الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الظاهر والمؤول)
قال: (الظاهر والمؤوّل؛ الظاهر: الواضح، وفى الاصطلاح: ما دل دلالة ظنية، إما بالوضع كالأسد أو بالعرف كالغائط والتأويل من آل يؤول أى رجع، وفى الاصطلاح حمل الظاهر على المحتمل المرجوح وإن أردت الصحيح زدت بدليل يصيره راجحًا، الغزالى: احتمال يعضده دليل يصير به أغلب على الظن من الظاهر، ويرد أن الاحتمال ليس بتأويل بل شرط وعلى عكسه التأويل المقطوع به).
أقول: من أقسام المتن: الظاهر والمؤوّل، فالظاهر فى اللغة هو: الواضح ومنه الظهر، وفى الاصطلاح: ما دل على معنى دلالة ظنية وعلى هذا فالنص وهو ما دل دلالة قطعية قسيم له وقد يفسر بأنه ما دل دلالة واضحة فيكون قسمًا منه ثم دلالته الظنية إما بالوضع كالأسد للحيوان المفترس، وإما بعرف الاستعمال كالغائط للخارج المستقذر إذ غلب فيه بعد أن كان فى الأصل للمكان المطمئن من الأرض، والتأويل مشتق من آل يؤول إذا رجع، تقول: آل الأمر إلى كذا، أى: رجع إليه، ومآل الأمر مرجعه، وفى الاصطلاح: حمل الظاهر على المحتمل المرجوح وهذا يتناول التأويل الصحيح والفاسد فإن أردت تعريف التأويل الصحيح زدت فى الحد بدليل يصيره راجحًا لأنه بلا دليل، أو مع دليل مرجوح أو مساوٍ فاسد، وقال الغزالى: التأويل احتمال يعضده دليل يصير به أغلب على الظن من المعنى الذى دل عليه الظاهر وهو ضعيف إذ يرد عليه أن الاحتمال ليس بتأويل، إنما التأويل هو الحمل عليه والاحتمال شرط له إذ لا يصح حمل اللفظ على ما لا يحتمله ويرد على عكسه التأويل المقطوع به فإنه تأويل ولا يصدق عليه الحد إذ لا يعضده دليل يصير به أغلب على الظن بل دليل يفيد القطع، وهو ضد الظن.
قوله: (دلالة ظنية) يخرج النص لكون دلالته قطعية والمجمل والمؤوّل لكون دلالتهما متساوية ومرجوحة فظاهر كلام المصنِّف أن قوله: إما بالوضع أو بالعرف من تمام الحد احترازًا عن المجاز وبه صرح الآمدى وكلام الشارح مشعر بأنه تقسيم للدلالة بعد تمام الحد فيدخل المجاز وهذا أقرب.
قوله: (وقد يفسر) أى الظاهر مما يدل دلالة واضحة فيكون النص قسمًا من الظاهر، لأن الدلالة الواضحة أعم من الظنية والقطعية وكذا المبين يكون أخص منه لأن الدلالة الواضحة لا تقتضى سابقة احتياج إلى البيان.
قوله: (والتأويل) فإن قيل: من أقسام المتن الظاهر والمؤوّل فالمناسب تفسيرهما أو تفسير الظهور والتأويل قلنا: المشهور بحسب الاستعمال هو الظاهر دون الظهور، والتأويل دون المؤوّل ومراد الغزالى بالتأويل المؤوّل إليه أعنى المعنى الذى صرف إليه الظاهر كما فى قوله: التأويل قد يكون قريبًا فيترجح بأدنى مرجح وبالاحتمال المحتمل ومثل هذا شائع فى عبارة القوم وقَيَّد بغلبة الظن لما تقرر عندهم من أن التأويل ظن بالمراد والتفسير قطع به، وفى أصول الحنفية المؤوّل ما ترجح من بعض الوجوه المشترك بغالب الرأى فيندفع الاعتراضان وأضعف منهما اعتراض الآمدى بأنه لا يتناول ما يفيد أصل الظن دون غلبته.
