الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المطلق والمقيد)
قال: (المطلق والمقيد المطلق ما دل على شائع فى جنسه فيخرج المعارف ونحو كل رجل ونحوه لاستغراقها، والمقيد بخلافه ويطلق المقيد على ما أخرج من شياع بوجه كـ {رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، وما ذكر فى التخصيص من متفق ومختلف ومختار ومزيف جار فيه ويزيد).
أقول: من أقسام المتن المطلق والمقيد وهما قريبان من الخاص والعام فذكرهما عقيبهما وحد المطلق بأنه ما دل على شائع فى جنسه ومعنى ذلك كونه حصة محتملة لحصص كثيرة مما يندرج تحت أمر مشترك من غير تعيين فتخرج المعارف كلها لما فيها من التعيين شخصًا نحو زيد وهذا أو حقيقة نحو الرجل وأسامة، أو حصة نحو:{فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} [المزمل: 16]، أو استغراقًا نحو الرجال، وكذلك كل عام ولو نكرة نحو: كل رجل، ولا رجل، لأنه بما انضم إليه من كل والنفى صار للاستغراق وأنه ينافى الشيوع بما ذكرناه من التفسير، وأما المقيد فحده بخلاف حد المطلق فهو ما يدل لا على شائع فى جنسه فيدخل فيه المعارف والعمومات كلها وقد يطلق القيد على معنى آخر وهو ما أخرج من شياع بوجه من الوجوه مثل:{رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، فإنها وإن كانت شائعة بين الرقبات المؤمنات فقد أخرجت من الشياع بوجه ما من حيث كانت شائعة بين المؤمنة وغير المؤمنة، فأزيل ذلك الشباع عنه وقَيَّد بالمؤمنة فكان مطلقًا من وجه مقيدًا من وجه، واعلم أن جميع ما ذكر فى تخصيص العام من متفق ومختلف ومختار يجرى مثله فى تقييد المطلق ويزيد فى تقييد المطلق مسألة هى هذه.
قوله: (ومعنى ذلك) أى شيوع المدلول فى جنسه كون المدلول حصة محتملة أى ممكنة الصدق على حصص كثيرة من الحصص المندرجة تحت مفهوم على لهذا اللفظ وظاهر أنه لا حاجة إلى قوله من غير تعيين لأن المعارف ليست بحصة محتملة للحصص وإنما فسر الشارح بالحصة نفيًا لما يتوهم من ظاهر عبارة القوم أن المطلق ما يراد به الحقيقة من حيث هى هى وذلك لأن الأحكام إنما تتعلق بالأفراد
دون المفهومات ثم لا يخفى أن المراد بالتعيين ما يكون بحسب دلالة اللفظ وإلا فمثل جاءنى رجل متعين فى الواقع لكنه أعم من أن يكون الوضع أيضًا على التعيين كما فى الأعلام أولًا كما فى المضمرات وأسماء الإشارة على ما سبق تحقيقه فى بحث الحرف، وأن المراد بالمعارف المخرجة ما سوى المعهود الذهنى مثل اشتر اللحم، لما سبق من أنه مطلق.
قوله: (ولو نكرة) نفى لما زعم الآمدى من أن المطلق هو النكرة فى سياق الإثبات.
قوله: (فهو ما يدل لا على شائع) يعنى ليس المراد بخلافه ما لا يدل على شائع حتى ينتقض بالمهملات وذلك لأن الكلام فى أقسام المتن فلا بد من الدلالة فعلى هذا لا واسطة فى الألفاظ الدالة بين المطلق والمقيد لكن إطلاق المقيد على جميع المعارف والعمومات ليس باصطلاح شائع وإنما الاصطلاح هو الثانى أعنى ما أخرج من شياع وفى تنكير شياع إشارة إلى أنه لا يلزم فيه الإخراج عن الشياع، بحيث لا يبقى مطلقًا أصلًا بل قد يكون مطلقًا من وجه ومقيدًا من وجه، كـ:{رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92].
