الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الاعتراضات)
قال: (الاعتراضات راجعة إلى منع أو معارضة وإلا لم تسمع وهى خمسة وعشرون).
أقول: شرع الآن فى الاعتراضات الواردة على القياس ويأتى فى طيِّها على ما يرد على غيره لأنه قليل بالنسبة إليها والاعتراضات كلها راجعة إلى منع أو معارضة وإلا لم تسمع، وذلك لأن غرض المستدل الإلزام بإثبات مدعاه بدليله وغرض المعترض عدم الالتزام بمنعه على إثباته به، والإثبات به يكون بصحة مقدماته ليصلح للشهادة وبسلامته عن العارض لتنفذ شهادته فيرتب عليه الحكم فالدفع يكون بهدم أحدهما فهدم شهادة الدليل بالقدح فى صحته بمنع مقدمة من مقدماته وطلب الدليل عليها وهدم نفاذ شهادته بالعارضة بما يقاومها ويمنع ثبوت حكمها فما لا يكون من القبيلين فلا تعلق له بمقصود الاعتراض فلا يسمع ولا يلتفت إليه ولا يشتغل بالجواب عنه لأن جواب الفاسد بالفاسد ولا نعنى به أن الفاسد ينبغى أن يجاب بالفاسد بل إن ما يجاب به الفاسد فهو فاسد لأنه وإن كان صحيحًا فى نفسه فإنه من حيث هو جواب لمن ينبغى أن لا يجاب ومن حيث إنه ليس متوجهًا نحو إثبات مطلوبه واشتغال بما لا حاجة به إليه يكون فاسدًا، واعلم أن المقدمة قد تمنع تفصيلًا وذلك واضح وقد تمنع إجمالًا وطريقه أن يقال لو صحت مقدمات دليلك وهى جارية فى الصورة الفلانية لوجب أن يثبت الحكم فيها وأنه غير ثابت وهذا هو النقض، وأيضًا فإن المقدمة إذا منعت وانتهض المستدل لإقامة الدليل فللمعترض منع مقدمات دليله ومعارضة دليله عليها فمراد المصنِّف بالمنع والمعارضة ما يعم ذلك كله وقد علمت أن الحصر العقلى فى مثل عدد الاعتراضات مشكل سيما وهو أمر للاصطلاح والمواضعة فيه مدخل لكن لا بأس بالضبط للتقريب فتعين أولًا: أنواعها، ويعين فى مفتتح كل عدة أجناسه فتبين لك أنها خمسة وعشرون وأنواعها سبعة، وذلك أن المستدل يلزمه فى القياس وفى غيره تفهيم ما يقوله سيما فى تعيين مدعاه وإذا اندفع إلى القياس فلا بد أن يكون متمكنًا من القياس لعدم ما يمنعه ذلك ثم يثبت مقدماته وهى حكم الأصل وعلته وثبوت
العلة فى الفرع ولا بل أن يكون ذلك على وجه يستلزم ثبوت حكم الفرع وأن يكون ذلك الحكم هو مطلوبه الذى ادعاه أولًا، وساق الدليل إليه فهذه سبعة مقامات يتوجه على كل مقام نوع من الاعتراض:
النوع الأول: وهو ما يتعلق بالإفهام لمدعاه أو غيره وقد قدمه لأن فهم الكلام أول كل شئ وهو واحد ليس إلا إذ لا يتصور ثم إلا طلب الإفهام ويسمى الاستفسار، وأنت تعلم أنه يرد على تقرير المدعى وعلى جميع المقدمات وعلى جميع الأدلة فلا سؤال أعم منه.
قوله: (ويأتى) يعنى المصنِّف فى أثناء اعتراضات القياس على الاعتراضات التى ترد على غير القياس وإنما أدرج هذه فى تلك لكونها قليلة بالنسبة إليها واعلم أن الشارح المحقق قد بلغ فى تحقيق مباحث القياس سيما الاعتراضات كل مبلغ نسخًا منه لشريعة الشارحين فى تطويل الواضحات والإغضاء عن المعضلات والاقتصار على إعادة المتن حيث لا سبيل إلى نقل ما فى المطولات فلم يبق لنا سوى اقتفاء آثاره والكشف عن خبيات أسراره بل الاجتناء من ثماره والاستضاءة بأنواره.
