المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[باب التعليق في الطلاق] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٤

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاق]

- ‌(بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ)

- ‌[بَابُ الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ]

- ‌[بَابُ الْإِيلَاءِ]

- ‌[وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاء]

- ‌[وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ]

- ‌[الْإِيلَاء مِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

- ‌ الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌[شَرَائِطُ وُجُوبِ اللِّعَانِ]

- ‌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْهُ

- ‌[اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ]

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ

- ‌[قَذْفِ الْأَخْرَسِ]

- ‌ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌[عِدَّةُ الْحُرَّةِ]

- ‌ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌ عِدَّةِ الْأَمَةِ

- ‌عِدَّةُ الْحَامِلِ

- ‌عِدَّةُ مَنْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا ثُمَّ رَأَتْ دَمًا

- ‌[عدة الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ]

- ‌[عدة زَوْجَةِ الصَّغِيرِ الْحَامِلِ]

- ‌مَبْدَأُ الْعِدَّةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ]

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌الزَّوْجِيَّةِ

- ‌[أَسْبَابٍ وُجُوب النَّفَقَة]

- ‌ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ

- ‌ النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ

- ‌[النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ]

- ‌[نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ]

- ‌[النَّفَقَة مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ]

- ‌ النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ

- ‌(كِتَابُ الْعِتْقِ)

- ‌[امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ]

- ‌(بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ]

- ‌(بَابُ التَّدْبِيرِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِيلَادِ)

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[ثَلَاثِ مَسَائِلَ فِي الْحُلْف]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ)

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ]

- ‌ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ

- ‌[اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَكَانَ قَدْ قَالَ آخَرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ

- ‌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَهُ

- ‌(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ

- ‌[قَالَتْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ]

- ‌[قَوْلُهُ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[قَالَ لَأَقْضِيَنَّ دَيْنَيْ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ نَبَهْرَجَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ مُسْتَحَقَّةً]

- ‌[حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ]

- ‌[حَلَفَ لَيَهَبَنَّ فُلَانًا فَوَهَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ]

الفصل: ‌[باب التعليق في الطلاق]

[بَابُ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاق]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (بَابُ التَّعْلِيقِ)

لِمَا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْمُنَجَّزِ شَرَعَ فِي الْمُعَلَّقِ، وَالتَّعْلِيقُ مِنْ عَلَّقَهُ تَعْلِيقًا جَعَلَهُ مُعَلَّقًا كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ عَلَّقْت الشَّيْءَ بِغَيْرِهِ وَأَعْلَقْتهُ؛ بِالتَّشْدِيدِ وَالْأَلِفِ فَتَعَلَّقَ اهـ.

وَفِي الِاصْطِلَاحِ رَبْطُ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ أُخْرَى، وَتَعْبِيرُهُ بِالتَّعْلِيقِ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْهِدَايَةِ بِالْيَمِينِ لِشُمُولِ التَّعْلِيقِ الصُّورِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا كَالتَّعْلِيقِ بِحَيْضِهَا وَطُهْرِهَا أَوْ بِحَيْضِهَا حَيْضَةً أَوْ بِمَا لَا يُمْكِنُهُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ كَطُلُوعِ الشَّمْسِ وَمَجِيءِ الْغَدِ أَوْ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ قَلْبِهَا كَالْمَحَبَّةِ وَالْمَشِيئَةِ أَوْ بِفِعْلٍ مِنْ أَفْعَالِ قَلْبِهِ فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَيْسَ بِيَمِينٍ كَمَا فِي الْمُحِيطِ فَلَا يَحْنَثُ لَوْ كَانَ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ بِهَا مَعَ أَنَّ بَعْضَهَا مَذْكُورٌ فِي هَذَا الْبَابِ كَالْمَحَبَّةِ وَالْحَيْضِ حَيْضَةً بِخِلَافِ إنْ دَخَلْت أَوْ إنْ حِضْت، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ يَحْنَثُ بِالتَّعْلِيقِ لِوُجُودِ الرُّكْنِ دُونَ الْإِضَافَةِ لِعَدَمِهِ إلَّا أَنْ يُعَلِّقَ بِأَعْمَالِ الْقَلْبِ أَوْ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ فِي ذَوَاتِ الْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّمْلِيكِ أَوْ بَيَانِ وَقْتِ السُّنَّةِ فَلَا يَتَمَحَّضُ لِلتَّعْلِيقِ، وَلِهَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالتَّطْلِيقِ لِاحْتِمَالِ حِكَايَةِ الْوَاقِعِ، وَلَا بِأَنْ أَدَّيْت فَأَنْتَ حُرٌّ، وَإِنْ عَجَزْت فَأَنْتَ رَقِيقٌ لِأَنَّهُ تَفْسِيرُ الْكِتَابَةِ، وَلَا بِأَنْ حِضْت حَيْضَةً أَوْ عِشْرِينَ حَيْضَةً لِاحْتِمَالِ تَفْسِيرِ السُّنَّةِ اهـ. .

وَشَرْطُ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ كَوْنُ الشَّرْطِ مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَخَرَجَ مَا كَانَ مُحَقَّقًا كَقَوْلِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ

ــ

[منحة الخالق]

بَابُ التَّعْلِيقِ) .

(قَوْلُهُ وَتَعْبِيرُهُ بِالتَّعْلِيقِ أَوْلَى إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ يَمِينًا عُرْفًا، وَهَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهَا يَمِينًا فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ: اسْمُ الْيَمِينِ يَقَعُ عَلَى الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى التَّعْلِيقِ، وَوَجَّهَهُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ الْيَمِينَ فِي الْأَصْلِ الْقُوَّةُ، وَسُمِّيَ الْحَلِفُ يَمِينًا لِإِفَادَتِهِ الْقُوَّةَ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ فِي إفَادَةِ تَعْلِيقِ الْمَكْرُوهِ لِلنَّفْسِ عَلَى أَمْرٍ بِحَيْثُ يَنْزِلُ شَرْعًا عِنْدَ نُزُولِهِ قُوَّةَ الِامْتِنَاعِ عَنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ، وَتَعْلِيقُ الْمَحْبُوبِ لَهَا عَلَى ذَلِكَ الْحَمْلِ عَلَيْهِ فَكَانَ يَمِينًا، نَعَمْ التَّعْلِيقُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ وَجَزَاءٌ فَإِطْلَاقُ الْيَمِينِ عَلَيْهِ مَجَازٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ فَكَانَ التَّعْبِيرُ بِالتَّعْلِيقِ أَوْلَى. اهـ.

قُلْت لَكِنْ مُفَادُ هَذَا أَنَّ التَّعْلِيقَ يُسَمَّى يَمِينًا إذَا كَانَ عَلَى أَمْرٍ مَكْرُوهٍ أَوْ مَحْبُوبٍ فَقَطْ لِيُفِيدَ تَأْكِيدَ الِامْتِنَاعِ أَوْ الْحَمْلِ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ عَلَى الْحَيْضِ أَوْ مَجِيءِ الْغَدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، تَأَمَّلْ. وَقَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا قَالَ لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ عَلَيْهِ يَمِينًا، وَقَوْلُهُ حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَعِنْدَ الْعَامَّةِ يَحْنَثُ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ لَا يَحْنَثُ. اهـ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ إنْ دَخَلْت أَوْ إنْ حِضْت) الْأَوَّلُ ظَاهِرٌ دُونَ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لَوْ حَلَفَ إلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فِي

ص: 2

كَانَ السَّمَاءُ فَوْقَنَا فَهُوَ تَنْجِيزٌ، وَخَرَجَ مَا كَانَ مُسْتَحِيلًا كَقَوْلِهِ إنْ دَخَلَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ فَأَنْت طَالِقٌ فَلَا يَقَعُ أَصْلًا لِأَنَّ غَرَضَهُ مِنْهُ تَحْقِيقُ النَّفْيِ حَيْثُ عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ مُحَالٍ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمَا إمْكَانُ الْبِرِّ شَرْطُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ، وَعَلَى هَذَا ظَهَرَ مَا فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ تَرُدِّي عَلَيَّ الدِّينَارَ الَّذِي أَخَذْتِيهِ مِنْ كِيسِي فَأَنْت طَالِقٌ فَإِذَا الدِّينَارُ فِي كِيسِهِ لَا تَطْلُقُ امْرَأَةٌ، وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْت، وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ مَرِضْت، وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَعَلَى حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ، وَلَوْ قَالَ لِلصَّحِيحَةِ إنْ صَحَحْت فَأَنْت طَالِقٌ طَلَقَتْ السَّاعَةَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ أَبْصَرْتِ أَوْ سَمِعْتِ، وَهِيَ بَصِيرَةٌ أَوْ سَمِيعَةٌ لِأَنَّ الصِّحَّةَ وَالسَّمْعَ أَمْرٌ يَمْتَدُّ فَكَانَ لِبَقَائِهِ حُكْمُ الِابْتِدَاءِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالْمَرَضِ فَإِنَّهُمَا مِمَّا لَا يَمْتَدُّ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ مَلَكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ حِينَ سَكَتَ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الشَّرْطِ الَّذِي يَحْتَمِلُ الْحَالَ وَالِاسْتِقْبَالَ، وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ مَا كَانَ مُحَقَّقًا تَنْجِيزٌ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيمَا لِبَقَائِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ وَمِنْ شَرَائِطِهِ وُجُودُ رَابِطٍ حَيْثُ كَانَ الْجَزَاءُ مُؤَخَّرًا، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ، وَمِنْ شَرَائِطِهِ أَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ فَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ فَإِنْ كَانَ مُلَائِمًا، وَذَكَرَ لِإِعْلَامِ الْمُخَاطَبَةِ أَوْ لِتَأْكِيدِ مَا خَاطَبَهَا بِمَعْنًى قَائِمٍ فِي الْمُنَادِي فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِالدُّخُولِ، وَلَا حَدَّ، وَلَا لِعَانَ لِأَنَّهُ لِتَأْكِيدِ مَا خَاطَبَهَا بِهِ كَقَوْلِهِ يَا زَيْنَبُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ يَا زَانِيَةُ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَإِنَّهُ قَاذِفٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ مَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ يَا عَمْرَةُ فَأَنْت طَالِقٌ، وَيَا زَيْنَبُ فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ الدَّارَ طَلَقَتْ، وَيُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ فِي زَيْنَبَ، وَإِنْ قَالَ نَوَيْت طَلَاقَهَا أَيْضًا طَلَقَتْ أَيْضًا، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ بِغَيْرِ وَاوٍ فَقَالَ نَوَيْت طَلَاقَهَا مَعَ عَمْرَةَ طَلَقَتَا جَمِيعًا، وَلَوْ قَدَّمَ الطَّلَاقَ فَقَالَ يَا عَمْرَةُ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَيَا زَيْنَبُ فَدَخَلَتْ عَمْرَةُ الدَّارَ طَلَقَتَا جَمِيعًا.

وَلَوْ قَالَ لَمْ أَنْوِ طَلَاقَ زَيْنَبَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ يَكُونُ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْبَعْضِ يَا زَانِيَةُ إنْ تَخَلَّلَ الشَّرْطُ وَالْجَزَاءُ أَوْ الْإِيجَابُ، وَالِاسْتِثْنَاءُ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ كَانَ قَذْفًا لِأَنَّهُ لِلِاسْتِحْضَارِ عَنْهُ عُرْفًا، وَلِإِثْبَاتِ الصِّفَةِ وَضْعًا فَلَاءَمَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ آخَرَ فَعَلَّقَ خَلَلًا وَنَجَّزَ طَرَفًا، عَمَلًا بِهِمَا كَيَا طَالِقُ، وَقَدْ يُعَلِّقُ الْخَبَرَ لِلنَّفْيِ كَالْإِقْرَارِ اهـ.

وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ الظَّاهِرُ قَصْدَ الْمُجَازَاةِ فَلَوْ سَبَّتْهُ بِنَحْوِ: قَرْطَبَانُ وَسِفْلَةٌ، فَقَالَ إنْ كُنْت كَمَا قُلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ تَنَجَّزَ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّ الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لَا يُرِيدُ إلَّا إيذَاءَهَا بِالطَّلَاقِ فَإِنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ يُدَيَّنُ، وَفَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَيْهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِنْ شَرْطِهِ الِاتِّصَالُ فَلَوْ أَلْحَقَ شَرْطًا بَعْدَ سُكُوتِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ لَهُ فَأْفَأَةٌ أَوْ ثِقَلٌ فِي لِسَانِهِ لَا يُمْكِنُهُ إتْمَامُ الْكَلَامِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ فَحَلَفَ بِالطَّلَاقِ، وَذَكَرَ الشَّرْطَ وَالِاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ تَرَدُّدٍ وَتَكَلُّفٍ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ جَازَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَتَعْلِيقُهُ اهـ.

وَرُكْنُهُ أَدَاةُ شَرْطٍ وَفِعْلُهُ وَجَزَاءٌ صَالِحٌ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَدَاةِ الشَّرْطِ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِي تَنْجِيزِهِ فَلِذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ، وَلَمْ يَزِدْ تَطْلُقُ لِلْحَالِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ مَا أَرْسَلَ الْكَلَامَ إرْسَالًا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الْعَتَّابِيِّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لَوْلَا أَوْ قَالَ وَإِلَّا أَوْ قَالَ إنْ كَانَ أَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ اهـ.

ــ

[منحة الخالق]

فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ.

(قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالْمَرَضِ إلَخْ) وَجْهُهُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا عَلَّقَ بِجُمْلَتِهِ أَحْكَامًا لَا تَتَعَلَّقُ بِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهُ فَقَدْ جَعَلَ الْكُلَّ شَيْئًا وَاحِدًا (قَوْلُهُ وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ إلَخْ) قَدَّمْنَا حَاصِلَ شَرْحِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَوَّلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ وَفَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْمُجَازَاةِ، وَعِبَارَتُهُ وَنَصَّ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ فَتْوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ انْتَهَتْ قُلْت، وَفِي الذَّخِيرَةِ نَقْلًا عَنْ بَعْضِ الْفَتَاوَى أَنَّ فَتَاوَى أَهْلِ بُخَارَى عَلَى أَنَّهُ عَلَى الْمُجَازَاةِ دُونَ الشَّرْطِ، وَالْمُخْتَارُ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ إنْ كَانَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ فَهُوَ عَلَى الْمُجَازَاةِ، وَإِلَّا فَهُوَ عَلَى الشَّرْطِ. اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي الْفَتَاوَى الْخَانِيَّةِ عَنْ الْمُحِيطِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إنْ أَرَادَ التَّعْلِيقَ دُونَ الْمُجَازَاةِ لَا يَقَعُ مَا لَمْ يَكُنْ سِفْلَةً، وَتَكَلَّمُوا فِي مَعْنَى السِّفْلَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَكُونُ سِفْلَةً إنَّمَا السِّفْلَةُ الْكَافِرُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا قَالَ: وَمَا قِيلَ لَهُ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ الَّذِي يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ، وَيُقَامِرُ، وَقَالَ خَلَفٌ أَنَّهُ مَنْ إذَا دُعِيَ إلَى طَعَامٍ يَحْمِلُ مِنْ هُنَاكَ شَيْئًا، وَالْفَتْوَى عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ هُوَ السَّفِلَةُ مُطْلَقًا اهـ

وَفِي الْمِصْبَاحِ الْقَرْطَبَانُ الَّذِي تَقُولُهُ الْعَامَّةُ لِلَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ فَهُوَ مُغَيَّرٌ عَنْ وَجْهِهِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ أَصْلُهُ كَلْتَبَانُ مِنْ الْكَلَبِ، وَهُوَ الْقِيَادَةُ، وَالتَّاءُ وَالنُّونُ زَائِدَتَانِ قَالَ: وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ هِيَ الْقَدِيمَةُ عَنْ الْعَرَبِ، وَغَيَّرَتْهَا الْعَامَّةُ الْأُولَى فَقَالَتْ لُطْبَانُ ثُمَّ جَاءَتْ عَامَّةٌ سُفْلَى فَغَيَّرَتْ عَلَى الْأُولَى، وَقَالَتْ قَرْطَبَانُ

ص: 3

(قَوْلُهُ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمِلْكِ كَقَوْلِهِ لِمَنْكُوحَتِهِ إنْ زُرْت فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ كَأَنْ نَكَحْتُك فَأَنْت طَالِقٌ) أَيْ مُعَلَّقًا بِسَبَبِ الْمِلْكِ كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ نَكَحْتُك أَيْ تَزَوَّجْتُك فَإِنَّ النِّكَاحَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ فَاسْتُعِيرَ السَّبَبُ لِلْمُسَبَّبِ أَيْ إنْ مَلَكْتُك بِالنِّكَاحِ كَقَوْلِهِ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَهُوَ حُرٌّ أَيْ إنْ مَلَكْته بِسَبَبِ الشِّرَاءِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ الْوَارِثُ لِعَبْدِ مُوَرِّثِهِ إنْ مَاتَ سَيِّدُك فَأَنْت حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّعْلِيقُ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِلْمِلْكِ بَلْ مَوْضُوعٌ لِإِبْطَالِهِ بِخِلَافِ الشِّرَاءِ، وَفِي كَشْفِ الْأَسْرَارِ وَلَوْ قَالَ لِحُرَّةٍ إنْ ارْتَدَيْت فَسُبِيت فَمَلَكْتُك فَأَنْت حُرَّةٌ صَحَّ. اهـ.

لِأَنَّ السَّبْيَ مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ الْمَوْضُوعَةِ، وَلَوْ مَثَّلَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك لَكَانَ أَوْلَى، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَتَمْثِيلُهُ غَيْرُ مُطَابِقٍ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ مَحْضٌ بِحَرْفِ الشَّرْطِ، وَلَوْ أَضَافَهُ إلَى النِّكَاحِ لَا يَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك أَوْ فِي نِكَاحِك ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ بِخِلَافِ أَنْت طَالِقٌ مَعَ تَزَوُّجِي إيَّاكِ فَإِنَّهُ يَقَعُ، وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَقِيلَ الْفَرْقُ أَنَّهُ لَمَّا أَضَافَ التَّزَوُّجَ إلَى فَاعِلِهِ، وَاسْتَوْفَى مَفْعُولَهُ جَعَلَ التَّزْوِيجَ مَجَازًا عَنْ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ سَبَبُهُ، وَحُمِلَ مَعَ عَلَى بَعْدَ تَصْحِيحًا لَهُ، وَفِي نِكَاحِك لَمْ يَذْكُرْ الْفَاعِلَ فَالْكَلَامُ نَاقِصٌ فَلَا يُقَدَّرُ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا يَقَعُ، وَيَصِحُّ النِّكَاحُ اهـ.

أَطْلَقَ الْمِلْكَ فَأَفَادَ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْحَقِيقِيَّ كَالْمِلْكِ حَالَ بَقَاءَ النِّكَاحِ، وَالْحُكْمِيَّ كَبَقَاءِ الْعِدَّةِ، وَالتَّعْلِيقُ يَصِحُّ فِيهِمَا، وَقَدَّمْنَا عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ آخِرَ الْكِنَايَاتِ، وَالصَّرِيحُ يَلْحَقُ الصَّرِيحَ أَنَّ تَعْلِيقَ طَلَاقِ الْمُعْتَدَّةِ فِيهِمَا صَحِيحٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ إلَّا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ بَائِنٍ، وَعَلَّقَ بَائِنًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ اعْتِبَارًا لِلتَّعْلِيقِ بِالتَّنْجِيزِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ زَارَهُ يَزُورُهُ زِيَارَةً، وَزَوْرًا قَصَدَهُ فَهُوَ زَائِرٌ وَزَوْرٌ وَزُوَّارٌ مِثْلُ سَافِرٌ وَسَفْرٌ وَسُفَّارٌ، وَنِسْوَةٌ زَوْرٌ أَيْضًا وَزُوَّارٌ وَزَائِرَاتٌ، وَالْمَزَارُ يَكُونُ مَصْدَرًا وَمَوْضِعَ الزِّيَارَةِ، وَالزِّيَارَةُ فِي الْعُرْفِ قَصْدُ الْمَزُورِ إكْرَامًا لَهُ، وَاسْتِئْنَاسًا بِهِ اهـ.

وَقَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَزُورُهُ فَلَقِيَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَيَنْبَغِي تَقْيِيدُهَا بِمَا قَالَهُ فِي الْمِصْبَاحِ مِنْ الْإِكْرَامِ وَالِاسْتِئْنَاسِ لِلْعُرْفِ فَلَا يَحْنَثُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إلَّا مَعَ الْقَصْدِ لِلْإِكْرَامِ فَلَوْ كَانَ الشَّرْطُ زِيَارَتَهَا فَذَهَبَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْإِكْرَامِ لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي عُرْفِنَا: زِيَارَةُ الْمَرْأَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَعَامٍ مَعَهَا يُطْبَخُ عِنْدَ الْمَزُورِ، وَفِي الْمُحِيطِ حَلَفَ لَيَزُورَنَّ فُلَانًا غَدًا أَوْ لَيَعُودَنَّهُ فَأَتَى بَابَهُ، وَاسْتَأْذَنَهُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ لَا يَحْنَثُ فَإِنْ أَتَى بَابَهُ، وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ يَحْنَثُ حَتَّى يَصْنَعَ فِي ذَلِكَ مَا يَصْنَعُ الزَّائِرُ، وَالْعَائِدُ مِنْ الِاسْتِئْذَانِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يُتَصَوَّرْ الْبِرُّ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْيَمِينُ، وَفِي الثَّانِي يُتَصَوَّرُ، وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي الْعُيُونِ، وَعَلَى قِيَاسِ مَنْ قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَمُنِعَ أَوْ قُيِّدَ حَنِثَ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ هُنَا فِي الْوَجْهَيْنِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِمَشَايِخِنَا، وَفِي النَّوَازِلِ حَلَفَ لَا يَزُورُ فُلَانًا لَا حَيًّا وَلَا مَيِّتًا فَشَيَّعَ جِنَازَتَهُ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ زَارَ قَبْرَهُ يَحْنَثُ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ زِيَارَةَ الْمَيِّتِ زِيَارَةُ قَبْرِهِ عُرْفًا لَا تَشْيِيعُ جِنَازَتِهِ. اهـ.

وَأَطْلَقَ الْمُضَافَ إلَى الْمِلْكِ فَشَمِلَ مَا إذَا خَصَّصَ أَوْ عَمَّمَ كَقَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي الثَّانِي مُعَلَّلًا بِانْسِدَادِ بَابِ النِّكَاحِ عَلَيْهِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ انْسِدَادِهِ إمَّا لِدِينِهِ خَوْفًا مِنْ جَوْرِهِ أَوْ لِدُنْيَاهُ لِعَدَمِ يَسَارِهِ، وَيُمْنَعُ انْسِدَادُهُ لِإِمْكَانِ أَنْ يُزَوِّجَهُ فُضُولِيٌّ، وَيُجِيزُ بِالْفِعْلِ كَسَوْقِ الْوَاجِبِ إلَيْهَا، وَبِإِمْكَانِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لَا تَقْتَضِي التَّكْرَارَ إلَّا أَنَّ صِحَّتَهُ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَ بِأَدَاةِ الشَّرْطِ أَوْ بِمَعْنَاهُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُنَكَّرَةً فَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ فَلَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّهُ عَرَّفَهَا بِالْإِشَارَةِ فَلَا تُؤَثِّرُ فِيهَا الصِّفَةُ، وَهِيَ أَتَزَوَّجُهَا بَلْ الصِّفَةُ فِيهَا لَغْوٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ لِلْحَالِ دَخَلَتْ أَوْ لَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْت هَذِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالتَّعْرِيفُ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ كَالتَّعْرِيفِ بِالْإِشَارَةِ فَلَوْ قَالَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَلَوْ مَثَّلَ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَخْ) أَيْ لِيَكُونَ مُضَافًا لَا تَعْلِيقًا فَيُطَابِقُ قَوْلَهُ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ قَالَ فِي النَّهْرِ، وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الْإِضَافَةَ فِي الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ، وَفِي غَيْرِهِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِيرَادَ هُنَا سَاقِطٌ كَمَا قَالَ الرَّمْلِيُّ نَعَمْ هُوَ مُتَوَجِّهٌ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ بَابُ الْأَيْمَانِ فِي الطَّلَاقِ، وَإِذَا أَضَافَ الطَّلَاقَ إلَى النِّكَاحِ يَقَعُ عَقِيبَ النِّكَاحِ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَةٍ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ بِخِلَافِ مَا هُنَا لِأَنَّ وَضْعَ الْبَابِ لِلتَّعْلِيقِ، وَضَمِيرُ يَصِحُّ عَائِدٌ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ مُضَافًا حَالٌ مِنْهُ.

ص: 4

فَتَزَوَّجَهَا لَمْ تَطْلُقْ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ رَجُلٌ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَلَهُ غُلَامٌ فَقَالَ إنْ كَلَّمَ غُلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا أَحَدٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَشَارَ الْحَالِفُ إلَى الْغُلَامِ لَا إلَى نَفْسِهِ ثُمَّ إنَّ الْحَالِفَ كَلَّمَ الْغُلَامَ بِنَفْسِهِ تَطْلُقُ، وَلَوْ كَانَ التَّعْرِيفُ بِالِاسْمِ كَالتَّعْرِيفِ بِالْإِشَارَةِ لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ كَمَا لَوْ أَشَارَ إلَى نَفْسِهِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ تَعْرِيفَ الْحَاضِرِ بِالْإِشَارَةِ وَالْغَائِبِ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَفِي مَسْأَلَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْحَالِفُ حَاضِرٌ فَتَعْرِيفُهُ بِالْإِشَارَةِ أَوْ الْإِضَافَةِ، وَلَمْ يُوجَدَا فَبَقِيَ مُنَكَّرًا فَدَخَلَ تَحْتَ اسْمِ النَّكِرَةِ، وَفِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ الِاسْمُ النَّسَبُ فِي الْغَائِبِ لَا فِي الْحَاضِرِ فَيَحْصُلُ بِهِمَا التَّعْرِيفُ، وَتَلْغُو الصِّفَةُ حَتَّى أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ لَوْ كَانَتْ فُلَانَةُ حَاضِرَةً عِنْدَ الْحَلِفِ فَبِذِكْرِ اسْمِهَا وَنَسَبِهَا لَا يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ، وَلَا تَلْغُو الصِّفَةُ، وَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِالتَّزَوُّجِ هَكَذَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ، وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ التَّعْرِيفَ بِالْإِضَافَةِ وَالْإِشَارَةِ لَا يَحْتَمِلُ التَّنْكِيرَ بِوَجْهٍ مَا، وَالتَّعْرِيفُ بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ يَحْتَمِلُ التَّنْكِيرَ.

وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مَا دَامَتْ عَمْرَةُ حَيَّةً أَوْ قَالَ حَتَّى تَمُوتَ عَمْرَةُ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ عَمْرَةَ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ، وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّ تَأْوِيلَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ عَمْرَةَ كَانَتْ مُشَارًا إلَيْهَا فَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ مُشَارٍ إلَيْهَا تَطْلُقُ، وَتَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ النَّكِرَةِ، وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَتْ عَمْرَةُ حَاضِرَةً تَطْلُقُ، وَإِذَا كَانَتْ غَائِبَةً لَا تَطْلُقُ، وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ، وَقَدَّمَ التَّعْلِيقَ فِي الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ، وَأَخَّرَ الْمُعَلَّقَ بِهِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَائِلٌ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ خَصَّصَ أَوْ عَمَّمَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ مَرْفُوعًا «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ، وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ» ، وَلَنَا أَنَّ هَذَا تَعْلِيقٌ لِمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَهُوَ الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُ كَالْعِتْقِ وَالْوَكَالَةِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّ نَفْسَهُ قَدْ تَدْعُوهُ إلَى تَزْوِيجِهَا مَعَ عِلْمِهِ بِفَسَادِ حَالِهَا، وَيُخْشَى غَلَبَتُهَا عَلَيْهِ فَيُؤَيِّسُهَا بِتَعْلِيقِ طَلَاقِهَا بِنِكَاحِهَا فِطَامًا لَهَا، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ التَّنْجِيزِ، وَمَا هُوَ مَأْثُورٌ عَنْ السَّلَفِ رضي الله عنهم كَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَنَا لَكِنْ لَمَّا كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُطْلِقُونَ قَبْلَ التَّزَوُّجِ تَنْجِيزًا، وَيَعُدُّونَهُ طَلَاقًا إذَا وُجِدَ النِّكَاحُ نَفَاهُ صَاحِبُ الشَّرْعِ، وَالْخِلَافُ هُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ هَلْ هُوَ سَبَبٌ لِلْحَالِ أَوْ لَا نَفَيْنَاهُ وَأَثْبَتَهُ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ اللَّفْظَ الَّذِي ثَبَتَتْ سَبَبِيَّتُهُ شَرْعًا لِحُكْمٍ إذَا جُعِلَ جَزَاءَ الشَّرْطِ هَلْ نَسْلُبُهُ سَبَبِيَّتَهُ لِذَلِكَ الْحُكْمِ قَبْلَ وُجُودِ مَعْنَى الشَّرْطِ كَأَنْتِ طَالِقٌ، وَحُرَّةٌ جُعِلَ شَرْعًا سَبَبًا لِزَوَالِ الْمِلْكِ فَإِذَا دَخَلَ الشَّرْطُ مَنَعَ الْحُكْمَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَنَا مَنَعَ سَبَبِيَّتَهُ فَتَفَرَّعَتْ الْخِلَافِيَّةُ فَعِنْدَنَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْحَدِيثُ، وَعِنْدَهُ طَلَاقٌ فَيَتَنَاوَلُهُ.

وَالْأَوْجَهُ قَوْلُنَا لِأَنَّ الْحِنْثَ هُوَ السَّبَبُ عَقْلًا لَا الْيَمِينُ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْمُفْضِي إلَى الْحُكْمِ، وَالتَّعْلِيقُ مَانِعٌ مِنْ الْإِفْضَاءِ لِمَنْعِهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ، وَالْأَسْبَابُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَصِيرُ أَسْبَابًا قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْمَحَلِّ فَضَعُفَ قَوْلُهُ إنَّ السَّبَبَ هُوَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالشَّرْطُ لَمْ يَعْدَمْهُ، وَإِنَّمَا أَخَّرَ الْحُكْمَ، وَأُورِدَ بِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَلْغُوَ كَالْأَجْنَبِيَّةِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْجُ لَغَا كَطَالِقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَمَّا غَيْرُهُ فَبِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ سَبَبًا فَلَا يُلْغَى تَصْحِيحًا لِكَلَامِ الْعَاقِلِ، أَوْ نَقُولُ لَمَّا تُوَقَّفَ الْحُكْمُ عَلَى الشَّرْطِ صَارَ الشَّرْطُ كَجُزْءِ سَبَبِهِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الْبَيْعُ الْمُؤَجَّلُ فَإِنَّهُ سَبَبٌ قَبْلَ حُلُولِهِ لِأَنَّ الْأَجَلَ دَخَلَ عَلَى الثَّمَنِ فَقَطْ، وَكَذَا لَا يَرِدُ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لِأَنَّ الشَّرْطَ بِعَلَى لِتَعْلِيقِ مَا بَعْدَهُ فَقَطْ لُغَةً فَآتِيك عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي: الْمُعَلَّقُ إتْيَانُ الْمُخَاطَبِ فَكَذَا قَوْلُهُ بِعْتُك عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ أَيْ فِي الْفَسْخِ فَالْمُعَلَّقُ الْفَسْخُ لَا الْبَيْعُ، وَهُوَ مُنَجَّزٌ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ لَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ، وَكَذَا لَا يَرِدُ الْمُضَافُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّهُ عِنْدَنَا سَبَبٌ فِي الْحَالِ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ، وَهُوَ لِلْبِرِّ، وَهُوَ إعْدَامُ مُوجِبِ الْمُعَلَّقِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْحُكْمِ أَمَّا الْإِضَافَةُ فَلِثُبُوتِ حُكْمِ السَّبَبِ فِي وَقْتِهِ لَا لِمَنْعِهِ فَيَتَحَقَّقُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَنَا إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ، وَأَصْلُهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ قِيلَ لَا مَعْنَى لِحَمْلِهِ عَلَى التَّنْجِيزِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى التَّعْلِيقِ فَالْجَوَابُ صَارَ ظَاهِرًا بَعْدَ اشْتِهَارِ حُكْمِ الشَّرْعِ فِيهِ لَا قَبْلَهُ فَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إلَخْ

ص: 5

السَّبَبُ بِلَا مَانِعٍ إذْ الزَّمَانُ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُودِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فَرَّقَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ، وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُوجِبُ الْإِعْدَامَ مُطْلَقًا بَلْ فِي الْمَنْعِ أَمَّا فِي الْحَمْلِ فَلَا نَحْوُ إنْ بَشَّرْتنِي بِقُدُومِ وَلَدِي فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ إيجَادُ الشَّرْطِ لَا إعْدَامُهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَهُمَا أَيْضًا بِأَنَّ الشَّرْطَ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ بِخِلَافِ الْمُضَافِ.

وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي تَسْوِيَةَ الْمُضَافِ، وَالْمُعَلَّقُ فِي نَحْوِ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ، وَإِنْ قَدِمَ فِي يَوْمِ كَذَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي عَدَمِ انْعِقَادِ السَّبَبِيَّةِ لِلْخَطَرِ اسْتَوَيَا فِي الْأَحْكَامِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ جَوَازِ التَّعْجِيلِ فِيمَا لَوْ قَالَ عَلَيَّ صَدَقَةٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ لِعَدَمِ جَوَازِ التَّقْدِيمِ عَلَى السَّبَبِ، وَإِنْ كَانَ بِصُورَةِ الْإِضَافَةِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمُضَافِ جَوَازُ التَّعْجِيلِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِخِلَافِهِ فِي الْمُعَلَّقِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا كَوْنَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ كَإِذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ لِأَنَّهُ لَا خَطَرَ فِيهِمَا فَيَكُونُ الْأَوَّلُ مُضَافًا فَيَمْتَنِعُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْغَدِ كَمَا قَبْلَ الْمَوْتِ لِانْعِقَادِهِ سَبَبًا فِي الْحَالِ كَمَا عُرِفَ فِي التَّدْبِيرِ لَكِنَّهُمْ يُجِيزُونَ بَيْعَهُ قَبْلَ الْغَدِ، وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَنْتَ حُرٌّ غَدًا فَلَا يُجِيزُونَ بَيْعَهُ قَبْلَ الْغَدِ، وَبَيْنَ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَيُجِيزُونَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا خَطَرَ فِيهِمَا، وَقَدْ يُقَالُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا إنَّ الْإِضَافَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ كَلِمَةِ الشَّرْطِ لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهُ، وَلَا يَمْنَعُ السَّبَبِيَّةَ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي مَعْنَى الشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ فِي الْحَالِ فَقُلْنَا بِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ، وَيَقَعُ مُقَارِنًا وَيَتَأَخَّرُ الْحُكْمُ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ أَوَّلِ كِتَابِ الْإِجَارَاتِ رَجُلٌ قَالَ لِغَيْرِهِ أَجَرْتُك دَارِي هَذِهِ رَأْسَ الشَّهْرِ كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا جَازَ فِي قَوْلِهِمْ، وَلَوْ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أُجِرَتْك هَذِهِ الدَّارَ كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ يَجُوزُ، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ التَّمْلِيكِ فَلَا يَصِحُّ كَمَا لَوْ عَلَّقَهَا بِشَرْطٍ آخَرَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا جَاءَ غَدٌ فَأَنْت طَالِقٌ كَانَ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ.

وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَهُ، وَاَلَّذِي يُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ مَا ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى رَجُلٌ لَهُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ أَبْطَلْت خِيَارِي غَدًا أَوْ قَالَ أَبْطَلْت خِيَارِي إذَا جَاءَ غَدٌ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا قَالَ وَلَيْسَ هَذَا كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَقَدْ أَبْطَلْت خِيَارِي فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا وَقْتٌ يَجِيءُ لَا مَحَالَةَ، وَلَوْ أَجَرَ دَارِهِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا ثُمَّ قَالَ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ فَقَدْ أَبْطَلْت الْإِجَارَةَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ كَمَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الْإِجَارَةِ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ يَصِحُّ تَعْلِيقُ فَسْخِهَا بِمَجِيءِ الشَّهْرِ، وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَوْقَاتِ، وَمَسْأَلَةُ الْمُنْتَقَى فِي تَعْلِيقِ إبْطَالِ الْخِيَارِ تُؤَيِّدُ قَوْلَهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إضَافَةُ الْفَسْخِ إلَى الْغَدِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَوْقَاتِ صَحِيحٌ، وَتَعْلِيقُ الْفَسْخِ بِمَجِيءِ الشَّهْرِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ اهـ.

