الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثالث: فى ترجيح المنقول والمعقول:
فالمنقول إما خاص وإما عام، والخاص إما قال بمنطوقه أو لا بمنطوقه، فالخاص الدال بمنطوقه يقدم على المعقول من قياس أو استدلال، والخاص الدال لا بمنطوقه له درجات مختلفة فى القوة والضعف والترجيح له أو عليه بحسب ما يقع للناظر من قوة الظن، وأما العام مع القياس فقد تقدَّم حكمه فى أنه هل يجوز التخصيص بالقياس أو لا؟ .
قال: (وأما الحدود السمعية فترجح بالألفاظ الصريحة على غيرها وبكون المعروف أعرف وبالذاتى على العرضى وبعمومه على الآخر لفائدته وقيل بالعكس للاتفاق عليه وبموافقته النقل الشرعى أو اللغوى أو قربه وبرجحان طريق اكتسابه وبعمل المدينة والخلفاء الأربعة أو العلماء ولو واحد أو بتقرير حكم الحظر أو حكم النفى وبدرء الحد).
أقول: ما مر وجوه الترجيح فى الأدلة، وأما الحدود، فمنها عقلية كتعريفات الماهيات ومنها سمعية كتعريفات الأحكام، وهذا هو الذى يتعلق به غرضنا فترجح بوجوه:
الأول: يرجح أحد بألفاظ صريحة على ما فيه تجوز أو استعارة أو اشتراك أو غرابة أو اضطراب.
الثانى: كون المعرف فى أحدهما أعرف منه فى الآخر.
الثالث: كونه بذاتى والآخر بعرضى.
الرابع: أن يكون مدلول أحدهما أعم من مدلول الآخر فيترجح الأعم ليتناول ذلك وغيره فتكثر الفائدة، وقيل بل يقدم الأخص للاتفاق على ما يتناوله لتناول الحدين له بخلاف الباقى فإنه مختلف فيه والمتفق عليه أولى.
الخامس: أن يكون على وفق النقل الشرعى أو اللغوى وتقريرًا لوضعهما، والآخر يخالف نقلهما فإن الأصل عدم النقل.
السادس: أن يكون أقرب إلى المعنى المنقول عنه شرعًا أو لغة لأن النقل لو كان للمناسبة فالأقرب أولى.
السابع: أن يكون طريق اكتسابه أرجح من طريق اكتساب الآخر، لأنه أغلب على الظن.
الثامن: عمل أهل المدينة به أو عمل الخلفاء الأربعة أو عمل العلماء ولو عالمًا واحدًا.
التاسع: كونه مقررًا لحكم الحظر والآخر لحكم الإباحة.
العاشر: أن يكون مقررًا لحكم النفى والآخر للإثبات.
الحادى عشر: أن يكون مقررًا لدرء الحد دون الآخر.
قوله: (فى ترجيح المنقول والمعقول) قال الشارح العلامة: هو يتضمن أقسامًا ستة: القياس مع الكتاب والسنة والإجماع والاستدلال كذلك.
قوله: (فالخاص الدال بمنطوقه يقدم) لكونه أصلًا بالنسبة إلى الرأى ولقلة تطرق الخلل إليه.
قوله: (وأما العام مع القياس) قال الآمدى بتقدم القياس وقيل بتقدم العام وقيل بالتوقف وقيل بتقدم القياس الجلى دون الخفى وقيل بتقدم القياس على العام المخصوص دون غيره والمختار تقدم القياس مطلقًا لأن العمل بالعموم يبطل القياس بالكلية والعمل بالقياس لا يبطل إلا وصف العموم لأن القياس يتناول المتنازع بخصوصه والعام يتناول بعمومه والأول أولى وأما الجواز قال الآمدى وتبعه العلامة: إن متعلق غرضنا ههنا هو السمعية ومن السمعية ما كان ظنيًا وأنت خبير بأنه خلاف الاصطلاح وكأنه أراد الظن فى أنه حدى فيرجع إلى التصديق وقد يندفع ما يقال: إن الترجيح باقتران أمارة بما به يقوى على معارضها والحد ليس بأمارة ولا حاجة إلى تغيير نفس الترجيح، أو الأمارة.
قوله: (كون المعرف فى أحدهما أعرف) فيكون إلى التعريف أقرب، قال العلامة رحمه الله: وذلك أن يكون المعرف فى أحدهما أعرف شرعيًا وفى الآخر حسيًا أو عقليًا أو لغويًا أو عرفيًا فالحسى أولى من غيره والعقلى من العرفى والشرعى والعرفى من الشرعى.
المصنف: (وأما الحدود السمعية. . . إلخ) أشار المصنف إلى أن الترجيح فيها قد يكون باعتبار اللفظ وقد يكون باعتبار المعنى وقد يكون باعتبار أمر خارج فالأول ذكره بقوله: فيرجح بالألفاظ الصريحة، والثانى بقوله: وبكون المعرف أعرف إلى
قوله: وبموافقة العقل والثالث بقوله: وبموافقة العقل. . . إلخ.
