المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(التقليد والمفتى والمستفتى وما يستفتى فيه) - شرح العضد على مختصر المنتهى الأصولي ومعه حاشية السعد والجرجاني - جـ ٣

[عضد الدين الإيجي]

فهرس الكتاب

- ‌(مباحث التخصيص)

- ‌(مسائل الاستثناء)

- ‌(مباحث الشرط والصفة والغاية)

- ‌(مسائل التخصيص بالمنفصل)

- ‌(مسألة: يجوز تخصيص الكتاب بالكتاب

- ‌(المطلق والمقيد)

- ‌(المجمل)

- ‌(البيان والمبين)

- ‌(الظاهر والمؤول)

- ‌(المنطوق والمفهوم)

- ‌(مباحث النسخ)

- ‌(مسألة: يجوز نسخ القرآن بالقرآن

- ‌(الكلام فى القياس)

- ‌(مباحث مسالك العلة)

- ‌(الطرد والعكس

- ‌القياس جلى وخفى

- ‌(الاعتراضات)

- ‌(فساد الاعتبار)

- ‌ فساد الوضع

- ‌(الكلام فى الاستدلال)

- ‌(الكلام فى الاستصحاب)

- ‌(الكلام فى شرع من قبلنا)

- ‌(الكلام فى مذهب الصحابى)

- ‌(الكلام فى الاستحسان)

- ‌(الكلام فى المصالح المرسلة)

- ‌(الكلام فى الاجتهاد)

- ‌(التقليد والمفتى والمستفتى وما يستفتى فيه)

- ‌(الترجيح)

- ‌ القسم الأول: فى ترجيح المنقولين:

- ‌الصنف الأول: فى الترجيح بحسب السند:

- ‌(الفصل الأول: فى الراوى):

- ‌(الفصل الثانى: فى الترجيح بالرواية):

- ‌(الفصل الثالث: فى الترجيح بحسب المروى):

- ‌(الفصل الرابع: فى الترجيح بحسب المروى عنه):

- ‌ الصنف الثانى: الترجيح بحسب المتن:

- ‌ الصنف الثالث: الترجيح بحسب المدلول:

- ‌ الصنف الرابع: الترجيح بحسب الخارج:

- ‌ القسم الثانى: ترجيح المعقولين:

- ‌الصنف الأول: القياسان:

- ‌الفصل الأول: فى ترجيحه بحسب الأصل:

- ‌ الفصل الثانى: فى الترجيح بحسب العلة:

- ‌ الفصل الثالث: فى الترجيح بحسب الفرع:

- ‌الفصل الرابع: فى الترجيح بحسب الخارج:

- ‌الصنف الثانى: الاستدلالان:

- ‌ القسم الثالث: فى ترجيح المنقول والمعقول:

الفصل: ‌(التقليد والمفتى والمستفتى وما يستفتى فيه)

(التقليد والمفتى والمستفتى وما يستفتى فيه)

قال: (التقليد والمفتى والمستفتى وما يستفتى فيه: فالتقليد العمل بقول غيرك من غير حجة وليس الرجوع إلى الرسول وإلى الإجماع والعامى إلى المفتى والقاضى إلى العدول بتقليد لقيام الحجة ولا مشاحة فى التسمية والمفتى الفقيه وقد تقدَّم والمستفتى خلافه فإن قلنا بالتجزئة فواضح والمستفتى فيه المسائل الاجتهادية لا العقلية على الصحيح).

أقول: لما فرغ من الاجتهاد شرع فى مقابله وهو الاستفتاء والبحث فيه عن المقلد والمفتى والاستفتاء وما فيه الاستفتاء ففيه أربعة أبحاث:

الأول: التقليد: وهو العمل بقول الغير من غير حجة كأخذ العامى والمجتهد بقول مثله وعلى هذا فلا يكون الرجوع إلى الرسول تقليدًا له وكذا إلى الإجماع وكذا رجوع العامى إلى المفتى وكذا رجوع القاضى إلى العدول فى شهادتهم وذلك لقيام الحجة فيها فقول الرسول بالمعجز والإجماع بما مر فى حجيته، وقول الشاهد والمفتى بالإجماع ولو سمى ذلك أو بعض ذلك تقليدًا كما سمى فى العرف أخذ المقلد العامى بقول الفتى تقليدًا فلا مشاحة فى التسمية، والاصطلاح.

الثانى: فى المفتى: وهو الفقيه وقد تقدم تعريف الفقه، ويعلم منه الفقيه لأنه من قام به الفقه.

الثالث: المستفتى: وهو خلافه فإن لم نقل بتجزؤ الاجتهاد وهو كونه مجتهدًا فى بعض المسائل دون بعض فكل من ليس مجتهدًا فى الكل فهو مستفت فى الكل وإن قلنا به فالأمر واضح أيضًا فإنه مستفت فيما ليس مجتهدًا فيه، مفت فيما هو مجتهد فيه، ولا يمتنع ذلك لأن شرط التقابل اتحاد الجهات.

