المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فساد الوضع - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ٣

[عضد الدين الإيجي]

فهرس الكتاب

- ‌(مباحث التخصيص)

- ‌(مسائل الاستثناء)

- ‌(مباحث الشرط والصفة والغاية)

- ‌(مسائل التخصيص بالمنفصل)

- ‌(مسألة: يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب

- ‌(المطلق والمقيد)

- ‌(المجمل)

- ‌(البيان والمبين)

- ‌(الظاهر والمؤول)

- ‌(المنطوق والمفهوم)

- ‌(مباحث النسخ)

- ‌(مسألة: يجوز نسخ القرآن بالقرآن

- ‌(الكلام فى القياس)

- ‌(مباحث مسالك العلة)

- ‌(الطرد والعكس

- ‌القياس جلى وخفى

- ‌(الاعتراضات)

- ‌(فساد الاعتبار)

- ‌ فساد الوضع

- ‌(الكلام فى الاستدلال)

- ‌(الكلام فى الاستصحاب)

- ‌(الكلام فى شرع من قبلنا)

- ‌(الكلام فى مذهب الصحابى)

- ‌(الكلام فى الاستحسان)

- ‌(الكلام فى المصالح المرسلة)

- ‌(الكلام فى الاجتهاد)

- ‌(التقليد والمفتى والمستفتى وما يستفتى فيه)

- ‌(الترجيح)

- ‌ القسم الأول: فى ترجيح المنقولين:

- ‌الصنف الأول: فى الترجيح بحسب السند:

- ‌(الفصل الأول: فى الراوى):

- ‌(الفصل الثانى: فى الترجيح بالرواية):

- ‌(الفصل الثالث: فى الترجيح بحسب المروى):

- ‌(الفصل الرابع: فى الترجيح بحسب المروى عنه):

- ‌ الصنف الثانى: الترجيح بحسب المتن:

- ‌ الصنف الثالث: الترجيح بحسب المدلول:

- ‌ الصنف الرابع: الترجيح بحسب الخارج:

- ‌ القسم الثانى: ترجيح المعقولين:

- ‌الصنف الأول: القياسان:

- ‌الفصل الأول: فى ترجيحه بحسب الأصل:

- ‌ الفصل الثانى: فى الترجيح بحسب العلة:

- ‌ الفصل الثالث: فى الترجيح بحسب الفرع:

- ‌الفصل الرابع: فى الترجيح بحسب الخارج:

- ‌الصنف الثانى: الاستدلالان:

- ‌ القسم الثالث: فى ترجيح المنقول والمعقول:

الفصل: ‌ فساد الوضع

قال: (الثالث:‌

‌ فساد الوضع

وهو كون الجامع ثبت اعتباره بنص أو إجماع فى نقيض الحكم مثل مسح فيسن فيه التكرار كالاستطابة فيرد أن المسح معتبر فى كراهة التكرار على الخف، وجوابه ببيان المانع لتعرضه للتلف وهو نقض إلا أنه يثبت النقيض فإن ذكره بأصله فهو القلب فإن بين مناسبته للنقيض من غير أصل من الوجه المدعى فهو القدح فى المناسبة ومن غيره لا يقدح إذ قد يكون للوصف جهتان ككون المحل مشتهى يناسب الإباحة لإراحة الخاطر والتحريم لقطع أطماع النفس).

أقول: فساد الوضع حاصله إبطال وضع القياس المخصوص فى إثبات الحكم المخصوص وذلك لأن الجامع الذى يثبت به الحكم قد ثبت اعتباره بنص أو إجماع فى نقيض الحكم والوصف الواحد لا يثبت به النقيضان وإلا لم يكن مؤثرًا فى أحدهما لثبوت كل معه بدلًا مثاله: أن يقول فى التيمم مسح فيسن فيه التكرار، كالاستنجاء فيقول المعترض المسح لا يناسب التكرار، لأنه ثبت اعتباره فى كراهة التكرار فى المسح على الخف.

وجواب هذا الاعتراض ببيان وجود المانع فى أصل المعترض فيقال فى المثال إنما كره التكرار فى الخف لأنه يعرض الخف للتلف، واقتضاء المسح للتكرار باق.

واعلم أن فساد الوضع يشتبه بأمور ويخالفها بوجوه فنبه على ذلك لئلا يلتبس فمنه أنه يشبه النقض من حيث إنه بين فيه ثبوت نقيض الحكم مع الوصف إلا أن فيه زيادة وهو أن الوصف هو الذى يثبت النقيض وفى النقض لا يتعرض لذلك بل يقنع فيه بثبوت نقيض الحكم مع الوصف فلو قصد به ذلك لكان هو النقض ومنه أنه يشبه القلب من حيث إنه إثبات نقيض الحكم بعلة المستدل إلا أنه يفارقه بشئ وهو أن فى القلب يثبت نقيض الحكم بأصل المستدل وهذا يثبت بأصل آخر فلو ذكره بأصله لكان هو القلب ومنه أنه يشبه القدح فى المناسبة من حيث ينفى مناسبة الوصف للحكم لمناسبته لنقيضه إلا أنه لا يقصد ههنا بيان عدم مناسبة الوصف للحكم بل بناء نقيض الحكم عليه فى أصل آخر فلو بين مناسبته لنقيض الحكم بلا أصل كان قدحًا فى المناسبة.

واعلم أنه إنما يعتبر القدح فى المناسبة إذا كان مناسبته للنقيض وللحكم من وجه واحد وأما إن اختلف الوجهان فلا لأن الوصف قد يكون له جهتان يناسب

ص: 483

بإحداهما الحكم وبالأخرى نقيضه.

مثاله: كون المحل مشتهى يناسب إباحة النكاح لإراحة الخاطر ويناسب التحريم لإزالة الطمع.

مثال آخر: أخ لأبوين مع أخ لأب يناسب تأريث الأخ من الأبوين فقط لتقدمه فى النسب، وتسويتهما لاستوائهما فى جهة الأب ولا عبرة بجهة الأم فى العصوبة، وتشريكهما مع تفضيله لامتيازه بزيادة، وأيًا فعل عد ملائمًا لغرض العقلاء.

مثال آخر من العرفيات: الملك إذا ظفر بعدوه فإنه مناسب لقتله، نفيًا لعاديته وللإبقاء عليه والرد إلى ولايته إظهارًا للقدرة وعدم المبالاة بمثله وكلاهما مما يقصده العقلاء.

مثال آخر: قتل العمد يناسب الكفارة من حيث إنه تثقيل عليه فى الدنيا وعدمه من حيث هو تخفيف عنه فى الآخرة، وذلك كثير. .

وقد تلخص مما ذكرنا أن ثبوت النقيض مع الوصف نقض فإن زيد ثبوته به ففساد الوضع وإن زيد كونه به وبأصل المستدل فقلب، وبدون ثبوته معه فالمناسبة من جهة واحدة قدح فيها ومن جهتين لا يعتبر.

النوع الثالث من الاعتراضات: ما يورد على المقدمة الأولى من القياس وهو دعوى حكم الأصل ولا مجال للمعارضة فيه لأنه غصب لمنصب الاستدلال فينقلب المستدل معترضًا والمعترض مستدلًا فى نفس صورة المناظرة وذلك مما لم يجوزوه ضمنًا لنشر الجدال ولئلا يفوت المقصود من المناظرة فتعين المنع وذلك إما ابتداء أو بعد تقسيم ويسمى حينئذٍ تقسيمًا.

قوله: (فساد الوضع) الظاهر أنه أخص من فساد الاعتبار من وجه لا مطلقًا على ما هو ظاهر كلام الآمدى.

قوله: (لثبوت كل) من النقيضين معه أبى مع الوصف بدلًا من الآخر فلو فرض ثبوتهما للزم انتفاؤهما لأن ثبوت كل يستلزم انتفاء الآخر.

قوله: (واعلم) نفى لما توهمه الشارحون من أن المراد أن فساد الوضع نقض خاص.

ص: 484

المصنف: (وهو كون الجامع ثبت اعتباره بنص أو إجماع فى نقيض الحكم) ظاهره أن فساد الوضع قاصر على ذلك وليس كذلك بل هو أن لا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لاعتباره فى ترتب الحكم عليه مطلقًا سواء عارضه نص أو إجماع أو لم يعارض.

الشارح: (يشبه القلب) هو دعوى المعترض أن ما استدل به المستدل عليه لا له.

الشارح: (ولا مجال للمعارضة فيه) فليس للمعترض أن يستدل على نفى حكم الأصل ابتداء.

قوله: (الظاهر أنه أخص من فساد الاعتبار من وجه) لصدق فساد الوضع فقط بأن لا يكون الدليل على الهيئة الصالحة لاعتباره فى ترتيب الحكم عليه ولا يعارضه نص ولا إجماع وصدق فساد الاعتبار فقط بأن يكون على الهيئة الصالحة لكنه يعارضه نص أو إجماع وصدقهما جميعًا بأن لا يكون الدليل على الهيئة الصالحة ولكن يعارضه نص أو إجماع.

ص: 485

قال: (الرابع: منع حكم الأصل والصحيح ليس قطعًا للمستدل بمجرده لأنه كمنع مقدمة كمنع العلية فى العلة ووجودها فيثبتها باتفاق وقيل ينقطع لانتقاله واختار الغزالى اتباع عرف المكان وقال الشيرازى لا يسمع فلا يلزمه دلالة عليه، وهو بعيد إذ لا تقوم الحجة على خصمه مع منع أصله، والمختار لا ينقطع المعترض بمجرد الدلالة بل له أن يعترض إذ لا يلزم من صورة دليل صحته، قالوا: خارج عن المقصود الأصلى، قلنا ليس بخارج).

أقول: ومن الأسئلة منع ثبوت الحكم فى الأصل مطلقًا مثاله أن يقول المستدل جلد الخنزير لا يقبل الدباغ للنجاسة الغليظة كالكلب فيقول لا نسلم أن جلد الكلب لا يقبل الدباغ أو لم قلت: إنه لا يقبل الدباغ إذ حاصل المنع والمطالبة بالدليل واحد فإذا منع المعترض حكم الأصل فقد اختلف فى أنه هل يكون بمجرده قطعًا للمستدل فمنهم من قال: إنه قطع ولا يمكن من إثباته بالدليل لأنه انتقال إلى حكم آخر شرعى الكلام فيه بقدر الكلام فى الأول سواء فقد حيل بينه وبين مرامه وشغل عنه بغيره فقد ظفر المعترض بما رام فإن ذلك غاية مراسه والصحيح أنه لا ينقطع بمجرده وإنما ينقطع إذا ظهر عجزه عن إثباته بالدليل وإنما لم يكن قطعًا لأنه لا ينقم منه إلا أنه انتقال وإنما يقبح إلى غير ما به يتم مطلوبه وههنا ليس كذلك بل هو إثبات مقدمة من مقدمات مطلوبه قد منعت وذلك ليس بانتقال مذموم كما لو منع علية العلة أو وجودها فى الأصل أو فى الفرع فإنه يصح منه أن يثبتها ولا يعد المنع قطعًا له وليت شعرى أى فرق بين مقدمة ومقدمة وركن وركن وأما كونه حكمًا شرعيًا كالأول ومن تكلم فى مسألة الخنزير ثم أخذ يتكلم فى مسألة الكلب عد منتقلًا بخلاف من تكلم فى مسألة الخنزير ثم تكلم فى أحواله وصفاته فلا يظهر له أثر عند التأمل، ولا يخفى ما فيه من الضعف، نعم لو اصطلح عليه نظرًا إلى ذلك لم يبعد ولذلك قال الغزالى يتبع فى ذلك عرف المكان واصطلاح أهل بلدة المناظرة فإن عدوه قطعًا فقطع، وإلا فلا لأنه أمر وضعى لا مدخل فيه للشرع والعقل، وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى: لا يسمع هذا المنع من المعترض فلا يلزم المستدل الدلالة على ثبوت حكم الأصل وقد استبعده المصنِّفُ لأن غرض المستدل إقامة الحجة على خصمه ولا تقوم الحجة على خصمه مع كون أصله ممنوعًا، ولم يقم عليه دليلا لأنه جزء الدليل ولا يثبت

ص: 486

الدليل إلا بثبوت جميع أجزائه، واعلم أن ما ذكره الشيخ لا يبعد على أحد وجهين إما بأنه يكونه ممن يرى وجوب الإجماع على حكم الأصل فلا يسمع المنع فى محل الإجماع وإما بأن يجعل المدعى أنه لو ثبت حكم الأصل لثبت حكم الفرع إذ به يحصل المساواة المطلوبة فى القياس وغرضه بالأمرين ضم نشر الجدال وإذ قد تقرر أن المنع يسمع وعلى المستدل إقامة الدليل عليه فإذا أقام الدلالة فهل ينقطع المعترض بمجرد إقامته للدليل حتى لا يمكن من الاعتراض على مقدمات هذا الدليل أو لا ينقطع بل له أن يعترض فيه خلاف والمختار أنه لا ينقطع وله أن يعترض وذلك لأنه لا يلزم من صورة دليل صحته ولا بد فى ثبوت المقدمة الممنوعة من صحته فيطالب ببيان صحته وذلك بصحة مقدمة مقدمة، وهو معنى المنع.

قالوا: اشتغال بما هو خارج عن المقصود فإن من كان غرضه صحة بيع فاشتغل ببيان صحة نكاح وعبر وقته فيه وربما تم المجلس وهو لم يتم ذلك فاته مقصوده قطعًا.

الجواب: منع كونه خارجًا عن المقصود إذ المقصود لا يحصل إلا به ولا ينقطع أحدهما إلا بالعجز عما تصدى له ولا عبرة بطول الزمان وقصره ووحدة المجلس وتعدده.

قوله: (فقد حيل بينه) أى بين المستدل وبين مطلوبه واشتغل من مرامه لغيره وذلك أعنى الاشتغال والحيلولة غاية مطلوب المعترض.

قوله: (وما ينقم منه) أى لا يعاب من المستدل أو لا ينكر عليه إلا أن إثباته لحكم الأصل انتقال من إثبات حكم شرعى إلى آخر هذا الانتقال إنما يصح إذا كان إلى غير ما يتوقف عليه إثبات المطلوب.

قوله: (وأما كونه) مبتدأ خبره قوله فلا يظهر له أثر.

قوله: (ومن تكلم) عطف على ضمير كونه والغرض من هذا الكلام بيان ضعف الفرق الذى أشار إليه فى أواخر شروط حكم الأصل بقوله وربما فرق بأن هذا حكم شرعى كالأول.

الشارح: (لأنه أمر وضعى. . . إلخ) رده مسلم الثبوت بأن قوانين المناظرة عقلية.

ص: 487

قال: (الخامس: التقسيم: وهو كون اللفظ مترددًا بين أمرين أحدهما ممنوع والمختار وروده مثاله فى الصحيح الحاضر وجد السبب بتعذر الماء فساغ التيمم فيقول السبب تعذر الماء أو تعذر الماء فى السفر أو المرض الأول ممنوع وحاصله منع يأتى ولكنه بعد تقسيم وأما نحو قولهم فى الملتجئ إلى الحرم وجد سبب استيفاء القصاص فيجب متى منع مانع الالتجاء إلى الحرم أو عدمه فحاصله طلب نفى المانع ولا يلزم).

أقول: هذا السؤال يسمى تقسيمًا وحقيقته أن يكون اللفظ مترددًا بين أمرين أحدهما ممنوع فيمنعه إما مع المسكوت عن الآخر لأنه لا يضره أو مع التعرض لتسليمه أو لأنه لا يضره وهذا السؤال لا يختص بحكم الأصل بل كما يجرى فيه يجرى فى جميع المقدمات التى تقبل المنع وقد منع قوم من قبول هذا السؤال لأن إبطال أحد محتملى كلام المستدل لا يكون إبطالًا له إذ لعله غير مراده والمختار قبوله إذ به يتعين مراده وربما لا يمكنه تتميم الدليل به وله مدخل فى هدم الدليل والتضييق على المستدل وللقبول شرط وهو أن يكون منعًا لما يلزم المستدل بيانه مثاله فى الصحيح الحاضر إذا فقد الماء وجد سبب وجود التيمم وهو تعذر الماء فيجوز التيمم فيقول المعترض ما المراد بتعذر الماء شئت أن تعذر الماء مطلقًا سبب أو أن تعذر الماء فى السفر أو المرض سبب الأول ممنوع وحاصله أنه منع بعد تقسيم فيأتى فيه ما تقدَّم فى صريح المنع من الأبحاث من كونه مقبولًا وقطعًا وكيفية الجواب عنه.

مثال آخر: أن يقول: فى مسألة الملتجئ إلى الحرم القتل العمد العدوان سبب للقصاص فيقول المعترض متى هو سبب أمع مانع الالتجاء إلى الحرم أو دونه الأول ممنوع، وإنما لم يقبل لأن حاصله أن الالتجاء إلى الحرم مانع من القصاص فكان مطالبة ببيان عدم كونه مانعًا والمستدل لا يلزمه بيان عدم المانع فإن الدليل ما لو جرد النظر إليه أفاد الظن، إنما بيان كونه مانعًا على المعترض ويكفى المستدل أن الأصل عدم المانع.

النوع الرابع من الاعتراضات: ما يرد على الثانية من مقدمات القياس وهو قوله: والحكم فى الأصل معلل بوصف كذا والقدح إما فى وجوده وإما فى عليته، والثانى: إما نفى العلية صريحًا أو نفى لازمها، والأول: إما منع مجرد أو

ص: 488

معارضة وبيان عدم التأثير، والثانى: إما أن يختص بالمناسبة أو لا فالمختص بحسب شروط المناسب وهى الإفضاء إلى المصلحة وعدم المعارض لها والظهور والانضباط أربعة وهى نفى كل واحد منها وغير المختص حيث شرط العلة والاطراد والانعكاس، أما نفى الطرد وهو بعد إلغاء قيد كسر وبدونه نقض وأما نفى الانعكاس صارت عشرة: نفى الكل، منع وجود العلة، منع عليتها، عدم تأثيرها، ثم فى المناسب خاصة، عدم الإفضاء، وجود المعارض، عدم الظهور، عدم الانضباط، ثم فى الكل النفض، الكسر، عدم العكس.

قوله: (أما مع المسكوت) فإن قيل قد ذكر فى المنتهى أنه عبارة عن كون اللفظ مترددًا بين احتمالين أحدهما ممنوع والآخر مسلم قلنا: كونه مسلمًا لا ينافى السكوت عنه، بل قد يكون مع التصريح بتسليمه أو بعدم ضرره وقد يكون مع السكوت قال الآمدى: لا خلاف فى أنهما لو اشتركا فى المنع لم يكن للتقسيم معنى لكن لقائل أن يقول: لم لا يجوز اشتراكهما فى التسليم بشرط أن يختلفا باعتبار ما يرد على كل واحد منهما من الاعتراضات القادحة فيه.

قوله: (وقد يمنع قوم) نفى لما ذكره العلامة أنه لم يختلف أحد فى ورود سؤاله التقسيم وإنما الخلاف فيما إذا اشترك الاحتمالان فى التسليم على ما قال فى المنتهى والصحيح أن التقسيم وارد وإن اشتركا فى التسليم إذا اختلفا فيما يرد عليهما من القوادح.

قوله: (إبطالًا له) أى لكلام المستدل إذ لعل ذلك المحتمل غير مراد المستدل.

قوله: (إذ به) أى بإبطال أصل أحد محتملى كلامه يتعين مراد المستدل وإنما لا يتيسر للمستدل تسليم دليله بسبب إبطال أحد محتملى كلامه.

قوله: (مثال آخر) يشير إلى أنه أورد مثالين: أحدهما يشتمل على شرط القبول والآخر لا يشتمل وكلاهما سؤال تقسيم لا كما زعم الشارحون أن الثانى ليس سؤال التقسيم لأن اللفظ لم يتردد بين احتمالين يكون أحدهما سببًا والآخر ليس بسبب لأن القتل العمد العدوان سبب لاستيفاء القصاص سواء كان الالتجاء مانعًا من الاستيفاء أو لم يكن.