قوله: (مدعاه) الضمير فيه وفى دليله ومنعه ومطلوبه ولا حاجة به للمستدل وفى إثباته لمدعاه وفى به ومقدماته وسلاسته وشهادته وعلته لدليله وفى أحدهما لشهادة الدليل ونفاذها.
قوله: (وهذا) أى المنع إجمالًا هو النقض وقد يفيد بالإجمالى، ومنه النقض المذكور فى علة القياس.
قوله: (ما يعم ذلك كله) أى المنع تفصيلًا وإجمالًا على مقدمات دليل المدعى أو دليل المقدمة والمعارضة لدليل المدعى أو لدليل المقدمة.
قوله: (وقد علمت) فى صدر الكتاب أن من رام فى مثل هذه المواضع حصرًا عقليًا ركب شططًا.
قوله: (ويعين فى مفتتح كل عدة) أى مما يندرج تحت نوع.
قوله: (أجناسه) أى أجناس ذلك النوع وقد جرى على الاصطلاح الأصولى من تسمية المندرج جنسًا والمندرج هو فيه نوعًا وبعد تعيين الأنواع وتعيين أجناس كل نوع يظهر لك أن الأجناس أو الاعتراضات كلها خمسة وعشرون بتوجه منها على
مقام التفهيم للنوع الأول وهو جنس واحد وعلى مقام التمكن النوع الثانى وهو جنسان وعلى مقام إثبات حكم الأصل النوع الثالث وهو جنسان وعلى مقام إثبات علته النوع الرابع وأجناسه اثنا عشر وعلى مقام ثبوتها فى الفرع النوع الخامس وأجناسه خمسة وعلى مقام استلزامه ثبوت حكم الفرع النوع السادس وهو جنسان وعلى مقام كون ما ثبت هو المدعى أولًا، النوع السابع: وهو جنس واحد بمعنى أن النوع منحصر بحسب الوجود فى جنس واحد.
المصنف: (الاعتراضات كلها راجعة إلى منع أو معارضة) أدخل فى المنع النقض الإجمالى لأنه منع لمقدمات الدليل بتخلفها عن الحكم وغير المصنف جعلها راجعة إلى المنع والنقض والمعارضة ولم يرتض إدخال النقض فى المنع.
قوله: (وإنما أدرج هذه فى تلك لأنها قليلة) أى أنه أدرجها فى اعتراضات القياس مشيرًا إليها أى حيث قال فى الاعتراض السابع فيرد على كل منها ما هو شرط فعلى ظاهر الكتاب الإجمال والتأويل والمعارضة والقول بالموجب وعلى السنة ذلك والطعن بأنه مرسل أو موقوف أو فى راويه ضعف. . . إلخ. فجعل الكل اعتراضات على القياس.
قوله: (النوع الأول وهو جنس واحد) أى فانحصر النوع فى الجنس فلم يكن منه إلا جنس واحد وهو الاستفسار وقوله النوع الثانى وهو جنسان هما فساد الاعتبار وفساد الوضع وقوله النوع الثالث وهو جنسان هما منع حكم الأصل ابتداء أو بعد تقسيم وقد عبر عنهما المصنف بمنع حكم الأصل والتقسيم وقوله وأجناسه اثنا عشر هى منع وجود المدعى علة فى الأصل ومنع كونه علة عدم التأثير والقدح فى المناسبة والقدح فى الإفضاء إلى المقصود وكون الوصف خفيًا وكونه غير منضبط والنقض والكسر والمعارضة فى الأصل والتركيب والتعدية وهذان الأخيران راجعان إلى بعض ما سواهما من الاعتراضات كما يأتى وقوله وأجناسه خمسة هى: منع وجوده فى الفرع، المعارضة فى الفرع، الفرق اختلاف الضابط فى الأصل والفرع، اختلاف جنس المصلحة وقوله النوع السادس وهو جنسان هما: مخالفة حكم الفرع لحكم الأصل والقلب وقوله النوع السابع وهو جنس واحد وهو القول بالموجب.
قال: (الاستفسار وهو طلب معنى اللفظ لإجمال أو غرابة، وبيانه على المعترض بصحته على متعدد ولا يكلف بيان التساوى لعسره ولو قال التفاوت يستدعى ترجيحًا بأمر والأصل عدمه لكان جيدًا، وجوابه بظهوره فى مقصوده بالنقل أو بالعرف أو بقرائن معه أو بتفسيره وإذا قال يلزم ظهوره فى أحدهما دفعًا للإجمال، أو قال يلزم ظهوره فيما قصدت لأنه غير ظاهر فى الآخر اتفاقًا فقد صوبه بعضهم وأما تفسيره بما لا يحتمل لغة فمن جنس اللعب).
