المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(مسائل الاستثناء) قال: (الاستثناء فى المنقطع قيل حقيقة، وقيل مجازًا، وعلى - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ٣

[عضد الدين الإيجي]

فهرس الكتاب

- ‌(مباحث التخصيص)

- ‌(مسائل الاستثناء)

- ‌(مباحث الشرط والصفة والغاية)

- ‌(مسائل التخصيص بالمنفصل)

- ‌(مسألة: يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب

- ‌(المطلق والمقيد)

- ‌(المجمل)

- ‌(البيان والمبين)

- ‌(الظاهر والمؤول)

- ‌(المنطوق والمفهوم)

- ‌(مباحث النسخ)

- ‌(مسألة: يجوز نسخ القرآن بالقرآن

- ‌(الكلام فى القياس)

- ‌(مباحث مسالك العلة)

- ‌(الطرد والعكس

- ‌القياس جلى وخفى

- ‌(الاعتراضات)

- ‌(فساد الاعتبار)

- ‌ فساد الوضع

- ‌(الكلام فى الاستدلال)

- ‌(الكلام فى الاستصحاب)

- ‌(الكلام فى شرع من قبلنا)

- ‌(الكلام فى مذهب الصحابى)

- ‌(الكلام فى الاستحسان)

- ‌(الكلام فى المصالح المرسلة)

- ‌(الكلام فى الاجتهاد)

- ‌(التقليد والمفتى والمستفتى وما يستفتى فيه)

- ‌(الترجيح)

- ‌ القسم الأول: فى ترجيح المنقولين:

- ‌الصنف الأول: فى الترجيح بحسب السند:

- ‌(الفصل الأول: فى الراوى):

- ‌(الفصل الثانى: فى الترجيح بالرواية):

- ‌(الفصل الثالث: فى الترجيح بحسب المروى):

- ‌(الفصل الرابع: فى الترجيح بحسب المروى عنه):

- ‌ الصنف الثانى: الترجيح بحسب المتن:

- ‌ الصنف الثالث: الترجيح بحسب المدلول:

- ‌ الصنف الرابع: الترجيح بحسب الخارج:

- ‌ القسم الثانى: ترجيح المعقولين:

- ‌الصنف الأول: القياسان:

- ‌الفصل الأول: فى ترجيحه بحسب الأصل:

- ‌ الفصل الثانى: فى الترجيح بحسب العلة:

- ‌ الفصل الثالث: فى الترجيح بحسب الفرع:

- ‌الفصل الرابع: فى الترجيح بحسب الخارج:

- ‌الصنف الثانى: الاستدلالان:

- ‌ القسم الثالث: فى ترجيح المنقول والمعقول:

الفصل: ‌ ‌(مسائل الاستثناء) قال: (الاستثناء فى المنقطع قيل حقيقة، وقيل مجازًا، وعلى

(مسائل الاستثناء)

قال: (الاستثناء فى المنقطع قيل حقيقة، وقيل مجازًا، وعلى الحقيقة، قيل متواطئ، وقيل مشترك، ولا بد لصحته من مخالفة فى نفى الحكم، أو فى أن المستثنى حكم آخر له مخالفة بوجه مثل: ما زاد إلا ما نقص، ولأن المتصل أظهر لم يحمله فقهاء الأمصار على المنقطع إلا عند تعذره ومن ثمة قالوا فى: له عندى مائة درهم إلا ثوبًا وشبهه إلا قيمة ثوب).

أقول: المستثنى إن كان بعض المستثنى منه فالاستثناء متصل وإلا فمنقطع، والمنقطع قد علمت أنه لا مدخل له فى التخصيص فإن قولك جاءنى القوم إلا حمارًا لا يخرج بعض المسمى ولا نعرف خلافًا فى صحته لغة، إنما الخلاف فى كونه حقيقة أو مجازًا، فقيل حقيقة، وقيل مجاز، وعلى القول بأنه حقيقة فقد قيل: إنه متواطئ أى مقول على المتصل والمنقطع باعتبار أمر مشترك بينهما، وقيل لا بل هو مشترك بينهما بالاشتراك اللفظى، واعلم أنه لا بد لصحة الاستثناء المنقطع من مخالفة بوجه من الوجوه، وقد يكون بأن ينفى من المستثنى الحكم الذى يثبت للمستثنى منه، نحو: جاءنى القوم إلا حمارًا، فقد نفينا المجئ عن الحمار، بعد ما أثبتناه للقوم، وقد يكون بأن يكون المستثنى نفسه حكمًا آخر مخالفًا للمستثنى منه بوجه، مثل: ما زاد إلا ما نقص، فإن النقصان حكم مخالفة للزيادة، وكذا: ما نفع إلا ما ضر، ولا يقال: ما جاءنى زيد، إلا أن الجوهر الفرد حق إذ لا مخالفة بينهما بأحد الوجهين وبالجملة فإنه مقدر بلكن فكما يجب فيه مخالفة إما تحقيقًا، مثل: ما ضربنى زيد لكن ضربنى عمرو، وإما تقديرًا مثل: ما ضربنى لكن أكرمنى فكذا ههنا، واعلم أن الحق أن المتصل أظهر فلا يكون مشتركًا ولا للمشترك بل حقيقة فيه ومجازًا للمنقطع، فلذلك لم يحمله علماء الأمصار على المنفصل إلا عند تعذر المتصل حتى عدلوا للحمل على المتصل عن الظاهر وخالفوه، ومن ثمة قالوا "فى قوله: له عندى مائة درهم إلا ثوبًا وله على إبل إلا شاة" معناه: إلا قيمة ثوب أو قيمة شاة فيرتكبون الإضمار وهو خلاف الظاهر ليصير متصلًا ولو كان فى المنقطع ظاهرًا لم يرتكبوا مخالفة ظاهر حذرًا عنه.

ص: 14

قوله: (الاستثناء فى المنقطع قيل حقيقة) ظاهر كلام الشارح وكثير من المحققين أن الخلاف فى صيغ الاستثناء لا فى لفظه لظهور أنه فيهما مجاز بحسب اللغة حقيقة عرفية بحسب النحو وما ذكر من أن علماء الأمصار لا يحملونه على المنقطع إلا عند تعذر المتصل إلى آخر كلامه، صريح فيما ذكرنا إلا أن ما ذكره العلامة وغيره من الاستدلال على كونه مجازًا فى المنقطع بأنه من ثنيت عنان الفرس صرفته وإنما يتحقق ذلك فى المتصل صريح فى أن الخلاف فى لفظ الاستثناء ثم فى قوله لا نعرف خلافًا فى صحته لغة رد لما ذكره الآمدى من أنه اختلف العلماء فى صحة الاستثناء من غير الجنس، فجوّزه أصحاب أبى حنيفة ومالك والقاضى أبو بكر وجماعة من المتكلمين والنحاة ومنعه الأكثرون وأما أصحابنا فمنهم من قال بالنفى ومنهم من قال بالإثبات.

قوله: (ما زاد إلا ما نقص) ما الأولى نافية والثانية مصدرية والمعنى لكن النقصان فعل أو لكن النقصان أمر وبيانه على ما قدره السيرافى وليس المعنى ما زاد شيئًا غير النقصان ليكون متصلًا مفرغًا.

قوله: (واعلم أى الحق) إشارة إلى الدليل على كونه مجازًا فى المنقطع وذلك لأن المتصل هو المتبادر إلى الفهم فلا يكون الاستثناء يعنى صيغته مشتركًا لفظًا لا موضوعًا للقدر المشترك بين المتصل والمنقطع إذ ليس أحد معانى المشترك أو أفراد المتواطئ أولى بالظهور والمتبادر عند قطع النظر عن عارض شهرة أو كثرة ملاحظة أو نحو ذلك.

قوله: (وليس المعنى ما زاد شيئًا غير النقص) الذى يؤخذ من كلام ابن السراج أن الاستثناء متصل وأن التقدير هو على حاله إلا النقص وكذا يقال فى قوله ما نفع إلا ما ضر أن التقدير هو على حاله إلا ما ضر وقال ابن مالك: إن المعنى ما عرض له عارض إلا النقص وما أفاد شيئًا إلا الضرر.

ص: 15

قال: (وأما حدّه فعلى التواطؤ ما دل على مخالفة بإلا غير الصفة وأخواتها وعلى الاشتراك والمجاز لا يجتمعان فى حد فيقال فى المنقطع ما دل على مخالفة بإلا غير الصفة وأخواتها من غير إخراج، وأما المتصل فقال الغزالى رحمه الله: قول ذو صيغ مخصوصة محصورة دال على أن المذكور به لم يرد بالقول الأول وأورد على طرده التخصيص بالشرط والوصف بالذى والغاية ومثل قام القوم ولم يقم زيد ولا يرد الأوّلان، وعلى عكسه جاء القوم إلا زيد، فإنه ليس بذى صيغ، وقيل لفظه متصل بجملة لا يستقل بنفسه دال على أن مدلوله غير مراد بما اتصل به ليس بشرط ولا صفة ولا غاية وأورد على طرده قام القوم إلا زيد وعلى عكسه ما جاء إلا زيدًا فإنه لم يتصل بجملة وإن مدلوله كل استثناء مراد بالأول والاحتراز من الشرط والصفة وهم والأولى إخراج بإلا وأخواتها).

أقول: الاستثناء المنقطع قد علمت أنه اختلف فيه أمتواطى هو أم مشترك أو مجاز، فإن قلنا: إنه متواطئ فى المتصل والمنقطع أمكن حده مع المتصل بحد واحد باعتبار المعنى المشترك بينهما وهو مجرد المخالفة الأعم من الإخراج وعدمه فيقال ما دل على مخالفة بإلا غير الصفة وأخواتها.

فقوله: ما دل على مخالفة؛ يتناول أنواع التخصيص.

وقوله: بإلا غير الصفة؛ يخرج سائر أنواعه وإنما قيد إلا بغير الصفة، ليخرج نحو:{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22]، لأنه بمعنى غير اللَّه فيكون صفة لا استثناء.

وقوله وأخواتها أراد به الحروف المرادة لإلا نحو سوى وحاشا وخلا وعدا وهى حروف معلومة معينة.

وأما إن قلنا إنه مشترك بين المتصل والمنقطع أو حقيقة فى المتصل مجاز فى المنقطع فلا يمكن الجمع بينهما فى حدّ واحد لأن مفهوميه حينئذٍ حقيقتان مختلفتان فلا يكون حدّهما واحدًا بل يجب حد كل واحد منهما باعتبار خصوصيتهما وهما متغايرتان ضرورة، وأما المنقطع فيزاد بما ذكرنا قَيَّد يمتاز به عن المتصل، وهو قولنا: من غير إخراج فيقال: ما دل على مخالفة بإلا غير الصفة وأخواتها من غير إخراج فقولنا: من غير إخراج، هو الذى أخرج المتصل لأنه يدل على مخالفة مع إخراج، وأما المتصل فقال الغزالى رحمه الله: هو قول ذو صيغ

ص: 16

مخصوصة محصورة دالٌّ على أن المذكور به لم يرد بالقول الأول، واعترض على طرده وعكسه، أما طرده فقيل يرد عليه التخصيص بالشرط، مثل أكرم الناس إن علموا، وبالوصف بالذى نحو الناس الذين علموا، وبالنفى الصريح نحو: جاء القوم ولم يجى زيد، فإنها كلها ذو صيغ مخصوصة محصورة دالة على ما ذكرتم.

قال المصنِّفُ: ولا يرد الأولان أعنى التخصيص بالشرط والوصف بالذى لأنهما لا يخرجان المذكور به وهم العلماء فى مثالنا بل غير المذكور وهو من عدا العلماء على ما لا يخفى، والحق أنه لا يرد الثالث أيضًا، لأن تقييد الألفاظ بالدلالة إنما يراد بها فيه الدلالة بحسب الوضع ولم يجى زيد لم يوضع إلا لنفى المجئ عن زيد لأنه لم يرد زيد من الكلام الأول، وإنما يلزم ذلك من ذكره بعد الإثبات لزومًا عقليًا، إن كان القائل ممن لا يناقض نفسه لا لزومًا وضعيًا ألا ترى أنك تقول لم يجئ القوم ولم يجئ زيد، ولا دلالة على مخالفة أصلًا، وذلك بخلاف جاء القوم إلا زيد فإنه لم يوضع إلا لذلك، وأما عكسه فقيل يرد عليه جاء القوم إلا زيدًا فإنه استثناء ولم يصدق عليه أنه ذو صيغ بل ذو صيغة واحدة والحق أنه مندفع بظهور المراد وهو أن جنس الاستثناء ذو صيغ وكل استثناء ذو صيغة من الصيغ والمناقشة فى مثله مع مثله لا تحسن كل الحسن وقيل: إنه لفظ متصل بجملة لا يستقل بنفسه دال على أن مدلوله غير مراد بما اتصل به وليس بشرط ولا صفة ولا غاية فاحترز بالمتصل عن المنفصل من لفظ أو عقل أو غيرهما وبقوله: لا يستقل عن اللفظى المتصل المستقل، وبقوله: دال إلى آخره عن المتصلات الغير المخصصة، وبقوله: ليس بشرط ولا صفة ولا غاية، عن الثلاث، وقد اعترض عليه بأنه فاسد من جهة الطرد والعكس ووجود اللغو فيه، أما الطرد، فلأن قولك: قام القوم لا زيد يصدق عليه الحد، وليس باستثناء.

وأما العكس: فأوّلًا لأن الاستثناء المفرغ نحو: ما جاء إلا زيد، استثناء ولا يصدق عليه الحد، لأنه لم يتصل بجملة لأن ما قبله ليس بجملة فإنه هو الفاعل، والفعل وحده مفرد لا جملة، وثانيًا: لأن الحق على ما سنبينه أن كل استثناء متصل مراد بما يتقدمه ثم يخرج عنه ثم يسند إلى الباقى.

وأما اللغو فيه فإن قوله وليس بشرط ولا صفة لا حاجة إليه فإنه لإخراجهما وظن دخولهما وهم لأنهما لا يدلان على أن مدلولهما غير مراد بل على أن المراد

ص: 17

مدلولهما لا غير.

وقد يقال على الأول أن لا زيد وضع للنفى لا لإعلام عدم الإرادة بدليل جاءنى زيد لا عمرو.

وعلى الثانى: أن المراد الجملة أو ما يقدر بها وما اتصل به المفرغ يقدر معه عام يتناوله فيكون جملة معنى.

وعلى الثالث: أن المستثنى غير مراد فى الجملة، حيث لم يرد الإسناد به إليه.

وعلى الرابع: أنه لا يريد إخراج كل شرط وصفة بل نحو: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22].

* وأكرم الناس إن لم يكونوا جهالًا *

فإنه دل على عدم إرادة اللَّه وعدم إرادة الجهال، وإذا عرفت أن شيئًا مما ذكر لا يخلو عن ضعف فالأولى أن يقال: إنه إخراج بإلا وأخواتها، ولا يخفى أن هذا حدّ بحسب اللفظ لأنه إن أراد بأخواتها ما يدل على الإخراج، ورد الغاية، ونحو جاء القوم لا زيد على ما يراه فتعين أن يريد الألفاظ المشهورة، والأولى أن يقال: إخراج بحرف وضع له ولا يرد الغاية ونحو جاء القوم لا زيد، وإن فهم منهما الإخراج فى بعض التراكيب إذ ليس وضعهما لذلك.

