الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فساد الاعتبار)
قال: (فساد الاعتبار وهو مخالفة القياس للنص، وجوابه الطعن أو منع الظهور أو التأويل أو القول بالموجب أو المعارضة بمثله فيسلم القياس أو يبين ترجيحه على النص بما تقدَّم مثل ذبح من أهله فى محله كذبح ناسى التسمية فيورد: {وَلَا تَأْكُلُوا} [الأنعام: 121]؛ فيقول مؤول بذبح عبدة الأوثان، بدليل: "ذكر اللَّه على قلب المؤمن سمى أو لم يسم" أو بترجيحه لكونه مقيسًا على الناسى المخصص باتفاق فإن أبدى فارق فهو من المعارضة).
أقول: فساد الاعتبار أن لا يصح الاحتجاج بالقياس فيما يدعيه لأن النص دل على خلافه واعتبار القياس فى مقابلة النص باطل.
وجواب هذا الاعتراض بأحد وجوه:
الأول: الطعن فى سند النص إن لم يكن كتابًا أو سنة متواترة بأنه مرسل أو موقوف أو مقطوع أو راويه ليس بعدل أو كذب فيه الأصل والفرع.
ثانيها: منع ظهوره فيما يدعيه لمنع عموم أو مفهوم أو لدعوى إجمال.
ثالثها: أن يسلم ظهوره ويدعى أنه مؤول، والمراد غير ظاهرى لتخصيص أو مجاز أو إضمار بدليل يرجحه على الظاهر.
رابعها: القول بالموجب بأن بقاءه على ظاهره ويدعى أن مدلوله لا ينافى حكم القياس.
خامسها: المعارضة بنص آخر مثله حتى يتساقط النصان فيسلم قياسه، فإن قلت فإن عارضه المعترض بنص آخر حتى يسلم أحد نصيه فيعارض القياس هل يسمع؟ قلت لا لأن النصين يعارضهما النص الواحد وذلك كما تعارض شهادة الاثنين شهادة الأربعة، فإن قلت فليعارض النص النص والقياس، قلت لا يصح ذلك لأن المناظر تلو الناظر ونحن نعلم أن الصحابة رضوان اللَّه عليهم كانوا إذا تعارضت عندهم النصوص يتركونها ويرجعون إلى القياس فما أوجبه القياس أخذوا به، فإن قلت فهل للمستدل أن يقول: قد عارض نصك قياسى وقد سلم نصى، قلت لا لأنه انتقال وأى شئ أقبح فى المناظرة من الانتقال، فإن قلت فهل يجب على
المستدل أن يبين أن نصه مساوٍ فى القوة لنص المعترض، قلت: لا لأن ذلك متعذر لأنه لا يمكن إلا بنفى جميع وجوه الترجيح وأنى له ذلك.
سادسها: أن يبين أن قياسه مما يجب ترجيحه على النص إما لأنه أخص من النص فيقدم لما مر فى تخصيص النص بالقياس وإما لأنه مما ثبت حكم أصله بنص أقوى مع القطع بوجود العلة فى الفرع، ومثله يقدم على النص لما مر، واعلم أنا لا نريد أن كل نص يمكن فيه هذه الأسئلة بل قد يمكن بعضها فيجيب بما يتأتى منها وقد لا يمكن شئ منها فيكون الدبرة على المستدل، مثال ذلك: أن يقول فى ذبح تارك التسمية ذبح من أهله فى محله فيوجب الحل كذبح ناسى التسمية فيقول المعترض هذا فاسد الاعتبار لأنه بخلاف قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121]، فيقول المستدل: هذا مؤول بذبح عبدة الأوثان بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "اسم اللَّه على قلب المؤمن سمى أو لم يسم"، أو يقول هذا القياس راجح على ما ذكرت من النص لأنه قياس على الناسى المخصص عن هذا النص بالإجماع لما ذكرنا من العلة وهى موجودة فى الفرع قطعًا، فإن قلت: إذا قال المستدل ذلك فهل للمعترض أن يبدى بين التارك والناسى فرقًا دفعًا لكون القياس مما يقدم فيقول التارك بصدد ذكر اللَّه قصد الترك مقصرًا بخلاف الناسى، فإنه معذور؟ قلت: ليس له ذلك؛ لأنه من المعارضة لا من فساد الاعتبار وهو سؤال آخر فيلزمه فسادان الانتقال والاعتراف بصحة اعتباره لأن المعارضة بعد ذلك.