أقول: الاستفسار طلب الفسر وهو طلب بيان معنى اللفظ وإنما يسمع إذا كان فى ذلك اللفظ إجمال أو غرابة وإلا فهو تعنت مفوت لفائدة المناظرة إذ يأتى فى كل لفظ يفسر به لفظ ويتسلسل ولذلك قال القاضى ما يمكن فيه الاستبهام حسن فيه الاستفهام وبيان كونه مجملًا على المعترض إذ الأصل عدمه فإن وضع الألفاظ للبيان والإجمال فيه قليل جدًا وإنما البينة على مدعى خلاف الأصل ويكفى المستدل أنه خلاف الأصل بيانه بأن يبين صحة إطلاق اللفظ على معنيين أو أكثر ولا يكلف بيان التساوى وإن كان الإجمال لا يحصل إلا به وهو قد ادعى الإجمال، فكان يجب أن يلزمه الوفاء به لكنه اغتفر ذلك لعسره ولو كلف ذلك لسقط الاستفسار وبقى الكلام غير مفهوم ولم يحصل مقصود المناظرة وأيضًا فإنه يخبر عن نفسه فيكفيه ما يدفع به ظن التعنت فى حقه ويصدق بعدالته السالمة عن المعارض، مثاله إذا قال بان به البطلان فيكون باطلًا فيقال ما معنى بان فإنه يقال بمعنى ظهر وانفصل، وإذا قال فى المكره مختار للقتل، فيقتص منه كالمكره، فيقال ما تعنى بالمختار فإنه يقال للفاعل القادر وللفاعل الراغب، فهذا فى دعوى الإجمال، وأما الغرابة فلا تخفى ولذلك لم يتعرض له ومثاله فى الكلب المعلم يأكل من صيده أيل لم يرض فلا تحل فريسته كالسيد فيقال ما الأيل وما معنى لم يرض وما الفريسة وما السيد، واعلم أن المعترض مع أنه لا يكلف بيان التساوى فلو التزمه تبرعًا وقال وهما متساويان لأن التفاوت يستدعى ترجيحًا بأمر والأصل عدم المرجح لكان جيدًا وفاء بما التزمه أولًا.
والجواب عن الاستفسار ببيان ظهوره فى مقصوده فلا إجمال ولا غرابة وذلك إما بالنقل عن أهل اللغة وإما بالعرف العام أو الخاص أو بالقرائن المضمومة معه، وإن عجز عن ذلك كله فالتفسير مثال ذلك فى الإجمال أن يستدل بقوله: {حَتَّى
تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، فقيل له ما النكاح فإنه يقال للوطء لغة والعقد شرعًا فيقول هو ظاهر فى الوطء لانتفاء الحقيقة الشرعية أو فى العقد لهجر الحقيقة اللغوية، أو قرينة الإسناد إلى المرأة تعين أحدهما فإنه لذلك لا يسند إليها، وعلى هذه التقادير فقد منع الإجمال فلو لم يقدر عليه كما فى مثال بان والمختار يقول: المراد ظهر أو الفاعل القادر مثلًا مثال ذلك فى الغرابة إذا قال فى قبلة الصائم مبدأ مجرد عن الغاية فلا يفسد كالمضمضة فيقال: ما المبدأ وما الغاية، فإنه ليس من موضوعات اللغة ولا اصطلاح الفقهاء، وإنما هو من اصطلاح الفلاسفة فإنه يسمى السبب مبدأ والمقصود غاية، والفقيه إذا ادعى أنه لا يعرفه صدق فيه، والجواب دعوى ظهوره بما ذكر من الطرق بأن يدعى أنه يستعمل كذلك فى اللغة أو فى العرف أو غيره فإن لم يقدر كما فى مسألة الكلب المعلم، قال: أُريد بالأيل الكلب، وبقولى لم يرض لم يعلم وبالفريسة الصيد وبالسيد الذئب، بقى ههنا بحث وهو أن فى دفع الإجمال طريقًا إجماليًا ربما يستعمله بعض الجدليين، وهو أن يقول يلزم ظهوره فى أحدهما، وإلا لكان مجملًا والإجمال خلاف الأصل أو يقول يلزم ظهوره فيما قصدت لأنه غير ظاهر فى الآخر اتفاقًا فلو لم يكن ظاهرًا فيما قصدت لزم الإجمال وهو خلاف الأصل فإذا قال كذلك فقد صوبه بعضهم لظاهر وروده ورده بعضهم لأنه رجوع إلى أن الأصل عدم الإجمال بعدما دل المعترض على أنه مجمل بما أمكنه وإذ لا يبقى لسؤال الاستفسار فائدة ولأنه يدعى التساوى عنده وعدم فهمه ولم يدفعه تحصيلًا لغرض المناظرة واعلم أنه إذا فسره فيجب أن يفسره بما يصلح له لغة وإلا لكان من جنس اللعب فخرج عما وضعت له المناظرة من إظهار الحق.