قوله: (ويزيد مسألة) هذه المسألة مما مر مثلها فى التخصيص وهو أن الخاص إذا وافق العام فى الحكم لا يخصصه لكن لما كان الحكم ههنا مخالفًا لما هنالك مع زيادة تفاصيل أوردها.
المصنف: (المطلق ما دل على شائع فى جنسه) استدل على ترجيح ذلك بتبادر الحصة المنتشرة عند الإطلاق وهو علامة الوضع وبأن الأحكام المتعلقة بالمطلق إنما هى على الإفراد والاستعمال دليل الوضع والقضايا الطبيعية لا نسبة لها بمقابلها فاعتبارها دليل الوضع للماهية خلاف المعقول وإنما تراد الماهية منها بالقرينة ككون المسند لا يصلح أن يسند إلا إليها نحو الإنسان نوع بخلاف تبادر الحصة المنتشرة فحاصل قبل الإسناد وبعده ولم يوضع للماهية سوى علم الجنس على القول بالفرق بينه وبين اسم الجنس النكرة، وأما على القول بعدم الفرق بينهما وهو غير المختار فلا وضع للحقيقة أصلًا والنسبة بين المطلق والنكرة العموم والخصوص من وجه لصدقهما فى نحو فتحرير رقبة وانفراد النكرة فى كل رجل وانفراد المطلق فى
اشتر اللحم إن لم نقل إن مثله نكرة وإلا فالنسبة العموم والخصوص المطلق والنكرة هى الأعم هذا وبعضهم جعل النكرة قسيمًا للمطلق فهى للفرد المنتشر وهو للحقيقة وبعضهم جعل النكرة للماهية كالمطلق لا فرق بينهما.
قوله: (وإنما فسر الشارح بالحصة نفيًا. . . إلخ) تقدم عن السعد عند قول المصنف إذا أمر بمطلق فالمطلوب الفعل بها نصه الماهية بشرط لا شئ لا توجد فى الأعيان بل فى الأذهان والتي لا بشرط مقارنة العوارض ولا التجرد عنها بأن أخذت مع تجويز أن تقارنها العوارض وألا تقارنها وتكون مقولًا على المجموع حال المقارنة الحق وجودها فى الأعيان لكن لا من حيث كونها جزءًا من الجزئيات المحققة على رأى الأكثر بل من حيث إنه يوجد شئ يصدق هو عليه وتكون عينه بحسب الخارج وإن تغايرا بحسب المفهوم انتهى قال فى شرح المقاصد إنما لم تكن الماهية جزءًا لأن الموجود من الإنسان مثلًا إنما هو زيد وعمرو وغيرهما من الأفراد وليس فى الخارج إنسان مطلق وآخر مركب منه ومن الخصوصية هو الشخص وإلا لما صدق المطلق عليه ضرورة امتناع صدق الجزء الخارجى المغاير بحسب الوجود للكل وإنما التغاير بين المطلق والمقيد فى الذهن دون الخارج فلذا قلنا: إن المطلق موجود فى الخارج لكونه نفس المقيد ومحمولًا عليه. اهـ. فمعنى وجود المطلق وجود شئ يصدق هو عليه فيصح أن يكون المطلق هو الدال على الماهية بلا قيد، ويصح أن يكون مطلوبًا بالمعنى الذى عرفته وحمل الماهية بهذا المعنى على المجموع لا باعتبار أن الشخص جزء من القول عليه ضرورة أنها معتبرة لا بشرط شئ.
قوله: (لكنه) أى التعين بحسب دلالة اللفظ والاستعمال أعم من أن يكون الوضع أيضًا على التعين كما فى الأعلام فإن التعين فيها وضعى واستعمالى أى وضعت للمعين والاستعمال فى المعين وقوله أولًا كما فى المضمرات وأسماء الإشارات أى أن التعين لم يعتبر إلا فى الاستعمال دون الوضع لأنها كليات وضعًا جزئيات استعمالًا عند المحشى.