قوله: (لكون دلالتهما متساوية ومرجوحة) لف ونشر مرتب وكون دلالة المؤول مرجوحة إنما هو بالنظر إلى مجرد إرادة خلاف الظاهر منه وإن كان لا بد من دليل يجعل هذا الاحتمال أرجح من الظاهر حتى يكون التأويل صحيحًا، ثم خروج المجمل والمؤول مبنى على أن المراد بالدلالة الظنية فى تعريف الظاهر الدلالة الراجحة.
قوله: (وكلام الشارح مشعر. . . إلخ) أى حيث قال: ثم دلالته الظنية إما بالوضع. . . إلخ.
قوله: (فيدخل المجاز) وعليه فتقسيم الشارح الدلالة الظنية إلى قسمين ليس حاصرًا وبعضهم قال: إن المجاز دلالته على المعنى المجازى مرجوحة فهو خارج.
قوله: (ومراد الغزالى. . . إلخ) شروع فى دفع الاعتراضين اللذين أوردهما المصنف.
قوله: (وأضعف منهما. . . إلخ) أى لأنه لا يكفى فى التأويل مجرد الظن.
قال: (وقد يكون قريبًا فيترجح بأدنى مرجح وقد يكون بعيدًا فيحتاج إلى الأقوى وقد يكون متعذرًا فيرد، فمن البعيد تأويل الحنفية قوله عليه الصلاة السلام لابن غيلان وقد أسلم على عشر نسوة: "أمسك أربعًا وفارق سائرهن" أى ابتدئ النكاح، أو أمسك الأوائل، فإنه يبعد أن يخاطب بمثله متجدد فى الإسلام من غير بيان مع أنه لم ينقل تجديد قط، وأما تأويلهم قوله عليه الصلاة والسلام لفيروز الديلمى وقد أسلم على أختين: "أمسك أيتهما شئت" فأبعد لقوله أيتهما، ومنها قولهم فى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4]، أى إطعام طعام ستين مسكينًا لأن المقصود دفع الحاجة، وحاجة ستين كحاجة واحد فى ستين يومًا فجعل المعدوم مذكورًا والمذكور معدومًا مع إمكان قصده لفضل الجماعة، وبركتهم وتضافر قلوبهم على الدعاء للمحسن، ومنها قولهم فى: "فى أربعين شاة، شاة" أى قيمة شاة، بما تقدَّم وهو أبعد إذ يلزم أن لا تجب الشاة وكل معنى إذا استنبط من حكم أبطله باطل، ومنها حمل "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل"، على الصغيرة والأمة والمكاتبة، وباطل أى يؤول إليه غالبًا لاعتراض الولى لأنها مالكة لبضعها فكان كبيع سلعة واعتراض الأولياء لدفع نقيصة إن كانت فأبطل ظهور قصد التعميم بتمهيد أصل مع ظهور أى مؤكدة بما وتكرير لفظ البطلان وحمله على نادر بعيد، كاللغز مع إمكان قصده لمنع استقلالها فيما يليق بمحاسن العادات، ومنها حملهم "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل" على القضاء والنذر لما ثبت عنده من صحة الصيام بنية من النهار فجعلوه كاللغز فإن صح المانع من الظهور فليطلب أقرب تأويل ومنها حملهم {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41]، على الفقراء منهم لأن المقصود سد الخلة ولا خلة مع الغنى، فعطلوا لفظ العموم مع ظهور أن القرابة سبب الاستحقاق مع الغنى).
