الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال:
(الطرد والعكس
ثالثها لا يفيد بمجرده قطعًا ولا ظنًا، لنا أن الوصف المتصف بذلك إذا خلا عن السبر أو عن أن الأصل عدم غيره أو غير ذلك جاز أن يكون ملازمًا للعلة كرائحة المسكر فلا قطع ولا ظن واستدل الغزالى بأن اطراد سلامته من النقص وسلامته من مفسد واحد لا توجب انتفاء كل مفسد ولو سلم فلا صحة إلا بمصحح والعكس ليس شرطًا فيها فلا يؤثر وأجيب قد يكون للاجتماع تأثير كأجزاء العلة واستدل بأن الدوران فى المتضايقين ولا علة وأجيب انتفت بدليل خاص مانع، قالوا: إذا حصل الدوران ولا مانع من العلة حصل العلم أو الظن عادة كما لو ادعى إنسان باسم فغضب ثم ترك فلم يغضب وتكرر ذلك علم أنه سبب الغضب حتى إن الأطفال يعلمون ذلك، قلنا لولا ظهور انتفاء غير ذلك ببحث أو بأنه الأصل لم يظن وهو طريق مستقل ويقوى بذلك).
أقول: الطرد والعكس هو أن يكون الوصف بحيث يوجد الحكم بوجوده ويعدم بعدمه وهو المسمى بالدوران وقد اختلف فى إفادته العلية أى دلالته عليها على مذاهب: أولها وعليه الأكثر يفيد بمجرده ظنًا، ثانيها: يفيد قطعًا، ثالثها وهو المختار: لا يفيد قطعًا ولا ظنًا، لنا الوصف المتصف بالطرد والعكس إنما يكون مجردًا إذا خلا عن السبر وهو أخذ غيره معه وإبطاله وعن أن الأصل عدم غيره من غير الالتفات إلى غير منفى معه أو غير ذلك من مناسبة أو شبه ولا شك أنه إذا خلا عن هذه الأشياء فكما يجوز كونه علة يجوز كونه ملازمًا للعلة كالرائحة المخصوصة الملازمة للسكر فإنها تنعدم فى العصير قبل الإسكار وتوجد معه وتزول بزواله ومع ذلك فليست بعلة قطعًا ومع قيام هذا الاحتمال فلا يحصل القطع بالعلية ولا ظنها ويكون الحكم بعليته تحكمًا محضًا اللهم إلا بالالتفات إلى نفى وصف غيره بالأصل أو بالسبر فيخرج عن المبحث وقد يقال إن أردت بالجواز تساوى الطرفين منع وإن أردت به عدم الامتناع لم يناف الظن وقد استدل الغزالى رحمه الله على أنه لا يفيد العلية بأن المقتضى لعلية الوصف حينئذٍ إما الاطراد وحده أو هو بقيد الانعكاس وكلاهما باطل، أنها الأول فلأن الاطراد حاصله أنه لا يوجد فى صورة بدون الحكم ووجوده بدون الحكم هو النقض فيكون الاطراد هو السلامة عن النقض والنقض أحد مفسدات العلة والسلامة عن مفسد واحد لا توجب انتفاء كل مفسد ولا ينتفى الفساد إلا به سلمنا لكن انتفاء كل مفسد لا
يكفى فى الصحة فلا بد من مقتض للصحة من علة وذلك لأن عدم المانع وحده لا يصلح علة مقتضية فلا يكون كافيًا فى تصحيح العلية وجعله صالحًا للتعليل به وهو المطلوب، وأما الثانى فلأن الانعكاس لو كان شرطًا فى صحة العلية لكان شرطًا فى العلية وقد علمت فيما مر أنه ليس بشرط.
الجواب: لا نسلم أن المقتضى إما الاطراد وحده أو هو بقيد الانعكاس ولم لا يجوز أن يكون للهيئة الاجتماعية منهما أثر كما فى أجزاء العلة المركبة فإن كل واحد لا يصلح علة ويحصل من اجتماعها مجموع هو العلة، وقد استدل عليه بأن الدوران ثابت فى المتضايقين ولا علية ولو اقتضى العلية لثبتت مع ثبوته.
الجواب: منع الملازمة لأن دلالته ظنية فيجوز التخلف بدليل خاص لمانع يمنع عنه وذلك لا يقدح فى الدلالة الظنية غايته أن قاطعًا عارض ظنيًا فبطل أثره فيعمل به فى غير ذلك الموضع.