قال: (مسألة: إذا ورد مطلق ومقيد فإن اختلف حكمهما مثل اكس وأطعم فلا يحمل أحدهما على الآخر بوجه اتفاقًا ومثل إن ظاهرت فأعتق رقبة مع لا تملك رقبة كافرة واضح، وإن لم يختلف حكمهما فإن اتحد موجبهما مثبتين حمل المطلق على المقيد بالعكس بيانًا لا نسخًا، وقيل نسخ إن تأخر المقيد لنا أنه جمع بينهما فإن العمل بالمقيد عمل بالمطلق، وأيضًا يخرج بيقين وليس بنسخ لأنه لو كان التقييد نسخًا لكان التخصيص نسخًا، وأيضًا لكان تأخير المطلق نسخًا، قالوا: لو كان تقييدًا لوجب دلالة رقبة على مؤمنة مجازًا، وأجيب بأنه لازم لهم إذا تقدَّم المقيد وفى التقييد بالسلامة والتحقيق أن المعنى رقبة من الرقاب فيرجع إلى نوع من التخصيص يسمى تقييدًا، وإن كانا منفيين عمل بهما مثل لا تعتق مكاتبًا لا تعتق مكاتبًا كافرًا، وإن اختلف موجبهما كالظهار والقتل، فعن الشافعى رحمه الله حمل المطلق على المقيد فقيل بجامع وهو المختار فيصير كالتخصيص بالقياس على محل التخصيص وشذ عنه بغير جامع وأبو حنيفة لا يحمل).
أقول: إذا ورد مطلق ومقيد فإما أن يختلف حكمهما أو لا يختلف:
القسم الأول: أن يختلف حكمهما نحو اكس تميميًا، أطعم تميميًا عالمًا، فههنا لا يحمل أحدهما على الآخر بوجه من الوجوه اتفاقًا، سواء كانا مأمورين أو منهيين أو مختلفين واتحد موجبهما أو اختلف اللهم إلا فى مثل أن يقول إن ظاهرت فأعتق رقبة ويقول لا تملك رقبة كافرة فإنه يقيد المطلق بنفى الكفر وإن كان الظهار والملك حكمين مختلفين اتفاقًا لتوقف الإعتاق على الملك، وهذا واضح ولذلك لم يذكره صريحًا.
القسم الثانى: أن لا يختلف حكمهما نحو: أطعم تميميًا، أطعم تميميًا عالمًا، هذه أقسام ثلاثة لأنه إما أن يتحد موجبهما أو يختلف وإن اتحد فإما أن يكونا مثبتين أو منفيين، الأول: أن يتحد موجبهما مثبتين مثل إن ظاهرت فأعتق رقبة إن ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة، فيحمل المطلق على المقيد لا بالعكس، ويكون المقيد بيانًا للمطلق لا نسخًا له، تقدَّم عليه أو تأخر عنه.
وقيل نسخ له إن تأخر المقيد فههنا مقامان أنه يحمل المطلق على القيد وأنه بيان لا نسخ أما أنه يحمل المطلق على المقيد فلأنه جمع بين الدليلين لأن العمل بالمقيد يلزم منه العمل بالمطلق والعمل بالمطلق لا يلزم منه العمل بالمقيد لحصوله فى ضمن
غير ذلك المقيد وأيضًا فإنه يخرج بالعمل بالمقيد عن العهدة يقينًا سواء كان مكلفًا بالمطلق أو بالمقيد بخلاف العمل بالمطلق إذ قد يكون مكلفًا بالمقيد فلا يعمل فلا يخرج وأما أنه بيان لا نسخ فلأنه لو كان التقييد نسخًا لكان التخصيص نسخًا لأنه نوع من المجاز مثله وليس بنسخ بالاتفاق، وأيضًا لو كان نسخًا للمطلق لكان تأخير المطلق نسخًا للمقيد لأن التنافى إنما يتصوّر من الطرفين وهو الموجب لذلك وأنتم لا تقولون به وقد يجاب عن الأول بأن فى التقييد حكمًا شرعيًا لم يكن ثابتًا قبل وأما التخصيص فهو دفع لبعض الحكم الأول فقط وعن الثانى بمثله ويظهر بالتأمل، قالوا: لو كان تأخير المقيد بيانًا للمطلق لكان المراد بالمطلق هو المقيد فيجب أن يكون مجازًا فيه وهو فرع الدلالة وأنها منتفية إذ المطلق لا دلالة له على مقيد خاص.