قوله: (الاستثناء المنقطع) مبتدأ خبره الجملة الشرطية أعنى قوله فإن قلنا أنه أى الاستثناء متواطئ أمكن حده أى المنقطع وقوله قد علمت حال وضمير أنه وفيه وهو للاستثناء وقوله أو مشترك أى لفظًا بين المتصل والمنقطع أو مجاز أى فى المنقطع.

قوله: (ما دل على مخالفة) الاستثناء قد يقال بمعنى المصدر وهو الإخراج أو المخالفة بمعنى المستثنى وهو المخرج والمذكور بعد إلا من غير إخراج وبمعنى اللفظ الدال على ذلك كالشرط والصفة وهو المقصود بالتعريف ههنا.

قوله: (أراد بها الحروف المرادفة لإلا) فيه تجوّز وتسامح إذ من الأخوات أسماء وأفعال والترادف بمعنى اتحاد المفهوم محال.

قوله: (لأن مفهوميه) يعنى الحقيقيين إن كان مشتركًا والحقيقى والمجازى إن كان مختصًا بالمتصل فإن قيل ربما تجمع الحقائق المختلفة فى حد كأنواع الحيوان، قلنا

ص: 18

عند اتحاد مفهوم مشترك بينها والتقدير ههنا تعدد المفهوم.

قوله: (من غير إخراج) يخرج المتصل ويشعر بأن المتصل ما دل على مخالفة بإلا وأخواتها مع إخراج إلا أنه حاول إيراد تعريفات القوم وتزييفها ثم إيراد تعريف الاستثناء باعتبار معناه المصدرى وينبغى أن يعلم أنا إذا قلنا جاءنى القوم إلا زيدًا فالاستثناء يطلق على إخراج زيد وعلى زيد المخرج وعلى لفظ زيد المذكور بعد إلا وعلى مجموع لفظ إلا زيدًا وبهذه الاعتبارات اختلف العبارات فى تفسيره فيجب أن يحمل كل تفسير على ما يناسبه من المعانى الأربعة.

قوله: (قول ذى صيغ) ذكر الإمام حجة الإسلام أنه احترز عن التخصيص لأنه قد لا يكون بقول بل بفعل أو قرينة أو دليل عقلى وإذا كان بقول فلا تنحصر صيغه وأنه احترز بصيغ مخصوصة عن مثل رأيت المؤمنين ولم أر زيدًا، إذ المراد من الصيغ أدوات الاستثناء وإذ قد صرح بأن المراد بالصيغ المخصوصة المحصورة ما هو المتعارف من أدوات الاستثناء لم يرد عليه شئ بما ذكر والآمدى أخذ بظاهر اللفظ فاعترض بسائر التخصيصات مثل رأيت المؤمنين ولم أر زيدًا واقتلوا المشركين ولا تقتلوا أهل الذمة والقوم علماء وزيد جاهل إلى غير ذلك فإنها صيغ محصورة ضرورة تناهى الألفاظ الدالة ولما كان ظاهرًا أنه لا يريد بالمحصورة مجرد التناهى بل الداخلة تحت الضبط اقتصر المصنِّفُ على الاعتراض بمثل الشرط والنفى والغاية والوصف بالموصلات دون البدل وسائر الصفات وغير ذلك وأهمل الشارح ذكر الغاية وكأنها لم تقع فى نسخته ولا يخفى أن ما ذكره فى الجواب عن النفى جواب عن الغاية وفى بعض الضروح أن التعريف لأدوات الاستثناء كأنه قال أدوات الاستثناء كلمات ذوات صيغ وتقييد الوصف بمثل الذى لأنه الذى ذكر بعده شئ هو الصلة كأدوات الاستثناء يذكر بها المستثنى وهذا خبط عظيم.

قوله: (لفظ متصل بجملة) هذا بعينه التعريف الذى اختاره الآمدى إلا أنه ذكر مكان قوله وليس بشرط ولا صفة ولا غاية قوله بحرف إلا أو إحدى أخواتها وقال احترز بلفظ عن غير اللفظ من الدلالات المخصصة الحسية أو العقلية وبمتصل عن الدلائل المنفصلة وبقوله لا يستقل عن مثل قام القوم ولم يقم زيد، وبقوله يدل عن الصيغ المهملة وبقوله على أن مدلوله عن الأسماء المؤكدة والنعتية مثل جاءنى القوم العلماء كلهم وبحرف إلا أو إحدى أخواتها عن مثل قام القوم دون زيد وما

ص: 19

ذكره الشارح من أنه احترز بالمتصل عن المنفصل من لفظ أو عقل أو غيرهما ليس على ما ينبغى لأن غير اللفظ ليس بداخل حتى يحترز عنه.

قوله: (وقد يقال) إشارة إلى دفع الاعتراضات ومبنى الأول على أن الدلالة المذكورة فى تفسير الألفاظ يراد بها الدلالة الوضعية ولا العاطفة إنما وضعت لنفى ما ثبت للأول لا للدلالة على أن المعطوف بها غير مراد بما سبق إذ لا يتصور ذلك فى مثل جاءنى زيد لا عمرو والثانى على أن مثل ما جاء إلا زيد فى تقدير ما جاء أحد إلا زيد حتى ذهب بعضهم إلى أن الفاعل مضمر وإلا زيد بدل والثالث على أن المستثنى غير مراد بحسب الحكم وإن كان مرادًا بحسب دلالة اللفظ فى المذهب المختار، والرابع على أن المراد بالمدلول أعم من المطابقى والتضمنى فإن اللفظ المتصل بالجملة هو قولنا إن لم تكونوا جهالًا وليس الجهال مدلوله المطابقى وكذا المراد بما اتصل به ليس نفس الجملة بل ما يصلح أن يتناول المستثنى وظاهر هذا التعريف للفظ المستثنى أعنى زيدًا من جاءنى القوم إلا زيدًا.

قوله: (لا يخلو عن ضعف) لتوجه الاعتراضات وإن أمكن دفعها بالعناية مع أن شيئًا مما ذكر لا يوافق المعنى المصدرى فلذا كان التفسير بالإخراج أقرب إلى الصواب لكن لا يخفى أن المراد بالإخراج المنع عن الدخول لأنه إن اعتبر فى حق تناول اللفظ فهو باق لا مخرج عنه وإن اعتبر فى حق الحكم فلا دخول فلا إخراج وأن المراد الإخراج بإلا أو إحدى أخواتها وإلا لم يصدق على شئ من أفراد الاستثناء وللاستغناء عن هذه العناية كان الإخراج بحرف وضع له أولى من الإخراج بإلا وأخواتها لكن مقتضى سوق كلامه أن الإخراج بالألفاظ المشهورة حد بحسب اللفظ بخلاف الإخراج بحرف وضع له أو يدل عليه وهذا ظاهر ولو سلم فعلى تقدير أن لا يراد بأخواتها ما يدل على الإخراج لا يتعين أن يراد الألفاظ المشهورة لجواز أن يراد ما وضع للإخراج.

قوله: (فى بعض التراكيب) يعنى فيهما إذا كان المعطوف عليه متناولًا للمعطوف والمغيا للغاية بخلاف ما جاء زيد لا عمرو، ونمت البارحة حتى الصباح.

المصنف: (ما دل على مخالفة بإلا غير الصفة) إن كان الاستثناء المعرف بمعنى أداة الاستثناء ورد أن الدال بواسطة شئ هو غير ذلك الشئ إلا أن يجعل قوله

ص: 20

بإلا غير الصفة وأخواتها تصويرًا لما دل وإن كان الاستثناء المعرف بمعنى المستثنى كان قوله بإلا بيانًا للسبب الدال على المخالفة.

المصنف: (من غير إخراج) اعترض بأنه إن أراد مطلقًا لم يصدق التعريف على شئ من أفراد المحدود لأن الإخراج من الحكم لا بد منه فى المتصل والمنقطع، وإن أراد من غير إخراج من الجنس لإخراج الاستثناء المتصل ففيه أن المتصل ليس فيه إخراج من جنس المستثنى منه بل هو داخل فيه خارج من الحكم.

المصنف: (قول ذو صيغ. . . إلخ) يتبادر منه أنه تعريف للاستثناء بمعنى المستثنى أو بمعنى المستثنى والأداة وجعله تعريفًا للاستثناء بمعنى الأداة بعيد إذ كان حقه أن يقول هو صيغ مخصوصة لا ذو صيغ مخصوصة، وعبارة الشارح تقتضى أن المراد بالقول ذى الصيغ أدوات الاستثناء فالتعريف للاستثناء بمعنى الأداة فمعنى قول ذو صيغ مخصوصة صيغ مخصوصة وجعل القول صاحب الصيغ المخصوصة باعتبار تحققه فيها فالمصاحبة مصاحبة المطلق للمقيد ومعنى المذكور به على هذا مدخوله وما ارتبط به الذى هو المستثنى، وأما على إرادة المستثنى من الاستثناء المعرف فالمراد بالمذكور به مدلول المستثنى المذكور بذكره.

المصنف: (وأورد على طرده التخصيص بالشرط والوصف. . . إلخ) المناسب لكون الكلام فى الصيغ أن يقول وأورد على طرده نفسه الشرط والموصول حال كونه وصفًا.

المصنف: (وقيل لفظ متصل. . . إلخ) مبنى على أن المراد بالاستثناء المستثنى.

المصنف: (والأولى إخراج بإلا وأخواتها) هذا الأولى ليس على طريق التعريفين المتقدمين بل على طريق آخر وهو أن التعريف يكون للاستثناء بالمعنى الصدرى فكأنه قال وإذ لم يسلم تعريف الاستثناء على اعتبار أنه بمعنى الأدوات أو بمعنى المستثنى فالأولى أن يعرف باعتبار المعنى المصدرى ويقال فيه أنه الإخراج بإلا وأخواتها.

قوله: (أنه احتراز عن التخصيص) احترز عنه لأن الاستثناء ليس تخصيصًا لأن التخصيص قصر اللفظ على بعض مدلوله بقرينة فهو خاص باستعمال اللفظ العام فى بعض مدلوله هذا ظاهر على أن الاستثناء ليس تخصيصًا كما هو رأى غير الأكثر أما على رأى الأكثر كما سيأتى فى المصنف فهو من التخصيص فيكون

ص: 21

الاحتراز عن التخصيص بغير الاستثناء لا عن مطلق التخصيص على هذا وقد حكى المحشى عبارة الغزالى بالمعنى وإلا فعبارته وفيه احتراز عن أدلة التخصيص لأنها قد لا تكون قولًا وتكون فعلًا وقرينة ودليل عقل فإن كانت قولًا فلا تنحصر صيغه. اهـ.

قوله: (لم يرد عليه شئ مما ذكر) أى من الشرط والصفة والغاية ونحو جاء القوم ولم يجئ زيد.

قوله: (بمثل الشرط والنفى والغاية والوصف بالموصلات) أى لأن كل منها أدوات محصورة.

قوله: (جواب عن الغاية) وهو أن الغاية لم توضع لأن المراد به غير مراد مما قبلها.

قوله: (وهذا خبط عظيم) لعله من جهة أنه جعل التعريف للأدوات الاستثناء مع أنه للاستثناء لا لأدواته ولأنه جعل الوصف بالذى من حيث إن الموصول لا بد له من صلة كأدوات الاستثناء مع أنه ليس مرادًا.

قوله: (وإلا لم يصدق. . . إلخ) أى لأنه ليس لنا استثناء يكون بجميع أدوات الاستثناء وقوله عن هذه العناية هى أن تجعل الواو بمعنى أو وقوله وهذا ظاهر تحريف وحقه وهذا غير ظاهر وقوله لا يتعين أن يراد. . . إلخ. أى فصح أن يكون التعريف ليس لفظيًا.

ص: 22

قال: (وقد اختلف فى تقرير الدلالة فى الاستثناء، فالأكثر المراد بعشرة فى قولك: عشرة إلا ثلاثة سبعة، وإلا قرينة لذلك كالتخصيص بغيره، وقال القاضى: عشرة إلا ثلاثة بإزاء سبعة: كاسمين مركب ومفرد، وقيل المراد بعشرة عشرة باعتبار الأفراد ثم أخرجت ثلاثة والإسناد بعد الإخراج فلم يسند إلا إلى سبعة وهو الصحيح، لنا أن الأول غير مستقيم للقطع بأن من قال: اشتريت الجارية إلا نصفها، أو نحوه لم يرد استثناء نصفها من نصفها ولأنه بيان يتسلسل ولأنا نقطع بأن الضمير للجارية بكمالها ولإجماع العرببة على أنه إخراج بعض من كل ولإبطال النصوص وللعلم بأنا نسقط الخارج فيعلم أن المسند إليه ما بقى، والثانى كذلك للعلم بأنه خارج عن قانون اللغة إذ لا تركيب من ثلاثة ولا يعرب الأول وهو غير مضاف ولامتناع إعادة الضمير على جزء الاسم فى إلا نصفها، ولإجماع العربية إلى آخره. قال الأولون: لا يستقيم أن يراد عشرة بكمالها للعلم بأنه ما أقر إلا بسبعة فيتعين، وأجيب بأن الحكم بالإقرار باعتبار الإسناد ولم يسند إلا بعد الإخراج. قالوا: لو كان المراد عشرة امتنع من الصادق مثل قوله تعالى: {إِلَّا خَمْسِيْنَ عَامًا} [العنكبوت: 14]، وأجيب بما تقدم، القاضى إذا بطل أن يكون عشرة، وبطل أن يكون سبعة تعين أن يكون الجميع لسبعة وأجيب بما تقدَّم فيتبين أن الاستثناء على قول القاضى ليس بتخصيص وعلى الأكثر تخصيص، وعلى المختار محتمل).

أقول: يتبادر إلى الذهن فى الاستثناء أنه تناقض لأن قولك: على عشرة إلا ثلاثة، إثبات للثلاثة فى ضمن العوة، ونفى للثلاثة صريحًا، ولا شك أنهما لا يصدقان معًا، والتناقض غير جائز سيما فى كلام اللَّه تعالى، واضطروا إلى تقرير دلالته على وجه آخر غير ذلك دفعًا للتناقض، وقد اختلفوا فيه فقال الأكثر: المراد بعشرة ونحوها فى قوله: على عشرة إلا ثلاثة، إنما هو سبعة، وإلا ثلاثة قرينة لإرادة السبعة من العشرة إرادة الجزء باسم الكل كما فى التخصيص بغيره حيث يقول:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، والمراد الحربيون، بدليل يخرج الذمى، وقال القاضى أبو بكر: المجموع وهو عشرة إلا ثلاثة بإزاء سبعة كأنه وضع له اسمان مفرد هو سبعة ومركب هو عشر إلا ثلاثة، وقيل المراد بعشرة فى هذا التركيب هو معنى عشرة باعتبار أفراده لم يتغير فهو يتناول السبعة والثلاثة معًا، ثم أخرجت عنه الثلاثة بقوله: إلا ثلاثة فدل "إلا" على الإخراج وثلاثة على العدد المسمى بها حتى

ص: 23

بقى سبعة ثم أسند إليه فلم يسند إلا إلى سبعة، فلا ثم إلا الإثبات ولا نفى أصلًا فلا تناقض لأنه إنما يتصوّر بتعارض إثبات ونفى هذا هو الصحيح، لنا إنه لا بد فى دفع التناقض من أحد التقديرات الثلاث لأنه إن أريد عشرة وأسند إليه فالتناقض ظاهر وانتفاؤه بأن لا يراد العشرة أو يراد ولا يسند إليه فإن لم ترد العشرة، فإن أريد بها السبعة فهو الأول، وإن لم يرد السبعة وهى مرادة قطعًا فتكون مرادة بالركب وهو الثانى، وإن أريد العشرة ولم يسند إليه فهو الثالث، وإذا تعين أحد الثلاث فإذا أبطلنا قسمين تعين الباقى، فنقول: الأوّلان باطلان فيتعين الثالث، أما الأول فلا يستقيم لوجوه:

أحدها: أنا نقطع أن من قال: اشتريت الجارية إلا نصفها لم يرد بالجارية نصفها وإلا لزم استثناء نصفها من نصفها وهو غير مراد قطعًا، مع أنه لو أراد ذلك لزم التسلسل لأن المراد هو الباقى بعد فيكون المراد الباقى من النصف بعد بإخرج النصف منه وهو الربع وهلم جرًا.