الرابع: المستفتى فيه: المسائل الاجتهادية ولا استفتاء فى المسائل العقلية على القول الصحيح لوجوب العلم بها بالنظر والاستدلال كما سنقرر.

قوله: (شرع فى مقابله) إشارة إلى أن البحث عن التقليد بالعرض، ومن جهة أنه مقابل الاجتهاد، وبهذا يصح انحصار مقاصد الكتاب فى الأدلة السمعية

ص: 629

والاجتهاد والترجيح.

قوله: (بقول مثله) أى كأخذ العامى وأخذ المجتهد بقول المجتهد والمراد بالقول ما يعم الفعل والتقرير تغليبًا.

قوله: (لأن شرط التقابل) يعنى أن المفتى والمستفتى إنما يكونان متقابلين ممتنعى الاجتماع عند اتحاد متعلقهما وأما إذا اعتبر كونه مفتيًا فى حكم ومستفتيًا فى آخر فلا.

ص: 630

قال: (مسألة: لا تقليد فى العقليات كوجود البارى تعالى، وقال العنبرى بجوازه، وقيل النظر فيه حرام لنا الإجماع على وجوب المعرفة والتقليد لا يحصل لجواز الكذب ولأنه كان يصلح بحدوث العالم وقدمه ولأنه لو حصل لكان نظريًا ولا دليل، قالوا: لو كان واجبًا لكانت الصحابة أولى ولو كان لنقل كالفروع، وأجيب بأنه كذلك وإلا لزم نسبتهم إلى الجهل باللَّه وهو باطل، وإنما لم ينقل لوضوحه وعدم المحوج إلى الإكثار قالوا: لو كان لألزم الصحابة العوام لذلك، قلنا: نعم وليس المراد تحرير الأدلة، والجواب عن الشبه والدليل يحصل بأيسر نظر قالوا: وجوب النظر دور عقلى وقد تقدم، قالوا: مظنة الوقوع فى الشبه والضلالة بخلاف التقليد قلنا فيحرم على المقلد أو يتسلسل).

أقول: قد اختلف فى جواز التقليد فى العقليات من مسائل الأصول كوجود البارى وما يجوز له ويجب ويمتنع من الصفات قال عبد اللَّه العنبرى بجوازه، وقال طائفة بوجوبه وإن النظر والبحث فيه حرام، لنا أن الأمة أجمعوا على وجوب معرفة اللَّه تعالى وأنها لا تحصل بالتقليد لثلاثة أوجه:

أحدها: أنه يجوز الكذب على المخبر فلا يحصل بقوله العلم.

ثانيها: أنه لو أفاد العلم لأفاده بنحو حدوث العالم من المسائل المختلف فيها فإذا قلد واحد فى الحدوث والآخر فى القدم كانا عالمين بهما فيلزم حقيتها وأنه محال.

ثالثها: أن التقليد لو حصل العلم فالعلم بأنه صادق فيما أخبر به إما أن يكون ضروريًا أو نظريًا لا سبيل إلى الأول بالضرورة وإذا كان نظريًا فلا بد له من دليل والمفروض أنه لا دليل إذ لو علم صدقه بدليل لم يبق تقليد.

القائلون بجواز التقليد فيها قالوا: أولًا: لو كان النظر واجبًا لكانت الصحابة أولى به ولو كان منهم النظر فى العقليات والأصول لنقل كما نقل نظرهم فى الاجتهاديات والفروع، فلما لم ينقل علم أنه لم يقع.

الجواب: نلتزم أن الصحابة أولى به وقد نظروا وإلا لزم نسبتهم إلى أنهم كانوا جاهلين باللَّه وبصفاته وأنه باطل بالإجماع، قولكم لو كان لنقل؟ قلنا إنما لم ينقل لوضوح الأمر عندهم وعدم ما يحوج إلى إكثار النظر والبحث على ما هو موجود فى زماننا من عدم مشاهدة الوحى وصفاء الأذهان مع كثرة الشبه التى تحدث حينًا فحينًا حتى اجتمعت لنا بخلاف الاجتهاديات لأنها خفية تتعارض فيها الأمارات

ص: 631

فاحتاجت إلى إكثار النظر والبحث.

قالوا: ثانيًا: لو كان واجبًا لألزم الصحابة العوام بذلك، واللازم باطل، فإنا نعلم أن أكثر عوام العرب لم يكونوا عالمين بالأدلة الكلامية وأن الأعرابى الجلف والأمة الخرساء يحكم بإسلامهم بمجرد الكلمتين.