قوله: (فيأتى فيه ما تقدَّم) تكلف من الشارح لبيان الفائدة فى قوله: يأتى وإلا

ص: 489

فالظاهر أن المراد أن حاصله: منع يتوجه لكن بعد تقسيم النوع الرابع اعتراضاته بحسب تقريره عشرة: أحدها: منع وجود العلة، ثانيها: منع عليتها، ثالثها: عدم تأثيرها، رابعها: عدم إفضاء المناسب، خامسها: وجود المعارض، سادسها: عدم ظهوره، سابعها: عدم انضباطه، ثامنها: النقض، تاسعها: الكسر، عاشرها: عدم العكس، فالثلاثة الأول تعم الكل وكذا الثلاثة الأخيرة والأربعة المتوسطة تخص المناسب وإنما جعلها متوسطة بين الثلاثتين ولم يقل فى الكل الستة فى المناسب خاصة الأربعة تنبيهًا على أن الثلاثة الأخيرة وإن عمت الكل لكنها عائدة إلى نفى لازم العلية كالأربعة المتوسطة بخلاف الثلاثة الأول فقوله: وهى أى الاعتراضات الأربعة المخصوصة بالمناسب نفى كل واحد من الشروط الأربعة فنفى عدم المعارض للمصلحة وجود المعارض لها وهذا هو المعنى بالقدح فى المناسبة لأن معناه معارضة المصلحة فيها لمفسدة راجحة أو مساوية وهى غير المعارضة التى نقلت من أقسام نفى العلية صريحًا لأن معناها مقابلة إثبات التأثير بإثبات عدمه فلذا عطف عليها بيان عدم التأثير تفسيرًا لها وبهذا فارقت ما سيجئ من المعارضة فى الأصل إذ لا تعرض فيها لنفى تأثير وصف المستدل ثم ههنا بحث: وهو أنه لم يتعرض عند الضبط للمعارضة فى الأصل مع أنها مذكورة فى التفصيل وتعرض لنفى الانعكاس مع أنه لا ذكر له أصلًا وقد يتوهم أن وجود المعارض لها عبارة عن المعارضة فى الأصل، وأنها من الاعتراضات المخصوصة بالمناسب، وأن الشارح ذهل فى الضبط الإجمالى عن القدح فى المناسبة، وفى التفصيلى عن جعل المعارضة من المخصوصة، وذلك غلط ظاهر وقد يتوهم أن المعارضة فى الأصل هو معنى نفى الانعكاس لأنه إذا أبدى وصف آخر صالح لأن يكون هى العلة للحكم فقد وجد الحكم ولم يوجد الوصف المدعى عليته وهذا أيضًا غلط إذ لا دلالة فى المعارضة على انتفاء وصف المستدل أصلًا بل قولنا: إبداء وصف آخر ربما يشعر بوجوده؛ ألا ترى أن المختار فى المعارضة هو القبول، وفى نفس الانعكاس عدمه بناء على جواز تعدد العلل، وبالجملة الفرق بينهما من الظهور بحيث لا يفتقر إلى البيان، قوله: مثاله يجمع الثلاثة: أى الحسى، والعقلى، والشرعى؛ لكن لا بالنظر إلى أجزاء العلة، وأما فى نفس العلة فمما لا يتصور؛ لأن المراد بالعقلى ما لا يدرك بالحس، وبالشرعى ما لا يدرك بالحس أو العقل؛ ثم قولنا: لا نسلم أنه قيل: المراد المنع فى المقيس عليه وهو القتل بالسيف.

ص: 490

المصنف: (مثاله فى الصحيح الحاضر) اعترض هذا المثال مسلم الثبوت بأن الاعتراض فى هذا المثال وارد على العلة أعنى السبب لا على حكم الأصل ومثاله الصحيح أن يقول الشافعى أو المالكى: صوم شهر رمضان صوم فرض فيجب تعينه عند النية كالقضاء فيقول الحنفى: إن كان المراد بوجوب التعين الوجوب بعد تعيين الشرع فهو منتف فى الأصل فإن القضاء ليس متعينًا من قبل الشرع وإن كان قبله فمنتف فى الفرع أنه علة ولا يمكن إثباته فيه فيفوت القياس.

الشارح: (والقدح إما فى وجوده) أى وجود الوصف المدعى أنه علة فيمنع وجوده فضلًا عن كونه علة أى فى عليته أى أن الوصف الموجود المدعى أنه علة وقوله: يقدح فى كونه علة وقوله: أو نفى لازمها أى لازم العلة لا نفى نفس العلة واللازم هو بالنسبة إلى الوصف المناسب أربعة ولكل علة اثنان على ما يأتى وقوله: والأول إما منع مجرد المراد بالأول نفى العلية صريحًا وقوله: والثانى إما أن يختص. . . إلخ. هو نفى اللازم وقوله: ففى الكل منع وجود العلة. . . إلخ. أى فيرد على كل علة لقياس منع. . . إلخ. سواء كانت العلة ثبتت عليتها بالمناسبة أو بغيرها وقوله: وجود المعارض أى المعارضة للمصلحة وهو المفسدة المساوية أو الراجحة وهو المعنى بالقدح فى المناسبة والحاصل أن المعارضة فى مقام العلة تطلق بمعنى مقابلة إثبات التأثير الذى ادعاه المستدل بإثبات عدمه وهى المذكورة فى قول الشارح: أو معارضة وبيان عدم التأثير وتطلق بمعنى المقابلة بمفسدة راجحة أو مساوية وهى المذكورة فى نفى لوازم العلة إذا كانت وصفًا مناسبًا بقوله: وعدم المعارض لها وتطلق بمعنى المقابلة بإبداء وصف آخر فى الأصل وقد ذكرها المصنف فى التفصيل ولم يذكرها الشارح ههنا وقوله: حيث شرط فى العلة الاطراد والانعكاس أى فهما لازمان لكل علة سواء كانت ثابتة بتخريج المناط وهو المناسب أولًا وقوله: وهو بعد إلغاء قيد كسر أى كما يقال فى قياس صلاة الخوف على صلاة الأمن فى وجوب القضاء بعلة كونها صلاة يجب قضاؤها فيجب أداؤها: إن كونها صلاة لا دخل له فلم يبق إلا كونها عبادة يجب قضاؤها وهو لا يقتضى وجوب الأداء لنقضه بصوم الحائض.

قوله: (اعتراضاته بحسب تقريره عشرة) أى وقد تقدم أن الاعتراضات الواردة

ص: 491

على العلية اثنا عشر والمصنف ذكرها كذلك اثنا عشر غير أنه عد منها التركيب والتعدية.

قوله: (وفى التفصيلى عن جعل المعارضة من المخصوصة) أى فجعلها فى التفصيلى الذى ذكره المصنف من غير المخصوصة مع أنها منها.

قوله: (ثم المراد المنع فى المقيس عليه) أى لأن الكلام فى منع وجود العلة فى الأصل المقيس عليه فيمنع فى القتل بالسيف المقيس عليه القتل بالمثقل فى وجود القصاص به وجود القتل العمد العدوان.

ص: 492

قال: (السادس: منع وجود المدعى علة فى الأصل مثل حيوان يغسل من ولوغه سبعًا فلا يطهر بالدباغ كالخنزير فيمنع، وجوابه بإثباته بدليل من عقل أو حس أو شرع).

أقول: ومن الاعتراضات منع كون ما يدعى علة لحكم الأصل موجودًا فى الأصل فضلًا عن أن تكون هى العلة، مثاله: أن يقول فى الكلب: حيوان يغسل من ولوغه سبعًا فلا يقبل جلده الدباغ كالخنزير، فيقول المعترض: لا نسلم أن الخنزير يغسل من ولوغه سبعًا.

والجواب عن هذا الاعتراض بإثبات وجود الوصف فى الأصل بما هو طريق ثبوت مثله لأن الوصف قد يكون حسيًا فبالحس أو عقليًا فبالعقل أو شرعيًا فبالشرع، مثال يجمع الثلاثة إذا قال فى القتل بالمثقل: قتل عمد عدوان فلو قيل لا نسلم أنه قتل قال: بالحس، ولو قيل: لا نسلم أنه عمد قال: معلوم عقلًا بأمارته ولو قيل: لا نسلم أنه عدوان قال: لأن الشرع حرمه.

قال: (السابع: منع كونه علة وهو من أعظم الأسئلة لعمومه وتشعب مسالكه والمختار قبوله وإلا لأدى إلى اللعب فى التمسك بكل طرد، قالوا: القياس رد فرع إلى أصل بجامع وقد حصل قلنا بجامع يظن صحته، قالوا: عجز المعارض دليل صحته، فلا يسمع المنع، قلنا: يلزم أن يصحح كل صورة فدليل بعجز المعترض وجوابه بإثباته بأحد مسالكه فيرد على كل منها ما هو شرط فعلى ظاهر الكتاب الإجمال والتأويل والمعارضة والقول بالموجب وعلى السنة ذلك والطعن بأنه مرسل أو موقوف وفى رواية بضعفه أو قول شيخه: لم يروه عنى، وعلى تخريج المناط ما يأتى وما تقدَّم).

أقول: ومن الاعتراضات منع كون الوصف المدعى عليته علة وذكر المصنِّفُ أنه من أعظم الأسئلة الواردة على القياس لعمومه فى الأقيسة إذ العلة قلما تكون قطعية ولتشعب مسالك العلية فتتعدد طرق الانفصال عنها، وعلى كل واحد منها أبحاث ستقف عليها فيطول القال والقيل فيه ما لا يطول فى غيره ومن استقرأ ذلك عليه، مثاله: أن يقول فى المثال المتقدم لا نسلم أن كون جلد الخنزير لا يقبل الدباغ معلل بكونه يغسل من ولوغه سبعًا، وقد اختلف فى كون منع العلية مقبولًا والمختار أنه مقبول وإلا لأدى إلى التمسك بكل طرود يؤدى إلى اللعب فيضيع

ص: 493

القياس إذ لا يفيد ظنًا وتكون المناظرة عبثًا.

قالوا: أولًا: القياس حده وحقيقته أنه إلحاق فرع بأصل بجامع وقد حصل وإذا ثبت مدعاه فلا يكلف إثبات ما لم يدع.

الجواب: لا نسلم أن حد القياس وحقيقته ذلك بل إلحاق فرع بأصل بجامع يظن صحته وهذا القيد معتبر فى حد القياس اتفاقًا ولم يوجد.

قالوا: ثانيًا: عجز المعارض عن إبطاله دليل صحته إذ طرق عدم العلية من كون الوصف طرديًا وإبداء وصف آخر وغير ذلك مما لا يخفى على المجتهد، والمناظر فلو وجد لوجده ولو وجده لأظهره فلما لم يظهر علم أنه لم يوجد فالفرار إلى مجرد المنع يكفينا دليلًا على أنه صحيح فلا يسمع المنع ولا يشتغل بجوابه لأنه شاهد على نفسه بالبطلان.

والجواب: أنه يقتضى أن كل صورة عجز المعترض عن إبطاله فهو صحيح حتى دليل الحدوث والإثبات بل حتى دليلى النقيضين إذا تعارضا وعجز كل عن إبطال دليل الآخر.

وقد يقال الفرق ظاهر مما مر كيف والسبر دليل ظاهر عام لا يعجز عنه قائس ولا بد معه من العدول إلى الإبطال بمعارضته وإبداء وصف آخر فليفعل أول مرة ويطرح مؤنة ذلك من البين قصرًا للمسافة وتخرجًا من اللجج ومحاولة للمجادلة بالتى هى أحسن ولا ظهر أن هذا المنع مسموع.

فالجواب: إثبات العلية بمسلك من مسالكها المذكورة من قبل فكل مسلك تمسك بها فيرد عليه ما هو شرطه أى ما يليق به من الأسئلة المخصوصة به وقد نبه ههنا على اعتراضات الأدلة الأخرى بتبعية اعتراضات القياس على سبيل الإيجاز ولا بأس أن نبسط فيه الكلام بعض البسط لأن البحث كما يقع فى القياس يقع فى سائر الأدلة ومعرفة هذه الأسئلة نافعة فى الموضعين فنقول الأسئلة بحسب ما يرد عليه من الإجماع والكتاب والسنة، وتخريج المناط أربعة أصناف:

الصنف الأول: على الإجماع، ولم يذكره لقلته مثاله ما قال الحنفية وفى وطء الثيب الإجماع على أنه لا يجوز الرد مجانًا، فإن عمر وزيدًا أوجبا نصف عشر القيمة وفى البكر عشرها وعلى منع الرد من غير نكير وهو ظنى فى دلالته وفى نقله ولولا أحدهما لما تصور فى محل الخلاف والاعتراض عليه من وجوه:

ص: 494

الأول: منع وجود الإجماع لصريح المخالفة أو منع دلالة المسكوت على الموافقة.

الثانى: الطعن فى السند بأن نقله فلان وهو ضعيف إن أمكنه.

الثالث: المعارضة ولا تجوز بالقياس مثل العيب يثبته ويثبته بالمناسبة أو غيرها ولا بخبر واحد إلا إذا كانت دلالته قطعية ولكن بإجماع آخر أو بمتواتر.

الصنف الثانى: على ظاهر الكتاب كما إذا استدل فى مسألة بيع الغائب بقوله: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، وهو يدل على صحة كل بيع والاعتراض عليه بوجوه:

الأول: الاستفسار وقد عرفته.

الثانى: منع ظهوره فى الدلالة فإنه خرج صور لا تحصى أو لا نسلم أن اللام للعموم فإنه يجئ للعموم وللخصوص.

الثالث: التأويل وهو أنه وإن كان ظاهرًا فيما ذكرت لكن يجب صرفه عنه إلى محمل مرجوح بدليل يصيره راجحًا نحو قوله نهى عن بيع الغرر وهذا أقوى لأنه عام لم يتطرق إليه تخصيص أو التخصيص فيه أقل.

الرابع: الإجمال فإن ما ذكرناه من وجه الترجيح وإن لم يصيره راجحًا فإنه يعارض الظهور فيبقى مجملًا.

الخامس: المعارضة بآية أخرى، نحو قوله تعالى:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [النساء: 29]، وهذا ما لم يتحقق فيه الرضا فيكون باطلًا أو بحديث متواتر كما ذكرنا.

السادس: القول بموجبه وهو تسليم مقتضى النص مع بقاء الخلاف مثل أن يقول سلمنا حل البيع والخلاف فى صحته باق فإنه ما أثبته.

الصنف الثالث: ما يرد على ظاهر السنة كما إذا استدل بقوله: "أمسك أربعًا وفارق سائرهن" على أن النكاح لا ينفسخ والاعتراض عليه بوجوه الستة المذكورة:

الأول: الاستفسار.

الثانى: منع الظهور، إذ ليس فيما ذكرت من الخبر صيغة عموم، أو لأنه خطاب بخاص أو لأنه ورد على سبب خاص.

الثالث: التأويل، فإن المراد تزوج منهنّ أربعًا بعقد جديد، فإن الطارئ كالمبتدأ

ص: 495

فى إفساد النكاح كالرضاع.

الرابع: الإجمال كما ذكرنا.

الخامس: المعارضة بنص آخر.

السادس: القول بالموجب.

وههنا أسئلة تختص بأخبار الآحاد وهو الطعن فى السند بأن يقول هذا الخبر مرسل أو موقوف أو فى روايته قدح فإن راويه ضعيف لخلل فى عدالته أو ضبطه أو بأنه كذبه الشيخ فقال لم يرو عنى، مثاله إذا قال الأصحاب المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا، قالت الحنفية لا يصح، لأن راويه مالك وقد خالفه وإذا قلنا:"أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل". قالوا: لا يصح لأنه يرويه سليمان بن موسى الدمشقى عن الزهرى فسئل الزهرى فقال: لا أعرفه.

الصنف الرابع: ما يرد على تخريج المناط وهو ما سيأتى من عدم الإفضاء أو المعارضة أو عدم الظهور أو عدم الانضباط أو بما تقدَّم من أنه مرسل أو غريب أو شبه.

قوله: (إذ العلة قلما تكون قطعية) بخلاف حكم الأصل وجود العلة فيه فإنه كثيرًا ما يكون قطعيًا وبهذا يندفع أن مجرد العموم لا يصلح دليلًا على كونه أعظم لأن وجود العلة وحكم الأصل كذلك.

قوله: (إلحاق فرع بأصل) فى قوة مساواة فرع الأصل بل هذا أقرب لأن القياس فعل القائس قطعًا كالإلحاق بخلاف المساواة.

قوله: (حتى دليل الحدوث) يعنى حدوث العالم وإثبات الصانع فإن المطلوب وإن كان حقًا لكن لا يصح دليلهما بمجرد المنع الذى لا يقدر المستدل على دفعه والفرق بين ما نحن فيه وبين سائر الصور ظاهر مما ذكر أن طرق عدم العلية محصورة مضبوطة لا تخفى على المجتهد والمناظر فلما لم يظهر المناظر طريقًا منها وضرب إلى مجرد المنع علم أنه ليس بموجود بخلاف سائر الأدلة فإنه لا تتعين طرق نفيها ولا تكون بحيث تظهر البتة للناظر والمناظر.

قوله: (وهو) أى هذا الإجماع ظنى فى دلالته لكونه سكوتيًا ودلالة السكوت

ص: 496

على الموافقة ليست بقطعية وفى نقله لأنه بالآحاد لا التواتر ولولا ظنية الدلالة أو النقل فى هذا الإجماع لما تصوّر تحققه فى محل الخلاف إذ الحكم المجمع عليه إجماعًا قطعى الدلالة والنقل لا يخالف.

قوله: (لصريح المخالفة) حيث ذهب البعض إلى جواز الرد مجانًا والمراد منع وجود الإجماع مطلقًا نطقيًا كان أو سكوتيًا وبهذا يتأتى المنع الآخر أعنى منع دلالة السكوت على الموافقة.

قوله: (ولا تجوز المعارضة بالقياس) لما سبق أن القياس لا يعارض الإجماع مثل أن يقول العيب يثبت الرد قياسًا على سائر الرد ويثبت كون العيب علة للرد بالمناسبة أو غيرها من مسالك العلة.

قوله: (إلا إذا كانت دلالته قطعية) فإنه وإن كان ظنى السند لكن لقطعية دلالته يعارض الإجماع أعنى الإجماع الظنى الدلالة أو النقل إذ لو كان قطعيهما لم يعارضه خبر الواحد أصلًا وإن كان ظنيهما لم يحتج إلى قطعية الدلالة.

قوله: (ولكن بإجماع) أو تواتر على سبيل الفرض والتقدير وإلا فقد عرفت أن لا تعارض بين القطعيين.

قوله: (الاستفسار) مثل أن يقول ما معنى أحل فإنه يقال بمعنى أورده فى محله وبمعنى جعله حلالًا غير حرام.

قوله: (أو لا نسلم) عطف على منع ظهوره أى لا نسلم أنه ظاهر الدلالة على ما ذكرتم فإنه قد خرج منه بيع الملاقيح والمضامين وبيع الحر والخنزير وبيع أمهات الأولاد باتفاق منكم أو لا نسلم أن اللام للاستغراق ولم لا يجوز أن تكون للعهد الخارجى أو الذهنى.

قوله: (فإن ما ذكرناه) وهو أنه عليه السلام نهى عن بيع الغرر وأنه أقوى لعدم تخصيصه أو لعليته وإن لم يجعل المرجوح راجحًا فلا أقل من أن تعارض الظهور فيبقى مجملًا.

قوله: (الستة) أى بعض الوجوه هى الستة التى ذكرت على ظاهر الكتاب وبعضها ما أشار إليه بقوله وههنا أسئلة تختص بأخبار الآحاد.

قوله: (الأول الاستفسار) عن معنى الإمساك والمفارقة أما لو قال إن أردت الإمساك بلا تجديد فممنوع أو معه فغير مفيد فليس باستفسار بل سؤال تقسيم.

قوله: (خطاب بخاص) أى بإمساك غيلان أربعًا من نسوته فلا يكون ظاهرًا فى

ص: 497

عدم انفساخ النكاح على العموم.

قوله: (على سبب خاص) وهو أنه كان قد تزوجهن مرتبًا فأمر بإمساك الأربع الأوائل ومفارقة الأواخر والكلام فيما إذا تزوجهن معًا.

قوله: (فإن الطارئ) يعنى أن الزيادة على الأربع فى الإسلام أمر مناف للنكاح ولا خلاف فى أنه إذا كان مبتدأ مقارنًا للعقد يدفع النكاح وصحته فكذا إذا كان طارئًا يدفعه ويزيل صحته كالرضاع فإن الطارئ منه دافع وللنكاح مزيل لصحته كما أن المبتدأ منه دافع له مانع لصحته.