الجواب: أنه لازم لهم إذا تقدَّم المقيد فإنهم يقولون المراد بالمطلق حينئذٍ المقيد فيجب دلالته عليه مجازًا وأيضًا فإنه لازم لهم فى تقييد الرقبة بالسلامة مجازًا فما هو جوابكم فى الصورتين فهو جوابنا ثم أفاد أن التحقيق فى هذه المسألة أن رقبة معناه رقبة من الرقبات أى رقبة كانت فيصير عامًا إلا أنه على البدل لا على الجميع ويصير تخصيصه بالمؤمنة أو السالمة تخصيصًا وإخراجًا لبعض المسميات من أن يصلح بدلًا فالتقييد يرجع إلى نوع من التخصيص يسمى تقييدًا اصطلاحًا فحكمه حكم التخصيص فكما تقدَّم الخاص بيانًا للعام فكذلك يقيد القيد بيانًا للمطلق، الثانى أن يتحد موجبهما منفيين فيعمل بهما اتفاقًا مثل أن يقول فى الظهار لا تعتق مكاتبًا لا تعتق مكاتبًا كافرًا فلا يجزئ إعتاق الكاتب أصلًا وأنت تعلم أن هذا من تخصيص العام لا من تخصيص المطلق، الثالث: أن يختلف موجبهما كما أطلق فى كفارة الظهار فقال: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92]، وقَيَّد فى كفارة القتل فقال:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، فنقل عن الشافعى رضى اللَّه عنه أنه يحمل المطلق على المقيد فقال أكثر الشافعية مراده أنه يحمل عليه بجامع إذا كان وهذا هو المختار فيكون كتخصيص عام ليس محلًا للتخصيص بالقياس على عام هو محل للتخصيص ويجئ ما ذكرنا هنالك من الدليل والسؤال والجواب، وقد روى شذوذ من الشافعية عن الشافعى أنه يحمل المطلق على المقيد من غير جامع لأن كلام اللَّه واحد وبعضه يفسر بعضًا وليس بسديد كما ترى، وقال أبو حنيفة رضى اللَّه عنه:
لا يحمل عليه ولو بجامع إذ يلزم منه رفع ما اقتضاه المطلق من الامتثال بمطلقه فيكون نسخًا والقياس لا يصلح ناسخًا، والجواب منع كونه نسخًا كالتقييد بالسليمة.
قوله: (بنفى الكفر) دون أن يقول بالإيمان إشارة إلى أن معنى حمل المطلق على المقيد تقيده بذلك القيد بحسب مقتضى الحال إثباتًا أو نفيًا.
قوله: (لا بالعكس) مشعر بأن ههنا مذهبًا آخر هو حمل المقيد على المطلق وبه يشعر كلام الشارح العلامة إلا أن الآمدى ذكر أنا لا نعرف خلافًا فى حمل المطلق على المقيد وينبغى أن يعلم أن ذلك فيما إذا كان الإطلاق والتقييد فى الحكم أما إذا كانا فى السبب مثل: "أدّوا عن كل حر وعبد من المسلمين"، فعند أبى حنيفة رحمه الله لا يحمل المقيد على المطلق لجواز أن يكون المطلق سببًا والمقيد سببًا.