أقول: التأويل ثلاثة أقسام لأنه قد يكون قريبًا فيترجح لقربه بأدنى مرجح وقد يكون بعيدًا فيحتاج لبعده إلى المرجح الأقوى ولا يترجح بالمرجح الأدنى وقد يكون متعذرًا لا يحتمله اللفظ فلا يكون مقبولًا بل يجب رده والحكم ببطلانه وقد عدّ من تأويلات الحنفية عدة وحكم ببعدها فمنها تأويل قوله صلى الله عليه وسلم لغيلان -وهو الصحيح وفى النسخ لابن غيلان وقد أسلم على عشر نسوة-: "أمسك أربعًا وفارق سائرهن"، قالوا: مؤوّل إما بأن أمسك أى ابتدئ النكاح وفارق سائرهن أى
لا تنكحهن وإما بأن أمسك أربعًا أى الأوائل منهن وفارق سائرهن، أى الأواخر، ولذلك يرون وجوب تجديد النكاح إن تزوجهن معًا وإمساك الأربع الأوائل إن تزوجهن مرتبًا، ويرى أنه يمسك فى الصورتين أى أربع شاء بلا تجديد، وجه بعده أن غيلان كان متجدد الإِسلام لا يعرف شيئًا من الأحكام حتى يخاطب بغير ظاهر اعتمادًا على سبق علمه ولا شك أنه يبعد خطاب مثله بمثله، هذا مع أنه لم ينقل تجديد قط لا منه ولا من غيره أصلًا مع كثرة إسلام الكفار المتزوّجين، ولو كان لنقل قطعًا، ومما يشبه ذلك تأويلهم قوله صلى الله عليه وسلم لفيروز الديلمى وقد أسلم على أختين:"أمسك أيتهما شئت وفارق الأخرى" بمثل ما مر، وهذا أبعد مما تقدَّم إذ فيه ما مر من وجهى البعد وهو تجديد إسلامه وعدم نقل التجديد ويختص بثالث وهو التصريح بقوله:"أيتهما شئت" فدل على أن الترتيب غير معتبر.
ومنها: تأويلهم قوله تعالى: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4]، قالوا: المراد إطعام طعام ستين مسكينًا لأن المقصود دفع الحاجة وحاجة ستين شخصًا كحاجة واحد فى ستين يومًا، ولا فرق بينهما عقلًا، وجه بعده أنه جعل المعدوم وهو طعام ستين مذكورًا بحسب الإرادة والموجود وهو إطعام ستين مسكينًا عدمًا بحسب الإرادة مع إمكان أن يكون المذكور هو المراد لأنه لا يمكن أن يقصد إطعام الستين دون واحد فى ستين يومًا لفضل الجماعة وبركتهم وتضافر قلوبهم على الدعاء للمحسن، فيكون أقرب إلى الإجابة ولعل فيهم مستجابًا بخلاف الواحد.
ومنها: تأويلهم قوله: "فى أربعين شاة، شاة"(*). قالوا: المراد قيمة شاة لما تقدَّم أن المقصود دفع الحاجة، والحاجة إلى قيمة الشاة كالحاجة إلى الشاة، وهذا أبعد مما قبله لأنه إذا وجبما قيمة الشاة فلا يجب الشاة فيجب أن لا تكون مجزئة وأنها تجزئ اتفاقًا، وأيضًا فيرجع المعنى المستنبط من الحكم، وهو دفع الحاجة المستنبط من إيجاب الشاة على الحكم وهو وجوب الشاة بالإبطال وكل معنى إن استنبط من حكم أبطله فهو باطل، لأنه يوجب بطلان أصله المستلزم لبطلانه فيلزم من صحته اجتماع صحته وبطلانه وأنه محال فينتفى صحته فيكون باطلًا.
(*) أخرجه البيهقى فى الكبرى (4/ 88)(ح 7046)، وابن ماجه (1/ 577)(ح 1805)، وابن أبى شيبة فى مصنفه (2/ 366)(ح 9967)، والطبرانى فى الأوسط (7566). وانظر: التلخيص الحبير (2/ 163)(3/ 93).