قوله: (الإجمال) كما ذكرنا وهو أن التأويل المذكور يعارض الظهور فيبقى مجملًا.

قوله: (القول بالموجب) أى سلمنا الإمساك لكن بشرط تجديد العقد ومن أين الدلالة على نفى هذا الاشتراط.

قوله: (أو فى روايته قدح) عطف على قوله مرسل وعلى جملة قوله هذا الخبر مرسل وقوله أو بأنه كذبه الشيخ عطف على قوله وأن راويه ضعيف لأنه فى معنى بأن راويه لتأدية الفاء والباء معنى السببية وجعله عطفًا على بأن يقول ليس بسديد لقصوره عن الدلالة على كونه مقول المعترض وقد جاء فى الرواية وفى عبارة المتن وهى قوله وفى رواية لضعفه أو قول شيخه لم يرو عنى هو عطف على ضعفه وفى شرح العلامة أن المعنى أو الطعن فيه بأنه ورد فى رواية يضعفه فلا يصح التمسك به أو الطعن فيه بأنه قول شيخه بأنه لم يروه عنى على أن الضمير فى قوله بأنه ضمير الشأن وكأنه جعل يضعفه على لفظ المضارع من الضعيف ولا يخفى ما فيه والأقرب أن يكون فى رواية على لفظ الجمع المضاف أى الطعن فى رواية الخبر لضعف بعض الرواة أو بقول شيخه لم يروه عنى.

قوله: (أو بما تقدَّم) عطف على ما سيأتى أى نظرًا إلى المعنى أى الاعتراض بما سيأتى من القدح فى إفضاء الحكم إلى المقصود ومن المعارضة بإبداء معنى آخر يصلح للعلية ومن كون الوصف خفيًا ومن كونه غير منضبط أو بما تقدَّم من كون الوصف مناسبًا مرسلًا أى لم يثبت اعتباره لا بنص أو إجماع ولا يترتب الحكم على وفقه أو غريبًا أى يثبت ترتب الحكم عليه لا بنص ولا بإجماع أو كونه شبهًا لا يثبت مناسبة إلا بدليل منفصل وفى أكثر الشروح أن المراد ما يعد به من استلزام المفسدة وغيره وما يأتى من القدح فى المناسبة وهو إبداء مفسدة راجحة أو مساوية.

ص: 498

المصنف: (التمسك بكل طرد) أى بكل وصف طردى لم يعتبره الشارع كالطول والقصر وقوله فيرد على كل منها ما هو شرط أراد بالشرط ما يليق بكل من الاعتراضات وإلا فالشرط لا معنى للاعتراض به.

الشارح: (لعمومه فى الأقيسة) أى عموم كون الوصف علة فى الأقيسة مع كون الغالب أن لا تكون قطعية.

الشارح: (بجامع يظن صحته) أى فيكون مدعيًا ظن الصحة فعليه إثباتها إذا منعها المعترض.

الشارح: (عجز المعارض عن إبطاله) أى إبطال كون الوصف علة بأن يمنع العلية مع السند بالتخلف أو يبدى وصفًا آخر وليس المراد الاستدلال على إبطال كون الوصف علة لأن ذلك غصب لمنصب الاستدلال.

الشارح: (حتى دليل الحدوث والإثبات) الغاية بهما غير صحيحة إلا إذا اعتبر أنه غاية فى عدم الصحة كما أشار إلى ذلك المحشى بقوله فإن المطلوب وإن كان حقًا لكن لا يصح دليلنا، وأما قول الشارح بك حتى دليلى المتناقضين فالغاية باعتبار أن مقتضى الصحة عند العجز أن يكون دليلا المتناقضين عند العجز صحيحين وليس كذلك.

الشارح: (كيف والسبر دليل ظاهر عام) أى يجرى فى إثبات كل علة والغرض تأييد الفرق وإن منع العلة المجرد عجز مصحح للدليل بما ذكره من قوله والسبر. . . إلخ. وحاصله أن المستدل لما كان متمكنًا من إثبات ما ادعاه من العلة بالسبر الذى هو دليل ظاهر عام فلو قلنا بتوجه منع العلة لكان للمستدل أن يثبتها بالسبر وحينئذ يضطر المعترض إلى أن يعدل عن المنع الذى اعترض به أولًا إلى إبطال العلية بمعارضة وإبداء وصف آخر فقد رجع إلى إبطال العلية فليكن الإبطال بها من أول الأمر قصرًا للمسافة.

الشارح: (فى وطء الثيب) أى الجارية الثيب التى باعها سيدها ووجد المشترى بها عيبًا بعد أن وطئها وقوله وعلى منع الرد أى مطلقًا فقد أجمع على منع الرد مجانًا وإن كان من المجمعين من أجازه مع دفع نصف عشر القيمة فى الثيب والعشر فى البكر لكن هذا الإجماع ليس قطعيًا لتصريح بعض بجواز الرد مجانًا.

ص: 499

قال: (الثامن: عدم التأثير وقسم أربعة أقسام الأول عدم التأثير فى الوصف، مثاله صلاة لا تقصر، فلا تقدَّم كالمغرب لأن عدم القصر فى نفى التقديم طردى فيرجع إلى سؤال المطالبة، الثانى: عدم الثأثير فى الأصل مثاله: فى بيع الغائب مبيع غير مرئى فلا يصح كالطير فى الهواء، فإن العجز عن التسليم مستقل وحاصله معارضة فى الأصل، الثالث: عدم التأثير فى الحكم، مثاله فى المرتدين مشركون أتلفوا مالًا فى دار الحرب فلا ضمان كالحربى ودار الحرب عندهم طردى فيرجع إلى الأول، الرابع: عدم التأثير فى الفرع، أمثاله زوجت نفسها فلا يصح كما لو زوجت من غير كفء، وحاصله كالثانى، وكل فرض جعل وصفًا فى العلة مع اعترافه بطرد مردود بخلاف غيره على المختار فيهما).

أقول: عدم التأثير عبارة عن إبداء وصف لا أثر له وقسمه الجدليون أربعة أقسام:

فأعلاها: ما يظهر عدم تأثير الوصف مطلقًا ثم أن يظهر عدم تأثيره فى ذلك الأصل ثم أن يظهر عدم تأثير قيد منه ثم أن لا يظهر شئ من ذلك لكن لا يطرد فى محل النزاع فيعلم سنه عدم تأثيره وخصوا كل قسم باسم تمييزًا لبعضها عن بعض وتسهيلًا للعبارة عنها باختصار فالأول وهو ما كان فيه الوصف غير مؤثر يسمى عدم التأثير فى الوصف مثاله: أن يقال فى الصبح لا يقصر فلا يقدم إذ أنه كالمغرب فيقال عدم القصر لا تأثير له فى عدم تقديم الأذان فإنه لا مناسبة ولا شبه فهو وصف طردى ولا يعتبر اتفاقًا ولذلك استوى المغرب وغيره مما يقصر فى ذلك ومرجعه المطالبة بكون العلة علة.

القسم الثانى: وهو أن يكون الوصف غير مؤثر فى ذلك الأصل للاستغناء عنه بوصف آخر ويسمى عدم التأثير فى الأصل مثاله: أن يقول فى بيع الغائب مبيع غير مرئى فلا يصح بيعه كالطير فى الهواء فيقول المعترض كونه غير مرئى وإن ناسب نفى الصحة فلا تأثير له فى مسألة الطير لأن العجز عن التسليم كاف فى منع الصحة ضرورة استواء المرئى وغير المرئى فيها ومرجعه المعارضة فى العلة بإبداء علة أخرى وهو العجز عن التسليم.

الثالث: أن يذكر فى الوصف العلل به وصفًا لا تأثير له فى الحكم المعلل ويسمى عدم التأثير فى الحكم مثاله أن يقول الحنفية فى مسألة المرتدين إذا أتلفوا

ص: 500

أموالنا مشركون أتلفوا مالًا فى دار الحرب فلا ضمان عليهم كسائر المشركين، فيقول المعترض: دار الحرب لا تأثير له عندكم ضرورة استواء الإتلاف فى دار الحرب ودار السلام فى إيجاب الضمان عندهم ومرجعه إلى مطالبه تأثير كونه فى دار الحرب فهو كالأول.

الرابع: أن يكون الوصف المذكور لا يطرد فى جميع صور النزاع، وإن كان مناسبًا ويسمى عدم التأثير فى الفرع مثاله أن يقال فى تزويج المرأة نفسها زوجت نفسها بغير إذن وليها، فلا يصح، كما زوّجت من غير كفء فيقول المعترض كونه غير كفء لا أثر له فإن النزاع واقع فيما زوجت من كفء ومن غير كفء وحكمهما سواء فلا أثر له ومرجعه إلى المعارضة بوصف آخر وهو تزويج فقط فهو كالثانى، واعلم أن حاصل ما ذكر أن الأقسام الأربعة الأول والثالث منها يرجعان إلى منع العلة والثانى، والرابع إلى المعارضة فى الأصل بإبداء علة أخرى والأول قد مر والثانى سيأتى فليس هو سؤالًا برأسه، وقد يقال إن ذلك لعدم التمييز بين ما يقصد به منع العلية ليدل عليها وبين الدليل على عدمها وكذا بين إبداء ما يوجب احتمال علية الغير وبين ما يوجب الجزم به قوله وكل فرض لما كان حاصل القسم الرابع وجود قيد طردى فى الوصف المعلل به وهو كونه غير كفء ذكر ذلك قاعدة تتعلق به وهى أن كل ما فرض جعله وصفًا فى العلة من طردى هل هو مردود عند المناظرين فلا يجوزونه أما إذا كان المستدل معترفًا به طردى فالمختار أنه مردود لأنه فى كونه جزء العلة كاذب باعترافه وأنه لحد قبيح وقيل ليس بمردود لأن الغرض استلزام الحكم فالجزء إذا استلزم الحكم فالكل مستلزم قطعًا وأنه إذا لم يكن معترفًا بأنه طردى فالمختار أنه غير مردود لجواز أن يكون فيه غرض صحيح كدفع النقض الصريح إلى النقض المكسور وهو أصعب بخلاف الأول فإنه معترف بأنه غير مؤثر وأن العلة هو الباقى فيرد النقض كما لو لم يذكره والتفوه به لا يجديه نفعًا فى دفع النقض وقيل مردود لأنه لغو وإن لم يعترف به وقد عرف الفرق.

قولد: (إبداء وصف لا أثر له) أى إبداء المعترض فى قياس المستدل وصفًا لا أثر له فى إثبات الحكم بأن يظهر عدم تأثيره مطلقًا أو فى ذلك الأصل أو يظهر عدم

ص: 501

تأثير قيد منه أو يعلم عدم تأثيره بعدم اطراده فى محل النزاع بناء على أن التأثير مستلزم للاطراد فكل أخص مما بعده فلذا كان أعلى أى أقوى فى إبطال العلية.

قوله: (فهو كالثانى) أى عدم التأثير فى الأصل إذ لا تأثير للوصف فى ذلك الوصف استغناء عنه بوصف آخر فمرجعه إلى معارضة وصف كونه من غير كفء بوصف آخر هو مجرد تزويج المرأة نفسها من غير اعتبار للكفاءة وعدمها وفى المنتهى أنه كالثالث يعنى عدم التأثير فى الحكم لأن المستدل جعل الوصف تزويجًا لم يراع الولى فيه كفاءة الزوج فيقول المعترض فيه عدم الكفاءة مما لا تأثير له لأن تزويجها نفسها باطل عندكم سواء كان من كفء أو من غير كفء وبالجملة ينبغى أن يكون المراد بقوله زوجت نفسها أى من غير كفء على ما صرح به فى المنتهى ليتحقق الاشتراك فى الوصف وإن لم يكن فى المتن والشرح إشعار بذلك وأن يكون قوله كما زوجت من غير كفء على لفظ المبنى للمفعول ليتحقق المغايرة بين الأصل والفرع وفى بعض الشروح أن المراد زوجت نفسها مطلقًا فلا يصح كما إذا زوّجت نفسها من غير كفء والاعتراض أن ليس المؤثر فى الأصل تزويجها نفسها مطلقًا بل مع قيد كونه من غير كفء.

قوله: (والأول) أى منع العلة قد مر إذ هو ثانى اعتراضات النوع الذى نحن بصدده والثانى أن المعارضة فى الأصل ستأتى إذ هو عاشرها.

قوله: (وقد يقال) يعنى أن حاصل الأول والثالث من هذه الأقسام الأربعة ليس مجرد منع العلية وطلب إقامة الدليل عليها بل إثبات عدم علية الوصف مطلقًا أو فى ذلك الأصل وفرق بين منع العلية لقيام الدليل عليها وبين إقامة الدليل على عدمها وكذا حاصل الثانى والرابع ليس مجرد المعارضة فى الأصل بإبداء ما يحتمل أن يكون من العلة بل إثبات أن العلة هى ذلك الغير وفرق بين إبداء ما يحتمل العلية وإبداء ما هو العلة قطعًا.

قوله: (وقال فرض) من الشارحين من فسر هذا المقام بما يشهد بأنه لم يفهمه وآخرون اعترفوا بعدم الفهم فلذا بالغ المحقق فى توضيحه بما لا مزيد عليه فقوله وهو أصعب يريد أن إيراد النقض المكسور أصعب على المعترض من إيراد النقض الصحيح لأن فيه بيان عدم تأثير بعض أجزاء الوصف وبيان نقض البعض الآخر وفى النقض الصريح ليس إلا بيان نقض الوصف أعنى ثبوته فى صورة مع عدم

ص: 502

الحكم فيها وقوله بخلاف الأول متعلق بقوله لجواز أن يكون يعنى أن المستدل إذا لم يكن معترفًا بكون الوصف طرديًا لجواز أن يكون له فى ضم الوصف الطردى إلى العلة غرض صحيح بأن لا يوجد المجموع مع عدم الحكم بخلاف ما إذا قال معترفًا بأن الوصف المضموم طردى فإن ذلك اعتراف بأنه لا مدخل له فى العلية وأن العلة هى ذلك الأمر الذى فرض الطردى وصفًا فيه فحينئذٍ يسهل النقض بإيراد صورة يوجد فيها مجرد ذلك الأمر ولا يوجد الحكم وتلفظه بأن العلة هى المجموع مع اعترافه بذلك لا يفيده، وقوله لأنه أى الوصف الطردى المضموم إلى ما هو العلة لغو سواء اعترف المستدل بذلك أو لم يعترف والجواب أنه إذا لم يعترف بذلك يجوز أن يتعلق له به غرض صحيح بخلاف ما إذا اعترف فافترقا.

المصنف: (لأن عدم القصر طردى) أى لا مناسبة فيه للحكم أصلًا وهو غير معتبر اتفاقًا وقوله فيرجع إلى سؤال المطالبة أى الذى هو الاعتراض الثانى فى الاعتراضات الواردة على العلة وقوله عدم التأثير فى الحكم الفرق بين الأول وبينه أن الطردية فى الأول متفق عليها بين المتناظرين وفى هذا الطردية إنما هى إلزامية على رأى المستدل ولذا قال المصنف ودار الحربى عندهم طردى وعدم التأثير فى الحكم نشأ من القيد الذى اعتبره المستدل وقوله فلا ضمان أى إذا أسلموا وقوله فيرجع إلى الأول أى لأن كلًا فى المعنى مطالبة بالعلية وطلب للدليل عليها وقوله كما لو زوجت من غير كفؤ أى كما لو زوج الولى الصغيرة من غير كفؤ.

الشارح: (وهو كالثانى) أى فى أن كلًا راجع إلى إبداء علة أخرى وهو المطلق فيرجعان إلى المعارضة فى الأصل فالمستدل قد جعل فى المثال الرابع العلة فى الأصل تزويجها نفسها بغير كفؤ والمعترض يبدى وصفًا هو العلة وهو تزويجها نفسها مطلقًا سواء كان بغير كفؤ أو بكفؤ لأن كونه بكفؤ لا أثر له وفى التحرير: إن الرابع راجع إلى الثالث فإن المعترض إذا ألقى القيد فقد منع علية المقيد ومقصود المعترض ليس إثبات علة أخرى.

ص: 503

قال: (التاسع: القدح فى المناسبة بما يلزم من مفسدة راجحة أو مساوية وجوابه بالترجيح تفصيلًا أو إجمالًا كما سبق).

أقول: هذا أول الاعتراضات الأربعة المخصوصة بالمناسبة ويخص باسم القدح فى المناسبة وهو إبداء مفسدة راجحة أو مساوية لما مر أن المناسبة تنخرم بالمعارضة.

والجواب بترجيح المصلحة على المفسدة تفصيلًا أو إجمالًا، أما تفصيلًا فبخصوص المسألة بأن هذا ضرورى وذلك حاجى أو بأن إفضاء هذا قطعى أو أكثرى وذاك ظنى أو أقلى أو أن هذا اعتبر نرعه فى نوع الحكم وذاك اعتبر نوعه فى جنس الحكم إلى غير ذلك مما تنبهت له وأما إجمالًا فبلزوم التعبد ولولا اعتبار المصلحة وقد أبطلناه.

مثاله: أن يقول فى الفسخ فى المجلس وجد سبب الفسخ فيوجد الفسخ وذلك دفع ضرر المحتاج إليه من المتعاقدين فيقال معارض بضرر الآخر فيقول الآخر يجلب نفعًا، وهذا يدفع ضررًا ودفع الضرر أهم للعقلاء ولذلك يدفع كل ضر ولا يجلب كل نفع.

مثال آخر: إذا قلنا التخلى للعبادة أفضل لما فيه من تزكية النفس، فيقال لكنه يفوت أضعاف تلك المصلحة منها إيجاد الولد وكف النظر وكسر الشهوة، وهذه أرجح من مصالح العبادة فيقول بل مصلحة العبادة أرجح لأنها لحفظ الدين وما ذكرتم لحفظ النسل.

قوله: (هذا أول الاعتراضات) قد عرفت أن وجود المعارض للمصلحة هو القدح فى المناسبة وقد جعله عند الضبط الإجمالى ثانى اعتراضات المناسبة لكنه فى المتن أوّلها.

قوله: (لما مر) فى مسلك المناسبة أن المختار انخرام المناسبة لمفسدة تلزم راجحة أو مساوية.

قوله: (إلى غير ذلك) مثل أن هذا اعتبر نوعه فى جنسه وذاك جنسه فى جنسه وأن هذا الضرورى دينى وذاك مالى.

قوله: (وقد أبطلناه) أى التعبد حيث ذكرنا أن الأحكام مشتملة على المصالح إما تفضلًا وإما وجوبًا.

ص: 504

الشارح: (مثاله أن يقول فى الفسخ فى المجلس) أى فى خيار المجلس الذى تقول به الشافعية.

الشارح: (التخلى أفضل) أى التخلى للنوافل أفضل من التزوج وقوله لكنه يفوت أضعاف تلك المصلحة أى وذلك التفويت مفسدة راجحة لكن قوله بعد وهذه أرجح من مصالح العبادة يقتضى أن المعارض للمصلحة مصلحة أخرى راجحة وهو خلاف الفرض.

قوله: (وقد عرفت. . . إلخ) لما كان المفضى إلى المقصود هو ترتب الحكم على الوصف المناسب صح إضافة الإفضاء إلى الوصف وإلى الحكم.

ص: 505

قال: (العاشر: القدح فى إفضاء الحكم إلى المقصود كما لو علل حرمة المصاهرة على التأبيد بالحاجة إلى ارتفاع الحجاب المؤدى إلى الفجور، فإذا تأبد انسد باب الطمع المفضى إلى مقدمات الهم والنظر المفضى إلى ذلك فيقول المعترض بل سد باب النكاح أفضى إلى الفجور والنفس مائلة إلى الممنوع والنظر المفضى إلى ذلك فيقول المعترض بل سد باب النكاح أفضى إلى الفجور والنفس مائلة إلى الممنوع وجوابه أن التأبيد يمنع عادة بما ذكرناه فيصير كالطبيعى كالأمهات).

أقول: ومما يختص بالمناسب من الاعتراضات القدح فى إفضائه إلى المصلحة المقصودة من شرع الحكم له، مثاله: أن يقال فى علة تحريم مصاهرة المحارم على التأبيد أنها الحاجة إلى ارتفاع الحجاب ووجه المناسبة أنه يفضى إلى رفع الفجور وتقريره أن رفع الحجاب وتلاقى الرجال والنساء يفضى إلى الفجور وأنه يندفع بتحريم التأبيد إذ يرتفع الطمع المفضى إلى مقدمات الهم والنظر المفضية إلى الفجور فيقول المعترض لا يفضى إلى ذلك بل سد باب النكاح أفضى إلى الفجور لأن النفس حريصة على ما منعت منه، وقوة داعية الشهوة مع اليأس عن المحل مظنة الفجور.