الجواب: أنهم ألزموهم وليس المراد تحرير الأدلة بالعبارات المصطلح عليها ودفع الشكوك الواردة فيها إنما المراد الدليل الجملى بحيث يوجب الطمأنينة ويحصل بأيسر نظر وكانوا يعلمون منهم العلم به كما قال الأعرابى: البعرة تدل على البعير وأثر الأقدام على المسير، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدل على اللطيف الخبير.

القائلون بوجوب التقليد فيها قالوا: النظر فيها مظنة الوقوع فى الشبه والضلال لاختلاف الأذهان والأنظار بخلاف التقليد فإنه طريق آمن فوجب احتياطًا ولوجوب الاحتراز عن مظنة الضلال إجماعًا.

والجواب: أن ما ذكرتم يوجب أن يحرم النظر على المقلد أيضًا لأنه مظنتهما فتقليده فيما يحتملهما أجدر بأن يحرم فإن نظر فممتنع، وإن قلد فيه فالكلام عائد فى مقلده ويلزم التسلسل.

قوله: (فإذا قلد واحد) يشير إلى أن لزوم حقية النقيضين مفتقر إلى اعتبار تعدد المقلدين بأن يحصل لزيد العلم بحدوث العالم تقليدًا منه لمن يقول به ولعمرو العلم بقدمه تقليدًا لمن يقول به والعلم يستدعى المطابقة فيستلزم حقية القدم والحدث وقرره بعض الشارحين إن زيدًا إذا قلد القائل بالحدوث حصل له بالعلم به وإذا قلد القائل بالقدم حصل له العلم به وعدل عنه المحقق لإمكان المناقشة بأنه إذا قلد القائل بالحدوث لم يمكنه تقليد القاتل بالقدم كما مر فى تواتر النقيضين وما ذكر فى بعض الشروح من أن النظر أيضًا قد يفضى مرة إلى الحدوث ومرة إلى القدم مدفوع بأن المفضى إلى العلم إنما هو النظر الصحيح وبهذا يندفع اعتراضه على الأول بأن الحاصل بالنظر أيضًا يحتمل الخطأ.

قوله: (إذ لو علم صدقه بدليل) مشعر بأن المعتبر فى نفى التقليد قيام الحجة على صدق المخبر وما سبق فى تعريف الفعلية مشعر بأن المعتبر قيام الحجة على

ص: 632

وجوب العمل بقوله والجواب أن أحدهما فى قوة الآخر.

قوله: (وكانوا) أى الصحابة يعلمون من العوام أنهم عامون بالدليل الجملى واعلم أن من الشبه المذكورة فى المتن هو أن وجوب النظر دور عقلى ولا تعرض له فى الشرح وتقريره أنه لو وجب النظر فإما على العارف وهو تحصيل للحاصل أو على غيره وهو دور عقلى أى دور تقدم لا دور معية لتوقف معرفة إيجاب اللَّه النظر على معرفة ذاته ومعرفة ذاته على النظر المتوقف على إيجابه والجواب أن الوجوب الشرعى غير متوقف على النظر كذا ذكره الآمدى والأحسن أن يقال معرفة إيجابه متوقفة على معرفة ذاته باعتبار ما والتوقف على النظر هو معرفة ذاته بوجه أتم على ما هو المتعارف من الاتصاف بصفة الكمال والتنزه عن النقيصة والزوال ولو سلم فالنظر لا يتوقف على إيجابه لجواز أن ينظر وإن لم يجب وبالجملة فقد تقدَّم ذلك فى مسألة الحسن والقبح.

قوله: (ولوجوب الاحتراز) عطف على احتياطًا وقوله على المقلد بفتح اللام أى الإِمام الذى يقلده المقلد وقوله لأنه أى لأن نظر ذلك الإمام مظنتهما أى مظنة الوقوع فى الشبه والضلال فتقليد المقلد إياه فيما يحتمل الضلال والوقوع فى الشبه أولى بأن يحرم لأن فيه ما فى الأول مع زيادة احتمال كذب الإمام فإضلاله مقلده فإن نظر الإمام فقد ذكرتم أن النظر ممتنع حرام لكونه مظنة الشبهة والضلال وإن قلد غيره ينقل الكلام إليه ويتسلسل فإن قيل ينتهى إلى الوحى أو الإلهام، أو نظر المؤيد من عند اللَّه بحيث لا يقع فيه الخطأ قلنا اتباع صاحب الوحى ليس تقليدًا بل علمًا نظريًا وكذا الإلهام ونظر التأييد فلا يصح أن التقليد واجب والنظر حرام مطلقًا ثم لا يخفى على المتأمل أن قوله فيحرم النظر على المقلد أو يتسلسل ليس على ما ينبغى والصواب ويتسلسل بالواو.

ص: 633

قال: (مسألة: غير المجتهد يلزمه التقليد وإن كان عالمًا وقيل بشرط أن يتبين له صحة اجتهاده بدليله. لنا: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وهو عام فيمن لا يعلم وأيضًا لم يزل المستفتون يتبعون من غير إبداء المستند لهم من غير نكير قالوا: يؤدى إلى وجوب اتباع الخطأ، قلنا: وكذلك لو أبدى مستنده وكذلك المفتى نفسه).