ثانيها: أنا نقطع أن الضمير عائد إلى الجارية بكمالها إذ المراد نصف كمال الجارية قطعًا.

ثالثها: أن أهل العربية أجمعت على أن الاستثناء المتصل إخراج بعض من كل ولو أريد الباقى من الجارية لم يكن ثمة كل وبعض وإخراج.

رابعها: أنه يبطل النصوص كلها إذ ما من لفظ إلا ويمكن الاستثناء لبعض مدلوله فيكون المراد هو الباقى فلا يبقى نصًا فى الكل ونحن نعلم أن نحو عشرة نص فى مدلوله.

وخامسها: أنا نعلم أنا نسقط الخارج من العوة عنها، وأن المسند إليه هو الباقى بعد ذلك فهذا المعنى معقول واللفظ دال عليه فوجب تقريره عليه إذ يجب إبقاء الألفاظ المفردة على وضعها ما أمكن وأما الثانى فلا يستقيم أيضًا لوجوه:

أولها: العلم بأنه خارج عن قانون اللغة إذ ليس فى لغتهم مركب من ثلاثة ألفاظ ولا يعرب الجزء الأول من المركب وهو غير مضاف، كل ذلك علم بالاستقراء.

ثانيها: أنه يلزم إعادة الضمير على جزء الاسم وهو الجارية فى نحو: اشتريت الجارية إلا نصفها مع عدم دلالته فيه فهو كما يرجع إلى شرًّا من تأبط شرًّا ونحره

ص: 24

من برق نحره، علمين وأنه ممتنع.

ثالثها: إجماع أهل العربية. . . إلخ، وهو أنه إخراج بعض من كل وأنه يبطل النصوص لأنها تصير مهملة، فى التركيب وأنا نعلم أنا نسقط ثم نخرج كما تقدَّم.

الأولون قالوا: أولًا: لا بد أن يريد بعشرة كمالها أو سبعة لأنه لم يهمل، والأول باطل لأنا نعلم أنه ما أقر إلا بسبعة فتعين الثانى، وهو المراد.

الجواب: الإقرار إنما يحكم به باعتبار الإسناد ولا إسناد إلا بعد الإخراج فيكون إقرارًا بالباقى بعد الإخراج وهو السبعة، لذلك لا لأن المراد بالعشرة سبعة.

قالوا: ثانيًا: لو كان المراد بعشرة كمالها امتنع من الصادق مثل قوله تعالى: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14]، لما يلزم من إثبات لبث الخمسين ونفيه، وهو تناقض.

الجواب: ما تقدَّم فى صورة الإقرار أن الحكم باللبث إنما هو بعد إخراج الخمسين على الباقى.

قال القاضى: إذا بطل أن يكون المراد عشرة لدليل الأولين وأن يكون سبعة لما ذكر فى إبطال المذهب الأول تعين أن يكون المجموع سبعة لما مر أنه لا بد من أحد الثلاثة، وأجيب بما تقدَّم ثم ذكر المصنِّفُ نكتة وهى أنه قد تبين مما ذكرنا أن الاستثناء على قول القاضى ليس بتخصيص، فإن التخصيص قصر العام على بعض مسمياته وههنا لم يرد بالعام بعض مسمياته بل أريد بالمجموع نفس مسماه وعلى قول الأكثرين هو تخصيص لأنه قصر للعام على بعض مسمياته وعلى المذهب المختار يحتمل أن يقال: إنه تخصيص نظرًا إلى الحكم فإنه للعام فى الظاهر والمراد الخصوص وأن يقال ليس بتخصيص إذ المفرد لم يرد به إلا العموم كما كان عند الانفراد ولم يغير إلى تخصيص فهذا كلام المصنِّفُ ولا بد ههنا من التنبيه على حقيقة الحال، اعلم هداك اللَّه القصد أن عشرة أخرجت منها ثلاثة للسبعة مجاز لأن العشرة التى أخرجت منها ثلاثة: عشرة ولا شئ من السبعة بعشرة والعشرة بعد إخراج الثلاثة وقبلها مفهوم واحد وليس السبعة بعشرة على حال أطلقتها أو قيدتها إنما هى الباقى، العوة بعد إخراج الثلاث كما يقال: إنها أربعة ضمت إليها ثلاثة وأنها ليست بأربعة أصلًا، إنما هى الحاصل من ضم الأربعة إلى الثلاثة ثم إن السبعة مرادة فى هذا التركيب، فإن قلنا: هذا التركيب حقيقة فى عشرة وصفت

ص: 25

بأنها أخرجت منها ثلاثة كان مجازًا فى السبعة من باب التخصيص وهو المذهب الأول، وإن قلنا: هو موضوع للباقى من العشرة بعد إخراج الثلاثة ولا يفهم منها عند الإطلاق إلا ذلك وليس مدلولها عشرة مقيدة فهو موضوع للسبعة لا على أنه وضع له وضعًا واحدًا كما يتصوّر بل على أنه يعبر عنه بلازم مركب، وقد يعبر عن الشئ باسمه الخاص، وقد يعبر عنه بمركب يدل على بعض لوازمه وذلك فى العدد ظاهر فإنك قد تنقص عددًا من عدد حتى ببقى المقصود وقد تضم عدد إلى عدد حتى يحصل ذلك، كما قال الشاعر:

بنت سبع وأربع وثلاث

هى حتف المتيم المشتاق

والمراد بنت أربع عشرة ويعبر عنه بغيرهما كما يقال للعشرة جذر المائة وضعف الخمسة وربع الأربعين وغيرها وعلى هذا ينبغى أن يحمل مذهب القاضى ومختار المصنِّف يرجع إلى أحدهما وأنت بعد ذلك خبير بما يرد على الوجوه التى أبطل بها المذهبين فلا نطوّل بتفصيل ذلك.

قوله: (فلا ثم) أى ليس فى هذا التركيب إلا إثبات واحد هو للسبعة دون الثلاثة ولا نفى أصلًا لا للسبعة ولا للثلاثة وهذا ينافى ما ذكر من أن الاستثناء من الإثبات نفى اتفاقًا على أنه لا معنى لسلب نفى الثلاثة لأن التناقض إنما توهم بإثبات الثلاثة ضمنًا ونفيها صريحًا فإذا منع الإثبات اندفع التناقض لا يقال المراد أنه لا نفى للسبعة أصلًا لأنه كلام لا حاصل له إذ التناقض إنما توهم بإثبات الثلاثة ونفيها دون السبعة.

قوله: (أما الأول) وهو أن يراد بالعشرة السبعة مثلًا فلا يستقيم لوجوه ستة على ما هو ظاهر كلام المتن وأكثر الشروح إلا أن المحقق جعل الأوّلين وجهًا واحدًا لأنه جعل قوله: ولأنه كان يتسلسل تعليلًا لعدم إرادة استثناء نصفها من نصفها، وكأنه وقع فى نسخته بدون الواو وفى أكثر النسح: ولأنه كان يتسلسل عطفًا على قوله للقطع، فتقرير الأول أنه لو أريد بالجارية نصفها لزم استثناء نصفها من نصفها وهو مستغرف وتقرير الثانى أنه لو أريد استثناء نصفها من نصفها لكان المراد بالنصف المستثنى منه هو الربع لأنه الباقى بعد إخراج النصف من النصف ثم يلزم أن يكون المراد به الثمن لأنه الباقى بعد إخراج النصف من الربع وهكذا إلا إلى نهاية وهو

ص: 26

المراد بالتسلسل وقرره بعضهم بأنه لو أريد بلفظ العشرة بعض مدلوله لجاز أن يراد بلفظ "إلا ثلاثة" بعض مدلوله وكما أن الأول يحتاج إلى قرينة فكذا الثانى وينقل الكلام إلى قرينته وهو المراد بالتسلسل وهذا فى غاية السقوط والأقرب أن يقال: إذا أريد بالجارية نصفها فضمير "إلا نصفها" إن كان للجارية بكمالها لزم الاستغراق وإن كان للجارية والمراد بها النصف لزم التسلسل.

قوله: (إذ ما من لفظ إلا ويمكن الاستثناء لبعض مدلوله) لا حاجة إلى هذا التعميم المنقوض بلفظ اللَّه، اللهم إلا أن يدعى إمكان الاستثناء منه باعتبار تناوله الذات والصفات.

قوله: (وخامسها) حاصله أنا نعلم قطعًا صحة ما ذهبنا إليه من غير استحالة وهو مدلول ظاهر اللفظ فلا حاجة لصرفه عنه وهذا جيد لكن يأباه قوله فى المتن: فيعلم بالفاء وتقرير الشارحين أن العلم الضرورى حاصل بأنا نسقط الخارج أى المستثنى من المستثنى منه فنعلم أن المسند إليه ما بقى بعد الإسقاط وعلى تقدير أن يكون المراد بالمستثنى منه هو الباقى لم يتصور ذلك إذ لا خارج ولا إسقاط ولا باقى بعد الإسقاط، وقد أجابوا عن الوجوه كلها بأن المراد بالمستثنى منه هو المجموع من حيث الظاهر، وبالنظر إلى أفراد اللفظ والباقى من حيث الحكم وبالنظر إلى التركيب وحينئذٍ لا يلزم شئ مما ذكر وأنت خبير بأن هذا رجوع إلى المذهب المختار وقد يجاب عن الرابع بأن النص ما لا يحتمل إلا معنى واحدًا عند عدم القرينة، ولا إبطال لذلك لأن العشرة إنما حملت على السبعة بعد قرينة الاستثناء ولو سلم فمشترك الإلزام لجريانه فى سائر التخصيصات وهذا غلط لأن النص ما لا يحتمل الغير أصلًا والعمومات التى يجرى فيها التخصيص ظواهر لا نصوص.

قوله: (إذ ليس فى لغتهم مركب من ثلاثة ألفاظ) اعلم أنه لا نزاع فى التركيب من ثلاثة ألفاظ فصاعدًا بطريق الإضافة وإجراء الإعراب المستحق على كل من تلك الألفاظ مثل أبى عبد اللَّه وأبى عبد الرحمن ولا بطريق الحكاية وإبقاء اللفظ على ما كان عليه من الإعراب والبناء فمثل برق نحره وتأبط شرًّا، والتسمية بزيد منطلق أو ببيت من الشعر وبألم ونحو ذلك منثورة نثر أسماء الأعداد من غير إعراب وإنما الكلام فى التسمية بثلاثة ألفاظ فصاعدًا إذا جعلت اسمًا واحدًا على

ص: 27

طريق حضرموت وبعلبك من غير أن يلاحظ فيها الإعراب والبناء الأصليان بل يكون بمنزلة زيد وعمرو يجرى الإعراب المستحق على حرفه الأخير وهذا ليس من لغة العرب بلا نزاع صرح بذلك صاحب الكشاف فى بحث أسماء السور ولا خفاء فى أن عشرة إلا ثلاثة إذا جعل اسمًا للسبعة كان الإعراب المستحق فى صدره ولم يكن محكيًا عن أصل منقول عنه إذ يختلف إعراب العشرة بحسب العوامل فكان مما اتفقوا على أنه ليس من لغة العرب هذا حقيقة الكلام فى هذا المقام وبعضهم لما لم يطلع على ذلك زعم أن هذا إنما هو فى الأجناس دون الأعلام إذ التركيب فى مثل شاب قرناها ليس تركيبًا واحدًا بل متعددًا أو مثله نادر لا اعتداد به.

قوله: (مع عدم دلالته) أى دلالة جزء الاسم حال كونه فى الاسم إشارة إلى علة الامتناع يعنى أن الكتابة عن الشئ بالضمير من خواص الاسم لأن الضمير هو اسم عبارة عن المرجع فيلزم أن يكون المرجع اسمًا فكل اسم فهو دال على معنى وجزء الكلمة ليس بدال فليس باسم فلا يصح مرجعًا للضمير.

قوله: (إجماع أهل العربية. . . إلخ) جعله الشارح العلامة إشارة إلى الوجوه الثلاثة الأخيرة ومعناه إلى آخر الكلام فى الوجوه الثلاثة وارتضاه المحقق وحاصله أنه ينتفى على هذا التقرير الكل والبعض والإخراج وأنه حينئذٍ يكون مثل العشرة جزءًا من الكلمة غير دال على معنى فتبطل نصوصيته وأنه حينئذٍ لا يتحقق الخارج والباقى والإسقاط وجمهور الشارحين جعلوه إشارة إلى الوجه الأول من هذه الثلاثة ومعناه إلى آخر هذا الوجه.

قوله: (وأجيب بما تقدَّم) من جواز أن تراد العشرة ويكون الحكم بعد إخراج الثلاثة من غير تناقض.

قوله: (اعلم) حاصله أن لفظ العشرة حقيقة فى العشرة من الأفراد سواء كان مطلقًا أو مقيدًا بـ "إلا ثلاثة" ولا شئ من السبعة حقيقة عشرة أفراد لأن الأعداد أنواع متباينة لا يصدق بعضها على البعض فليس لفظ العشرة حقيقة فى السبعة ومعلوم أن الحكم فى مثل علىّ عشرة إلا ثلاثة إنما هو على السبعة لا غير فالمعنى الحقيقى لهذا التركيب أعنى عشرة إلا ثلاثة إما أن يكون هو العشرة الموصوفة بإخراج الثلاثة فيكون مجازًا فى السبعة وهو مذهب الجمهور، وإما أن يكون هو الباقى من العشرة بعد إخراج الثلاثة فيكون حقيقة فى السبعة لا بأن تكون كلمة

ص: 28

موضوعة بإزائها بل بمعنى أن مفرداتها مستعملة فى معانيها الحقيقية ومحصل المجموع معنى يصدق على السبعة ولا يتبادر إلى الفهم غيرها كما يطلق الطائر الولود على الخفاش من حيث إنه من أفراد هذا التركيب وعلى هذا ينبغى أن يحمل مذهب القاضى للقطع بأن المراد بالمفردات معانيها فمرجع المذهب الثالث وهو أن المراد بالعشرة مدلولها والحكم إنما هو على السبعة إلى أحد هذين المذهبين لأن كون الحكم على السبعة إما أن يكون باعتبار أنها مدلول مجازى للتركيب أو أمر يصدق عليه معناه المتبادر منه إلى الفهم وأنا أقول ما ذكر المحقق من حقيقة الحال اعتراف بحقية المذهب الثالث ورجوع المذهبين الأولين إليه لأن المركب سواء جعل حقيقة فى المعنى الذى وقع الإسناد إليه أو مجازًا لم يكن بد لمفرداته من الاستعمال فى معنى فيكون لفظ العشرة مستعملًا فى كمال معناها والحكم بعد إخراج الثلاثة وإلا لزم التناقض أو كون العشرة مجازًا عن السبعة فليتأمل.