والجواب: ببيان الإفضاء إليه بأن يقول فى المسألة التأبيد يمنع عادة ما ذكرناه من مقدمات الهم والنظر وبالدوام يصير كالأمر الطبيعى فلا يبقى المحل مشتهى كالأمهات.

قوله: (القدح فى إفضائه إلى المصلحة) الظاهر أن الضمير للحكم على ما هو صريح عبارة المتن لكن المذكور فيما سبق أن الإفضاء إلى المصلحة إنما هو من شروط الوصف المناسب وقد عرفت أن فى هذا المقام تسامحًا وأن المفضى إلى المصلحة هى شرعية ذلك الحكم كالتحريم مثلًا.

قوله: (ووجه المناسبة) أى بين تحريم مصاهرة المحارم كأم الزوجة على التأبيد وبين الحاجة إلى ارتفاع الحجاب أن التحريم يفضى إلى رفع الفجور من جهة أن التحريم على التأبيد يرفع الطمع المفضى إلى الهم والنظر المفضى إلى الفجور فيعترض بأن التحريم على التأبيد لا يفضى إلى رفع الفجور بل ربما يفضى إلى الفجور لكونه عبارة عن سد باب النكاح والمنع عنه والإنسان حريص على ما منع.

ص: 506

قال: (الحادى عشر: كون الوصف خفيًا كالرضا والقصد والخفى لا يعرف الخفى وجوابه ضبطه بما يدل عليه من الصيغ والأفعال)

أقول: ثالث اعتراضات المناسبة كون الوصف غير ظاهر كالرضا فى العقود والقصد فى الأفعال والجواب ضبطه بصفة ظاهرة كضبط الرضا بصيغ العقود وضبط العمد بفعل يدل عليه عادة كاستعمال الجارح فى القتل.

قوله: (كون الوصف غير ظاهر) قد سبق أن من شرط المناسب كونه وصفًا ظاهرًا لأن الغيب لا يعرف الغيب فلا حاجة ههنا إلى ما ذكر فى المتن أن الخفى لا يعرف الخفى ومع ذلك فمعناه أنه لا يعرف الحكم الخفى لا الحكمة الخفية على ما فى بعض الشروح لأن العلل إنما هى أمارات ومعرفات للأحكام التى هى غيب عنا لا للحكم والمصالح وإنما توهم ذلك من جهة أن الوصف الذى هى الحكمة إذا كان خفيًا ليضبط بظاهر يعرفه ويدل عليه عادة كصيغ العقود على الرضا واستعمال الجارح على العمد وما وقع فى بعض الشروح أنه يضبط بالأمور الظاهرة من الصيغ والأفعال الموضوعة على للدلالة على الأمور الباطنة موهم أنه فهم من الأفعال الفعل النحوى.

قوله: (من جهة أن الوصف الذى هو الحكمة) أى الباعث.

قوله: (بظاهر يعرفه ويدل عليه) أى مبنى على ذلك أى أن المعرف هو الحكمة بمعنى الباعث مع أن المعرف هو الحكم.

ص: 507

قال: (الثانى عشر: كونه غير منضبط كالتعليل بالحكم والمقاصد كالحرج والمشقة والزجر فإنها تختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال وجوابه إما أنه منضبط بنفسه أو بضابط كضبط الحرج بالسفر ونحوه).

أقول: ورابع اعتراضات المناسب كون الوصف غير منضبط كالحكم والمصالح مثل الحرج والمشقة والزجر فإنها أمور ذوات مراتب غير محصورة ولا متميزة وتختلف بالأشخاص والأحوال والأزمان فلا يمكن تعيين القدر المقصود منها، وجوابه أنه إما منضبط بنفسه كما تقول فى المشقة والمضرة: إنه منضبط عرفًا، وإما بضبطه بوصف كالمشقة بالسفر والزجر بالحدود.

قوله: (مثل الحرج والمشقة) معلوم أنهما ليسا من الحكم والمصالح بل المراد أن قصر الصلاة وجواز الإفطار مثلًا فى مظان الحرج والمشقة حكمة ومصلحة ثم الظاهر أن ليس بين الحرج والمشقة كثير فرق فلذا قال كالمشقة بالسفر من غير تعرض للحرج.

المصنف: (كالتعليق بالحكم والمقاصد) ظاهر عبارة التحرير وشرحه أن المراد بالحكم البواعث وبالمقاصد المصالح المرتبة على الحكم المرتب على العلة بمعنى الوصف الظاهر المنضبط وقوله كالحرج والمشقة راجع للحكم وقوله والزجر راجع للمقاصد ولكن الذى فهمه المحشى أن المراد بالحكم والمقاصد واحد هو المصلحة المترتبة حيث قال معلوم أن الحرج والمشقة ليسا من الحكم والمصالح بل المراد أن قصر الصلاة وجواز الإفطار مثلًا فى مظان الحرج والمشقة حكمة ومصلحة.

ص: 508

قال: (الثالث عشر: النقض كما تقدَّم وفى تمكين المعترض من الدلالة على وجود العلة إذا منع ثالثها يمكن ما لم يكن حكمًا شرعيًا، رابعها ما لم يكن طريق أولى بالقدح. قالوا: لو دل المستدل على وجود العلة بدليل موجود فى محل النقض فنقض المعترض ثم منع وجوهًا فقال المعترض ينتقض دليلك لم يسمع لأنه انتقل من نقض العلة إلى نقض دليلها وفيه نظر أما لو قال يلزمك إما انتقاض علتك أو انتقاض دليلها كان متجهًا ولو منع المستدل تخلف الحكم ففى تمكين المعترض من الدلالة، ثالثها يمكن ما لم يكن طريق أولى).

أقول: النقض كما علمت عبارة عن ثبوت الوصف فى صورة مع عدم الحكم فيها ويمكن فى جوابه منع كل واحد منهما فليجعل البحث فيه قسمين:

القسم الأول: فيما يمنع المستدل وجود الوصف فى صورة النقض وهو وارد بالاتفاق، وفيه بحثان:

الأول: هل للمعترض أن يدل على وجوده حينئذٍ أو ابتداء؟ قيل: نعم إذ به يتم إبطال دليل الخصم وقيل لا فإنه انتفال من الاعتراض إلى الاستدلال وقيل إن كان حكمًا شرعيًا فلا لأن الاشتغال بإثبات حكم شرعى هو الانتقال بالحقيقة وهو غير جائز وإلا فنعم، لظهور أمر تتميمه لدليله وقيل لا ما دام له طريق فى القدح أولى من النقض وأما إذا لم يكن له طريق أولى به فجائز وذلك لأن غصب المنصب والانتقال إنما ينفيان استحسانًا فإذا وجد الأحسن لم يرتكبهما وإلا فالضرورة تجوزهما.

البحث الثانى: إذا كان المستدل قد ذكر على وجود العلة فى الأصل دليلًا موجودًا فى محل النقض ونقض المعترض العلة فقال المستدل لا نسلم وجودها فقال المعترض فينتقض دليلك لوجوده فى محل النقض بدون مدلوله وهو وجود العلة فقد قال الجدليون لا يسمع هذا من المعترض لأنه انتقل من نقض العلة إلى نقض دليلها، قال المصنِّفُ وفيه نظر ولعل ذلك أن القدح فى دليل العلة قدح فى العلة وهو مطلوبه فلا يقال هذا إذا ادعى انتقاض دليل العلة معينًا ولو ادعى أحد الأمرين، فقال يلزم إما انتقاض العلة وإما انتقاض دليلها، وكيف كان لا يثبت العلية كان مسموعًا بالاتفاق فإن عدم الانتقال فيه ظاهر.

القسم الثانى: فيما يمنع المستدل عدم الحكم فى صورة النقض وهو وارد اتفاقًا

ص: 509

وهل للمعترض إقامة الدليل على عدم الحكم قيل نعم إذ به يحصل مطلوبه وقيل لا لأنه انتقال وقيل نعم إذا لم يكن له طريق أولى بالقدح كما تقدَّم.

قوله: (على وجوده) أى وجود الوصف فى صورة النقض حينئذٍ أى حين منع المستدل وجوده أو ابتداء أى قبل منعه.

قوله: (إذ به) أى بوجود الوصف فى صورة النقض يحصل النقض فيتم إبطال دليل الخصم فكما أنه متمكن من إبطال فكذا من متمماته.

قوله: (وإلا) أى وإن لم يكن وجود الوصف فى صورة النقض حكمًا شرعيًا فيعم أى للمعترض أن يقيم الدليل على وجوده لأن كون هذا تتميمًا لمطلوبه لا انتقالًا إلى مطلوب آخر أمر ظاهر بخلاف ما إذا كان حكمًا شرعيًا فإن جانب الانتقال فيه أظهر فضمير تتميمه ودليله للمعترض واللام متعلق بتتميمه والمراد دليله على نفى العلية وعلى بطلان قياس المستدل وجمهور الشارحين على أن المراد أن المذهب الثالث هو التفصيل بأن الحكم المختلف فيه إن كان حكمًا عقليًا للمعترض أن يدل على وجود الوصف فى صورة النقض لأنه يقدح فيه فتحصل فائدة وإن كان حكمًا شرعيًا فلا لعدم الفائدة إذ للمستدل أن يقول يجوز أن يكون تخلف الحكم لوجود مانع أو انتفاء شرط فيجب الحمل عليه جمعًا للدليلين دليل الاستنباط ودليل التخلف فلا تبطل العلة بخلاف الحكم العقلى فإن هذا لا يتمشى فيه ولا يخفى ضعف هذا الكلام.

قوله: (وهو مطلوبه) أى القدح فى العلة مطلوب المعترض وفى بعض الشروح وجه النظر أن هذا انتقال من اعتراض وغير المسموع وهو الانتقال من الاعتراض والاستدلال.

قوله: (وكيف كان) أى سواء كان للازم انتقاض العلة أو انتقاض دليلها لم تثبت العلية أما على الأول فلما مر أن النقض يبطل العلية وأما الثانى فلأنه لا بد لثبوت العلية من مسلك صحيح، وأما ما قال إن انتقاض دليل العلة يستلزم انتقاض العلة فظاهر البطلان.

قوله: (كما تقدَّم) من أنه إذا كان له طريق فى القدح أولى من النقض لم يسمع

ص: 510

من المعترض إقامة الدليل على وجود الوصف فى صورة النقض وإذا لم يكن يسمع لمكان الضرورة فكذا إقامة الدليل على انتفاء الحكم إلا فى المستثنات وهى الصور التى ينتفى فيها الحكم وتوجد العلة أية كانت من العلل المعتبرة فى حكم المسألة على اختلاف المذاهب فإنه لا نزاع فى أن ورود النقض على سبيل الاستثناء لا يفيد العلة كالعرايا وضرب الدية على العاقلة لأنه لما ورد على كل مذهب كان مجامعًا لما هو عليه ولهذا اتفقوا على أن المستثنى لا قياس عليه ولا تناقض به.

ص: 511

قال: (والمختار لا يجب الاحتراز من النقض، وثالثها إلا فى المستثنيات لنا أنه سئل عن الدليل وانتفاء المعارض ليس منه وأيضًا فإنه وارد وإن احترز اتفاقًا).

أقول: هل يلزم المستدل أن يحترز فى متن الاستدلال من النقض بأن يذكر قيدًا يخرج محل النقض؟ قيل يلزمه لئلا ينتقض العلة وقيل يلزمه إلا فى المستثنيات، وهى ما يرد على كل علة فإذا قال فى الأرز مطعوم فيجب فيه التساوى كالبر فلا حاجة إلى أن يقول ولا حاجة تدعو إلى التفاضل فيه فيخرج العرايا فإنه وارد على كل تقدير سواء عللنا بالطعم أو القوت أو الكيل فلا تعلق له بإبطال مذهب وتصحيح آخر، والمختار أنه لا يجب أصلًا، لنا أنه سئل عن دليل العلية التزمه ووفى به والنقض دليل عدم العلية فهو بالحقيقة معارضة ونفى المعارض ليس من الدليل فهو غير ملتزم له فلا يلزمه، ولنا أيضًا أن ذكره إنما كان لئلا يرد النقض وذلك إنما يصح إذا لم يرد النقض معه وليس كذلك فإنه وارد معه اتفاقًا بأن نقول هذا وصف طردى والباقى منتقض.

قوله: (سئل عن دليل العلية) تقرير أول الوجهين على ما فى الشروح أنه إنما سئل عن الدليل المقتضى للحكم وانتفاء المعارض ليس منه لأن الدليل هو الوصف المؤثر لا غير والمعنى بالمعارض ما لأجله تخلف الحكم فى صورة النقض ولو كان انتفاؤه من العلة لما كان الوصف المفروض نفس العلة بل جزأها وتقرير ثانيهما أن النقض وارد اتفاقًا وإن احترز عنه فالاحتراز ملغى وفى بعض الشروح أن النقض إن لم يكن حاصلًا فى نفس الأمر فقد تم الدليل وإن كان حاصلًا فلا يتم احتراز عنه لفظًا أو لا والغرض من إيراد أمثال هذه المباحث أن يظهر لك قوة تصرف الشارح المحقق فى الدقائق وحسن تقصيه عن المضائق.

ص: 512

قال: (وجوابه ببيان معارض اقتضى نقيض الحكم أو خلافه لمصلحة كالعرايا وضرب الدية أو لدفع مفسدة آكد كحل الميتة للمضطر فإن كان التعليل بظاهر عام حكم بتخصيصه وتقدير المانع كما تقدَّم).

أقول: لما فرغ من بحث النقض بجزءيه بين وجه الجواب عنه وهو بإبداء المانع، أعني بيان وجود معارض فى محل النقض اقتضى نقيض الحكم كنفى الوجوب للوجوب أو خلافه كالحرمة للوجوب وذلك إما لتحصيل مصلحة أو دفع مفسدة، أما تحصيل المصلحة فكما فى العرايا إذا أوردت على الربويات لعموم الحاجة إلى الرطب والتمر وقد لا يكون عندهم ثمن آخر وكضرب الدية على العاقلة إذا أورد على الزجر بشرع الدية لمصلحة أولياء المقتول مع عدم تحميل القاتل ما لم يقصد به القتل وكون أوليائه يغنمون بكونه مقتولًا فليغرموا بكونه قاتلًا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:"ما لك غنمه فعليك غرمه" وأما دفع المفسدة فكما علل حرمة الميتة بقذارته فإذا أورد المضطر قيل ذلك لدفع مفسدة هلاك النفس وهو أعظم من كل المستقذر هذا كله إذا لم تكن العلة منصوصة بظاهر عام وأما إن كانت كذلك فلا يجب إبداء المانع بعينه بل يحكم بتخصيصه بغير محل النقض ويقدر المانع بجذب مصلحة أو دفع مفسدة، فيكون تخصيصًا للعموم لا للعلة، فإنه أهون وقد تقدَّم ما فيه كفاية.

قوله: (لما فرغ) يشير إلى أن المراد بجواب النقض الجواب عنه بعدم تحققه حتى أن منع أحد جزأيه لا يكون جوابًا عنه بل دفعًا لتحققه.

قوله: (وذلك) أى اقتضاء المعارض نقيض الحكم أو خلافه قد يكون لتحصيل مصلحة أولى ودفع مفسدة أوكد وبهذا يظهر أن فى عبارة المتن اقتصارًا بحذف المعطوف عليه ونقض العرايا من قبيل نقض الحكم باعتبار وجوب التساوى وعدمه أو حرمة التفاضل وعدمها وأما وجوب الدية على العاقلة فيحتمل أن يجعل من قبيل اقتضاء خلاف الحكم لظهور أن وجوب دية مخففة على العاقلة حكم مخالف لوجوب دية مغلظة على العاقلة فقوله لعموم الخاصة متعلق بقوله كما فى العرايا وقوله لمصلحة أولياء المقتول متعلق بقوله كضرب الدية إشارة إلى تحصيل المصلحة وأن نفس ضرب الدية لمصلحة أولياء المقتول وكونها ليست على القاتل لعدم قصده وكونها على أوليائه لكون الغرم بالغنم وصورة المضطر من قبيل خلاف الحكم لأن

ص: 513

الإباحة خلاف الحرمة ثم الصور المذكورة كلها من قبيل المستثنيات ومثله كاف فى التمثيل.

قوله: (فإنه) أى تخصيص عموم اللفظ أهون من تخصيص العلة لأن دلالة العام ظاهرة كثر فيها التخصيص بخلاف العلة وقد تقدَّم فى بحث شرائط العلة حيث قال فيجب تقدير المانع.

الشارح: (إذا أورد على الزجر بشرع الدية) أى أن القاتل عمدًا قد شرع له الدية زجرًا والزجر ليس موجودًا فى قتل الخطأ وقد أوجبوا الدية على العاقلة ولكن روعى فى ذلك مصلحة أولياء المقتول وفيه أنه لا معنى للنقض لأنه لم توجد العلة فى الخطأ وتخلف عنها الحكم لأن الزجر إنما هو قتل العمد والخطأ مخالف للعمد فلا نقض ولا قياس فتأمل.

الشارح: (مع عدم تحمل القاتل هذا على مذهب الشافعية) أما غيرهم فالقاتل كواحد من العاقلة.

الشارح: (وقد تقدم ما فيه كفاية) أى فى قول المصنف وفى النقض وهو وجود المدعى علة مع تخلف الحكم ثالثها إلى أن قال: وإن كانت منصوصة فبظاهر عام فيجب تخصيصه كعام وخاص ووجب تقدير المانع وحاصله أن النص الظاهر العام يجب تخصيصه بغير صورة النقض لأن ذلك النص عام يدل على العلية فى محل النقض وغيره وعدم الحكم خاص يدل على عدم العلية فى محل النقض وإذا تعارض عام وخاص خصص العام.

قوله: (وبهذا يظهر أن فى عبارة المتن اقتصارًا بحذف المعطوف عليه) لعله بحذف صفة المعطوف عليه وهو لفظ أولى وأما المعطوف عليه فهو لفظ المصلحة وهو مذكور وقوله من قبيل نقيض الحكم تحريف وصوابه من قبيل اقتضاء نقيض الحكم.

ص: 514

قال: (الرابع عشر: الكسر وهو نقض المعنى والكلام فيه كالنقض).

أقول: الكسر وهو نقض المعنى وحاصله وجود المعنى فى صورة مع عدم الحكم فيه وقد علمت هل يسمع ومتى يسمع فحيث يسمع فهو كالنقض والكلام فيه كالكلام فيه من الأجوبة الثلاثة والكلام عليها سؤالًا وجوابًا، واختلافًا واختيارًا فلا يتكرر.

ومثاله: ما مر من الترخص للسفر لحكمة المشقة فيكسر بالحمال، واعلم أن منع وجود العلة ههنا أظهر منه فى النقض لما مر أن قدر الحكمة يتفاوت فقد لا يحصل ما هو مناط الحكم منه فى الأصل فى الفرع ومنع بقاء الحكم ههنا قد يدفع بوجه آخر وهو أنه لم لا يجوز أن يثبت حكم هو أولى بالحكمة، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك كله فى موضعه.

قوله: (وهو نقض المعنى) أى وجود الحكمة المقصودة من الوصف مع عدم الحكم وقد علمت فى بحث شروط العلة أن المختار أنه لا تبطل العلية فلا تسمع إلا إذا علم وجود قدر الحكمة أو أكثر ولم يثبت حكم آخر أليق بتحصيل الحكم منه وحينئذٍ هو كالنقض فيجاب أولًا بمنع وجود المعنى وثانيًا بمنع عدم الحكم كيلا يتحقق وإذا تحقق يجاب بإبداء المانع وحينئذٍ فهل للمعترض أن يدل على وجود المعنى فيه أربعة مذاهب وعلى وجود الحكم فيه ثلاثة مذاهب وهل يجب الاحتراز عن الكسب فى متن الاستدلال المختار أنه لا يجب.

قوله: (فقد لا يحصل) أى فى الفرع ما هو المناط للحكم فى الأصل من قدر الحكمة بخلاف نفس الوصف فإنه لا يتفاوت.