أقول: من لم يبلغ درجة الاجتهاد بلزمه التقليد سواء كان عاميًا أو عالمًا بطرف صالح من علوم الاجتهاد، وقيل إنما يلزم العالم التقليد بشرط أن يتبين له صحة اجتهاد المجتهد بدليله، لنا قوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، وهو عام فى جميع من لا يعلم العلم، فإن علة الأمر بالسؤال هو الجهل، والأمر المقيد بالعلة يتكرر بتكررها، فنقول وهذا غير عالم بهذه المسألة فيجب عليه فيها السؤال، ولنا أيضًا لم تزل العلماء يستفتون فيفتون ويتبعون من غير إبداء المستند وشاع وذاع ولم ينكر عليهم فكان إجماعًا، قالوا: القول بذلك يؤدى إلى وجوب اتباع الخطأ لجوازه.

الجواب: أنه مشترك الإلزام لأنه لو أبدى مستنده فالخطأ جائز، وكذلك المفتى نفسه يجب عليه اتباع اجتهاده مع جواز الخطأ والحل أن اتباع الظن واجب لأنه اتباع الظن وإن كان خطأ وإنما الممتنع اتباع الخطأ لأنه خطأ كما ينبئ عنه ترتيب الحكم على الوصف فى قولك: يجب اتباع الخطأ.

قوله: (يلزمه التقليد) يريد ما هو المتعارف من تسمية أخذ العامى بقول المجتهد تقليدًا وإن قامت الحجة على وجوب اتباعه إياه وإلا فقد سبق فى تعريف التقليد أن مثله ليس بتقليد.

قوله: (والأمر المقيد) فإن قيل ليس له كثير دخل فى التقرير فإن المقصود عموم الأفراد وهذا إنما يفيد عموم المرات قلنا الاحتياج بالآية يتوقف على عمومها فيمن لا يعلم وفيما لا يعلم والأول معلوم من عموم خطابات الشارع على ما سبق وإنما الخفاء فى الثانى وقد بينه الشارحون بأنه لو تناول بعض ما لا يعلم فإما بعينه فهو باطل لعدم الدلالة أو لا بعينه ويلزم منه تخصيص طلب فائدة والأمر بالسؤال ببعض الصور دون البعض وهو خلاف الأول ولما لاح عليه أثر الضعف بينه

ص: 634

المحقق بأن الأمر مقيد بالعلة التى هى عدم العلم فكلما تحقق عدم العلم تحقق وجوب السؤال ويلزمه العموم فيما لا يعلم والدليل على العلية ما سبق فى بحث التخصيص أن الشرط اللغوى فى السببية أغلب ويستعمل فى الشرط الذى لم يكن للمسبب سواه ومبنى الاحتجاج على ما ثبت من أن الأمر أصله الوجوب وقد يقال الخلاف فى جواز الاجتهاد وحينئذ فالاحتجاج ظاهر.

قوله: (لجوازه) يعنى أن الخطأ جائز الوقوع وعلى تقدير وقوعه واجب الاتباع فلا يندفع بما قيل أنه لا يوجب وجوب اتباع الخطأ بل ما يحتمل الخطأ والجواب أنكم قائلون بأن المجتهد لو أبدى لغير المجتهد مستنده يجب على الغير اتباعه مع أن احتمال الخطأ بحاله لكون البيان ظنيًا وكذلك المجتهد يجب عليه اتباع اجتهاده مع احتماله الخطأ فما هو جوابكم فهو جوابنا وهذا التقرير مع وضوحه قد خفى على الشارحين فتوهموا أن المراد أن غير المجتهد إذا اجتهد وأفتى نفسه يجب عليه اتباع ظنه مع أن احتمال الخطأ فيه أقرب لعدم أهليته للاجتهاد ولما كان الجواب جدليًا أشار إلى التحقيق بأن الحكم المجتهد فيه متصف بأنه مظنون وبأنه خطأ فمن حيث إنه مظنون يجب اتباعه ومن حيث إنه خطأ يحرم ولا امتناع فى ذلك وإنما الممتنع وجوب اتباع الخطأ من حيث إنه خطأ.

ص: 635

قال: (مسألة: الاتفاق على استفتاء من عرف بالعلم والعدالة أو رآه منتصبًا والناس مستفتون معظمون له وعلى امتناعه فى ضده، والمختار امتناعه فى المجهول، لنا أن الأصل عدم العلم وأيضًا الأكثر الجهال، والظاهر أنه من الغالب كالشاهد والراوى، قالوا: لو امتنع لذلك لامتنع فيمن علم سلمه دون عدالته، قلنا ممنوع ولو سلم فالفرق أن الغالب فى المجتهدين العدالة بخلاف الاجتهاد).