قوله: (بيانًا للمطلق لا نسخًا له) معنى البيان أنه يدل على أن المراد بالمطلق كان المقيد ومعنى النسخ أنه أريد الإطلاق فرفع وانتهى.
قوله: (لأنه) أى التخصيص نوع من المجاز مثل التقييد إذ كل منهما نقض للشيوع ومعنى كونه نوعًا من المجاز أنه سبب لذلك حيث يجعل العام أو المطلق المتقدم مجازًا والظاهر أنه ليس للمجازية كثير دخل فى المقصود، فالأولى أن يقال لأنه مثله فى نقض الشيوع وقطع الحكم عن بعض الأفراد بل فى التخصيص أولى، وأما أن التخصيص ليس بنسخ بالاتفاق فمحل نظر فإن قصر العام إذا كان بكلام مستقل متراخ فهو نسخ عندهم وكان المراد أنه يلزم أن يكون كل تخصيص بمعنى قصر العام على البعض نسخًا وليس كذلك بالاتفاق وحينئذٍ فالكلام فى بيان اللزوم وهو الموجب يعنى أن سبب كون المقيد ناسخًا للمطلق هو أن المطلق يفيد جواز الإتيان بأي فرد كان، والخروج عن العهدة بذلك والمقيد ينافيه لدلالته على أنه لا يخرج عن العهدة بالإتيان بالمقيد فكما أن التقييد اللاحق ينافى الإطلاق السابق ويرفعه فكذلك العكس بل هذا أظهر فى إزالة حكم شرعى هو إيجاب القيد كإيمان الرقبة مثلًا، وقد يجاب فإن قيل لا يكفى فى النسخ إثبات حكم شرعى لم يكن ثابتًا بل لا بد من رفع حكم شرعى وبيان انتهاء مدته، قلنا المقصود إيقاع الفرق ونفى المماثلة بين التقييد والتخصيص فينبنى عليه منع الملازمة أى لا يلزم
من كون التقييد الذى هو حكم شرعى نسخًا كون التخصيص الذى ليس نسخًا كذلك، وأما تحقيق كون التقييد نسخًا دون التخصيص فهو أن فيه حكمًا شرعيًا يرفع حكمًا شرعيًا وفى التخصيص لا حكم ولا رفع بل مجرد رفع.
قوله: (وعن الثانى بمثله) وهو أن فى التقييد المتأخر عن الإطلاق إثبات حكم لم يكن كإيجاب الرقبة مثلًا بخلاف العكس فإنه لا يثبت حكمًا لم يكن لأن وجوب المطلق قد كان ثابتًا مع الزيادة فهوإنما يرفع تلك الزيادة ولا يلزم من كون إثبات حكم مناف لحكم نسخًا كون ما ليس كذلك نسخًا، وإن تحققت المنافاة هذا ما ظهر لى بالتأمل وهو المماثل لما سبق وإن كان للمناقشة فيه مجال وقد يتوهم أنه إشارة إلى ما ذكر فى بعض الشروح من أن التقييد المتأخر يرفع حكمًا شرعيًا لإجزاء الكافرة بخلاف الإطلاق المتأخر فإنه لا يرفع حكم المقيد بل يثبته مع حكم آخر لم يكن وهو إجزاء الكافرة، وعدم إجزاء غير القيد كالكافرة مثلًا ليس من مقتضيات التقييد حتى تكون إزالته نسخًا وهذا مع أنه ليس مثل ما سبق فاسد لظهور أن حكم المقيد وجوب القيد والإطلاق لا يثبته بل يرفعه.
قوله: (وهو فرع الدلالة) بيان لبطلان اللازم وهو كونه مجازًا ولم يقتصر على ما ذكره الشارحون من أن المجاز خلاف الأصل لظهور أن النسخ أشبه محذورًا منه.