قوله: (ومنع انتفاء الحكم) قد عرفت أن ليس للمستدل فى رفع انتفاء الحكم فى صورة النقض سوى المنع وبيان المانع وأما فى الكسب فله أن يدفعه لأن انتفاء الحكم مع وجود الحكم لا يصلح اعتراضًا على عليتها لجواز أن يكون قد شرع فى صورة الكسر لتحصيل تلك الحكمة حكم آخر هو أولى بها كما إذا قال العلل، إنما قطع اليد باليد للزجر فيقول المعترض حكمة الزجر قائمة فى القتل العمد العدوان مع أنه لا قطع فيجيب العلل بأنه قد شرع فيه حكم آخر هو أليق وأشد زجرًا من القطع وهو القتل وقد سبق تحقيق ذلك.

ص: 515

الشارح: (واعلم أن منع وجود العلة. . . إلخ) المراد منع العلة بمنع الحكمة المقتضية لاعتبارها علة ثم الكلام على تقدير سماع الكسر.

قوله: (سوى المنع) أى لدفع تحققه وقوله أو بيان المانع أى بعد تحققه.

ص: 516

قال: (الخامس عشر: المعارضة فى الأصل بمعنى آخر إما مستقل كمعارضة الطعم بالكيل أو القوت أو غير مستقل كمعارضة القتل العمد العدوان بالجارح والمختار قبولها لنا لو لم تكن مقبولة لم يمتنع التحكم لأن المدعى علة ليس بأولى بالحرمة أو بالاستقلال من وصف المعارضة فإن رجح بالتوسعة منع الدلالة ولو سلم عورض بأن الأصل انتفاء الأحكام وباعتبارهما معًا وأيضا فلما ثبت أن مباحث الصحابة كانت جمعًا وفرقًا، قالوا: استقلالهما بالمناسبة يستلزم التعدد قلنا تحكم باطل كما لو أعطى قريبًا عالمًا).

أقول: معنى المعارضة فى الأصل هو أن يبدى المعترض معنًى آخر يصلح للعلية مستقلًا أو غير مستقل بل جزءًا أما المستقل فيحتمل أن يكون علة مستقلة دون الأول وأن يكون جزء علة فهو مع الأول علة مستقلة وعلى التقديرين فلا يحصل الحكم بالأول وحده، مثاله أن يعلل حرمة الربا بالطعم فيعارضه بالقوت أو الكيل وأما غير المستقلة فيحتمل أن يكون جزء العلة فينفى استقلال الأول، مثاله: أن يعلل القصاص فى المحدد بكونه قتلًا عمدًا عدوانًا فيعارضه بكونه بالجارح فإنه لما جاز أن تكون العلة الأوصاف المذكورة مع قيد كونه بالجارح لم يتعد إلى المثقل ثم اختلف فى قبول هذه المعارضة ولنا قبولها لنا لو لم تقبل لم يمتنع التحكم واللازم باطل ضرورة واتفاقًا، بيان الملازمة أن الوصف المبدى فى الصورة الأولى يصلح للاستقلال والجزئية كالوصف المدعى علة والمبدى فى الصورة الثانية يصلح جزءًا للعلة كما يصلح الوصف المدعى علة وقيوده كذلك فكان الحكم باستقلال المدعى أو جزئيته دون المبدى تحكمًا فإن قيل لا تحكم مع الرجحان ووصف التعليل راجح إذ فى اعتباره دون وصف المعارضة توسعة فى الأحكام لأنه إذا اعتبر تعدى الحكم إلى الفرع ولو اعتبر الآخر وهو أنه لا يوجد فى الفرع لم يتعد قلنا لا نسلم دلالة حصول التوسعة بكونه علة على كونه علة نعم يصلح ذلك مرجحًا لدليل لو كان قد ثبت عليتها والكلام فيه ولو سلم فهو معارض بما يرجح اعتبار وصف المعارضة وهو أن إلغاءه فيه إثبات حكم الفرع على خلاف الأصل لأن الأصل انتفاء الأحكام وأن اعتباره فيه جمع للدليلين وهو أولى من إلغاء واحد ولنا أيضًا بالنقل أن مباحث الصحابة رضوان اللَّه عليهم كانت جمعًا وفرقًا ومن تأمل كتب السير وتتبع تفاصيل الآثار لم يخف عليه ذلك وما ذلك إلا بتعميم بعضية وصف وتخصيص

ص: 517

بعضية آخر والنظر فى أن العلة أيما هى وذلك إجماع على إبداء وصف فارق وقبوله وهو المراد.

قالوا: المفروض استقلال كل واحد منهما بالعلية وهو يستلزم تعدد العلة فيصار إليه وحينئذ يكون ما ذكرناه علة مستقلة وعلية غيره غير ضائرة.

والجواب: لما احتمل استقلالهما والتعدد وجزئيتهما والوحدة كان الحكم بالاستقلال والتعدد تحكمًا محضًا وأنه باطل وذلك كما لو أعطى قريبًا عالمًا فإنه يمكن أن إعطاءه لقرابته أو لعلمه أو لهما فالحكم بأحد الثلاثة تحكم.

قوله: (مستقلًا أو غير مستقل) تفصيل للصلوحية يعنى أن الوصف المعارض به إما أن يصلح للاستقلال بالعلية أو لا والثانى لا يحتمل أن يكون علة مستقلة بل غايته احتمال أن يكون جزء علة والأول يحتمل أن يكون علة بالاستقلال وأن يكون جزء علة بأن تكون العلة هى الوصف المعارض والمعارض به جميعًا وهذا التفصيل وإن لم يكن إليه إشارة فى المتن لكن فيه فائدة تظهر فى تقرير دليل المختار فإذا علل المستدل حرمة الربا بالطعم فمعارضة المعترض بالقوت يحتمل أن يكون باعتبار أن القوت هى العلة وحده أو العلة هى مجموع الطعم والقوت وإذا علل القصاص فى الحدد بالقتل العمد العدوان فمعارضته بالجارح لا تحتمل سوى أن يكون هو جزء العلة لأنه لا يصلح للاستقلال وحاصل الكلام أن فى التقسيم الأول الاستقلال فى الصلوح وفى الثانى الوجود.

قوله: (فى قبول هذه المعارضة) يعنى المعارضة فى الأصل على ما يشهد به استدلال الطرفين لا القسم الثانى منها خاصة على ما ذهب بعض الشارحين.

قوله: (بيان الملازمة) تقريره على ما ذكره العلامة أن وصف المستدل ليس أولى بالاستقلال من الجزئية لأنه كما احتمل أن يكون كل من وضع المستدل والمعارض علة بدليل المناسبة احتمل أن يكون المجموع علة بالمناسبة فالحكم بكون وصف المستدل علة مستقلة لا جزء علة تحكم وعلى هذا لفظ من وصف المعارضة لغو لأن الأولوية إنما هى بين الاستقلال والجزئية لا بين وصفى المستدل والمعارض وعلى ما فى بعض الشروح أن الدليل دال على علية كل من وصفى المستدل والمعارض سواء كان كل مستقلًا كالطعم والقوت أو غير مستقل كما إذا علل بالقتل العمد العدوان

ص: 518

فزاد المعارض قيد كونه بالجارح حتى يكون المجموع علة فإنه إذا لم يقبل وجعل أحد الوصفين علة لزم ترجح أحد الجائزين ثم قال: وعبارة المصنِّف أعنى الدليل وبيان الملازمة وافق عقد المسألة فى العموم لا التمثيل فإن قوله ليس بأولى بالجزئية أو بالاستقلال يشمل ما إذا كان الوصف المدعى علته مركبًا والمعترض أخذ جزءًا منه وادعى الاستقلال وما إذا كان المدعى علة وصفًا وضم المعترض إليه وصفًا آخر وعلى هذا لا يكون قوله وصف المعارضة زائدًا وقال بعض الشارحين لو كان قوله ليس بأولى بالجزئية أو بالاستقلال شاملًا لما إذا كان الوصف المدعى علة مركبًا والمعترض أخذ جزءًا منه وادعى الاستقلال لزم أن لا تقبل المعارضة لأنه لا يكون إثبات علية جزء المدعى علته يلزم الحكم فى الفرع ضرورة وجود الجزء الذى هو العلة المستقلة على زعم المعترض فيه وأما على تقرير الشارح المحقق فحاصله أن الصلوح للاستعمال والجزئية جميعًا أو للجزئية فقط مشترك بين وصفى المستدل والمعارض فتخصيصه بوصف المستدل تحكم فقوله الوصف المبدى يعنى الوصف المعارض فى الصورة الأولى يعنى فيما إذا كان يصلح للعلية مستقلًا سواء كان علة مستقلة أو جزء علة يصلح للاستقلال أى يحتمل أن يكون علة مستقلة دون الأول وللجزئية أى يحتمل أن يكون جزء علة بأن يكون مع الأول علة مستقلة كما أن الوصف المدعى علة أعنى وصف المستدل يصلح لذلك والوصف المبدى فى الصورة الثانية فيما إذا كان لا يصلح للعلية إلا غير مستقل يصلح أى يحتمل أن يكون جزء علة كما أن الوصف المدعى علة وكلًا من قيوده كالعمد والعدوان مثلًا يصلح لذلك أى لكونه جزء علة فكان الحكم بالاستقلال المدعى يعنى وصف المستدل أو جزئيته دون استقلال المبدى يعنى وصف المعارض أو جزئيته تحكمًا لتساويهما فى الصلوح من غير مرجح فى الوجود.

قوله: (فإن قيل) لما كان مبنى لزوم التحكم على تساوى وصف المستدل المعبر عنه بوصف التعليل ووصف المعترض المعبر عنده بوصف المعارضة من غير ترجيح كان وجه السؤال أن وصف المستدل لما فيه من التوسعة أولى بالعلية ووجه الجواب أنا لا نسلم دلالة حصول التوسعة بالوصف على كونه علة كيف وفيه شائبة دور ضرورة توقف العلم بكل منهما على الآخر ولو سلم أنه يدل عليه أو أن ذلك بمجرد الترجيح دون الدلالة ضرورة ثبوت العلية بالمناسبة ونحوها عورض بترجيح

ص: 519

وصف المعارضة بأن فى إلغائه لزوم مخالفة الأصل أعنى عدم الحكم وفى اعتباره لزوم موافقة الأصل أعنى الجمع بين دليل المعلل والمعارض حيث اعتبر كل من وصفيهما ولو بالجزئية وأما من جعل مبنى لزوم التحكم على تساوى استقلال وصف التعليل وجزئيته جعل صفة وجه السؤال ترجيح الاستقلال لما فيه من التوسعة ووجه الجواب منع دلالة الاستقلال على التوسعة ثم المعارضة بترجيح الجزئية لما فيها من موافقة الأصل أعنى عدم الحكم ومن اعتبار وصفى المستدل والمعارض حيث جعل كلًا منهما جزء علة.

قوله: (وما ذلك) أى ليس الجمع إلا تعميم الحكم بين أصل وفرع لموجب وصفما مشترك بينهما ولا الفرق إلا تخصيص ذلك الحكم بالأصل دون الفرع بموجب وصف يختص بالأصل وبحث ونظر فى أن علة الحكم فى الأصل هى ذلك الوصف المشترك أو المختص وذلك إجماع على أن للمعترض إبداء وصف فارق لا يوجد فى الفرع وأنه يقبل ويترك به قياس المستدل ولا معنى لقبول المعارضة سوى هذا وفى بعض الشروح أن تحقق الفرق إنما يكون بإبداء خصوصية الأصل اعتبارًا أو خصوصية الفرع منعًا، وهذا دليل قبول المعارضة، وأما ما ذهب إليه بعض الشارحين من أن الفرق إنما يتحقق بكون ما جعل المستدل علة جزء علة فلا يخفى ما فيه ومبناه على أنه خصص الاختلاف بالقسم الثانى من هذه المعارضة.

قوله: (المفروض استقلال كل واحد) فإن قيل هذا إنما يصح فى الصورة الأولى أعنى ما يكون وصف المعارض صالحًا للاستقلال قلنا ليس المراد أن المفروض استقلال كل من الوصفين بل كل مما يدعيه المستدل والمعارض ففى الصورة الثانية ما يدعيه المعارض علة هو المجموع المركب من وصف المستدل والوصف الذى أبداه المعارض وعليته لا تنافى علية الجزء الأول الذى يدعيه المستدل علة بالاستقلال بناء على جواز تعدد العلل فلا تكون المعارضة قادحة فلا يقبل وتقرير الجواب فى الصورة الأولى ظاهر لأنه إذا احتمل أن تكون العلة هى الطعم وأن تكون القوت وأن تكون المجموع كان الحكم بعلية الطعم كما يدعيه المستدل تحكمًا باطلًا، وأما فى الصورة الثانية فتقريره أنه كما يحتمل أن تكون العلة هى الجزء الأول كالقتل العمد العدوان يحتمل أن تكون المجموع المركب منه ومن كونه بالجارح حتى لا

ص: 520

تكون العلة إلا واحدة فالقول بالاستقلال الأول وتعدد العلة تحكم وكان فى عطف التعدد على الاستقلال وعطف الوحدة على الجزئية على سبيل البيان والتفسير إشارة إلى هذا المعنى وتقرير بعض الشارحين أنه لو قبلت منه هذه المعارضة لزم استقلال كل من وصفى المستدل والمعارض فتتعدد العلة المستقلة وهو باطل والجواب منع اللزوم لجواز أن يسند الحكم إلى المجموع والمعارضة بأنه لو لم يقبل لزم التحكم وهو إسناد الحكم إلى أحد الوصفين مع الدلالة على علية كل منهما.

قوله: (إن فى التقسيم الأول) هو أن الوصف المعارض به مستقل أو غير مستقل وقوله والتقسيم الثانى هو أن الوصف المعارض به المستقل إما هو العلة أو جزء العلة وقوله فى الوجود أى التحقق ومعنى كون الوصف مستقلًا أنه لم يعتبر جزءًا ينضم إلى ما اعتبره المستدل فيصلح لأن يكون علة برأسه أو جزءًا ينضم إلى ما جعله المستدل علة بخلاف دعوى المعارض أن الوصف جزء علة فلا يصلح إلا للجزئية وقوله وبيان الملازمة أى وهو قوله لأن المدعى علة ليس بأولى بالجزئية أو الاستقلال من وصف المعارضة وقوله لأن ما إذا كان الوصف المدعى علة مركبًا والمعترض أخذ جزءًا منه وادعى الاستقلال ووجه الشمول أن يقال: إن هذا الوصف المركب قد اعتبر فيه أجزاؤه من العلة فيقال: إن جزئية الجزء منه ليست أولى من جزئية الوصف المعارض فكما اعتبر كل جزء منه جزءًا من العلة جاز أن يعتبر وصف المعارض جزءًا من العلة أو يقال: إن جزئية كل ليست أولى من استقلال الوصف المعارض.

قوله: (لأنه لا يكون إثبات علية جزء المدعى علة يلزم الحكم فى الفرع) فيه سقط والأصل: لأنه لا يكون إثبات علية جزء المدعى علة مفيدًا للمعترض لأنه لو ثبت علية جزء المدعى علة يلزم الحكم فى الفرع.

قوله: (لا نسلم دلالة حصول التوسعة. . . إلخ) أى لكونه ليس من مسالك العلة ولما فيه من الدور.

قوله: (والمعارضة بأنه لو لم يقبل. . . إلخ) عطف على قوله: استقلال كل يعنى فاللازم أمران.

ص: 521

قال: (وفى بيان لزوم نفى الوصف عن الفرع ثالثها إن صرح لزم لنا أنه إذا لم يصرح فقد أتى بما ليس ينتهض معه الدليل فإن صرح لزمه الوفاء بما صرح).

أقول: هذا بحث متفرع على قبول المعارضة وهو أنه هل يلزم المعترض بيان أن الوصف الذى أبديته منتف فى الفرع أو لا فقيل يلزمه لينفعه دعوى التعليل به إذ لولاه لم تنتف العلة فى الفرع فثبت الحكم فيه وحصل مطلوب المستدل وقيل لا يلزمه لأن غرضه هدم استقلال ما ادعى المستدل أنه مستقل وهذا القدر يحصل بمجرد إبدائه وقيل: إن تعرض لعدمه فى الفرع صريحًا لزمه بيانه وإلا فلا وهذا هو المختار أما أنه إذا لم يصرح به فليس عليه بيانه فلأنه قد أتى بما لا يتم الدليل معه وهذا غرضه لا بيان عدم الحكم فى الفرع حتى لو ثبت بدليل آخر لم يكن إلزامًا له وربما سلمه وأما أنه إذا صرح به لزمه فلأنه التزم أمرًا وإن لم يجب عليه ابتداءً فيلزمه بالتزامه ويجب عليه الوفاء بما التزمه.

المصنف: (وفى بيان لزوم نفى الوصف) صوابه وفى لزوم بيان الوصف.

ص: 522

قال: (والمختار أنه لا يحتاج إلى أصل لأن حاصله نفى الحكم لعدم العلة أو صد المستدل عن التعليل بذلك وأيضًا فأصل المستدل أصله).

أقول: هذا بحث آخر يتفرع على قبول المعارضة وهو أنه هل يحتاج المعارض إلى أصل يبين تأثير وصفه الذى أبداه فى ذلك الأصل حتى يقبل منه كأن يقول العلة الطعم دون القوت كما فى الملح قد اختلف فيه والمختار أنه لا يحتاج لأن حاصل هذا الاعتراض أحد الأمرين إما نفى ثبوت الحكم فى الفرع بعلة المستدل ويكفيه أن لا يثبت عليتها بالاستقلال ولا يحتاج فى ذلك إلى أن يثبت علية ما أبداه بالاستقلال فإن كونه جزء العلة يحصل مقصوده فقد لا يكون علة فلا يؤثر فى أصل أصلًا وأما صد المستدل عن التعليل بذلك لجواز تأثير هذا والاحتمال كاف فهو لا يدعى عليته حتى يحتاج إلى شهادة أصلًا، وأيضًا فإن أصل المستدل أصله بأن يقول العلة للطعم أو الكيل أو كلاهما كما فى البر بعينه فإذًا مطالبته بأصل مطالبة له بما قد تحقق حصوله فلا فائدة فيه.

المصنف: (لأن حاصله نفى الحكم) أى فلم يدع المعارض كون وصفه علة حتى يحتاج إلى إثباته بشهادة الأصل.

الشارح: (كما فى الملح) أى فإنه مطعوم وليس بقوت مع كونه ربويًا.

ص: 523

قال: (وجواب المعارضة إما بمنع وجود الوصف أو المطالبة بتأثيره إن كان مثبتًا بالمناسبة أو الشبه لا بالسبر أو بخفائه أو عدم انضباطه أو منع ظهوره أو انضباطه أو بيان أنه عدم معارض فى الفرع مثل المكره، على المختار بجامع القتل فيعترض بالطواعية فيجيب بأنه عدم الإكراه المناسب لنقيض الحكم وذلك طردًا ويبين كونه ملغى أو يبين استقلال ما عداه فى صورة الظاهر أو إجماع مثل: "لا تبيعوا الطعام بالطعام" فى معارضة المطعوم بالكيل ومثل: "من بدل دينه فاقتلوه" فى معارضة التبديل بالكفر بعد الإيمان وغير متعرض للتعميم).

أقول: إذ قد عرفت أن المعارضة مقبولة فالجواب عنها من وجوه:

منها: منع وجود الوصف مثل أن يعارض القوت بالكيل فيقول لا نسلم أنه مكيل لأن العبرة بعادة زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان حينئذٍ موزونًا.

ومنها: المطالبة بكون وصف المعارض مؤثرًا، يقال ولم قلت إن الكيل مؤثر وهذا إنما يسمع من المستدل إذا كان مثبتًا للعلة بالمناسبة أو الكتابه حتى يحتاج المعارض فى معارضته إلى بيان مناسبة أو شبه بخلاف ما إذا أثبته بالسبر فإن الوصف يدخل فى السبر بدون ثبوت المناسبة بمجرد الاحتمال.

ومنها: بيان خفائه.

ومنها: عدم انضباطه.

ومنها: منع ظهوره.

ومنها: منع انضباطه، هذه الأربعة لما علمت أن الظهور والانضباط شرط فى الوصف المعلل به فلا بد فى دعوى صلوح الوصف علة من بيانهما وللصاد عنهما أن يبين عدمهما وأن يطالب ببيان وجودهما.