قوله: (وأنت بعد ذلك) يعنى أن المراد بلفظ الجارية مجموع معناها وإنما يفهم النصف من التركيب ووصف الجارية بإخراج النصف عنها وحينئذٍ لا يلزم الاستغراق ولا يتسلسل ولا عود الضمير إلى غير ما هو المراد باللفظ ويتحقق إخراج البعض عن الكل وحمل اللفظ على ما هو نص فيه والإسناد إلى ما هو الباقى بعد الإسقاط وأيضًا إذا لم يجعل المستثنى والمستثنى منه وآلة الاستثناء كلمة واحدة موضوعة بإزاء الباقى بل كلًا منها كلمة مستعملة فى معناها والمجموع المركب من الثلاثة موضوعًا بإزاء معنى واحد يصدق على الباقى لم يلزم تركيب اسم واحد من أكثر من للفظين ولا إعراب صدر الكلمة ولا عود الضمير إلى جزء منها ولا بطلان إخراج البعض من الكل ونصوصية العشرة فى معناها والإسناد إلى الباقى بعد الإسقاط.

المصنف: (لم يرد استثناء نصفها من نصفها) أى لأنه يكون استثناء مستفرقًا.

المصنف: (ولأنه كان يتسلسل) أى لأن "إلا" قرينة على إرادة البعض من المستثنى منه والاستثناء بها يقتضى الإخراج من ذلك البعض فيكون المراد بعض ذلك البعض لأنه الباقى والإخراج منه فيكون المراد به بعض بعض البعض وهكذا وهذا مبنى على اعتبار الإخراج بعد إرادة البعض من ذلك البعض ويدفع بأن

ص: 29

الإخراج ليس من البعض المراد بقرينة "إلا" بل من المستثنى منه باعتبار ظاهره من العموم على أن الحنفية على أن المستثنى لم يرد بالأول.

المصنف: (إذ لا تركيب من ثلاثة ولا يعرب الأول وهو غير مضاف) أى لا تركيب من ثلاثة ولا إعراب للأول وهو غير مضاف بل المعهود التركيب من ثلاثة مع إعراب الأول وهو مضاف ولو قال: وإعراب الأول بحذف لا لكان واضحًا لأن النفى فى قوله: إذ لا تركيب مقيد به إلا أنه أتى بالنافى لبيان تسلطه فى قوله: إذ لا تركيب عليه هذا ثم رأيت ما يؤخذ منه أن قوله: ولا يعرب الأول معناه: أن الأول لم يكن باقيًا على إعرابه الأول. . . إلخ. مثلًا إذا كان محكيًا عن الإعراب وملخصه أنه لا يكون الأول محكيًا.

الشارح: (إذ ما من لفظ إلا ويمكن. . . إلخ) أى ما من لفظ معناه ذو أجزاء أو جزئيات إلا ويمكن. . . إلخ. فلا نقض بلفظ الجلالة كما ذكره المحشى.

الشارح: (ثانيها أنه يلزم إعادة الضمير على جزء الاسم) هذا مدفوع بأنه لا ضمير عند جعل الكل اسمًا واحدًا لأن لفظ "ها" من أعتق الجارية إلا نصفها كالزاى من زيد فليس ضميرًا فكما صار الجزء الذى كان اسمًا ومرجعًا قبل التسمية لفظًا مهملًا لا يصلح أن يرجع إليه ضمير، كذلك ما كان ضميرًا راجعًا قبل التسمية صار بعدها لفظًا مهملًا لا يصلح أن يرجع إلى غيره.

الشارح: (أنا نسقط ثم نخرج) الأولى ثم نثبت الباقى بعد الإخراج.

الشارح: (أن عشرة أخرجت منها ثلاثة للسبعة مجازًا) أى لا يكون لفظ العشرة للسبعة إلا مجازًا ولكن الكلام فى مدلول التركيب بتمامه وعليه لا ترد الاعتراضات التى وردت على القول بالمجاز ولا الاعتراضات الواردة على قول القاضى.

الشارح: (وقبلها) أى قبل إخراجها وأنث لاكتساب التأنيث من المضاف إليه.

الشارح: (وهو المذهب الأول) أى بتأويله إلى ذلك إلا ما هو ظاهره من أن لفظ عشرة مجاز عن السبعة.

الشارح: (كما يقال العشرة جزر المائة) أى ضربها فى نفسها يحصل المائة.

الشارح: (وأنت خبير بما يرد على الوجوه) لعل المناسب إسقاط على.

قوله: (ولا نفى أصلًا) وعليه فالمستثنى مسكوت عنه لم يحكم فيه بشئ ويرد

ص: 30

على هذه الطريقة عدم إفادة كلمة التوحيد التوحيد لأنها على هذه الطريقة إنما تفيد نفى الألوهية لغير اللَّه والتوحيد لا يتم إلا بنفى الألوهية عن غير اللَّه وإثباتها للَّه وقد التزمت هذه الطائفة القائلة بأن المستثنى مسكوت عنه أن كلمة التوحيد لا تفيد إلا نفى الألوهية عن غير اللَّه وقالت: إن التوحيد مستفاد من النفى القولى فى كلمة التوحيد والإثبات العلمى لأن المشركين لم ينكروا ألوهية اللَّه كما يدل عليه قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25]، وإنما أشركوا فبنفى ألوهية غيره ينفى الشرك ويحصل التوحيد، نعم لا تكون من الدهرى كلمة التوحيد توحيدًا.

قوله: (وهذا ينافى ما ذكر من أن الاستثناء من الإثبات نفى اتفاقًا) قد يقال: الاتفاق إنما هو على أن ما بعد "إلا" مخرج من حكم الصدر وهذا صادق بمجرد عدم إرادته منه وإن كان مسكوتًا عنه.

قوله: (والباقى من حيث الحكم) أى والمراد بالباقى من حيث الحكم وقوله: ولو سلم فمشترك الإلزام أى لو سلم أن النص ما لا يحتمل إلا معنًى واحدًا مطلقًا فمشترك الإلزام.

قوله: (بيان الإعراب المستحق فى صدره) أى لا فى آخره حتى يكون له نظير فى اللغة.

قوله: (إذ التركيب فى مثل شاب قرناها ليس تركيبًا واحدًا بل متعددًا) يعنى أن المركب من ثلاثة أحرف فى الأعلام كثير فلا يقال: إنه خارج عن قانون اللغة فحينئذ يخص ذلك بأسماء الأجناس وقوله: أو مثله نادر عطف على قوله: إنما هو فى الأجناس والمعنى أننا إن لم نقل بأن امتناع التركيب من ثلاث كلمات على الوجه المتقدم إنما هو فى الأجناس لا فى الأعلام بل عممنا ذلك للأعلام أيضًا نقول: إن مثل شاب قرناها وبرق نحره نادر لا اعتداد به فلا يرد نقضًا.

قوله: (أو كون العشرة مجازًا عن السبعة) أى وهو باطل للوجوه الستة وهو عطف على قوله: للزم التناقض.

قوله: (وأيضا إذا لم يجعل. . . إلخ) إشارة إلى المذهب الثانى وتصحيحه بحيث لا يرد عليه الأوجه الأربعة المذكورة.

ص: 31

قال: (مسألة: شرط الاستثناء الاتصال لفظًا أو ما فى حكمه كقطعه لتنفس أو سعال ونحوه، وعن ابن عباس رضى اللَّه عنهما يصح وإن طال شهرًا، وقيل يجوز بالنية كغيره وحمل عليه مذهب ابن عباس رضى اللَّه عنهما لقربه وقيل يصح فى القرآن خاصة، لنا لو صح لم يقل صلى الله عليه وسلم: "فليكفر عن يمينه" معينًا لأن الاستثناء أسهل وكذلك جميع الإقرارات والطلاق والعتق وأيضًا فإنه يؤدى إلى أن لا يعلم صدق ولا كذب، قالوا: قال عليه الصلاة والسلام: "واللَّه لأغزون قريشًا -ثم سكت- وقال بعده: إن شاء اللَّه"، قلنا يحمل على المسكوت المعارض لما تقدَّم، قالوا: سأله اليهود عن لبث أهل الكهف فقال عليه الصلاة والسلام: غدًا أجيبكم فتأخر الوحى بضعة عشر يومًا، ثم نزل: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: 23]، فقال عليه الصلاة والسلام: "إن شاء اللَّه"، قلنا يحمل على: أَفعل إن شاء اللَّه. وقول ابن عباس رضى اللَّه عنهما متأول بما تقدَّم أو بمعنى المأمور به).

أقول: يشترط فى الاستثناء اتصاله بالمستثنى منه لفظًا أو ما هو فى حكم الاتصال فلا يضر قطعه بتنفس أو سعال ونحوهما مما لا يعدّ منفصلًا عرفًا، وروى عن ابن عباس رضى اللَّه عنهما أنه يصح الاستثناء وإن طال الزمان شهرًا، وقيل لا يجب الاتصال لفظًا بل يجوز الاتصال بالنية وإن لم يتلفظ به كالتخصيص بغير الاستثناء وحمل بعضهم مذهب ابن عباس رضى اللَّه عنهما على هذا حتى لو قال بعد شهر أردت إلا كذا يسمع منه، وذلك لأن هذا ليس ببعيد ولو حمل على ظاهر قوله وهو جوازه مطلقًا نواه أم لا، لكان بعيدًا جدًا، قيل يصح الانفصال فى كتاب اللَّه خاصة، لنا لو صح انفصال الاستثناء لما قال صلى اللَّه تعالى عليه وسلم:"من حلف على شئ ثم رأى غيره خيرًا منه فليعمل به وليكفر عن يمينه" فلم يوجب التكفير معينًا بل قال: فليستثن أو يكفر، وأوجب أحدهما لا بعينه لأنه لا حنث بالاستثناء مع كونه أسهل، فكان ذكره أولى، وإذا لم يذكر معينًا فلا أقل أن يخير بينهما لعدم وجوب شئ منهما معينًا وكذلك جميع الإقرارات والطلاق والعتق كان ينبغى أن يستثنى منها نفيًا لأحكامها بأسهل الطرق، والإجماع بخلافه، كيف ولو صح لقال به أحد، ولم يقل، كيف ونحن نعلم قطعًا أنه لو قال: على عشرة وقال بعد شهر إلا ثلاثة، لم يعدّ منتظمًا وحكم عليه بأنه لغو، ولنا أيضًا أنه يؤدى إلى أن لا يعلم صدق ولا كذب لجواز استثناء يرد عليه فيصرفه عن ظاهره

ص: 32

إلى ما يصير صادقًا وإن كان ظاهره كاذبًا، وبالعكس.

قالوا: أولًا: روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لأغزون قريشًا"، ثم سكت، ثم قال:"إن شاء اللَّه"(*)، ولولا صحته لما ارتكبه.

الجواب: يحمل على المسكوت العارض بما تقدَّم من تنفس أو سعال جمعًا بينه وبين أدلتنا.

قالوا: ثانيًا: سأله اليهود عن مدة لبث أصحاب الكهف فى كهفهم؟ فقال: "غدًا أجيبكم"، فتأخر الوحى بضعة عشر يومًا، ثم نزل:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24]، فقال:"إن شاء اللَّه" ولا كلام يعود إليه ذلك الاستثناء إلا قوله: "غدًا أجيبكم"، فعاد إليه فصح الانفصال بضعة عشر يومًا وفيه المطلوب.

الجواب: لا نسلم عوده إلى: ". . أجيبكم"، لجواز أن يكون المراد:"أفعل إن شاء اللَّه" أى أعلق كل ما أقول له إنى فاعله غدًا بمشيئة اللَّه وذلك كما تقول: أفعل كذا وكذا فقال: إن شاء اللَّه أى أفعل ذلك إن شاء اللَّه، أو المراد: أذكر إن شاء اللَّه.

قالوا: ثالثًا: قال ابن عباس رضى اللَّه عنهما بصحته وهو عربى فقوله متبع.

الجواب: لا نسلم أنه قال به مطلقًا لأنه مؤوّل بما تقدَّم من أنه يسمع دعوى نيته، أو بأن الاستثناء المأمور به فى قوله:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24]، لو أخره إلى شهر من قوله: إنى فاعل ذلك غدًا إلا أن يشاء اللَّه، بأن لم يقله معه ثم أتى بعد الشهر بالعبارة الصحيحة فقال: إنى فاعل ذلك غدًا إن شاء اللَّه لكان ممتثلًا لهذا الأمر.

قوله: (وقيل يصح فى القرآن) قال الإمام فى البرهان: وإنما حملهم على ذلك خيال تخيلوه من كلام المتكلمين الصائرين إلى أن الكلام الأزلى واحد وإنما

(*) أخرجه ابن حبان (10/ 185)(ح 4343)، والبيهقى فى الكبرى (10/ 47)، وأبو داود (3/ 231)(ح 3285)، وعبد الرزاق فى مصنفه (6/ 385)(ح 11306)، والطبرانى فى الأوسط (1004)، وأبو يعلى فى مسنده (5/ 78)(ح 2674)، والطبرانى فى الكبير (11/ 282)(ح 11742).

ص: 33

الترتيب فى جهات الوصول إلى المخاطبين فلو تأخر الاستثناء فذلك فى السماع والفهم دون الكلام وهذا غلط لأن الكلام ليس فى الكلام الأزلى بل فى العبارات التى تبلغنا وهى فى حكم كلام العرب ولا يوجد فيه تأخر الاستثناء واعلم أن الشارح المحقق قد أخذ فى بعض تعليقاته ذلك الخيال مذهبًا وزعم أن الكلام القائم بذات اللَّه تعالى هو اللفظ والمعنى جميعًا وليس هو بمرتب الأجزاء حتى يلزم الحدوث وإنما الترتيب فى تلفظنا لعدم مساعدة الآلة إلا على هذا الترتيب وحمل المعنى فى قول مشايخنا: إن الكلام الأزلى هو المعنى القائم بذات اللَّه تعالى على ما يقابل الذات دون ما يقابل اللفظ وأنت خبير بأن قيام اللفظ بذات اللَّه تعالى مما لا يقبله العقل مرتبًا كان أو غير مرتب.

قوله: (فلم يجب) عطف على لما قال وقوله أو يكفر عطف على المجزوم فى: فليستثن.