فَقَدْ تَحَرَّرَ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ عَلَى خَطَرٍ لَيْسَ كَالْمُضَافِ اتِّفَاقًا، وَبِمَا لَيْسَ فِيهِ خَطَرٌ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا الْفَقِيهَانِ فِي الْإِجَارَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الصَّفَّارُ وَالْإِفْتَاءُ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ إفْتَاءٌ بِقَوْلِ الصَّفَّارِ بِالْفَرْقِ فِي الْإِجَارَةِ فَالْفَتْوَى عَلَى الْفَرْقِ فِي الْإِجَارَةِ وَفَسْخِهَا، وَمَسْأَلَةُ الْجَامِعِ تُؤَيِّدُهُ، وَإِنَّمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْمُنْتَقَى.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّحَّةِ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا يَصِحُّ اللُّزُومُ فَإِنَّ التَّعْلِيقَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَالْمُضَافُ إلَيْهِ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ حَتَّى لَوْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ لِزَوْجَةِ إنْسَانٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ تَوَقَّفَ عَلَى الْإِجَازَةِ فَإِنْ أَجَازَهُ لَزِمَ التَّعْلِيقُ فَتَطْلُقُ بِالدُّخُولِ بَعْدَ الْإِجَازَةِ لَا قَبْلَهَا، وَكَذَا الطَّلَاقُ الْمُنَجَّزُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ فَإِذَا أَجَازَهُ وَقَعَ مُقْتَصَرًا عَلَى وَقْتِ الْإِجَازَةِ، وَلَا يَسْتَنِدُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ فَإِنَّهُ بِالْإِجَازَةِ يَسْتَنِدُ إلَى وَقْتِ الْبَيْعِ حَتَّى مَلَكَ الْمُشْتَرِي الزَّوَائِدَ الْمُتَّصِلَةَ وَالْمُنْفَصِلَةَ، وَالضَّابِطُ فِيهِ أَنَّ مَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ فَإِنَّهُ يَقْتَصِرُ، وَمَا لَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ فَإِنَّهُ يَسْتَنِدُ، وَتَمَامُهُ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ، وَدَخَلَ تَحْتَ الْمُضَافِ إلَى الْمِلْكِ مَا لَوْ قَالَ لِمُعْتَدَّتِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 6

ثَلَاثًا فَهَذَا، وَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ سَوَاءٌ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَلِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَرْفَعَ الْأَمْرَ إلَى شَافِعِيٍّ يَفْسَخُ الْيَمِينَ الْمُضَافَةَ.

فَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا فَخَاصَمَتْهُ إلَى قَاضٍ شَافِعِيٍّ، وَادَّعَتْ الطَّلَاقَ فَحَكَمَ بِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ، وَأَنَّ الطَّلَاقَ لَيْسَ بِشَيْءٍ حَلَّ لَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ وَطِئَهَا الزَّوْجُ بَعْدَ النِّكَاحِ قَبْلَ الْفَسْخِ ثُمَّ فَسَخَ يَكُونُ الْوَطْءُ حَلَالًا إذَا فَسَخَ، وَإِذَا فَسَخَ بَعْدَ التَّزَوُّجِ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً، وَفَسَخَ الْيَمِينَ ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ فِي كُلِّ امْرَأَةٍ كَذَا ذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَبِقَوْلِهِ يُفْتَى، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ كُلُّ عَبْدٍ اشْتَرَيْته، وَإِذَا عَقَدَ أَيْمَانًا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا قُضِيَ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بَعْدُ ارْتَفَعَتْ الْأَيْمَانُ كُلُّهَا، وَإِذَا عَقَدَ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ يَمِينًا عَلَى حِدَةٍ لَا شَكَّ أَنَّهُ إذَا فَسَخَ عَلَى امْرَأَةٍ لَا يَنْفَسِخُ عَلَى الْأُخْرَى، وَإِذَا عَقَدَ يَمِينَهُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارِ الْفَسْخِ فِي كُلِّ يَمِينٍ اهـ.

فَهِيَ أَرْبَعُ مَسَائِلُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ فَإِنْ أَمْضَاهُ قَاضٍ حَنَفِيٍّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ أَحْوَطَ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ حُكْمُ الْحَاكِمِ كَالْقَضَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ. اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَعَنْ الصَّدْرِ أَقُولُ: لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ يُعْلَمُ، وَلَا يُفْتَى بِهِ لِئَلَّا يَتَطَرَّقَ الْجُهَّالُ إلَى هَدْمِ الْمَذْهَبِ، وَعَنْ أَصْحَابِنَا مَا هُوَ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ اسْتَفْتَى فَقِيهًا عَدْلًا فَأَفْتَاهُ بِبُطْلَانِ الْيَمِينِ حَلَّ لَهُ الْعَمَلُ بِفَتْوَاهُ وَإِمْسَاكُهَا، وَرُوِيَ أَوْسَعُ مِنْ هَذَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ أَفْتَاهُ مُفْتٍ بِالْحِلِّ ثُمَّ أَفْتَاهُ آخَرُ بِالْحُرْمَةِ بَعْدَمَا عَمِلَ بِالْفَتْوَى الْأُولَى فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِفَتْوَى الثَّانِي فِي حَقِّ امْرَأَةٍ أُخْرَى لَا فِي حَقِّ الْأُولَى، وَيَعْمَلُ بِكِلَا الْفَتْوَتَيْنِ فِي حَادِثَتَيْنِ لَكِنْ لَا يُفْتَى بِهِ اهـ.

وَفِيهَا قُبَيْلَ الرَّجْعَةِ وَالتَّزَوُّجِ فِعْلًا أَوْلَى مِنْ فَسْخِ الْيَمِينِ فِي زَمَانِنَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِيءَ إلَى عَالِمٍ وَيَقُولَ لَهُ مَا حَلَفَ وَاحْتِيَاجَهُ إلَى نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَيُزَوِّجَهُ الْعَالِمُ امْرَأَةً وَيُجِيزَ بِالْفِعْلِ فَلَا يَحْنَثُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِجَمَاعَةٍ لِي حَاجَةٌ إلَى نِكَاحِ الْفُضُولِيِّ فَزَوَّجَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَمَّا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ اعْقِدْ لِي عَقْدَ فُضُولِيٍّ يَكُونُ تَوْكِيلًا. اهـ.

. وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ الْأَيْمَانَ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ مِنْ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا مَحَلُّهُ قَبْلَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا، وَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ إنَّهَا رَفَعَتْ أَمْرَهَا إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ الْيَمِينَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَفْسَخُ لِأَنَّهُ لَوْ فَسَخَ تَطْلُقُ ثَلَاثًا بِالتَّنْجِيزِ بَعْدَ النِّكَاحِ فَلَا يُفِيدُ اهـ.

فَإِنْ قُلْت لِمَ وَسَّعَ أَصْحَابُنَا فِي فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ مَا لَمْ يُوَسِّعُوا فِي غَيْرِهِ مَعَ أَنَّ دَلِيلَهُمْ ظَاهِرٌ قُلْت قَدْ اخْتَلَجَ هَذَا فِي خَاطِرِي كَثِيرًا، وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا حَتَّى رَأَيْت الزَّاهِدَيَّ فِي الْمُجْتَبَى قَالَ وَقَدْ ظَفِرْت بِرِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَبِهِ كَانَ يُفْتِي كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ خُوَارِزْمَ. اهـ.

وَشَرَطَ قَاضِي خَانْ لِجَوَازِ فَسْخِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ أَنْ لَا يَكُونَ الْقَاضِي أَخَذَ عَلَى ذَلِكَ مَالًا فَإِنْ أَخَذَ لَا يَنْفُذُ فَسْخُهُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَإِنْ أَخَذَ عَلَى الْكِتَابَةِ فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ) عِبَارَةُ الظَّهِيرِيَّةِ إذَا عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى جَمِيعِ النِّسَاءِ فَوَقَعَ الْفَسْخُ فِي امْرَأَةٍ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ فِي امْرَأَةٍ أُخْرَى قَالَ أَبُو يُوسُفَ رحمه الله يَحْتَاجُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله لَا يَحْتَاجُ، وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله كَقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الصَّدْرُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ، وَبِقَوْلِ مُحَمَّدٍ رحمه الله يُفْتَى اهـ.

وَإِنَّمَا نَقَلْنَا عِبَارَةَ الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مُخَالَفَةٌ لِمَا هُنَا لِأَنَّ بَعْضَهُمْ تَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى بُطْلَانِ إضَافَةِ الْيَمِينِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ كَمَا يَأْتِي عَنْ الزَّاهِدِيِّ (قَوْلُهُ وَالتَّزَوُّجُ فِعْلًا أَوْلَى مِنْ فَسْخِ الْيَمِينِ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ ثُمَّ الْإِجَازَةُ بِالْفِعْلِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ الْمَهْرِ، وَيَدْفَعَ إلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ الْمَأْمُورَ إلَيْهَا هَلْ هُوَ إجَازَةٌ أَمْ لَا لَا رِوَايَةَ لِهَذَا فِي الْكِتَابِ، وَقِيلَ إنَّهُ يَكُونُ إجَازَةٌ، وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهَا، وَقَالَ هَذَا مَهْرُك يَكُونُ إجَازَةً بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ، وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ إنَّهُ يَكُونُ إجَازَةٌ بِالْقَوْلِ، وَلَوْ قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ يَكُونُ إجَازَةً بِالْفِعْلِ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ كَالرَّجْعَةِ بِالْفِعْلِ، وَلَوْ خَلَا بِهَا هَلْ يَكُونُ إجَازَةً ذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ يَكُونُ إجَازَةً. اهـ.

وَفِيهَا قَبْلَ هَذَا، وَكَذَا الْحِيلَةُ فِي حَقِّ مَنْ حَلَفَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَدْخُلُ فِي نِكَاحِي فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا إنَّ الْفُضُولِيَّ يُزَوِّجُهُ امْرَأَةً ثُمَّ هُوَ يُجِيزُ بِالْفِعْلِ فَلَا يَحْنَثُ، وَإِنْ دَخَلَتْ فِي نِكَاحِهِ لِأَنَّ دُخُولَهَا فِيهِ لَا يَكُونُ إلَّا بِالتَّزْوِيجِ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْحُكْمِ ذِكْرَ سَبَبِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتهَا وَبِتَزْوِيجِ الْفُضُولِيِّ لَا يَصِيرُ هُوَ مُتَزَوِّجًا بِخِلَافِ كُلِّ عَبْدٍ دَخَلَ فِي مِلْكِي يَحْنَثُ بِعَقْدِ الْفُضُولِيِّ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ لَا يَخْتَصُّ بِالشِّرَاءِ بَلْ لَهُ أَسْبَابٌ سِوَاهُ، وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ وَالْبَزْدَوِيُّ يَحْنَثُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ (قَوْلُهُ قُلْت قَدْ اخْتَلَجَ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّهُمْ وَسَّعُوا فِيهِ لِأَنَّ لَهُ أَصْلًا فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي أَنَّ أَصْحَابَنَا يَضِنُّونَ بِتَرْكِ مَذْهَبِهِمْ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِمْ لَكِنْ حَيْثُ كَانَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْمَذْهَبِ بِالْكُلِّيَّةِ. اهـ. وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَبْنُوا الْجَوَابَ عَلَيْهَا لِاعْتِقَادِهِمْ ضَعْفَهَا أَوْ ضَعْفَ ثُبُوتِهَا عَنْهُ أَوْ لِكَوْنِ الْقَاضِي لَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِغَيْرِ الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ تَأَمَّلْ

ص: 7

أُجْرَةِ الْمِثْلِ نَفَذَ، وَإِنْ كَانَ أَزْيَدَ لَا يَنْفُذُ، وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْخُذَ مُطْلَقًا، وَتَمَامُهُ فِيهَا، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الشُّرُوطِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ.

لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك، وَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ فَهُوَ عَلَى تَزْوِيجٍ وَاحِدٍ، وَكَذَا لَوْ وَسَّطَهُ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك فَإِنْ تَزَوَّجْتُك أَوْ وَسَّطَ الْجَزَاءَ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَاءِ وَالْوَاوِ بَعْدَهُ فَجَعَلَهُ بِالْوَاوِ إعَادَةً لِلشَّرْطِ الْأَوَّلِ وَبِالْفَاءِ جَعَلَهُ شَرْطًا مُبْتَدَأً، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك ثُمَّ تَزَوَّجْتُك فَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى التَّزْوِيجِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك ثُمَّ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ انْعَقَدَتْ فِي الْأَخِيرَةِ. اهـ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَتَزَوَّجَ لَا يَقَعُ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَقَعَ، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ تَعْلِيقِ الْيَمِينِ بِالشَّرْطِ لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً قَبْلَ الْكَلَامِ، وَامْرَأَةً بَعْدَهُ طَلَقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا قَبْلَ الْكَلَامِ، وَلَوْ قَدَّمَ الشَّرْطَ بِأَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ طَلَقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْكَلَامِ، وَكَذَا إذَا وَسَّطَهُ. اهـ.

وَفِي بَابِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الْمِلْكِ لَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ تَطْلُقُ إحْدَاهُمَا، وَالْبَيَانُ إلَيْهِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ وَحْدَهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْرَى بَعْدَهُمَا وَقَعَ عَلَيْهَا، وَلَوْ قَالَ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْت طَالِقٌ قَالَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَتَزَوَّجَهَا يَقَعُ الثَّلَاثُ لِأَنَّ هَذِهِ أَيْمَانٌ، وَلَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَوَاللَّهِ لَا أَقْرَبُك ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَيَلْغُو الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِمَا عُرِفَ أَنَّ عِنْدَهُ يَنْزِلُ الطَّلَاقُ أَوَّلًا فَتَصِيرُ مُبَانَةً عِنْدَهُمَا يَنْزِلْنَ جُمْلَةً.

وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَوَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، وَأَنْتِ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَصَحَّ الظِّهَارُ، وَالْإِيلَاءُ لِأَنَّهَا بِنُزُولِ الظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ لَا تَصِيرُ مُبَانَةً، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ تَزَوَّجَهَا صَحَّا لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ ذَكَرَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَرْطًا عَلَى حِدَةٍ، وَهُوَ التَّزَوُّجُ فَنَزَلَا مَعًا. اهـ.

وَفِي بَابِ الْحَلِفِ عَلَى التَّزْوِيجِ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ صَبِيَّةً حَنِثَ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي امْرَأَةً فَاشْتَرَى صَغِيرَةً لَمْ يَحْنَثْ، وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْمَ الْمَرْأَةِ مُطْلَقًا لَا يَتَنَاوَلُ الصَّغِيرَةَ إلَّا أَنَّ فِي الشِّرَاءِ اُعْتُبِرَ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ يَكُونُ لِلرَّجُلِ، وَقَدْ يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمَرْأَةِ فَلَغَا ذِكْرُهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت امْرَأَةً فَكَلَّمَ صَبِيَّةً لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ مَانِعٌ عَنْ هِجْرَانِ الْكَلَامِ فَلَا تُرَادُ الصَّبِيَّةُ فِي الْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ عَلَى الْكَلَامِ عَادَةً، وَلَا كَذَلِكَ التَّزَوُّجُ. اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي نَوْعٍ آخَرَ فِي دُخُولِ شَخْصٍ وَاحِدٍ تَحْتَ الْيَمِينَيْنِ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ فُلَانَةَ طَلَقَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحُكْمِ الْيَمِينَيْنِ لِأَنَّهَا فُلَانَةُ وَامْرَأَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ كَلَّمْت إنْسَانًا فَأَنْت طَالِقٌ فَكَلَّمَتْ فُلَانًا تَطْلُقُ تَطْلِيقَتَيْنِ بِحُكْمِ الْيَمِينَيْنِ اهـ.

(قَوْلُهُ فَيَقَعُ بَعْدَهُ) أَيْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ التَّعْلِيقُ فِي الْمِلْكِ أَوْ مُضَافًا إلَيْهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَوْلُهُ وَقَعَ عَقِيبَ النِّكَاحِ يُفِيدُ أَنَّ الْحُكْمَ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ الْمُقَارِنَ لَا يَقَعُ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ نِكَاحِك إذْ لَا يَثْبُتُ الشَّيْءُ مُنْتَفِيًا ثُمَّ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ يُنَزَّلُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ كَأَنَّهُ عِنْدَ الشَّرْطِ أُوقِعَ تَنْجِيزًا فَالْمُرَادُ الْإِيقَاعُ حُكْمًا، وَلِهَذَا إذَا عَلَّقَ الْعَاقِلُ الطَّلَاقَ ثُمَّ جُنَّ عِنْدَ الشَّرْطِ تَطْلُقُ، وَلَوْ كَانَ كَالْمَلْفُوظِ حَقِيقَةً لَمْ يَقَعْ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ. اهـ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ نَكَحَهَا لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمَلْفُوظِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَلَوْ قَالَ وَقْتَ النِّكَاحِ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَنْكَحَك

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الشُّرُوطِ) سَيَأْتِي مَسَائِلُ تَكْرَارُ الشَّرْطِ بِدُونِ عَطْفٍ تَحْتَ قَوْلِهِ، وَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ

(قَوْلُهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَقَعَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ اعْتِرَاضُ الشَّرْطِ عَلَى الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ لَا تَطْلُقُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَضْمُونُ الشَّرْطَيْنِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ، وَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إلَخْ) .

فَرْعٌ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ قَالَ فِي السِّرَاجِ نَقْلًا عَنْ الْمُنْتَقَى قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَكُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ فَتَزَوَّجَهَا فَبَانَتْ بِثَلَاثٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ يَجُوزُ قَالَ فَإِنْ عَنَى بِقَوْلِهِ كُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ الطَّلَاقَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِهِ طَلَاقًا فَهُوَ يَمِينٌ. اهـ.

شُرُنْبُلَالِيَّةٌ قُلْت، وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَكُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ فِي الْمِلْكِ، وَلَا مُضَافًا إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ حِلِّهَا أَنْ يَكُونَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ لِجَوَازِ أَنْ تَرْتَدَّ ثُمَّ تُسْتَرَقَّ تَأَمَّلْ أَوْ يُقَالَ إنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا، وَصَارَتْ أَجْنَبِيَّةً لِأَنَّهُ يَنْزِلُ الطَّلَاقَ أَوَ لَا فَيَنْزِلُ قَوْلُهُ وَكُلَّمَا حَلَّتْ حُرِّمَتْ بَعْدَ أَنْ صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً، وَهُوَ لَغْوٌ لِمَا قُلْنَا تَأَمَّلْ

ص: 8

لَا تَطْلُقُ كَذَا هَذَا، وَأَوْقَعَهُ أَبُو يُوسُفَ بِإِلْغَاءِ الظَّرْفِ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيقَاعِ فِيهِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فِي قَرْيَةِ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا فِي غَيْرِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْهَا فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ، وَلَوْ قَالَ مِنْ قَرْيَةِ كَذَا حَنِثَ حَيْثُمَا تَزَوَّجَهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً مَا دُمْت بِالْكُوفَةِ فَهِيَ طَالِقٌ فَفَارَقَ الْكُوفَةَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ تَطْلُقْ لِانْتِهَاءِ الْيَمِينِ بِالْمُفَارَقَةِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك مَا عِشْت فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك فَالطَّلَاقُ وَاجِبٌ عَلَيَّ ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَطْلِيقَةٌ عَلَى الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ، وَيَقَعُ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى يَصْرِفُهَا إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ لِأَنَّ الْيَمِينَ الْأُولَى انْصَرَفَتْ إلَى الطَّلَاقِ عُرْفًا فَيَنْصَرِفُ إلَى طَلَاقِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَالْيَمِينُ الثَّانِيَةُ يَمِينٌ بِطَلَاقٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً انْحَلَّتْ الْيَمِينَانِ جَمِيعًا اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ ثُمَّ فَعَلَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالْفِعْلِ طَلَاقُ الْمُتَزَوِّجَةِ بَعْدَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ، وَإِذَا نَوَى تَقْدِيمَ النِّكَاحِ عَلَى الْفِعْلِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ لَأَنْ يَحْتَمِلَ التَّقْدِيمَ وَالتَّأْخِيرَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ فَعَلْت.

(قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ زُرْت فَأَنْت طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فَزَارَتْ لَمْ تَطْلُقْ) لِأَنَّهُ حِينَ صَدَرَ لَا يَصِحُّ جَعْلُهُ إيقَاعًا لِعَدَمِ الْمَحَلِّ، وَلَا يَمِينًا لِعَدَمِ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَهُوَ مَا يَكُونُ حَامِلًا عَلَى الْبِرِّ لِإِخَافَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مُخِيفًا لِعَدَمِ ظُهُورِ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْفِعْلِ، وَهُوَ الزِّيَارَةُ هُنَا لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْمَحَلِّيَّةِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَمَعْنَى الْإِخَافَةِ هُنَا لُزُومُ نِصْفِ الْمَهْرِ إنْ تَزَوَّجَهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فَيَجِبُ الْمَالُ فَيَمْتَنِعُ عَنْ التَّزَوُّجِ خَوْفًا مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا قَوْلَهُ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ يَمِينٌ مَعَ أَنَّهُ لَا حَمْلَ فِيهِ، وَلَا مَنْعَ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهِ لِلْغَالِبِ لَا لِلشَّاذِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى مَسَائِلَ: الْأُولَى لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَجْتَمِعُ مَعَهَا فِي فِرَاشٍ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً لَا تَطْلُقُ، وَمِثْلُهُ كُلُّ جَارِيَةٍ أَطَؤُهَا حُرَّةً، وَاشْتَرَى جَارِيَةً فَوَطِئَهَا لَا تَعْتِقُ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمِلْكِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ طَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ يَصِحُّ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك وَطَلَّقْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ ذِكْرَ الطَّلَاقِ ذِكْرُ النِّكَاحِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الطَّلَاقُ لَا ذِكْرَ لِمَا لَا يَسْتَغْنِي عَنْهُ الْجَزَاءُ اهـ.

الثَّانِيَةُ لَوْ قَالَ لِوَالِدَيْهِ إنْ زَوَّجْتُمَانِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَزَوَّجَاهُ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لِأَنَّ تَزْوِيجَ الْوَالِدَيْنِ لَهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مِلْكِ النِّكَاحِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمَا بِالتَّزْوِيجِ عِنْدَ التَّعْلِيقِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَا فَرْقَ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ يُزَوِّجَاهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ إنْ زَوَّجْتنِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَزَوَّجَهُ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ اهـ.

الثَّالِثَةُ: لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ قَبْلَ فُلَانَةَ فَهُمَا طَالِقَانِ فَتَزَوَّجَ الْأُولَى طَلَقَتْ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا تَزَوَّجَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ فِي الْمُحِيطِ تَطْلُقُ أَيْضًا، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَطْلُقَ لِأَنَّ نِكَاحَ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مَذْكُورٍ صَرِيحًا وَلَا ضَرُورَةً، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت زَيْنَبَ قَبْلَ عَمْرَةَ بِشَهْرٍ فَهُمَا طَالِقَتَانِ فَتَزَوَّجَ زَيْنَبَ ثُمَّ عَمْرَةَ بَعْدَهَا بِشَهْرٍ طَلَقَتْ زَيْنَبُ لِلْحَالِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَا يَسْتَنِدُ، وَلَا تَطْلُقُ عَمْرَةُ لِأَنَّهُ مَا أَضَافَ طَلَاقَهَا إلَى نِكَاحِهَا لِأَنَّ تَزَوُّجَهَا لَمْ يَصِرْ مَذْكُورًا، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ الرَّابِعَةُ لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً أَوْ أَمَرْت إنْسَانًا بِالتَّزَوُّجِ لِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ امْرَأَةً فَفَعَلَ الْمَأْمُورُ لَا تَطْلُقُ امْرَأَةُ الْحَالِفِ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْأَمْرِ لَا إلَى جَزَاءٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَتَقَعُ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى يَصْرِفُهَا إلَى أَيَّتِهِمَا شَاءَ) فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَلَى امْرَأَتِهِ بَانَتْ بِالتَّطْلِيقَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا غَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا فَكَيْفَ يُخَيَّرُ فِي صَرْفِ الْأُخْرَى إلَيْهَا، وَعِبَارَةُ الْوَلْوَالِجيَّةِ فَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً انْحَلَّتْ الْيَمِينَانِ جَمِيعًا وَقَعَ بِالْيَمِينِ الْأُولَى عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَبِالثَّانِيَةِ تَطْلِيقَةٌ تُصْرَفُ إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ.

(قَوْلُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى مِلْكِ النِّكَاحِ هَذَا التَّعْلِيلُ غَيْرُ ظَاهِرٍ، وَكَأَنَّهُ تَكْرَارٌ مِنْ النَّاسِخِ بَلْ التَّعْلِيلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُمَا إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ لَمْ يَصِحَّ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ يُخَالِفُ ظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ، وَقَدْ كُنْت بَحَثْت فِيهِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ إذَا زَوَّجَهُ بِأَمْرِهِ لِأَنَّ التَّزْوِيجَ إذَا عَلَّقَ بِهِ الطَّلَاقَ يُرَادُ بِهِ الْمُسَبَّبُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمِلْكُ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ مَلَكْت امْرَأَةً بِتَزْوِيجِك فَهِيَ طَالِقٌ، وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِذَا وَقَعَ يَقَعُ طَلَاقَ الْمُعَلَّقِ بِهِ، وَقَدْ وَجَدْت بَحْثِي مَنْقُولًا صَحِيحًا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِ الْمَسْأَلَةِ فَلْيُنْظَرْ. اهـ.

قُلْت، وَعِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ قَالَ لِوَالِدَيْهِ إنْ زَوَّجْتُمَانِي امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَزَوْجَاهُ امْرَأَةً بِأَمْرِهِ قَالُوا لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْيَمِينُ، وَلَا تَطْلُقُ، وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْفَضْلِ يَصِحُّ، وَتَطْلُقُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ

ص: 9

وَهُوَ نَظِيرُ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.

لَوْ قَالَ رَجُلٌ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَوْ خَطَبْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَخَطَبَ امْرَأَةً، وَتَزَوَّجَهَا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْخُطْبَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ إذَا قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَإِنْ أَمَرْت مَنْ يُزَوِّجُنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ إنْسَانًا فَزَوَّجَهَا مِنْهُ طَلَقَتْ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ فَانْحِلَالُ أَحَدِهِمَا لَا يُوجِبُ انْحِلَالَ الْأُخْرَى، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت، وَإِنْ أَمَرْت مَنْ يُزَوِّجُنِيهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَمَرَ رَجُلًا فَزَوَّجَهَا مِنْهُ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ، وَالشَّرْطُ شَيْئَانِ: الْأَمْرُ، وَالتَّزْوِيجُ فَبِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ لَا تَنْحَلُّ الْيَمِينُ، وَلِذَا لَوْ تَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَ أَحَدًا بِذَلِكَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ بَعْضُ الشَّرْطِ فَإِنْ أَمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلًا فَقَالَ زَوِّجْنِي فُلَانَةَ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ عَلَى حَالِهَا طَلَقَتْ لِأَنَّهُ كُلُّ الشَّرْطِ، وَلَوْ قَالَ إنْ خَطَبْت فُلَانَةَ أَوْ تَزَوَّجْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَخَطَبَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ فَإِذَا خَطَبَهَا فَقَدْ وَجَدَ شَرْطَ الْحِنْثِ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ فِي نِكَاحِهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ لَا إلَى حِنْثٍ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْيَمِينُ مُنْحَلَّةٌ فَلَا تَطْلُقُ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَنِثَ بِالْخِطْبَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا يَمِينٌ مُنْعَقِدَةٌ، وَفَائِدَتُهَا لَوْ زَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ فَبَلَغَهُ فَأَجَازَ طَلَقَتْ، وَنَظِيرُهَا إنْ تَزَوَّجَتْ فُلَانَةُ أَوْ أَمَرَتْ مَنْ يُزَوِّجُنِيهَا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ لَا تَطْلُقُ، وَتَمَامُهُ فِيهَا مِنْ فَصْلِ التَّعْلِيقَاتِ، وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى فِي مَسْأَلَتَيْ الْأَمْرِ، وَالْخِطْبَةِ بِأَوْ، وَهَذَا رَدَّ عَلَى مَنْ يَقُولُ الْيَمِينُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَحَدُهُمَا، وَأَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ صَالِحٌ، وَالْآخَرُ لَا فَإِنَّهُ نَصَّ عَلَى الْحِنْثِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ قَبْلَ الْأَمْرِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَقَبْلَ الْخِطْبَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ لَوْ تَصَوَّرَ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ. اهـ. .

وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ، وَنَوَى مِنْ بَلَدِ كَذَا أَوْ نَوَى امْرَأَةً حَبَشِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا لَا يَكُونُ مُصَدَّقًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَضَاءً، وَلَوْ قَالَ أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ كَانَتْ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَ النِّسَاءِ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ فُلَانٍ فَهِيَ طَالِقٌ، وَلَيْسَ لِفُلَانٍ بِنْتٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ بِنْتٌ فَتَزَوَّجَهَا الْحَالِفُ قَالُوا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الْبِنْتِ وَقْتَ الْيَمِينِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الْيَمِينِ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ الْيَمِينِ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ، وَلَيْسَ لِتِلْكَ الدَّارِ أَهْلٌ ثُمَّ سَكَنَهَا قَوْمٌ فَتَزَوَّجَ الْحَالِفُ مِنْهُمْ امْرَأَةً لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْأَهْلِ عِنْدَ الْيَمِينِ إلَّا أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ يُوَافِقُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْيَمِينِ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْيَمِينِ، وَمَنْ يَحْدُثُ بَعْدَهُ كَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَ ابْنَ فُلَانٍ، وَلَيْسَ لِفُلَانٍ ابْنٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ فَكَلَّمَهُ الْحَالِفُ حَنِثَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَلَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَتَزَوَّجُ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وُلِدَتْ بَعْدَ الْيَمِينِ حَنِثَ، فَرَّقَ مُحَمَّدٌ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ بِنْتِ فُلَانٍ.

لِأَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَوْمٌ لَا يُحْصَوْنَ فَلَمْ يَكُنْ الْحَامِلُ عَلَى الْيَمِينِ غَيْظٌ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْأَهْلِ بَلْ الْحَامِلُ عَلَى الْيَمِينِ مَعْنَى فِي الْكُوفَةِ فَيَدْخُلُ الْمَوْجُودُ، وَالْحَادِثُ بِخِلَافِ بِنْتِ فُلَانٍ لِأَنَّ الْحَامِلَ عَلَى الْيَمِينِ غَيْظٌ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ فُلَانٍ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَوْجُودُ لَا الْحَادِثُ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ فَتَزَوَّجَ جَارِيَةً وُلِدَتْ بِالْبَصْرَةِ وَنَشَأَتْ بِالْكُوفَةِ وَاسْتَوْطَنَتْ بِهَا حَنِثَ الْحَالِفُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ الْوِلَادَةِ، وَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ فُلَانٍ فَتَزَوَّجَ بِنْتَ بِنْتِ فُلَانٍ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا الِاسْمَ لَا يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الْبَنَاتِ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً إلَى خَمْسِ سِنِينَ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ طَلَقَتْ لِأَنَّهَا لَا تَنْتَهِي قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ الْخَامِسَةِ كَمَا لَوْ أَجَّرَ دَارِهِ إلَى خَمْسِ سِنِينَ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَكَلْت مِنْ خُبْزِ وَالِدِي مَا لَمْ أَتَزَوَّجْ فَاطِمَةَ فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَكَلَ ثُمَّ تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بَعْدَ الْأَكْلِ طَلَقَتْ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا مَا لَمْ أَتَزَوَّجْ فَاطِمَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَمَاتَتْ فَاطِمَةُ أَوْ غَابَتْ فَتَزَوَّجَ غَيْرَهَا طَلَقَتْ فِي الْغَيْبَةِ، وَلَا تَطْلُقُ فِي الْمَوْتِ أَمَّا فِي الْغَيْبَةِ فَلِأَنَّهُ مَا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ حَالَ بَقَاءِ الْيَمِينِ فَيَحْنَثُ، وَأَمَّا فِي الْمَوْتِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 10

فَلَا يَحْنَثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا يَمِينُهُ تَبْطُلُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَقَدْ بِعْت طَلَاقَهَا مِنْك بِدِرْهَمٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ فَقَالَتْ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ حِينَ عَلِمَتْ بِنِكَاحِ غَيْرِهَا قَبِلْت أَوْ قَالَتْ طَلَّقْتهَا أَوْ قَالَتْ اشْتَرَيْت طَلَاقَهَا طَلَقَتْ الَّتِي تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ قَالَتْ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى قَبِلْت لَا يَصِحُّ قَبُولُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قَبُولٌ قَبْلَ الْإِيجَابِ اهـ.

وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ لَوْ قَالَ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْت طَالِقٌ، وَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ وَاحِدَةً فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَثَلَاثًا عِنْدَهُمَا، وَلَوْ قَالَ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْت طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْت طَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا، وَكَذَلِكَ إنْ، وَإِذَا، وَمَتَى، وَكُلَّمَا، وَإِنْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ، وَطَالِقٌ، وَطَالِقٌ يَوْمَ أَتَزَوَّجُك ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا بِخِلَافِ مَا إذَا أَخَّرَ الطَّلَاقَ فَإِنَّ الْأُولَى تَقَعُ فَقَطْ اهـ.

ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَ إذَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فِي عُقْدَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِحْدَاهُمَا طَالِقٌ، وَالْخِيَارُ لَهُ، وَإِنْ نَوَى امْرَأَةً، وَحْدَهَا لَمْ يُدَيَّنْ فِي انْقِضَاءٍ، وَلَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً وَحْدَهَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فَإِنْ تَزَوَّجَ أُخْرَى بَعْدَهَا طَلَقَتْ. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ مِنْ جِهَتِي أَوْ طَلَّقْتُك صَحَّ، وَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ، وَتَزَوَّجْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ وَلَدْت فَأَنْت طَالِقٌ مِنِّي فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ طَلَقَتْ. اهـ. وَهُوَ مُشْكِلٌ، وَلَوْ زَادَ قَوْلُهُ مِنْ جِهَتِي كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ وَأَلْفَاظُ الشَّرْطِ إنْ، وَإِذَا، وَإِذَا مَا، وَكُلُّ، وَكَلَّمَا، وَمَتَى، وَمَتَى مَا) وَهُوَ فِي اللُّغَةِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ إلْزَامُ الشَّيْءِ، وَالْتِزَامُهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ كَالشَّرِيطَةِ، وَالْجَمْعُ شُرُوطٌ، وَفِي الْمَثَلِ الشَّرْطُ أَمْلَكُ عَلَيْك أَمْ لَك، وَبَزَغَ الْحَجَّامُ بِشَرْطٍ، وَيَشْرُطُ فِيهِمَا، وَالدُّونُ اللَّئِيمُ السَّافِلُ، وَالْجَمْعُ أَشْرَاطٌ، وَبِالتَّحْرِيكِ الْعَلَامَةُ وَالْجَمْعُ، وَكُلُّ مَسِيلٍ صَغِيرٍ يَجِيءُ مِنْ قَدْرِ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ، وَأَوَّلُ الشَّيْءِ، وَزَالَ الْمَالُ وَصِغَارُهَا، وَالْأَشْرَافُ أَشْرَاطٌ أَيْضًا ضِدٌّ اهـ.

وَعِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ كَمَا فِي التَّلْوِيحِ تَعْلِيقُ حُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ بِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةٍ، وَيُزَادُ فِي أَنَّ فَقَطْ أَيْ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ ظَرْفِيَّةٍ وَنَحْوِهَا كَمَا فِي إذَا، وَمَتَى. اهـ. وَفِي الْمِعْرَاجِ الشُّرُوطُ شَرْعِيَّةٌ وَعَقْلِيَّةٌ وَعُرْفِيَّةٌ وَلُغَوِيَّةٌ فَالشَّرْعِيَّةُ كَالْوُضُوءِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَطَهَارَةِ الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَالْيَدَيْنِ فَيَتَوَقَّفُ وُجُودُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا وُجُودُ الصَّلَاةِ، وَالْعَقْلِيُّ كَالْحَيَاةِ مَعَ الْعِلْمِ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْعِلْمِ الْحَيَاةُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَالْعُرْفِيَّةُ، وَيُقَالُ لَهَا الشَّرْطِيَّةُ الْعَادِيَّةُ كَالسُّلَّمِ مَعَ صُعُودِ السَّطْحِ فَيَلْزَمُ مِنْ الصُّعُودِ وُجُودُهُ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، وَاللُّغَوِيَّةُ مِثْلُ التَّعْلِيقَاتِ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الشَّرْطِ وُجُودُ الْمَشْرُوطِ قَالُوا، وَهُوَ حَقِيقَةُ السَّبَبِ، وَبِهَذَا قَالَ النَّحْوِيُّونَ فِي الشَّرْطِ، وَالْجَزَاءِ مَعَ السَّبَبِيَّةِ لِلْأَوَّلِ، وَالْمُسَبَّبِيَّة لِلثَّانِي، وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الْمَانِعِ وُجُودُهُ، وَمِنْ الشَّرْطِ عَدَمُهُ، وَمِنْ السَّبَبِ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ اهـ.

وَقَالَ قَبْلَهُ إنَّمَا قَالَ أَلْفَاظُ الشَّرْطِ دُونَ حُرُوفِهِ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّ عَامَّتَهَا اسْمٌ كَمَتَى، وَإِذَا اهـ.

وَلَيْسَ مَقْصُودُ الْمُؤَلِّفِ الْحَصْرُ فِي الْأَلْفَاظِ السِّتَّةِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ، وَلَوْلَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ لَوْ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ يُنَافِيه أَعْنِي التَّعْلِيقَ عَلَى مَا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ لِأَنَّهَا أَفَادَتْ تَحَقُّقَ عَدَمِهِ فَلَا يَحْصُلُ مَعْنَى الْيَمِينِ، وَلِعَدَمِ حُصُولِهِ لَمْ تُذْكَرْ لِمَا، وَإِنْ كَانَ لَوْ دَخَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ تَعْلِيقٌ لِلطَّلَاقِ كَمَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَكِنَّهُ لَيْسَ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيُّ، وَلَا الْمَشْهُورُ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَعَلَّقُ، وَفِي الْحَاوِي فِي فُرُوعِنَا قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَوْ تَزَوَّجْتُك تَطْلُقُ إذَا تَزَوَّجَهَا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَوْلَا دُخُولُك أَوْ لَوْلَا أَبُوك أَوْ مَهْرُك لَا يَقَعُ، وَكَذَا فِي الْإِخْبَارِ بِأَنْ قَالَ طَلَّقْتُك أَمْسِ لَوْلَا كَذَا. اهـ. وَلَا مَحَلَّ لِلتَّرَدُّدِ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّ لَوْ بِمَعْنَى الشَّرْطِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ، وَكَلِمَةُ لَوْ بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَإِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ لِأَمْرٍ مُتَرَقَّبٍ مُنْتَظَرٍ فَصَارَ بِمَعْنَى الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مُتَرَقَّبُ الثُّبُوتِ، وَعَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ فَتَوَقَّفَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَوْ حَسُنَ خُلُقُك سَوْفَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَيُزَادُ فِي إنَّ فَقَطْ) أَيْ يُزَادُ عَلَى التَّعْرِيفِ الْمَذْكُورِ لَفْظُ فَقَطْ فِي التَّعْلِيقِ بِأَنَّ إمَّا فِي غَيْرِهَا فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا مَرَّ.

(قَوْلُهُ: وَالْمُعْتَبَرُ مِنْ الْمَانِعِ وُجُودُهُ) لِأَنَّهُ مَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْعَدَمُ فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْمَنْعِ وُجُودُهُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ وُجُودٌ، وَالشَّرْطُ بِالْعَكْسِ فَيَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ فَالْمُعْتَبَرُ عَدَمُهُ، وَأَمَّا السَّبَبُ فَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الْوُجُودُ، وَمِنْ عَدَمِهِ الْعَدَمُ لَكِنْ هَذَا فِي الْمُسَاوِي، وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ لَهُ أَسْبَابٌ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ أَحَدِهَا عَدَمٌ تَأَمَّلْ

ص: 11

أُرَاجِعُك طَلَقَتْ السَّاعَةَ لِأَنَّ لَوْ دَخَلَتْ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ.

وَكَذَا لَوْ قَدِمَ أَبُوك رَاجَعْتُك، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْت طَالِقٌ لَوْ دَخَلْت الدَّارَ لَطَلَّقْتُك فَهَذَا رَجُلٌ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لِيُطَلِّقَهَا إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَتْ لَزِمَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا، وَلَا يَقَعُ إلَّا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِ الْبَصْرَةَ. اهـ.

وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَلِمَةَ لَوْ مَعَ أَنَّهَا لِلشَّرْطِ وَضْعًا ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُفَصَّلِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَعْمَلُ عَمَلَ الشَّرْطِ مَعْنًى لَا لَفْظًا، وَغَيْرُهَا يَعْمَلُ مَعْنًى وَلَفْظًا حَتَّى تَجْزِمَ فِي مَوَاضِعِ الْجَزْمِ، وَفِي غَيْرِ مَوَاضِعِ الْجَزْمِ لَزِمَ دُخُولُ الْفَاءِ فِي جَزَائِهِنَّ بِخِلَافِ لَوْ انْتَهَى، وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ مَعَ أَنَّهَا مِنْ الْجَوَازِمِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَمِنْ مَسَائِلِهَا فَرْعٌ غَرِيبٌ فِي الْمِعْرَاجِ رَجُلٌ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِرَارًا طَلَقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ لِأَنَّ الدُّخُولَ لَمَّا أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ تَعْمِيمُهُ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] فَإِنَّهُ أَفَادَ عُمُومَ الصَّيْدِ، وَلِهَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ لَوْ قَالَ لِأَمِيرٍ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ وَاحِدٌ قَتِيلَيْنِ فَلَهُ سَلَبَهُمَا قِيلَ لَا حُجَّةَ لِمُحَمَّدٍ فِي الِاسْتِشْهَادَيْنِ لِأَنَّ الصَّيْدَ فِي قَوْلِهِ لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ عَامٌّ بِاعْتِبَارِ اللَّامِ الِاسْتِغْرَاقِيَّة، وَالْقَتِيلُ عَامٌّ لِوُقُوعِهِ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، وَلَوْ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ} [الأنعام: 68] الْآيَةَ {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا} [الأنعام: 54] الْآيَةَ فَإِنَّ إذَا فِي ذَلِكَ تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَعَنْ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ إنَّ مَتَى تَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ غَيْرَ كُلَّمَا لَا يُوجِبُ التَّكْرَارَ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ إنْ، وَمَنْ، وَمَا، وَمَهْمَا، وَأَيُّ، وَأَيْنَ، وَأَنَّى، وَمَتَى، وَمَتَى مَا، وَحَيْثُ، وَحَيْثُمَا، وَإِذَا، وَإِذَا مَا، وَأَيَّانَ، وَكَيْفَمَا عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، وَلَمْ يَذْكُرْ النُّحَاةُ كُلًّا وَكُلَّمَا فِيهَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُمَا الْفُقَهَاءُ لِثُبُوتِ مَعْنَى الشَّرْطِ مَعَهُمَا، وَهُوَ التَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ، وَهُوَ الْفِعْلُ الْوَاقِعُ صِفَةَ الِاسْمِ الَّذِي أُضِيفَ إلَيْهِ قَالُوا، وَكُلُّهَا جَازِمَةٌ إلَّا لَوْ وَإِذَا، وَالْمَشْهُورُ إنَّهُ إنَّمَا يُجْزَمُ بِإِذَا فِي الشِّعْرِ، وَكَذَا لَوْ، وَالْمُرَادُ بِإِنْ الْمَكْسُورَةُ فَلَوْ فَتَحَهَا تَنَجَّزَ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْعِلَّةِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ، وَاخْتَارَهُ مُحَمَّدٌ، وَمَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّهَا بِمَعْنَى إذَا، وَاخْتَارَهُ الْكِسَائَيُّ، وَهُوَ مِنْهُمْ، وَتَمَامُهُ فِي الْمِعْرَاجِ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: أَلْفَاظُ الشَّرْطِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ التَّعْلِيقُ إلَّا بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ فَيَتَعَلَّقَ بِدُونِهَا عَلَى خِلَافٍ فِي أَنَّهُ حِينَئِذٍ هُوَ الْجَوَابُ أَوْ يُضْمَرُ الْجَوَابُ بَعْدَهُ، وَالْمُقَدَّمُ دَلِيلُهُ، وَأَمَّا الْفَقِيهُ فَنَظَرُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلَا عَلَيْهِ مِنْ اعْتِبَارِ الْجَوَابِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَوْنُ الْأَوَّلِ هُوَ الْجَوَابُ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ، وَكَوْنُهُ دَلِيلًا عَلَيْهِ مَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ.

فَإِنْ قُلْت مَا فَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ أَهْلِ الْبَلَدَيْنِ قُلْت يَجُوزُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ ضَرَبْت غُلَامَهُ إنْ ضَرَبْت زَيْدًا عَلَى أَنَّ ضَمِيرَ غُلَامَهُ لِزَيْدٍ لِرُتْبَةِ الْجَزَاءِ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بَعْدَ الشَّرْطِ، وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لِرُتْبَتِهِ قَبْلَ الْأَدَاةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الرَّضِيُّ، وَفِي الْأَلْفِيَّةِ لِابْنِ مَالِكٍ

وَاقْرُنْ بِفَا حَتْمًا جَوَابًا لَوْ جُعِلْ

شَرْطًا لِإِنْ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَنْجَعِلْ

وَتَوْضِيحُهُ كَمَا فِي الْمُغْنِي إنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي جَوَابٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا قَالَ وَهُوَ مُنْحَصِرٌ فِي سِتِّ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ جُمْلَةً اسْمِيَّةً نَحْوُ: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} [المائدة: 118] الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا جَامِدًا نَحْوُ {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا إنْشَائِيًّا نَحْوُ {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي} [آل عمران: 31] الرَّابِعَةُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهَا مَاضِيًا لَفْظًا وَمَعْنًى نَحْوُ {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} [يوسف: 77] الْخَامِسَةُ أَنْ يَقْتَرِنَ بِحَرْفِ الِاسْتِقْبَالِ نَحْوُ {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ} [المائدة: 54] وَنَحْوُ {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران: 115] السَّادِسَةُ أَنْ يَقْتَرِنَ بِحَرْفٍ لَهُ الصَّدْرُ كَرُبَّ، وَإِنَّمَا دَخَلَتْ فِي نَحْوِ {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: 95] لِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ خَبَرَ الْمَحْذُوفِ فَالْجُمْلَةُ اسْمِيَّةٌ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ إذَا الْفُجَائِيَّةُ تَنُوبُ عَنْ الْفَاءِ نَحْوُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَمِنْ مَسَائِلِهَا فَرْعٌ غَرِيبٌ فِي الْمِعْرَاجِ إلَخْ) سَيَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْمَقُولَةِ الْآتِيَةِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْغَايَةِ أَيْضًا، وَإِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ أَحَدُ قَوْلَيْنِ، وَقَوْلُهُ الْأَتْي قَرِيبًا، وَالصَّحِيحُ أَنَّ غَيْرَ كُلَّمَا لَا يُفِيدُ التَّكْرَارَ يُفِيدُ ضَعْفَ هَذَا الْقَوْلِ (قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إلَخْ) جَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ تَقْدِيرُهُ لَكَانَ ظَاهِرًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ إذَا فِي ذَلِكَ إلَخْ تَفْرِيعٌ عَلَيْهِ، وَعِبَارَةُ الْفَتْحِ قِيلَ وَالْأَوْلَى الِاسْتِشْهَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} [الأنعام: 68] الْآيَةَ حَيْثُ يَحْرُمُ الْقُعُودُ مَعَ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَقَدْ أَفَادَتْ إذَا التَّكْرَارَ لِعُمُومِ الِاسْمِ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ فِعْلُ الشَّرْطِ، وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْعُمُومَ بِالْعِلَّةِ لَا بِالصِّيغَةِ فِيهِمَا مِنْ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ، وَمَنْعُ الْقُعُودِ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، وَهُوَ الْقَتْلُ وَالْخَوْضُ فَيَتَكَرَّرُ بِهِ انْتَهَتْ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ هَذَا الْفَرْعِ ثَانِيًا فِي الْقَوْلَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ، وَإِنَّ الْحَقَّ أَنَّ مَا هُنَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ

ص: 12

{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36]، وَإِنَّ الْفَاءَ قَدْ تُحْذَفُ لِلضَّرُورَةِ كَقَوْلِهِ:

مَنْ يَفْعَلْ الْحَسَنَاتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا

، وَعَنْ الْمُبَرَّدِ أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى فِي الشِّعْرِ، وَزَعَمَ أَنَّ الرِّوَايَةَ مَنْ يَفْعَلْ الْخَيْرَ فَالرَّحْمَنُ يَشْكُرُهُ، وَعَنْ الْأَخْفَشِ أَنَّ ذَلِكَ وَاقِعٌ فِي النَّثْرِ الْفَصِيحِ، وَإِنَّ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ} [البقرة: 180] وَتَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ.

وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ يَجُوزُ فِي النَّثْرِ نَادِرًا، وَمِنْهُ حَدِيثُ اللُّقَطَةِ، وَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا اسْتَمْتِعْ بِهَا، وَكَمَا تَرْبِطُ الْفَاءُ الْجَوَابَ بِشَرْطِهِ كَذَلِكَ تَرْبِطُ شِبْهَ الْجَوَابِ بِشِبْهِ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ فِي نَحْوِ الَّذِي يَأْتِينِي فَلَهُ دِرْهَمٌ اهـ.

مَا فِي الْمُغْنِي، وَذَكَرَ الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا لِوُجُوبِ الِاقْتِرَانِ بِالْفَاءِ، وَهِيَ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ وَالْفِعْلِيَّةُ الطَّلَبِيَّةُ، وَالْفِعْلُ غَيْرُ الْمُتَصَرِّفِ وَالْمَقْرُونِ بِالسِّينِ أَوْ سَوْفَ أَوْ قَدْ أَوْ مَنْفِيًّا بِمَا أَوْ لَنْ وَإِنْ، وَالْمَقْرُونُ بِالْقَسَمِ، وَالْمَقْرُونُ بِرُبَّ قَالَ فَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ تَلْزَمُهَا الْفَاءُ لِأَنَّهَا لَا يَصْلُحُ جَعْلُهَا شَرْطًا، وَخَطْبُ التَّمْثِيلِ سَهْلٌ. اهـ.

وَهَذَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْمُغْنِي إنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِي سِتٍّ لِأَنَّ حَرْفَ الِاسْتِقْبَالِ شَامِلٌ لِلسِّينِ، وَسَوْفَ، وَلَنْ، وَمَا لَهُ الصَّدْرُ شَامِلٌ لِلْقَسَمِ، وَرُبَّ، وَالْأَضْبَطُ، وَالْأَخْصَرُ مَا ذَكَرَهُ الرَّضِيُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا الْجُمْلَةُ الطَّلَبِيَّةُ كَالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَالِاسْتِفْهَامِ، وَالتَّمَنِّي، وَالْعَرْضِ، وَالتَّحْضِيضِ، وَالدُّعَاءِ. الثَّانِي الْجُمْلَةُ الْإِنْشَائِيَّةُ كَنِعْمَ وَبِئْسَ، وَمَا تَضَمَّنَ مَعْنَى إنْشَاءِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، وَكَذَا عَسَى، وَفِعْلُ التَّعَجُّبِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ الْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ. الرَّابِعُ كُلُّ فِعْلِيَّةٍ مُصَدَّرَةٍ بِحَرْفٍ سِوَى لَا وَلَمْ فِي الْمُضَارِعِ سَوَاءٌ كَانَ الْفِعْلُ الْمُصَدَّرُ مَاضِيًا أَوْ مُضَارِعًا اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّلَبِيَّةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْإِنْشَائِيَّةِ، وَلِذَا صَرَّحَ بَعْدَهُ بِمَا يُفِيدُ التَّغَايُرَ فَقَالَ إنَّ الْجُمْلَةَ الْإِنْشَائِيَّةَ مُتَجَرِّدَةٌ عَنْ الزَّمَانِ، وَالطَّلَبِيَّةَ مُتَمَحِّضَةٌ لِلِاسْتِقْبَالِ، وَتَمَامُهُ فِيهِ.

وَفِي شَرْحِ التَّوْضِيحِ مِنْ بَحْثِ الصِّلَةِ الْإِنْشَائِيَّةُ مَا قَارَنَ لَفْظُهَا مَعْنَاهَا، وَالطَّلَبِيَّةُ مَا تَأَخَّرَ وُجُودُ مَعْنَاهَا عَنْ وُجُودِ لَفْظِهَا. اهـ.

وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ النُّحَاةِ، وَأَمَّا فِي عِلْمِ الْمَعَانِي، وَالطَّلَبِيَّةُ مِنْ أَقْسَامِ الْإِنْشَائِيَّةِ لِأَنَّهَا مَا لَيْسَ لَهَا خَارِجٌ تُطَابِقُهُ أَوْ لَا تُطَابِقُهُ، وَالْخَبَرِيَّةُ مَا لَهَا خَارِجٌ تُطَابِقُهُ أَوْ لَا تُطَابِقُهُ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ الزَّيْلَعِيِّ إنَّ مَوَاضِعَهَا سَبْعٌ وَنَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ

طَلَبِيَّةٌ وَاسْمِيَّةٌ وَبِجَامِدٍ

وَبِمَا وَقَدْ وَلَنْ وَبِالتَّنْفِيسِ

قَاصِرٌ عَنْ الِاسْتِيفَاءِ، وَزِيَادَةُ الْمُحَقِّقِ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُرَادِيُّ لَيْسَ تَحْرِيرًا، وَالْحَقُّ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَنْ الرَّضِيِّ فَإِذَا عُرِفَ ذَلِكَ تَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا فَإِنَّهُ يَتَنَجَّزُ كَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْت طَالِقٌ فَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ دُيِّنَ، وَكَذَا إنْ نَوَى تَقْدِيمَهُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الْفَائِدَةِ فَتُضْمَرُ الْفَاءُ.

قُلْت الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ حَذْفِهَا اخْتِيَارًا فَأَجَازَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَعَلَيْهِ فَرَّعَ أَبُو يُوسُفَ، وَمَنَعَهُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَعَلَيْهِ تَفَرَّعَ الْمَذْهَبُ، وَقَدْ حَكَى الرَّضِيُّ خِلَافَ الْكُوفِيِّينَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ قُلْت يَرِدُ عَلَى الْبَصْرِيِّينَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] قُلْت قَدْ أَجَابَ عَنْهُ الرَّضِيُّ بِأَنَّهُ بِتَقْدِيرِ الْقَسَمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ} [الجاثية: 25] مِثْلُهُ أَيْ بِتَقْدِيرِ الْقَسَمِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ إذْ الْمُجَرَّدُ الْوَقْتُ مِنْ دُونِ مُلَاحَظَةِ الشَّرْطِ كَمَا لَمْ يُلَاحَظْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 39] وقَوْله تَعَالَى {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37] . اهـ.

وَلَوْ أَجَابَ بِالْوَاوِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِ الْفَاءِ تَنَجَّزَ، وَإِنْ نَوَى تَعْلِيقَهُ يُدَيَّنُ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ نَوَى تَقْدِيمَهُ قِيلَ يَصِحُّ، وَتُحْمَلُ الْوَاوُ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَنَّ وَاوَ الِابْتِدَاءِ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ. اهـ.

وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى تَعْلِيقَهُ لَا يُدَيَّنُ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التَّعْلِيقِ أَصْلًا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إسْقَاطِ حَرْفِ الْوَاوِ ثُمَّ إلَى إضْمَارِ حَرْفِ الْفَاءِ.

، وَلِأَنَّ الْإِضْمَارَ إنَّمَا يَصِحُّ مَتَى أَظْهَرَ مَا أَضْمَرَ لَا يَخْتَلُّ الْكَلَامُ، وَهُنَا لَوْ ظَهَرَ مَا أَضْمَرَ اخْتَلَّ الْكَلَامُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَوَأَنْتَ طَالِقٌ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ بِحَرْفِ التَّعْلِيقِ كَأَنْتِ طَالِقٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَذَكَرَ الْمُرَادِيُّ فِي شَرْحِ الْأَلْفِيَّةِ أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا) نَظَمَهَا فِي الْفَتْحِ بِقَوْلِهِ:

تَعَلَّمْ جَوَابُ الشَّرْطِ حَتْمٌ قِرَانُهُ

بِفَاءٍ إذَا مَا فِعْلُهُ طَلَبًا أَتَى

كَذَا جَامِدًا أَوْ مُقْسَمًا كَانَ أَوْ بِقَدْ

وَرُبَّ وَسِينٍ أَوْ بِسَوْفَ ادْرِ يَا فَتَى

أَوْ اسْمِيَّةً أَوْ كَانَ مَنْفِيَّ مَا وَإِنْ

وَلَنْ مَنْ يَحِدْ عَمَّا حَدَّدْنَاهُ قَدْ عَتَى

ص: 13

دَخَلْت الدَّارَ تَنَجَّزَ لِعَدَمِ التَّعْلِيقِ، وَلَوْ قَدَّمَ الْجَوَابَ، وَأَخَّرَ الشَّرْطَ لَكِنْ ذَكَرَهُ بِالْوَاوِ، وَكَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ تَنَجَّزَ لِأَنَّ الْوَاوَ فِي مِثْلِهِ عَاطِفَةٌ عَلَى شَرْطٍ هُوَ نَقْبِضُ الْمَذْكُورُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ تَقْدِيرُهُ إنْ لَمْ تَدْخُلِي، وَإِنْ دَخَلْت، وَإِنْ هَذِهِ هِيَ الْوَصْلِيَّةُ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَهُوَ اخْتِيَارٌ لِقَوْلِ الْجَرْمِيِّ، وَهُوَ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ عِنْدَ الرَّضِيِّ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إنْ يَأْتِيَ بِالْفَاءِ فِي الِاخْتِيَارِ فَتَقُولُ زَيْدٌ، وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا فَبَخِيلٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يُلْغَى بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ اخْتِيَارًا، وَأَمَّا عَلَى مَا اخْتَرْنَا مِنْ كَوْنِ الْوَاوِ اعْتِرَاضِيَّةً فَيَجُوزُ لِأَنَّ الِاعْتِرَاضِيَّةَ بَيْنَ أَيِّ جُزْأَيْنِ مِنْ الْكَلَامِ كَانَا بِلَا فَصْلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا حَرْفًا. اهـ.

وَقَالَ قَبْلَهُ، وَشَرْطُ دُخُولِهَا أَنْ يَكُونَ ضِدَّ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى بِذَلِكَ الْمُقَدَّمِ الَّذِي هُوَ كَالْعِوَضِ عَنْ الْجَزَاءِ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ أُكْرِمُهُ، وَإِنْ شَتَمَنِي فَالشَّتْمُ بَعِيدٌ مِنْ إكْرَامِك الشَّاتِمَ، وَضِدُّهُ، وَهُوَ الْمَدْحُ أَوْلَى بِالْإِكْرَامِ، وَكَذَلِكَ اُطْلُبُوا الْعِلْمَ وَلَوْ بِالصِّينِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ الدَّاخِلَةَ عَلَى كَلِمَةِ الشَّرْطِ فِي مِثْلِهِ اعْتِرَاضِيَّةٌ، وَنَعْنِي بِالْجُمْلَةِ الِاعْتِرَاضِيَّةِ مَا تَتَوَسَّطُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْكَلَامِ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ مَعْنًى مُسْتَأْنَفًا لَفْظًا عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ إلَى آخِرِهِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ لَوْ نَوَى بَيَانَ الْحَالِ عَلَى مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَالِ دُخُولِك تَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّ الْوَاوَ فِي مِثْلِهِ تُذْكَرُ لِلْحَالِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ. اهـ.

وَقَالَ الرَّضِيُّ، وَعَنْ الزَّمَخْشَرِيّ فِي مِثْلِهِ الْحَالُ فَيَكُونُ الَّذِي هُوَ كَالْعِوَضِ عَنْ الْجَزَاءِ عَامِلًا فِي الشَّرْطِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ حَالٌ كَمَا عَمِلَ جَوَابُ مَتَى عِنْدَ بَعْضِهِمْ فِي مَتَى النَّصْبَ عَلَى أَنَّهُ ظَرْفُهُ، وَمَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ وَالْحَالِ مُتَقَارِبَانِ.

وَلَا يَصِحُّ اعْتِرَاضُ الْجَرْمِيِّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ الَّذِي فِي أَنْ يُنَاقِضُ مَعْنَى الْحَالِ الَّذِي فِي الْوَاوِ لِأَنَّ حَالِيَّةَ الْحَالِ بِاعْتِبَارِ عَامِلِهِ مُسْتَقْبَلًا كَانَ الْعَامِلُ أَوْ مَاضِيًا نَحْوُ اضْرِبْهُ غَدًا مُجَرَّدًا أَوْ ضَرَبْته أَمْسِ مُجَرَّدًا، وَاسْتِقْبَالِيَّةٌ شَرْطَانِ بِاعْتِبَارِ زَمَنِ التَّكَلُّمِ فَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَهُمَا اهـ.

كَلَامُ الرَّضِيِّ، وَهُوَ مُؤَيِّدٌ لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ، وَلَوْ ذَكَرَهُ بِالْفَاءِ كَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنْ دَخَلْت الدَّارَ قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ تَطْلُقُ لِأَنَّ الْفَاءَ صَارَتْ فَاصِلَةً، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْفَاءَ حَرْفُ التَّعْلِيقِ. اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقِيَاسُ الْمَذْكُورِ فِي حَرْفِ الْفَاءِ فِي مَوْضِعِ وُجُوبِهَا، وَذِكْرُ الْوَاوِ مَعَ الْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ التَّنْجِيزُ مُوجِبَ اللَّفْظِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّعْلِيقَ لِاتِّحَادِ الْجَامِعِ، وَهُوَ عَدَمُ كَوْنِ التَّعْلِيقِ إذْ ذَاكَ مَدْلُولُ اللَّفْظِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ، وَالْفَاءُ، وَإِنْ كَانَ حَرْفَ تَعْلِيقٍ لَكِنْ لَا يُوجِبُهُ إلَّا فِي مَحَلِّهِ فَلَا أَثَرَ لَهُ هُنَا. اهـ.

وَثُمَّ كَالْوَاوِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثُمَّ إنْ دَخَلْت الدَّارَ طَلَقَتْ لِلْحَالِ، وَلَا تَصِحُّ نِيَّةُ التَّعْلِيقِ أَصْلًا لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ الْفَصْلِ، وَالتَّعْلِيقُ لِلْوَصْلِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا مُضَادَّةٌ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا الْمَذْكُورَةَ بَعْدَ أَدَاةِ شَرْطٍ زَائِدَةٌ قَالَ الرَّضِيُّ وَأَمَّا مَا فَتُزَادُ مَعَ الْخَمْسِ كَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةِ إذَا أَفَادَتْ مَعْنَى الشَّرْطِ نَحْوُ إذَا مَا تُكْرِمْنِي أُكْرِمُك بِغَيْرِ الْجَزْمِ، وَمَتَى مَا تُكْرِمْنِي أُكْرِمْك بِمَعْنَى مَتَى تُكْرِمْنِي، وَلَا تُفِيدُ مَا مَعْنَى التَّكْرِيرِ، وَلَوْ أَفَادَتْهَا لَمْ تَكُنْ زَائِدَةً فَمَنْ قَالَ إنَّ مَتَى لِلتَّكْرِيرِ فَمَتَى مَا مِثْلُهُ، وَمَنْ قَالَ لَيْسَ لِلتَّكْرِيرِ فَكَذَا مَتَى مَا، وَأَيَّامَا تَفْعَلْ أَفْعَلْ، وَأَيْنَمَا تَكُنْ أَكُنْ {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} [الزخرف: 41] ، وَقَدْ تَدْخُلُ بَعْدَ أَيَّانَ أَيْضًا قَلِيلًا، وَلَيْسَتْ فِي حَيْثُمَا، وَإِذْ مَا زَائِدَةٌ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُصَحِّحَةُ لِكَوْنِهِمَا جَازِمَتَيْنِ فَهِيَ الْكَافَّةِ أَيْضًا عَنْ الْإِضَافَةِ اهـ.

ذَكَرَهُ فِي بَحْثِ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا مَا فِي كُلَّمَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ زَائِدَةً لِإِفَادَتِهَا التَّكْرَارَ، وَلِذَا قَالَ: وَتُفِيدُ كُلُّ التَّكْرَارَ بِدُخُولِ مَا عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ. اهـ. .

وَفِي الْمُحِيطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَدَخَلْت الدَّارَ فَهَذَا يُخْبِرُ أَنَّهُ دَخَلَ الدَّارَ، وَأَكَّدَهُ بِالْيَمِينِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ دَخَلْت الدَّارَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ الدَّارَ طَلَقَتْ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لَا دَخَلْت الدَّارَ يَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ لَا حَرْفُ نَفْيٍ، وَقَدْ أَكَّدَهُ بِالدُّخُولِ فَكَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا بِالدُّخُولِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ لِدُخُولِك الدَّارَ طَلَقَتْ السَّاعَةَ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 14

لِأَنَّ اللَّامَ لِلتَّعْلِيلِ فَقَدْ جَعَلَ الدُّخُولَ عِلَّةً لِلْوُقُوعِ وُجِدَتْ الْعِلَّةُ أَوْ لَا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ بِدُخُولِك الدَّارَ أَوْ بِحَيْضِك لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَدْخُلَ أَوْ تَحِيضَ لِأَنَّ الْبَاءَ لِلْوَصْلِ وَالْإِلْصَاقِ، وَإِنَّمَا يَتَّصِلُ الطَّلَاقُ، وَيَلْتَصِقُ بِالدُّخُولِ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى دُخُولِك الدَّارَ إنْ قَبِلَتْ يَقَعْ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الدُّخُولَ اسْتِعْمَالَ الْأَعْوَاضِ فَكَانَ الشَّرْطُ قَبُولَ الْعِوَضِ لَا وُجُودَهُ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ. اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَيَقَعُ فِي الْحَالِ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت، وَبِقَوْلِهِ اُدْخُلِي الدَّارَ وَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَتَعَلَّقُ بِالدُّخُولِ لِأَنَّ الْحَالَ شَرْطٌ مِثْلُ أَدِّي إلَيَّ أَلْفًا، وَأَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ. اهـ.

، وَسَيَأْتِي فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ عَلَى الْقَلْبِ أَيْ كُونِي طَالِقًا فِي حَالِ الْأَدَاءِ، وَكُنْ حُرًّا فِي حَالِ الْأَدَاءِ، وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَالَ شَرْطٌ مَنْقُوضٌ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتِ مَرِيضَةٌ فَإِنَّهُ يَقَعُ لِلْحَالِ فَالتَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّ جَوَابَ الْأَمْرِ بِالْوَاوِ كَجَوَابِ الشَّرْطِ بِالْفَاءِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَفِيهِ لَوْ قَالَ أَدِّي إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْت طَالِقٌ بِالْفَاءِ يَتَنَجَّزُ لِأَنَّهَا لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ افْتَحُوا الْأَبْوَابَ، وَأَنْتُمْ آمِنُونَ يَتَعَلَّقُ، وَلَوْ قَالَ فَأَنْتُمْ آمِنُونَ لَا يَتَعَلَّقُ لِلتَّفْسِيرِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ، وَ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ تَعْلِيقٌ، وَيَمِينٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ، وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا طَلَقَتْ فِي الْحَالِ ذَكَرَهُمَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ.

(قَوْلُهُ فَفِيهَا إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ انْتَهَتْ الْيَمِينُ) أَيْ فِي أَلْفَاظِ الشَّرْطِ إنْ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ انْحَلَّتْ الْيَمِينُ، وَحَنِثَ وَانْتَهَتْ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُقْتَضِيَةٍ لِلْعُمُومِ وَالتَّكْرَارِ لُغَةً فَبِوُجُودِ الْفِعْلِ مَرَّةً يَتِمُّ الشَّرْطُ، وَلَا يَتِمُّ بَقَاءُ الْيَمِينِ بِدُونِهِ، وَإِذَا تَمَّ وَقَعَ الْحِنْثُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ مَرَّةً أُخْرَى إلَّا بِيَمِينٍ أُخْرَى أَوْ بِعُمُومِ تِلْكَ الْيَمِينِ، وَلَا عُمُومَ، وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ الْأَصْلُ أَنَّ إضَافَةَ الْجَمْعِ إلَى الْوَاحِدِ يُعْتَبَرُ جَمْعًا فِي حَقِّ الْوَاحِدِ، وَالْجَمْعُ الْمُضَافُ إلَى الْجَمْعِ يُعْتَبَرُ آحَادًا فِي حَقِّ الْآحَادِ، وَلَا يُعْتَبَرُ جَمْعًا فِي حَقِّ الْآحَادِ فَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُمَا هَذِهِ الدَّارَ فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِمَا، وَإِنْ قَالَ هَاتَيْنِ الدَّارَيْنِ فَدَخَلَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ دَارًا عَلَى حِدَةٍ طَلَقَتَا، وَلَوْ قَالَ إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدًا أَوْ حِضْتُمَا حَيْضَةً فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ حَاضَتْ طَلَقَتَا لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاجْتِمَاعِ بِخِلَافِ إنْ وَلَدْتُمَا أَوْ حِضْتُمَا أَوْ إنْ وَلَدْتُمَا وَلَدَيْنِ أَوْ حِضْتُمَا حَيْضَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ وِلَادَةِ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَحَيْضِهَا، وَكَذَا إنْ أَكَلْتُمَا هَذَا الرَّغِيفَ لَا بُدَّ مِنْ أَكْلِهِمَا لِلْإِمْكَانِ، وَإِنْ قَالَ إنْ لَبِسْتُمَا قَمِيصَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ لُبْسِهِمَا مَعًا لِلْحِنْثِ فَلَا يَحْنَثُ بِلُبْسِهِمَا مُتَفَرِّقَيْنِ بِخِلَافِ هَذَيْنِ الْقَمِيصَيْنِ يَحْنَثُ بِلُبْسِهِمَا مُتَفَرِّقَيْنِ كَأَنْ تَغَدَّيْت رَغِيفَيْنِ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِمَا مُتَفَرِّقَيْنِ بِخِلَافِ إنْ أَكَلْت رَغِيفَيْنِ لَا بُدَّ مِنْ أَكْلِهِمَا مَعًا، وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ لَوْ زَادَ عَلَى إنْ أَبَدًا فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ أَبَدًا فَهِيَ طَلَاقٌ فَتَزَوَّجَهَا طَلَقَتْ ثُمَّ إذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ كَذَا أَجَابَ أَبُو نَصْرِ الدَّبُوسِيُّ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

، وَعَلَّلَهُ الْبَزَّازِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّ التَّأْبِيدَ يَنْفِي التَّوْقِيتَ لَا التَّوْحِيدَ فَيَتَأَبَّدُ عَدَمُ التَّزَوُّجِ، وَلَا يَتَكَرَّرُ، وَمِنْ مَسَائِلَ أَنَّ مَا فِي الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ وَالْمُحِيطِ لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إنْ لَمْ أَبِتْ عِنْدَك اللَّيْلَةَ فَالثَّلَاثُ طَوَالِقُ ثُمَّ قَالَ لِلثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ لِلثَّالِثَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ لِلرَّابِعَةِ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ بَاتَ عِنْدَ الْأُولَى وَقَعَ عَلَيْهَا الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ انْحَلَّ عَلَيْهَا ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ، وَيَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِمَّنْ لَمْ يَبِتْ عِنْدَهُنَّ تَطْلِيقَتَانِ لِأَنَّهُ انْحَلَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ثِنْتَانِ، وَلَوْ بَاتَ مَعَ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَطْلِيقَتَانِ، وَعَلَى الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَطْلِيقَةٌ يَخْرُجُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ بَاتَ مَعَ الثَّلَاثِ وَقَعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ تَطْلِيقَةٌ لِأَنَّهُ انْحَلَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الْيَمِينُ الَّتِي عُقِدَتْ عَلَى الَّتِي لَمْ يَبِتْ عِنْدَهَا، وَلَا يَقَعُ عَلَى هَذِهِ الَّتِي لَمْ يَبِتْ عِنْدَهَا شَيْءٌ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ الَّتِي عُقِدَتْ عَلَى الثَّلَاثِ لَمْ يَنْحَلَّ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى الرَّابِعَةِ، وَهِيَ الَّتِي لَمْ يَبِتْ عِنْدَهَا. اهـ.

وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ طَلَقَتْ فِي الْحَالِ) لَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَعْطِفْ الْقَسَمَ عَلَى أَنْتِ طَالِقٌ تَمَحَّضَ مَا بَعْدَهُ لِجَوَابِ الْقَسَمِ، وَصَارَ الْقَسَمُ فَاصِلًا بَيْنَ أَنْتِ طَالِقٌ وَبَيْنَ جَزَائِهِ الْمَعْنَوِيِّ فَلَمْ يَصْلُحْ لِلتَّعْلِيقِ فَوَقَعَ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَطَفَ الْقَسَمَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَوْلُهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا جَوَابًا لَهُمَا، وَيَكُونُ أَنْتِ طَالِقٌ لِلتَّعْلِيقِ مَعْنًى نَظِيرُ مَا مَرَّ قَرِيبًا فِي أَنْتِ طَالِقٌ لَدَخَلْت أَوْ لَا دَخَلْت

ص: 15

دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَهَذِهِ عَلَى دَخْلَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت فَهَذَا عَلَى دَخْلَتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ إنْ قُلْت لَك أَنْت طَالِقٌ فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ قَدْ طَلَّقْتُك تَطْلُقُ ثِنْتَيْنِ وَاحِدَةً بِالتَّطْلِيقِ وَوَاحِدَةً بِالْيَمِينِ. اهـ.

وَالْفَرْعُ الْأَخِيرُ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّ التَّعْلِيقَ يُرَاعَى فِيهِ اللَّفْظُ، وَلَا يَقُومُ لَفْظٌ آخَرُ مَقَامَهُ يُسْتَثْنَى مِنْهُ الْمُرَادِفُ لَهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ قَدْ طَلَّقْتُك مُرَادِفٌ لِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ جِهَةِ إفَادَةِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَمِنْهَا مَا فِي الصَّيْرَفِيَّةِ إنْ لَمْ تَمُتْ فُلَانَةُ غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَضَى الْغَدُ، وَهِيَ حَيَّةٌ يَقَعُ لِإِمْكَانِهِ بِخِلَافِ إنْ تَكَلَّمَتْ الْمَوْتَى حَيْثُ لَا يَقَعُ لِعَدَمِهِ، وَمِنْهَا مَا فِيهَا أَيْضًا قَالَتْ لِزَوْجِهَا لَك مَعَ فُلَانَةَ شُغْلٌ، وَلَك مَعَهَا حَدِيثٌ فَقَالَ إنْ كُنْت أَعْرِفُ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَأَنْت كَذَا قَالَ إنْ كَانَ لَهُ مَعَهَا حَدِيثٌ أَوْ شُغْلٌ وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ هُنَا لِلْمَعْنَى لَا لِلْحَقِيقَةِ، وَالْمَعْنَى تَرْكُ التَّعَرُّضِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ الْيَوْمَ فِي الْعَالَمِ أَوْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ يُحْبَسُ حَتَّى يَمْضِيَ الْيَوْمُ سَوَاءٌ حَبَسَهُ الْقَاضِي أَوْ الْوَالِي أَوْ فِي بَيْتٍ لِأَنَّ الْحَبْسَ يُسَمَّى نَفْيًا قَالَ تَعَالَى {أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: 33] . اهـ.

وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ ثَلَاثًا يَنْصَرِفُ الثَّلَاثُ إلَى الطَّلَاقِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الدُّخُولَ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ عَشْرًا فَهِيَ عَلَى الدُّخُولِ عَشْرُ مَرَّاتٍ لَا إلَى الطَّلَاقِ. اهـ.

وَمِنْهَا مَا فِيهَا أَيْضًا قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَهِيَ طَالِقٌ قَالُوا هَذَا عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالْكَثْرَةِ دُونَ الْعَدَدِ، وَلَا تَقْدِيرَ فِي ذَلِكَ، وَالسَّبْعُونَ كَثِيرٌ اهـ.

وَمِنْهَا مَا فِيهَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ تَكُونِي امْرَأَتِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً مُتَّصِلَةً بِيَمِينِهِ تَطْلُقُ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ إنْ أَنْت امْرَأَتِي فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا طَلَقَتْ ثَلَاثًا اهـ.

وَدَلَّ اقْتِصَارُهُ عَلَى اسْتِثْنَاءِ كُلَّمَا أَنَّ مَنْ لَا تُقِيدُ التَّكْرَارَ فَعَلَى هَذَا مَا فِي الْغَايَةِ لَوْ قَالَ لِنِسْوَةٍ لَهُ مَنْ دَخَلَتْ مِنْكُنَّ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ الدَّارَ مِرَارًا طَلَقَتْ بِكُلِّ مَرَّةٍ تَطْلِيقَةً لِأَنَّ الْفِعْلَ، وَهُوَ الدُّخُولُ أُضِيفَ إلَى جَمَاعَةٍ فَيُرَادُ بِهِ تَعْمِيمُ الْفِعْلِ عُرْفًا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95] أَفَادَ الْعُمُومَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ إذَا قَالَ الْإِمَامُ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَقَتَلَ وَاحِدٌ قَتِيلَيْنِ فَلَهُ سَلَبُهُمَا. اهـ.

وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ عُمُومَ الصَّيْدِ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ فِيهِ مُقَدَّرًا بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ، وَفِي السَّلَبِ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَهُوَ أَنَّ مُرَادَهُ التَّشْجِيعُ، وَكَثْرَةُ الْقَتْلِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ، وَالْحَقُّ أَنَّ مَا فِي الْغَايَةِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فَقَدْ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْقُنْيَةِ فِي مَسْأَلَةِ صُعُودِ السَّطْحِ، وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ إذَا لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} [الأنعام: 68] فَإِنَّمَا حَرَّمَ الْقُعُودَ مَعَ الْوَاحِدِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الْعِلَّةِ لَا مِنْ الصِّيغَةِ كَمَنْ فِيمَا تَقَدَّمَ لِمَا فِيهِمَا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْجَزَاءُ فِي الْأَوَّلِ، وَمَنْعُ الْقُعُودِ عَلَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ، وَهُوَ الْقَتْلُ وَالْخَوْضُ فَيَتَكَرَّرُ بِهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ أَيًّا لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ، وَفِي الْمُحِيطِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ قَالَ أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهُوَ عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا حَيْثُ يَعُمُّ بِعُمُومِ الصِّفَةِ اهـ.

واسْتَشْكَلَهُ فِي التَّبْيِينِ، وَفَتْحِ الْقَدِيرِ حَيْثُ لَمْ يَعُمَّ أَيَّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا بِعُمُومِ الصِّفَةِ، وَلَمْ يُجِيبَا عَنْهُ.

وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا إشْكَالَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَهُوَ مَنْقُولٌ فِي الْخُلَاصَةِ والولوالجية أَيْضًا، وَزَادَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَ النِّسَاءِ لِأَنَّ الصِّفَةَ هُنَا لَيْسَتْ عَامَّةً لِأَنَّ الْفِعْلَ، وَهُوَ أَتَزَوَّجُ مُسْنَدٌ إلَى خَاصٍّ، وَهُوَ الْمُتَكَلِّمُ فَهُوَ نَظِيرُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأُصُولِيُّونَ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبْته لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا وَاحِدًا، وَبَيْنَ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك يَعْتِقُ الْكُلُّ إذَا ضَرَبُوا لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أُسْنِدَ إلَى خَاصٍّ، وَفِي الثَّانِي إلَى عَامٍّ بِخِلَافٍ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَكُنْ الْيَوْمَ فِي الْعَالَمِ) الظَّاهِرُ أَنَّ لَمْ زَائِدَةٌ مِنْ النَّاسِخِ، وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا فَلْيُرَاجَعْ ثُمَّ رَاجَعْت الْفَتَاوَى الصَّيْرَفِيَّةَ الْمَعْزُوَّ إلَيْهَا هَذَا الْفَرْعَ فَرَأَيْته إنْ أَكُنْ بِدُونِ لَمْ. اهـ.

وَمِمَّا أَنْشَدَهُ الْوَزِيرُ ابْنُ مُقْلَةَ لَمَّا حَبَسَهُ الرَّاضِي بِاَللَّهِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَوْلُهُ

خَرَجْنَا مِنْ الدُّنْيَا وَنَحْنُ مِنْ أَهْلِهَا

فَلَسْنَا مِنْ الْمَوْتَى نُعَدُّ وَلَا الْأَحْيَا

إذَا جَاءَنَا السَّجَّانُ يَوْمًا لِحَاجَةٍ

فَرِحْنَا وَقُلْنَا جَاءَ هَذَا مِنْ الدُّنْيَا

(قَوْلُهُ لِأَنَّ الصِّفَةَ هُنَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ فِي مَسْأَلَتَيْ كُلٍّ وَأَيٍّ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ كَمَا أَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ لِلْعُمُومِ فَكَذَا كَلِمَةُ أَيٍّ فَقَدْ صَرَّحُوا قَاطِبَةً بِأَنَّهَا مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ، وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ ابْنُ السَّرَّاجِ، وَصَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ، وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلِمَةِ كُلٍّ إلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا عُمُومَ لَهُمَا فِيهِمَا مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ كَلَامِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبَزْدَوِيُّ فِي أُصُولِهِ لَكِنَّهَا مَتَى وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ عَمَّتْ بِعُمُومِهَا كَسَائِرِ النَّكِرَاتِ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْوَجْهَ فِي الْجَوَابِ الْعُرْفُ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نَقَلَهُ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ فَلْيُتَأَمَّلْ، وَاَللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُوَفِّقُ اهـ.

أَقُولُ: مَا ذَكَرَهُ لَا يُرَدُّ عَلَى الْمُؤَلِّفِ لِأَنَّهُ نَقَلَ تَصْرِيحَ الْأُصُولِيِّينَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَيِّ عَبِيدِي ضَرَبْته، وَأَيِّ عَبِيدِي ضَرَبَك فَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ

ص: 16

فَإِنَّ الْعُمُومَ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلِمَةِ كُلٍّ لَا مِنْ الْوَصْفِ إذْ الْوَصْفُ خَاصٌّ كَمَا قُلْنَا، وَإِنَّمَا الْإِشْكَالُ فِي قَوْلِهِ حَيْثُ تَعُمُّ بِعُمُومِ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا لَا عُمُومَ لَهَا فِيهِمَا لَا إنَّ الْإِشْكَالَ لِتَسْلِيمِ عُمُومِهَا، وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي أَيٍّ كَمَا فَعَلَا فَإِنْ قُلْت هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَيُّ امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنِّي فَهِيَ طَالِقٌ أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ النِّسَاءِ لِأَنَّ الْوَصْفَ هُنَا عَامٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى مُعَيَّنٍ فَهُوَ كَقَوْلِهِ أَيُّ عَبِيدِي ضَرَبَك بَلْ أَوْلَى لِتَنْكِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ قُلْت الْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ مِنْ الْفَصْلِ الرَّابِعِ فِي الْيَمِينِ فِي النِّكَاحِ، وَيَدُلُّ عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي لَوْ قَالَ لِنِسْوَةٍ أَيَّتُكُنَّ أَكَلَتْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ شَيْئًا فَهِيَ طَالِقٌ فَأَكَلْنَ جَمِيعًا مِنْهُ طَلَقْنَ كُلُّهُنَّ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَدَخَلْنَهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ شَاءَتْ فَهِيَ طَالِقٌ فَشِئْنَ جَمِيعًا. وَلَوْ قَالَ أَيَّتُكُنَّ بَشَّرَتْنِي بِكَذَا فَبَشَّرْنَهُ جَمِيعًا

طَلَقْنَ، وَإِنْ بَشَّرَتْهُ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْأُخْرَى طَلَقَتْ وَحْدَهَا. اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِعَبِيدِهِ أَيُّكُمْ حَمَلَ هَذِهِ الْخَشَبَةَ فَهُوَ حُرٌّ فَحَمَلُوهَا جَمِيعًا إنْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ بِحَيْثُ يُطِيقُ حَمْلَهَا وَاحِدٌ لَمْ يَحْنَثْ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَيٍّ تَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ الْمُنَكَّرَ مِنْ الْجُمْلَةِ فَكَانَ شَرْطُ الْحِنْثِ حَمْلُ الْوَاحِدِ، وَلَمْ يُوجَدْ بِكَمَالِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يَحْمِلُهَا الْوَاحِدُ عَتَقُوا لِأَنَّ فِي الْعُرْفِ يُرَادُ بِهِ حَمْلُهُمْ عَلَى الشَّرِكَةِ لَمَّا تَعَذَّرَ حَمْلُهَا عَلَى الْوَاحِدِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَيُّكُمْ حَمَلَهَا مَعَ أَصْحَابِهِ، وَنَظِيرُهُ لَوْ قَالَ أَيُّكُمْ شَرِبَ مَاءَ هَذَا الْوَادِي فَشَرِبُوا جَمِيعًا عَتَقُوا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ شُرْبُ الْبَعْضِ عُرْفًا لِأَنَّ شُرْبَ الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَيُّكُمْ شَرِبَ بَعْضَ هَذَا الْمَاءِ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَوْ قَالَ أَيُّكُمْ شَرِبَ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ، وَكَانَ مَاؤُهُ يُمْكِنُ شُرْبُهُ لِلْوَاحِدِ بِدُفْعَةٍ أَوْ دُفْعَتَيْنِ فَشَرِبُوا جَمِيعًا لَمْ يَعْتِقْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ حَمَلَهَا بَعْضُهُمْ يَعْتِقُ لِأَنَّ كَلِمَةَ أَيُّ تَتَنَاوَلُ وَاحِدًا مُنَكَّرًا مِنْ الْجُمْلَةِ لَكِنَّهَا صَارَتْ عَامَّةً بِعُمُومِ الْوَصْفِ، وَهُوَ الْحَمْلُ فَتَتَنَاوَلُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا عَلَى الْعُمُومِ وَالشُّمُولِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ حَمَلْتُمْ هَذِهِ الْخَشَبَةَ فَأَنْتُمْ أَحْرَارٌ فَحَمَلَهَا بَعْضُهُمْ لَمْ يَعْتِقْ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ بِصِيغَتِهِ فَيَتَنَاوَلُ الْكُلَّ لِعُمُومِهِ فَمَا لَمْ يُوجَدْ الْحَمْلُ مِنْهُمْ لَا يَتَحَقَّقُ شَرْطُ الْحِنْثِ اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّهَا تَعُمُّ بِعُمُومِ الْوَصْفِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ.

(قَوْلُهُ إلَّا فِي كُلَّمَا لِاقْتِضَائِهَا عُمُومَ الْأَفْعَالِ كَاقْتِضَاءِ كُلٍّ عُمُومَ الْأَسْمَاءِ) لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ مَوْضُوعَةٌ لِاسْتِغْرَاقِ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ كَانَ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ غَيْرَ أَنَّ كُلَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الْأَفْعَالِ، وَكُلٌّ تَدْخُلُ عَلَى الْأَسْمَاءِ فَيُفِيدُ كُلٌّ مِنْهُمَا عُمُومَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ فَإِذَا وُجِدَ فِعْلٌ وَاحِدٌ أَوْ اسْمٌ وَاحِدٌ فَقَدْ وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ، وَالْأَسْمَاءُ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا فَيَحْنَثُ كُلَّمَا وُجِدَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ، وَهِيَ مُتَنَاهِيَةٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّمَا لِعُمُومِ الْأَفْعَالِ، وَعُمُومُ الْأَسْمَاءِ ضَرُورِيٌّ فَيَحْنَثُ بِكُلِّ فِعْلٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ، وَكُلُّ لِعُمُومِ الْأَسْمَاءِ، وَعُمُومُ الْأَفْعَالِ ضَرُورِيٌّ، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا فِي كُلٍّ، وَكُلَّمَا لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْيَمِينَ فِي كُلٍّ، وَإِنْ انْتَهَتْ فِي حَقِّ اسْمٍ بَقِيَتْ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ الْأَسْمَاءِ كَمَا سَيَأْتِي، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ يَتَكَرَّرُ، وَالْيَمِينُ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّر لَا يَتَكَرَّرُ حَتَّى لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَوَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا فَدَخَلَتْ الدَّارَ مِرَارًا فَكَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي يَمِينٍ وَاحِدَةٍ.

وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَدَخَلَ الدَّارَ مِرَارًا ثُمَّ كَلَّمَهُ مَرَّةً يَحْنَثُ فِي الْأَيْمَانِ كُلِّهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ لَيْسَ إلَّا ذَكَرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مَقْرُونًا بِخَبَرٍ، وَذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى مَقْرُونٌ بِخَبَرِ الدُّخُولِ

ــ

[منحة الخالق]

أَنَّ أَيًّا لَا تَكُونُ لِلْعُمُومِ إلَّا إذَا وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ بِخِلَافِ كُلٍّ فَإِنَّهَا لِلْعُمُومِ وَضْعًا، وَالْفَرْقُ أَنَّ أَيًّا بِحَسَبِ مَا تُضَافُ إلَيْهِ فَتَكُونُ لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَلِمَنْ يَعْقِلُ، وَمَا لَا يَعْقِلُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَا عُمُومَ لَهَا فِيهِمَا) أَيْ لَا عُمُومَ لِلصِّفَةِ، وَهِيَ أَتَزَوَّجُهَا فِيهِمَا أَيْ فِي الْمِثَالَيْنِ، وَهُمَا أَيُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، وَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا (قَوْلُهُ وَإِنْ بَشَّرَتْهُ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْأُخْرَى طَلَقَتْ وَحْدَهَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِشَارَةِ مِنْ غَيْرِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهَا اسْمٌ لِخَبَرٍ سَارٍّ صُدِّقَ، وَلَيْسَ لِلْمُبَشِّرِ بِهِ عِلْمٌ عُرْفًا (قَوْلُهُ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُمْ إنَّهَا تَعُمُّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي لِتَخَلُّفِهِ فِي صُورَةِ حَمْلِهِمْ الْخَشَبَةَ جَمِيعًا مَعَ إطَاقَةِ الْوَاحِدِ لَهَا، وَشُرْبِهِمْ لِمَاءِ الْكُوزِ جَمِيعًا مَعَ إمْكَانِ شُرْبِ الْوَاحِدِ لَهُ، وَسَبَبُهُ الْعُرْفُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا فِي كُلٍّ، وَكُلَّمَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَخَصَّ كُلَّمَا، وَإِنْ كَانَتْ كُلٌّ كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ الْيَمِينِ لَا تَنْتَهِي فِيهَا بِوُجُودِ الشَّرْطِ بِخِلَافِ كُلٍّ فَإِنَّهَا تَنْتَهِي فِي حَقِّ ذَلِكَ الِاسْمِ.

وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إلَّا فِي كُلٍّ، وَكُلَّمَا لَا، وَهَمَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تَنْتَهِي بِمَرَّةٍ فِيهِمَا، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا مُطْلَقًا فِي كُلٍّ غَيْرُ صَحِيحٍ لَكِنْ لَمَّا كَانَ فِي كُلٍّ عُمُومٌ لَا يَنْتَهِي بِمَرَّةٍ بِاعْتِبَارِ مَا مَرَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ كَاقْتِضَاءِ كُلٍّ عُمُومَ الْأَسْمَاءِ، وَجَعَلَهَا مُشَبَّهًا بِهَا لِأَنَّهَا الْأَصْلُ، وَأَدْخَلَ عَلَيْهَا مَا، وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا، وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ مَا فِي الْبَحْرِ مَدْفُوعٌ

ص: 17

وَالْكَلَامِ فَكَمَا أَنَّ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ تَعَلُّقًا بِالدُّخُولِ كَانَ لَهَا تَعَلُّقٌ بِالْكَلَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ دَخَلْت وَاَللَّهِ، وَلَمْ يَقُلْ لَا أُكَلِّمُ لَا يَنْعَقِدُ فَلَمْ يَنْفَسِخْ لِيَكُنْ تَصْحِيحُ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّقًا بِالدُّخُولِ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا تَصْحِيحُهَا بِالدُّخُولِ وَالْكَلَامِ جَمِيعًا، وَالدُّخُولُ مُتَكَرِّرٌ، وَالْكَلَامُ غَيْرُ مُتَكَرِّرٍ، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٌ، وَغَيْرُ مُتَكَرِّرٍ لَا يَتَكَرَّرُ فَأَمَّا الْيَمِينُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَغَيْرِهِمَا فَعُلِّقَ بِالدُّخُولِ وَحْدَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ صَحَّ فَلَمْ يَكُنْ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ تَعَلُّقٌ بِالْكَلَامِ فَيَبْقَى الْيَمِينُ مُعَلَّقًا بِالدُّخُولِ وَحْدَهُ، وَالدُّخُولُ يَتَكَرَّرُ لِأَنَّهُ أَدَخَلَ فِيهِ كَلِمَةَ كُلَّمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٌ يَتَكَرَّرُ فَيَصِيرُ قَائِلًا عِنْدَ كُلِّ دَخْلَةٍ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَلَوْ كَرَّرَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ ثُمَّ كَلَّمَهُ مَرَّةً يَحْنَثُ فِي الْأَيْمَانِ كُلِّهَا لِأَنَّ الشَّرْطَ الْوَاحِدَ يَصْلُحُ شَرْطًا لِلْأَيْمَانِ كُلِّهَا اهـ، وَزَادَ الْبَزَّازِيُّ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الظِّهَارَ، وَفِي الْمُحِيطِ مَعْزِيًّا إلَى الْجَامِعِ أَصْلُهُ أَنَّ الْجَزَاءَ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُكَرَّرٍ، وَغَيْرِ مُكَرَّرٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْمُكَرَّرِ، وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطَيْنِ لَا يَنْزِلُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِهِمَا فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ ضَرَبْتُك فَدَخَلَ مِرَارًا، وَلَمْ يَضْرِبْهُ إلَّا مَرَّةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ بِعَدَدِ الدَّخَلَاتِ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ كُلِّ دَخْلَةٍ عَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ ضَرَبْتُك بِخِلَافِ مَا لَوْ ضَرَبَهُ، وَدَخَلَ ثُمَّ دَخَلَ مَرَّةً أُخْرَى فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أُخْرَى مَا لَمْ يَضْرِبْهُ ثَانِيًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت الدَّارَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَعَبْدُهُ حُرٌّ إنْ ضَرَبْت فُلَانًا لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِشَرْطٍ مُكَرَّرٍ، وَهُوَ الدُّخُولُ عِتْقًا أَوْ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِالضَّرْبِ اهـ. .

(قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً يَحْنَثُ بِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ) بَيَانٌ لِبَعْضِ تَفَارِيعِ كُلٍّ، وَكُلَّمَا، وَهِيَ مَسَائِلُ مِنْهَا مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الشَّرْطَ مِلْكٌ يُوجَدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ غَيْرُ مَحْصُورٍ، وَكُلَّمَا أُوجَدَ هَذَا الشَّرْطَ تَبِعَهُ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَيَتْبَعُهُ جَزَاؤُهُ، وَحَاصِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ كُلَّمَا إنَّمَا تُوجِبُ التَّكْرَارَ فِي الْمُعَيَّنَةِ لَا فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ بِادِّعَاءِ اتِّحَادِ الْحَاصِلِ بَيْنَ كُلٍّ، وَكُلَّمَا إذَا نَسَبَ فِعْلَهَا إلَى مُنْكَرٍ مُتَكَرِّرٍ لِأَنَّ الْحَاصِلَ كُلُّ تَزَوُّجٍ لِكُلِّ امْرَأَةٍ، وَفِي مِثْلِهِ تَنْقَسِمُ الْآحَادُ فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهَا إذَا انْحَلَّتْ فِي فِعْلٍ انْحَلَّتْ فِي اسْمِهِ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْحِنْثُ فِي امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُوَ مَرْدُودٌ لِانْقِسَامِ الْآحَادِ عَلَى الْآحَادِ عِنْدَ التَّسَاوِي، وَهُوَ مُنْتَفٍ لِأَنَّ دَائِرَةَ عُمُومِ الْأَفْعَالِ أَوْسَعُ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَفْرَادِهِ مَا يَتَحَقَّقُ بِالتَّكْرَارِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ فُرِضَ عُمُومُهُ بِكُلَّمَا فَلَا يُعْتَبَرُ كُلُّ اسْمٍ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَقَطْ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَكُلُّ امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ لِاقْتِضَائِهَا عُمُومَ الْأَسْمَاءِ لَا عُمُومَ الْأَفْعَالِ، وَلَوْ نَوَى بَعْضَ النِّسَاءِ صَحَّتْ نِيَّتُهُ دِيَانَةً لَا قَضَاءً لِأَنَّ نِيَّةَ تَخْصِيصِ الْعَامِّ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَقَالَ الْخَصَّافُ تَصِحُّ نِيَّتُهُ فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا، وَهَذَا مُخَلِّصٌ لِمَنْ يُحَلِّفُهُ ظَالِمٌ فَأَخَذَ بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ الْحَالَةَ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ.

وَإِنْ أُخِذَ بِقَوْلِ الْخَصَّافِ إذَا كَانَ الْحَالِفُ مَظْلُومًا فَلَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَمِنْهَا لَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ تَدْخُلُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَاحِدَةٌ طَلَقَتْ، وَلَوْ دَخَلْنَ طَلَقْنَ فَإِنْ دَخَلَتْ تِلْكَ الْمَرْأَةُ مَرَّةً أُخْرَى لَا تَطْلُقُ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت فَدَخَلَتْ امْرَأَةٌ طَلَقَتْ، وَلَوْ دَخَلَتْ ثَانِيًا تَطْلُقُ، وَكَذَا ثَالِثًا فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الثَّلَاثِ، وَعَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ خِلَافًا لِزُفَرَ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً، وَدَخَلْت الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مَرَّتَيْنِ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ لَمْ تَطْلُقْ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّ قَوْلَهُ وَدَخَلْت عَطْفٌ عَلَى التَّزَوُّجِ، وَحُكْمُ الْمَعْطُوفِ حُكْمُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَكَلِمَةُ كُلَّمَا تُوجِبْ التَّكْرَارَ فَصَارَ الدُّخُولُ مُكَرَّرًا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَتَزَوَّجَهَا مِرَارًا، وَدَخَلَتْ مَرَّةً طَلَقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَعْطِفْهُ عَلَى الشَّرْطِ الْمُتَكَرِّرِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ شَرْطًا بِإِنْ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ التَّكْرَارَ فَصَارَ الدُّخُولُ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي الْأَيْمَانِ كُلِّهَا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَحَاصِلُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ إلَخْ) كَانَ الْأَنْسَبُ ذِكْرَ قَوْلِهِ قَبْلَ التَّخْرِيجِ، وَذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ فَقَالَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلَقَتْ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا تَطْلُقُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لِمُعَيَّنَةٍ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك أَوْ تَزَوَّجْت فُلَانَةَ تَكَرَّرَ دَائِمًا.

ص: 18

وَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَتَزَوَّجَ امْرَأَةً طَلَقَتْ، وَعَتَقَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ، وَلَوْ تَزَوَّجَ أُخْرَى طَلَقَتْ، وَلَا يَعْتِقُ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ تَامًّا مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ نَفْسِهِ لَا مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِنَفْسِهِ، وَلَا مَفْهُومَ الْمَعْنَى بِذَاتِهِ يُؤْخَذُ حُكْمُهُ مِنْ غَيْرِهِ لِئَلَّا يَلْغُوَ بِنَفْسِهِ، وَالْكِنَايَةُ لَا تَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهَا فَأُخِذَ حُكْمُهَا مِنْ الْمُكَنَّى عَنْهُ، وَالصَّرِيحُ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ فَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي تَدْخُلُ الدَّارَ فَهِيَ طَالِقٌ، وَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلْنَ طَلَقْنَ، وَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْعَبْدَ صَرِيحٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَنْعَطِفْ عَلَى الْأَوَّلِ، وَأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَيَخُصُّ.

وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا عَتَقَ أَرْبَعَةُ عَبِيدٍ لِأَنَّ كُلَّمَا أَوْجَبَتْ تَعْمِيمَ الْفِعْلِ فَصَارَ كُلُّ دُخُولٍ شَرْطًا عَلَى حِدَةٍ، وَعِتْقُ الْعَبْدِ مُعَلَّقٌ بِالدُّخُولِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ تَكْرَارِ الشَّرْطِ تَكَرُّرُ الْجَزَاءِ حَتَّى يُفِيدَ، وَمِنْ ضَرُورَةِ تَكْرَارِ الْجَزَاءِ تَعْمِيمُ الِاسْمِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ جَارِيَةٍ لِي تَدْخُلُ فَهِيَ حُرَّةٌ وَوَلَدُهَا، وَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلْنَ جَمِيعًا عَتَقْنَ وَعَتَقَ الْأَوْلَادُ كُلُّهُمْ، وَلَمْ يَعْتِقْ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ دَارٍ دَخَلْتهَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ فَدَخَلَ دُورًا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا حَجَّةٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْحَجَّةِ، وَهِيَ نَكِرَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ فَتَخُصُّ، وَلَمْ يَقْتَرِنْ بِهَا مَا يُوجِبُ تَعْمِيمَهَا، وَلَمْ يُعَلِّقْهَا بِشَرْطٍ مُكَرَّرٍ فَإِنَّ الدُّخُولَ غَيْرُ مُكَرَّرٍ لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلٍّ تَجْمَعُ الْأَسْمَاءَ دُونَ الْأَفْعَالِ، وَلَوْ قَالَ فَعَلَيَّ بِهَا حَجَّةٌ لَزِمَهُ بِكُلِّ دَارٍ حَجَّةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ بِفَرْعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ فِي عِبَارَةِ الْإِسْبِيجَابِيِّ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا دُونَ كُلَّمَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَمِنْهَا مَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ لَوْ قَالَ كُلَّمَا نَكَحْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَنَكَحَهَا فِي يَوْمٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَوَطِئَهَا فِي كُلِّ مَرَّةٍ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ مَهْرَانِ وَنِصْفُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ بَانَتْ بِثَلَاثٍ، وَعَلَيْهِ أَرْبَعَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٍ.

وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا نَكَحْتُك فَأَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ فَنَكَحَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي يَوْمٍ، وَوَطِئَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بَانَتْ بِثَلَاثٍ إجْمَاعًا، وَعَلَيْهِ خَمْسَةُ مُهُورٍ وَنِصْفٍ، وَتَوْضِيحُهُ فِيهِ، وَمِنْهَا مَا لَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ، وَلَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَدَخَلَهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِعَيْنِهَا يَقَعُ بِكُلِّ دَخْلَةٍ وَاحِدَةٌ إنْ شَاءَ فَرَّقَهَا عَلَيْهِنَّ، وَإِنْ شَاءَ جَمَعَهَا عَلَى وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ، وَكَلَّمَتْ فُلَانًا أَوْ فَكَلَّمَتْ فُلَانًا فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ فَدَخَلَتْ مِرَارًا، وَكَلَّمَتْ مَرَّةً لَمْ يَعْتِقْ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ كَلَّمَتْ فُلَانًا فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ ثَلَاثًا ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا طَلَقَتْ ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا دَخَلَتْ هَذِهِ الدَّارَ فَكُلَّمَا كَلَّمَتْ فُلَانًا فَأَنْت طَالِقٌ فَالْيَمِينُ الثَّانِيَةُ تَصِيرُ مُعَلَّقَةً بِالدُّخُولِ، وَإِذَا دَخَلَتْ الدَّارَ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ الثَّانِيَةُ فَإِذَا كَلَّمَتْ فُلَانًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بَعْدَ ذَلِكَ طَلَقَتْ ثَلَاثًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لَمْ أُجَامِعْهَا مِنْكُنَّ اللَّيْلَةَ فَالْأُخْرَيَاتُ طَوَالِقُ فَجَامَعَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ طَلَقَتْ الْمُجَامَعَةُ ثَلَاثًا لِأَنَّهَا مُطَلَّقَةٌ بِتَرْكِ جِمَاعِهِ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ، وَسَائِرُهُنَّ طَلَقْنَ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّ فِي حَقِّ سَائِرِهِنَّ تَرَكَ جِمَاعَ امْرَأَتَيْنِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ سِوَاهَا، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فَافْهَمْ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ قَالَ كُلَّمَا قَعَدْت عِنْدَك فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَقَعَدَ عِنْدَهُ سَاعَةً طَلَقَتْ ثَلَاثًا لِأَنَّ الدَّوَامَ عَلَى الْقُعُودِ، وَعَلَى كُلٍّ مَا يُسْتَدَامُ بِمَنْزِلَةِ الْإِنْشَاءِ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا ضَرَبْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَضَرَبَهَا بِيَدَيْهِ جَمِيعًا طَلَقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ ضَرَبَهَا بِكَفٍّ وَاحِدٍ لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً.

وَإِنْ وَقَعَتْ الْأَصَابِعُ مُتَفَرِّقَةً لِأَنَّ فِي الْيَدَيْنِ تَكْرَارُ الضَّرْبِ لِأَنَّ الضَّرْبَ بِكُلِّ يَدٍ ضَرْبَةٌ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ بِضِغْثٍ وَاحِدٍ أَمَّا فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ يَتَكَرَّرْ الضَّرْبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الضَّرْبِ هُوَ الْكَفُّ، وَالْأَصَابِعُ تَبَعٌ لَهَا فَلَمْ يَتَعَدَّدْ الضَّرْبُ فَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً يَقَعُ طَلَاقَانِ طَلَاقٌ بِالتَّطْلِيقِ، وَطَلَاقٌ بِقَوْلِهِ كُلَّمَا طَلَّقْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً طَلَقَتْ ثَلَاثًا. اهـ.

وَمِنْهَا مَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ الْمُنْعَقِدُ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ

ــ

[منحة الخالق]

وَقَوْلُهُ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ، وَعَلَيْهِ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ) قَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا يَقَعُ عَلَيْهِ تَطْلِيقَةٌ، وَوَجَبَ نِصْفُ مَهْرٍ فَإِذَا دَخَلَ بِهَا، وَجَبَ مَهْرٌ كَامِلٌ لِأَنَّهُ، وَطِئَ عَنْ شُبْهَةٍ فِي مَحَلٍّ، وَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَانِيَةً وَقَعَتْ تَطْلِيقَةٌ أُخْرَى، وَهَذَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعْنًى فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ الْمُعْتَدَّةَ، وَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رحمه الله يَكُونُ هَذَا الطَّلَاقُ بَعْدَ الدُّخُولِ مَعْنًى فَيَجِبُ مَهْرٌ كَامِلٌ فَصَارَ مَهْرَانِ وَنِصْفٌ فَإِذَا دَخَلَ بِهَا، وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ عَنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ صَارَ مُرَاجِعًا، وَلَا يَجِبُ بِالْوَطْءِ شَيْءٌ فَإِذَا تَزَوَّجَهَا ثَالِثًا لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا، وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ.

وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بَانَتْ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَعَلَيْهِ خَمْسُ مُهُورٍ وَنِصْفُ عَلَى قَوْلِهِمَا يَخْرُجْ مِنْ الْأَصْلِ الَّذِي قُلْنَا (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْك طَلَاقِي إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْطَ

ص: 19

لِلْحَالِ.

وَيَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كُلَّمَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ أَمَّا أَيْمَانٌ مُنْعَقِدَةٌ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَيْمَانٌ مُنْعَقِدَةٌ لِلْحَالِ انْحَلَّتْ بَعْضُهَا، وَبَقِيَ بَعْضُهَا مُنْعَقِدَةً بَعْدَ الْحِنْثِ إلَى أَنْ يُوجَدَ شَرْطُهَا، وَعَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ الْمُنْعَقِدَةُ لِلْحَالِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَيَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى كُلَّمَا حَنِثَ لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَمْ يُذْكَرْ إلَّا مَرَّةً، وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ. وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ أَنَّ كُلَّمَا بِمَنْزِلَةِ تَكْرَارِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَالْفَتْوَى عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ ثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَظْهَرَ الثَّمَرَةُ فِيمَا إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَحْلِفُ بِأَنْ قَالَ كُلَّمَا حَلَفْت فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ عَلَّقَ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا فَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ يَقَعُ الْآنَ الثَّلَاثُ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ يَقَعُ الْآنَ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا إذَا حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنْ لَا يَحْلِفَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْحَالِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا زَادَ عَلَى الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْقَضَاءِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ كُلَّمَا تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، وَرَفَعَ الْحَالَ إلَى حَاكِمٍ يَرَى صِحَّةَ النِّكَاحِ فَقَضَى بِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ دُخُولِ زَوْجٍ آخَرَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ ثَانِيًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُنْعَقِدَةَ بِكَلِمَةِ كُلَّمَا لِلْحَالِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ يَتَجَدَّدُ انْعِقَادُهَا كُلَّمَا وَقَعَ الْحِنْثُ، وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَصْلِ أَمْ الْمُنْعَقِدَةُ بِهَا فِي الْحَالِ أَيْمَانٌ كَمَا هُوَ رِوَايَةِ الْجَامِعِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَيَحْنَثُ فِي الْبَعْضِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ، وَتَبْقَى الْبَاقِيَةُ مُنْعَقِدَةً فَمَنْ قَالَ بِهَذَا شَرَطَ الْقَضَاءَ ثَانِيًا، وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْقَضَاءَ ثَانِيًا. اهـ.

وَهَذَا بَيَانُ ثَمَرَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُعَلِّقِ بِالتَّزَوُّجِ لَا مُطْلَقًا.

(قَوْلُهُ وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا) لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَالْجَزَاءُ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَتَبْقَى الْيَمِينُ، وَسَيَأْتِي أَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالثَّلَاثِ مُبْطِلٌ لِلتَّعْلِيقِ فَكَانَ مُرَادُهُ هُنَا الزَّوَالُ بِمَا دُونَ الثَّلَاثِ بِأَنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ التَّعْلِيقِ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ طَلَقَتْ، أَطْلَقَ الْمِلْكَ فَشَمِلَ مِلْكَ النِّكَاحِ، وَمِلْكَ الْيَمِينِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ فَبَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ عَتَقَ، وَقَيَّدَ بِزَوَالِ الْمِلْكِ لِأَنَّ زَوَالَ إمْكَانِ الْبِرِّ الْمُصَحِّحِ لِلتَّعْلِيقِ مُبْطِلٌ لَهُ أَيْضًا، وَتَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ فُرُوعٌ مِنْهَا مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أَدْفَعْ إلَيْك الدِّينَارَ الَّذِي عَلَيَّ إلَى شَهْرٍ فَأَنْتِ كَذَا فَأَبْرَأَتْهُ قَبْلَ الشَّهْرِ بَطَلَ الْيَمِينُ. اهـ.

وَمِنْهَا مَا فِي الْقُنْيَةِ إنْ لَمْ تَرُدِّي ثَوْبِي السَّاعَةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَخَذَهُ هُوَ قَبْلَ أَنْ تَدْفَعَ إلَيْهِ لَا يَحْنَثُ، وَقِيلَ يَحْنَثُ، وَهَكَذَا إنْ لَمْ تَجِيئِي بِفُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجَاءَ فُلَانٌ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ بِنَفْسِهِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ مُوَقَّتَةٌ بَطَلَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ دَعَا امْرَأَتَهُ إلَى الْوِقَاعِ فَأَبَتْ فَقَالَ مَتَى يَكُونُ فَقَالَتْ غَدًا فَقَالَ إنْ لَمْ تَفْعَلِي هَذَا الْمُرَادَ غَدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ نَسِيَاهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ لَا يَحْنَثُ. حَلَفَ لَيَخْرُجَنَّ سَاكِنُ دَارِهِ الْيَوْمَ، وَالسَّاكِنُ ظَالِمٌ غَالِبٌ يَتَكَلَّفُ فِي إخْرَاجِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَالْيَمِينُ عَلَى التَّلَفُّظِ بِاللِّسَانِ. اهـ.

وَذَكَرَ قَبْلَهُ فِيهَا فُرُوعًا تَحْتَاجُ إلَى التَّوْفِيقِ حَلَفَ إنْ لَمْ يُخَرِّبْ بَيْتَ فُلَانٍ غَدًا فَقُيِّدَ، وَمُنِعَ فَلَمْ يُخَرِّبْهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ اخْتَلَفَ فِيهِ، وَالْمُخْتَارُ

ــ

[منحة الخالق]

فِي الثَّانِيَةِ اقْتَضَى تَكَرُّرَ الْجَزَاءِ بِتَكَرُّرِ الْوُقُوعِ فَيَتَكَرَّرُ غَيْرَ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَزِيدُ عَلَى الثَّلَاثِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهَا، وَفِي الْأُولَى اقْتَضَى تَكَرُّرُهُ بِتَكَرُّرِ طَلَاقِهِ، وَلَا يُقَالُ طَلَّقَهَا إذَا طَلَقَتْ بِوُجُودِ الشَّرْطِ فَيَقَعُ تَطْلِيقَتَانِ إحْدَاهُمَا بِحُكْمِ الْإِيقَاعِ، وَالْأُخْرَى بِحُكْمِ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا زَادَ عَلَى الْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ) أَيْ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ إلَّا وُجُوبُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ، وَيَنْبَغِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الَّذِي بَعْدَ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِكَلِمَةِ كُلَّمَا أَنْ يَجِبَ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ لِلْحَالِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ غَيْرَ طَلَاقٍ فَلَا تَجِبُ إلَّا وَاحِدَةٌ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ زَوَالَ إمْكَانِ الْبِرِّ الْمُصَحِّحِ لِلتَّعْلِيقِ مُبْطِلٌ لَهُ) أَقُولُ: الْمُصَحِّحُ بِالْجَرِّ نَعْتٌ لِإِمْكَانِ الْبِرِّ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ إمْكَانُ الْبِرِّ فَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ، وَلَوْ زَالَ الْإِمْكَانُ بَعْدَ وُجُودِهِ أَبْطَلَ التَّعْلِيقَ فَإِمْكَانُ الْبِرِّ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَشَرْطٌ لِبَقَائِهِمَا أَيْضًا لَكِنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ شَرْطًا لِبَقَائِهَا إذَا كَانَتْ مُؤَقَّتَةً كَمَا يَأْتِي ثُمَّ الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ الْبِرِّ إمْكَانُهُ عَقْلًا، وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً، وَلِذَا أَجْمَعُوا عَلَى انْعِقَادِهَا فِي حَلِفِهِ لَيَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ أَوْ لَيَقْلِبَنَّ هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا فَإِنَّهُ مُمْكِنٌ عَقْلًا، وَقَدْ وَقَعَ الصُّعُودُ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم، وَلِعِيسَى، وَإِدْرِيسَ عليهما السلام، وَإِنَّمَا لَمْ تَنْعَقِدْ فِي حَلِفِهِ لَيَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ، وَلَا مَاءَ فِيهِ لِعَدَمِ إمْكَانِهِ أَصْلًا فَلَمْ يُوجَدْ شَرْطُ انْعِقَادِهَا.

وَلَوْ كَانَ فِيهِ مَاءٌ تَنْعَقِدُ فَإِذَا صَبَّ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ تَبْطُلُ لِأَنَّ مَا صُبَّ لَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ عَقْلًا، وَلَا عَادَةً فَقَدْ عَرَضَ زَوَالُ الْإِمْكَانِ فَبَطَلَتْ فَلِذَا لَمْ يَحْنَثْ فِي الصُّورَتَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَحَنِثَ فِي مَسْأَلَةِ الصُّعُودِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا كَمَا سَيَأْتِي فِي الْأَيْمَانِ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَسِيَاهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ لَا يَحْنَثُ) أَيْ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ عَلَى طَلَبِ الرَّجُلِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة فِي الْمُنْتَقَى عَنْ رَجُلٍ دَعَا امْرَأَتَهُ إلَخْ هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ يَتَعَلَّقُ بِطَلَبِ الرَّجُلِ فَقَالَ نَعَمْ، وَسُئِلَ عَنْهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَقَالَ لَا يَقَعُ. اهـ.، وَسَيَأْتِي قَرِيبًا.

ص: 20

لِلْفَتْوَى الْحِنْثُ قَالَ لَهَا، وَهِيَ فِي بَيْتِ أُمِّهَا إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِك إلَى دَارِي فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْ دَارِ أُمِّهَا فَهَرَبَتْ مِنْهُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهَا وَقَعَ. حَلَفَ لَا يَسْكُنُ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ إلَّا بِطَرْحِ نَفْسِهِ عَنْ الْحَائِطِ بَعْدَمَا أُوثِقَ لَمْ يَحْنَثْ، وَلَوْ وَجَدَ الْبَابَ مُغْلَقًا لَمْ يُمْكِنْهُ فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَقَيَّدَ وَمَنَعَ حَنِثَ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهَا فِي مَنْزِلِ وَالِدِهَا إنْ لَمْ تَحْضُرِي فِي مَنْزِلِي اللَّيْلَةَ فَأَنْت طَالِقٌ فَمَنَعَهَا الْوَالِدُ مِنْ الْحُضُورِ تَطْلُقُ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَلَوْ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَذَهَبَ بِهِمْ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُمْ الْعَسَسُ فَحَبَسَهُمْ لَا يَحْنَثُ. إنْ لَمْ أَعْمَلْ هَذِهِ السَّنَةَ فِي الْمُزَارَعَةِ بِتَمَامِهَا فَمَرِضَ وَلَمْ يُتِمَّ حَنِثَ، وَلَوْ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ لَا يَحْنَثُ اهـ.

أَقُولُ: إنَّ قَوْلَهُ إنْ لَمْ أُخَرِّبْ، وَإِنْ لَمْ أَذْهَبْ بِك، وَإِنْ لَمْ أَخْرُجْ، وَإِنْ لَمْ تَحْضُرِي مَنْزِلِي سَوَاءٌ فِي أَنَّ الْقَيْدَ وَالْمَنْعَ لَا يَمْنَعُ الْحِنْثَ لِأَنَّهُ إكْرَاهٌ، وَلِلْإِكْرَاهِ تَأْثِيرٌ فِي الْفِعْلِ بِالْإِعْدَامِ كَالسُّكْنَى لَا فِي الْعَدَمِ، وَالْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْعَدَمُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ الْإِكْرَاهُ، وَإِنَّمَا يُشْكِلُ مَسْأَلَةُ الْعَسَسِ فَإِنَّ الشَّرْطَ الْعَدَمُ، وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ الْحَبْسُ، وَكَذَا يُشْكِلُ مَسْأَلَةُ إنْ لَمْ أَعْمَلْ هَذِهِ السَّنَةَ فَإِنَّ الشَّرْطَ الْعَدَمُ، وَقَدْ أَثَّرَ فِيهِ حَبْسُ السُّلْطَانِ، وَمِنْهَا مَا فِي الْخَانِيَّةِ امْرَأَةٌ دَفَعَتْ مِنْ كِيسِ زَوْجِهَا دِرْهَمًا فَاشْتَرَتْ بِهِ لَحْمًا، وَخَلَطَ اللَّحَّامُ الدِّرْهَمَ بِدَرَاهِمِهِ، وَقَالَ لَهَا الزَّوْجُ إنْ لَمْ تَرُدِّي عَلَيَّ ذَلِكَ الدِّرْهَمَ الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ فَمَضَى الْيَوْمُ وَقَعَ الطَّلَاقُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ فَإِنْ أَرَادَ الْحِيلَةَ لِلْخُرُوجِ عَنْ الْيَمِينِ أَنْ تَأْخُذَ الْمَرْأَةُ كِيسَ اللَّحَّامِ وَتُسَلِّمَهُ إلَى الزَّوْجِ اهـ.

وَذَكَرَ قَبْلَهُ رَجُلٌ دَفَعَ إلَى امْرَأَتِهِ دِرْهَمًا ثُمَّ قَالَ مَا فَعَلْت بِالدِّرْهَمِ فَقَالَتْ اشْتَرَيْت بِهِ اللَّحْمَ فَقَالَ الزَّوْجُ إنْ لَمْ تَرُدِّي عَلَيَّ ذَلِكَ الدِّرْهَمَ فَأَنْت طَالِقٌ، وَقَدْ ضَاعَ الدِّرْهَمُ مِنْ يَدِ الْقَصَّابِ قَالُوا مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ أُذِيبَ ذَلِكَ الدِّرْهَمُ أَوْ سَقَطَ فِي الْبَحْرِ لَا يَحْنَثُ اهـ.

وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ رَدُّهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ فَعُلِمَ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُمْ يُشْتَرَطُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ إمْكَانُ الْبِرِّ إنَّمَا هُوَ، وَفِي الْمُقَيَّدَةِ بِالْوَقْتِ فَعَدَمُهُ مُبْطِلٌ لَهَا أَمَّا الْمُطْلَقَةُ فَعَدَمُهُ مُوجِبٌ لِلْحِنْثِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ إمْكَانَ الْبِرِّ شَرْطٌ لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ مُطْلَقًا مُطْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مُقَيَّدَةً، وَأَمَّا فِي الْبَقَاءِ فَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً فَيُشْتَرَطُ بَقَاءُ إمْكَانِ الْبِرِّ لِبَقَائِهَا، وَإِنْ كَانَتْ مُطْلَقَةً فَلَا، وَلِذَا قَالَ فِي الْكِتَابِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ إنْ لَمْ أَشْرَبْ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ الْيَوْمَ فَكَذَا، وَلَا مَاءَ فِيهِ أَوْ كَانَ فَصُبَّتْ أَوْ أَطْلَقَ، وَلَا مَاءَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ كَانَ فَصَبَّهُ حَنِثَ. اهـ.

وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنْ لَمْ أَذْهَبْ بِكُمْ اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَذَهَبَ بِهِمْ بَعْضَ الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُمْ اللُّصُوصُ، وَحَبَسُوهُمْ قَالُوا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ، وَهَذَا الْجَوَابُ يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَصْلُهُ مَسْأَلَةُ الْكُوزِ اهـ.

بَقِيَ هَهُنَا مَسْأَلَتَانِ كَثُرَ وُقُوعُهُمَا الْأُولَى حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَيُؤَدِّيَنَّ لَهُ الْيَوْمَ كَذَا فَعَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ، وَلَا وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ الثَّانِيَةُ مَا يُكْتَبُ فِي التَّعَالِيقِ أَنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَفِي حِنْثِهِ قَوْلَانِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي نَوْعِ السُّكْنَى لَوْ مُنِعَ مِنْ التَّحَوُّلِ، وَأَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ، وَمَنَعُوا مَتَاعَهُ، وَأَوْثَقُوهُ، وَقَهَرُوهُ أَيَّامًا لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ مُسَكَّنٌ لَا سَاكِنٌ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ فَوَجَدَ الْبَابَ مُغْلَقًا بِحَيْثُ لَمْ يُمْكِنْهُ الْخُرُوجُ فَلَمْ يَخْرُجْ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَحْنَثُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ، وَبِهِ أَخَذَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ الْيَوْمَ فَامْرَأَتُهُ كَذَا فَقُيِّدَ، وَمُنِعَ مِنْ الْخُرُوجِ حَيْثُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ، وَهِيَ فِي مَنْزِلِ وَالِدِهَا إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ مَنْزِلِي فَكَذَا فَمَنَعَهَا الْوَالِدُ عَنْ الْحُضُورِ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ هُوَ الْمُخْتَارُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ لَا يَسْكُنُ هَذِهِ الدَّارَ شَرْطُ الْحِنْثِ هُوَ السُّكْنَى، وَإِنَّمَا تَكُونُ السُّكْنَى بِفِعْلِهِ إذَا كَانَ بِاخْتِيَارِهِ أَمَّا فِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ، وَفِي قَوْلِهِ إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ مَنْزِلِي شَرْطُ الْحِنْثِ عَدَمُ الْفِعْلِ، وَالْعَدَمُ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الِاخْتِيَارِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَإِنَّمَا يُشْكِلُ مَسْأَلَةُ الْعَسَسِ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَقُولُ: لَا إشْكَالَ لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ ذَهَبَ فَعَدَمُ الْحِنْثِ لِوُجُودِ الْبِرِّ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا يَأْتِي مَتْنًا فِي الْأَيْمَانِ لَا يَخْرُجُ أَوْ لَا يَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ يُرِيدُهَا ثُمَّ رَجَعَ يَحْنَثُ. اهـ.

قُلْت، وَسَيَأْتِي أَيْضًا هُنَاكَ عَنْ الْقُنْيَةِ مَا نَصُّهُ انْتَقَلَ الزَّوْجَانِ مِنْ الرُّسْتَاقِ إلَى قَرْيَةٍ فَلَحِقَهُ رَبُّ الدُّيُونِ فَقَالَ لَهَا اُخْرُجِي مَعِي إلَى حَيْثُ كُنَّا فِيهِ فَأَبَتْ إلَى الْجُمُعَةِ فَقَالَ إنْ لَمْ تَخْرُجِي مَعِي فَكَذَا فَإِنْ كَانَ قَدْ تَأَهَّبَ لِلْخُرُوجِ فَهُوَ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ خَرَجَتْ مَعَهُ فِي الْحَالِ إلَى دَرْبِ الْقَرْيَةِ ثُمَّ رَجَعَتْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ.

وَإِنْ أَرَادَ زَوْجُهَا الْخُرُوجَ أَصْلًا. اهـ. وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ عَنْ الْخَانِيَّةِ تَوْجِيهٌ آخَرُ لِعَدَمِ الْحِنْثِ فِي مَسْأَلَةِ الْعَسَسِ (قَوْلُهُ وَكَذَا يُشْكِلُ مَسْأَلَةُ إنْ لَمْ أَعْمَلْ إلَخْ) أَقُولُ: يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ إلَخْ أَنَّ الْمَنْعَ الْحِسِّيَّ لَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْحِنْثِ فِيهِ بِخِلَافِ الْمَنْعِ بِغَيْرِ حِسِّيٍّ كَإِغْلَاقِ الْبَابِ فَفِيهِ قَوْلَانِ، وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْحِنْثِ أَيْضًا كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْفَرْعُ مَبْنِيًّا عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْحِسِّيِّ، وَغَيْرِهِ فَلِذَا قَالَ لَوْ مَرِضَ حَنِثَ، وَلَوْ حَبَسَهُ السُّلْطَانُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ الْحَبْسَ مَنْعٌ حِسِّيٌّ بِخِلَافِ الْمَرَضِ تَأَمَّلْ

ص: 21

مَتَى نَقَلَهَا أَوْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَأَبْرَأَتْهُ مِنْ كَذَا مِمَّا لَهَا عَلَيْهِ فَدَفَعَ لَهَا جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ قَبْلَ الشَّرْطِ فَهَلْ تَبْطُلُ الْيَمِينُ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْقُنْيَةِ أَنَّهُ مَتَى عَجَزَ عَنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ مُوَقَّتَةٌ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا فِي الْحَادِثَةِ الْأُولَى إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْإِبْرَاءَ بَعْدَ الْأَدَاءِ مُمْكِنٌ فَإِنَّهُ لَوْ دَفَعَ الدَّيْنَ إلَى صَاحِبِهِ ثُمَّ قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدْيُونِ قَدْ أَبْرَأْتُك بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ، وَيَرْجِعُ الْمَدْيُونُ بِمَا دَفَعَهُ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْحَطِّ مِنْهُ إلَّا أَنْ يُوجَدَ نَقْلٌ بِخِلَافِهِ فَيَتْبَعُ.

وَفِي الْمُحِيطِ قُبَيْلَ الْقِسْمِ الْخَامِسِ فِي الطَّاعَاتِ، وَالْمُحَرَّمَاتِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ كُنْت زَوْجَتِي غَدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَلَعَهَا فِي الْغَدِ إنْ نَوَى بِذَلِكَ كَوْنَهَا امْرَأَةً لَهُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ تَطْلُقُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْبِرَّ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي آخِرِ النَّهَارِ، وَلَوْ خَلَعَهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ طَلُقَتْ لِأَنَّهَا امْرَأَتُهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ، وَلَوْ خَلَعَهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ كَانَتْ امْرَأَتَهُ، وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ امْرَأَتَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ إنْ سَكَنْت فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَخَرَجَ عَلَى الْفَوْرِ، وَخَلَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ سَكَنَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَا تَطْلُقْ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ اهـ.

فَقَدْ بَطَلَتْ الْيَمِينُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ هُنَا فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْجَزَاءِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ لِأَنَّهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ لَمْ تَبْقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ حَسَنٌ جِدًّا، وَفِي الْقُنْيَةِ أَيْضًا إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَفَعَلَ أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ حَتَّى بَانَتْ امْرَأَتُهُ ثُمَّ فَعَلَ الْآخَرَ فَقِيلَ لَا يَقَعُ الثَّانِي لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَقِيلَ يَقَعُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ اهـ.

فَعَلَى الْأَظْهَرِ قَوْلُهُ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ مِثْلُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ مِثْلُ امْرَأَتِي طَالِقٌ كَمَا لَا يَخْفَى.

فَإِنْ قُلْت قَدْ جَعَلُوا زَوَالَ الْمِلْكِ مُبْطِلًا لِلْيَمِينِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْقُنْيَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ نَقَلَ فِي عَقْدِ الْفَوَائِدِ عَنْ التَّجْنِيسِ مَا حَاصِلُهُ لَا أَسْكُنُ فِي هَذَا الْبَيْتِ فَأَغْلَقَ الْبَابَ أَوْ قُيِّدَ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِيهِمَا، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَخْرُجْ مِنْ هَذَا الْمَنْزِلِ فَكَذَا فَقُيِّدَ، وَمُنِعَ أَوْ قَالَ لَهَا فِي مَنْزِلِ أَبِيهَا إنْ لَمْ تَحْضُرِي اللَّيْلَةَ إلَى مَنْزِلِي فَأَنْتِ كَذَا فَمَنَعَهَا أَبُوهَا حَنِثَ فِيهِمَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي الْأَوَّلِ الْفِعْلُ، وَهُوَ السُّكْنَى وَالْإِكْرَاهُ يُؤَثِّرُ فِيهِ، وَفِي الثَّانِي عَدَمُ الْفِعْلِ وَالْإِكْرَاهُ لَا يُؤَثِّرُ قَالَ فِي الْعَقْدِ قُلْتُ: وَهَذَا مَعْنَى مَا نَقَلَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ إنْ كَانَ عَدَمِيًّا، وَعَجَزَ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ فَالْمُخْتَارُ الْحِنْثُ، وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا، وَعَجَزَ فَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْحِنْثِ. اهـ.

وَاعْتِبَارُ هَذَا الْأَصْلِ يُفِيدُ الْحِنْثَ فِي مَسْأَلَتِنَا إذْ شَرْطُ الْحِنْثِ فِيهَا عَدَمِيٌّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.

وَهَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُهِمَّةِ فَكُنْ فِيهِ عَلَى بَصِيرَةٍ اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ.

وَنَقَلَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْفُصُولَيْنِ مَا يُؤَيِّدُهُ، وَيُخَالِفُ مَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْقُنْيَةِ حَيْثُ قَالَ قَالَ لَهُ مَدْيُونُهُ لَوْ لَمْ أَقْضِك مَالَك الْيَوْمَ فَكَذَا فَتَوَارَى الطَّالِبُ فَنَصَّبَ الْقَاضِي عَنْهُ، وَكِيلًا بِطَلَبِ الْمَدْيُونِ لِيَقْضِيَ مِنْهُ الْمَالَ كَيْ لَا يَحْنَثَ فَقَبَضَ، وَحَكَمَ بِهِ آخَرُ قَالَ لَمْ يَجُزْ فَهُوَ كَمَا تَرَى كَالصَّرِيحِ فِي عَدَمِ بُطْلَانِهَا فِي الْحَادِثَةِ الْمَذْكُورَةِ إذْ الْعَجْزُ كَمَا يَقَعُ بِعَدَمِ شَيْءٍ مَعَ الْمَدِينِ يَقَعُ بِتَوَارِي الدَّائِنِ، وَلَوْ بَطَلَتْ بِالْعَجْزِ لِمَا اُحْتِيجَ إلَى نَصْبِ وَكِيلٍ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ فَتَاوَى الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْحِنْثِ فِي مَسْأَلَتِنَا مُسْتَنِدًا إلَى إمْكَانِ الْبِرِّ حَقِيقَةً، وَعَادَةً مَعَ الْإِعَارَةِ بِهِبَةٍ أَوْ تَصَدُّقٍ أَوْ إرْثٍ. اهـ.

قُلْت، وَمَا اسْتَشْهَدَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ مِنْ كَلَامِ الْقُنْيَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعَجْزُ الْحَقِيقِيُّ بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُتَصَوَّرٍ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَإِذَا كَانَ يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ الْيَوْمَ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ عَقْلًا، وَإِنْ اسْتَحَالَ عَادَةً فَحِنْثُهُ هُنَا بِالْأَوْلَى لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ عَقْلًا، وَعَادَةً (قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْجَزَاءِ إلَخْ) يُنَافِي هَذَا مَا يَأْتِي قَرِيبًا عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ إنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ قَبَّلْت امْرَأَتِي فُلَانَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ يَحْنَثُ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّقْيِيدِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ تَعْلِيقِ طَلَاقِهَا، وَغَيْرِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ فَعَلَى الْأَظْهَرِ قَوْلُهُ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ حَلَالَ اللَّهِ صَارَ عِبَارَةٌ عَنْ امْرَأَتِي لَا عَنْ أَنْتِ بِلَفْظِ الْخِطَابِ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ خَاطَبَهَا بِقَوْلِهِ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ صَارَ عِبَارَةً عَنْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَلَعَلَّ هَذَا وَجْهُ قَوْلِهِ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ مِثْلُ امْرَأَتِي طَالِقٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ. اهـ.

وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَهُ أَقُولُ: إنَّ قَوْلَ الْقُنْيَةِ، وَقِيلَ يَقَعُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ يُفِيدَانِ الْمُرَجَّحَ اعْتِبَارُ حَالَةِ التَّعْلِيقِ لَا حَالَةِ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَلَمَّا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ كَانَتْ زَوْجَتُهُ حَلَالًا لَهُ، وَإِنْ بَانَتْ مِنْهُ بِفِعْلِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ التَّعْلِيقِ.

وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّ كَلَامَ الْقُنْيَةِ السَّابِقِ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْأَظْهَرِ، وَهُوَ اعْتِبَارُ حَالَةِ وُجُودِ الشَّرْطِ بِقَرِينَةِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ، وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ أَمَّا عَلَى مَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالَةِ التَّعْلِيقِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَطْلُقَ لِأَنَّهَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى تَرْجِيحِ اعْتِبَارِ حَالَةِ التَّعْلِيقِ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ الْفَرْعَيْنِ

ص: 22

فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ فَخَرَجَتْ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ يَحْنَثْ، وَبَطَلَتْ الْيَمِينُ بِالْبَيْنُونَةِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَهَا ثَانِيًا ثُمَّ خَرَجَتْ بِلَا إذْنٍ لَمْ يَحْنَثْ لَا يُقَالُ إنَّ الْبُطْلَانَ لِتَقْيِيدِهِ بِامْرَأَتِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَبْقَ امْرَأَتُهُ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَ لِإِضَافَتِهَا إلَيْهِ لَمْ يَحْنَثْ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا تَخْرُجُ امْرَأَتُهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ فَطَلَّقَهَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَخَرَجَتْ، وَفِيمَا لَوْ قَالَ إنْ قَبَّلْتُ امْرَأَتِي فُلَانَةَ فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَبَّلَهَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ مَعَ أَنَّهُ يَحْنَثُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّعْرِيفِ لَا لِلتَّقْيِيدِ قُلْت الْيَمِينُ مُقَيَّدَةٌ بِحَالِ وِلَايَةِ الْإِذْنِ، وَالْمَنْعُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ، وَذَلِكَ حَالَ قِيَامِ الزَّوْجِيَّةِ فَسَقَطَ الْيَمِينُ بِزَوَالِ النِّكَاحِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ فَقَضَى دَيْنَهُ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَحْنَثْ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِإِذْنِ فُلَانٍ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مُعَامَلَةٌ لِأَنَّهَا مُطْلَقَةٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مِمَّا يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ ارْتِدَادُ الزَّوْجِ، وَلَحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ الدَّارَ بَعْدَ لَحَاقِهِ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا تَطْلُقُ حَتَّى لَوْ جَاءَ ثَانِيًا مُسْلِمًا فَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لَا يَنْقُصُ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ شَيْءٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ، وَالْبُطْلَانُ عِنْدَهُ لِخُرُوجِ الْمُعَلَّقِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لَا لِزَوَالِ الْمِلْكِ.

فَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ ارْتِدَادٍ، وَثَلَاثٌ لَا يُبْطِلُهَا لَكَانَ أَوْلَى بِالْيَمِينِ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بَعْدَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ يُبْطِلُهُ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ لَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ وَتَفَرَّقَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَفِي بَقَاءِ الْأَمْرِ بِهَا رِوَايَتَانِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْقَى. قَالَ لَهَا إنْ غِبْت عَنْك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَمْرُك بِيَدِك ثُمَّ طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَتَزَوَّجَتْ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ، وَغَابَ عَنْهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا. اهـ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ تَنْجِيزٌ لِلتَّخْيِيرِ فَيَبْطُلُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ، وَالثَّانِي تَعْلِيقُ التَّخْيِيرِ فَكَانَ يَمِينًا فَلَا يَبْطُلُ.

(قَوْلُهُ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ طَلَقَتْ وَانْحَلَّتْ الْيَمِينُ) لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ الشَّرْطُ، وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلْجَزَاءِ فَيُنَزَّلُ، وَلَمْ تَبْقَ الْيَمِينُ لِأَنَّ بَقَاءَهَا بِبَقَاءِ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ، وَلَمْ يَبْقَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا، وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهَا إنْ خَرَجْت مِنْ الدَّارِ إلَّا بِإِذْنِي فَأَنْت طَالِقٌ فَوَقَعَ فِيهَا غَرَقٌ أَوْ حَرْقٌ غَالِبٌ فَخَرَجَتْ لَا يَحْنَثُ اهـ.

مَعَ كَوْنِ الشَّرْطِ قَدْ وُجِدَ، وَلَكِنَّ الشَّرْطَ الْخُرُوجُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِغَيْرِ الْغَرَقِ وَالْحَرَقِ، وَفِيهَا قُبَيْلَ النَّفَقَةِ قَالَ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا ثُمَّ أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا فَدَخَلَتْ وَقَعَ ثِنْتَانِ، وَفِي جَامِعِ الْكَرْخِيِّ طَلَقَتْ ثِنْتَيْنِ، وَمَلَكَ الزَّوْجُ الرَّجْعَةَ. لَهُ امْرَأَةٌ جُنُبٌ وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ فَقَالَ أَخْبَثُكُنَّ طَالِقٌ طَلَقَتْ النُّفَسَاءُ، وَفِي أَفْحَشُكُنَّ عَلَى الْحَائِضِ لِأَنَّهُ نَصٌّ اهـ.

أَطْلَقَ الْمِلْكَ فَشَمِلَ مَا إذَا وَجَدَ فِي الْعِدَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قُبَيْلَ بَابِ التَّفْوِيضِ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنْ يُوجَدَ جَمِيعُ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ بَلْ الشَّرْطُ تَمَامُهُ فِيهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا إذَا حِضْت حَيْضَتَيْنِ فَأَنْت طَالِقٌ فَحَاضَتْ الْأُولَى فِي غَيْرِ مِلْكٍ، وَالثَّانِيَةَ فِي مِلْكٍ طَلَقَتْ، وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ تَطْهُرَ مِنْ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ بِسَاعَةٍ أَوْ بَعْدَ مَا انْقَطَعَ عَنْهَا الدَّمُ قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ، وَأَيَّامُهَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَإِذَا اغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ طَلَقَتْ لِأَنَّ الشَّرْطَ قَدْ تَمَّ، وَهِيَ فِي نِكَاحِهِ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ أُكِلَتْ هَذَا الرَّغِيفَ فَأَنْت طَالِقٌ فَأَكَلَتْ عَامَّةَ الرَّغِيفِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَأَكَلَتْ مَا بَقِيَ مِنْهُ طَلَقَتْ لِأَنَّ الشَّرْطَ تَمَّ فِي مِلْكِهِ، وَالْحِنْثُ بِهِ يَحْصُلُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ، وَسَيُصَرِّحُ بِأَنَّ الْمِلْكَ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ، وَكَلَامُنَا هُنَا فِي الشَّرْطِ الْوَاحِدِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَكَذَا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْكُلُّ، وَإِنْ كَرَّرَ حَرْفَ الشَّرْطِ إنْ أَكَلْت أَوْ شَرِبْت إنْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ فَأَيُّ شَيْءٍ وُجِدَ مِنْهَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَتَرْتَفِعُ الْيَمِينُ، وَإِنْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ مَا لَمْ تُوجَدْ الْأُمُورُ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا وُجِدَ وَاحِدٌ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَيَرْتَفِعُ الْيَمِينُ. اهـ.

وَمِمَّا يُنَاسِبُ قَوْلَهُ فَإِنْ وُجِدَ الشَّرْطُ طَلَقَتْ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْأَيْمَانِ الَّتِي يُكَذِّبُ بَعْضُهَا بَعْضًا إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ فَقَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ كَانَ لَك عَلَيَّ أَلْفٌ، وَبَرْهَنَ الْمُدَّعِي، وَقَضَى بِهِ حَنِثَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَالْبُطْلَانُ عِنْدَهُ لِخُرُوجِ الْمُعَلَّقِ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِدَلِيلِ عِتْقِ مُدَبَّرِيهِ، وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ، وَيَلْزَمُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ أَنَّهُ لَوْ عَادَ ثَانِيًا بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، وَوُجِدَ الشَّرْطُ أَنْ يَقَعَ، وَإِطْلَاقُهُمْ بُطْلَانَ التَّعْلِيقِ يَقْتَضِي عَدَمَهُ، وَأَيْضًا خُرُوجُ الْمُعَلَّقِ مِنْ الْأَهْلِيَّةِ لَا يُوجِبُ الْبُطْلَانَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ عَاقِلًا ثُمَّ جُنَّ فَوُجِدَ الشَّرْطُ حَالَ جُنُونِهِ وَقَعَ كَمَا مَرَّ (قَوْلُهُ بِالْيَمِينِ لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هُنَا كَلِمَةُ قَيَّدَ سَاقِطَةٌ مِنْ النَّاسِخِ، وَالْأَصْلُ قَيَّدَ بِالْيَمِينِ لِأَنَّ إلَخْ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْرُك بِيَدِك لَيْسَ بِيَمِينٍ بِدُونِ تَعْلِيقٍ، وَإِذَا كَانَ مُعَلَّقًا لَا يَزُولُ الْأَمْرُ بِزَوَالِ الْمِلْكِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ عِبَارَةِ الْفَتْحِ الْمَذْكُورَةِ.

ص: 23

الْحَالِفُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِأَلْفٍ ذَكَرَ فِي وَاقِعَاتِ النَّاطِفِيِّ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ حَلَفَ رَجُلَانِ فِي أَيْدِيهِمَا دَارٌ حَلَفَ كُلٌّ أَنَّ الدَّارَ دَارُهُ، وَبَرْهَنَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَيَحْنَثَانِ، وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا حَنِثَ صَاحِبُ الْيَدِ لِتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَيْهِ. حَلَفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ ثُمَّ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَهَا الْيَوْمَ لَا كَفَّارَةَ، وَلَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَحْنَثْ، وَلَا كَفَّارَةَ، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ يَمِينُ الْغَمُوسِ فَلَا تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْقَضَاءِ فَلَمْ يَصِرْ فِيهَا مُكَذَّبًا شَرْعًا فَلَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ بِالْعِتْقِ، وَهُوَ عَدَمُ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ الْأُولَى بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ حَنِثَ فِي الْيَمِينَيْنِ لِأَنَّ لَهَا مَدْخَلًا فِي الْقَضَاءِ.

وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنًا فَحَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ مَا لَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَأَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ، وَقُضِيَ بِهِ لَهُ يُنْظَرُ إنْ قَالَ كَانَ لَهُ عَلَيَّ دَيْنٌ، وَأَوْفَيْته لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ طَلَقَتْ امْرَأَتُهُ، وَتَمَامُهُ فِيهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَهُنَا مَسَائِلَ فِي الْأَيْمَانِ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى دُونَ ظَاهِرِ اللَّفْظِ مِنْهَا لَوْ قَالَ سَكْرَانُ لِآخَرَ إنْ لَمْ أَكُنْ عَبْدًا لَك فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا يَحْنَثُ إنْ كَانَ مُتَوَاضِعًا لَهُ، وَمِنْهَا إنْ وَضَعْت يَدَك عَلَى الْمِغْزَلِ فَكَذَا فَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَيْهِ، وَلَمْ تَغْزِلْ لَا يَحْنَثُ، وَمِنْهَا إنْ دَفَعْت لِأَخِيك شَيْئًا، وَدَفَعَ إلَيْهَا أَرُزًّا لِتَدْفَعَ لَا يَحْنَثُ، وَمِنْهَا خَرَجَ مِنْ دَارِهِ، وَحَلَفَ لَا يَرْجِعُ ثُمَّ رَجَعَ لِشَيْءٍ نَسِيَهُ فِي دَارِهِ لَا يَحْنَثُ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ، وَفِيهَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْنِ لَهُ أَطْوَلُكُمَا حَيَاةً طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ فِي الْحَالِ فَلَوْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا بِنْتَ سِتِّينَ سَنَةً، وَالْأُخْرَى بِنْتَ عِشْرِينَ سَنَةً فَمَاتَتْ الْعَجُوزُ قَبْلَ الشَّابَّةِ طَلَقَتْ الشَّابَّةُ فِي الْحَالِ، وَلَا يَسْتَنِدُ خِلَافًا لِزُفَرَ قَالَ رحمه الله، وَلَوْ مَاتَتَا مَعًا لَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا. إنْ لَمْ تَخْرُجْ الْفُسَّاقُ مِنْ النَّارِ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا لَا تَطْلُقُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ. اهـ.

وَفِيهَا دَعَا امْرَأَتَهُ إلَى الْوِقَاعِ فَأَبَتْ فَقَالَ مَتَى يَكُونُ قَالَتْ غَدًا فَقَالَ إنْ لَمْ تَفْعَلِي لِي هَذَا الْمُرَادَ غَدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ نَسِيَاهُ حَتَّى مَضَى الْغَدُ لَا يَحْنَثُ اهـ.

وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا يَحْنَثُ، وَالْجَوَابُ إنَّ الْحِنْثَ شَرْطُهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهَا غَدًا وَتَمْتَنِعَ، وَلَمْ يَطْلُبْ فَلَا اسْتِثْنَاءَ.

(قَوْلُهُ وَإِلَّا لَا، وَانْحَلَّتْ) أَيْ إنْ لَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ فِي الْمِلْكِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَتَنْحَلُّ الْيَمِينُ إنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، وَأَمَّا بِمُجَرَّدِ عَدَمِ الشَّرْطِ فِي الْمِلْكِ لَا تَنْحَلُّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تُعْتَبَرُ الْأَهْلِيَّةُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ، وَفِي الطَّرِيقَةِ الرَّضَوِيَّةِ أَجْمَعْنَا أَنَّ الْأَهْلِيَّةَ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ تُعْتَبَرُ وَقْتَ الْيَمِينِ لَا وَقْتَ الشَّرْطِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُفِيقًا وَقْتَ الْيَمِينِ مَجْنُونًا وَقْتَ الشَّرْطِ يَصِحُّ وَيَقَعُ، وَعَلَى الْعَكْسِ لَا يَصِحُّ الْيَمِينُ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي وُجُودِ الشَّرْطِ فَالْقَوْلُ لَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُقُوعَ الطَّلَاقِ، وَهِيَ تَدَّعِيهِ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِالْأَصْلِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الشَّرْطِ، وَالْقَوْلُ لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ. اهـ.

لِأَنَّهُ لَا يَشْمَلُ مَا إذَا كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا، وَالْحُكْمُ قَبُولُ قَوْلِهِ مُطْلَقًا فَلِذَا لَوْ قَالَ لَهُمَا إنْ لَمْ تَدْخُلِي هَذِهِ الدَّارَ الْيَوْمَ فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ لَمْ أَدْخُلْهَا، وَقَالَ الزَّوْجُ بَلْ دَخَلْتِيهَا فَالْقَوْلُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لَهَا، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الدُّخُولِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا، وَأَقْوَى مِنْهُ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضَتِك فَالْقَوْلُ لَهُ أَنَّهُ جَامَعَهَا مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا مِنْ وَجْهَيْنِ كَوْنُ الْأَصْلِ عَدَمَ الْعَارِضِ، وَكَوْنُ الْحُرْمَةِ مَانِعَةً لَهُ مِنْ الْجِمَاعِ قَيَّدَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ لَوْ كَانَ فِي وَقْتِ الْمُضَافِ كَانَ الْقَوْلُ لَهَا كَمَا إذَا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ جَامَعْتُك، وَهِيَ طَاهِرَةٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ إنْشَاءُ الْجِمَاعِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ شَرْعًا أَمَّا إذَا كَانَتْ طَاهِرَةً فَلِكَوْنِهِ اعْتَرَفَ بِالسَّبَبِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْمُضَافَ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ بِخِلَافِ الْمُعَلَّقِ، وَفِي الْكَافِي مِنْ هَذَا الْبَابِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْمَوْطُوءَةِ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ طَلَقَتْ الشَّابَّةُ فِي الْحَالِ) حَاصِلُهُ أَنَّهُ مَا دَامَتَا حَيَّتَيْنِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَإِنْ مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا تَكُونُ الْبَاقِيَةُ أَطْوَلَهُمَا حَيَاةً، وَلَا يُنْظَرُ إلَى السِّنِّ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْيَتِيمَةِ قَالَ وَأَنْشَدَ لَنَا شِعْرًا

وَإِنَّ حَيَاةَ الْمَرْءِ بَعْدَ عُدُوِّهِ

وَلَوْ سَاعَةً مِنْ عُمْرِهِ لَكَثِيرٌ

ص: 24

طُهْرٍ خَالٍ عَنْ الطَّلَاقِ وَالْوَطْءِ عَقِيبَ حَيْضٍ خَالٍ عَنْ الطَّلَاقِ وَالْوَطْءِ فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ، وَادَّعَى الزَّوْجُ جِمَاعَهَا وَطَلَاقَهَا فِي الْحَيْضِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَنْعِ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ لِانْعِقَادِ الْمُضَافِ سَبَبًا لِلْحَالِ، وَإِنَّمَا يَتَرَاخَى حُكْمُهُ فَقَطْ فَدَعْوَى الطَّلَاقِ أَوْ الْجِمَاعِ بَعْدَهُ دَعْوَى الْمَانِعِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَنْعِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فِي الطُّهْرِ لَكِنْ يَقَعُ طَلَاقٌ آخَرُ بِإِقْرَارِهِ بِالطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ، وَإِنْ ادَّعَى الطَّلَاقَ أَوْ الْجِمَاعَ، وَهِيَ حَائِضٌ صُدِّقَ.

وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أُجَامِعْك فِي حَيْضَتِك فَأَنْت طَالِقٌ فَادَّعَى الْجِمَاعَ فِي الْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ إنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا عِنْدَ الشَّرْطِ لِمَا عُرِفَ فَإِذَا أَنْكَرَ الشَّرْطَ فَقَدْ أَنْكَرَ السَّبَبَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ لَا أَقْرَبُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ ادَّعَى قُرْبَانَهَا فِي الْمُدَّةِ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْإِيلَاءَ سَبَبٌ فِي الْحَالِ لَكِنْ تَرَاخَى وُقُوعُ الطَّلَاقِ إلَى مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَقَدْ مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَوَقَعَ ظَاهِرًا فَدَعْوَى الْقُرْبَانِ فِي الْمُدَّةِ دَعْوَى الْمَانِعِ فَلَا يُقْبَلُ، وَلَوْ ادَّعَى الْقُرْبَانَ قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ بَعْدُ، وَقَدْ أَخْبَرَ عَمَّا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أَقْرَبْكِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأَنْت طَالِقٌ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ ادَّعَى الْقُرْبَانَ فِي الْمُدَّةِ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِصَرِيحِ الشَّرْطِ فَمَتَى أَنْكَرَ الشَّرْطَ فَقَدْ أَنْكَرَ السَّبَبَ فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ: وَإِنْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ طَلَّقْتُك ثُمَّ خَيَّرَهَا فَقَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي فِي الْمَجْلِسِ، وَادَّعَى أَنَّك أَخَذْت فِي عَمَلٍ آخَرَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ، وَأَنْكَرَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ لِأَنَّ سَبَبَ الطَّلَاقِ وُجِدَ، وَالظَّاهِرُ وُقُوعُهُ فَدَعْوَاهُ الْإِعْرَاضَ دَعْوَى الْمُبْطِلِ فَلَا يُقْبَلُ، وَإِذَا ثَبَتَ الطَّلَاقُ ثَبَتَ الْعِتْقُ لِبِنَائِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ تَشْتَغِلِي بِعَمَلٍ آخَرَ فَادَّعَى الِاشْتِغَالَ بِعَمَلٍ آخَرَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ شَرْطَ الْعِتْقِ، وَتَطْلُقُ لِمَا مَرَّ.

وَلَوْ بَاعَ عَبْدَهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِلْبَائِعٍ ثُمَّ قَالَ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَنَا فَعَبْدُهُ حُرٌّ فَمَضَتْ مُدَّةُ الْخِيَارِ ثُمَّ ادَّعَى النَّقْضَ فِي الْمُدَّةِ لَا يُقْبَلُ، وَيَثْبُتُ الْمِلْكُ وَالْعِتْقُ لِأَنَّ الْمُدَّةَ إذَا مَضَتْ فَالظَّاهِرُ ثُبُوتُ الْمِلْكِ نَظَرًا إلَى السَّبَبِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ ثَبَتَ الْعِتْقُ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَمْ أَنْقُضْ الْبَيْعَ فِي الثَّلَاثِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَادَّعَى النَّقْضَ بَعْدَهُ لَمْ يَعْتِقْ لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ، وَالْمِلْكُ ثَابِتٌ لِمَا مَرَّ. اهـ.

وَفِيهِ مِنْ آخِرِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ كُلُّ أَمَةٍ لِي حُرَّةٌ إلَّا أُمَّهَاتِ أَوْلَادِي ثُمَّ ادَّعَى أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ فِيهِنَّ أَوْ بَعْضُهُنَّ لَا يُصَدَّقُ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُنَّ وَلَدٌ أَوْ لَا، وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّيِّدَ إذَا أَوْجَبَ الْعِتْقَ بِلَفْظٍ عَامٍّ، وَاسْتَثْنَى بِوَصْفٍ خَاصٍّ ثُمَّ ادَّعَى وُجُودَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الْوَصْفُ عَارِضًا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلِيًّا قُبِلَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ.

وَإِنْ أَوْجَبَ الْعِتْقَ بِلَفْظٍ خَاصٍّ ثُمَّ أَنْكَرَ وُجُودَ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْإِعْتَاقَ أَصْلًا، وَهُنَا أَوْجَبَ الْعِتْقَ بِلَفْظٍ عَامٍّ، وَاسْتَثْنَى بِوَصْفٍ خَاصٍّ عَارِضِيٍّ فَكَانَ مُدَّعِيًا إبْطَالَ الْعِتْقِ الثَّابِتِ أَصْلًا فَلَمْ يُصَدَّقْ، وَقِيَامُ الْوَلَدِ لَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ دَعْوَاهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَكِنْ يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ لِحُصُولِ الدَّعْوَةِ فِي مِلْكِهِ، وَعِتْقِ الْوَلَدِ، وَلَمْ تَصِرْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ لِأَنَّهَا عَتَقَتْ بِالْإِيجَابِ الْعَامِّ، وَلَوْ عَرَفَ دَعْوَى النَّسَبِ مِنْ الْمَوْلَى قَبْلَ الْخُصُومَةِ، وَاخْتَلَفُوا فَقَالَ الْمَوْلَى كُنْت ادَّعَيْت قَبْلَ الْيَمِينِ، وَلَمْ تَعْتِقْ الْأَمَةُ، وَقَالَتْ الْأَمَةُ ادَّعَيْت بَعْدَ الْيَمِينِ، وَقَدْ عَتَقَتْ فَالْقَوْلُ لِلْمَوْلَى لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ تَثْبُتُ فِي الْحَالِ، وَالْحَالُ يَدُلُّ عَلَى مَا قَبْلَهُ لِمَا عُرِفَ فَإِنْ قِيلَ لِلْأَمَةِ ظَاهِرٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ قُلْنَا هِيَ بِظَاهِرِهَا تُثْبِتُ الِاسْتِحْقَاقَ، وَهُوَ يَدْفَعُ، وَلَوْ قَالَ إلَّا أَمَةً خَبَّازَةً أَوْ اشْتَرَيْتهَا مِنْ زَيْدٍ أَوْ نَكَحْتهَا الْبَارِحَةَ أَوْ إلَّا ثَيِّبًا، وَادَّعَى ذَلِكَ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ عَارِضَةٌ لَكِنَّ الْقَاضِيَ يُرِيهَا النِّسَاءَ فَإِنْ قُلْنَ ثَيِّبٌ لَا تَعْتِقُ، وَيَحْلِفُ السَّيِّدُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُنَّ ضَعِيفَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُؤَيِّدٍ، وَهُوَ حَلِفُ الْمَوْلَى، وَإِنْ قُلْنَ بِكْرٌ أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِنَّ عَتَقَتْ بِالْإِيجَابِ الْعَامِّ لِعَدَمِ صِفَةِ ثُبُوتِ الْمُسْتَثْنَى، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَخَاصَمَ وَاخْتَلَفُوا فَقَالَ أَصَبْتهَا قَبْلَ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 25

الْحَلِفِ، وَقَالَتْ أَصَبْتنِي بَعْدَ الْحَلِفِ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ الْحَالَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَبْلَهُ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَّا أَمَةً بِكْرًا أَوْ لَمْ أَشْتَرِهَا مِنْ فُلَانٍ أَوْ لَمْ أَطَأْهَا الْبَارِحَةَ أَوْ إلَّا خُرَاسَانِيَّةً ثُمَّ ادَّعَى ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذِهِ صِفَةٌ أَصْلِيَّةٌ إذْ الْأَصْلُ هِيَ الْبَكَارَةُ، وَعَدَمُ الْوِلَادَةِ، وَعَدَمُ الشِّرَاءِ مِنْ فُلَانٍ، وَعَدَمُ الْوَطْءِ، وَكَذَا الْخُرَاسَانِيَّةُ لِأَنَّ الْخُرَاسَانِيَّةَ مَنْ يَكُونُ مَوْلِدُهَا بِخُرَاسَانَ فَكَانَتْ صِفَةً أَصْلِيَّةً مُقَارِنَةً لِحُدُوثِ الذَّاتِ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ أَمَةٍ لِي بِكْرٌ أَوْ ثَيِّبٌ أَوْ اشْتَرَيْتهَا مِنْ فُلَانٍ أَوْ لَمْ اشْتَرِهَا مِنْهُ أَوْ نَكَحْتهَا الْبَارِحَةَ أَوْ وَلَدَتْ مِنِّي أَوْ لَمْ تَلِدْ مِنِّي أَوْ خَبَّازَةٌ أَوْ غَيْرُ خَبَّازَةٍ فَهِيَ حُرَّةٌ ثُمَّ أَنْكَرَ هَذِهِ الْأَوْصَافَ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْعِتْقَ بِوَصْفٍ خَاصٍّ ثُمَّ أَنْكَرَ وُجُودَ ذَلِكَ الْوَصْفِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. اهـ.

وَيَجْرِي هَذَا فِي الطَّلَاقِ أَيْضًا فَلَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا امْرَأَةً خَبَّازَةً أَوْ وَطِئْتهَا الْبَارِحَةَ، وَنَحْوُهُ، وَادَّعَى ذَلِكَ لَا يُقْبَلُ إلَى آخَرِ الْمَسَائِلِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُتُونِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِعَدَمِ وُصُولِ نَفَقَتِهَا شَهْرًا ثُمَّ ادَّعَى الْوُصُولَ، وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَقَوْلُهَا فِي عَدَمِ وُصُولِ الْمَالِ، وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ فَقَالَ إنْ لَمْ تَصِلْ نَفَقَتِي إلَيْك عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ اخْتَلَفَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ فَادَّعَى الزَّوْجُ الْوُصُولَ، وَأَنْكَرَتْ هِيَ فَالْقَوْلُ لَهُ اهـ.

لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي إيفَاءَ حَقٍّ، وَهِيَ تُنْكِرُ كَمَا قُبِلَ قَوْلُهَا فِي عَدَمِ وُصُولِ الْمَالِ، وَهُوَ يَقْتَضِي تَخْصِيصَ الْمُتُونِ، وَكَأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ضِمْنِ قَبُولِ قَوْلِهَا فِي عَدَمِ وُصُولِ الْمَالِ.

وَهَذَا التَّقْرِيرُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ خَوَاصِّ هَذَا الشَّرْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ إلَّا إذَا بَرْهَنَتْ) أَيْ أَقَامَتْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ لِأَنَّهَا نَوَّرَتْ دَعْوَاهَا بِالْحُجَّةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ عَدَمِيًّا فَإِنَّ بُرْهَانَهَا عَلَيْهِ مَقْبُولٌ لِمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الشَّرْطُ يَجُوزُ إثْبَاتُهُ بِبَيِّنَةٍ، وَلَوْ كَانَ نَفْيًا كَمَا لَوْ قَالَ لِقِنِّهِ إنْ لَمْ أَدْخُلْ الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ فَبَرْهَنَ الْقِنُّ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهَا يَعْتِقُ قِيلَ فَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إنْ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ ثُمَّ ضَرَبَهَا، وَقَالَ ضَرَبْتهَا بِجِنَايَةٍ وَبَرْهَنَتْ أَنَّهُ ضَرَبَهَا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَتُهَا، وَإِنْ أَقَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِقِيَامِهَا عَلَى الشَّرْطِ حَلَفَ إنْ لَمْ تَجِئْ صِهْرَتِي هَذِهِ اللَّيْلَةَ فَامْرَأَتِي كَذَا فَشَهِدَ أَنَّهُ حَلَفَ كَذَا، وَلَمْ تَجِئْ صِهْرَتُهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ، وَطَلَقَتْ امْرَأَتُهُ تُقْبَلُ لِأَنَّهَا عَلَى النَّفْيِ صُورَةً، وَعَلَى إثْبَاتِ الطَّلَاقِ حَقِيقَةً، وَالْعِبْرَةُ لِلْمَقَاصِدِ لَا لِلصُّورَةِ كَمَا لَوْ شَهِدَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ فِي الْقُنْيَةِ) ذَكَرَ فِيهَا مِنْ بَابِ التَّفْوِيضِ مَا نَصُّهُ ع إنْ غِبْت عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ تَصِلْ إلَيْك النَّفَقَةُ فَالْأَمْرُ بِيَدِك ثُمَّ اخْتَلَفَا بَعْدَ مُضِيِّهَا فِي وُصُولِ النَّفَقَةِ فَالْقَوْلُ لِلْمَرْأَةِ ص مِثْلُهُ م عَلَى الْعَكْسِ. اهـ.

وَالرَّمْزُ الْأَوَّلُ لِلْعُيُونِ وَالثَّانِي لِلْأَصْلِ وَالثَّالِثُ لِلْمُنْتَقَى (قَوْلُهُ لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ جَزَمَ هَذَا الشَّارِحُ فِي فَتَاوَاهُ بِمَا يَقْتَضِيه كَلَامُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ، وَالشُّرُوحِ لِأَنَّهَا الْكُتُبُ الْمَوْضُوعَةُ لِنَقْلِ الْمَذْهَبِ كَمَا لَا يَخْفَى كَذَا ذَكَرَ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ، وَأَقُولُ: قَالَ فِي الْفَيْضِ لِلْكَرْكِيِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ. اهـ.

وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ بِأَنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيُحْمَلُ إطْلَاقُ الْمُتُونِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ دَعْوَى إيصَالِ مَالٍ فَتَأَمَّلْ، وَفِي فُصُولِ الْأُسْرُوشَنِيِّ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَجَعَلَ الثَّالِثَ رَامِزًا لِلذَّخِيرَةِ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي عَدَمِ الْوُصُولِ إلَيْهَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ، وَأَقُولُ: هَذَا الْقَوْلُ عِنْدِي، وَسَطٌ، وَالْحَاصِل أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ كَلَامًا كَثِيرًا، وَقَدْ كَتَبْنَا أَيْضًا شَيْئًا عَلَى جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ.

وَمَا اخْتَارَهُ الْمُحَشِّي هُوَ مَا عَلَيْهِ الْمُتُونُ كَمَا لَا يَخْفَى لَكِنْ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْأَقْوَالَ ثَلَاثَةٌ لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ صَاحِبَ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ذَكَرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَنَّهُ يُصَدَّقُ الزَّوْجُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْحُكْمَ ثُمَّ ذَكَرَ الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَنَّهُ لَا يُصَدَّقُ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الذَّخِيرَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَوْلَ لِلزَّوْجِ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ لَا فِي حَقِّ وُصُولِ النَّفَقَةِ إلَيْهِ بِدَلِيلِ التَّعْلِيلِ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْحُكْمَ أَيْ حُكْمَ التَّعْلِيقِ، وَهُوَ الْحِنْثُ بِوُجُودِ الشَّرْطِ أَمَّا كَوْنُ الْقَوْلِ لَهُ فِي وُصُولِ النَّفَقَةِ إلَيْهَا أَيْضًا فَلَا وَجْهَ لَهُ أَصْلًا لِأَنَّهَا مُنْكِرَةٌ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَلَا سِيَّمَا إذَا عَلَّقَ عَلَى عَدَمِ أَدَاءِ الدَّيْنِ لِدَائِنِهِ فِي، وَقْتِ كَذَا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْقَوْلُ لِلْحَالِفِ فِي الْأَدَاءِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ مَا فِي الذَّخِيرَةِ تَفْصِيلٌ، وَبَيَانٌ لِهَذَا الْقَوْلِ لَا قَوْلٌ ثَالِثٌ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمُتُونِ، وَأَفْتَى بِهِ فِي فَتَاوَاهُ لَكِنْ أَخَّرَ كَلَامًا هُنَا يُفِيدُ تَرْجِيحَ الْقَوْلِ الْآخَرِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ قَاسِمٌ مِنْ أَنَّ التَّصْحِيحَ الصَّرِيحَ أَقْوَى مِنْ الِالْتِزَامِيِّ، وَعَلَى مَا قَالَهُ الْبُرْهَانُ الْحَلَبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِقَيْدٍ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُهُ مَا يُخَالِفُهُ يَجِبُ الْأَخْذُ بِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ) عِبَارَتُهُ هُنَاكَ، وَإِنْ ادَّعَى وُصُولَ النَّفَقَةِ إلَيْهَا، وَادَّعَتْ حُصُولَ الشَّرْطِ قِيلَ الْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْوُقُوعَ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ وُصُولُ النَّفَقَةِ إلَيْهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهَا فِي هَذَا، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَدَّعِي إيفَاءَ حَقٍّ، وَهِيَ تُنْكِرُ

ص: 26

أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَاسْتَثْنَى وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ أَسْلَمَ، وَلَمْ يَسْتَثْنِ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ إثْبَاتِ الْإِسْلَامِ، وَلَوْ كَانَ فِيهَا نَفْيٌ إذْ غَرَضُهُمَا إثْبَاتُ إسْلَامِهِ ثُمَّ رُقِمَ بِعَلَامَةِ مح قَالَ تُقْبَلُ عَلَى الشَّرْطِ، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا اهـ.

فَإِنْ قُلْت سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ فِي هَذَا الْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ فِي الْكُوفَةِ لَمْ يَعْتِقْ يَعْنِي عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ.

وَعَلَّلُوا لَهُمَا بِأَنَّهَا شَهَادَةُ نَفْيٍ مَعْنًى لِأَنَّهَا بِمَعْنًى لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَهَادَةَ النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ عَلَى الشَّرْطِ قُلْت قَدْ اخْتَلَفُوا فِي بِنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقِيلَ إنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَى فِي شَهَادَةِ عِتْقِ الْقِنِّ قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَوْ وُضِعَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الْأَمَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَعْتِقَ وِفَاقًا إذْ دَعْوَاهَا الْعِتْقَ لَا يُشْتَرَطُ اهـ.

فَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ، وَأَمَّا عَلَى مَا عَلَّلَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهَا قَامَتْ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا نَفْيُ الْحَجِّ لَا إثْبَاتُ التَّضْحِيَةِ لِأَنَّهَا لَا مُطَالِبَ بِهَا فَصَارَ كَمَا إذَا شَهِدُوا أَنَّهُ لَمْ يَحُجَّ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ هَذَا النَّفْيَ مِمَّا يُحِيطُ بِهِ عِلْمُ الشَّاهِدِ، وَلَكِنَّهُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ نَفْيٍ، وَنَفْيٍ تَيْسِيرًا اهـ. فَمُشْكِلٌ.

وَلِذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَوْجَهُ ظَاهِرُهُ تَسْلِيمُ أَنَّهَا عَلَى الشَّرْطِ مَقْبُولَةٌ، وَلَوْ نَفْيًا، وَقَدْ نَقَلَهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ أَيْضًا، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ وُجِدَ، وَأَنْكَرَ فَالْقَوْلُ لَهُ إلَّا إذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ لِلطَّلَاقِ، وَلَا أَنْ تُبَرْهِنَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ تُقْبَلُ حِسْبَةً بِلَا دَعْوَى، وَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَرْأَةِ وَالْأَمَةِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ حُضُورُ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى صَحَّ تَحْضُرُ الْمَرْأَةُ لِيُشِيرَ إلَيْهَا الشُّهُودُ ط لَوْ شَهِدَا أَنَّهُ أَبَانَ امْرَأَتَهُ فُلَانَةَ فَقَالَتْ لَمْ يُطَلِّقْنِي، وَقَالَ الزَّوْجُ لَيْسَ اسْمُهَا فُلَانَةَ، وَشَهِدَا أَنَّ اسْمَهَا فُلَانَةُ فَالْقَاضِي يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، وَيُمَاثِلُهُ عِتْقُ الْأَمَةِ فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ حَرَّرَهَا، وَأَنَّ اسْمَهَا كَذَا، وَقَالَتْ لَمْ يُحَرِّرْنِي فَالْقَاضِي يَحْكُمُ بِعِتْقِهَا، وَالشَّهَادَةُ بِحُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ وَالْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ بِدُونِ الدَّعْوَى تُقْبَلُ، وَيُشْتَرَطُ حُضُورُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الدَّعْوَى فِي الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ، وَفِي عِتْقِ الْأَمَةِ وَالطَّلَاقِ بِدُونِ الدَّعْوَى قِيلَ يَحْلِفُ، وَقِيلَ لَا فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ، وَفِي الْقُنْيَةِ ادَّعَتْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَالزَّوْجُ يَقُولُ طَلَّقْتهَا بِالشَّرْطِ، وَلَمْ يُوجَدْ فَالْبَيِّنَةُ فِيهِ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ، وَلَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ حَلَفَ لَا يَضُرُّ بِهَا، وَادَّعَى هُوَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ، وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَيَثْبُتُ كِلَا الْأَمْرَيْنِ، وَتَطْلُقُ بِأَيِّهِمَا كَانَ. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمُتَضَادَّتَيْنِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ شَرِبْت مُسْكِرًا بِغَيْرِ إذْنِك فَأَمْرُك بِيَدِك فَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ، وَأَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ بِإِذْنِهَا فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا فَالْقَوْلُ لَهَا فِي حَقِّهَا كَأَنْ حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ، وَفُلَانَةُ أَوْ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي فَأَنْت طَالِقٌ وَفُلَانَةُ فَقَالَتْ حِضْت أَوْ أُحِبُّك طَلَقَتْ هِيَ فَقَطْ) عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ مَأْمُورَةٌ بِإِظْهَارِ مَا فِي رَحِمِهَا، وَفَائِدَتُهُ تَرْتِيبُ أَحْكَامِ الطُّهْرِ، وَهُوَ فَرْعُ قَبُولِ قَوْلِهَا كَمَا قُبِلَ إخْبَارُهَا بِالْحَيْضِ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَحُرْمَةِ جِمَاعِهَا وَبِالطُّهْرِ، وَبِقَوْلِهَا طَهُرَتْ فِي حِلِّهِ، وَهِيَ مُتَّهَمَةٌ فِي حَقِّ غَيْرِهَا إنْ كَذَّبَهَا الزَّوْجُ، وَإِنْ صَدَّقَهَا طَلَقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ فِي حَقِّهَا شَرْعًا الْإِخْبَارُ بِهِ لِأَنَّهَا أَمِينَةٌ، وَفِي حَقِّ ضَرَّتِهَا مُتَّهَمَةٌ، وَشَهَادَتُهَا عَلَى ذَلِكَ شَهَادَةُ فَرْدٍ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُ الْإِنْسَانِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ اقْتَصَرَ عَلَى نَصِيبِهِ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الْبَاقُونَ، وَالْمُشْتَرِي إذَا أَقَرَّ بِالْمَبِيعِ لِمُسْتَحِقٍّ لَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْمُقِرَّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لَمْ يَتَعَدَّ ضَرَرُ إقْرَارِهِ إلَى أَحَدٍ، وَهُنَا تَعَدَّى إلَى الزَّوْجِ بِقَطْعِ الْعِصْمَةِ مَعَ كَوْنِهَا مُتَّهَمَةً فِي حَقِّ نَفْسِهَا أَيْضًا، وَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْحَيْضِ عِنْدَ الْإِخْبَارِ أَمَّا بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فَلَا لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ فَيُشْتَرَطُ قِيَامُ الشَّرْطِ بِخِلَافِ إنْ حِضْت حَيْضَةً حَيْثُ يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي الطُّهْرِ الَّذِي يَلِي الْحَيْضَةَ لَا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَيَثْبُتُ كِلَا الْأَمْرَيْنِ إلَخْ) أَقُولُ: رَأَيْت فِي نُسْخَتِي الْقُنْيَةِ مِنْ هَذَا الْمَحَلِّ مَكْتُوبًا عَلَى هَامِشِهَا مَا نَصُّهُ هَذَا خِلَافُ رِوَايَةِ الْفُصُولِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ فِي هَذَا، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ الْيَمِينِ تَأَمَّلْ جِدًّا اهـ.

مَا رَأَيْته أَقُولُ: وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَصْلِ الْحَلِفِ، وَاخْتَلَفَا فِي الْقَيْدِ، وَهُوَ مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي وُجُودَ الْقَيْدِ، وَهِيَ تُنْكِرُهُ فَكَأَنَّهُ يَدَّعِي بِذَلِكَ عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَهِيَ تَدَّعِي وُقُوعَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، وَلَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَيْثُ قَالَ وَيَشْمَلُ مَا إذَا ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ، وَأَنْكَرَتْهُ فَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَكَذَا فِي دَعْوَى الشَّرْطِ.

(قَوْلُهُ وَبِالطُّهْرِ، وَبِقَوْلِهَا طَهُرْت فِي حِلِّهِ) كَذَا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ النُّسَخِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ، وَبِقَوْلِهَا زَائِدَةٌ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ لِأَنَّ الْمَعْنَى، وَكَمَا قُبِلَ إخْبَارُهَا

ص: 27

لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الشَّرْطِ حَالَ عَدَمِهِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهَا أَمِينَةً فِيمَا تُخْبِرُ بِهِ عَنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ ضَرُورَةَ إقَامَةِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِمَا فَمَا دَامَتْ الْأَحْكَامُ قَائِمَةً كَانَ الِاسْمَانِ قَائِمَيْنِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَتُصَدَّقُ.

وَإِذَا كَانَتْ الْأَحْكَامُ مُنْقَضِيَةً كَانَ الِاسْمَانِ غَيْرَ ثَابِتَيْنِ فَلَا تُصَدَّقُ بِخِلَافِ الْمُودَعِ لَوْ قَالَ رَدَدْتهَا أَوْ هَلَكَتْ يُصَدَّقُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِتَصْدِيقِهِ قِيَامُ الْأَمَانَةِ لِأَنَّهُ صَارَ أَمِينًا مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الْمَالِ صَرِيحًا، وَابْتِدَاءً لَا لِضَرُورَةٍ حَيْثُ ائْتَمَنَهُ صَاحِبُ الْمَالِ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ حِضْت لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَقَالَتَا حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُمَا فَإِنْ صَدَّقَ إحْدَاهُمَا، وَكَذَّبَ الْأُخْرَى طَلَقَتْ الْمُكَذَّبَةُ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا فَقَالَ ذَلِكَ فَقُلْنَ حِضْنَا لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ إلَّا أَنْ يُصَدِّقْهُنَّ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ إحْدَاهُنَّ فَإِنْ صَدَّقَ ثِنْتَيْنِ فَقَطْ طَلَقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ، وَلَوْ كُنَّ أَرْبَعًا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يُطَلَّقْنَ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ، وَكَذَا إنْ صَدَّقَ إحْدَاهُنَّ أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا فَقَطْ طَلَقَتْ الْمُكَذَّبَةُ دُونَ الْمُصَدَّقَاتِ، وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ مِنْ الشَّرْحِ، وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ لِنِسَائِهِ الْأَرْبَعِ إذَا حِضْتُنَّ حَيْضَةً فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ حِضْت حَيْضَةً، وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ طَلَقْنَ لِأَنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِنَّ حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِأَنَّ اجْتِمَاعَهُنَّ عَلَى حَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يُتَصَوَّرُ فَيُجْعَلُ ذَلِكَ مَجَازًا عَنْ حَيْضَةِ إحْدَاهُنَّ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ إذَا حِضْتُمَا حَيْضَةً، وَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَحَاضَتْ إحْدَاهُمَا طَلَقَتَا، وَإِنْ كَذَّبَهَا طَلَقَتْ وَحْدَهَا تَطْلِيقَةً لِأَنَّهَا مُصَدَّقَةٌ فِي حَقِّهَا دُونَ ضِرَّاتِهَا.

وَلَوْ قَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ حِضْت حَيْضَةً طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةً صَدَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ كَذَّبَهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُصَدَّقَةٌ شَرْعًا فِيمَا بَيْنَهَا، وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَلَوْ قَالَ كُلَّمَا حِضْتُنَّ حَيْضَةً فَأَنْتُنَّ طَوَالِقُ فَقَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ حِضْت حَيْضَةً فَإِنْ كَذَّبَهُنَّ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ تَطْلِيقَةً لِأَنَّهُ ثَبَتَ حَيْضَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ فِي حَقِّ نَفْسِهَا خَاصَّةً دُونَ صَوَاحِبِهَا فَلَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَّا شَرْطُ طَلَاقِ وَاحِدَةٍ، وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً دُونَ الثَّلَاثِ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ ثِنْتَيْنِ، وَالْمُصَدَّقَةُ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ دُونَ حَقِّ صَوَاحِبِهَا، وَثَبَتَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ حَيْضَتَانِ حَيْضُهَا بِإِخْبَارِهَا، وَحَيْضَةُ الْمُصَدَّقَةِ بِالتَّصْدِيقِ، وَإِنْ صَدَّقَ مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ طَلَقَتْ كُلُّ مُصَدِّقَةٍ ثِنْتَيْنِ لِوُجُودِ حَيْضَتَيْنِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدَةٍ حَيْضَتُهَا، وَحَيْضَةُ صَاحِبَتِهَا الْمُصَدَّقَةِ، وَكُلُّ مُكَذَّبَةٍ ثَلَاثًا لِوُجُودِ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي حَقِّهَا حَيْضَتِهَا، وَحَيْضَتَيْ الْمُصَدَّقَتَيْنِ، وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ ثَلَاثًا لِثُبُوتِ ثَلَاثِ حِيَضٍ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَاتِ، وَأَرْبَعِ حِيَضٍ فِي حَقِّ الْمُكَذَّبَةِ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الضَّرَّةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي تَصْدِيقِهِ، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَصْدِيقِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ وُجُودَ الْحَيْضِ مِنْهَا أَمَّا إذَا عَلِمَ طَلَقَتْ فُلَانَةُ أَيْضًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ لَا يَعْلَمُ إلَّا مِنْهَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعْلَمُ مِنْ غَيْرِهَا تَوَقَّفَ الْوُقُوعُ عَلَى تَصْدِيقِهِ أَوْ الْبَيِّنَةُ كَالدُّخُولِ وَالْكَلَامِ اتِّفَاقًا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا فَقَالَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ لَا بُدَّ مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَا يَشْمَلُ مَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ بِغَيْرِ إذْنِهَا لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ شَرِبْت مُسْكِرًا بِغَيْرِ إذْنِك فَأَمْرُك بِيَدِك، وَشَرِبَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْإِذْنِ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَالْبَيِّنَةُ لَهَا. اهـ.