ومنها: بيان أن الوصف عدم معارض فى الفرع، مثاله: أن يقيس المكره على المختار فى القصاص بجامع القتل، فيقول المعترض معارض بالطواعية فإن العلة هو القتل مع الطواعية فيجيب المستدل بأن الطواعية عدم الإكرام المناسب لنقيض الحكم وهو عدم القصاص فحاصله عدم معارض وعدم المعارض طرد لا يصلح للتعليل لأنه ليس من الباعث فى شئ كما علمت.

ومنها: أن يبين كون وصف المعارض ملغى إذ قد تبين استقلال الباقى بالعلية فى صورة ما بظاهر نص أو إجماع، مثاله: إذا عارض فى الربا الطعم بالكيل

ص: 524

فيجيب بأن النص دل على اعتبار الطعم فى صورة ما وهو قوله: "لا تبيعوا الطعام بالطعام إلا سواء بسواء".

مثال آخر: أن يقول فى يهودى صار نصرانيًا أو بالعكس: بدل دينه فيقتل كالمرتد فيعارضه بالكفر بعد الإيمان فيجيب بأن التبديل معتبر فى صورة ما لقوله: "من بدل دينه فاقتلوه" هذا إذا لم يتعرض للتعميم فلو عمم وقال فثبت ربوية كل مطعوم أو اعتبار كل تبديل للحديث لم يسمع لأن ذلك إثبات للحكم بالنص دون القياس لا تتميم القياس بالإلغاء والمقصود ذلك ولأنه لو ثبت العموم لكان القياس ضائعًا ولا يضره كونه عامًا إذا لم يتعرض للتعميم ولم يستدل به.

قوله: (بخلاف ما إذا أثبته) أى أثبت المستدل كون الوصف علة بالسبر فعارضه المعترض بوصف آخر فإنه لا يسمع حينئذٍ من المستدل مطالبة المعترض بكون وصفه مؤثرًا لأن الوصف يدخل فى السبر بمجرد احتمال كونه مناسبًا وإن لم تثبت مناسبته أعنى المناسبة بالنظر إليه أو إلى الخارج على ما يعم الشبه فتتم المعارضة بمجرد إبداء وصف آخر محتمل للعلية من غير أن تثبت مناسبته وكون الضمير فى قوله إن كان مثبتًا بالمناسبة للمستدل صريح فى الأصل حتى قال فى المنتهى أو المطالبة بتأثيره وأن المستدل أثبته بالمناسبة أو الشبه لا بالسبر وقال الآمدى إن كان طريق إثبات العلة من جانب المستدل المناسبة أو الشبه دون السبر والتقسيم والشارحون لما لم يتنبهوا لبيانه جعلوا الضمير للمعترض وقال العلامة: الظاهر أن وقوع المستدل مكان المعترض فى كلامهما زيغ بصرًا وطغيان قلم من الناقلين وذلك لأنه إنما يصح لو كان المعترض يطالب المستدل بتأثير وصفه ثم تقريره أن المطالبة بالتأثير إنما تكون إذا أثبت المعترض علية الوصف بالمناسبة أو الشبه أما إذا أثبته بالسبر فيكون مؤثرًا ضرورة تعين كونه علة وتقرير بعضهم أنه إذا أثبته بالسبر لم تصح المطالبة بالتأثير لأن السبر كافٍ فى الدلالة على العلية بدون تأثير.

قوله: (معارض بالطواعية) يعنى بوصف غير صالح للاستقلال وقوله المناسب صفة الإكراه والحكم هو القصاص ونقيضه عدمه.

قوله: (إذ قد تبين) تعليل الإلغاء وفى نسخ المتن أو تبين على أنه وجه آخر من الجواب وعليه جمهور الشارحين وهو الصواب، أما أولًا فلأن استقلال ما عدا

ص: 525

هذا الوصف لا يوجب إلغاءه لجواز التعدد والشارح فسره بالباقى ليتعين كون الوصف المعارض جزءًا أو يتبين باستقلال الباقى إلغاؤه وأما ثانيًا فلأن مجرد بيان الإلغاء لا يتعين أن يكون باستقلال ما عداه وأما الإلغاء فلأن مجرد بيان استقلال ما عداه كاف فى الجواب وإن كان مستلزمًا لإلغائه وفيه بحث لأنه إنما يكون إذا لم يبين المعارض استقلال وصفه.

قوله: (ولا يضره) دفع لما يتوهم أن عموم النص يفيد المستدل سواء تعرض لتعميمه أو لم يتعرض لأنه لا معنى للقياس عند كون حكم الفرع منصوصًا فدفعه بأنه لا يضر لجواز أن لا يقول هو أو الخصم بالعموم أو يظهر لعمومه مخصص أو نحو ذلك من موانع التمسك بالعموم فيتمسك بالقياس فى هذا إشارة إلى أن قوله غير متعرض حال من فاعل تبين على معنى أن مثل هذا البيان إنما يسمع من المستدل إذا لم يتعرض لتعميم النص بحيث يتناول صورة الفرع وبهذا يندفع ما ذكره العلامة أن معناه من غير أن يتعرض لاستغراق التبديل بالعلية فى جميع الصور وكأنه احترز عن تعرض الاستغراق لأنه غير محتاج إليه مع أنه منتقض بمن بدل الكفر بالإيمان، ومع هذا فهو غير محتاج إليه لأنه ظاهر وفى بعض الشروح أن معناه ليس على المستدل عند بيان استقلال ما عدا الوصف أن يبين عليته فى جميع صورة وجود الوصف فإن الاقتران مع المناسبة ولو فى صورة يكفى فى الدلالة على العلية فلم يحتج إلى التعميم وقيل معناه غير متعرض لثبوته فى جميع الصور لما فيه من العسر وعدم الاحتياج.

قوله: (لأنه إنما يصح لو كان المعترض يطالب المستدل بالتأثير) أى فحينئذ يصح أن يثبت المستدل العلة بالمناسبة أو الشبه وقوله ثم تقريره أى تقرير قول المصنف إن كان مثبتًا بالمناسبة أو الشبه على أن ضمير كان للمعترض وقوله وتقرير بعضهم. . . إلخ. هو أيضًا على أن ضمير كان للمعترض لا للمستدل وكل من التقريرين خلاف الصواب إذ بفرض إثبات المعترض المعارضة بالمناسبة كيف يمنع المستدل التأثير كما هو الفرض والتأثير هو المناسبة وفى التحرير أو منع تأثيره إن كان المستدل لم يثبت وصف علية وصف أو أثبته بأى طريق كان وتقييد سماعه بما إذا كان المستدل أثبت وصفه بالمناسبة ونحوها لا بالسبر ونحو تحكم.

ص: 526

قوله: (والشارح فسره. . . إلخ) أى فلا يرد عليه أن استقلال ما عداه لا يوجب إلغاءه لجواز التعدد وقوله لا يتعين أن يكون باستقلال ما عداه أى بل قد يكون لعدم اعتبار الشارع له فى جنس الأحكام كالطول والقصر وقوله كاف فى الجواب أى فلا حاجة إلى اعتبار الإلغاء وقرله وفيه بحث أى فى كفاية مجرد استقلال ما عداه فى الجواب عن المعارضة بحث وقوله لأنه إنما يكون إذا لم يبين أى إنما يكون كافيًا إذا لم يبين المعارض استقلال وصفه أما لو بين فليس كافيًا.

قوله: (ومع هذا فهو غير محتاج إليه. . . إلخ) مكرر مع قوله أو لا غير محتاج إليه.

ص: 527

قال: (ولا يكفى إثبات الحكم فى صورة دونه لجواز علة أخرى ولذلك لو أبدى أمر آخر يخلف ما ألغى فسد الإلغاء ويسمى تعدد الوضع لتعدد أصلها مثل أمان من مسلم عاقل فيصح كالحر لأنهما مظنتان لإظهار مصالح الإيمان فيعترض بالحرية فإنها مظنة الفراغ للنظر فيكون أكمل فيلغيها بالمأذون له فى القتال فيقول خلف الأذن الحرية فإنه مظنة لبدل الوسع أو لعلم السيد بصلاحيته، وجوابه الإلغاء إلى أن يقف أحدهما).

أقول: ربما يظن أن إثبات الحكم فى صورة دون وصف المعارض كاف فى إلغائه والحق أنه ليس بكاف لجواز وجود علة أخرى لما تقدَّم من جواز تعدد العلة وعدم وجوب العكس ولأجل ذلك لو أبدى فى صورة عدم وصف المعارضة وصفًا آخر يخلفه لئلا يكون الباقى مستقلًا فسد الإلغاء لابتنائه على استقلال الباقى فى تلك الصورة وقد بطل وتسمى هذه الحالة تعدد الوضع لتعدد أصلهما والتعليل فى أحدهما بالباقى على وضع أى قيد وفى الآخر على وضع آخر أى مع قيد آخر، مثاله: أن يقال فى مسألة أمان العبد للحربى أمان من مسلم عاقل فيقبل كالحر لأنهما -أعنى الإسلام والعقل- مظنتان لإظهار مصلحة الإيمان أى بدل الأمان وجعله آمنًا فيقول المعترض هو معارض بكونه حرًا أى العلة كونه مسلمًا عاقلًا حرًا، فإن الحرية مظنة فراغ قلبه للنظر لعدم اشتغاله بخدمة السيد فيكون إظهار مصالح الإيمان معه أكمل فيقول المستدل الحرية ملغاة لاستقلال الإسلام والعقل فى صورة العبد المأذون له من قبل سيده فى أن يقاتل، فيقول المعترض إذن السيد له خلف من الحرية فإنه مظنة لبذل الوسع فيما تصدى له من مصالح القتال أو لعلم السيد بصلاحيته لإظهار مصالح الإيمان، وجواب تعدد الوضع أن يلغى المستدل ذلك الخلف بإبداء صورة لا يوجد فيها الخلف أيضًا فإن أبدى المعترض خلفًا آخر فجوابه إلغاؤه وعلى هذا إلى أن يقف أحدهما فيكون الدبرة عليه فإن ظهر صورة لا خلف فيها تم الإلغاء وبطل الاعتراض، والأظهر عجز المستدل.

قوله: (كاف فى إلغائه) لما جعل الشارحون بيان استقلال ما عداه وجهًا برأسه وجعلوا هذا الكلام متعلقًا به بمعنى أنه لا يكفى فى بيان استقلال وصف المستدل إثبات الحكم فى صورة بدون وصف المعارض لجواز أن يكون الحكم لعلة أخرى

ص: 528

غير وصف المستدل فلا يلزم استقلاله ولأجل كون الحكم بعلة أخرى لو أبدى المعترض أمرًا آخر تخلف الملغى أى يقوم مقام ما ألغاه المستدل بثبوت الحكم دونه فسد إلغاؤه ويسمى فساد الإلغاء بالوجه المذكور تعدد الوضع لتعدد أصل العلة فإن المعترض أثبت علية وصف المعارضة أولًا فلما ألغاه المستدل أثبت علية وصف آخر ولما جعله الشارح المحقق من تتمة بيان إلغاء وصف المعارض جعله متعلقًا به أى لا يكفى فى إلغاء وصف المعارض إثبات الحكم فى صورة دونه لجواز أن يكون ذلك لعلة أخرى لما سبق من جواز تعدد العلل وأن انتفاء العلة لا يوجب انتفاء الحكم وهذا هو الموافق لكلام الآمدى.

قوله: (ولأجل ذلك) أى ولأجل أنه ليس بكاف فى الإلغاء لو أبدى المعترض فى صورة عدم وصف المعارضة وصفًا آخر يقوم مقام وصف المعارضة لئلا يكون وصف المستدل مستقلًا فسد إلغاء المستدل وصف المعارضة لابتناء إلغائه على استقلال وصف إلغائه على استقلال وصف المستدل فى صورة عدم وصف المعارضة وقد بطل استقلاله بإبداء المعترض قيدًا آخر ينضم إليه فيبطل ما يبتنى عليه.

قوله: (لتعدد أصلهما) أى أصل الوصفين وتعليل الحكم بقبول الأمان فى أحد الأصلين كما فى أمان السلم العاقل الحر بالباقى أى بالإسلام والعقل على وضع وهو كونه مع الحرية وفى الآخر كإمام العبد المأذون بالباقى على وضع آخر وهو كون الإسلام والعقل مع إذن السيد وفى بعض النسخ لتعدد أصليهما أى أصل العلة وهو ظاهر.

قوله: (فيكون الدبرة) أى الهزيمة من الأدبار على من وقف.

ص: 529

قال: (ولا يفيد الإلغاء لضعف المعنى مع تسليم المظنة كما لو اعترض فى الردة بالرجولية فإنها مظنة الإقدام على القتال فيلغيها بالمقطوع اليدين).

أقول: إذ قد عرفت أن من أجوبة المعارضة الإلغاء فالإلغاء هل يثبت بضعف المعنى؟ إذا سلم وجود المظنة المتضمنة لذلك المعنى، الحق أنه لا يثبت، مثاله: أن يقول الردة علة القتل فيقول المعترض بل مع الرجولية لأنه مظنة الإقدام على قتال المسلمين إذ يعتاد ذلك من الرجال دون النساء فيجيب المستدل بأن الرجولية وكونها مظنة الإقدام لا تعتبر وإلا لم يقتل مقطوع اليدين لأن احتمال الإقدام فيه ضعيف بل أضعف من احتماله فى النساء وهذا لا يقبل منه حيث سلم أن الرجولية مظنة اعتبرها الشارع وذلك كترفه الملك فى السفر لا يمنع رخص السفو فى حقه لقلة المشقة إذ المعتبر المظنة وقد وجدت لا مقدار الحكمة لعدم انضباطها.

قوله: (بضعف المعنى) أى الحكمة التى تتضمنها المظنة وجمهور الشارحين لم يفرقوا بين المعنى والمظنة فزعموا أن المراد أنه لو سلم المستدل كون وصف المعارضة مظنة للحكم المختلف فيه فلا يفيد بيان الإلغاء بضعف المظنة فى صورة لأنه لا يخل بالعلية.

ص: 530

قال: (ولا يكفى رجحان المعين ولا كونه متعديًا لاحتمال الجزئية فيجئ التحكم).

أقول: هذان وجهان توهما جوابًا للمعارضة، ولا يكفيان:

الأول: رجحان المعين وهو أن يقول المستدل فى جواب المعارضة ما عينته من الوصف راجح على ما عارضت به ثم يظهر وجهًا من وجوه الترجيح وهذا القدر غير كافٍ لأنه إنما يدل على أن استقلال وصفه أولى من استقلال وصف المعارضة إذ لا يعلل بالمرجوح مع وجود الراجح لكن احتمال الجزئية باقٍ ولا بعد فى ترجح بعض الأجزاء على بعض فيجئ بالتحكم.

الثانى: كون ما عينه المستدل متعديًا والآخر قاصرًا غير كافٍ فى جواب المعارضة إذ مرجعه الترجيح بذلك فيجئ التحكم هذا والشأن فى الترجيح فإنه إن رجحت التعدية بأن اعتباره يوجب الاتساع فى الأحكام وبأنها متفق على اعتبارها بخلاف القاصرة رجحت القاصرة بأنها مواففة للأصل إذ الأصل عدم الأحكام وبأن اعتبارها إعمال للدليلين معًا بخلاف إلغائها.

قوله: (هذا والشأن فى الترجيح) يريد أن قصد المستدل وإن كان ترجيح وصفه بالتعدية لكن ترجيح المتعدية على القاصرة ليس بمسلم على الإطلاق إذ لكلٍّ منهما رجحان من وجه أما المتعدية فبأنها توجب الحكم فى الفرع فتتسع الأحكام وبأن التعليل بها متفق عليه وبالقاصرة مختلف فيه وأما القاصرة فبأن فيها موافقة الأصل أعنى عدم ثبوت الحكم فى الفرع وجمعًا بين دليل المستدل والمعارض حيث اعتبر كل من الوصفين على أن جزء علة ولا يخفى أن هذا إنما يكون فيما إذا لم يدع المعترض استقلال وصفه.

ص: 531

قال: (والصحيح جواز تعدد الأصول لقوة الظن به وفى جواز اقتصار المعارضة على أصل واحد قولان وعلى الجميع فى جواز اقتصار المستدل على أصل واحد قولان).

أقول: قد اختلف فى جواز تعدد الأصول فقيل لا يجوز بل يجب على المستدل الاكتفاء بأصل واحد إذ مقصوده الظن وهو يحصل به فيلغو ما زاد عليه والصحيح أنه جائز لأن الظن يقوى به وكما أن أصل الظن مقصود ففوته أيضًا مقصوده ثم إذا تعدد أصله فهل يجوز للمعترض أن يقتصر فى المعارضة على أصل واحد ولا يتعرض لسائر الأصول؟ فيه قولان، ووجه الجواز أن إبطال جزء من كلامه يبطل كلامه ووجه المنع أنه لو سلم له أصل لكفاه فى مقصوده فلا بد من إبطال الجميع فإن قلنا لا يجوز الاكتفاء بل يجب المعارضة فى جميع الأصول فإذا عارض فى الجميع ودفع المستدل معارضته عن أصل واحد فهل يجوز ويكون ذلك كافيًا فيه قولان ووجه الجواز أنه يحصل به مطلوبه ووجه المنع أنه التزم الجميع فيلزمه الذب عن الجميع كأن الجميع صار مدعًى بالعرض.

قوله: (إبطال جزء من كلامه) يعنى الأصل الذى عورض وذلك لأن قصد المستدل إلحاق الفرع بجميع الأصول وذلك يبطل بإيقاع الفرع بينه وبين أحد الأصول واعلم أن تمام المسألة ببيان خلاف آخر أشار إليه فى المنتهى حيث قال اختلفوا فى جواز تعدد الأصول فقيل هو أقوى فى إفادة الظن وقيل يؤدى إلى النشر والخبط والمجوزون اختلفوا فى جواز الاقتصار فى المعارضة على أصل واحد ومن أوجب على الجميع اختلفوا فى وجوب اتحاد المعارض فى الجميع ومن لم يوجب الاتحاد اختلفوا فى جواز اقتصار المستدل على سؤال واحد.

ص: 532

قال: (السادس عشر: التركيب تقدَّم التعدية وتمثيلها فى إجبار البكر البالغ بكر فجاز إجبارها كالبكر الصغيرة فيعارض بالصغر وتعديه إلى الثيب الصغيرة ويرجع به إلى المعارضة فى الأصل).

أقول: هذان اعتراضان يعدهما الجدليون فى عداد الاعتراضات وهما راجعان إلى بعض من سائر الاعتراضات ونوع منه خص باسم وليس شئ منهما سؤالًا برأسه:

فالأول: سؤال التركيب وهو ما عرفته حيث قلنا شرط حكم الأصل أن لا يكون ذا قياس مركب وأنه قسمان مركب الأصل ومركب الوصف وأن مرجع أحدهما منع حكم الأصل أو منع العلية ومرجع الآخر منع الحكم أو منع وجود العلة فى الفرع فليس بالحقيقة سؤالًا برأسه وقد عرفت الأمثلة فلا معنى للإعادة.

والثانى: سؤال التعدية وذكروا فى مثاله أن يقول المستدل فى البكر البالغ بكر فتجبر كالصغيرة فيقول المعترض هذا معارض بالصغر وما ذكرته وإن تعدى به الحكم إلى البكر البالغ فما ذكرته فقد تعدى به الحكم إلى الثيب الصغيرة وهذا التمثيل يجعل السؤال راجعًا إلى المعارضة فى الأصل بوصف آخر وهو البكارة بالصغر مع زيادة تعرض للتساوى فى التعدية دفعًا لترجيح المعين بالتعدية فلا يكون سؤالًا آخر.

النوع الخامس من الاعتراضات: ما يرد باعتبار المقدمة الثالثة وهى دعوى وجود العلة فى الفرع سواء وهو إما بدفع وجودها بالمنع أو بالمعارضة، وإما بدفع المساواة باعتبار ضميمة شرط فى الأصل أو مانع فى الفرع ويسمى الفرق أو باعتبار نفس العلة لاختلاف فى الضابط أو فى المصلحة فهذه خمسة.

قوله: (ونوع) عطف على راجعان أى كل منهما نوع من سائر الاعتراضات خص باسم خاص.

