الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(الكلام فى الاستحسان)
قال: (الاستحسان: قال به الحنفية والحنابلة وأنكره غيرهم حتى قال الشافعى من استحسن فقد شرع ولا يتحقق استحسان مختلف فيه فقيل دليل ينقدح فى نفس المجتهد تعسر عبارته عنه قلنا إن شك فيه فمردود وإن تحقق فمعمول به اتفاقًا وقيل هو العدول عن قياس إلى قياس أقوى ولا نزاع فيه، وقيل تخصيص قياس بأقوى منه ولا نزاع فيه وقيل هو العدول إلى خلاف النظير لدليل أقوى ولا نزاع فيه، قيل العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس كدخول الحمام وشرب الماء من السقاء قلنا مستنده جريانه فى زمانه أو زمانهم مع علمهم من غير إنكار أو غير ذلك وإلا فهو مردود فإن تحقق استحسان مختلف فيه قلنا لا دليل يدل عليه فوجب تركه. قالوا: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ} [الزمر: 55]، قلنا أى الأظهر والأولى، وما رآه المسلمون حسنًا فهو عند اللهَ حسن، يعنى الإجماع وإلا لزم العوام).
أقول: الاستحسان قال الحنفية والحنابلة بكونه دليلًا، وأنكره غيرهم حتى قال الشافعى من استحسن فقد شرع يعنى من أثبت حكمًا بأنه مستحسن عنده من غير دليل من قبل الشارع فهو الشارع لذلك الحكم لأنه لم يأخده من الشارع وهو كفر أو كبيرة، والحق أنه لا يتحقق استحسان مختلف فيه لأنهم ذكروا فى تفسيره أمورًا لا تصلح محلًا للخلاف لأن بعضها مقبول اتفاقًا وبعضها مردد بين ما هو مقبول اتفاقًا وبين ما هو مردود اتفاقًا، فقيل دليل ينقدح فى نفس المجتهد ويعسر عليه التعبير عنه وهذا من المتردد بين القبول والرد إذ نقول ما المعنى بقوله ينقدح إن كان بمعنى أنه يتحقق ثبوته فيجب العمل به اتفاقًا ولا أثر لعجزه عن التعبير فإنه يختلف بالنسبة إلى الغير وأما بالنسبة إليه فلا وإن كان بمعنى أنه شاك فيه فهو مردود اتفاقًا إذ لا تثبت الأحكام بمجرد الاحتمال والشك.
وقيل: هو العدول عن قياس إلى قياس أقوى وهذا مما لا نزاع فى قبوله.
وقيل: تخصيص قياس بأقوى منه وهذا أيضًا مما لا نزاع فى قبوله.
وقيل: العدول إلى خلاف النظير لدليل أقوى منه وهذا أيضًا مما لا نزاع فى قبوله.
وقيل: العدول عن حكم الدليل إلى العادة لمصلحة الناس كدخول الحمام من غير تعيين زمان المكث ومقدار الماء المسكوب والأجرة، وذلك على خلاف الدليل وكذلك شرب الماء من السقاء من غير تعيين مقدار الماء وبدله وهذا أيضًا متردد وذلك أن مستند مثله إما العادة المعتبرة من جريانه فى زمانه صلى الله عليه وسلم فقد ثبت بالسنة أو جريانه فى عهد الصحابة مع عدم إنكارهم عليه فقد ثبت بالإجماع، وأما غيرها فإن كان نصًا أو قياسًا مما تثبت حجيته فقد ثبت به وإن كان شيئًا غيره مما لم يثبت حجيته فهو مردود قطعًا وإذا تقرر ذلك فإذا أظهر الخصم استحسانًا يصلح محلًا للنزاع قلنا له فى نفيه إنه لا دليل يدل عليه فوجب نفيه لما علمت أن عدم الدليل فى نفى الأحكام الشرعية مدرك شرعى.
قالوا: أولًا: قال تعالى: {وَاتَّبِعوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم} [الزمر: 55]، والأمر للوجوب، فدل على ترك بعض واتباع بعض بمجرد كونه أحسن وهو معنى الاستحسان.
الجواب: أن المراد بالأحسن الأظهر والأولى، فعند التعارض الراجح بدلالته فإذا تساويا فالراجح بحكمه.
قالوا: ثانيًا: قال عليه السلام: "ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند اللَّه حسن"، دل أن ما رآه الناس فى عاداتهم ونظر عقولهم مستحسنًا فهو حق فى الواقع إذ ما ليس بحق فليس بحسن عند اللَّه.
الجواب: المسلمون صيغة عموم فالمعنى ما رآه جميع المسلمين حسنًا فيتناول إجماع جميع أهل الحل والعقد لا ما رآه كل واحد حسنًا وإلا لزم حسن ما رآه آحاد العوام حسنًا، وما أجمع عليه فهو حسن عند اللَّه لأن الإجماع لا يكون إلا عن دليل.
قوله: (على خلاف دليله) هو ما يورد فى موضعه من الدليل على وجوب تعيين المنفعة والأجرة فى الإجارات وتعيين المبيع والثمن فى المبايعات.
قوله: (فإذا أظهر الخصم استحسانًا) اعلم أن الذى استقر عليه رأى المتأخرين هو أن الاستحسان عبارة عن دليل يقابل القياس الجلى الذى تسبق إليه الأفهام وهو حجة لأن ثبوته بالدلائل التى هى حجة إجماعًا لأنه إما بالأثر كالسلم والإجارة
وبقاء الصوم فى النسيان وإما بالإجماع كالاستصناع وإما بالضرورة كطهارة الحياض والآبار وإما بالقياس الخفى وأمثلته كثيرة، والمراد بالاستحسان فى الغالب قياس خفى يقابل قياسًا جليًا، وأنت خبير بأنه على هذه التفاسير ليس دليلًا خارجًا عما ذكر من الأدلة.
قوله: (لما علمت) إشارة إلى ما سبق مرارًا أن ما لا دليل على كونه حجة شرعية يمتنع أن يثبت به حكم شرعى.
قوله: (فعند التعارض) أى بحسب الظهور والأولوية يتبع الراجح بحسب الدلالة بأن يكون أقوى دلالة وعند تساوى الدلالتين يتبع الراجح بحسب الحكم كترجيح المحرم على المباح.
قوله: (إذ ما ليس بحق فليس بحسن عند اللَّه تعالى) بيان للمطلوب بعكس النقيض لكونه أظهر فى البيان وتقريره أن ما رآه المؤمنون حسنًا فهو عند اللَّه حسن، وكل ما هو حسن عند اللَّه فهو حق أما الصغرى فبحكم النبى عليه السلام، وأما الكبرى فبحكم عكس النقيض وهو أن ما ليس بحق ليس بحسن عند اللَّه بحكم الضرورة.
المصنف: (تخصيص قياس بأقوى منه) أى بدليل أقوى منه غير قياس وإنما قلنا غير قياس لئلا يتكرر مع ما قبله وقوله إلى خلاف النظير أى يعدل فى المسألة إلى خلاف ما حكم به فى نظائرها لوجه هو أقوى من الأول.