قوله: (وكذلك جميع الإقرارات) حمله الشارحون على أنه لو جاز تأخر الاستثناء لم يحصل الجزم بثبوت شئ منها لإمكان الاستثناء ولو بعد حين لكن لفظ كذلك لا يلائم ذلك فحمله المحقق على أن لها أيضًا طرفًا أسهل من ثبوت أحكامها وهو الاستثناء فينبغى أن يتعين أو يتخير فيه لا أقل وما يقال: إنه وجبت الكفارة لكونها أنفع للناس وثبتت أحكام الإقرارات لوجود القرينة على عدم الاستثناء ليس بشئ لأنه إذا جاز تأخر الاستثناء ولو بعد حين لم يصح الحكم بوجوب الكفارات وثبوت أحكام الإقرارات لجواز الاستثناء ما دام المكلف حيًا.

قوله: (بما تقدَّم) جعله الشارح المحقق متعلقًا بالعارض أى الذى يعرض بسبب تنفس أو سعال لأن ما ذكره الشارحون من أنه متعلق بقوله يحمل أى يحمل على المسكوت العارض بما تقدَّم من الدليل مبنى على أن المراد بالسكوت العارض لما لا يخل بالاتصال الحكمى وهذا مما لا دلالة عليه فإن قيل: إن شاء اللَّه شرط لا استثناء قلنا: اتفقوا على أنه لا فرق فى وجوب الاتصال بين الشرط والاستثناء.

قوله: (أذكر إن شاء اللَّه) جواب آخر ليس فى المتن أى أذكر هذه الكلمة امتثالًا لقوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24]، أى أذكر مشيئة ربك، وقل: إن شاء اللَّه إذا فرط منك نسيان.

قوله: (قالوا ثالثًا) إشارة إلى أن ما ذكر فى المتن جواب عن دليل ثالث تقريره أن

ص: 34

ابن عباس كان فصيحًا قدوة فى اللغة وقد قال بجواز تأخير الاستثناء وتقرير الجواب أنه متأوّل بأنه يسمع ولو بعد حين دعوى نية الاستثناء عند التكلم أو بأنه لو ذكر بعد حين الاستثناء المأمور به، وهو التعليق بمشيئة اللَّه تعالى أو لا أفعل ثم يقول بعد شهر أفعل إن شاء اللَّه، لكان ممتثلًا لهذا الأمر المستفاد من قوله تعالى:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24]، لأنه فى معنى لا تقولن ذلك إلا ملتبسًا بمشيئة اللَّه قائلًا إن شاء اللَّه تعالى، أو من قوله تعالى:{وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 24]، على ما سبق ولم يتنبه الشارحون لهذا المعنى فقال بعضهم المراد أنه يجوز الانفصال فى: إن شاء اللَّه خاصة دون غيره من الاستثناءات، وبعضهم المراد أنه لو أمر الشارع باستثناء متصل لصح وإلا

قوله: (أو لا أفعل) فيه سقط والأصل بأن يقول أو لا أفعل.

قوله: (لو أمر الشارع باستثناء متصل لصح وإلا فلا) لعل هنا تحريفًا وأصله لو أمر الشارع باستثناء منفصل لصح وإلا فلا، وإلا فلا معنى لهذه العبارة.

ص: 35

قال: (مسألة: الاستثناء المستغرق باطل باتفاق، والأكثر على جواز المساوى والأكثر، وقالت الحنابلة والقاضى بمنعهما، وقال بعضهم والقاضى أيضًا بمنعه فى الأكثر خاصة وقيل إن كان العدد صريحًا. لنا: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42]، والغاوون أكثر بدليل: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ} [يوسف: 103]، فالمساوى أولى وأيضًا: "كلكم جائع إلا من أطعمته. . " وأيضًا فإن فقهاء الأمصار على أنه لو قال: علىّ عشرة إلا تسعة لم يلزمه إلا درهم، ولولا ظهوره لما اتفقوا عليه، عادة الأقل مقتضى الدليل منعه إلخ، وأجيب بالمنع لأن الإسناد بعد الإخراج ولو سلم فالدليل متبع قالوا على عشرة لا تسعة ونصف وثلث درهم ركيك مستقبح، وأجيب بأن استقباحه لا يمنع صحته كعشرة إلا دانقًا ودانقًا إلى عشرين).

أقول: الاستثناء المستغرق سواء كان مثل المستثنى منه أو أكثر باطل بالاتفاق، والأكثر على جواز المساوى للباقى بعد الاستثناء، أعنى نصف المستثنى منه، حتى يبقى النصف وعلى جواز الأكثر حتى يبقى أقل من النصف، وقالت الحنابلة والقاضى بمنعهما فيجب أن يبقى أكثر من النصف وقيل بمنعهما إذا كان العدد صريحًا فيجوز عشرة إلا أربعة ولا يجوز عشرة إلا خمسة أو ستة بخلاف ما لم يكن صريحًا فيجوز: أكرم بنى تميم إلا الجهال، وهم ألف والعالم فيهم واحد لنا أنه وقع فى القرآن استثناء الأكثر دليله قوله تعالى:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42]، ومن ههنا بيانية لأن الغاوين كلهم متبعوه فاستثنى الغاوين وهم أكثر من غيرهم، بدليل قوله:{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، دل على أن الأكثر ليس بمؤمن، وكل من ليس بمؤمن غاوٍ ينتج الأكثر غاوٍ، وإذا ثبت جواز استثناء الأكثر ثبت جواز استثناء المساوى بالطريق الأولى لأنه أقرب، ولنا أيضًا لو قال:"كلكم جائع إلا من أطعمته" وأطعم الأكثر صح قطعًا ولنا أيضًا أن فقهاء الأمصار اتفقوا على أنه لو قال: على عشرة إلا تسعة لم يلزم إلا واحد ولولا أن استثناء الأكثر ظاهر فى وضع اللغة فى بقاء الأقل لامتنع الاتفاق عليه عادة ولصار قوم ولو قليلًا إلى أنه يلزمه العشرة لكون الاستثناء لغوًا لأنه غير صحيح كما فى المستغرق.

المشترطون لكونه أقل قالوا: أولًا: الدليل منع الاستثناء لأنه إنكار بعد إقرار

ص: 36

خالفناه فى الأقل لأنه قد ينسى فبقى معمولًا به فى غيره.

الجواب: لا نسلم أن الدليل منعه فإنه إنكار بعد إقرار لأنه كجملة واحدة لما مر أنه إسناد بعد إخراج فليس فيه حكمان مختلفان.

قالوا: ثانيًا: لو قال عشرة إلا تسعة دراهم ونصف وثلث درهم يعدّ مستقبحًا ركيكًا وما هو إلا لأنه استثناء الأكثر فدل على عدم جوازه.

الجواب: أن استقباحه لا يستلزم عدم صحته، كما لو قال: على عشرة إلا دانقًا ودانقًا إلى أن عدّ عشرين دانقًا والمجموع ثلث العشرة فإنه يستقبح ويقال كان الواجب أن يقول إلا عشرين دانقًا ومع ذلك فإن العبارة صحيحة، ويسقط عنه عشرون دانقًا اتفاقًا، وإنما قبح لتطويل يعسر ضبطه مع إمكان الاختصار السهل ضبطه.

فلا.

قوله: (المساوى للباقى) يعنى أن المفهوم من الكلام هو اعتبار نسبة المساواة والأكثرية إلى الباقى بعد الاستثناء لا إلى النصف على ما ذكره العلامة وإن كانا متلازمين بحسب الصدق.

قوله: (دليله قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي. .} [الحجر: 42] الآية) المشهور فى الاستدلال أن الآية مع قوله تعالى حكاية: {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [الحجر: 39، 40]، تفيده وإلا لزم أن كلًا من الغاوين وغير الغاوين أقل من الآخر وتقريراهما إن تساويا ثبت استثناء المساوى وإن تفاوتا ثبت استثناء الأكثر والأقرب إلى التحقيق ما ذكره المحقق وقد افتقر أولًا إلى إثبات كون من فى الغاوين للتناول دون التبعيض ليكون المستثنى جميع الغاوين على ما أشار إليه المصنِّفُ بقوله: والغاوون أكثر وإلا فلا حاجة إلى التعرض له ويكفيه إثبات كون المتقين أكثر وهو ظاهر وثانيًا إلى إثبات كون الغاوين أكثر من غيرهم ليتحقق استثناء الأكثر فيلزم صحة استثناء المساوى ووجهه أن قوله تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103]، معناه الحكم على أكثر الناس بعدم الإيمان على أنها موجبة معدولة المحمول أو سالبة المحمول إذ لو أريد سلب الحكم بإيمان الأكثر بحيث يحتمل التساوى لم يكن لذكر الأكثر فائدة.

ص: 37

قوله: ("كلكم جائع إلا من أطعمته") من كلام النبى صلى الله عليه وسلم حكاية عن رب العزة فيقوم حجة ولم يتنبه الشارح بل جمهور الشارحين لذلك حتى زعم بعضهم أن هذا دعوى الضرورة فى محل النزاع واعلم أن الاستدلال بالآية والحديث لا يتم على من يفرق بين العدد الصريح وغيره فاحتج عليهم بالإجماع ومساق كلام الشارح أنه إجماع الكل من غير مخالف لا إجماع الأكثر على ما صرح به فى المنتهى وقرره العلامة ههنا.

قوله: (فليس فيه) أى فى الاستثناء حكمان مختلفان فى حق المستثنى بأن يثبت ثم ينفى على ما زعم الخصم بل فيه حكم بالإثبات فى حق الباقى وبالنفى فى حق المستثنى فعلى هذا لو جعلنا ضمير فيه للمستثنى لكان أظهر، قال فى المتن: ولو سلم فالدليل متبع، أى لو سلم أن الدليل منع الاستثناء وأنه إنكار بعد إقرار لكن ما ذكرنا من الوجوه دليل على جواز استثناء الأكثر فيجب اتباعه وإن كان خلاف الظاهر.

قوله: (والمجموع ثلث العشرة) لأن عشرة دنانير ستون دانقًا فهذا مستقبح مع كون المستثنى أقل من الباقى.

ص: 38

قال: (مسألة: الاستثناء بعد جمل بالواو قالت الشافعية للجميع والحنفية للأخيرة، والقاضى والغزالى بالوقف، والشريف بالاشتراك أبو الحسين إن تبين الإضراب عن الأولى فللأخيرة، مثل أن يختلفا نوعًا أو اسمًا وليس الثانى ضميره، أو حكمًا غير مشتركين فى غرض وإلا فللجميع والمختار إن ظهر الانقطاع فللأخيرة، والاتصال فللجميع وإلا فالوقف).

أقول: إذا تعاقبت جمل عطف بعضها على بعض بالواو ثم ورد بعدها استثناء فيمكن أن يرد إلى الجميع وإلى الأخيرة خاصة، ولا نزاع فيه إنما الخلاف فى الظهور، فقال الشافعى: ظاهر فى رجوعه إلى الجميع -أى: كل واحد من الجمل- وقالت الحنفية: إلى الجملة الأخيرة، وقال القاضى والغزالى وغيرهما: بالوقف، بمعنى أنه لا ندرى أنه حقيقة فى أيهما، وقال المرتضى: إنه مشترك بينهما فيتوقف إلى ظهور القرينة، وهذان موافقان للحنفية فى الحكم وإن خالفا فى المأخذ لأنه يرجع إلى الأخيرة، فيثبت حكمه فيها، ولا يثبت فى غيرها كالحنفية، لكن هؤلاء لعدم ظهور تناولها، والحنفية لظهور عدم تناولها، وقال أبو الحسين البصرى: إن تبين استقلال الثانية عن الأولى بالإضراب عن الأولى فللأخيرة وإلا فللجميع وظهور الإضراب بأن يختلفا نوعًا أو اسمًا مع أنه ليس فيهما الاسم الثانى ضمير الاسم الأول أو يختلفا حكمًا مع أن الجملتين فى الأقسام الثلاثة غير مشتركتين فى غرض:

الأول: أن يختلفا نوعًا مثل أكرم بنى تميم والنحاة هم العراقيون إلا زيد فإن أحدهما أمر والآخر خبر.

الثانى: أن يختلفا اسمًا لا حكمًا، أكرم بنى تميم وربيعة إلا زيدًا.

الثالث: أن يختلفا حكمًا لا اسمًا، أكرم بنى تميم واستأجر بنى تميم إلا زيدًا.

الرابع: أن يختلفا اسمًا وحكمًا، أكرم بنى تميم واستأجر ربيعة إلا زيدًا وعدم ظهور الإضراب بوجهين:

أحدهما: أن يكون الاسم الثانى ضمير الأول اتحدا نوعًا وحكمًا أو اختلفا فيهما أو فى أحدهما، نحو أكرم بنى تميم واستأجرهم أو أكرم بنى تميم وهم طوال.

ثانيهما: أن يشتركا فى غرض نحو: أكرم بنى تميم واخلع عليهم أو هم مقربون

ص: 39

فإن الغرض هو التعظيم فيهما، ومنه قوله تعالى:{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]، اختلفت حكمًا ونوعًا، والثانى ضمير الأول والغرض واحد وهو الإهانة والانتقام، والمختار أنه إن ظهر الانقطاع للأخيرة عما قبلها بأمارة فللأخيرة وإن ظهر الاتصال فللجميع وإن لم يظهر أحدهما وجب الوقف، ومرجع هذا المذهب إلى الوقف لأن القائل به إنما يقول به عند عدم القرينة ووجه ما اختاره ظاهر فلم يذكره وهو أن الاتصال يجعلها كالواحدة والانفصال يجعلها كالأجانب والإشكال يوجب الشك.

قوله: (عطف بعضها على بعض بالواو) التقييد بالواو عبارة الإمام والآمدى وغيرهما والإطلاق عبارة الإمام الرازى والتعميم فى الواو وأو وغيرهما عبارة القاضى أبى بكر.

قوله: (وهذان) يعنى مذهبه ومذهب الاشتراك موافقان لمذهب الحنفية فى الحكم وهو أنه إنما يفيد الإخراج من مضمون الجملة الأخيرة دون غيرها لكن عندهما لعدم الدليل فى الغير وعندهم لدليل العلم وهذا معنى اختلاف المآخذ.