قوله: (وهذا التمثيل) يشير إلى أن تمثيلها مبتدأ خبره قوله يرجع وضمير به لهذا السؤال وإنما لم يقل هو راجع إلى المعارضة لأنهم اكتفوا فيه بالتمثيل ولم يعرفوه تعريفًا يعرف به كونه راجعًا إلى المعارضة وفيه نظر لما ذكر فى المنتهى أنه بيان وصف فى الأصل عدى إلى فرع مختلف فيه، وقال الآمدى: هو أن يعين

ص: 533

المعترض فى الأصل معنًى ويعارض به ثم يقول للمستدل ما عللت به وإن تعدى إلى فرع مختلف فيه وليس أحدهما أولى من الآخر.

قوله: (النوع الخامس) اعتراضاته خمسة منع وجود الوصف فى الفرع بالمعارضة فى الفرع الفرق اختلاف الضابط اختلاف جنس المصلحة.

الشارح: (وقد عرفت الأمثلة) قد مثل فيما تقدم لمركب الأصل بقياس العبد على المكاتب فى عدم قتله بالحروان الحنفى يقول: إن سلمنا الحكم فى الأصل نمنع أن العلة هى الرقية بل جهالة المستحق فإن صحت علة فالأمر ظاهر وإلا منعنا الحكم فى الأصل ومثل لمركب الوصف بقياس تعليق الطلاق قبل الزواج على زينب التى أتزوجها طالق فى عدم وقوع الطلاق فيقول الحنفى العلة مفقودة فى الأصل لأنه تنجيز لا تعليق فلا يلزم من عدم الوقوع فى مسألة زينب التى أتزوجها طالق عدم الوقوع فى مسألة تعليق الطلاق وإن لم يصح أن العلة مفقودة فى الأصل فلا أوافق على أن حكم الأصل عدم الوقوع بل الوقوع.

الشارح: (بالمنع أو بالمعارضة) أى أن كلًا من المنع والمعارضة يتحقق به منع الوجود فى الفرع وقوله وإما بدفع المساواة عطف على قوله إما بدفع وجودها ويتحقق دفع المساواة باعتبار ضميمة شرط أو مانع كما يتحقق باعتبار نفس العلة لاختلاف فى الضابط أو فى المصلحة.

ص: 534

قال: (الثامن عشر: منع وجوده فى الفرع مثل أمان صدر من أهله كالمأذون فبمنع الأهلية وجوابه ببيان وجود ما عناه بالأهلية كجواب منعه فى الأصل والصحيح منع السائل من تقريره لأن المستدل مدعٍ فعليه إثباته لئلا ينتشر).

أقول: ومن الاعتراضات أن يقول لا نسلم وجود الوصف المعلل به فى الفرع مثاله أن يقول فى أمان العبد أمان صدر عن أهله كالعبد المأذون له فى القتال فيقول المعترض لا نسلم أن العبد أهل للأمان فالجواب ببيان ما يعنيه بالأهلية ثم ببيان وجوده بحس أو عقل أو شرع كما تقدَّم فى منع وجوده فى الأصل فيقول أريد بالأهلية كونه مظنة لرعاية مصلحة الإيمان وهو بإسلامه وبلوغه كذلك عقلًا فلو تعرض المعترض لتقرير معنى الأهلية بيانًا لعدمها فالصحيح أنه لا يمكن منه لأن تفسيرها وظيفة من تلفظ بها لأنه العالم بمراده وإثباتها وظيفة من ادعاها فيتولى تعيين ما ادعاه كل ذلك لئلا ينتشر الجدال.

قوله: (فيقول) تفسير لبيان ما يعنيه وبيان وجوده فقوله أريد بالأصلية كذا بيان لما يعنيه وقوله وهو أى العبد بواسطة إسلامه وبلوغه كذلك أى مظنة لرعاية مصلحة الإيمان بيان لوجود الوصف فى الفرع وقوله عقلًا إشارة إلى أن ذلك بدلالة العقل.

قوله: (كل ذلك) أى عدم تمكين المعترض من التقرير وكون التفسير على المتلفظ والبيان على المدعى لئلا ينتشر الجدال بالانتقال والاشتغال وفى المنتهى لأن المستدل مدعٍ فعليه بيانه ولئلا ينتشر بالواو.

ص: 535

قال: (التاسع عشر: المعارضة فى الفرع بما يقثضى نقيض الحكم على نحو طرق إثبات العلة والمختار قبوله لئلا تختل فائدة المناظرة، قالوا: فيه قلب التناظر، ورد بأن القصد الهدم).

أقول: ومن الاعتراضات المعارضة فى الفرع بما يقتضى نقيض الحكم فيه بأن يقول ما ذكرته من الوصف وإن اقتضى ثبوت الحكم فى الفرع فعندى وصف آخر يقتضى نقيضه فيتوقف دليلك وهى المعنى بالمعارضة إذا أطلقت ولا بد من بنائه على أصل بجامع تثبت عليته وله الاستدلال فى إثبات عليته بأى مسلك من مسالكها شاء على نحو طرق إثبات المستدل للعلية سواء فيصير هو مستدلًا آنفًا والمستدل معترضًا فتنقلب الوظيفتان وقد اختلف فى قبول سؤال المعارضة والمختار قبوله لئلا تختل فائدة الناظرة وهو ثبوت الحكم لأنه لا يتحقق بمجرد الدليل ما لم يعلم عدم المعارض، قالوا: فيه قلب التناظر لأنه استدلال من معترض فصار الاستدلال إلى المعترض، والاعتراض إلى المستدل وهو خروج مما قصداه من معرفة صحة نظر المستدل فى دليله إلى أمر آخر وهو معرفة صحة نظر المعترض فى دليله والمستدل لا تعلق له بذلك ولا عليه أتم نظره أم لا.

الجواب: أنه إنما يكون قلبًا للتناظر لو قصد به إثبات ما يفضيه دليله وليس كذلك بل قصده إلى هدم دليل المستدل وبيان قصوره عن إفادة مدلوله فكأنه يقول دليلك لا يفيد ما ادعيت لقيام المعارض وهو دليلى فعليك بإبطال دليلى ليسلم لك دليلك فيفيد وكيف يقصد به إثباث ما يقتضيه وهو معارض بدليل المستدل فإن المعارضة من الطرفين وكل يبطل حكم الآخر.

قوله: (وهى) أى المعارضة فى الفرع هى التى تعنى بالمعارضة عند الإطلاق فى باب القياس بخلاف المعارضة فى الأصل فإنه تقييد.

قوله: (بأى مسلك من مسالكها) يشير إلى أنه لا يجب أن يكون بالمسلك الذى سلكه المستدل نعم لما كان ظنيًا فى معارضة قطعى لم يسمع وإن كانا ظنيين فالترجيح وقوله سواء معناه أن إثبات المعترض علية وصفه فى الأصل الذى يقيس عليه مثل إثبات المستدل علية وصفه فى أصله بلا فرق وليس المراد أنه يجب أن يكون بذلك المسلك.

ص: 536

قوله: (ولا عليه) أى لا شئ على المستدل سواء تم نظر المعترض أم لم يتم لو قصد -أى المعترض به- أى سؤال المعارضة إثبات ما يقتضيه دليل المعترض.

قوله: (وهو) أى المعارض دليلى وفى بعض النسخ ولا دليل أى لا يفيد ما ادعيت أنا وليس له كثير ربط وفائدة.

قوله: (وكل) أى من الدليلين أو الخصمين يبطل حكم الآخر أى ثبوت مدلوله وإن لم يبطل نفس الدليل.

الشارح: (ولا بد من بنائه على أصل. . . إلخ) يعنى أنه لا بد من بناء نقيض الحكم فى الفرع بالوصف الذى فيه على أصل يقاس ذلك الفرع عليه فى ذلك الوصف المقتضى لنقيض حكم المستدل الذى أثبته بقياسه فى ذلك الفرع فيتعارض قياسان ولذلك كانت هذه هى التى ينصرف إليها المعارضة عند الإطلاق لوجود معارضة قياس بقياس وقوله وله أى للمعترض.

ص: 537

قال: (وجوابه بما يعترض به على المستدل والمختار قبول الترجيح أيضًا فيتعين العمل وهو المقصود والمختار لا يجب الإيماء إلى الترجيح فى الدليل لأنه خارج عنه وتوقف العمل عليه من توابع ورود المعارضة لدفعها لا لأنه منه).

أقول: الجواب عن سؤال المعارضة جميع ما مر من الاعتراضات من قبل المعترض على المستدل ابتداء والجواب الجواب، لا فرق وقد يجاب بالترجيح بوجه من وجوهه التى سنذكرها فى باب التراجيح فاقد اختلف فى قبول الترجيح والمختار قبوله لأنه إذا ترجح وجب العمل به للإجماع على وجوب العمل بالراجح، وذلك هو المقصود، وقيل لا يقبل لأن تساوى الظن الحاصل بهما غير معلوم ولا يشترط ذلك وإلا لم تحصل المعارضة لامتناع العلم بذلك، نعم المعتبر حصول أصل الظن وأنه لا يندفع بالترجيح وعلى المختار فهل يجب الإيماء إلى الترجيح فى متن الدليل بأن يقول أمان من مسلم عاقل موافقًا للبراءة الأصلية فيه خلاف فقيل يجب لأنه شرط فى العمل به فلا يثبت الحكم دونه فكان كجزء العلة والمختار أنه لا يجب لأن الترجيح على ما يعارضه خارج عن الدليل وتوقف العمل على الترجيح ليس جزءًا للدليل بل شرط له لا مطلقًا بل إذا حصل المعارض واحتيج إلى دفعه فهو من توابع ظهور المعارض لدفعه لا أنه جزء من دليل فلا يجب ذكره فى الدليل.

قوله: (وقد يجاب) أى عن سؤال المعارضة.

قوله: (ويوقف العمل) دفع لما يتوهم أن العمل بالدليل لما توقف على الترجيح كان جزءًا من الدليل فوجب الإيماء إليه يعنى أن هذا التوقف إنما عرض للدليل بعد ظهور المعارض فكان الترجيح شرطًا لتمام الدليل ويترتب أثره عليه لا جزء فيه وهذا ظاهر لكن فى عبارة الشرح خروج عن النظام حيث قال وتوقف العمل على الترجيح ليس جزءًا للدليل بل شرطًا له فجعل المتوهم جزءا والمتحقق شرطًا هو توقف العمل على الترجيح وإنما هو الترجيح نفسه فلزمنا جعل ضمير ليس عائدًا إلى الترجيح الذى يتوقف عليه العمل وهو تعسف ظاهر.

الشارح: (لأن تساوى الظن الحاصل بهما غير معلوم) أى والترجيح فرع علم يساوى الظن الحاصل بهما وقوله ولا يشترط ذلك أى لا يشترط فى الترجيح تساوى الظن وقوله وإلا لم تحصل المعارضة أى وإلا نقل بعدم الاشتراط بل قلنا بالاشتراط لم تحصل المعارضة وهو باطل وقوله نعم المعتبر أى فى المعارضة.

ص: 538

قال: (العشرون: الفرق وهو راجع إلى إحدى المعارضتين وإليهما معًا على قول).

أقول: الفرق إبداء خصوصية فى الأصل هو شرط وله أن لا يتعرض لعدمها فى الفرع فيكون معارضة فى الأصل أو إبداء خصوصية فى الفرع هو مانع وله أن لا يتعرض لعدمها فى الأصل فيكون معارضة فى الفرع وعلى قول لا بد من التعرض لعدم الشرط فى الفرع وعدم المانع فى الأصل فيكون مجموع المعارضتين.

قوله: (فيكون معارضة فى الأصل) لأن المستدل ادعى علية الوصف المشترك والمعترض عليته مع خصوصية لا توجد فى الفرع وهذا ظاهر وإنما الخفاء فى كون إبداء المانع فى الفرع معارضة فيه وتحقيقه أن المانع عن الشئ فى قوة المقتضى لنقيضه فيكون المانع فى الفرع وصفًا يقتضى نقيض الحكم الذى أثبته المستدل ويستند إلى أصل لا محالة وهذا معنى المعارضة فى الفرع وإنما يحتاج إلى هذا التكلف محافظة إلى ما يشير إليه كلام الشارح من أن المعارضة فى الفرع إنما تكون بإبداء وصف يقتضى نقيض الحكم وإلا فقد ذكر الآمدى أن المعارضة فى الفرع تكون بما يقتضى نقيض الحكم المستدل إما بنص أو إجماع أو بوجود مانع الحكم أو بفوات شرط الحكم ولا بد من بيان تحققه وطريق كونه مانعًا أو شرطًا على نحو طريق إثبات المستدل علية الوصف المعلل به من التأثير أو الاستنباط وعلى هذا يظهر وجه كون الفرق مجموع المعارضتين إذا تعرض لانتفاء الشرط فى الفرع أو عدم المانع فى الأصل أما الأول فلأن إبداء الخصوصية التى هى شرط فى الأصل معارضة فى الأصل وبيان انتفائها فى الفرع معارضة فيه وأما الثانى فلأن بيان وجود مانع فى الفرع معارضة فيه وبيان انتفائه فى الأصل مشعر بأن العلة هى ذلك الوصف مع عدم هذا المانع لا الوصف نفسه وهذا معارضة فى الأصل حيث أبدى علة أخرى لا توجد فى الفرع وقد يتوهم من ظاهر عبارة الشرح أن تحقق مجموع المعارضتين إنما هو تقدير على خصوصية فى الأصل هو شرط مع التعرض لعدمها فى الفرع وإبداء خصوصية فى الفرع هى مانع مع التعرض لعدمها فى الأصل وهو غلط أما أولًا: فلأنه لم يقل أحد بكون الفرق عبارة عن إبداء مجموع الخصوصيتين، وأما ثانيًا فلأنه لا حاجة حينئذٍ إلى التعرض المذكور لتحقق المعارضتين بدونه.

ص: 539

الشارح: (فيكون مجموع المعارضتين) أى فيكون إبداء خصوصية فى الأصل مع التعرض لعدمها فى الفرع وإبداء خصوصية فى الفرع مع التعرض لعدمها فى الأصل مجموع المعارضتين فعلى هذا لا يتحقق مجموع المعارضتين إلا بمجموع الإبداءين مع التعرض للعدم فى كل من الإبداءين وقد اعترض ذلك بأنه إذا اعتبر مجموع الإبداءين فأى حاجة إلى أن يعتبر معهما العدمان.

قوله: (وعلى هذا يظهر وجه كون الفرق مجموع المعارضتين) أى حيث اعتبرنا المعارضة تتحقق بانتفاء الشرط أو انتفاء المانع ولا تتوقف على إبداء وصف.

ص: 540

قال: (الحادى والعشرون: اختلاف الضابط فى الأصل والفرع مثل تسببوا بالشهادة فوجب القصاص كالمكره فيقال الضابط فى الفرع الشهادة وفى الأصل الإكراه فلا يتحقق التساوى، وجوابه أن الجامع ما اشتركا فيه من التسبب المضبوط عرفًا أو بأن إفضاءه فى الفرع مثله أو أرجح كما لو كان أصله المغرى للحيوان فإن انبعاث الأولياء على القتل طلبًا للتشفى أغلب من انبعاث الحيوان بالإغراء بسبب نفرته وعدمه علمه فلا يضر اختلاف أصلى التسبب فإنه اختلاف فرع وأصل كما يقاس الإرث فى طلاق المريض على القاتل فى منع الإرث ولا يفيدان التفاوت فيهما ملغًى لحفظ النفس كما ألغى التفاوت بين قطع الأنملة وقطع الرقبة فإنه لم يلزم من إلغاء العالم إلغاء الحر).

أقول: من الاعتراضات اختلاف الضابط فى الأصل والفرع، مثاله أن يقول المستدل فى شهود الزور على القتل يقتل بشهادتهم تسببوا للقتل فيجب القصاص كالمكره فيقول المعترض الضابط مختلف فإنه فى الأصل الإكراه وفى الفرع الشهادة ولم يعتبر تساويهما فى المصلحة فقد يعتبر الشارع أحدهما دون الآخر وجوابه بوجهين:

أحدهما: أن الضابط هو القدر المشترك وهو التسبب وأنه أمر منضبط عرفًا فيصلح مظنة.

ثانيهما: بيان أن إفضاءه فى الفرع مثل إفضائه فى الأصل أو أرجح منه فيثبت التعدية كما لو جعل فى مسألة القصاص من الشهود الأصل هو المغرى للحيوان على القتل فيقول المعترض الضابط فى الأصل إغراء الحيوان وفى الفرع الشهادة فيجيب المستدل بأن إفضاء التسبب بالشهادة إلى القتل أقوى من إفضاء التسبب بالإغراء، فإن انبعاث أولياء المقتول على قتل من شهدوا عليه بالقتل طلبًا للتشفى وثلج الصدر بالانتقام أغلب من انبعاث الحيوان على قتل من يغرى هو عليه وذلك بسبب نفرته من الآدمى وعدم علمه بالإغراء وإذا كان كذلك لم يضر اختلاف أصلى التسبب وهو كونه شهادة وإغراء فإن حاصله قياس التسبب بالشهادة على التسبب بالإغراء والأصل لا بد من مخالفته للفرع وذلك كما يقاس إرث المرأة التى يطلقها الزوج فى مرض موته على القاتل فى نقض المقصود الفاسد من الفعل فلا يقال حكم الأصل عدم الإرث وحكم الفرع الإرث فلا يصح لأن هذا الاختلاف لا يضر ويرجع إلى الاختلاف فى محل الحكم لا فى الحكم وذلك مما لا بد منه

ص: 541

فى القياس فكيف يكون مفسدًا له واعلم أنه ربما يجاب عن اختلاف الضابط بأن يقال فى المثال المذكور والتفاوت ملغًى فى القصاص لمصلحة حفظ النفس بدليل أنه لا يفرق بين الموت بقطع الأنملة والموت بضرب الرقبة فيجب بهما القصاص كان كان أحدهما أشد إفضاءً إلى الموت فقال المصنِّفُ ذلك لا يفيد لأنه لا يلزم من إلغاء فارق معين إلغاء كل فارق كما ألغى العلم فيقتل العالم بالجاهل ولم يلغ الحرية فلم يقتل الحر بالعبد ولا الإسلام فلم يقتل المسلم بكافر.

قوله: (اختلاف الضابط) أى الوصف المشتمل على الحكمة المقصودة.

قوله: (يقتل) أى حال كون المشهود عليه بالقتل يقتل قصاصًا بشهادتهم.

قوله: (وإذا كان كذلك) بيان لمعنى الفاء فى قوله فلا يضر وفى المنتهى ولا يضر بالواو.

قوله: (كما يقاس إرث المرأة على القاتل) على عدم إرث القاتل فيتوهم أن حكم الفرع هو الإرث وحكم الأصل عدم الإرث مع أنهما محل الحكم والحكم هو وجوب إرث المرأة ووجوب عدم إرث القاتل والتحقيق أن هذا قياس للزوج على القاتل فى نقض مقصودهما الباطل بجامع ارتكابهما فعلًا محرمًا لغرض فاسد فحكم الفرع نقض مقصود الزوج وذلك بإرث المرأة وحكم الأصل نقض مقصود القاتل وذلك يمنعه الإرث.

المصنف: (اختلاف الضابط) هو مناط الحكم الذى يجب أن يكون ظاهرًا منضبطًا.

الشارح: (ولم يعتبر تساويهما فى المصلحة) وهى الزجر عن التسبب للقتل الظلم.

الشارح: (فإن حاصله. . . إلخ) رده فى التحرير بأنه حينئذ يكون قياسًا بلا جامع فالوجه قياس الشهادة على الإغراء.

الشارح: (إلى الاختلاف فى محل الحكم) أى فقيس إرث المطلقة على عدم إرث القاتل بجامع أن كلًا نقيض الغرض الفاسد المقصود من فعل محرم وحكم الأصل إيجابه نقضًا للغرض الفاسد الذى قصده القاتل وكذا حكم الفرع إيجابه نقضًا للغرض الفاسد الذى قصده الزوج.

ص: 542

قال: (الثانى والعشرون: اختلاف جنس المصلحة كقول الشافعية أولج فرجًا فى فرج مشتهًى طبعًا محرم شرعًا فيحد كالزانى فيقال حكمة الفرع الصيانة عن رذيلة اللواط وفى الأصل دفع محذور اختلاط الأنساب فقد يتفاوتان فى نظر الشرع وحاصله معارضة وجوابه كجوابه بحذف خصوص الأصل).