أقول: المستفتى إما أن يظن بالمفتى علمه وعدالته أو عدم علمه وعدالته أو يجهل حاله فيهما أما من ظن علمه وعدالته إما بالخبرة وإما بأن رآه منتصبًا للفتوى والناس متفقون على سؤاله وتعظيمه فيستفتيه بالاتفاق وأما من ظن عدم علمه أو عدم عدالته أو كليهما فلا يستفتيه اتفاقًا بقى المجهول، فإن كان مجهول العلم والجهل، وهو المجهول الذى فيه الكلام فالمختار امتناع استفتائه وإن كان معلوم العلم، مجهول العدالة فستعرف حاله فى الجواب والسؤال. لنا العلم شرط والأصل عدمه فلحق بغير العالم كالشاهد المجهول عدالته والراوى المجهول عدالته.

قالوا: لو امتنع فيمن جهل عليه بدليلكم لامتنع فيمن علم علمه وجهل عدالته بدليلكم بعينه لجريانه فيه واللازم منتفٍ.

الجواب: التزام الامتناع فيمن علم علمه وجهل عدالته لاحتمال الكذب ولو سلم فالفرق أن الغالب فى المجتهدين العدالة وليس الغالب فى العلماء الاجتهاد بل هو أقل القليل.

قوله: (إما بالخبرة وإما بأن رآه منتصبًا) إشارة إلى أن ما فى المتن أولى مما ذكر فى المنتهى حيث قال يجوز استفتاء من عرفه بالعلم والعدالة بأن رآه منتصبًا وقوله وأما من ظن يشير إلى أن ضد من عرف علمه وعدالته من ظن عدم أحدهما أو كليهما لا مجرد من لم يعرف عليه وعدالته فإنه نقيضه ويتناول المجهول أيضًا.

قوله: (لنا العلم شرط) الوجه الأول إلحاق للمجهول بما هو الأصل والثانى إلحاق له بالغالب كالشاهد والراوى المجهول العدالة لا يقبل لأن الأصل عدم العدالة ولأن الأكثر فسقه.

قوله: (لجريانه) أى دليلكم فيه أى فيمن علم علمه وجهل عدالته بأن يقال

ص: 636

العدالة شروط الأصل عدمها وأيضًا الأكثر فسقه واللازم منتفٍ لأنه خلاف ما عليه العادة من استفتاء مجهول العدالة، وأجاب أولًا: بمنع انتفاء اللازم بناءً على أن احتمال الكذب مظنة عدم القبول، وثانيًا: بمنع الملازمة لظهور الفرق وأشار بقوله لأن الغالب فى المجتهدين إلى أن المرد بالعلم ههنا الاجتهاد وبقوله ليس الغالب فى العلماء دون أن يقول فى الناس إلى أن المراد بمن يعرف علمه أو عدالته أو لا يعرف العالم الذى حصل طرفًا من العلوم المتعلقة بالاجتهاد لا العوام الجهلة.

ص: 637

قال: (مسألة: إذا تكررت الواقعة لم يلزم تكرير النظر، وقيل: يلزم لنا اجتهاد والأصل عدم أمر آخر، قالوا: يحتمل أن يتغير اجتهاده، قلنا: فيجب تكريره أبدًا).

أقول: المجتهد إذا اجتهد فى واقعة ثم تكررت الواقعة فهل يلزمه تكرار النظر وتجديد الاجتهاد؟ قيل: يلزمه والمختار أنه لا يلزمه، لنا أنه قد اجتهد مرة وطلب ما يحتاج إليه فى تلك المسألة وأنه وإن بقى احتمال أن يوجد شئ آخر لم يطلع عليه هو؛ لكن الأصل عدمه قالوا: يحتمل أن يتغير اجتهاده كما نراه كثيرًا ومع الاحتمال فلا بقاء للظن فينبغى أن يجتهد فيرى هل يتغير أم لا؟ فإذا لم يتغير استمر ظنه.

الجواب: لو كان السبب فى وجوب تكراره احتمال تغير الاجتهاد لوجب أبدًا لأن التغير محتمل أبدًا ولم يتقيد بوقت تكرار الواقعة وذلك باطل بالاتفاق.

قوله: (لوجب أبدًا) أى دائمًا سواء تكررت الواقعة أو لم تتكرر وفى هذا رد لما ذكره الشارح العلامة من أن المراد أنه لو صح ما ذكرتم لوجب تكرير النظر أبدًا أى كلما حدثت تلك الواقعة وهو خلاف مذهبهم لأنهم لا يقولون إلا بالثانى على ما نقل عنهم إن صح.