قوله: (بأن يختلفا نوعًا) أى من جهة الخبرية والإنشائية وكونهما أمرًا ونهيًا ونحو ذلك أو اسمًا بأن يكون الاسم الذى يصلح مستثنى منه فى إحداهما غير الذى فى الأخرى، أو حكمًا بأن يكون مضمون هذه حكمًا مخالفًا لمضمون الأخرى وهذا الاختلاف نوعًا يستلزم الاختلاف حكمًا فيه تردد إذ لم يصرحوا بأن الحكم فى مثل أكرم بنى تميم وبنو تميم مكرمون متحد أو مختلف وضمير منهما للقسمين أعنى المختلفين نوعًا والمختلفين اسمًا والأقسام الثلاثة إشارة إلى المختلفين نوعًا واسمًا وحكمًا وإنما أورد أربعة أمثلة مع أن ظاهر الكلام أن الأقسام ثلاثة لأن القسمة تقتضى قسمًا رابعًا، وهو المختلفان اسمًا وحكمًا معًا لأن كلًا من الاختلاف اسمًا وحكمًا أعم من أن يكون وحده أو مع الآخر ولا يخفى أن مثله جار فى الاختلاف نوعًا مثل أكرم بنى تميم والنحاة هم العراقيون وجعلوا مثالًا للاختلاف نوعًا لكن فيه اختلاف اسمًا وحكمًا أيضًا والمقال الصحيح للاختلاف نوعًا فقط أكرم بنى تميم وبنو تميم مكرمون إن لم يجعل مثله مختلفًا حكمًا وإلا فلا يتصور الاختلاف نوعًا بدون الاختلاف حكمًا وأما مثل أكرم بنى تميم وربيعة فظاهره من

ص: 40

عطف المفرد لكن المراد وأكرم ربيعة فلا اختلاف إلا فى الاسم المستثنى منه وأما ما لا يظهر فيه الإعراب فالوجه الأدل منه على ظاهر عبارة الكتاب أربعة أقسام: المتحدتان فى النوع والحكم المختلفتان فيهما المختلفتان فى النوع المختلفتان فى الحكم واقتصر على مثالين أحدهما للاختلاف فى الحكم وهو أكرم بنى تميم واستأجرهم والثانى للاختلاف فى النوع والحكم وهو أكرم بنى تميم وهم طوال فإن الأولى أمر والحكم هو الإكرام والثانية إضمار والحكم هو الطول ولا يتصور الاتحاد نوعًا وحكمًا إلا فى مثل أكرم بنى تميم وأكرمهم وقد يمثل بمثل أكرم بنى تميم وأكرم ربيعة وليس بمستقيم لأن الاسم الثانى ضمير الأول ومثال الاختلاف فى النوع فقط أكرم بنى تميم وهم مكرمون والوجه الثانى منه قد ذكر له مثالين أحدهما للاختلاف حكمًا فقط وهو أكرم بنى تميم واخلع عليهم، والثانى النوع والحكم نحو أكرم بنى تميم وهم معربون والشارح المحقق قد اقتفى فى بيان هذه الأقسام والأمثلة أثر الآمدى وللمرح العلامة ههنا زيادة تفصيل واستيفاء للأقسام. قوله:(والإشكال يوجب الشك) أى إذا أشكل الحال والتبس الانقطاع والاتصال حصل الشك فوجب التوقف.

المصنف: (قالت الشافعية للجميع) وكذا قال مالك وأحمد وقوله: أبو الحسين إن تبين. . . إلخ. فى التحرير أنه لا يزيد على قول الشافعى إلا بتفصيل القرينة.

الشارح: (مع أنه ليس فيهما) يظهر من كلام الشارح الآتى أن هذا القيد راجع أيضًا للاختلاف حكمًا.

قوله: (وإنما أورد أربعة) يظهر أن أقسام ظهور الإضراب سبعة لأن اختلاف النوع تحته ثلاثة وكذا اختلاف الاسم واختلاف الحكم وبإسقاط المكرر يبقى سبعة.

قوله: (لأن الاسم الثانى ضمير الأول) الصواب ليس ضمير الأول.

ص: 41

قال: (الشافعية: العطف يصير المتعدد كالمفرد، وأجيب بأن ذلك فى المفردات، قالوا: لو قال واللَّه لا أكلت ولا شربت ولا ضربت إن شاء اللَّه، عاد إلى الجميع وأجيب بأنه شرط فإن ألحق به فقياس وإن سلم فالفرق أن الشرط مقدر تقديمه وإن سلم فلقرينة الاتصال وهى اليمين على الجميع، قالوا: لو كرر لكان مستهجنًا قلنا عند قرينة الاتصال كان سلم فللطول مع إمكان إلا كذا فى الجميع، قالوا: صالح فالبعض تحكم كالعام قلنا صلاحيته لا توجب ظهوره فيه كالجمع المنكر، قالوا: لو قال على خمسة وخمسة إلا ستة كان للجميع قلنا مفردات وأيضًا للاستقامة).

أقول: الشافعية وهم القائلون بعوده إلى الجميع قالوا: أولًا: العطف يصير المتعدد كالمفرد فلا فرق بين قولنا اضرب الذين قتلوا وسرقوا وزنوا إلا من تاب وبين، قولنا اضرب الذين هم قتلة وسراق وزناة، إلا من تاب ولا شك أنه لا يعود من المفرد إلى جزء فكذا فى الجمل المعطوفة.

الجواب: أن ذلك فى المفردات، وأما فى الجمل فممنوع فإن قولك ضرب بنو تميم وقتل مضر وبكر شجعان، ليست كالمفرد قطعًا.

قالوا: ثانيًا: لو قال واللَّه لا أكلت ولا شربت ولا ضربت إن شاء اللَّه تعالى عاد إلى الجميع اتفاقًا.

الجواب: أنه شرط لا استثناء وهو غير محل النزاع فإن قال وإذا كان الشرط للجميع فكذا الاستثناء لأنه تخصيص متصل مثله، قلنا هذا قياس فى اللغة وقد أبطلناه ولو سلم فالفرق أن الشرط وإن تأخر لفظًا فهو مقدم تقديرًا، ولو سلم فهذا إنما يرجع إلى الجميع للقرينة الدالة على اتصال الجمل وهو اليمين عليها، وذلك مما نقول به إنما الكلام فيما لا قرينة فيها وفى الظهور حينئذ، وقد يقال على الثانى أن الشرط مقدر تقديمه على ما يرجع إليه فلو كان للأخيرة قدم عليها فقط دون الجميع فلا يصلح فارقًا.

قالوا: ثالثًا: لو كرر الاستثناء فى كل جملة قبل الأخرى فقال: اضرب من سرق إلا زيدًا، ومن زنى إلا زيدًا، وكمن قتل إلا زيدًا عدّ مستهجنًا، ولولا أن المذكور بعدها يعود إلى الجميع وكان مغنيًا عن التكرار لما استهجن لتعينه طريقًا، قلنا إنما يستهجن عند قرينة الاتصال خاصة، أما عند عدمها فلا لتعينها طريقًا، سلمنا ذلك لكن إنما يستهجن لما فيه من الطول مع إمكان عدمه بأن يقول بعد

ص: 42

الجمل إلا كذا فى الجميع فيصرح بعوده إلى الجميع.

قالوا: رابعًا: هو صالح للجميع فالقول بالعود إلى البعض تحكم فيعود إلى الكل.

الجواب: إن صلاحيته للجميع لا توجب ظهوره فيه كالجمع المنكر فإنه صالح للجميع وليس بظاهر فيه ولا فى شئ مما يصلح له من مراتب الجمع.

قالوا: خامسًا: لو قال على خمسة وخمسة إلا ستة لكان للجميع اتفاقًا، فكذا فى غيره من الصور دفعًا للاشتراك والمجاز.

الجواب: أولًا أنه غير محل النزاع لأن كلامنا فى الجمل وهذه مفردات، وثانيًا: أنه إنما يرجع إلى الجميع ليستقيم إذ لو رجع إلى الأخيرة لم يستقم، وثالثًا: أن مدعاكم الرجوع إلى كل واحد لا إلى الجميع والحق أن النزاع فيما يصلح للجميع وللأخيرة وهذا ليس منه.

قوله: (العطف يصير المتعدد كالمفرد) ناظر إلى ما يقال أن الجمع بحرف الجمع كالجمع بلفظ الجمع فإن قيل التوضيح بالمقال المذكور ليس بشئ إذ ليس فيه جعل الأمور المتعددة المتعاطفة بمنزلة مفرد بل جعل كل مع الجمل بمنزلة مفرد قلنا المراد أن تعاطف المفردات الواقعة موقع الخبر للمبتدأ جعلها بمنزلة اسم واحد حتى عاد الاستثناء إلى الكل اتفاقًا فكذلك تعاطف الجمل بجعلها بمنزلة جملة فيعود الاستثناء إلى الكل والجواب أن ذلك فى المفردات أو ما هو فى حكمها من الجملة التى لها محل من الإعراب أو التى وقعت صلة للموصول أو نحو ذلك مما يوجب الاتصال والارتباط وقد تقرر الجواب بالفرق بين المفرد وما هو كالمفرد فإن أريد الإلحاق به احتيج إلى جامع مع أنه قياس فى اللغة والاستثناء فى المثال المذكور إنما يعود إلى الكل ككون الجمل فى حكم المفرد لعطفها على الصلة.

قوله: (ولو سلم) فهذا يرجع إلى قوله: (إنه شرط لا استثناء) أى لو سلم أنه استثناء صرح بذلك فى المنتهى فحينئذٍ يكون جوابًا ثانيًا عن أصل الاستدلال ويحتمل أن يراد لو سلم عدم الفرق أو عدم تقدم الشرط فيكون جوابًا ثالثًا عن السؤال المذكور.

ص: 43

قوله: (وفى الظهور) أى ظهور الرجوع إلى الجميع عند عدم قرينة الاتصال والانفصال.

قوله: (وقد يقال على الثانى) أى الجواب الثانى عن السؤال وهذا الفرق بأن الشرط مقدم تقديرًا.

قوله: (لتعينه طريقًا) أى لو سلم بعد إلى الجميع لكان التكرار عند قصد الرجوع إلى الجميع طريقًا متعينًا لاهداء المقصود فلزم أن لا يستقبح وقوله لتعينها طريقًا بتأنيث الضمير يفتقر إلى تأويل.

قوله: (لا يوجب ظهوره فيه) هذا إن استدل بمجرد صلاحيته للجميع وإن ضم إليه بعد العود إلى البعض للتحكم أجيب بمنع التحكم، فإن القرب مرجح.

المصنف: (العطف يصير المتعدد كالفرد) أى العطف يصير المتعدد سواء كانت جملا أو مفردات كالفرد أى الأمر الواحد فكما أن المفردات المتعاطفة بعضها على بعض فى قولك اضرب الذين هم قتلة وسراق وزناة إلا من تاب فى حكم الأمر الواحد ويعود الاستثناء إلى الجميع كذلك الجمل المتعاطفة فى قولك قتل هؤلاء الجماعة وسرقوا وزنوا إلا زيدا فى حكم الأمر الواحد فيعود الاستثناء إلى الجميع، هذا ويحتمل أن لِكون معنى كلام المصنف أن العطف فى المفردات يصيرها كالفرد الواحد فيقاس عليه عطف الجمل.

المصنف: (وأجيب بأن ذلك فى المفردات. . . إلخ) يحتمل أن يكون محصل الجواب أن ما ذكر من أن العطف يصير المتعدد كالواحد ليس على إطلاقه بل ذلك فى المفردات فقط وهو المناسب للحل الأول فى معنى قول المصنف العطف يصير المتعدد كالمفرد ويحتمل أن يكون حاصل الجواب أن قياس الجمل على المفردات قياس مع الفارق مع أنه قياس فى اللغة وهو المناسب للحل الثانى فى معنى قول المصنف المذكور وسيشير إلى ذلك المحشى فقوله ناظر إلى أن العطف. . . إلخ. وقوله قلنا المراد. . . إلخ. يناسب الحل الأول وقوله وقد يقرر الجواب. . . إلخ. يناسب الثانى.

المصنف: (وإن سلم فلقرينة الاتصال) أى والكلام عند عدم قرينة الاتصال التى تجعل الجمل كجملة واحدة.

ص: 44

المصنف: (لو كرر لكان مستهجنًا) فلو كان لا يرجع الاستثناء إلى كل واحدة عند تأخيره ولا بد إذا أريد رجوعه إلى كل واحدة من ذكره عند كل واحدة لم يكن مستهجنًا لتعينه طريقًا.

المصنف: (قلنا عند قرينة الاتصال) أى الاستهجان عند ذلك لأن الجمل حينئذ كالجملة الواحدة بخلاف ما إذا لم توجد قرينة الاتصال فلا استهجان والكلام عند عدم القرينة.

المصنف: (وإن سلم) أى الاستهجان عند عدم قرينة الاتصال فليس لأن الاستثناء عند التأخر يعود إلى الجميع ويغنى عن ذكره عقب كل جملة بل للتطويل مع إمكان الاختصار والإتيان بإلا كذا فى الجميع.

الشارح: (إلى كل واحد لا إلى الجميع) أى المجموع.

الشارح: (فيما يصلح للجميع) أى لكل واحد.

قوله: (فيرجع إلى قوله أنه شرط الاستثناء) أى قول الشارح ولو سلم فهذا. . . إلخ. يرجع لقوله أولًا أنه شرط الاستثناء.

قوله: (يفتقر إلى تأويل) يقال فى التاويل أنه أنث الضمير الراجع إلى رجوع الاستثناء مراعاة للخبر بحسب الأصل أعنى طريقًا أو أن المصدر الذى هو مرجع الضمير يذكر ويؤنث باعتبار أن مدلوله الحقيقة والماهية.

ص: 45

قال: (المخصص آية القذف لم ترجع إلى الجلد اتفاقًا قلنا الدليل وهو حق الآدمى ولذلك عاد إلى غيره، قالوا: علىّ عشرة إلا أربعة إلا اثنين للأخير قلنا أين العطف وأيضًا مفردات وأيضًا للتعذر فكان الأقرب أولى ولو تعذر تعين الأول مثل على عشرة إلا اثنين إلا اثنين، قالوا: الثانية حائلة كالسكوت، قلنا لو لم يكن الجميع بمثابة الجملة، قالوا: حكم الأول يقين والرفع مشكوك، قلنا لا يقين مع الجواز للجميع، وأيضًا فالأخيرة كذلك للجواز بدليل: قالوا: إنما يرجع لعدم استقلاله فيتقيد بالأول وما يليه هو التحقق. قلنا يجوز أن يكون وضعه للجميع، كما لو قام دليل القائل بالاشتراك حسن الاستفهام، قلنا للجهل بحقيقته أو لرفع الاحتمال، قالوا: صح الإطلاق والأصل الحقيقة، قلنا: الأصل عدم الاشتراك).

أقول: القائلون بأن الاستثناء يختص بالجملة الأخيرة مطلقًا قالوا: أولًا: لو رجع إلى الجميع لرجع قوله فى آية القذف: {إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان: 70]، إلى الجميع فكان يجب أن يسقط الجلد بالتوبة ولا يسقط اتفاقًا.

الجواب: لا يلزم من ظهوره للجميع العود إليه دائمًا بل قد يصرف عنه لدليل وههنا كذلك لأن الجلد حق الآدمى فلا يساقط بالتوبة إنما يسقط بإسقاط المستحق ولأجل أنه ظاهر فى العموم وقد خولف به فى الجلد لدليل عاد إلى غيره من رد الشهادة والتفسيق اتفاقًا، ولو اختص بالأخيرة لما كان كذلك.

قالوا: ثانيًا: لو قال على عشرة إلا أربعة إلا اثنين عاد إلا اثنين إلى الأخيرة، وهو الأربعة فيفيد استثناء الاثنين من الأربعة حتى يلزم ثمانية.

الجواب: أما أولًا أن الكلام فى المتعدد المعطوف بعضها على بعض بالواو فأين الواو هاهنا، وثانيًا: أن الكلام فى الجمل وهذه مفردات، وثالثها: أن هاهنا يتعذر عوده إلى الجميع وإلا لكان الاثنان مثبتًا منفيًا وكان لغوًا، إذ معه يلزم الستة كما يلزم دونه إذ لا فرق بين أن يستثنى منه أربعة وأن يستثنى منه أربعة إلا اثنين واثنان، وإذا تعذر الجمع تردد بين الأولى والأخيرة فجعله للأخيرة أولى لأنها أقرب وهم يعتمدون القرب فى غير موضع ولو تعذر عوده إلى الأخيرة تعين عوده إلى الأولى نحو على عشرة إلا اثنين إلا ثلاثة فيكون اللازم خمسة.