أقول: ومن الاعتراضات اختلاف جنس المصلحة فى الأصل والفرع مثاله أن يقول المستدل يحد باللواط كما يحد بالزنا لأنه إيلاج فرج محرم فى فرج محرم شرعًا مشتهًى طبعًا فيقول المعترض اختلف المصلحة فى تحريمهما ففى الزنا منع اختلاط النسب المفضى إلى عدم تعهد الأولاد وفى اللواط دفع رذيلة اللواط فقد يتفاوتان فى نظر الشارع وحاصله معارضة فى الأول لإبداء خصوصية فى الأصل كأنه قال بل العلة ما ذكرتم مع كونه موجبًا لاختلاط النسب والجواب كجواب المعارضة بإلغاء الخصوصية بطريقه كما مر.

النوع السادس من الاعتراضات: ما يرد على المقدمة الرابعة وهى قوله فيوجد الحكم فى الفرع ولما قام عليه الدليل فلا سبيل إلى منعه بل يدعى المخالفة ويبينه إما مقتصرًا عليه أو مدعيًا أن دليلك يقتضى ذلك وهذا يسمى قلبًا.

قوله: (بإلغاء الخصوصية) لأن هذا نوع مخصوص من المعارضة فى الأصل هو إبداء خصوصية منضمة إلى وصف المستدل لا إبداء وصف آخر مستقل بالعلية حتى يتأتى الوجوه الآخر من جواب المعارضة مثل منع وجود الوصف أو بيان خفائه ونحو ذلك وطريق إلغاء الخصوصية هو بيان استقلال الوصف بشئ من مسالك العلة.

قوله: (بل يدعى المخالفة) ببن حكم الأصل وحكم الفرع ومن شرطه المماثلة لما عرفت أن القياس إثبات مثل حكم الأول فى الفرع وضمير بنيته للمخالفة بالتأويل المشهور وفى الصادر وضمير عليه لادعاء المخالفة أو لبيانها وذلك إشارة إلى المخالفة وحاصل هذا النوع اعتراضان لأن بيان المخالفة إما بدليل المستدل وهو القلب أو بغيره ولا اسم له بخصوصه فالمستدل حين حاول إلحاق البيع بالنكاح فى عدم الصحة بجامع يوجد فى صورة فقد أثبت فى الفرع حكمًا متماثلًا لحكم الأول والمعترض بين مخالفته له بأن معنى عدم الصحة فى البيع حرمة الانتفاع

ص: 543

وفى النكاح حرمة المباشرة وهما مختلفان وكذا فى القلب حين حاول إلحاق الاعتكاف بوقوف عرفة فى عدم كونهما قربة بجامع كونهما لبثًا فقد أثبت حكمًا مماثلًا لحكم الأصل لكن المعترض بين مخالفتهما بأن كون الاعتكاف ليس قربة بمجرده، معناه أنه يشترط فيه الصوم فيكون الوقوف كذلك مقرون بأنه لا يشترط فيه الصوم فيتخالفان وكذا فى مسألة مسح الرأس قصد المستدل تماثل الحكمين إذ حقيقتهما عدم الاكتفاء بالأقل، والمعترض بين مخالفتهما بأن معناه فى الفرع التقدير بالربع وفى الأصل عدم التقدير به وكذا فى مسألة منع بيع غير المرئى قصد تماثل الحكمين إذ حقيقتهما الصحة مع الجهل بأحد العوضين وقصد المعترض بيان مخالفتهما بأنها فى الفرع مقرونة بخيار الرؤية لما فى الأصل والجامع فى قيامهما واحد فيكون مقلوبًا وبهذا يتبين أن حاصل القلب دعوى المعترض أن وجود الجامع فى الفرع يستلزم مخالفة حكمه لحكم الأصل وأما وصف حكم الأصل بأنه الذى هو مذهب المستدل فالغرض منه تحقيق الإلزام والإبطال وإلا فحكم الأصل الذى يخالفه حكم الفرع مذهب المستدل والمعترض جميعًا كعدم اشتراط الصوم فى الوقوف بعرفة مثلًا والظاهر أن حكم الأصل من سهو القلم والصواب حكم الفرع لأن المعترض يدعى أن الجامع فى الفرع يستلزم حكمًا مخالفًا لحكمه الذى يثبته المستدل ويعتقده فإن مذهبه فى الاعتكاف اشتراط الصوم والمعترض يدعى أن كونه لبثًا كالوقوف يستلزم أن يكون حكمه عدم اشتراط الصوم وكذا فى سائر الأمثلة وهذا فى غاية الظهور ويؤيد ما ذكر أن القلب بأقسامه نوع من المعارضة لكونه دليلًا يثبت به خلاف حكم المستدل وما ذكر فى بعض الشروح أن القلب تعليق نقيض الحكم المدعى على الوصف الذى جعله المستدل علة الحكم وما ذكر فى المحصول أنه عبارة عن ربط خلاف فى قول المستدل على علته إلحاقًا بأصله لكن ما ذكر فى صدر البحث من أن القالب يدعى أن دليل المستدل يقتضى مخالفة حكم الفرع لحكم الأصل لا يوافق ذلك.

قوله: (وما ذكر فى بعض الشروح. . . إلخ) تأييد لكون المراد مخالفة حكم الفرع لحكمه الذى يعتقده المستدل وكذا قوله وما ذكر فى المحصول.

ص: 544

قال: (الثالث والعشرون: مخالفة حكم الفرع لحكم الأصل كالبيع على النكاح وعكسه وجوابه ببيان أن الاختلاف راجع إلى المحل الذى اختلافه شرط لا فى حكم وبيان).

أقول: بعد تسليم علة الأصل فى الفرع يقول المعترض الحكم فى الفرع مخالف للحكم فى الأصل حقيقة وإن ساواه بدليلك صورة والمطلوب مساواته له حقيقة فما هو مطلوبك غير ما أفاده دليلك والدليل إذا نصب فى غير محل النزاع كان فاسدًا لأن المقصود منه إثبات محل النزاع، مثاله: أن يقاس النكاح على البيع أو البيع على النكاح فى عدم الصحة بجامع فى صورة فيقول المعترض الحكم مختلف فإن عدم الصحة فى البيع حرمة الانتفاع بالمبيع وفى النكاح حرمة المباشرة.

والجواب: أن البطلان شئ واحد وهو عدم ترتب المقصود من العقد عليه وإنما اختلف المحل بكونه بيعًا ونكاحًا واختلاف المحل لا يوجب اختلاف ما حل فيه بل اختلاف المحل شرط فى القياس ضرورة فكيف يجعل شرطه مانعًا عنه فيلزم امتناعه أبدًا.

قال: (الرابع والعشرون: القلب قلب لتصحيح مذهبه وقلب لإبطال مذهب المستدل صريحًا وقلب بالالتزام الأول لبث فلا يكون قربة بنفسه كالوقوف بعرفة فيقول الشافعى: فلا يشترط فيه الصوم كالوقوف بعرفة. الثانى عضو وضوء فلا يكنفى فيه بأقل ما يطلق كغيره، فيقول الشافعى: فلا يقدر بالربع، الثالث عقد معاوضة فيصح مع الجهل بالعوض كالنكاح فيقول الشافعى فلا يشترط فيه خيار الرؤية لأن من قال بالصحة قال بخيار الرؤية فإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم والحق أنه نوع معارضة اشترك فيه الأصل والجامع فكان أولى بالقبول).

أقول: القلب حاصله دعوى استلزام وجود الجامع فى الفرع مخالفة حكمه لحكم الأصل الذى هو مذهب المستدل وذلك إما بتصحيح المعترض مذهبه فيلزم منه بطلان مذهب المستدل لتنافيهما أو بإبطاله لمذهب المستدل ابتداءً إما صريحًا أو بالالتزام الضرب الأول قلب لتصحيح مذهبه مثاله أن يقول الحنفى الاعتكاف يشترط فيه الصوم لأنه لبث فلا يكون بمجرده قربة كالوقوف بعرفة فيقول الشافعى فلا يشترط فيه الصوم كالوقوف بعرفة. الضرب الثانى قلب لإبطال مذهب الخصم صريحًا مثاله أن يقول الحنفى فى مسألة أن مسح الرأس يقدر بالربع عضو من

ص: 545

أعضاء الوضوء فلا يكفى أقله كسائر الأعضاء فيقول الشافعى فلا يقدر بالربع كسائر الأعضاء ومذهب الشافعى أنه يكتفى بالأقل ولم يثبته القلب الضرب الثالث: قلب لإبطال مذهب الخصم التزامًا مثاله أن يقول الحنفى بيع غير المرئى بيع معاوضة فيصح مع الجهل بأحد العوضين كالنكاح فيقول الشافعى فلا يثبتا فيه خيار الرؤية كالنكاح ووجه وروده أن من قال بصحته قال بخيار الرؤية فكان خيار الرؤية لازمًا للصحة عنده فإذا انتفى اللازم وهو خيار الرؤية انتفى الملزوم وهو الصحة، قوله والحق أنه أى القلب وإن عد سؤالًا برأسه فالحق فيه أنه بأقسامه راجع إلى المعارضة لأن المعارضة دليل يثبت به خلاف حكم المستدل والقلب كذلك إلا أنه نوع من المعارضة مخصوص فإن الأصل والجامع فيه مشترك بين قياسى المستدل والمعارض وفائدة ذلك أنه يجئ الخلاف فى قبوله ويكون المختار قبوله إلا أنه أولى بالقبول من المعارضة المحضة لأنه أبعد من الانتقال فإن قصد هدم دليل المستدل لأدائه إلى التناقض ظاهر فيه ولأنه مانع للمستدل من الترجيح.

النوع السابع من الاعتراضات: هو الوارد على قولهم بعد إثبات الحكم فى الفرع وذلك هو المطلوب فيمنعه ويقول لا نسلم بل النزاع بعد باقٍ وذلك خاتمة الاعتراضات وهو اعتراض واحد يسمى القول بالموجب.

قوله: (لأنه) أى القلب مانع للمستدل من الترجيح لأن الترجيح إنما يتصور بين شيئين وههنا الدليل واحد عن صغرى مشهورة فى أكثر نسخ المتن غير مشهورة وهو أقرب للقطع بأن كون الوضوء قربة ليست مشهورة ولأن الصغرى إذا كانت مشهورة فهى بمنزلة المذكورة فلا يرد القول بالموجب.

ص: 546

قال: (الخامس والعشرون: القول بالموجب وحقيقته تسليم الدليل مع بقاء النزاع وهو ثلاثة: الأول أن يستنتجه ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملازمه مثل قتل بما يقتل غالبًا فلا ينافى وجوب القصاص كحرقه فيرد بأن عدم المنافاة ليس محل النزاع ولا يقتضيه، الثانى أن يستنتجه إبطال ما يتوهم أنه مأخذ الخصم مثل التفاوت فى الوسيلة لا يمنع وجوب القصاص كالمتوسل إليه فيرد إذ لا يلزم من إبطال مانع انتفاء الموانع ووجود الشرائط والمقتضى والصحيح أنه مصدق فى مذهبه وأكثر القول بالموجب كذلك لخفاء المأخذ بخلاف محال الخلاف، الثالث: أن يسكت عن الصغرى غير مشهورة مثل ما يثبت قربة فشرطه النية كالصلاة ويسكت عن الوضوء قربة فيرد ولو ذكرها لم يرد إلا المنع وقولهم فيه انقطاع أحدهما بعيد فى الثالث لاختلاف المرادين وجواب الأول بأنه محل النزاع أو مستلزمه كما لو قال لا يجوز قتل المسلم بالذمى فيقال بالموجب لأنه يجب فيقول المعنى بلا يجوز تحريمه ويلزم نفى الوجوب وعن الثانى أنه المأخذ وعن الثالث بأن الحذف سائغ).

أقول: القول بالموجب لا يختص بالقياس بل يجئ فى كل دليل وحاصله تسليم مدلول الدليل مع بقاء النزاع وذلك دعوى نصب الدليل فى غير محل النزاع ويقع على وجوه ثلاثة:

الوجه الأول: أن يستنتج من الدليل ما يتوهم أنه محل النزاع أو ملازمه ولا يكون كذلك مثاله: أن يقول الشافعى فى القتل بالمثقل: قتل بما لا يقتل غالبًا، فلا ينافى القصاص كالقتل بالحرق فيرد القول بالموجب فيقول عدم المنافاة ليس محل النزاع لأن محل النزاع هو وجوب القتل ولا يقتضى أيضًا محل النزاع إذ لا يلزم من عدم منافاته للوجوب أن يجب.

الثانى: أن يستنتج من الدليل إبطال أمر يتوهم أنه مأخذ الخصم ومبنى مذهبه فى المسألة وهو يمنع كونه مأخذًا لمذهبه فلا يلزم من إبطاله إبطال مذهبه، مثاله أن يقول الشافعى فى المثال المتقدم وهو مسألة القتل بالمثقل: التفاوت فى الوسيلة لا يمنع القصاص كالمتوسل إليه وهو أنواع الجراحات القاتلة فيرد القول بالوجب فيقول الحنفى الحكم لا يثبت إلا بارتفاع جميع الموانع ووجود الشرائط بعد قيام المقتضى وهذا غايته عدم مانع خاص ولا يستلزم انتفاء الموانع ولا وجود الشرائط ولا وجود المقتضى فلا يلزم ثبوت الحكم وقد اختلف فى أن المعترض إذا قال ليس

ص: 547

هذا مأخذى هل يصدق أو لا فقيل لا يصدق إلا ببيان مأخذ آخر إذ ربما كان مأخذه ذلك لكنه يعاند والصحيح أنه يصدق لأنه أعرف بمذهبه ومذهب إمامه ولأنه ربما لا يعرف فيدعى احتمال أن لمقلده مأخذًا آخر، واعلم أن أكثر القول بالموجب من هذا القبيل وهو ما يقع لاشتباه المأخذ لخفاء مأخذ الأحكام وقلما يقع الأول وهو اشتباه محل الخلاف لشهرته ولتقدم التحريم غالئا.

الثالث: أن يسكت عن صغرى غير مشهورة ويستعمل قياس الضمير، مثاله فى الوضوء ما ثبت قربة فشرطه النية كالصلاة ويسكت عن الصغرى فلا يقول الوضوء ثبت قربة فيرد القول بالموجب فيقول المعترض مسلم ومن أين يلزم أن يكون الوضوء شرطه النية فهذا يرد إذا سكت عن الصغرى وأما إذا كانت الصغرى مذكورة فلا يرد إلا منع الصغرى بأن يقول لا نسلم أن الوضوء ثبت قربة ويكون حينئذ منعًا للصغرى لا قولًا بالموجب، قال الجدليون القول بالموجب فيه انقطاع أحد المتناظرين إذ لو بين المستدل أن الثبت مدعاه أو ملزومه أو المبطل وأخذ الخصم أو الصغرى حق انقطع المعترض إذ لم يبق بعده إلا تسليم المطلوب وإلا انقطع المستدل إذ قد ظهر عدم إفضاء دليله إلى مطلوبه. قال المصنِّفُ قولهم ذلك صحيح فى القسمين الأولين وهو فى القسم الثالث بعيد لاختلاف مرادى المتناظرين فمراد المستدل أن المتروك فى حكم المذكور لظهوره ومراد المعترض أن المذكور وحده لا يفيد فإذا بين مراده فله أن يمنع ويستمر البحث وإن سلم فقد انقطع إذا عرفت ذلك فالجواب عن القسم الأول إذ مرجعه إلى منع كون اللازم من الدليل محل النزاع أو مستلزمًا له بأن يبين أحدهما، مثاله أن يقول لا يجوز قتل المسلم بالذمى قياسًا على الحربى فيقول نعم ولكنه يجب فإن لا يجوز نفى الإباحة وهو ليس نفى الوجوب ولا يستلزمه لأنه أعم فيجيب بأن المعنى بعدم الجواز هو الحرمة وهو يستلزم عدم الوجوب وعن الثانى أنه المأخذ لاشتهاره بين النظار وبالنقل عن أئمة مذهبهم وعن الثالث أن الحذف عند العلم بالمحذوف سائغ والمحذوف مراد ومعلوم فلا يضر حذفه والدليل هو المجموع لا المذكور وحده.

ص: 548

قال: (والاعتراضات من جنس واحد يتعدد اتفاقًا ومن أجناس كالمنع والمطالبة والنقض والمعارضة منع أهل سمرقند التعدد للخبط والمترتبة منع الأكثر لما فيه من التسليم للمتقدم فيتعين الأخير والمختار جوازه لأن التسليم تقديرى فليترتب وإلا كان منعًا بعد تسليم فيقدم ما يتعلق بالأصل ثم العلة لاستنباطها منه ثم الفرع لبنائه عليها وقدم النقض على معارضة الأصل لأنه يورد لإبطال العلة والمعارضة لإبطال استقلالها).

أقول: الاعتراضات إما من جنس واحد كالاستفسار أو المنع أو المعارضة أو النقض فهذا يجوز تعدده اتفاقًا وإما من أجناس متعددة كاستفسار ومنع ومعارضة ونقض فهذا اختلف فى جواز تعدده فمنعه أهل سمرقند ليكون أبعد من الخبط وأقرب إلى الضبط فإذا جوزنا الجمع فالمترتبة طبعًا مثل منع حكم الأصل ومنع العلية إذ تعليل الحكم بعد ثبوته طبعًا يمنعها أكثر المناظرين لأن الأخير فيه تسليم الأول فيتعين الأخير سؤالًا فيجاب عنه دون الأول فيضيع الأول ويلغو فإنه إذا قال لا نسلم حكم الأصل ولا نسلم أنه معلل بالوصف فالبحث عن تعليله وأنه بماذا هو يتضمن الاعتراف بثبوته فإنه ما لم يثبت لا يطلب علة ثبوته والمختار جوازه لأن التسليم تقديرى ومعناه ولو سلم الأول فالثانى وارد وذلك لا يستلزم التسليم فى نفس الأمر وإذا عرفت جواز المترتبة فالواجب إيرادها مترتبة ورعاية الترتيب فى الإيراد وإلا كان منعًا بعد تسليم فإنه إذا قال لا نسلم أن الحكم معلل بكذا فقد سلم ضمنًا ثبوت الحكم فإذا قال ولو سلم فلا نسلم ثبوتًا كان مانعًا لما سلمه فلا يسمع منه وإذا ثبت وجوب الترتيب فالترتيب اللائق المناسب للترتيب الطبيعى أن يقدم من الاعتراضات ما يتعلق بالأصل ثم بالعلة لأنها مستنبطة منه ثم بالفرع لابتنائه عليها ويقدم النقض على معارضة الأصل لأن النقض يذكر لإبطال العلة والمعارضة لإبطال تأثيرها بالاستقلال فالواجب أن يقول ليس بعلة وإن سلم فليس بمستقل.

قوله: (من جنس واحد) كل من الخمسة والعشرين جنس يندرج عدة منها تحت نوع منها على ما هو مصطلح الأصول من اندراج الأجناس تحت الأنواع وقد ينحصر النوع فى جنس كالاستفسار والقول بالموجب وأما المعارضة فيحتمل أن

ص: 549

تكون جنسًا واحد أفراده المعارضة فى الأصل والمعارضة فى العلة ويحتمل أن يكون كل منها جنسًا برأسه وهو الأظهر وكذا المنع به يشعر لفظ الشرح حيث جعل منع حكم الأصل ومنع العلية من الأجناس المتعددة المترتبة.

قوله: (ليكون أبعد من الخبط) وهذا بخلاف المتعدد من جنس واحد كاستفسارات أو معارضات مثلًا فإن النشر فيه أقل وهو من الخبط أبعد.

قوله: (وإذا ثبت وجوب الترتيب) ذكر الآمدى أول ما يجب الابتداء به الاستفسار ثم فساد الاعتبار ثم فساد الوضع ثم منع الحكم فى الأصل ثم منع وجود العلة فيه ثم الأسئلة المتعلقة بالعلية كالمطالبة وعدم التأثير والقدح فى المناسبة والتقسيم وكون الوصف غير ظاهر ولا منضبط وكونه غير مفضٍ المقصود ثم النقض والكسر ثم المعارضة فى الأصل ثم ما يتعلق بالفرع كمنع وجود العلة فيه ومخالفة حكمه لحكم الأصل واختلاف الضابط والحكمة والمعارضة فى الفرع والقلب ثم القول بالموجب.

ص: 550