وَفِي الصَّيْرَفِيَّةِ إنْ ذَهَبْت إلَى بَيْتِ أَبِي بِغَيْرِ إذْنِك فَأَنْت طَالِقٌ فَادَّعَى إذْنَهَا، وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ اهـ.

مَعَ أَنَّ الْإِذْنَ لَا يُسْتَفَادُ إلَّا مِنْهَا، وَلَكِنْ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ بِالْقَوْلِ

ــ

[منحة الخالق]

بِالطُّهْرِ بِقَوْلِهَا طَهُرْت فِي حِلِّ الْجِمَاعِ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ ظَاهِرٌ مِنْ الشَّرْحِ) قَالَ فِيهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ حَيْضَ جَمِيعِهِنَّ شَرْطٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهِنَّ، وَلَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى تَرَى جَمِيعَهُنَّ الْحَيْضَ، وَإِنْ حَاضَتْ بَعْضُهُنَّ يَكُونُ ذَلِكَ بَعْضَ الْعِلَّةِ، وَهِيَ لَا يَثْبُتُ بِهَا الْحُكْمُ فَإِنْ قُلْنَ جَمِيعًا قَدْ حِضْنَا لَا يَثْبُتُ حَيْضُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ إلَّا فِي حَقِّهَا، وَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُنَّ فَيَثْبُتَ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ، وَإِنْ صَدَّقَ الْبَعْضَ، وَكَذَّبَ الْبَعْضَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَاحِدَةً طَلَقَتْ هِيَ وَحْدَهَا لِتَمَامِ الشَّرْطِ فِي حَقِّهَا لِأَنَّ قَوْلَهَا مَقْبُولٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا، وَقَدْ صَدَّقَ غَيْرَهَا فَتَمَّ الشَّرْطُ فِيهَا، وَلَا يُطَلِّقُ غَيْرَهَا لِأَنَّ الْمُكَذَّبَةَ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي حَقِّ غَيْرِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ فِي حَقِّ غَيْرِهَا، وَإِنْ كَذَّبَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُكَذَّبَاتِ لَمْ يَثْبُتْ حَيْضُهَا إلَّا فِي حَقِّ نَفْسِهَا فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْضَ الْعِلَّةِ، وَلَا تَطْلُقُ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ حَتَّى يُصَدِّقَ غَيْرَهَا جَمِيعًا (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْحَيْضَ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُصَدَّقَةِ دُونَ حَيْضِ صَوَاحِبِهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي حَقِّهَا لِتَكْذِيبِهِنَّ بَلْ ثَبَتَ حَيْضُهُنَّ فِي حَقِّهِنَّ فَقَطْ (قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُوَقَّعَ عَلَى الضَّرَّةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَا يُنَافِيه مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ.

وَمَا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهَا إلَخْ إذْ ذَاكَ فِيمَا إذَا أَشْكَلَ أَمْرُهَا، وَذَا فِيمَا لَمْ يُشْكِلْ بِأَنْ أَخْبَرَتْ فِي، وَقْتِ عِدَّتِهَا الْمَعْرُوفَةِ لِزَوْجِهَا وَضِرَّتِهَا، وَشُوهِدَ الدَّمُ مِنْهَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ شَكٌّ تَأَمَّلْ

ص: 28

بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ، وَمِنْ قَبِيلِ الدُّخُولِ وَالْكَلَامِ مَا لَوْ عَلَّقَ بِقَوْلِهِ إنْ كُنْت جَائِعَةً فِي بَيْتِي قَالَ قَاضِي خَانْ إنْ لَمْ تَكُنْ جَائِعَةً فِي غَيْرِ الصَّوْمِ لَا يَكُونُ حَانِثًا، وَمِنْهُ مَا لَوْ عَلَّقَهُ بِقَوْلِهِ إنْ لَمْ أُشْبِعْك مِنْ الْجِمَاعِ قَالَ الْقَاضِي إنْ جَامَعَهَا حَتَّى أَنْزَلَتْ فَقَدْ أَشْبَعَهَا. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ، وَالْمَسَرَّةُ كَالْمَحَبَّةِ، وَكَذَا الْغَيْرَةُ بِاللِّسَانِ لَا بِالْقَلْبِ. اهـ.

وَقَدْ سَوَّى الْمُصَنِّفُ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالْحَيْضِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ إلَّا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَحَبَّةِ يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ تَخْيِيرًا حَتَّى لَوْ قَامَتْ، وَقَالَتْ أُحِبُّك لَا تَطْلُقُ، وَالتَّعْلِيقُ بِالْحَيْضِ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ، وَالثَّانِي أَنَّهَا إذَا كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ تَطْلُقُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَحَبَّةِ لِمَا قُلْنَا، وَفِي التَّعْلِيقِ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَحِلَّ وَطْؤُهَا دِيَانَةً لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمَحَبَّةِ وَالْبُغْضِ أَمْرٌ خَفِيٌّ لَا يُوقَفُ عَلَيْهَا مِنْ قِبَلِ أَحَدٍ لَا مِنْ قِبَلِهَا، وَلَا مِنْ قِبَلِ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْقَلْبَ يَتَقَلَّبُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى شَيْءٍ فَلَمَّا لَمْ يُوقَفْ عَلَيْهَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِإِخْبَارِهَا لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ لَا تُنَاطُ بِأَحْكَامٍ خَفِيَّةٍ.

وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ كُنْت أَنَا أُحِبُّ كَذَا ثُمَّ قَالَ لَسْت أُحِبُّهُ، وَهُوَ كَاذِبٌ فَهِيَ امْرَأَتُهُ يَسَعُهُ وَطْؤُهَا دِيَانَةً قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهِ حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ مَا فِي قَلْبِهَا لَكِنَّ الطَّرِيقَ مَا قُلْنَا إنَّ الْحُكْمَ يُدَارُ عَلَى الظَّاهِرِ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُبْغِضِينِي، وَلَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي بِقَلْبِك فَقَالَتْ أُحِبُّك طَلَقَتْ دِيَانَةً وَقَضَاءً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ فِعْلُ الْقَلْبِ فَكَانَ إطْلَاقُهَا، وَتَقْيِيدُهَا بِالْقَلْبِ سَوَاءٌ، وَإِنَّمَا يُفِيدُ التَّأْكِيدَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَطْلُقُ دِيَانَةً لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَجُعِلَ اللِّسَانُ خَلَفًا عَنْهُ، وَعِنْدَ التَّقْيِيدِ بِالْقَلْبِ تَبْطُلُ الْخَلْفِيَّةُ فَيَبْقَى الْحُكْمُ مُتَعَلِّقًا بِالْأَصْلِ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ مَشَايِخِنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّعْلِيقِ بِمَحَبَّتِهَا إيَّاهُ أَوْ بِمَحَبَّتِهَا فِرَاقَهُ، وَذَكَرَهُ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَقَالَ: وَفِي التَّبْصِرَةِ لِلَّخْمِيِّ قَالَ لَهَا إنْ كُنْت تُحِبِّينَ فِرَاقِي فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّ ثُمَّ قَالَتْ كُنْت لَاعِبَةً قَالَ أَرَى أَنْ يَقَعَ عَلَيْهَا ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ الْأَنْوَارِ لِلْمَالِكِيَّةِ، وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ مَسْأَلَةَ مَا إذَا قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ الطَّلَاقَ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْفِرَاقِ فَكَانَ مَنْقُولًا عَنْ أَصْحَابِنَا أَيْضًا، وَأَطْلَقَ فِي الْمَحَبَّةِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَا يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا لِأَنَّهَا لِشِدَّةِ بُغْضِهَا إيَّاهُ قَدْ تُحِبُّ التَّخَلُّصَ مِنْهُ بِالْعَذَابِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ سَرَرْتُك فَأَنْت طَالِقٌ فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ سَرَّنِي قَالُوا لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا قَالَ مَوْلَانَا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ السُّرُورَ مِمَّا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِخَبَرِهَا، وَيُقْبَلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كُنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا كَمَا لَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَك اللَّهُ بِنَارِ جَهَنَّمَ فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ أُحِبُّ يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، وَلَوْ أُعْطِيَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ لَمْ يَسُرَّنِي كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا طَلَبَتْ الْأَلْفَيْنِ فَلَا يَسُرُّهَا الْأَلْفُ. اهـ.

قُلْت بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا مَمْنُوعٌ لِمَا سَمِعْته عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا، وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ بِفِعْلٍ قَلْبِيٍّ، وَأَخْبَرَتْ بِهِ فَإِنْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا لَمْ يَقَعْ، وَإِلَّا وَقَعَ، وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ كُنْت تَكْرَهِينَ الْجَنَّةَ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهَا بِالْكَرَاهَةِ مَعَ أَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَى حَالَةٍ تَكْرَهُ الْجَنَّةَ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِهَا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ لِشِدَّةِ مَحَبَّتِهَا لِلْحَيَاةِ الدُّنْيَا تَكْرَهُ الْجَنَّةَ لِأَنَّهَا لَا تَتَوَصَّلُ إلَيْهَا إلَّا بِالْمَوْتِ، وَهِيَ تَكْرَهُهُ فَلَمْ يَتَيَقَّنْ بِكَذِبِهَا، وَهَلْ تَكْفُرُ الْمَرْأَةُ بِقَوْلِهَا أَنَّا أُحِبُّ عَذَابَ جَهَنَّمَ، وَأَكْرَهُ الْجَنَّةَ قُلْت ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ هُنَا عَدَمُهُ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ أَشَدُّكُمَا حُبًّا لِلطَّلَاقِ، وَأَشَدُّكُمَا بُغْضًا لَهُ طَالِقٌ فَقَالَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ أَنَا أَشَدُّ حُبًّا فِي ذَلِكَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُخَيَّرَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهَا شَاهِدَةٌ عَلَى صَاحِبَتِهَا بِمَا فِي ضَمِيرِهَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ قُلْت بَيْنَهُمَا فَرْقٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ إيلَامَ الضَّرْبِ الْقَائِمِ بِهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى كَذِبِهَا بِخِلَافِ مُجَرَّدِ مَحَبَّةِ الْعَذَابِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى التَّيَقُّنِ بِكَذِبِهَا (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّا نَتَيَقَّنُ بِكَذِبِهَا مَمْنُوعٌ) مُقْتَضَى كَلَامِهِ تَسْلِيمُ مَا فِي الْهِدَايَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ، وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ قَالَ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي إلَخْ مَمْنُوعٌ تَأَمَّلْ

ص: 29

لِأَنَّهَا تَقُولُ أَنَا أَشَدُّ حُبًّا مِنْهَا، وَهِيَ أَقَلُّ حُبًّا مِنِّي، وَهِيَ غَيْرُ مُصَدَّقَةٍ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى صَاحِبَتِهَا فَلَمْ يَتِمَّ الشَّرْطُ. اهـ.

وَقَيَّدَ بِمَحَبَّتِهَا لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَهُ بِمَحَبَّةِ غَيْرِهَا فَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ تَكُنْ أُمُّك تَهْوَى ذَلِكَ فَقَالَتْ الْأُمُّ أَنَا لَا أَهْوَى، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ لَا تَطْلُقُ فَإِنْ صَدَّقَهَا طَلَقَتْ لِمَا عُرِفَ، وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ فُلَانٌ مُؤْمِنًا فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ هَذَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ، وَلَا يُصَدَّقُ هُوَ عَلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ بَيْنَ مُسْلِمِينَ يُصَلِّي، وَيَحُجُّ، وَلَوْ قَالَ لِآخَرَ لِي إلَيْك حَاجَةٌ فَاقْضِهَا لِي فَقَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ لَمْ أَقْضِ حَاجَتُك فَقَالَ حَاجَتِي أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَتَك فَلَهُ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ فِيهِ، وَلَا تَطْلُقُ زَوْجَتُهُ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً لَمْ تَحِضْ بَعْدُ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْمُرَاهِقَةِ إنْ حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ حِضْت أَوْ قَالَ لِغُلَامِهِ الْمُرَاهِقِ إنْ احْتَلَمْت فَأَنْت حُرٌّ فَقَالَ احْتَلَمْت تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ، وَلَا يُصَدَّقُ الْغُلَامُ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ لِأَنَّ الْغُلَامَ يُنْظَرُ إلَيْهِ كَيْفَ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَنِيُّ، وَلَا يُسْتَطَاعُ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ لِأَنَّهَا تُدْخِلُ الدَّمَ فِي الْفَرْجِ فَلَا يُعْلَمُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَفِي رِوَايَةٍ يُصَدَّقُ الْغُلَامُ أَيْضًا، وَهِيَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الِاحْتِلَامَ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ كَالْحَيْضِ، وَلِذَلِكَ إذَا قَالَ احْتَلَمْت فِي حَالِ إشْكَالِ أَمْرِهِ يُصَدَّقُ فِيمَا لَهُ، وَفِيمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِخَبَرٍ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَيُصَدَّقُ كَالْجَارِيَةِ. اهـ.

وَلَمْ أَرَ صَرِيحًا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا قُبِلَ قَوْلُهَا فِي حَقِّهَا فِي الْحَيْضِ وَالْمَحَبَّةِ فَهَلْ يَكُونُ بِيَمِينِهَا أَوْ بِلَا يَمِينٍ، وَوَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ أَنَّهُ قَالَ صُدِّقَتْ فِي حَقِّهَا خَاصَّةً، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ إنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِإِخْبَارِهَا، وَقَدْ وُجِدَ.

وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّحْلِيفِ لِأَنَّهُ وَقَعَ بِقَوْلِهَا، وَالتَّحْلِيفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ، وَهِيَ لَوْ أَخْبَرَتْ ثُمَّ قَالَتْ كُنْت كَاذِبَةً لَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ لِتَنَاقُضِهَا كَمَا سَيَأْتِي نَقْلُهُ عَنْ الْكَافِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَبِرُؤْيَةِ الدَّمِ لَا يَقَعُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ ثَلَاثًا وَقَعَ مِنْ حِينِ رَأَتْ) يَعْنِي لَا يَقَعُ بِرُؤْيَتِهِ فِيمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ بِحَيْضِهَا سَوَاءٌ كَانَ بَانَ أَوْ بَقِيَ أَوْ مَعَ نَحْوِ أَنْتِ طَالِقٌ فِي حَيْضِك أَوْ مَعَ حَيْضِك أَوْ إنْ حِضْت لِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ حَيْضًا حِينَئِذٍ فَإِذَا اسْتَمَرَّ حِينَئِذٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا وَقَعَ الطَّلَاقُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ لِأَنَّهُ بِالِامْتِدَادِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَيْضٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ فَيَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يُعَيِّنَهُ فَيَقُولُ طَلَقَتْ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاسْتِنَادِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّبْيِينِ، وَلِذَا قَالَ مِنْ حِينِ رَأَتْ، وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ إنَّهُ تَبَيَّنَ بِالِانْتِهَاءِ أَنَّهُ حَيْضٌ مِنْ الِابْتِدَاءِ.

وَأَظْهَرُ مِنْهُ مَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لَهَا عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ حِضْت فَقَالَتْ رَأَيْت الدَّمَ، وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ لَا يَحْكُمُ بِعِتْقِهِ حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَيَحْكُمَ بِعِتْقِهِ مِنْ حِينِ رَأَتْ لِأَنَّ الدَّمَ لَا يَكُونُ حَيْضًا حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَالظَّاهِرُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الِاسْتِمْرَارُ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ يَكْفِي لِلدَّفْعِ فَيَدْفَعُ بِهِ الْعَبْدُ اسْتِخْدَامَ الْمَوْلَى عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يَكْفِي لِلِاسْتِحْقَاقِ فَإِذَا اسْتَمَرَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَيْضًا فَيَعْتِقُ مِنْ حِينِ رَأَتْ الدَّمَ حَتَّى لَوْ جَنَى أَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ كَانَ أَرْشُهُ أَرْشَ الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ عِتْقُهُ، وَلَا يَسْتَنِدُ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ فُلَانٌ فِي الدَّارِ فَأَنْت حُرٌّ فَظَهَرَ ذَلِكَ فِي آخِرِ النَّهَارِ يَظْهَرُ عِتْقُهُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتَى بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَهُ بِشَهْرٍ، وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعَبِيدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْعِتْقُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا، وَالِاسْتِنَادُ لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ الْفَائِتِ، وَالْمُتَلَاشِي فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ انْقَطَعَ الدَّمُ فِي الثَّلَاثَةِ، وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ فَالْقَوْلُ لَهُمَا لِأَنَّ الزَّوْجَ أَقَرَّ بِوُجُودِ شَرْطِ الْعِتْقِ ظَاهِرًا لِأَنَّ رُؤْيَةَ الدَّمِ فِي وَقْتِهِ يَكُونُ حَيْضًا، وَلِهَذَا تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ثُمَّ ادَّعَى عَارِضًا يَخْرُجُ الْمَرْئِيُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَلَا يُصَدَّقُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ لَمْ تَكُنْ أُمُّك تَهْوَى ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذِهِ الْفُرُوعِ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِفِعْلِ الْغَيْرِ لَا يُصَدَّقُ ذَلِكَ الْغَيْرُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْهُ أَمْ لَا، وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِ الزَّوْجِ فَهُمَا أَوْ الْبَيِّنَةُ فِيمَا يَثْبُتُ بِهَا مِنْ الْأَمْرِ الَّذِي يُعْلَمُ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَيْهَا) أَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا فِي الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِي الدِّيَانَةِ فَيَنْبَغِي التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالْمَحَبَّةِ لِأَنَّ تَعَلُّقَ الطَّلَاقِ بِإِخْبَارِهَا إنَّمَا هُوَ فِي الْمَحَبَّةِ أَمَّا فِي الْحَيْضِ فَلَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فِي الْإِخْبَارِ تَطْلُقُ فِي التَّعْلِيقِ بِالْمَحَبَّةِ، وَفِي التَّعْلِيقُ بِالْحَيْضِ لَا تَطْلُقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فَتَدَبَّرْ، وَفِي حَوَاشِي مِسْكِينٍ نَقَلَ الْحَمَوِيُّ عَنْ رَمْزِ الْمَقْدِسِيَّ أَنَّ عَلَيْهَا الْيَمِينَ بِالْإِجْمَاعِ إذَا لَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُسْتَثْنَاةِ مِنْ قَوْلِهِمْ كُلٌّ مِنْ قَبْلِ قَوْلِهِ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ. اهـ.

قُلْت، وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ كَيْفَ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَهَا أَمِينَةً فِيمَا تُخْبِرُ بِهِ عَنْ الْحَيْضِ، وَالطُّهْرِ، وَإِنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ شَرْعًا فِي حَقِّهَا الْإِخْبَارُ بِهِ، وَكَذَا مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّهَا لَوْ أَخْبَرَتْ ثُمَّ رَجَعَتْ لَا يَرْتَفِعُ الطَّلَاقُ فَإِنَّ هَذَا كَالصَّرِيحِ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ نَعَمْ يُقَيَّدُ فِي الْحَيْضِ بِالْقَضَاءِ لَا الدِّيَانَةِ لِمَا عَلِمْت تَأَمَّلْ

ص: 30

فَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَكَذَّبَهُ الْعَبْدُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَالْقَوْلُ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ. اهـ.

وَفِي الْكَافِي فِي مَسْأَلَةِ إنْ حِضْت فَعَبْدِي حُرٌّ، وَضَرَّتُك طَالِقٌ إذَا رَأَتْ الدَّمَ فَقَالَتْ حِضْت وَصَدَّقَهَا أَنَّهُ قَبْلَ الِاسْتِمْرَارِ يُمْنَعُ الزَّوْجُ عَنْ وَطْءِ الْمَرْأَةِ وَاسْتِخْدَامِ الْعَبْدِ فِي الثَّلَاثَةِ لِاحْتِمَالِ الِاسْتِمْرَارِ فَلَوْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ قَالَتْ كَانَ الطُّهْرُ قَبْلَ الدَّمِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَمْ تُصَدَّقْ لِأَنَّهُ بَعْدَ إقْرَارِهَا بِالْحَيْضِ رُجُوعٌ بِخِلَافِهِ بَعْدَ إقْرَارِهَا بِرُؤْيَةِ الدَّمِ، وَلَوْ ادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّ الدَّمَ كَانَ قَبْلَهُ الطُّهْرُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، وَقَالَتْ بَلْ عِشْرِينَ فَالْقَوْلُ لَهَا، وَلَوْ قَالَ: وَهِيَ حَائِضٌ إنْ طَهُرْت فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ طَهُرْت بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ لَا يَعْتِقُ، وَإِنْ صَدَّقَهَا أَوْ مَضَتْ الْعَشَرَةُ عَتَقَ، وَإِنْ قَالَتْ بَعْدَ الْعَشَرَةِ عَاوَدَنِي الدَّمُ فِي الْعَشَرَةِ، وَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ وَكَذَّبَهَا الْعَبْدُ عَتَقَ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ ذَلِكَ بَعْدَمَا أَقَرَّتْ بِالِانْقِطَاعِ، وَإِنْ كَانَ حَيْضُهَا خَمْسَةً فَقَالَ لَهَا إنْ حِضْت هَذِهِ الْمَرَّةَ سِتَّةً فَعَبْدِي حُرٌّ فَقَالَتْ رَأَيْت الدَّمَ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ إلَى آخِرِ الْيَوْمِ، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهُ لِإِنْكَارِهِ شَرْطَ الْعِتْقِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَهُ بِأَصْلِ الْحَيْضِ فَادَّعَى الزَّوْجُ الِانْقِطَاعَ فِي الثَّلَاثِ، وَادَّعَتْ الِامْتِدَادَ فَالْقَوْلُ لَهَا.

وَإِنْ صَدَقَهَا الزَّوْجُ بِالدَّمِ فِي الْيَوْمِ السَّادِسِ تَوَقَّفَ الْعِتْقُ فَإِنْ جَاوَزَ الْعَشَرَةَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا، وَلَمْ يَعْتِقْ، وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ عَتَقَ فَإِنْ مَضَتْ فَادَّعَتْ الِانْقِطَاعَ فِيهَا، وَادَّعَى الْمُجَاوَزَةَ فَالْقَوْلُ لَهُ، وَلَا عِتْقَ، وَلَوْ أَخْبَرَتْ فِي الْعَشَرَةِ بِالِانْقِطَاعِ ثُمَّ قَالَتْ عَاوَدَنِي الدَّمُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ، وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَطَلَّقَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَحَاضَتْ حَيْضَتَيْنِ ثُمَّ مَاتَ الزَّوْجُ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ خَمْسَةٍ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ طَهُرْت عَلَى رَأْسِ الْخَمْسَةِ، وَلَا مِيرَاثَ لَك، وَقَالَتْ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَأَرَى الدَّمَ فِي الْحَالِ فَالْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ فَهِيَ تَتَمَسَّكُ بِهَذَا الظَّاهِرِ لِدَفْعِ الْحِرْمَانِ، وَهُوَ حُجَّةٌ لِلدَّفْعِ، وَتَمَامُهُ فِي الْكَافِي، وَمِنْ أَحْكَامِ الْوُقُوعِ مِنْ الِابْتِدَاءِ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولَةٍ، وَتَزَوَّجَتْ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ فَإِنَّ النِّكَاحَ صَحِيحٌ، وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهَا لَا تَحْسِبُ هَذِهِ الْحَيْضَةَ مِنْ الْعِدَّةِ لِأَنَّهَا بَعْضُ حَيْضَةٍ لِأَنَّهُ حِينَ كَانَ الشَّرْطُ رُؤْيَةَ الدَّمِ لَزِمَ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ بَعْدَ حَيْضِهَا، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ حِضْت وَتَزَوَّجَتْ مِنْ سَاعَتِهَا ثُمَّ مَاتَتْ قَالَ مُحَمَّدٌ مِيرَاثُهَا لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، وَقَالَ لَا يَدْرِي أَكَانَ ذَلِكَ حَيْضًا أَوْ لَا اهـ.

وَمِنْ أَحْكَامِهِ أَيْضًا أَنَّ الطَّلَاقَ بِدْعِيٌّ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ خَالَعَهَا فِي الثَّلَاثِ بَطَلَ الْخُلْعُ لِكَوْنِهَا مُطَلَّقَةً ذَكَرَهُمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ لِأَنَّ الْخُلْعَ يَلْحَقُ الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي آخِرِ بَابِ الْكِنَايَاتِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ الْأَحْكَامَ تَثْبُتُ بِطُرُقٍ أَرْبَعَةٍ الِاقْتِصَارُ كَمَا إذَا أَنْشَأَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ، وَلَهُ نَظَائِرُ جَمَّةٌ وَالِانْقِلَابُ، وَهُوَ انْقِلَابُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً كَمَا إذَا عَلَّقَ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ بِالشَّرْطِ فَعِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَنْقَلِبُ مَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ عِلَّةً، وَالِاسْتِنَادُ، وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْحَالِ ثُمَّ يَسْتَنِدَ، وَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ التَّبْيِينِ وَالِاقْتِصَارِ، وَذَلِكَ كَالْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ، وَكَالنِّصَابِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِهِ، وَكَالطَّهَارَةِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ وَالتَّيَمُّمِ يُنْقَضُ عِنْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَرُؤْيَةِ الْمَاءِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْحَدَثِ، وَلِذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لَهُمَا وَالتَّبْيِينُ، وَهُوَ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْحَالِ أَنَّ الْحُكْمَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ قَبْلُ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ فِي الْيَوْمِ إنْ كَانَ زَيْدٌ فِي الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَتَبَيَّنَ فِي الْغَدِ وُجُودُهُ فِيهَا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْيَوْمِ، وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْعِدَّةِ مِنْهُ، وَكَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ فَرَأَتْ الدَّمَ لَا يَقْضِي بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مَا لَمْ يَمْتَدَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِذَا امْتَدَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ حَكَمْنَا بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ مِنْ حِينِ حَاضَتْ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّبْيِينِ وَالِاسْتِنَادِ أَنَّ التَّبْيِينَ يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ الْعِبَادُ، وَفِي الِاسْتِنَادِ لَا يُمْكِنُ، وَفِي الْحَيْضِ يُمْكِنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَشُقَّ بَطْنَهَا فَيَعْلَمَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَتْ كَانَ الطُّهْرُ قَبْلَ الدَّمِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ) أَيْ فَلَا يَكُونُ هَذَا الدَّمُ حَيْضًا لِأَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقَوْلُهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ إقْرَارِهَا بِرُؤْيَةِ الدَّمِ أَيْ إذَا قَالَتْ رَأَيْت الدَّمَ، وَلَمْ تَقُلْ حِضْت ثُمَّ قَالَتْ كَانَ الطُّهْرُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّهَا تُصَدَّقُ لِأَنَّ قَوْلَهَا رَأَيْت الدَّمَ لَيْسَ إقْرَارًا بِالْحَيْضِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رُجُوعًا عَنْ إقْرَارِهَا (قَوْلُهُ وَفِي الثَّانِي نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا، وَعَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ

ص: 31

أَنَّهُ مِنْ الرَّحِمِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ الْمَحَلِّيَّةُ فِي الِاسْتِنَادِ دُونَ التَّبْيِينِ، وَكَذَا الِاسْتِنَادُ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْقَائِمِ دُونَ الْمُتَلَاشِي، وَأَثَرُ التَّبْيِينِ يَظْهَرُ فِيهِمَا فَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَمُوتَ فُلَانٌ بَعْدَ الْيَمِينِ بِشَهْرٍ فَإِنْ مَاتَ لِتَمَامِ الشَّهْرِ طَلَقَتْ مُسْتَنِدًا إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ فَتُعْتَبَرُ الْعِدَّةُ مِنْ أَوَّلِهِ، وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الشَّهْرِ صَارَ مُرَاجِعًا لَوْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَغَرِمَ الْعُقْرَ لَوْ كَانَ بَائِنًا، وَيَرُدُّ الزَّوْجُ بَدَلَ الْخُلْعِ إلَيْهَا لَوْ خَالَعَهَا فِي خِلَالِهِ ثُمَّ مَاتَ فُلَانٌ، وَلَوْ مَاتَ فُلَانٌ بَعْدَ الْعِدَّةِ بِأَنْ كَانَتْ بِالْوَضْعِ أَوْ لَمْ تَجِبْ الْعِدَّةُ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِعَدَمِ الْمَحَلِّ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ فِيهَا بِطَرِيقِ الِاسْتِنَادِ لَا بِطَرِيقِ التَّبْيِينِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ يَقَعُ مُقْتَصِرًا عَلَى الْقُدُومِ لَا مُسْتَنِدًا. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَفِي إنْ حِضْت حَيْضَةً يَقَعُ حِينَ تَطْهُرُ) يَعْنِي إمَّا بِمُضِيِّ الْعَشَرَةِ مُطْلَقًا أَوْ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ مَعَ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الطَّاهِرَاتِ إذَا انْقَطَعَ لِأَقَلَّ مِنْهَا لِأَنَّ الْحَيْضَةَ اسْمٌ لِلْكَامِلَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ نِصْفُ حَيْضَةٍ أَوْ ثُلُثُهَا أَوْ سُدُسُهَا أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ حَيْضَتِك أَوْ فِي حَيْضَتِك بِالتَّاءِ كَقَوْلِهِ إنْ صُمْت يَوْمًا أَوْ صَلَّيْت صَلَاةً لَا يَحْنَثُ إلَّا بِصَوْمِ يَوْمٍ كَامِلٍ، وَبِشَفْعٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جِنْسِ الْحَيْضِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ إنْ صُمْت أَوْ صَلَّيْت.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ حِينَ تَطْهُرُ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِبِدْعِيٍّ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ حِينَ رَأَتْ الدَّمَ إلَى أَنَّهُ بِدْعِيٌّ، وَإِلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ حَائِضًا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَطْهُرْ ثُمَّ تَحِيضُ كَقَوْلِهِ لِطَاهِرَةٍ إذَا طَهُرْت فَأَنْت طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الْيَمِينَ تَقْتَضِي شَرْطًا مُسْتَقْبَلًا، وَفِي الصِّحَاحِ الْحَيْضَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ، وَالْحِيضَةُ بِالْكَسْرِ الِاسْمُ، وَالْجَمْعُ الْحِيَضُ. اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لَهَا، وَهِيَ حَائِضٌ إذَا حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ فَهُوَ عَلَى حَيْضٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا إنْ حِضْت غَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا حَائِضٌ فَهُوَ عَلَى دَوَامِ ذَلِكَ الْحَيْضِ إلَى الْغَدِ إنْ دَامَ إلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ الْغَدِ طَلَقَتْ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الثَّانِيَةَ لَا يُتَصَوَّرُ حُدُوثُهَا مِنْ الْغَدِ فَيُحْمَلُ عَلَى الدَّوَامِ إذَا عَلِمَ. اهـ.

وَفِي الْكَافِي لَوْ قَالَتْ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ حِضْت وَطَهُرْت، وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ تَطْلُقُ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ عَنْ الْأَمَانَةِ فِي أَوَانِهَا.

وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرٍ إنِّي حِضْت، وَطَهُرْت ثُمَّ حِضْت حَيْضَةً أُخْرَى، وَأَنَا الْآنَ حَائِضٌ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا، وَلَكِنْ إذَا طَهُرَتْ يَقَعُ لِأَنَّهَا أَخَّرَتْ الْإِخْبَارَ عَنْ أَوَانِهِ فَصَارَتْ مُتَّهَمَةً، وَلَوْ قَالَ إذَا حِضْت فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ بَعْدَ خَمْسَةِ أَيَّامٍ حِضْت، وَأَنَا حَائِضٌ السَّاعَةَ فَالْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّ الْإِخْبَارَ فِي أَوَانِهِ، وَلَوْ قَالَتْ حِضْت وَطَهُرْت لَا تُصَدَّقُ حَتَّى تَحِيضَ لِأَنَّهَا أَخْبَرَتْ، وَالْحَالُ مُنَافِيَةٌ لِمَا أَخْبَرَتْ. اهـ.

وَفِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ لِلصَّدْرِ مَنْ مَلَكَ الْإِنْشَاءَ مَلَكَ الْإِخْبَارَ كَالْوَصِيِّ وَالْمَوْلَى وَالْمُرَاجِعِ وَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَمَنْ لَهُ الْخِيَارُ قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْت طَالِقٌ فَقَالَتْ بَعْدَ مُدَّةٍ مُحْتَمَلَةٍ حِضْت وَطَهُرْت وَقَعَ، وَلَوْ قَالَتْ حِضْت وَطَهُرْت، وَأَنَا حَائِضٌ لَا حَتَّى تَطْهُرَ، وَلَوْ قَالَ إذَا حِضْت فَقَالَتْ حِضْت مُنْذُ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَقَعَ، وَلَا تُتَّهَمُ فِي التَّأْخِيرِ لِلْعُذْرِ، وَلَوْ قَالَتْ وَطَهُرْت لَا. اهـ.

وَذَكَرَ فِي بَابِ الْحِنْثِ يَقَعُ بِالْحَيْضِ وَالْفِعْلِ قَالَ أَنْت طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ تَحِيضِي حَيْضَةً بِشَهْرٍ فَحَاضَتْ بَعْدَهُ طَلَقَتْ، وَلَا يُنْتَظَرُ الطُّهْرُ لِلْبَيْنُونَةِ، وَاخْتَلَفُوا، وَالْأَصَحُّ فِيهِ أَنَّهُ يُقْتَصَرُ، وَلَوْ قَالَ قَبْلَ قُدُومِ فُلَانٍ أَوْ مَوْتِ فُلَانٍ بِشَهْرٍ، وَتَقَدَّمَ الْقُدُومُ يَقَعُ، وَالْمَوْتُ لَا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَدِمَ، وَمَاتَ لِلتَّعْلِيقِ اهـ.