قالوا: إذا وجد الدوران ولا مانع من العلية من معية كما فى المتضايقين، أو تأخر كما فى المعلول أو غيرهما كما فى الشرط المساوى حصل العلم بالعلية أو الظن بها وذلك مما تقضى به العادة ويحققه أنه إذا دعى الإنسان باسم مغضب فغضب ثم ترك فلم يغضب وتكرر ذلك مرة بعد أخرى علم بالضرورة أنه سبب الغضب حتى إن من لا يتأتى منه النظر كالأطفال يعلمون ذلك ويتبعونه فى الدروب يقصدون إغضابه فيدعونه به ولولا أنه ضرورى لما علموه.
الجواب: محل النزاع ليس هو حصول العلم به بل حصول العلم بمجرده وذلك فيما ذكرتم من المثال ممنوع إذ لولا انتفاء ظهور غير ذلك إما بأنه بحث عنه فلم يوجد وإما بأن الأصل عدمه لما ظن، وتحقيقه أن كل واحد مما ذكرنا طريق مستقل لكنه بفيد ظنًا ضعيفًا فإذا انضم إليه الدوران قوى الظن، وأما العلم فكلا والظن بمجرده ممنوع لا قويًا ولا ضعيفًا ولا يلزم من إفادة الشئ تقوية الظن الحاصل بغيره إفادته للظن بمجرده، وقد يقال بأن هذا إنكار للضرورى وقدح فى جميع التجريبيات فإن الأطفال يقطعون به من غير استدلال بما ذكرتم.
قوله: (وهو المسمى بالدوران) قد اعتبروا فى الدوران صلوح العلية ومعناه ظهور مناسبة ما وقد جعل مجرد الطرد ههنا خاليًا عن المناسبة فصار هذا منشأ
الاختلاف فى إفادته العلية إذ لا خفاء فى أن الوصف إذا كان صالحًا للعلية وقد يترتب الحكم عليه وجودًا وعدمًا حصل ظن العلية بخلاف ما إذا لم يظهر له مناسبة كالرائحة للتحريم.
قوله: (إذا خلا) يعنى أن كون الوصف متصفًا بمجرد الطرد والعكس إنما يكون عند خلوه عن السبر وعن كون الأصل عدم الغير وعن غير ذلك من مسالك العلة مثل المناسب والشبه والنص والإجماع فقوله وهو أخذ غيره معه إعادة لتفسير السبر لترتب عليه تحقيق المغايرة بينه وبين كون الأصل عدم الغير يعنى أن فى السبر يوجد مع الوصف غيره ثم ينفي ويبطل ذلك الغير وفى كون الأصل عدم الغير لا يلتفت مع الوصف إلى غير أى إلى وصف آخر ينفى ويبطل عليته بل يكتفى بأنه قد وجد هذا الوصف وعدم غيره بحكم الأصل.
قوله: (أو غير ذلك) عطف على السبر أو على أن الأصل عدم غيره والأظهر عطفهما جميعًا إما بالواو لأن الشرط هو الخلو عن الجميع وإما بأو كما فى المتن لأن الخلو فى معنى النفى فيفيد العموم ومن الغريب ما يقال إن قوله من غير الالتفات بيان لما تقدَّم قصدًا إلى التعميم يعنى أن كونه مجردًا غير مختص بالمذكورين بل معناه أنه إذا خلا عن الالتفات إلى غير ذلك الوصف سواء كان ذلك الغير منفيًا كما فى الاستعانة بالسبر أو غير منفى كما فى الاستعانة بالمناسبة.
قوله: (اللهم إلا بالالتفات) فإن قيل قد سبق أن الالتفات إلى الغير إنما هو فى السبر دون الأصل أعنى كون الأصل عدم الغير قلنا المنفى فى الأصل هو الأصل هو الالتفات مع الوصف إلى غير هو منفى أعنى إلى وصف آخر ينفى ويبطل لا الالتفات إلى نفى الغير على الإطلاق وتحقيقه أن الأصل والسبر يشتركان فى نفى الغير إلا أنه فى السبر يلتفت إلى الغير بخصوصه فينفى ولا كذلك الأصل.
قوله: (فيخرج عن المبحث) مشكل بالشبه حيث أثبت بمسالك العلة ولم يخرج عن المبحث وعن إفادته العلية.
قوله: (سلمنا) يعنى قررنا وإلا فالمنع والتسليم وظيفة المعترض دون المستدل والذى تقتضيه عبارة الغزالى أن تكون عبارة المتن ولو سلم بالتخفيف من السلامة لأنه قال وإن سلم عن كل مفسد أيضًا لم يدل على الصحة إذ لا يكفى للصحة انتفاء المفسد بل لا بد من قيام دليل على الصحة فإن قيل دليل صحته انتفاء المفسد
قلنا لا بل دليل الفساد انتفاء المصحح.