ومنها: تأويلهم قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل"، قالوا: المراد بقوله: "أيما امرأة" إنما هى الصغيرة والأمة والمكاتبة، وبقوله:"فنكاحها باطل" أنه يؤول إلى البطلان غالبًا لاعتراض الولى عليه وإنما قلنا: المراد ذلك لأن المرأة غير من ذكرنا مالكة لبضعها ورضاها هو المعتبر فيصح كبيع سلعة تملكها، فإن قيل فكان ينبغى أن لا يجوز للولى الاعتراض كـ "فى بيع السلعة"، قلنا اعتراض الأولياء ههنا لدفع نقيصة إن كانت فإن الشهوة مع قصور النظر مظنة للوقوع فيها فإذا علم عدمها بعدم اعتراض الولى فقد حصل المقصود ولا يأتى مثله فى السلعة ووجه بعده أنه أبطل ظهور قصد النبى عليه الصلاة والسلام التعميم فى كل امرأة بتمهيد أصل من الأصول، فإن واضعى القواعد إذا ذكروا حكمًا بلا تفصيل يفهم منه قصدهم العموم وجعل ذلك قاعدة كلية وإن لم يكن اللفظ صريحًا فى العموم فكيف واللفظ صريح فى العموم وهو: أى، وأيما من صيغ العموم سيما وهى مؤكدة بما فحمله على النادر وهى الصغيرة والأمة والمكاتبة، ثم حمل قوله:"باطل باطل باطل" بتكرير لفظ البطلان ثلاث مرات تأكيدًا يؤتى به نفيًا لاحتمال السهو والتجوّز على نادر أيضًا، وهو مصيره إلى البطلان عند اعتراض الولى لنقيصة إن كانت لا شك أنه بعيد ينزل منزلة اللغز، ولذلك لو قال: السيد لعبده أكرم أيما امرأة لقيتها ثم قال أردت المكاتبة عدّ لغزًا، هذا مع إمكان قصد تعميمه ويكون الغرض منع استقلال المرأة عن نهوضها بنفسها بما لا يليق بمحاسن العادات، نهوضها به بنفسها ولا شك أن نكاح نفسها من هذا القبيل يشهد به العرف ولا يمكن إنكاره.
ومنها: تأويلهم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صيام لمن لم يبيت الصيام من الليل"، قالوا: هو محمول على قضاء الصوم ونذره، وإنما حملوه عليه لما ثبت عندهم من صحة الصيام بينة من النهار، ووجه بعده أنهم حملوه على النادر فصار أيضًا كاللغز فإن صح المانع من الحمل على الظاهر وهو ما زعموه دليلًا على صحة الصيام بنية من النهار فينبغى أن يطلب له أقرب تأويل مثل نفى الفضيلة.
ومنها: تأويلهم قوله تعالى: {وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41]، فحملوه على الفقراء منهم لأن المقصود منه سد الخلة ولا خلة مع الغنى، ووجه بعده: أنهم عطلوا لفظ العموم مع ظهور أن القرابة ولو مع الغنى سبب مناسب للاستحقاق.
قوله: (وهو الصحيح) إذ ليس فى أسامى الصحابة ابن غيلان، وإنما هو غيلان ابن سلمة بن شرحبيل الثقفى أسلم يوم الطائف وعنده عشر نسوة، كذا فى الاستيعاب وغيره من الكتب المعتبرة.
قوله: (لا منه ولا من غيره) نفى لما ذهب إليه الشارحون من أن المراد أنه لم ينقل أن غيلان جدد النكاح.
قوله: (وتضافر قلوبهم) بالضاد المعجمة هو التعاون والظاء من غلط الناسخ.
قوله: (على الحكم وبالإبطال) متعلق بـ "يرجع" والبارز من أبطله يرجع إلى حكم والمستتر وباقى الضمائر إلى معنى وضمير أنه إلى الاجتماع والغرض من هذا التطويل جعل قوله: وكل معنى إلخ وجهًا آخر فى البعد لا كما زعم الشارحون أنه من تتمة الأول بمعنى أن كل فرع إذا استنبط من أصل أبطل ذلك الفرع ذلك الأصل فهو باطل وذلك لأن مجرد مخالفة الإجماع مستقل بإبطال التأويل، لكن لا يخفى أن عدم وجوب الشاة لا يستلزم عدم إجزائها ليلزم مخالفة الإجماع وأن الحكم على تقدير هذا التأويل ليس وجوب الشاة بل قيمتها والعلة المستنبطة إنما تبطل وجوب الشاة، نعم لو قيل إنها تبطل وجوب القيمة الذى هو حكمها بناء على إجزاء الشاة واندفاع الشاة بها أيضًا لكان شيئًا لكن كلام الحنفية أن الواجب هو الشاة صورة أو معنًى، وأن التعليل يدفع الحاجة وإنجاز وعد رزق الفقراء إنما هو لإبطال قيد الشاة وتغيير وصف المنصوص أعنى الشاة صور ومعنى وذلك ثابت بضرورة النص أعنى قوله تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6]، على ما بين فى موضعه.