الشارح: (أن يكون طريق اكتسابه أرجح) أى كما فى تعريف الربا المحرم فى بيع بعض الجنس ببعض مما فيه علة الربا بما لم يتحقق فيه التماثل فيرجح على تعريفه بما علم فيه التفاضل أو العكس على حسب اختلاف المذاهب فيرجح أحدها على الآخر برجحان طريق اكتسابه بالنقل، وقد علمت أن الترجيح الحدود باعتبار التصديق بأن هذا حد المحدود فلا يقال: إن الحدود لا تكتسب بالبرهان واللَّه أعلم وصلى اللَّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قوله: (إن متعلق غرضنا ههنا هو السمعية) أى لا العقلية وقوله: ومن السمعية ما كان ظنيًا أى فيتأتى الترجيح فى الحدود لذلك وقوله: وأنت خبير بأنه خلاف الاصطلاح اعتراض من السعد على الآمدى فى اعتبار الظن فما الحدود بأن الحدود ليست من التصديقات حتى يدخلها الظن فدعوى الظن فيها خلاف الاصطلاح وقوله: وكأنه أراد الظن فى أنه حده اعتذار عما قاله الآمدى بأنه أراد الظن فى أن هذا الحد حد لكذا فيكون من باب التصديقات فلا يخالف الاصطلاح وعلى هذا فمعنى الحدود السمعية الحدود التى سمع من الشارع أنها حدود لمحدوداتها فيكون التعارض فى الحدود على هذا تعارضًا فى الأخبار الواردة بأنها حدود لمحدوداتها وعلى هذا فالترجيح باقٍ على أنه اقتران الأمارة بما به تقوى على معارضها فإذا ورد حدان من الشارع متقابلان كان ذلك فى قوة أن هذا حد لكذا دون ذلك والعكس فللأصولى أن يرجح أحدهما إذا اقترن به أمارة تقوى أنه هو الحد فيرجح الأوضح على الأخفى والذاتى على العرضى والأكثر أفرادًا على الأقل كما فى تعريف صحة العبادة بأنها موافقه الفعل ذى الوجهين الشرع، وتعريفها بأنها إسقاط القضاء فإن الأول يرجح يكون الموافقه ذاتيًا للصحة إذ لا تعقل الصحة قبلها وبتناوله صلاة من ظن الطهارة ثم تبين حدثه بخلاف التعريف بإسقاط القضاء.
قوله: (والعرفى من الشرعى) سكت عن الشرعى مع اللغوى ولعله لظهور تقديم اللغوى على الشرعى لأنه لا نقل فيه.
قال (ويتركب من الترجيحات فى المرجيحات والحدود أمور لا تنحصر وفيما ذكر إرشاد لذلك).
أقول: إذا اعتبرت الترجيحات فى الدلائل من جهة ما يقع فى المركبات من نفس الدلائل ومقدماتها وفى الحدود من جهة ما يقع فى نفس الحدود وفى مفرداتها ثم ركبت بعضها مع بعض ثناء وثلاث فما فوقها حصلت أمور لا تكاد تنحصر، وفى القدر الذى ذكره إرشاد لذلك.
أرشدنا اللَّه وإياكم لما ينفعنا فى الدنيا والآخرة، ويكون مقرونًا برضاه ومقربًا إلى غفرانه ورحمته، وأصلح شأننا وأعمالنا وتقبلها منا، وزادنا من فضله، إنه المستعان وعليه التكلان وله الحمد، وعلى نبيه والعترة الطاهرين الصلاة والسلام.
قوله: (إذا اعتبرت الترجيحات فى الدلائل) يعنى أن المراد بالترجيحات فى المركب الترجيحات الراجعة إلى الموصل إلى التصديق سواء كانت فى الدلائل أنفسها أو فى مقدماتها وبالترجيحات فى الحدود الترجيحات العائدة إلى الموصل إلى التصديق سواء كانت فى الحدود أنفسها أو فى أجزائها من الذاتيات والعرضيات فقوله: من نفس "الدلائل" بيان للمركبات لا صلة لها، وقوله: والحدود؛ عطف على فى الدلائل لا فى الركبات، فقوله: بتأويلات؛ يعنى حال كون التركيب ثنائيًا أو ثلاثيًا أو رباعيًا، وما فوق ذلك إلى ما لا يعد ولا يحصى وضمير ما فوقها المضمون ثناء وثلاث، وقوله: حصلت أمور؛ أى وجوه من الترجيح، ولا تنحصر، وبالاطلاع على بسائط الجهات يسهل الاطلاع على ترجيح ما يجب ترجيحه عند تركها، إذ يعلم تقديم ما فيه جهتان من الترجيح على ما فيه جهة واحدة، وما فيه جهات على ما فيه جهتان غير ذلك من التفاصيل، وهذا معنى قوله: وفيما ذكر إرشاد لذلك.
واللَّه الهادى إلى سبيل الرشاد والمسئول نيل العصمة والسداد، وهو حسبى ونعم الوكيل.
* * *