قوله: (وأما الثانى) عبارة الغزالى أن الوجود عند الوجود طرد محض وقد بين أنه لا يدل على العلية فزيادة العكس مع الوصف لا تؤثر لأن العكس ليس بشرط فى العلل الشرعية فلا أثر لوجوده وعدمه وهكذا قرره الآمدى وسائر الشارحين وأجابوا بأنه لا يلزم من عدم إفادة كلٍّ من الطرد والعكس العلية عدم إفادتهما إذ قد يكون للهيئة الاجتماعية من الأثر ما لا يكون لكل جزء كما فى أجزاء العلة وهذا كلام لا غبار عليه إلا أنه لم يكن لتفريع قوله فلا أثر لوجوده وعدمه على عدم كونه شرطًا وجه ظاهر وإن كان مشعرًا بأنه لو توقف عليه صحة العلية لكان شرطًا فى العلية ضرورة أنه لا علية بدون الصحة حاول المحقق بيانه بهذا الوجه لكن على هذا لا يستقيم الجواب لأن الانعكاس سواء جعل قيد الدليل صحة العلية أو جزءًا له لم تتحقق العلية بدونه فكان شرطًا وما يتوهم من أن الانعكاس حينئذٍ جزء للعلة لا شرط ليس بشئ إذ العلة هى الوصف المتصف بالاطراد والانعكاس على أن كون الانعكاس جزء العلة أبعد من كونه شرطًا بل الجواب حينئذٍ أنه لا يلزم من كون بعض العلل مطردة منعكسة اشتراط الانعكاس فى العلة على الإطلاق وهو ظاهر غايته أن العلة مسلكها الطرد والعكس يكون مشروطه بذلك ولا فساد فيه.
قوله: (وقد استدل) تقريره أنه لو أفاد العلية لما تخلف الحكم عنه واللازم منتف كما فى المتضايقين والجواب أن التخلف لمانع لا يقدح فإن قيل فلا يفيد بمجرده بل مع عدم المانع قلنا هذا جار فى كل دليل فإن أريد التجرد عن كل شئ حتى عن وجود الشرط وعدم المانع فلا نزاع.
قوله: (فيعمل به) أى بالظن فى غير صورة معارضة القاطع إياه.
قوله: (ولا مانع) فلا تظن علية أحد المتضايقين للآخر لمانع المعية ولا علية المعلول لعلته لمانع التأخر ولا علية الشرط المساوى لشروطه لمانع القطع بعدم تأثيره وقيد بالمساوى ليتحقق الطرد، أعنى الدوران وجودًا إذ مع الأعم لا يلزم وجود المشروط.
الشارح: (وقد يقال بأن هذا إنكار للضرورى) رده صاحب مسلم الثبوت وقال
شارحه وهذا شئ عجاب فإن شهادة التجربة على حصول العلم به بمجرده مطلقًا ممنوعة وكيف تشهد به مع أن الدوران فى التضايف أتم وأشد ولا علية وإن شهدت بحصول العلم عند عدم المانع فشهادتها مسلمة لكنك قد علمت أن من الموانع فقدان التأثير فالعلم إنما يحصل إذا فقد هذا الفقدان فوجد المناسبة. اهـ.
قوله: (ومن الغريب ما يقال. . . إلخ) وعليه فقوله أو غير ذلك عطف على قوله منفى معه لا على السبر.
قوله: (لما لم يكن لتفريع قوله فلا أثر لوجوده وعدمه وجه ظاهر. . . إلخ) أى لأن عدم كونه شرطًا للعلية لا ينافى أن وجوده يكون مؤثرًا فى صحة العلية وقوله حاول المحقق. . . إلخ. أى حيث قال لو كان شرطًا فى صحة العلية لكان شرطًا فى العلية فحينئذ يترتب على كونه ليس شرطًا فى العلل الشرعية أنه لا يؤثر وجوده فى الصحة إذ لو أثر فيها لكان شرطًا فى العلل وقوله سواء جعل قيدًا أى كما فرضه الغزالى أو جزءًا أى كما هو رأى المجيب وقوله فكان شرطًا أى وذلك ينافى أنه ليس بشرط وقوله حينئذٍ أى حين الجواب بأن الهيئة الاجتماعية منهما لها أثر وقوله على أن كون الانعكاس جزء العلة أبعد أى فى المنافاة لكونه ليس بشرط.
قوله: (فلا نزاع) أى فى أنه لا يفيد قطعًا ولا ظنًا.