواب: أنه ليس محل النزاع فإنه للتعظيم وليس من التعميم والتخصيص فى شئ وذلك لما جرى به العادة أن العظماء يتكلمون عنهم وعن أتباعهم فيغلبون المتكلم فصار ذلك استعارة عن العظمة ولم يبق معنى العموم ملحوظًا أصلًا.
قالوا: ثالثًا: لو امتنع ذلك لكان لتخصيصه وإخراج اللفظ عن موضوعه إلى غيره فامتنع كل تخصيص.
الجواب: منع كونه للتخصيص حينئذ بل لتخصيص خاص وهو ما يعدّ معه لاغيًا.
قالوا: رابعًا: قال اللَّه تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ} [آل عمران: 173]، وأراد نعيم ابن مسعود باتفاق المفسرين ولم يعدّه أهل اللسان مستهجنًا لوجود القرينة فوجب جواز التخصيص إلى الواحد مهما وجدت القرينة وهو المدعى.
الجواب: أنه غير محل النزاع فإن البحث فى تخصيص العام والناس ههنا ليس بعام بل للمعهود والمعهود ليس بعام لما عرفت فى حد العام حيث اعتبرنا قولنا مطلقًا وأخرجنا به المعهود.
قالوا: خامسًا: علم بالضرورة من اللغة صحة قولنا أكلت الخبز وشربت الماء والمراد به أقل القليل مما يتناوله الماء والخبز.
الجواب: أن ذلك غير محل النزاع فإن كل واحد من الماء والخبز فى المثالين ليس بعام بل هو للبعض الخارجى المطابق للمعهود الذهنى وهو الخبز والماء المقرر
فى الذهن أنه يؤكل ويشرب وهو مقدار ما معلوم وذلك بعينه كما تقول للغلام ادخل السوق فإنك تريد به واحدًا من الأسواق المعهودة بينك وبينه عهدًا خارجيًا معينًا لبعض الأسواق بحسب العادة وإذا كان كذلك فليس بعام خصص ولا تعلق له بمسألة الخصوص والعموم أصلًا، إنما هو معهود يتناول عدة من المعينات قيد ببعض منها كالمطلق يقيد ببعض ما يوجد فى ضمنه من المقيدات ويحتملها من المحامل من غير صرف عن ظهور وعموم.
قوله: (لا بد من بقاء جمع يقرب من مدلول العام) قد فسروه بما فوق النصف ولا خفاء فى امتناع الاطلاع عليه إلا فيما يعلم عدد أفراد العام.
قوله: (عدّ لاغيًا وخطئ) كأنه يشير إلى دفع ما يتوهم مت أن اللغو لا ينافى الصحة.
قوله: (بأنه مخصوص بالاستثناء ونحوه) الظاهر أن المراد أن هذا المثال من قبيل ما يكون التخصيص فيه بالاستثناء ونحوه كبدل البعض وقد تقدَّم أنه يجوز إلى واحد لكن لما كان على ظاهر العبارة مناقشة لأنه مما خصص بالاستثناء لا بنحوه، زعم الشارح العلامة أن نحوه عطف على محذوف أى التخصيص بالاستثناء ونحوه يجوز إلى واحد وبعضهم أنه مرفوع أى ونحوه جائز وذهب الشارح المحقق إلى أن الضمير للحكم المذكور وهو لطيف لكن لا يخفى أنه لا يقال فى مثل اقتلوا الكافرين إلا أهل الذمة أن هذا الحكم مخصوص بأهل الذمة بل بمن عداهم اللهم إلا بتأويل وهو أنه مخصوص بسبب إخراج أهل الذمة.
قوله: (الناس للمعهود) ويبقى البحث فى صحة إطلاق الناس المعهود على واحد.