قوله: (قالوا: المراد بقوله أيما امرأة) ظاهر سوق كلام الشارح خصوصًا قوله: فحمله على نادر ثم حمل قوله. . . إلخ، مشعر بأنهم محتاجون إلى التأويل فى الموضعين حتى إن نكاح الصغيرة نفسها ليس بباطل بل يؤول إلى البطلان وليس كذلك بل المراد أنهم يؤوّلون:"أيما امرأة. . " بالصغيرة، والأمة، والمكاتبة، والمجنونة، ليكون باطل على حقيقته، أو يؤوّلون الباطل بما يؤول إلى البطلان ليكون أيما امرأة على عمومه ثم إن اعتراض الولى فى نكاح الحرة المكلفة نفسها إنما يكون فى غير الكفء والغبن الفاحش فى المهر وهو المعنى بالنقيصة ولا يخفى
أنه ليس بغالب فقوله: يؤول إلى البطلان غالبًا ليس على ما ينبغى واعلم أنه إذا حمل الباطل على ما يؤول إليه وجب تخصيص: أيما امرأة بغير الصغيرة والأمة ونحوهما مما يبطل نكاحها حقيقة لئلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.
قوله: (قصد النبى عليه السلام التعميم إلخ)، يعنى لما وقع فى بعض الشروح أن قوله تمهيد أصل متعلق بظهور على معنى أنه أبطل ظهور قصد العموم بسبب تمهيد أصل هو وضع الألفاظ العامة.
قوله: (وأيما من صيغ العموم) الظاهر وأنها فحمله مبتدأ خبره لا شك أنه بعيد وفيه إشارة إلى أن قول المصنِّف: فحمله على نادر إشارة إلى التأويلين جميعًا وأنه مبتدأ خبره قوله: بعيد وكاللغز حال أو خبر بعد خبر وفى بعض الشروح أنه على لفظ الفعل عطفًا على أبطل وبعيد وكاللغز صفتان لنادر أى حمل التأويل أو القائل به الحديث على نادر بعيد بمنزلة اللغز لخفائه وبعده عن الفهم.
قوله: (عن نهوضها) متعلق باستقلال ولا يخفى ما فيه من النبوة إذ لا يقال منعت استقلال الرجل عن فعل كذا بل منعته عن الاستقلال به أو منعت استقلاله به، وكأنه وقع فى نسخة الشارح: فيما لا يليق، وفى جميع النسخ: فيما يليق؛ أى فى الأمر الذى يليق بمحاسن العادات منع الاستقلال فيه.
المصنف: (وقد يكون متعذرًا) رد بأنه لا تأويل فلا معنى حينئذ لجعله قسمًا من التأويل.
المصنف: (أى ابتدئ النكاح أو أمسك الأوائل) أى مؤول بالحمل على ابتداء النكاح إن تزوجهن معًا وبإمساك الأوائل منهن إن تزوجهن مرتبات، وفى التحرير أن الحق خلاف تأويل الحنفية فى حديث غيلان وفيروز الديلمى وذلك الخلاف هو قول محمد بن الحسن ومالك والشافعى.
المصنف: (لقوله أيتهما) أى فلا يناسب أن الإمساك عند التزوج مرتبًا أن يقال أيتهما نعم إن قيل: إنه محمول على المعية فيؤول امسك بابتد نكاح أيتهما لم يتأت وجه لبعد الأخير.
المصنف: (ومنها قولهم فى قوله: {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4]) أى إطعام طعام ستين مسكينًا أجاب الحنفية عن ذلك بأنهم لم يؤولوا بذلك ولم يريدوا تقدير
مضاف بل لفظ الستين على معناه وإنما قيس الواحد فى الستين يومًا على الستين مسكينًا لظهور أن المناط دفع هذا المبلغ فى الحاجات.