ص: 638

قال: (مسألة: يجوز خلو الزمان عن مجتهد خلافًا للحنابلة لنا لو امتنع لكان لغيره والأصل عدمه، وقال عليه السلام: "إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه ولكن يقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالمًا اتخذ الناس رءوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا" قالوا: قال: "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق حتى يأتى أمر اللَّه"، أو: "حتى يظهر الدجال". قلنا فأين نفى الجواز ولو سلم فدليلنا أظهر ولو سلم فيتعارضان ويسلم الأول، قالوا: فرض كفاية فيستلزم انتفاؤه اتفاق المسلمين على الباطل، قلنا: إذا فرض موت العلماء لم يمكن).

أقول: المختار أنه يجوز خلو الزمان عن مجتهد يرجع إليه وقد منع الحنابلة من ذلك، لنا أنه ليس ممتنعًا لذاته إذ لا يلزم من فرض وقوعه لذاته محال فلو كان ممتنعًا لكان ممتنعًا لغيره والأصل عدم الغير، وقال صلى الله عليه وسلم:"إن اللَّه لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس ولكن يقبضه بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوسًا جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"(*)، وهو ظاهر فى الجواز والوقوع.

قالوا: قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق حتى يأتى أمر اللَّه أو حتى يظهر الدجال"(**). وهو ظاهر فى عدم الخلو إلى يوم القيامة أو أشراطها.

الجواب: هذا يدل على عدم الخلو، وأما عدم الجواز فلا، ولو سلم فدليلنا أظهر لأن فيه نفى العالم صريحًا وهو يستلزم نفى المجتهد، وأما الظهور على الحق فإن دل على اعتقاد الحق فلا يدل على العلم وعلى الاجتهاد، ولو سلم فيتعارض الدليلان من السنة ويبقى الأول وهو أن الأصل عدم المانع سالمًا عن المعارض.

قالوا: الاجتهاد فرض كفاية فيكون انتفاؤه بخلو الزمان عن المجتهد مستلزمًا لاتفاق المسلمين على الباطل وأنه محال لما عرفت فى الإجماع.

الجواب: أن الاجتهاد فرض كفاية لا دائمًا بل إذا كان ممكنًا مقدورًا وإذا فرض الخلو بموت العلماء لم يكن ممكنًا مقدورًا.

قوله: (لنا أنه ليس ممتنعًا لذاته) فإن قيل الكلام فى الجواز والامتناع الشرعى وما

(*) أخرجه البخاري (1/ 50)(ح 100) ومسلم (4/ 2058)(ح 2673).

(**) أخرجه مسلم (3/ 1523)(ح 1920).

ص: 639

ذكرتم لا يفيده قلنا لو سلم ذلك فالمراد أنه لو امتنع شرعًا لكان لمانع شرعى والأصل عدمه.

قوله: (وهو ظاهر فى الجواز والوقوع) حيث أخبر بقبض العلم والعلماء وحيث استعمل كلمة إذا الدالة على تحقق ووقوع الشرط وهو نفى العالم على العموم.

قوله: (وأما عدم الجواز فلا) فإن قيل كل ما أخبر الشارع بعدمه فهو ممتنع وإلا لزم جواز كذب الشارع وبعبارة أخرى ما أخبر الشارع بعدمه يلزم من فرض وقوعه محال وهو كذب الشارع فيكون ممتنعًا لأن المكن لا يلزم من فرض وقوعه محال فجوابه النقض بجميع المكنات التى أخبر الشارع بعدم وقوعها والحل بأنا لا نسلم أن كل ما يلزم من فرض وقوعه محال فهو ممتنع لذاته وإنما يكون كذلك لو كان استلزامه المحال لذاته وهو ممنوع لظهور أن ذلك بواسطة أنه قد اقترن به إخبار من ثبت صدقه بالدليل.

قوله: (فلا يدل على العلم وعلى الاجتهاد) لأن المعتقد أعم من العالم والعالم من المجتهد وإنما قال فإن دل على اعتقاد الحق لاحتمال أن يكون عبارة عن كونهم على السيرة الحسنة والطريقة المرضية ومتابعة صاحب الشريعة ونحو ذلك.

قوله: (لما عرفت فى الإجماع) وهو أنه قد تواتر معنى أن الأمة لا تجتمع على الباطل سواء وجد فيهم أهل الاجتهاد أو لم يوجد فلا يرد ما قيل: إن المستحيل اتفاق المجتهدين على الباطل لا اتفاق العوام.

قوله: (بل إذا كان ممكنًا مقدورًا) لأن ذلك من شرائط التكليف وأنت خبير بأن خلو الزمان بموت العلماء إنما ينافى حصول الاجتهاد بالفعل لا الإمكان والقدرة فالأولى الاقتصار على المنع وهو أنا لا نسلم أنه فرض كفاية على الإطلاق وقد يستند بإمكان معرفة العوام أحكام الشرع بالفعل المغلب على ظنهم عن المجتهدين فى العصر السابق عليهم وهذا مبنى على جواز تقليد الميت.