النوع الثانى من الاعتراضات: وهو باعتبار تمكنه من الاستدلال بالقياس فى تلك المسألة فإن منع تمكنه من القياس مطلقًا فهو فساد الاعتبار كأنه يدعى أن القياس لا يعتبر فى تلك المسألة، وإن منعه من القياس المخصوص فهو فساد الوضع كأنه يدعى أنه وضع فى المسألة قياسًا لا يصح وضعه فيها.
قوله: (والجواب عن الاستفسار) يشير إلى أن ضمير جوابه للاستفسار لا للإجمال أو المستدل على ما فى الشروح وإلى أن بيان ظهور اللفظ فى مقصود
المستدل بنفى الإجمال والغرابة جميعًا لا كما قال الشارح العلامة أنه لم يذكر جواب الغرابة لظهوره وهو بيان شهرته وإلى أن العرف يعم العرف العام والخاص شرعًا كان أو غيره ولا يختص بعرف الشرع على ما توهمه.
قوله: (فإنه) أى لفظ النكاح لذلك أى لمعنى الوطء لا يسند إلى المرأة فقرينة الإسناد يعين كونه للعقد.
قوله: (فى دفع الإجمال) يشير إلى أن لزوم ظهوره فى أحدهما على التعيين وإن لم يكن كافيًا فى مقصود المستدل لكنه كافٍ فى دفع الإجمال، وقيل تنضم إليه مقدمة أخرى وهو أنه لما لزم ظهوره فى أحدهما وليس بظاهر فيما عدا مقصود المستدل اتفاقًا تعين ظهوره فيه.
قوله: (وإذ لا يبقى) عطف على قوله لأنه رجوع يعنى لو صح دفع الإجمال بهذا الطريق الإجمالى الجارى عند كل استفسار لما بقى له فائدة وقوله تحصيلًا علة وهذا الطريق بناء على الوجوه الثلاثة يعنى رده بعضهم لتحصيل ما هو المقصود فى المناظرة من إظهار الصواب إذ لا سبيل إلى ذلك بدون فهم المعنى.
قوله: (بما يصلح له لغة) أى يجوز استعماله فيه حقيقة أو مجازًا أو نفلًا وبالجملة يكون بحيث يرخص أهل اللغة فى استعماله فيه وليس المراد أنه يجب أن يكون معناه اللغوى ولو قال لغة أو عرفًا لكان أظهر.
قوله: (فإن منع) ضمير يمكنه ومنعه وأنه للمستدل، وضمير منع وكأنه للمعترض.
المصنف: (ولا يكلف بيان التساوى لعسره) إذ ما من وجه يبين به التساوى إلا وللمدعى أن يقول: لم لا يكون بينهما تفاوت بوجه آخر.
الشارح: (أيل لم يرض) يقرأ أيل بفتح الهمزة وكسر الياء المشددة ويقرأ أيضًا بضم الهمزة وكسرها وسيأتى أنه الكلب لكن فى القاموس أنه الوعل وقوله: لم يرض أى لم يعلم ويهذب.
الشارح: (أن يستدل بقوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]) أى يستدل على حرمة المطلقة ثلاثًا على مطلقها حتى يطأها زوج آخر يعقد عليها بقوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، وقوله لانتفاء الحقيقة الشرعية أى لكون المرأة لا
تعقد لنفسها كما هو رأى المالكية والشافعية.
قوله: (وإن لم يكن كافيًا فى مقصود المستدل) أى لاحتمال أن الظاهر غير مقصود، وقوله: وقيل تنضم إليه مقدمة أخرى. . . إلخ. هو الوجه الثانى المشار إليه بقوله: أو قال يلزم ظهوره فيما قصدت، وعلى كل لم يعلم السائل مقصود المستدل.