قوله: (فما هو جوابكم) أما فى الصورة الأولى فجوابهم أن تقدم الصدر مما يصلح قرينة لانتقال الذهن من المطلق إلى المقيد وهو المعنى بالدلالة عند علماء الأصول والبيان، وأما فى الثانية فهم لا يسلمون تناول الرقبة لما يكون ناقصًا فى كونه رقبة، وهو فائت جنس المنفعة، حتى تكون دلالته على السليمة مجازًا، ولو سلم فانتقال الذهن من المطلق إلى الكامل فى معناه ظاهرًا لا مدفع له.
قوله: (إلا أنه على البدل لا على الجمع) يوافق ما ذهب إليه الحنفية من أن العموم قد يكون يتناول كل أحد على سبيل الشمول مثل من يأتنى فله درهم، أو على سبيل البدل مثل من يأتنى أولًا فله درهم، لكن القول بعموم النكرة فى الإثبات يخالف ظاهر اصطلاح القوم فلهذا ذهب جمع من الشارحين إلى أن العام المخصص هو المقدر المجرور بمن أعنى الرقبات وأن اللفظ وإن كان ظاهرًا فى رقبة من الرقبات العامة إلا أن المراد رقبة مؤمنة من الرقبات المؤمنات، وبالجملة فقد
اختلفت كلمتهم فى شرح هذا التحقيق وكيفية تطبيقه جوابًا عن شبهة الخصم والشارح المحقق تخلص عن ذلك بجعله تحقيقًا فى المسألة لا فى الجواب والإنصاف أن ثمرة هذا التحقيق وهو قوله فكما تقدَّم الخاص بيانًا للعام فكذلك يقيد المقيد بيانًا للمطلق على ما فى النسخ كلام لا حاصل له بل لا معنى لتقييد المقيد ومقابلته بتقدم الخاص وكأنه من سهو القلم والصواب تقدم المقيد ومع ذلك فالكلام فى تأخر المقيد لا تقدمه والمقرر أن تأخر الخاص بيان وقصر للعام على البعض لا تقدمه فإن عند الخصم العام المتأخر ناسخ فالصواب أن يقرأ يقدم على لفظ المضارع أى كما أن الخاص المتأخر يقدم فى الاعتبار ويعمل به على أنه بيان للعام المتقدم لا نسخ فكذا فى المقيد المتأخر.
قوله: (وأنت تعلم) مناقشة فى المثال وهذا كما يمثلون للإطلاق والتقييد فى السبب بقوله عليه السلام: "أدّوا عن كل حر وعبد، أدّوا عن كل حر وعبد من المسلمين"، وكأنه مبنى على أنه يعتبر أولًا الإطلاق أو التقييد ثم يسلط عليه ما يفيد العموم، والمثال المطابق: لا تعتق المكاتب، من غير قصد إلى الاستغراق، كما فى: اشتر اللحم، وأنت تعلم أن قوله لا من تخصيص المطلق ليس على ما ينبغى والصواب لا من تقييد المطلق.
قوله: (ويجئ ما ذكرنا هنالك) المذكور فيما سبق هو أنه هل يجوز تخصيص العموم بالقياس كتخصيص قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103]. بغير المديون قياسًا على الفقير ولا ذكر لتخصيص عام ليس محلًا للتخصيص قياسًا على عام هو محل للتخصيص ولا إيراد دليل وسؤال وجواب يصلح إيرادها فى هذا المقام.
قوله: (وليس بسديد) لأنه إن أريد بالكلام الأزلى فليس الكلام فيه مع أنه تختلف تعلقاته باختلاف المتعلقات وإن أريد العبارة الدالة عليه فلا خفاء فى تكثرها واختلافها.