قوله: (لا نسلم أن كل ما يلزم. . . إلخ) مقتضاه أنه ممتنع لغيره وهو ينافى ما قدمه فى الاستدلال على جوازه من أنه لو كان ممتنعًا لامتنع لغيره والأصل عدمه.

ص: 640

قال: (مسألة: إفتاء من ليس بمجتهد بمذهب مجتهد إن كان مطلعًا على المأخذ أهلًا للنظر جائز وقيل عند عدم المجهد وقيل يجوز مطلقًا وقيل لا يجوز، لنا وقوع ذلك ولم ينكر وأنكر من غيره المجوز ناقل كالأحاديث، وأجيب بأن الخلاف فى غير النقل المانع لو جاز لجاز للعامى، وأجيب بالدليل وبالفرق).

أقول: قد اختلف فى أن غير المجتهد هل له أن يفتى بمذهب مجتهد؟ على أربعة أقوال: المختار أنه لو كان مطلعًا على مأخذ الأحكام أهلًا للنظر كان جائزًا، وإلا فلا وقيل ذلك إنما يجوز عند عدم المجتهد وأما مع وجوده فلا وقيل يجوز مطلقًا وقيل لا يجوز مطلقًا وهو مذهب أبى الحسين لنا أنه وقع إفتاء العلماء وإن لم يكونوا مجتهدين فى جميع الأعمار وتكرر ولم ينكر فكان إجماعًا.

القائلون بالجواز، قالوا: أولًا: إنه ناقل فلا يفرق بين العالم وغيره كالأحاديث.

الجواب: ليس الكلام فيمن ينقل عن المجتهد حكمًا فإنه متفق عليه إنما الخلاف فيما هو المعتاد فى الأعصار على أنه مذهب للشافعى وأبى حنيفة.

القائلون بالمنع: قالوا: لو جاز لجاز للعامى لأنهما فى النقل سواء.

الجواب: أن الإجماع هو الدليل وقد جوز للعالم دون العامى، وأيضًا فالفرق ظاهر وهو علمه بمأخذ أحكام المجتهد وأهليته للنظر دون العامى فلا يصح التسوية بينهما.

قوله: (على أربعة أقوال) تقريرها على ما فى الشارح ظاهر موافق لما فى المتن إلا أن الشارح العلامة قال: القول بأنه يجوز له الإفتاء عند عدم المجتهد أما مع وجوده فلا مذهب غريب ما ظفرت به فى شئ من الكتب وكذا القول بالجواز مطلقًا إنما جوز من جوز بشرط الاطلاع كما اختاره المصنِّفُ أو شرط أن يثبت عنده مذهب ذلك المجتهد بنقل من يثق بقوله ثم حاول تطبيق لفظ المتن على ما ثبت عنده من المذاهب مع الاعتراف بأنه قاصر عنه.

قوله: (وقيل ذلك) إشارة إلى الإفتاء بمذهب المجتهد مطلقًا إذ لو قيد بشرط الاطلاع على المآخذ والأهلية للنظر لكان قوله: وقيل يجوز مطلقًا أى مع عدم المجتهد أو وجوده هو القول المختار بعينه.

قوله: (لنا أنه وقع إفتاء العلماء) عبارة المتن لنا وقوع ذلك ولم ينكر وأنكر من

ص: 641

غيره أى أنكر الإفتاء على غير من له اطلاع على المآخذ وأهليته للنظر فتعرض لإثبات جزأى المدعى أعنى الثبوت والنفى وفى ظاهر عبارة الشارح قصور إلا أنه أشار بقيد العلماء بحسب منطوقه إلى اشتراط الاطلاع على المآخذ والأهلية للنظر وبحسب مفهومه إلى أن إفتاء غير العلماء لم يقع من غير نكير بل مع نكير.

قوله: (فإنه متفق عليه) يعنى لا نزاع فى جواز نقل غير المجتهد إذا كان عدلًا أنه قال الشافعى كذا وقال أبو حنيفة: كذا إنما النزاع فيما هو المتعارف من الإفتاء فى المذهب لا بطريق نقل كلام الإمام واعلم التقييد بغير المجتهد إنما هو لتحقيق الخلاف إذ لا خلاف فى أنه لا يجوز للمجتهد تقليد مجتهد آخر والإفتاء بقوله وأن المراد بمن هو مطلع على المآخذ أهل للنظر بعض أصحاب المذاهب ممن له ملكة الاقتدار على استنباط الفروع من الأصول التى مهدها الإمام وهو المسمى بالمجتهد فى المذهب كالإمام والغزالى ونحوهما كمن أصحاب الشافعى وهو فى المذهب بمنزلة المجتهد المطلق فى الشرع حيث يستنبط الأحكام من أصوله وأما الذين يفتون بما حفظوه أو وجدوه فى كتب الأصحاب فالظاهر أنهم بمنزلة النقلة والرواة فينبغى قبول أقوالهم على حصول شرائط الراوى وإلى ما ذكرنا يشير الآمدى حيث يقول: والمختار أنه إن كان مجتهدًا فى المذهب بحيث يكون مطلعًا على مآخذ المجتهد المطلق الذى يقلده وهو قادر على التفريع على قواعد إمامه متمكن من الفرق والجمع والنظر والمناظرة فى ذلك كان له الفتوى تمييزًا له عن العامى.