المصنف: (ومنها قولهم: "فى أربعين شاة شاة" أى قيمة شاة) أجاب الحنفية عنه أيضًا بأن المراد بالقيمة مالية الشاة والمالية موجودة فى الشاة والشاة ذكرت معيار العرفة الواجب وقوله: وكل معنى استنبط. . . إلخ. مردود بأن المعنى المستنبط ههنا يخرجه من الخصوص إلى العموم لا يبطله.
المصنف: (ومنها حمل أيما امرأة نكحت نفسها. . . إلخ) رد الحنفية ذلك بأن التأويل إنما هو على التنزل وإلا فالحديث ضعيف وعلى تسليم صحته فقد عملوا بما هو أصح منه وهو رواية مسلم: الأيم أحق بنفسها من وليها وهى من لا زوج لها بكرًا أو ثيبًا وليس للولى حق فى نفسها سوى التزويج وهى أحق به منه ويؤيد ذلك إسناد النكاح إليها بقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، فإذا صحت مباشرتها للتزوج لحديث مسلم وإشارة قوله تعالى فلا بد، أما التخصيص بالأمة والصغيرة ونظائرهما وتخصيص العام ليس من المحتملات البعيدة وأما التأويل بالأول إلى البطلان.
المصنف: (على الصغيرة والأمة) أى على أحدهما أو جميعهما وقول المصنف وباطل حقه أو باطل بأو.
المصنف: (ومنها حملهم لا صيام لمن لم يبيت. . . إلخ) رد ذلك الحنفية بأنهم يؤولون بنفى الكمال أولًا ثم يتنزلون فيؤولون بتخصيص العام.
المصنف: (والنذر) أى المطلق.
المصنف: (فإن صح المانع من الظهور. . . إلخ) أما فى النفل فما فى الصحيح عن عائشة رضى اللَّه عنها قالت: قال لى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذات يوم: هل عندكم شئ فقلت: يا رسول اللَّه ما عندنا شئ فقال: فإنى إذًا صائم وأما فى الفرض ففى أداء الصيام لرمضان حيث ثبتت الرؤية نهارًا، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا من أسلم أن أذن فى الناس أن من أكل فلا يأكل بقية يومه ومن لم يكن أكل فليصم وكان ذلك فى يوم عاشوراء وكان فرضًا أولًا ومثله فى صوم رمضان.
الشارح: (ويرى أنه يمسك. . . إلخ) أى يرى المصنف ومن على شاكلته.
قوله: (وذلك ثابت بضرورة النص) أعنى قوله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ
إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6]، على ما بين فى موضعه أبى حيث قيل: إن اللَّه تعالى وعد بإيصال الأرزاق للعبيد كلهم ثم أعطى الأغنياء من المال ولم ينجز فى حق الفقراء ثم أوجب فى أموال الأغنياء حقًا له ثم أحال رزق الفقراء عليه فقد أنجز وعده والرزق أنواع مختلفة من الأكل والشرب واللبس وغيرها ولا يفيها نوع واحد من المال فعلم أن الاستبدال جائز. اهـ. من شرح مسلم الثبوت.
قوله: (حتى إن نكاح الصغيرة نفسها ليس بباطل بل يؤول إلى البطلان وليس كذلك) فيه أن نكاح الصغيرة نفسها عند الحنفية ليس بباطل بل موقوف على إجازة الولى فقوله وليس كذلك ليس كذلك.
قوله: (ليكون باطل على حقيقته) غير صحيح بالنسبة للصغيرة والمكاتبة وصحيح بالنسبة للمجنونة وقوله: على معنى أنه أبطل. . . إلخ. من تتمة كلام بعض الشروح الذى نفى الشارح المحقق أن يكون كلام المصنف محمولًا عليه بل هو محمول على أن التعميم بتمهيد الأصل من حيث إن واضعى الأصول إذا ذكروا حكمًا بلا تفصيل يفهم منه أن قصدهم العموم.
