الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصنف الثالث: الترجيح بحسب المدلول:
قال: (المدلول الحظر على الإباحة وقيل بالعكس وعلى الندب لأن دفع المفاسد أهم وعلى الكراهة والوجوب على الندب والمثبت على النافى كخبر بلال: "دخل البيت وصلى"، وقال أسامة: "دخل ولم يصل"، وقيل سواء، والدارئ على الموجب، والموجب للطلاق والعتق لموافقته النفى، وقد يعكس لموافقته التأسيس والتكليفى على الوضعى بالثواب، وقد يعكس والأخف على الأثقل وقد يعكس).
أقول: الترجيح بحسب المدلول من وجوه:
الأول: يقدم الحظر على الإباحة للاحتياط وقيل بل تقدَّم الإباحة على الحظر لئلا تفوت مصلحة إرادة المكلف ولأنه لو قدم لكان إيضاح واضح وهو الجواز الأصلى.
الثانى: يقدم الحظر على الندب لأن الحظر لدفع المفسدة والندب لجلب المنفعة ودفع المفسدة أهم فى نظر العقلاء.
الثالث: يقدم الحظر على الكراهة لأنه أحوط.
الرابع: يقدم الوجوب على الندب لأنه أحوط.
الخامس: يقدم المثبت على النافى، نحو: خبر بلال: "دخل البيت وصلى"، وقال أسامة:"ولم يصل"، وذلك وإن غفلة الإنسان على الفعل كثيرة ولأنه يثبت زائدًا ولأنه للتأسيس، والنافى قد يبنى على الأصل، وقيل يساوى المثبت النافى فإنه لو قدر تقدمه لكان مقررًا للأصل، وهو بعيد ولو قدر متأخرًا لكان تأسيسًا فيحصل التعارض.
السادس: يقدم الذى يوجب درء الحد على الموجب للحد لما فيه من اليسر ونفى الحرج الذى قد علم تشوق الشارع إليه.
السابع: يقدم الموجب للطلاق والعتق على ما يوجب عدمهما لأنه مؤيد بالأصل إذ الأصل عدم الزوجية والرقية، وقيل بل يعكس لكونه موافقًا للدليل المؤسس لصحتهما المترجح على النافى لصحتهما وهو الأصل.
الثامن: يقدم الحكم التكليفى كالاقتضاء على الوضعى كالصحة لأنه محصل للثواب، وقيل بل الوضعى لأنه لا يتوقف على فهم وتمكن.
التاسع: يقدم الأخف على الأثقل لليسر ونفى الحرج وقيل بل بالعكس إذ المصلحة فيه أكثر وذلك قال: "ثوابك على قدر نصبك".
قوله: (الحظر مقدم على الإباحة) وهو مذهب الجمهور ووجهه أن ملابسة المحظور توجب الإثم بخلاف المباح فكان أولى.
قوله: (للاحتياط) ولهذا لو اجتمع فى العين الواحدة جهة حظر وإباحة كالمتولد بين ما يؤكل وما لا يؤكل قدم التحريم، وقال عليه السلام:"ما اجتمع الحلال والحرام إلا وقد غلب الحرام"، وقال عليه السلام:"دع ما يريبك إلى ما لا يريبك"، وذهب أبو هاشم وعيسى بن أبان إلى التساوى والتساقط ولم يذهب أحدى إلى ترجيح الإباحة إلا أن الآمدى قال: يمكن ترجيح الإباحة من جهة أنا لو علمنا بالحظر لزم منه ذوات مقصود الإباحة من الترك مطلقًا ولو علمنا بالإباحة فقد لا يلزم منه فوات مقصود الحظر بالكلية لأن الغالب أنه لو كان حرامًا فلا بد وأن يكون لمفسدة ظاهرة وعند ذلك فالغالب أن يكون المكلف عالمًا بها وقادرًا على دفعها لعلمه بعدم لزوم المحظور من ترك المباح ولأن المباح مستفاد من التخيير قطعًا بخلاف استفادة الحرمة من النهى لتردده بين الحرمة والكراهة فقوله: وقيل بل تقدَّم الإباحة على الحظر لئلا تفوت مصلحة إرادة المكلف إشارة إلى الوجه الأول، وأما قوله: ولأنه لو قدم لكان إيضاح واضح وهو الجواز الأصلى فوجهه أنه لو قدم الحظر لكان بمنزلة جعل المحرم متأخر الورود عن المبيح ناسخًا له فيكون المبيح ناسخًا له فيكون المبيح المتقدم عليه فى الورود إيصاحًا للواضح بخلاف ما إذا قدر وروده بعد المحرم.
قوله: (ودفع المفسدة أهم) قال فى المنتهى: ويرجح الحظر على الندب بما تقدَّم فى الإباحة والحظر على الوجوب وإن الحظر لدفع مفسدة والوجوب لتحصيل مصلحة ودفع المفسدة أهم عند العقلاء وهذا هو الموافق لكلام الآمدى فمن ههنا قيل قد سقط ههنا شئ من المتن فكان الأصل هكذا: وعلى الوجوب لأن دفع المفاسد أهم قال الآمدى: ولأن إفضاء الحرمة إلى مقصودها أم من إفضاء الواجب إلى مقصوده لتأتيه بالترك وإن لم تقصد فكانت المحافظة عليها أولى.