قوله: (والجواب منع كونه نسخًا) هذا منع للمقدمة المثبتة بالدليل من غير قدح فى الدليل فلا يكون موجهًا والاستناد بتقييد الرقبة بالسليمة ليس بمستقيم لأنهم لا يسلمون أنه تقييد ورفع لما اقتضاه النص المطلق بل يدعون أن المطلق لا يتناول إلا الكامل فى مدلوله كالماء لا يتناول ماء الورد على أن عمدتهم فى إبطال حمل
المطلق على المقيد ليست لزوم النسخ بالقياس بل عدم صحة القياس بناء على أن المقيس عليه ليس حكمًا شرعيًا، بل عدمًا أصليًا، هو عدم إجزاء الكافرة فى كفارة القتل لأن إجزاء المؤمنة ثابت بالنص المطلق ومن شرط القياس أن يكون القيس عليه حكمًا شرعيًا، وأيضًا من شرط القياس أن لا يوجد فى المقيس نص قال على الحكم المعدى أو على عدمه وقد دل النص المعلق على إجزاء الكافرة وعدم الوجوب قيد الإيمان وغاية ما أدى إليه نظرنا أنا نقيس وجوب قيد الإيمان فى رقبة كفارة القتل وهو حكم شرعى وقد بسطنا الكلام فيه فى شرح التنقيح.
المصنف: (فإن اختلف حكمهما مثل اكس وأطعم فلا يحمل أحدهما على الآخر اتفاقًا) ظاهره سواء اتحد السبب أو اختلف مثبتين أو منفيين أو مختلفين مع أن بعضهم قال: إن اتحد السبب حمل المطلق على المقيد كاليد فى قوله تعالى {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة: 6]، وقوله تعالى:{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: 6]، واعلم أن الصور اثنتا عشرة لأنه عند اختلاف الحكم يقال: إما أن يتحد السبب أو يختلف وفى كل إما أن يكونا مثبتين أو منفيين أو أحدهما مثبت والآخر منفى فصوره ست وإن اتحد الحكم فإما أن يتحد السبب أو يختلف مثبتين أو منفيين أو مختلفين فصوره ست أيضًا وتكلم المصنف على صورتين من اتحاد الحكم والسبب وترك صورة ما إذا كان أحدهما مثبتًا والآخر منفيًا كما إذا قال: أعتق رقبة لا تعتق رقبة كافرة وحكمها أن المطلق يقيد بضد القيد فيقيد أعتق رقبة بمؤمنة وقول المصنف: وإن كانا منفيين عمل بهما عبارة جمع الجوامع وإن كانا منفيين فقائل المفهوم يقيد به أى يقيد المطلق بالمقيد وهى خاص وعام وقوله وإن اختلف موجبهما أى سواء كانا مثبتين أو منفيين أو أحدهما مثبت والآخر منفى.
المصنف: (ومثل أن ظاهرت. . . إلخ) واضح أى واضح حمل المطلق على المقيد للضرورة فيه أى ضرورة أن العتق لا يكون إلا فى الملك ومحل هذا حيث لم يكن مالكًا لرقبة كافرة من قبل أو ورثها بعد لأنه لم يتملك الرقبة الكافرة فإن التملك يقتضى الاختيار ولا اختيار فى الإرث.
المصنف: (فإن اتحد موجبهما مثبتين حمل المطلق على المقيد) قيده فى التحرير
بما إذا وردا معًا كصوم كفارة اليمين بناء على تقدير ورود قراءة ابن مسعود متتابعات مع ورود قراءة الجمهور؛ لأن السبب الواحد لا يوجد المتنافيين فى وقت واحد.
المصنف: (لنا أنه جمع بينهما) دليل على حمل المطلق على المقيد ورده بعض بأنه لا جمع إلا إذا عمل بالمطلق على إطلاقه وعمل بالمقيد بعده نسخًا وأما حمل المطلق على المقيد فليس فيه إلا العمل بالمقيد.