قالوا: ثالثًا: الجملة الثانية حائلة بين الاستثناء وبين الأولى فكان مانعًا من تعلق الاستثناء به فكان كالسكوت.

ص: 46

والجواب: منع كونها حائلة وإنما تكون حائلة لو لم يكن الجميع بمثابة جملة واحدة وأنه ممنوع.

قالوا: رابعًا: حكم الأولى بكمالها متيقن ورفعه برفع البعض بالاستثناء مشكوك فيه لجواز كونه للأخيرة فلا يعارضه.

الجواب: أولًا لا نسلم أن حكم الأولى متيقن إذ لا تيقن مع جواز كون الاستثناء للجميع وثانيًا فالأخيرة كذلك لأن حكمها ثابت باليقين والرفع مشكوك فيه لجواز رجوع الاستثناء إلى الأولى لدليل يدل عليه.

قالوا: خامسًا: إنما يرجع الاستثناء إلى ما قبله للضرورة وهو عدم استقلاله وما وجب للضرورة يقدر بقدرها ويكفى فى ذلك العود إلى جملة واحدة ثم الأخيرة هى المتحققة سواء عاد إليها فقط أو إلى الجميع فيحمل عليها دون ما لم يتحقق.

الجواب: لا نسلم أنه يرجع للضرورة بل عندنا إن وضعه للجميع فلا يتقيد بالأخيرة كما لو دل دليل على عوده إلى الجميع فإنه يعتبر إجماعًا ومع جواز وضعه للجميع لا يتم ما ذكرتم القائلون بأنه مشترك بين كونه للجميع والأخيرة.

قالوا: أولًا: حسن الاستفهام عند إطلاقه عنهما أيهما المراد وأنه دليل الاشتراك.

الجواب: لا نسلم أنه دليل الاشتراك لجواز أن يكون حسنه لعدم معرفة ما هو حقيقة فيه ولو سلم العلم به فلرفع الاحتمال لأنه ليس بنص فى أحدهما بل ظاهر مع قيام احتمال الآخر فيندفع بالتصريح.

قالوا: ثانيًا: صح إطلاقه للجميع والأخيرة، والأصل فى الإطلاق الحقيقة فكان حقيقة لهما ولزم الاشتراك.

الجواب: أن الأصل عدم الاشتراك وقد أن المجاز أولى منه.

قوله: (لو رجع إلى الجميع) مبنى الكلام على أنه إما راجع إلى الجميع أو إلى الأخيرة خاصة فإذا انتفى الأول تعين الثانى وإلا فمجرد امتناع الرجوع إلى الجميع لا يوجب الاختصاص بالأخيرة، ثم ههنا أبحاث: الأول: أن مبنى الكلام على أن {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4]، عطف على الأمر والنهى قبله، وقد ذكر فى أصول الحنفية أن ذلك ممتنع حاصله فيه طلبية من تمام الحد خوطب بها الحكام

ص: 47

وهذه اسمية إخبارية لا تعلق لها بالحكام ولا بالحد الثانى أن دعوى الاتفاق على عوده إلى رد الشهادة ليس بمستقيم لأن التائب لا يصير مقبول الشهادة عند الحنفية بل هو عندهم عاد إلى التفسيق فقط الثالث أنه إذا تعلق بالأخيرة فلهم كلام فى أن المستثنى منه لفظ أولئك أو لفظ الفاسقون أو الضمير فى الفاسقون وبالجملة فى هذه الآية مباحث كثيرة تطلب من شرح التنقيح.

قوله: (وإلا لكان الاثنان مثبتًا) لأنه من الأربعة المنفية ومنفيًا لاستثنائه من العشرة المثبتة كما إذا قلت جاء القوم ولم يجئ العلماء إلا زيدًا وزعمت أن الاستثناء عائد إلى الجملتين.

قوله: (وهم يعتمدون القرب فى غير موضع) كإعمال الثانى فى باب التنازع وإعمال الباء فى ألقى بيده دون الفعل وعود ضمير ضربته إلى عمرو فى ضرب زيد عمرًا وضربته وتعين سلمى للفاعلية فى مثل ضربت سلمى سعدى وإبطال لام الابتداء عمل الفعل فى مثل ظننت لزيد قائم إلى غير ذلك.

قوله: (بل عندنا أن وضعه للجميع) لا يقال هذا محتمل فلا يدفع الظاهر الذى هو ثبوت حكم الأول لأنا نقول إنما ذكرنا ذلك على طريق السند لمنع كون الرجوع إلى الجميع ضروريًا ولم لا يجوز أن يكون ظاهرًا وحينئذٍ يمتنع ثبوت حكم الأول بل الظاهر عدم ثبوته وبهذا يندفع ما يقال على جواب الوجه الرابع أن الجملة الأولى المقتضية لحكمها ثابتة بيقين والاستثناء لا يدفعه بيقين فيثبت الحكم لوجود المقتضى وانتفاء المانع لأنا لا نسلم انتفاء المانع حينئذٍ بل وضع الاستثناء للرجوع إلى الجميع مانع متحقق وإنما لم يتعرض فى الأجوبة للنقض بالشرط حيث يعم الكل لأنه ربما يعرف بأنه متقدم تقديرًا فيصير متقدمًا على الكل.

المصنف: (وأيضًا للتعذر) أى لأن الاثنين تكون مثبتة منفية كما سيقول الشارح وهذا تناقض ورد بأن التناقض شرطه اتحاد الموضوع وهو مختلف هنا لأن الاثنين المثبتين هما الاثنان من الأربعة والمنفيان هما الاثنان من الستة، نعم فى ذلك لغو لأن المال الإقرار بستة فيكفى على عشرة الأربعة ولا حاجة للاستثناء الثانى أعنى الاثنين.

المصنف: (حكم الأول يقين) الأولى حكم الأولى ظاهر أى حكمها بتمامها.

ص: 48

الشارح: (لرجع قوله فى آية القذف {إِلَّا مَنْ تَابَ}) التلاوة {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: 5]، فلعله حكى بالمعنى.

قوله: (وقد ذكر فى أصول الحنفية أن ذلك ممتنع. . . إلخ) فيه أن المتنع إنما هو عطف الخبر على الإنشاء وعكسه فى الجمل التى لا محل لها من الإعراب وهنا لها محل من الإعراب لأن قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ} [النور: 4]، وقع خبرًا لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: 4]، إلا أن هذا إنما يرد إذا جعل الذين يرمون مبتدأ أما إذا جعل مصوبًا بفعل محذوف فلا يرد.

قوله: (من تمام الحد خوطب بها الحكام) فيه إشارة إلى وجه آخر غير الإنشاء والخبر ولا يخفى أنه لا يصلح سببًا لمنع العطف.

قوله: (فلهم كلام. . . إلخ) حاصله أن بعضهم جعل الاستثناء منقطعًا لأن الذين تابوا لم يدخلوا فى حكم الصدر لو سكت عنهم لأنهم ليسوا بفاسقين إذ التائب من الذنب كمن لا ذنب له ولا يخفى أن هذا إنما يتم إذا لم يكن معنى هم الفاسقون الثبات على الفسق والدوام عليه بهالا فلا وجه للانقطاع وبعضهم جعله متصلا لأن المستثنى منه ليس الفاسقون بل أولئك أو ضمير الفاسقين ورد بأنه إذا أريد الفسق فى الجملة لم يصح إخراج التائبين منهم وقوله أو لفظ الفاسقون أى يكون الاستثناء لإخراج التائبين منهم فى الحكم الذى هو الحمل على أولئك القاذفين فإن الاستثناء كما يكون من المحكوم عليه يكون من غيره كما يقال كرام بلدتنا أغنياء إلا زيد يعنى أن زيدًا وإن كان غنيًا إلا أنه خارج عن الحمل على الكرام ويرد عليه أنه يلزم أن يكون التائبون من الفاسقين ولا يكونون من القاذفين والأمر بالعكس.

قوله: (أو لفظ الفاسقون) أى وهو مردود بأن "الفاسقون" ليس مستثنى منه بل هو الحكم.

قوله: (الذى هو ثبوت حكم الأول) أى جميعه فى الجملة الأولى.

قوله: (فيصير متقدمًا على الكل) أى لأنه لما زال عن موضعه كان هناك وجه لرجوعه إلى الكل.

ص: 49

قال: (مسألة الاستثناء من الإثبات نفى وبالعكس خلافًا لأبى حنيفة لنا النقل وأيضًا لو لم يكن لم يكن لا إله إلا اللَّه توحيدًا).

أقول: الاستثناء من الإثبات نفى اتفاقًا وبالعكس أى الاستثناء من النفى إثبات خلافًا لأبى حنيفة رضى اللَّه عنه، لنا النقل من أهل العربية أنه كذلك وهو المعتمد فى إثبات مدلولات الألفاظ، ولنا أيضًا لو لم يكن كذلك لم يكن لا إله إلا اللَّه يتم به التوحيد واللازم باطل بالإجماع بيان الملازمة أنه إنما يتم بإثبات الإلهية للَّه تعالى ونفيها عما سواه والمفروض أنه لا يفيد الإثبات له وإنما يفيد النفى فقط فلو تكلم بها دهرى منكر لوجود الصانع وهى لا تفيد إلا نفى الغير لما نافى معتقده ولم يعلم بها إسلامه وهو المراد، واعلم أن الحنفية لا يفرقون بين النفى والإثبات من جهة الدلالة الوضعية ولا يرون شيحًا منهما يدل الاستثناء منه على المخالفة فيما يفيده من النسبة الخارجية بل فى النسبة النفسية فإن كان ذلك مدلول الجملة فالمخالفة فيها عدم الحكم النفسى وهم يقولون به فيهما، وإن كان مدلوله النسبة الخارجية فالاستثناء إعلام بعدم التعرض له والسكوت عنه من غير حكم بالمخالفة فيهما، نعم بين الإثبات والنفى فرق من جهة الحكم وذلك أن المسكوت عن إثبات الحكم يستلزم نفى الحكم بالبراءة الأصلية بخلاف السكوت عن النفى إذ لا مقتضى معه للإثبات فهم يحملون كلام أهل العربية على نفى الحكم النفسى وكلمة التوحيد على عرف الشارع.

قوله: (الاستثناء من الإثبات نفى) المشهور من كلام الشافعية أن هذا وفاق وإنما الخلاف فى كونه من النفى إثباتًا بل هو تكلم بالباقى بعد الثنيا ومعناه أنه أخرج المستثنى وحكم على الباقى من غير حكم على المستثنى ففى مثل على عشرة إلا ثلاثة لا تثبت الثلاثة بحكم البراءة الأصلية، وعدم الدلالة على الثبوت لا بسبب دلالة اللفظ على عدم الثبوت وفى مثل ليس على إلا سبعة لا يثبت شئ بحسب دلالة اللفظ لغة وإنما يثبت بحسب العرف وطريق الإشارة كما فى كلمة التوحيد حيث يحصل بها الإيمان من المشرك ومن القائل بنفى الصانع بحسب عرف الشرع ويؤوّلون كلام العربية أنه من الإثبات نفى بأنه مجاز تعبيرًا عن عدم الحكم بالحكم بالعدم لكونه لازمًا لكن إنكار دلالة ما قائم إلا زيد على ثبوت القيام لزيد يكاد

ص: 50

يلحق بإنكار الضروريات وإجماع العربية على أنه من النفى إثبات لا يحتمل التأويل وحاول الشارح المحقق توفيقًا بين كلامهم وكلام أهل العربية مبنيًا على ما سبق من أن الخبر يدل على نسبة نفسية لها متعلق يعبر عنه بالنسبة الخارجية الواقعة فى نفس الأمر فإن اعتبرت دلالته على النسبة الخارجية فلا نفى ولا إثبات فى المستثنى أى لا دلالة فى اللفظ على أن للمستثنى حكمًا مخالفًا لحكم الصدر كان اعتبرت دلالته على النسبة النفسية ففى الاستثناء سواء كان من النفى أو من الإثبات دلالة على أن للمستثنى حكمًا مخالفا لحكم الصدر هو عدم الحكم النفسى الثابت فى الصدر فإن قيل كما أن المخالفة فى النسبة النفسية هى عدم الحكم النفسى فكذلك فى الخارجية هى عدم الحكم الخارجى وقد ذكر أن فى الاستثناء إعلامًا بعدم التعرض وهو يستلزم عدم الحكم ضرورة فيكون فيه دلالة على المخالفة، قلنا الإعلام بعد التعرض للشئ ليس إعلامًا بعدم ذلك الشئ وعدم التعرض إنما يستلزم عدم الحكم الذكرى أو النفسى لا الخارجى، واعلم أن ضمير منهما وفيهما للنفى والإثبات وضمير فيها للنسبة النفسية وضمير مدلوله للجملة بتأويل الكلام أو الخبر وضمير له وعنه للمدلول الذى هو النسبة الخارجية ومن الغلط الظاهر ما يفسر النسبة الخارجية بالنسبة اللسانية التى هى الذكر الحكمى، ثم ههنا بحث: وهو أن ما ذكر لا يتأتى فيما هو العمدة فى مأخذ الأحكام أعنى الإنشاء لعدم تقدم دلالته على النسبة الخارجية فيلزم أن لا يكون زيد فى مثل أكرم الناس إلا زيدًا فى حكم المسكوت عنه بل محكومًا عليه بعدم إيجاب إكرامه بلا خلاف.

قوله: (نعم بين الإثبات والنفى فرق من جهة الحكم) ليس على ما ينبغى لأن السكوت عن النفى قد يستلزم الإثبات بحكم الإباحة الأصلية، مثل: لا تجالس إلا رجلًا عالمًا فالحق أن السكوت عن المستثنى إبقاء له على ما كان عليه من الإثبات أو النفى من غير فرق.

قوله: (على نفى الحكم النفسى) شامل لكونه من الإثبات نفيًا ومن النفى إثباتًا أما الأول فظاهر، وأما الثانى فلأن الحكم النفسى فى الصدر إذا كان هو النفى ففيه إثبات ففى مثل ليس على إلا سبعة دلالة الحكم النفسى بعدم ثبوت السبعة.

المصنف: (الاستثناء من الإثبات نفى وبالعكس) لا يقال أن المصنف قد اختار أن

ص: 51

الحكم فى الاستثناء بعد الإخراج فهو تكلم بالباقى بعد الثنيا ويلزم من ذلك أن قولك مثلًا قام الاتوم إلا زيدًا فى قوة قام غير زيد وهو ساكت عن حكم زيد بالإيجاب أو السلب فليس الاستثناء من النفى إثباتًا ومن الإثبات نفيًا لأنا نقول المراد أن الاستثناء تكلم صريحًا بالباقى بعد الثنيا وهذا لا ينافى تضمنه حكمًا مخالفًا لحكم الصدر فى المستثنى فقول المصنف بالحكمين فى الاستثناء لا ينافى اختياره أن الاستثناء بعد الإخراج.

قوله: (وإنما الخلاف فى كونه من النفى إثباتًا بل هو تكلم بالباقى بعد الثنيا) هكذا فى النسخ التى بأيدينا وفيها سقط بعد قوله إثباتًا والأصل وليس كذلك.