ص: 642

قال: (مسألة: للمقلد أن يقلد المفضول، وعن أحمد وابن شريح الأرجح متعين. لنا القطع بأنهم كانوا يفتون مع الاشتهار والتكرر ولم ينكر وأيضًا قال: "أصحابى كالنجوم"، واستدل بأن العامى لا يمكنه الترجيح لقصوره، وأجيب بأنه يظهر بالتسامع وبرجوع العلماء إليه وغير ذلك قالوا: قولهم كالأدلة فيجب الترجيح، قلنا: لا يقاوم ما ذكرنا ولو سلم فلعسر ترجيح العوام، قالوا: الظن يقول الأعلم أقوى، قلنا تقرير ما قدمتموه).

أقول: إذا تعدد المجتهدون وتفاضلوا فلا يجب على المقلد تقليد الأفضل بل له أن يقلد المفضول وعن أحمد وابن شريح منعه بل يجب عليه النظر فى الأرجح منهما ويتعين الأرجح منهما عنده للتقليد لنا قد علم قطعًا أن المفضولين فى زمن الصحابة وغيرهم وكانوا يفتون وقد اشتهر عنهم ذلك وتكرر ولم ينكر أحد فدل على أنه جائز، وأيضًا قال صلى الله عليه وسلم:"أصحابى كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم" خرج العوام لأنهم المقتدون بقى معمولًا به فى المجتهدين منهم من غير فضل واستدل بأن العامى لو كلفناه الترجيح لكان تكليفًا بالمحال لقصوره عن معرفة مراتب المجتهدين وترجيح الفاضل والمفضول منهم. الجواب: أن معرفة الترجيح ليست مستحيلة من العامى لأنه يظهر له بالتسامع من الناس وبرجوع العلماء إليه وعدم رجوعه إليهم وغيره ككثرة المستفتين وتقديم سائر العلماء له والاعتراف بفضله.

قالوا: أولًا: قول المجتهدين بالنسبة إلى المقلد كالأدلة بالنسبة إلى المجتهد، فإذا تعارضت لا يصار إليها تحكمًا بل لا بد من الترجيح وما هو إلا يكون قائله أفضل اتفاقًا.

الجواب: أن هذا قياسى فلا يقاوم ما ذكرنا من الإجماع ولو سلم فالفرق أن ترجيح المجتهدين سهل وترجيح العوام للمجتهدين وإن أمكن فهو عسر.

قالوا: ثانيًا: الظن يقول الأعلم أقوى ويجب معرفة أقوى الظنين للأخذ به عند التعارض.

الجواب: أن هذا تقرير الدليل الأول فى المعنى وإن تخالفا فى العبارة لأن إفادته للظن وكونه كالدليل للمجتهد أمر واحد، والجواب الجواب بعينه.

قوله: (فهو عسر) مبناه على أن التسامح والشهرة ورجوع العلماء إليه وإقبال الناس عليه ليس مما يطلع عليه بسهولة.

ص: 643

قال: (مسألة: ولا يرجع عنه بعد تقليده اتفاقًا، وفى حكم آخر المختار جوازه، لنا القطع بوقوعه ولم ينكر فلو التزم مذهبًا معينًا كمالك والشافعى وغيرهما فثالثها كالأول).

الأول: إذا عمل العامى يقول مجتهد فى حكم مسألة فليس له الرجوع عنه إلى غيره اتفاقًا وأما فى حكم مسألة أخرى فهل يجوز له أن يقلد غيره؟ المختار جوازه، لنا القطع بوقوعه فى زمن الصحابة وغيره فإن الناس فى كل عصر يستفتون المفتين كيف اتفق ولا يلتزمون سؤال مفت بعينه هذا وقد شاع وتكرر ولم ينكر فلو التزم مذهبًا سعينًا وإن كان لا يلزمه كمذهب مالك ومذهب الشافعى وغيرهما ففيه ثلاثة مذاهب: أولها: يلزم، وثانيها: لا يلزم، وثالثها: أنه كالأول، وهو من لم يلتزم فإن وقعت واقعة يقلده فيها فليس له الرجوع، وأما غيرها فيتبع فيها من شاء.

قوله: (وهو من لم يلتزم) يشير إلى أن الأولى صفة العامى وفى شرح العلامة أن المراد كالحكم الأول المذكور فى هذه المسألة وهو أنه إن قلد أى عمل لا يرجع وإلا جاز

ص: 644