المصنف: (وأيضًا يخرج بيقين) رده مسلم الثبوت بأن النسخ فيه ذلك أيضًا ولو قيل البيان أسهل قلنا: لو سلم فإذا لم يكن مانع عن البيانية وعدمه ممنوع بل عدم القرينة مانع. اهـ.
المصنف: (وفى التقييد) أى أن التقييد بالسلامة متفق عليه فيلزمهم اللازم المذكور.
المصنف: (والتحقيق. . . إلخ) ليس المراد به الحل بل بيان للمسألة فى ذاتها.
الشارح: (وإن كان الظهار والملك حكمين مختلفين) الأولى إبدال الظهار بالعتق لأنه الحكم لا الظهار والمراد بالحكم هنا المحكوم به وقوله وحينئذ فالكلام فى بيان اللزوم أى أن الاعتراض وإن لم يتوجه على بطلان اللازم لكنه يتوجه على الملازمة وهو قوله وقد يجاب عن الأول. . . إلخ.
قوله: (لدلالته على أنه لا يخرج عن العهدة بالإتيان) فيه سقط والأصل إلا بالإتيان وقوله الذى ليس نسخًا كذلك فيه تقديم وتأخير والأصل الذى ليس كذلك نسخًا.
قوله: (كإيجاب الرقبة) فيه سقط وحقه كإيجاب إيمان الرقبة وقوله وإن كان للمناقشة فيه مجال المناقشة هى منع قوله فإنه لا يثبت حكمًا بأن يقال هو يثبت حكمًا لم يكن وهو جواز عتق الرقبة الكافرة فهذا حكم رافع لحكم هو وجوب إيمان الرقبة فيكون نسخًا ويمكن أن يقال: إن المطلق إذا وقع بعد المقيد حمل على المطلق بقرينة سبق المقيد كأنه اكتفى بتقييده السابق فذكره لا يثبت حكمًا مجددًا بخلاف ما إذا ذكر المطلق أولًا فإنه محمول على إطلاقه فإذا ذكر المقيد بعده كان حكمًا مجددًا رافعًا للحكم السابق المطلق.
قوله: (لأجزاء الكافرة) تحريف والأصل كأجزاء الكافرة.
قوله: (وقد بسطنا الكلام فيه فى شرح التنقيح) حاصله أنه لا بد فى القياس من
كون المعدى حكمًا شرعيًا والأعدام الأصلية ليست أحكامًا شرعية فقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، ليس له دلالة على الكافرة أصلًا والأصل عدم إجزاء تحرير الرقبة فى كفارة القتل فورد النص بإجزاء المؤمنة وبقى عدم إجزاء الكافرة على الأصل لأنه تعالى أوجب تحرير المؤمنة ابتداء وهو ساكت عن الكافرة لأنه إذا وجد مغير فى آخر الكلام لأوله كان صدر الكلام موقوفًا على آخره فليس هنا إيجاب للرقبة مطلقًا ثم تقيد بالمؤمنة وقال الشافعية: إنه لما قال فتحرير رقبة مؤمنة لزم منه نفى تحرير الكافرة فعدم إجزائها بالنص ولا يرد على الحنفية أنا نعدى القيد وهو حكم شرعى ثابت بالنص فيتضمن عدم إجزاء الكافرة لا أنا نعدى العدم قصدًا ومثل هذا جائز فى القياس لأن لهم أن يقولوا: إن مقتضى القيد وهو إجزاء المؤمنة حاصل بالنص المطلق فى القيس فالتعدية فى الحقيقة للعدم وهو ليس بحكم شرعى فلا يصح القياس، فكفارة اليمين إذا قيست على كفارة القتل فى تعدى قيد الإيمان لها يكون قياسًا مع وجود النص لأن إطلاق النص يدل على إجزاء عتق الرقبة المؤمنة فلم تكن التعدية إلا فى عدم إجزاء الكافرة وهو عدم أصلى.