قوله: (يقدم الحظر على الكراهة لأنه أحوط) قال الآمدى: لتساويهما فى طلب الترك مع زيادة الحظر بالذم على الفعل ولأن الحظر أولى لتحصيل المقصود منهما وهو الترك لا يلزمه من دفع المفسدة الملازمة للفعل ولأن فى العمل بالكراهة تجويزًا
للفعل وفيه إبطال للمحرم بخلاف العكس وبهذا يظهر ترجيح الوجوب على الندب.
قوله: (لأن غفلة الإنسان عن الفعل كثيرة) يعنى يحتمل أن يكون مبنى النافى على الغفلة وقوله: ولأنه يثبت زائدًا يعنى المثبت يفيد زيادة علم، وقوله: ولأنه أى المثبت يفيد التأسيس وهو إثبات ما لم يكن ثابتًا بخلاف النافى فإنه ربما كان مبناه على أن الأصل هو النفى والأولى أن يقال: فإنه لا يفيد إلا التأكيد لأن الأصل هو النفى وذهب القاضى عبد الجبار إلى تساوى المثبت والنافى من جهة أن الظاهر تأخر النافى فى الورود فإنه لو اعتبر النافى سابقًا فى الورود حتى يكون العمل بالمثبت لزم كونه مقررًا للأصل الذى هو النفى بمنزلة تأكيد له وهو بعيد لكونه إيضاح الواضح ولو اعتبر متأخرًا فى الورود حتى يكون العمل به كان تأسيسًا للعدم بعد الوجود والتأسيس خير من التأكيد وحينئذٍ يقع التعارض بين جهتى ترجيح المثبت والنافى فيتساويان فإن قيل جهات ترجيح المثبت ثلاثة والنافى واحدة فكيف يتساويان قلنا مبناه على أنه لم يعتبر منها إلا إفادته زيادة العلم على ما صرح به الآمدى والشارح العلامة اعتبر فى جانب المثبت إفادة زيادة العلم والتأسيس وفى جانب النافى موافقة الأصل وكون الظاهر تأخره.
قوله: (لما فيه) أى فى الدرء من اليسر ونفى الحرج وقد قال اللَّه تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185]، وقال تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، قال فى المنتهى لأن ما يعرض فى الحد من المبطلات أكثر منه فى الدرء وذهب المتكلمون إلى تقديم موجب الحد نظرًا إلى أن فائدة العمل بالموجب التأسيس وبالدرء التأكيد.
قوله: (يقدم الموجب للطلاق) هذا ما قال الكرخى إن ما حكمه وقوع الطلاق أو العتق أولى لأنه على وفق الدليل النافى لملك البضع وملك اليمين والنافى لهما على خلافه قال الآمدى: ويمكن أن يقال بل النافى لهما أولى لأنه على وفق الدليل المقتضى لصحة النكاح وإثبات ملك اليمين المترجح على النافى لهما فقوله: لصحتهما الضمير للزوجية والرقية وأشار بلفظ "المؤسس" إلى جهة ترجيح المثبت ومن البعيد ما ذهب إليه الشارح العلامة من أن قوله: والموجب للطلاق مجرور معطوف على الموجب قبله والمعنى أن الدارء أى الدافع للحد والطلاق والعتق يعنى
النافى لها يرجح على الموجب للحد والوجب للطلاق والعتق لموافقة الدارء النفى الأصلى وقد يعكس أى يرجح الموجب فى الثلاثة على النافى لموافقة التأسيس على ما بينا (*).
قوله: (وقال عليه الصلاة والسلام: "ما اجتمع الحلال والحرام إلا وقد غلب الحرام") فى شرح التحرير أن هذا الحديث لم يعرف مرفوعًا كما قال الزركشى بل قال الحافظ العراقى: لم أجد له أصلًا.
قوله: (من الترك مطلقًا) صوابه: من الفعل مطلقًا.
قوله: (إشارة إلى الوجه الأول. . . إلخ) رد الأبهرى كلًا من الوجهين؛ أما الأول فلأن تصور المكلف واعتقاده أن فى الفعل أو الترك مصلحة ربما لا يكون مطابقًا للواقع ويكون خطأ ولما كان شرعية الأحكام متابعة لمصالح العباد كان الحظر بناء على مصلحة فى الترك أو مفسدة فى الفعل أولى، وأما الثانى بإلا فلأنه يلزم من تقديم الإباحة أى العمل بها كثرة التغير من ارتفاع الإباحة الأصلية بالحظر ثم ارتفاع الحظر بالإباحة الشرعية بخلاف ما إذا كان العمل بالحظر.
قوله: (لتأتيه بالترك) أى لتأتى مقصود الحظر بالترك وإن لم يقصد اجتناب المحظور.
قوله: (لصحتهما) أى قول الشارح فى توجيه العكس: لكونه موافقًا للدليل المؤسس لصحتهما.
(*) وهو توجيه ظاهر لا غبار عليه فلا وجه للتشنيع الذى ذكره المحشى.