قوله: (بحسب عرف الشرع) رد بأن عرف الشرع حادث والكلام فى كلمة التوحيد فى أول الإسلام قبل حدوث العرف إلا أن يقال المخاطب أول الإسلام لم يكن دهريًا بل مشركًا فكان وجود اللَّه مسلمًا عندهم ثم صارت كلمة التوحيد حقيقة عرفية فيه فكانت مفيدة للتوحيد إذا قالها الدهرى.

قوله: (لكونه لازمًا) أى عدم الحكم لازم للحكم بالعدم وهذا إنما يظهر إذا كان المراد بعدم الحكم عدم الحكم الإيجابى فإنه لازم للحكم بالعدم أما إذا كان المراد به عدم الحكم رأسًا فلا يظهر كونه لازمًا للحكم بالعدم، وإذا كان المراد الأول كان قوله بعد لا يحتمل التأويل غير ظاهر لأن الحكم الإيجابى يلزمه عدم الحكم السلبى.

قوله: (من أن الخبر يدل على نسبة نفسية لها متعلق يعبر عنه بالنسبة الخارجية) لأنه موضوع للإعلام بما فى الضمير وقوله فإن اعتبرت دلالته على النسبة الخارجية أى من حيث أن لها متعلقًا يشعر الخبر بوقرعه وقوله فلا نفى ولا إثبات فى المستثنى أى لأنه لا يشعر بوقوع النسبة بين المستثنى وحكم الصدر فى الخارج فالكلام الخبرى الاستثنائى الإيجابى يدل على ثبوت النسبة الذهنية بين المستثنى منه وما نسب إليه يشعر بوقوع متعلق تلك النسبة فى الخارج ويدل أيضًا على انتفاء النسبة الذهنية بين المستثنى وما نسب إلى المستثنى منه لكن لا يشعر بوقوع متعلق تلك النسبة فى الخارج كما أشعر بوقوع متعلق النسبة الذهنية فى الخارج التى بين المستثنى منه وما نسب إليه وكذا الكلام الخبرى السلبى الاستثنائى فالاستثناء لا يدل على المخالفة فى الحكم الخارجى إذ لا دلالة له عليه لا إثباتًا ولا نفيًا ويدل على

ص: 52

المخالفة فيهما فى الحكم الذهنى فإن كان من الإثبات دل الاستثناء على أن الحكم الذهنى الذى للمستثنى منه ليس للمستثنى لخروجه عما تعلق الحكم به، وإن كان من النفى دل على أن الحكم الذهنى الذى هو النفى ليس للمستثنى ونفيه إثبات فى الجملة لكن جعل هذا إثباتًا غير ظاهر.

قوله: (لا يتأتى فيما هو العمدة فى مأخذ الأحكام أعنى الإنشاء) حاصله أن الإنشاء إنما يدل على ثبوت النسبة الذهنية بين المستثنى منه وما نسب إليه ولا يشعر بوقوع متعلق تلك النسبة فى الخارج، ويدل أيضًا على انتفاء النسبة الذهنية بين المستثنى وما نسب إليه المستثنى منه ولا يشعر بوقوع المتعلق فى الخارج ومقتضى ذلك أن الاستثناء فيه من النفى إثبات باتفاق لوجود مخالفة المستثنى للمستثنى منه فيما اعتبر فى مدلوله وعدم انتفائها باعتبار أمر آخر مع أن الخلاف قالوه فى الجميع لا فرق بين الإنشاء والخبر.

ص: 53

قال: (قالوا: لو كان للزم من لا علم إلا بحياة ولا صلاة إلا بطهور ثبوت العلم والصلاة بمجردهما قلنا ليس مخرجًا من العلم والصلاة فإن اختار تقدير لا صلاة إلا صلاة بطهور إطراد، وإن اختار لا صلاة تثبت بوجه إلا بذلك فلا يلزم من الشرط المشروط وإنما الإشكال فى المنفى الأعم فى مثله وفى مثل ما زيد إلا قائم إذ لا يستقيم نفى جميع الصفات المعتبرة أجيب بأمرين الأول: أن الغرض المبالغة بذلك، الثانى: أنه أكدها، والقول بأنه منقطع بعيد لأنه مفرغ وكل مفرغ متصل لأنه من تمامه).

أقول: الحنفية قالوا: لو كان الاستثناء من النفى للإثبات للزم من قولنا لا علم إلا بحياة ثبوت العلم بمجرد الحياة، ومن قولنا لا صلاة إلا بطهور ثبوت الصلاة بمجرد الطهور، وأنه باطل بالاتفاق.

الجواب: أن قولنا إلا بحياة وإلا بطهور، ليس إخراج الحياة من العلم والطهور من الصلاة فثبتا بثبوتهما، وذلك أنا لم نقل لا صلاة إلا الطهور ولا علم إلا الحياة، بل قلنا بحياة وبطهور فلا بد من تقدير متعلق هو المستثنى بالحقيقة وهو إما صلاة بطهور تستثنى من حاصلة خبر لـ "لا صلاة" فيكون التقدير لا صلاة حاصلة إلا صلاة بطهور، وأما وجه من الوجوه التى تقع عليها الصلاة تستثنى من تثبت بوجه خبرًا له، فيكون التقدير لا صلاة تثبت بوجه من الوجوه إلا باقترانها بالطهور، فإن اختار فى تقديره لا صلاة إلا صلاة بطهور فيطرد فإن كل صلاة بطهور صلاة حاصلة قطعًا، وإن اختار فى تقديره لا صلاة تثبت بوجه إلا بطهور فإنه إنما تثبت بهذا الوجه ولا تخلو عنه، كما تقول كتبت بالقلم فإنه لا يقتضى علية القلم باستقلاله للكتابة بل كونه آلة لا تحصل الكتابة إلا به فهذا تصريح بكون الطهور شرطًا للصلاة فكأنه قال لا وجه يعتبر فى ثبوتها إلا هذا ويلزم منه ثبوت كونه شرطًا وأنه حق لكن لا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط لزومًا، كليًا يحصل بمجرده بل يحصل بحصوله فى الجملة والأمر كذلك، هاهنا فاندفع الإشكال من جهة الإثبات، وإنما الإشكال فى مثل هذا التركيب فى المنفى الأعم الذى يقتضيه الاستثناء المفرغ، وهو أن لا تكون الصلاة بلا طهور صلاة وأن لا تثبت بوجه غير هذا الوجه فيلزم نفى الصفات المعتبرة إذا حصلت مع الطهور وكذلك فى قولنا ما زيد إلا عالم فإنه يلزم أن لا يكون إنسانًا ولا حيًا ولا موجودًا

ص: 54

ولا شيئًا إلى غير ذلك. والجواب عنه بأمرين: أحدهما: أن المراد المبالغة فى تحقق العلم لزيد كأن قائلًا قال ما زيد عالمًا فقال ما زيد إلا عالم نفيًا لما يتوهمه الخاطب من نفى العلم وثبوت الجهل له، والآخر: أن ذلك آكد صفاته فكان سائر الصفات بالنسبة إليه غير معتبرة والذى عليه أرباب المعانى أن المراد نفى ما يتوهمه المخاطب من الحكم وإثبات غيره فإذا قال لا صلاة إلا بطهور، فإنما يرد على من يظن أن الصلاة إذا استجمعت الشرائط صحت بدون الطهور فكان معناها أنها لا تصح بدون ذلك وتصح مع الطهور، وكذا فى ما زيد إلا عالم إنما يقوله ردًا لمن ظن أنه جاهل أو أكار أو غيره، هذا وقد قيل أنه استثناء منقطع إذ لم يدخل العلم فى الحياة والطهور فى الصلاة فلا إخراج حقيقة وقولهم هذا بعيد فإنه استثناء مفرغ وكل استثناء مفرغ متصل لأنه من تمام الكلام وإليه النسبة ولذلك لم يجز نصبه ويقدر بقدر الضرورة عام يناسبه ويتناوله كما قدرنا.

قوله: (الحنفية) لا خفاء فى أن مثل "لا صلاة إلا بطهور ولا نكاح إلا بولى"، ولا ملك إلا بالرجال ولا رجال إلا بالمال ولا مال إلا بالسياسة إنما يدل على أن المستثنى منه مشروط بالمذكور لا يتحقق بدونه، وأما أنه يتحقق معه فلا ولو كان الاستثناء من النفى إثباتًا للزم الثبوت معه البتة ولما كان الإشكال قويًا بالغ الشارح المحقق فى تحقيق الجواب وتوضيحه وحاصله أنه لا بد من تقدير أمر يتعلق به قولنا بطهور على أن يكون ظرفًا مستقرًا صفة له أى إلا صلاة بطهور أو ظرفًا لغوًا صلة له أى إلا باقترانها بطهور وذلك المتعلق هو المستثنى وأما المستثنى منه فعلى الأول مذكور هو النكرة المنفية وعلى الثانى محذوف هو بوجه من الوجوه والاستثناء مفرغ وقول الشارح أنه استثنى من حاصلة أو من تثبت معناه أن الحكم الذى أخرج منه المستثنى هو ذلك، فالخصم إن اختار التقدير الأول كان معنى الإثبات أن كل صلاة بطهور حاصلة ولا فساد فيه كان اختار الثانى كان معناه أن الاقتران بالطهور يعتبر فى ثبوت الصلاة البتة لأن معنى صدر الكلام أنه لا وجه يعتبر فى ثبوت الصلاة فلا معنى للإثبات فى المستثنى سوى أنه يعتبر وهو حق والاعتراض على الأول بأنه إن أريد الحصول الشرعى فلا اطراد إذ قد يوجد الطهور ولا يوجد غيره من الشرائط فلا يصح وإن أريد الحصول الحسى فلا معنى

ص: 55

للاستثناء لأن كل صلاة فهى حاصلة قطعًا سواء كانت بطهور أو بغير طهور وإن أريد أن الصلاة بغير طهور ليست بصلاة حقيقة فكذا بدون سائر الشرائط وعلى الثانى أنه إذا كان التقدير لا صلاة تثبت بوجه إلا بهذا الوجه البتة ليكون إثباتًا وإلا يكون مترددًا بين النفى والإثبات ولا يفيده تحقق الثبوت فى لا وجه يعتبر فى الصلاة إلا الاقتران بالطهور لأنه كلام آخر ليس مدلول هذا الكلام ولا من لوازمه بل الجواب عن أهل الاستدلال أنا لا نسلم أن قولنا لا صلاة إلا صلاة بطهور يقتضى صحة كل صلاة ملصقة بالطهور، بل لا يقتضى إلا صحة صلاة بطهور فى الجملة وكذا فى الثانى لا يقتضى إلا ثبوت الصلاة عند الاقتران بالطهور فى الجملة وما يقال من أنا إذا قلنا بصحة الصلاة الملصقة بالطهور لزم عموم الحكم فى كل صلاة كذلك لعموم النكرة الموصوفة بصفة عامة مثل لا أجالس إلا رجلًا عالمًا ولدلالة الكلام على أن علة الصحة هى الوصف المذكور فضعيف لأن الأول ممنوع أو مبنى على الثانى والثانى مختص بما إذا كان الوصف صالحًا للاستقلال بالعلية ولم يعارضه قاطع وتمام تحقيق هذا الكلام فى شرح التنقيح.

قوله: (والأمر كذلك) يعنى أن الاقتران بالطهور مما يحصل بحصوله الصلاة فى الجملة كما إذا وجدت سائر الشروط.

قوله: (وإنما الإشكال) يعنى لما ذكرنا من التقديرين فظهر صحة كون الاستثناء إثباتًا، وهو أن كل صلاة بطهور حاصلة وكل اقتران بطهور معتبر فى ثبوت الصلاة وإنما الإشكال فى النفى العام الذى يقتضيه الاستثناء المفرغ والغرض من هذا الكلام تحقيق المقام ولا تعلق له بجواب الاستدلال وفى بعض الشروح أن المراد أن الخصم إن اختار التقدير الأول فهو مطرد من غير انتقاض وإن اختار الثانى فهو يرد نقضًا حيث أفاد شرطية الطهور للصلاة ولا يلزم من ثبوت الشرط ثبوت المشروط، فالإشكال على الاستثناء من المنفى الأعم إنما يرد فيه وفى مثل ما زيد إلا عالم، حيث استلزم نفى جميع الصفات سوى العلم، والحق أنه إن أراد أن التقدير الأول لا إشكال فيه أصلا والتقدير الثانى لا إشكال فيه أيضًا فى جانب الإثبات حيث أفاد أن اقتران الطهور يعتبر فى ثبوت الصلاة وإنما الإشكال على هذا التقدير فى جانب النفى حيث كان استثناء مفرغًا مفيدًا نفى جميع الشروط سوى الطهور وكذا فى مثل ما زيد إلا قائم وأما ما توهمه الشارح المحقق من أنه على التقدير الأول

ص: 56

أيضًا استثناء مفرغ فليس بمستقيم لأن المستثنى منه مذكور هو النكرة المنفية وإلا صلاة بطهور رفع على البدل ويجوز النصب على الاستثناء كما فى لا إله إلا اللَّه، بعينه ثم هذا الإشكال إنما هو بالنسبة إلى من لا وقوف له على علم المعانى وعلى انقسام القصر إلى قصر الموصوف على الصفة والصفة على الموصوف وانقسام كل إلى الحقيقى والإضافى والتحقيقى والادعائى فمثل ما زيد إلا عالم لا يصح حقيقيًا بمعنى أنه لا صفة له سوى العلم، وإنما يصح إضافيًا ردًا على من زعم أنه جاهل أو يردده بين العلم والجهل أو يعتقده عالمًا وشاعرًا مثلًا فأنت تثبت العلم وتنفى غيره مما يتوهم المخاطب وإلى هذا ينظر الوجه الأول من الجواب، أو حقيقيًا ادعائيًا فإنك تجعل سائر صفاته بمنزلة العلم وتدعى أنه لا صفة له غير العلم وإلى هذا ينظر الوجه الثانى فحصر المحقق ما عليه علماء المعانى فى الوجه الأول ليس على ما ينبغى وكأنه اعتبر الأعم الأغلب أعنى الحقيقى من الإضافى.

قوله: (وقولهم هذا بعيد) بل باطل محض لأن المستثنى ليس هو الحياة أو الطهور بل الجار والمجرور وقول الشارح إذ لم يدخل العلم فى الحياة ليس كما ينبغى والصواب العكس لأن المثال لا علم إلا بحياة وما ذكر إنما يصح فى لا حياة إلا بعلم وقوله فإنه استثناء مفرغ قد عرفت أنه إنما يصح على التقدير الثانى فقوله ولذلك يقدر عام يناسبه ينبغى أن يحمل على هذا التقدير وقوله ولذلك لم يجز نصبه يعنى بأن تترك الباء وإلا فلا يتصوّر النصب.

قوله: (إلا بهذا الوجه البتة) فيه تحريف وسقط وحقه إلا بهذا الوجه لم يفد الحصول البتة ليكون إثباتًا ولا يكون مترددًا.

قوله: (لأنه كلام آخر ليس مدلول هذا الكلام ولا من لوازمه) أى لأن مدلوله أنه لا بد من الطهور ولا تثبت الصلاة بدونه وهذا لا إثبات فيه للمستثنى وقوله ولم يعارضه قاطع أى وهنا قد قام القاطع على اشتراط استقبال القبلة وستر العورة ونحو ذلك.

ص: 57