قوله: (بل هو للبعض) اعلم أن اللام قد تكون للإشارة إلى حصة من الحقيقة وهو العهد الخارجى وإلى نفس الحقيقة وحينئذٍ إما أن تعتبر من حيث هى وهو تعريف الطبيعة مثل الرجل خير من المرأة أو من حيث الوجود وحينئذٍ إما أن توجد قرينة البعضية وهو العهد الذهنى أولًا وهو الاستغراق فاللام للتعريف لا غير والتعريف إما تعريف العهد أو تعريف الجنس والمعرف تعريف الجنس قد يكون لبعض موجود باعتبار عهديته فى الذهن كما فى أكلت الخبز وهذا ليس من تخصيص العموم فى شئ كما أن إطلاق المعرَّف بلام العهد على موجود خارجى
معين من بين المعهودات الخارجية مثل ادخل السوق لمن بينك وبينه أسواق معهودة ليس من تخصيص العموم بل هو إرادة لأحد المحتملات بدلالة قرينة من عادة أو غيرها.
المصنف: (أنه ما بالاستثناء والبدل يجوز إلى واحد) وجهه أنه فى الاستثناء المقصود الحكم على غير المستثنى وفى البدل المقصود بالحكم هو البدل.
المصنف: (لنا أنه لو قال. . . إلخ) استدلال على الدعوى الأخيرة وهى قوله وإن كان بالمنفصل فى غير المحصور، أو العدد الكثير فالمذهب الأول وهو أنه لا بد أن يبقى قريبًا من مدلوله واكتفى فى الاحتجاج على سائر دعاويه من كونه إن كان التخصيص بالمتصل كالصفة يجوز إلى اثنين وإن كان بالاستثناء أو البدل يجوز إلى واحد بما احتج به أصحابه وإبطال ما ذكر فى معارضته.
المصنف: (مخصوص الاستثناء ونحوه) الباء للسببية لا للتعدية لأن المقصور عليه هو غير الاستثناء والبدل لا هما.
المصنف: (وليس محل النزاع) أى لأن الضمير فى أنا والجمع فى حافظون ليس من صيغ العموم على أن الضمير فى أنا عند استعماله فى المعظم نفسه لم يلاحظ فيه العموم كما يلاحظ فى العام المراد به الخصوص.
الشارح: (ولم يبق معنى العموم ملحوظًا) ظاهره أن ضمير "نا" للعموم إلا أنه لم يكن من باب العام المراد به الخصوص عند إرادة المتكلم المعظم نفسه لكون العموم لا يلاحظ عادة وليس كذلك، ولعله أشار إلى جواب آخر على التنزل كما تقدم فيما كتبنا على المصنف.
قوله: (ولا خفاء فى امتناع الاطلاع عليه إلا فيما يعلم عدد أفراد العام) إن كان مراده وعلم عدد أفراد العام غير ممكن فباطل لأنه إذا كان أهل بلد محصورين وقال كل من فى البلد عالم وأخرج أهل بيت منهم علم أن الباقى فوق النصف وإن كان مراده مجرد إفادة أنه لا يمكن الاطلاع عليه إلا إذا علم عدد أفراد العام وهو ممكن فواضح الصحة.
قوله: (للحكم المذكور) وهو عدم جواز التخصيص إلى الواحد.
قوله: (لكن لا يخفى أنه لا يقال فى مثل اقتلوا الكافرين. . . إلخ) أى فكذا فيما نحن فيه من قوله أن الحكم بجواز التخصيص مخصوص بالاستثناء.
قال: (المخصص متصل ومنفصل فالمتصل الاستثناء المتصل والشرط والصفة والغاية وبدل البعض).
أقول: المخصص ينقسم إلى متصل ومنفصل لأنه إما أن لا يستقل بنفسه أو يستقل، والأول المتصل، والثانى المنفصل، والمخصص المتصل خمسة:
1 -
الاستثناء المتصل: نحو: أكرم الناس إلا الجهال، بخلاف المنقطع فإنه لا يخصص.
2 -
الشرط: مثل: أكرم الناس إن كانوا علماء.
3 -
الصفة: مثل: أكرم الناس العلماء.
4 -
الغاية: مثل: أكرم الناس إلى أن يجهلوا.
5 -
بدل البعض: مثل: أكرم الناس العلماء منهم.
وأنت تعلم أن منها ما يخرج المذكور كالاستثناء والغاية، ومنها ما يخرج غير المذكور كالشرط والصفة والبدل.
قوله: (العلماء منهم) قيد بذلك ليكون بدلًا لا صفة، واللَّه أعلم.