قوله: (فساد الاعتبار) سمى بذلك لأن اعتبار القياس فى مقابلة النص فاسد وإن كان وضعه وتركيبه صحيحًا لكونه على الهيئة الصالحة لاعتباره فى ترتيب الحكم عليه.
قوله: (أو موقوف) وهو ما وقف على بعض الرواة ولم يرفع إلى النبى عليه السلام والمقطوع ما ترك فى عنعنة رواته أحد الوسائط.
قوله: (يعارضهما النص الواحد) قد سبق أن الأدلة المتعارضة إذا كانت من جنس واحد فقيام دليل آخر من جنسها على وفق البعض لا يرجحه كما إذا كان من جانب شاهدان ومن جانب أربعة شهود، هذا ما يقال لا ترجيح بالكثرة، وأما عند اختلاف الجنس فيترجح لاتفاق من الصحابة على ذلك حيث كانوا يرجعون
عند تعارض النصين إلى القياس وحين اعتبر ذلك فى النظر والاجتهاد لزم اعتباره فى البحث والمناظرة لاشتراكهما فى القصد إلى إظهار الصواب وهذا معنى ولهم المناظر تلو الناظر.
قوله: (وأنى له) أى للمستدل ذلك أى نفى جميع وجوه الترجيح اللهم إلا أن يكتفى بأن الأصل عدم المرجح يمكن كما يمكن إثبات إلى هذا النص أقوى من ذلك لما فيه من رجحان مخصوص لا يوجد فى ذلك معارض بحكم الأصل.
قوله: (هذه الأسئلة) إشارة إلى الوجوه الستة التى بها يجاب عن اعتراض فساد الاعتبار وأطلق عليها الأسئلة لكون أكثرها وهى ما عدا السادس مما يعترض به على نفس الاستدلال بالنص وإن لم يكن لقصد فساد اعتبار القياس أو يقول هذا القياس راجح إشارة إلى أن قوله أو ترجيحه عطف على مؤول والمعنى فيقول المستدل هذا النص مؤول أو يقول بترجيح هذا القياس على النص لكون التارك مقيسًا على ما هو مخصص من غير هذا النص بالإجماع مع القطع بوجود العلة فى الفرع وقد سبق أن مثل هذا القياس راجح على النص وليس هذا من ترجيح القياس على النص بمجرد كون المقيس عليه مجمعًا عليه على ما توهمه الشارح العلامة ولا حاجة إلى ما ذهبوا إليه من أن قوله أو بترجيحه عطف على قوله بدليل والضمير للمستدل أو للمقيس والمعنى أنه مؤول بذبح عبدة الأوثان والدليل على كونه مؤولًا هو هذان الوجهان أحدهما كون المؤمن ذاكرًا دائمًا، ثانيهما أن المقيس أى ذبح التارك قصدًا راجح على ذبح الناسى لأنه على صدد التسمية بخلاف الناسى وذبح الناسى مخصوص عن النص فهذا بطريق الأولى لأنه من المعارضة لما سيجئ من الفرق إبداء خصوصية فى الأصل هو شرط فيكون معارضة فى الأصل أو إبداء خصوصية فى الفرع هو مانع فيكون معارضة فى الفرع.
قوله: (وهو ما وقف على بعض الرواة) المشهور ما وقف على الصحابى وقوله والمقطوع ما ترك فى عنعنة رواته أحد الوسائط اشتهر أنه الموقوف على التابعى.
قوله: (لا يوجد فيه فى ذلك معارض بحكم الأصل) أى لا يوجد فى النص فى ذلك الرجحان المخصوص معارض لرجحان بحكم أن الأصل العدم.