قال: (وعدّ بعضهم حمل مالك {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ. .} إلى آخرها على بيان المصرف، من ذلك وليس منه لأن سياق الآية قبلها من الرد على لمزهم فى المعطين ورضاهم فى إعطائهم وسخطهم فى منعهم يدل عليه).
أقول: حمل مالك قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. . .} [التوبة: 60]، الآية على أنه لبيان المصرف لا للاستحقاق، فعدّه بعض العلماء من ذلك أى من التأويلات البعيدة لكون اللازم ظاهرًا فى الملكية، فقال المصنِّفُ ليس منه لأن سياق الآية قبلها، وهو الرد على لمزهم وطعنهم فى المعطين ورضاهم عنهم إذا أعطوهم وسخطهم عليهم إذا منعوهم اقتضى بيان المصرف لئلا يتوهم فى المعطين أنهم مختارون فى الإعطاء والمنع فيندفع اللمز فدل أن ذلك هو المراد، وقد يقال: إن ذلك يحصل ببيان الاستحقاق أيضًا فلا يصلح صارفًا عن الظاهر.
قوله: (لبيان المصرف) حتى يجوز الصرف إلى صنف واحد لا للاستحقاق حتى يجب الصرف إلى جميع الأصناف فعده بعض العلماء كإمام الحرمين وغيره من التأويلات البعيدة لأن الآية ظاهرة فى استحقاق جميع الأصناف ووجوب الاستيعاب حيث أضاف الصدقات إليهم بلام الملك وعطف البعض بلام التشريك وقال الإمام الغزالى: وليس كذلك لأن قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: 60] عطف على قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ} [التوبة: 58] إلى قوله: {رَاغِبُونَ} [التوبة: 59]، أى منضم إليه متعلق به بمعنى أن طمعهم فى الزكاة مع خلوهم عن شرط الاستحقاق باطل، ثم عدّ شرط الاستحقاق ليبين من يجوز صرف الزكاة إليه، فهذا محتمل فإن منعه الشافعى فللقصور فى دليل التأويل لا لانتفاء الاحتمال وقال الآمدى: إن سلمنا أنه لبيان المصرف فلا نسلم أنه لا مقصود سواه فليكن الاستحقاق بصفة التشريك أيضًا مقصودًا عملًا بظاهر اللفظ.
الشارح: (وقد يقال: إن ذلك حاصل ببيان الاستحقاق أيضًا) يعنى أن السياق يجامع الظاهر الذى هو جعل اللام للملك وأن المستحقين هم الأصناف المذكورة وقوله: وقال الإمام الغزالى وليس كذلك عبارته فى المستصفى مسألة يقرب مما ذكرنا تأويل الآية فى مسألة أصناف الزكاة فقال قوم: قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60]، الآية نص فى التشريك فالصرف إلى واحد إبطال له وليس كذلك عندنا بل هو عطف على قوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا. . .} [التوبة: 58، 59]، إلى قوله:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60]، يعنى أن طمعهم فى الزكاة مع خلوهم عن شرط الاستحقاق باطل ثم عدد شروط الاستحقاق ليعين مصرف الزكاة ومن يجوز صرف الزكاة إليه فهذا محتمل فإن منعه الشافعى فللقصور فى التأويل لا لانتفاء الاحتمال فهذا وأمثاله ينبغى أن يسمى نصًا بالوضع الأول أو الثالث أما بالوضع الثانى فلا. اهـ. فالغزالى يرد كون الآية نصًا فى الاستحقاق ولا يرد كونها ظاهرة فيه خلافًا لما يوهمه كلام المحشى وقول الغزالى: أن يسمى نصابًا لوضع الأول. . . إلخ. قد ذكر الغزالى فى هذا المقام قبل ذلك أن النص يطلق بإطلاقات ثلاثة الأول: اللفظ الذى يغلب على الظن فهم معنى منه من غير قطع فهو بالإضافة إلى ذلك المعنى الغالب نص وظاهر الثانى: ما لا يتطرق إليه احتمال أصلًا الثالث: ما لا يتطرق إليه احتمال مقبول.
قوله: (فلا نسلم أنه لا مقصود سواه) أى حتى يجزى الصرف لواحد من صنف من الأصناف.