وَفِي الْجَوْهَرَةِ إذَا حِضْت نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْت طَالِقٌ، وَإِذَا حِضْت نِصْفَهَا الْآخَرَ فَأَنْت طَالِقٌ لَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَحِضْ، وَتَطْهُرْ فَإِذَا حَاضَتْ، وَطَهُرَتْ وَقَعَ تَطْلِيقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا، وَهِيَ حَائِضٌ إذَا حِضْت فَأَنْتِ طَالِقٌ أَوْ قَالَ وَهِيَ مَرِيضَةٌ إذَا مَرِضْت فَهَذَا عَلَى حَيْضٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَمَرَضٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنْ نَوَى مَا يَحْدُثُ مِنْ هَذَا الْحَيْضِ أَوْ مَا يَزِيدُ مِنْ هَذَا الْمَرَضِ فَهُوَ كَمَا نَوَى، وَكَذَا إذَا قَالَ لِصَاحِبَةِ الرُّعَافُ إنْ رَعَفْت، وَكَذَا إذَا قَالَ لِلْحُبْلَى إذَا حَبِلْت فَهُوَ عَلَى حَبَلٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَلَوْ نَوَى الْحَبَلَ الَّذِي هِيَ فِيهِ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَجْزَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْحَيْضِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَلَكِنْ إذَا طَهُرَتْ يَقَعُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِخْبَارِ ثَانِيًا حَالَةَ الطُّهْرِ لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ عَنْ الْجَامِعِ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ إلَّا إذَا أَخْبَرَتْ عِنْدَ الطُّهْرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ هَذِهِ الْحَيْضَةِ فَحِينَئِذٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِإِخْبَارِهَا عَمَّا هُوَ شَرْطُ وُقُوعِ الطَّلَاقِ حَالَ قِيَامِهَا (قَوْلُهُ لَا تُصَدَّقُ حَتَّى تَحِيضَ) أَيْ، وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الطُّهْرِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا قَالَ لَهَا إذَا حِضْت بِخِلَافِ مَا مَرَّ فَإِنَّهَا إذَا أَخْبَرَتْ بِحَيْضَتِهَا الثَّانِيَةِ لَا يُقْبَلُ حَتَّى تَطْهُرَ لِأَنَّهَا مُصَوَّرَةٌ فِيمَا إذَا قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً، وَهِيَ اسْمٌ لِلْكَامِلَةِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدِمَ أَوْ مَاتَ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَا زَائِدَةٌ أَوْ فِيهِ سَقْطٌ، وَالْأَصْلُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إذَا قِدَمَ أَوْ مَاتَ فَلْيُرَاجَعْ

ص: 32

وَأَخَوَاتِهِ لِأَنَّ لَهُ أَجْزَاءً. اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ إذَا حِضْت حَيْضَةً فَأَنْت طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنْ حِضْت حَيْضَتَيْنِ فَأَنْت طَالِقٌ فَحَاضَتْ حَيْضَةً يَقَعُ وَاحِدَةٌ بِالْيَمِينِ الْأَوَّلِ فَإِذَا حَاضَتْ أُخْرَى يَقَعُ أُخْرَى بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ الْأُولَى كُلُّ الشَّرْطِ لِلْيَمِينِ الْأُولَى، وَشَطْرُ الشَّرْطِ لِلْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا حَاضَتْ أُخْرَى فَقَدْ تَمَّ الشَّرْطُ لِلْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قَالَ ثُمَّ إذَا حَاضَتْ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَا يَقَعُ شَيْءٌ حَتَّى يُوجَدَ حَيْضَتَانِ بَعْدَ الْأُولَى لِأَنَّ كَلِمَةَ ثُمَّ لِلتَّعْقِيبِ مَعَ التَّرَاخِي فَيَقْتَضِي وُجُودَ الْحَيْضَتَيْنِ بَعْدَ الْأُولَى. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَفِي إنْ وَلَدْت ذَكَرًا فَأَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ وَلَدْت أُنْثَى فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا، وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ تَطْلُقُ وَاحِدَةً قَضَاءً وَثِنْتَيْنِ تَنَزُّهًا، وَمَضَتْ الْعِدَّةُ) لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ الْغُلَامَ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْجَارِيَةِ ثُمَّ لَا يَقَعُ أُخْرَى بِهِ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا وَقَعَتْ تَطْلِيقَتَانِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْغُلَامِ ثُمَّ لَا يَقَعُ شَيْءٌ آخَرُ بِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَإِذَا فِي حَالٍ تَقَعُ وَاحِدَةً، وَفِي حَالٍ تَقَعُ ثِنْتَانِ فَلَا تَقَعُ الثَّانِيَةُ بِالشَّكِّ، وَالْأُولَى أَنْ يُؤْخَذَ بِالثِّنْتَيْنِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا، وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ بِيَقِينٍ لِمَا بَيَّنَّا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ فَقَدْ بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ لِإِنْكَارِهِ.

وَأَشَارَ بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ إلَى أَنَّهُ لَا رَجْعَةَ، وَلَا إرْثَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ وَلَدْت لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ كَانَ حَمْلُك غُلَامًا فَطَالِقٌ وَاحِدَةً أَوْ جَارِيَةً فَثِنْتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ حَمْلُك اسْمُ جِنْسٍ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كُلُّهُ فَمَا لَمْ يَكُنْ الْكُلُّ غُلَامًا أَوْ جَارِيَةً لَمْ يَقَعْ كَمَا فِي قَوْلِهِ إنْ كَانَ مَا فِي بَطْنِك غُلَامًا، وَالْبَاقِي بِحَالِهِ، وَقَوْلُهُ إنْ كَانَ مَا فِي هَذَا الْعِدْلِ حِنْطَةٌ فَهِيَ طَالِقٌ أَوْ دَقِيقًا فَطَالِقٌ فَإِذَا فِيهِ حِنْطَةٌ وَدَقِيقٌ لَا تَطْلُقُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ، وَالْبَاقِي بِحَالِهِ حَيْثُ تَقَعُ الثَّلَاثُ، وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ فَوَلَدَتْهُمَا أَيْ الْغُلَامَ وَالْجَارِيَةَ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ غُلَامًا وَجَارِيَتَيْنِ، وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ وَقَعَ الثَّلَاثُ تَنَزُّهًا وَثِنْتَيْنِ قَضَاءً، وَلَوْ وَلَدَتْ غُلَامَيْنِ وَجَارِيَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ قَضَاءً، وَثَلَاثٌ تَنَزُّهًا، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْوِلَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِقَوْلِهَا اتِّفَاقًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نِصَابِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ، وَامْرَأَةٌ عِنْدَهُمَا.

وَلَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا وَلَدًا فَوَلَدَتْ مَيِّتًا طَلَقَتْ، وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَفِي الْمُحِيطِ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ طَلَقَتْ بِالْأَوَّلِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي، وَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ آخَرُ، وَلَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ وَقَعَ ثِنْتَانِ، وَلَوْ وَلَدَتْ ثَلَاثًا بَيْنَ كُلِّ وَلَدَيْنِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَقَعَ ثَلَاثٌ، وَتَعْتَدُّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَامِلِ كُلَّمَا وَلَدْت فَأَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ لَمْ يَقَعْ عِنْدَهُمَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ نِفَاسِهَا فَيَقَعَ فِي كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ طَلَقَتْ وَاحِدَةً بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ، وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِالْأَخِيرِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ كُلَّمَا وَلَدْتُمَا وَلَدًا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَوَلَدَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ الْأُخْرَى آخَرَ ثُمَّ الْأُولَى آخَرَ ثُمَّ الْأُخْرَى آخَرَ فِي بَطْنٍ وَاحِدٍ حَتَّى وَلَدَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَلَدَيْنِ طَلَقَتْ الْأُولَى ثِنْتَيْنِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَلَدِهَا الثَّانِي، وَالْأُخْرَى ثَلَاثًا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَلَدِهَا الثَّانِي، وَلَوْ كَانَ بَيْنَ وَلَدَيْ كُلِّ وَاحِدَةٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرُ إلَى سَنَتَيْنِ طَلَقَتْ الْأُولَى ثِنْتَيْنِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْوَلَدِ الثَّانِي، وَثَبَتَ نَسَبُ الْوَلَدَيْنِ، وَطَلَقَتْ الْأُخْرَى وَاحِدَةً، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا الثَّانِي، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَامِلِ إذَا وَلَدْت وَلَدًا فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ الَّذِي تَلِدِينَهُ غُلَامًا فَأَنْت طَالِقٌ فَوَلَدَتْ غُلَامًا طَلَقَتْ ثَلَاثًا.

وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ الْوَلَدُ الَّذِي فِي بَطْنِك غُلَامًا، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا طَلَقَتْ، وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ، وَقَيَّدَ بِالْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِحَبَلِهَا فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا بِالِاسْتِبْرَاءِ لِتَصَوُّرِ حُدُوثِ الْحَبَلِ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَلِدْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِحُدُوثِ الْحَبَلِ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَيُتَوَهَّمُ حُدُوثُ الْحَبَلِ قَبْلَ الْيَمِينِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَقَعَ الثَّلَاثُ تَنْزِيهًا وَثِنْتَيْنِ قَضَاءً) قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ الْغُلَامَ إنْ كَانَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا تَطْلُقُ ثَلَاثًا وَاحِدَةً بِهِ وَثِنْتَيْنِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي مَا بَقِيَ فِي الْبَطْنِ وَلَدٌ، وَإِنْ كَانَ آخِرًا يَقَعُ ثِنْتَانِ بِالْجَارِيَةِ الْأُولَى، وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِيَةِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِالْجَارِيَةِ انْحَلَّتْ بِالْأُولَى، وَلَا يَقَعُ بِالْغُلَامِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ حَالَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَتَرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ وَثِنْتَيْنِ فَيَحْكُمُ بِالْأَقَلِّ قَضَاءً، وَبِالْأَكْثَرِ تَنَزُّهًا (قَوْلُهُ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ قَضَاءً، وَثَلَاثٌ تَنَزُّهًا) قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْغُلَامَانِ أَوَّلًا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِأَوَّلِهِمَا، وَلَا يَقَعُ بِالثَّانِي شَيْءٌ، وَلَا بِالْجَارِيَةِ الْأَخِيرَةِ لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْجَارِيَةُ أَوَّلًا أَوْ وَسَطًا وَقَعَ ثِنْتَانِ بِهَا، وَوَاحِدَةٌ بِالْغُلَامِ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَهَا فَتَرَدَّدَ بَيْنَ ثَلَاثٍ، وَوَاحِدَةٍ (قَوْلُهُ: وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ تَلِدْ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ ظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ مَعَ أَنَّ الطَّلَاقَ مُعَلَّقٌ بِالْحَبَلِ لَا بِالْوِلَادَةِ، وَتَعْلِيقُهُ بِالْحَبَلِ يَقْتَضِي وُقُوعَهُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْحَبَلِ بَعْدَ الْيَمِينِ إلَّا إذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ فَشَرَطْنَاهُ بِهِ فَإِذَا وَلَدَتْ ظَهَرَ أَنَّ الطَّلَاقَ قَدْ وَقَعَ مِنْ أَوَّلِ الْحَبَلِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ اسْتِمْرَارِ الدَّمِ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ

ص: 33

إلَى سَنَتَيْنِ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْمَوْقِعِ فَلَا يَقَعُ بِالشَّكِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلًا فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ مِنْ وَقْتِ الْيَمِينِ لَا تَطْلُقُ فِي الْحُكْمِ، وَإِنْ جَاءَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ بِيَوْمٍ طَلَقَتْ فَإِنْ حَاضَتْ بَعْدَ الْيَمِينِ لَا يَقْرَبُهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تَكُونَ حَامِلًا، وَكَذَا إذَا لَمْ تَحِضْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا حَتَّى تَضَعَ. اهـ. .

(قَوْلُهُ وَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ) لِأَنَّ صِحَّةَ الْكَلَامِ بِأَهْلِيَّةِ الْمُتَكَلِّمِ إلَّا أَنَّ الْمِلْكَ يُشْتَرَطُ حَالَةَ التَّعْلِيقِ لِيَصِيرَ الْجَزَاءُ غَالِبَ الْوُجُودِ لِاسْتِصْحَابِ الْحَالِ فَتَصِحُّ الْيَمِينُ، وَعِنْدَ تَمَامِ الشَّرْطِ لِيَنْزِلَ الْجَزَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَفِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ الْحَالِ حَالُ بَقَاءِ الْيَمِينِ فَيُسْتَغْنَى عَنْ قِيَامِ الْمِلْكِ إذْ بَقَاؤُهُ بِمَحَلِّهِ، وَهُوَ الذِّمَّةُ فَالْمُرَادُ مِنْ اشْتِرَاطِهِ لِآخِرِهِمَا بَيَانُ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ لِأَوَّلِهِمَا فَلَا يُنَافِي اشْتِرَاطَهُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ، وَأَيْضًا عُلِمَ الِاشْتِرَاطُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إنْ زُرْت فَأَنْت طَالِقٌ لَمْ يَصِحَّ لَكِنْ فِي الْقُنْيَةِ قُبَيْلَ النَّفَقَاتِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُلْتَقِطِ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت كَذَا، وَلَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجَ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَا تَطْلُقُ، حَجّ طَلَقَتْ. اهـ.

وَيَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَى الْأَوَّلِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَأَرَادَ مِنْ الشَّرْطَيْنِ أَمْرَيْنِ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِهِمَا، وَلَا يَقَعُ بِأَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَا شَرْطَيْنِ حَقِيقَةً بِتَعَدُّدِ أَدَاةِ الشَّرْطِ أَوْ لَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ عَطَفَ شَرْطًا عَلَى آخَرَ، وَأَخَّرَ الْجَزَاءَ نَحْو إذَا قَدَمَ فُلَانٌ، وَإِذَا قَدَمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يَقْدَمَا لِأَنَّهُ عَطَفَ شَرْطًا مَحْضًا عَلَى شَرْطٍ لَا حُكْمَ لَهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْجَزَاءَ فَيَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَصَارَا شَرْطًا وَاحِدًا فَلَا يَقَعُ إلَّا بِوُجُودِهِمَا فَإِنْ نَوَى الْوُقُوعَ بِأَحَدِهِمَا صَحَّتْ نِيَّةُ تَقْدِيمِ الْجَزَاءِ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَفِيهِ تَغْلِيظٌ أَوْ بِأَنْ كَرَّرَ أَدَاةَ الشَّرْطِ بِغَيْرِ عَطْفٍ كَقَوْلِهِ إنْ أَكَلْت أَوْ لَبِسْت فَأَنْت طَالِقٌ فَإِنَّهَا لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَلْبَسْ ثُمَّ تَأْكُلْ فَيُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَهِيَ طَالِقٌ يُقَدَّمُ الْمُؤَخَّرُ فَيَصِيرُ التَّقْدِيرُ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَكُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ، وَاسْتَغْنَى عَنْ الْفَاءِ بِتَقْدِيرِ الْجَزَاءِ فَالْكَلَامُ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَالتَّزَوُّجُ شَرْطُ الِانْحِلَالِ، وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] فَالْمَعْنَى إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ، وَوَجْهُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطَانِ شَرْطًا وَاحِدًا لِنُزُولِ الْجَزَاءِ لِعَدَمِ الْعَطْفِ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَأَقَرَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَهُوَ رَأْيُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ إلَّا بِدَلِيلٍ، وَالْكَلَامُ فِي مُوجِبِ اللَّفْظِ، وَلَا الشَّرْطُ الثَّانِي مَعَ مَا بَعْدَهُ هُوَ الْجَزَاءُ لِلْأَوَّلِ لِعَدَمِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ، وَنِيَّةُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ أَحَقُّ مِنْ إضْمَارِ الْحَرْفِ لِأَنَّهُ تَصْحِيحٌ لِلْمَنْطُوقِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ شَيْءٍ آخَرَ فَكَانَ قَوْلُهُ إنْ أَكَلْت مُقَدَّمًا مِنْ تَأْخِيرٍ لِأَنَّهُ فِي حَيِّزِ الْجَوَابِ الْمُتَأَخِّرِ، وَالتَّقْدِيرُ إنْ لَبِسْت فَإِنْ أَكَلْت فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ لُزُومِ التَّنْجِيزِ فِي مِثْلِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ مِنْ لُزُومِ إضْمَارِ الْفَاءِ يَجِبُ أَنْ لَا يُعْكَسَ التَّرْتِيبَ.

وَفِي التَّجْرِيدِ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ كَلَّمَتْ فُلَانًا، وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ طَلَقَتْ. اهـ.

وَهُوَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَكَانَ الْمُتَقَدِّمُ شَرْطَ الِانْحِلَالِ فَيُعْتَبَرُ الْمِلْكُ عِنْدَهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ أَعْطَيْتُك إنْ وَعَدْتُك إنْ سَأَلْتِينِي فَأَنْت طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ حَتَّى تَسْأَلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَعِدَهَا ثُمَّ يُعْطِيَهَا لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَطِيَّةِ الْوَعْدَ، وَفِي الْوَعْدِ السُّؤَالَ فَكَأَنَّهُ قَالَ إنْ سَأَلْتِينِي إنْ وَعَدْتُك إنْ أَعْطَيْتُك كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ الثَّانِي مُتَرَتِّبًا عَلَى الْأَوَّلِ عَادَةً فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ كُلُّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ نَحْوُ إنْ أَكَلْت إنْ شَرِبْت فَأَنْتِ كَذَا كَانَ الْأَكْلُ مُقَدَّمًا وَالشُّرْبُ مُؤَخَّرًا حَتَّى إذَا شَرِبَ ثُمَّ أَكَلَ لَمْ يَعْتِقْ

ــ

[منحة الخالق]

فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَطَأَهَا إلَّا بِاسْتِبْرَاءٍ لِتَصَوُّرِ حُدُوثِ الْحَبَلِ.

(قَوْلُهُ فَلَا يُنَافِي اشْتِرَاطُهُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ) أَيْ فِي صُورَةِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُضَافًا إلَى الْمِلْكِ (قَوْلُهُ وَلَا الشَّرْطُ الثَّانِي) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّرْطَانِ شَرْطًا وَاحِدًا

ص: 34

وَإِنْ أَكَلَ ثُمَّ شَرِبَ عَتَقَ، وَلَوْ قَالَ إنْ شَرِبْت إنْ أَكَلْت يُؤَخَّرُ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَعَوْتنِي إنْ أَجَبْتُك يُقِرُّ كُلُّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَجَبْتُك إنْ دَعَوْتنِي تُؤَخَّرُ الْإِجَابَةُ، وَلَوْ قَالَ إنْ لَبِسْت طَيْلَسَانًا إنْ أَتَيْتنِي يَقِرُّ كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ أَتَيْتنِي إنْ لَبِسْت طَيْلَسَانًا يُؤَخَّرُ الْإِتْيَانُ، وَلَوْ قَالَ إنْ رَكِبْت الدَّابَّةَ إنْ أَتَيْتنِي يَقِرُّ كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ إنْ أَتَيْتنِي إنْ رَكِبْت الدَّابَّةَ لِأَنَّهُمَا مَتَى كَانَا مُرَتَّبَيْنِ عُرْفًا أُضْمِرَتْ كَلِمَةُ ثُمَّ، وَإِذَا لَمْ يَكُونَا مُرَتَّبَيْنِ عُرْفًا لَمْ يَثْبُتْ الْعَطْفُ بَيْنَهُمَا لَا عُرْفًا وَلَا ذِكْرًا فَمَتَى أَقَرَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ لَا يَتَّصِلُ الْجَزَاءُ بِأَحَدِ الشَّرْطَيْنِ اهـ. كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْفَارِسِيَّةِ الْمُقَدَّمُ مُقَدَّمٌ، وَالْمُؤَخَّرُ مُؤَخَّرٌ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ قَوْلَهُ {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ} [هود: 34] شَرْطٌ وَدَلِيلُ جَوَابٍ، وَالْجُمْلَةُ دَلِيلُ جَوَابٍ قَوْله تَعَالَى {إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] تَقْدِيرُ الْكَلَامِ إنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَإِنْ أَرَدْت أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ لَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي. اهـ.

وَجَعَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا} [الأحزاب: 50] قَالَ فَالْمَعْنَى إنْ أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ مُؤْمِنَةً وَهَبَتْ نَفْسَهَا فَقَدْ أَحْلَلْنَاهَا اهـ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ} [الأحزاب: 50] شَرْطٌ لِلشَّرْطِ الْأَوَّلِ فِي اسْتِيجَابِ الْحِلِّ فَإِنَّ وَهَبْتَهَا نَفْسَهَا مِنْهُ لَا تُوجِبُ لَهُ حِلًّا إلَّا بِإِرَادَتِهِ نِكَاحَهَا فَإِنَّهَا جَارِيَةٌ مَجْرَى الْقَبُولِ اهـ فَلَمْ تَكُنْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ أَنَّهَا مُحْتَمِلَةٌ لِلْأَمْرَيْنِ فَإِنَّ إرَادَةَ النَّبِيِّ مُتَأَخِّرَةٌ فَإِنَّهَا كَالْقَبُولِ، وَيَحْتَمِلُ تَقَدُّمُ إرَادَةِ النَّبِيِّ فَإِذَا فَهِمْت ذَلِكَ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لَهُ اهـ.

وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا إذَا أَخَّرَ الْجَزَاءَ عَنْ الشَّرْطَيْنِ، وَالثَّانِي إذَا قَدَّمَهُ، وَالثَّالِثُ إذَا وَسَّطَهُ أَمَّا الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي فَعَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَأَمَّا الثَّالِثُ فَيُقِرُّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ، وَلَا يَكُونُ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُعْتَرِضَةِ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ تَخَلَّلَ الْجَزَاءُ بَيْنَ الشَّرْطَيْنِ بِحَرْفِ الْوَصْلِ، وَهُوَ الْفَاءُ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ شَرْطًا لِانْعِقَادِ الْيَمِينِ، وَالثَّانِي شَرْطُ الْحِنْثِ. اهـ.

وَكَذَا فِي الْبَدَائِعِ فِي مَسْأَلَةِ تَوَسُّطِ الْجَزَاءِ فَقَالَ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا يُشْتَرَطُ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ الدُّخُولُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدُّخُولَ شَرْطَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ الدُّخُولِ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَالْيَمِينُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا فِي الْمِلْكِ، وَمُضَافَةً إلَى الْمِلْكِ فَإِنْ كَانَتْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ دُخُولِ الدَّارِ صَحَّتْ الْيَمِينُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْكَلَامِ فَإِذَا كَلَّمْت يَقَعُ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ الدُّخُولِ بِأَنْ طَلَّقَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ يَصِحَّ التَّعْلِيقُ، وَإِنْ كَلَّمَتْ، وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ ثُمَّ دَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ كَلَّمَتْ فِيهَا طَلَقَتْ اهـ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجَزَاءَ إذَا كَانَ مُتَوَسِّطًا فَلَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَ الشَّرْطَيْنِ، وَأَنَّ كُلَّ شَرْطٍ يَقِرُّ فِي مَوْضِعِهِ فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَاخِلَةً تَحْتَ قَوْلِهِ وَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ لِآخِرِ الشَّرْطَيْنِ إلَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ هُوَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمِلْكَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ فَحِينَئِذٍ لَيْسَ مُعَلَّقًا إلَّا بِشَرْطٍ وَاحِدٍ فَجَعَلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ قِسْمِ تَقْدِيمِ الْمُؤَخَّرِ مِنْهُمَا مِنْ كَلَامِ التَّجْرِيدِ، وَهُمْ لِمَا عَلِمْت أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ فِي مَوْضِعِهِ.

وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الشَّرْطُ الثَّانِي غَيْرَ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ عَيْنَهُ فَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَعَبْدِي حُرٌّ، وَهُمَا وَاحِدٌ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْحِنْثِ حَتَّى تَدْخُلَ دَخْلَتَيْنِ فِيهَا، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ بِدُخُولِ وَاحِدٍ، وَيُجْعَلُ الْبَاقِي تَكْرَارًا، وَإِعَادَةً، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَوْ جَعَلَ الثَّانِيَ تَكْرَارًا لَزِمَ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ حَالًا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ، وَيَصِيرُ الثَّانِي فَاصِلًا كَمَا فِي أَنْتَ حُرٌّ، وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَيُجَابُ بِأَنْ يُجْعَلَ الثَّانِي تَكْرَارًا مَعْنًى لَا لَفْظًا لِأَنَّ الثَّانِيَ عَطْفٌ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَا يُعْطَفُ الشَّيْءُ عَلَى نَفْسِهِ، وَالْعِبْرَةُ فِي الْبَابِ لِلَّفْظِ فَإِذَا انْتَفَى التَّكْرَارُ لَفْظًا كَانَ الثَّانِي حَشْوًا فَصَارَ فَاصِلًا، وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ الثَّانِي غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى الْأَوَّلِ فَأَمْكَنَ جَعْلُ الثَّانِي تَكْرَارًا فَكَانَ وَاحِدًا مَعْنًى فَلَا يُفْصَلُ، وَنَظِيرُهُ حُرٌّ حُرٌّ إنْ شَاءَ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 35

اللَّهُ تَعَالَى. اهـ.

وَقَدَّمْنَا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْتُك، وَإِنْ تَزَوَّجْتُك فَأَنْت طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ حَتَّى يَتَزَوَّجَهَا مَرَّتَيْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَدَّمَ الْجَزَاءَ أَوْ وَسَّطَهُ اهـ فَعَلَى هَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ بِالْوَاوِ، وَبِدُونِهِ فِيمَا إذَا أَخَّرَ الْجَزَاءَ، وَكَانَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَلْيُحْفَظْ، وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَالَ إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إذَا دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ لَا تَطْلُقُ مَا لَمْ تَدْخُلْ مَرَّتَيْنِ، وَلَا تَطْلُقُ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْ مَرَّتَيْنِ اهـ.

فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ بِلَا عَطْفٍ فَإِنْ تَأَخَّرَ الْجَزَاءُ عَنْهُمَا فَالشَّرْطُ أَحَدُهُمَا.

وَإِنْ تَوَسَّطَ فَلَا بُدَّ مِنْ الْفِعْلِ مَرَّتَيْنِ، وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْأَمْرَيْنِ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِهِمَا لِأَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ، وَأَخَّرَ الشَّرْطَ ثُمَّ ذَكَرَ شَرْطًا آخَرَ بِعِطْفٍ فَإِنَّ الطَّلَاقَ فِيهِ مُعَلَّقٌ بِأَحَدِهِمَا نَحْوُ أَنْت طَالِقٌ إذَا قَدَمَ فُلَانٌ، وَإِذَا قَدَمَ فُلَانٌ أَوْ ذُكِرَ بِكَلِمَةِ إنْ أَوْ مَتَى فَأَيُّهُمَا قَدَمَ أَوَّلًا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَلَا يَنْتَظِرُ قُدُومَ الْآخَرِ، وَلَوْ قَدَمَا مَعًا لَا يَقَعُ إلَّا وَاحِدَةٌ، وَلَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَ أَيِّهِمَا وُجِدَ، وَكَذَا لَوْ وَسَّطَ الْجَزَاءَ مَعَ الْعَطْفِ نَحْوُ إنْ قَدَمَ فُلَانٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِذَا قَدَمَ فُلَانٌ فَأَيُّهُمَا سَبَقَ وَقَعَ ثُمَّ لَا يَقَعُ عِنْدَ الشَّرْطِ الثَّانِي شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَقَعَ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ تَطْلِيقَةٌ فَتَقَعُ أُخْرَى عِنْدَ الثَّانِي، وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي مَا لَيْسَا شَرْطَيْنِ حَقِيقَةً، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مُتَعَلِّقًا بِشَيْئَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِمَا نَحْوُ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ، وَهَذِهِ أَوْ إنْ كَلَّمْت أَبَا عَمْرٍو، وَأَبَا يُوسُفَ فَكَذَا فَإِنَّهُمَا شَرْطٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْوُقُوعَ بِأَحَدِهِمَا فَاشْتُرِطَ لِلْوُقُوعِ قِيَامُ الْمِلْكِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَكَذَا إذَا كَانَ فِعْلًا قَائِمًا بِاثْنَيْنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ قَائِمٌ بِهِمَا نَحْوُ إذَا جَاءَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو فَكَذَا فَإِنَّ الشَّرْطَ مَجِيئُهُمَا فَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَقَصْرُ الشَّارِح كَلَامَ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي مِمَّا لَا يَنْبَغِي، وَاعْتِرَاضُ الْكَمَالِ عَلَى الشَّارِحِ فِي جَعْلِهِ مَسْأَلَةَ الْكَلَامِ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ سَهْوٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَهُ مِنْ قَبِيلِ الشَّرْطِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى وَصْفَيْنِ، وَعَلَيْهِ حَمَلَ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ لَا مِنْ قَبِيلِ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا كَرَّرَ أَدَاةَ الشَّرْطِ مِنْ غَيْرِ عَطْفٍ فَإِنَّ الْوُقُوعَ يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِهِمَا سَوَاءٌ قَدَّمَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُمَا أَوْ وَسَّطَهُ لَكِنْ إنْ قَدَّمَهُ أَوْ أَخَّرَهُ فَالْمِلْكُ يُشْتَرَطُ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَهُوَ الْمَلْفُوظُ بِهِ أَوَّلًا عَلَى التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَإِنْ وَسَّطَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ بِالْعَطْفِ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَحَدِهِمَا إنْ قَدَّمَ الْجَزَاءَ أَوْ وَسَّطَهُ، وَأَمَّا إذَا أَخَّرَهُ فَإِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ لَمْ يُكَرِّرْ أَدَاةَ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشَّيْئَيْنِ قَدَّمَ الْجَزَاءَ عَلَيْهِمَا أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُمَا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي مِنْ كَلَامِهِمْ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَالطَّلَاقُ الْأَوَّلُ، وَالثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَالثَّالِثُ بِالشَّرْطِ الثَّانِي حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ طَلَقَتْ تَطْلِيقَتَيْنِ، وَلَوْ كَلَّمَهُ طَلَقَتْ وَاحِدَةً لَا أَنْ يَصِيرَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ شَرْطَ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَالثَّانِي شَرْطَ الِانْحِلَالِ فِي حَقِّ الْكُلِّ لِأَنَّا لَوْ عَلَّقْنَا الْجَزَاءَ الثَّانِيَ بِالدُّخُولِ كَانَ الْجَزَاءُ مُؤَخَّرًا عَنْ الشَّرْطِ، وَلَوْ عَلَّقْنَاهُ بِالْكَلَامِ كَانَ الْجَزَاءُ مُقَدَّمًا عَلَى الشَّرْطِ، وَالْأَصْلُ فِي الشَّرْطِ هُوَ التَّقْدِيمُ فَمَهْمَا أَمْكَنَ حِفْظُهُ عَلَى الْأَصْلِ لَا يُغَيَّرُ.

وَلَوْ قَالَ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ إنْ دَخَلَتْ الدَّارَ، وَعَبْدِي حُرٌّ، وَعَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَالطَّلَاقُ عَلَى الدُّخُولِ وَالْعِتْقِ، وَالْمَشْيُ عَلَى الْكَلَامِ أَلْحَقَ الْجَزَاءَ الْمُتَوَسِّطَ بِالشَّرْطِ الْأَخِيرِ هُنَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّ ثَمَّةَ الْكَلَامُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَطَفَ الِاسْمَ عَلَى الِاسْمِ فَصَارَ الْوَصْلُ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يُقْطَعُ لِضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّ الْمُتَخَلِّلِ أَمَّا هُنَا فَالْكَلَامُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ عَطَفَ الِاسْمَ عَلَى الْفِعْلِ فَلَا يُلْحَقُ بِالْأَوَّلِ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إلْحَاقُهُ بِالثَّانِي انْتَهَى، وَتَمَامُ تَفْرِيعَاتِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالتَّزَوُّجِ وَبِالْكَلَامِ مَذْكُورٌ فِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى مِنْ فَصْلِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالْمِلْكِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ الْأَيْمَانِ، وَالطَّلَاقُ الْمُضَافُ إلَى وَقْتَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِالْفِعْلَيْنِ عِنْدَ آخِرِهِمَا، وَالْمُضَافُ إلَى أَحَدِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِ الْأَمْرَيْنِ تَعَلَّقَ الطَّلَاقُ بِهِمَا) أَيْ حَيْثُ قَالَ فِي صَدْرِ الْمَقُولَةِ، وَأَرَادَ مِنْ الشَّرْطَيْنِ أَمْرَيْنِ يَتَعَلَّقُ إلَخْ (قَوْلُهُ وَاعْتِرَاضُ الْكَمَالِ عَلَى الشَّارِحِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ دَعْوَاهُ أَيْ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ الشَّارِحَ لَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ كَمَا فَهِمَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ سَهْوٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي إذَا كَانَ الشَّرْطُ ذَا وَصْفَيْنِ إلَخْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا مِنْ تَعَدُّدِ الشَّرْطَيْنِ، وَكَانَ الْعُذْرُ لِلشَّارِحِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ كُلُّ شَرْطَيْنِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا إذَا، وَسَّطَ الْجَزَاءَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُشْتَرَطُ الْمِلْكُ لِأَوَّلِهِمَا بِخِلَافِ كُلِّ شَرْطٍ ذِي وَصْفَيْنِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ لِآخِرِهِ صَحِيحٌ فَتَدَبَّرْ. اهـ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُؤَلِّفَ ذَكَرَ أَوَّلًا أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطَيْنِ أَمْرَانِ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ بِهِمَا، وَلَا يَقَعُ بِأَحَدِهِمَا سَوَاءٌ كَانَا شَرْطَيْنِ حَقِيقَةً أَوْ لَا فَقَدْ أَدْخَلَ بِهَذَا التَّعْمِيمِ مَسْأَلَةَ الْكَلَامِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَمَا فِي الشَّرْحُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهِ فَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ لَا مِنْ قَبِيلِ تَعَدُّدِ الشَّرْطِ فِيهِ نَظَرٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِمَا مَهَّدَهُ نَفْسِهِ، وَأَمَّا اعْتِرَاضُ الْكَمَالِ عَلَى الشَّارِحِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارِ حَقِيقَةِ الشَّرْطِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ مُرَاجَعَةِ كَلَامِهِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَطَفَ الِاسْمَ عَلَى الْفِعْلِ) فِيهِ نَظَرٌ فَتَأَمَّلْ

ص: 36

الْوَقْتَيْنِ كَقَوْلِهِ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ يَنْزِلُ بَعْدَ غَدٍ، وَلَوْ عَلَّقَ بِأَحَدِ الْفِعْلَيْنِ يَنْزِلُ عِنْدَ أَوَّلِهِمَا، وَالْمُعَلَّقُ بِفِعْلٍ وَوَقْتٍ يَقَعُ بِأَيِّهِمَا سَبَقَ انْتَهَى، وَقَدَّمْنَاهُ فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الزَّمَانِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ يَدْخُلُ فِي دَارِك فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ الْمَرْأَةُ دَارَ فُلَانٍ، وَفُلَانٌ لَمْ يَدْخُلْ دَارَهَا حَنِثَ فِي يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِالْيَمِينِ أَحَدُهُمَا دُونَ الْجَمْعِ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ تَنْجِيزُ الثَّلَاثِ تَعْلِيقُهُ) أَيْ تَعْلِيقُ الثَّلَاثِ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ أَكْثَرُ الْكُتُبِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَعُودَ إلَى الزَّوْجِ لِيَشْمَلَ مَا دُونَ الثَّلَاثِ كَذَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ قُلْت الْأَوْلَى أَنْ يَعُودَ إلَى الطَّلَاقِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ قَالَ وَاحِدَةً أَوْ قَالَ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْجَزَاءَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَانِعُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ مَا يَحْدُثُ، وَالْيَمِينُ تُعْقَدُ لِلْمَنْعِ أَوْ الْحَمْلِ وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَقَدْ فَاتَ بِتَنْجِيزِ الثَّلَاثِ الْمُبْطِلِ لِلْمَحَلِّيَّةِ فَلَا تَبْقَى الْيَمِينُ. قَيَّدَ بِالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَوْ نَجَّزَ أَقَلَّ مِنْهَا لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ لِأَنَّ الْجَزَاءَ بَاقٍ لِبَقَاءِ مَحَلِّهِ فَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ، وَقَدْ كَانَ عَلَّقَ الثَّلَاثَ ثُمَّ وُجِدَ الْمُعَلَّقُ طَلَقَتْ ثَلَاثًا اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِوُقُوعِ الْمُعَلَّقِ كُلِّهِ لِأَنَّ الزَّوْجَ الثَّانِيَ هَدَمَ الْوَاقِعَ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَلِوُقُوعِ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمُعَلَّقِ لِأَنَّ الثَّانِيَ لَا يُهْدَمُ عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمُعَلَّقُ طَلْقَةً، وَالْمُنَجَّزُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ ثُمَّ وُجِدَ الشَّرْطُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُحَرَّمُ حُرْمَةً غَلِيظَةً بِالْمُنَجَّزِ، وَالْمُعَلَّقِ، وَعِنْدَهُمَا لَا تُحَرَّمُ إذْ يَمْلِكُ بَعْدَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ ثِنْتَيْنِ لِهَدْمِ الثَّانِي مَا نَجَّزَهُ الْأَوَّلُ، وَقَيَّدَ بِالطَّلَاقِ لِأَنَّ الْمِلْكَ إذَا زَالَ بَعْدَ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ التَّعْلِيقُ كَمَا إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ عَتَقَ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِصِفَةِ الرِّقِّ مَحَلٌّ لِلْعِتْقِ وَبِالْبَيْعِ لَمْ تُفْتِ تِلْكَ الصِّفَةُ حَتَّى لَوْ فَاتَتْ بِالْعِتْقِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ سُبِيَ ثُمَّ مَلَكَهُ الْمَوْلَى، وَدَخَلَ الدَّارَ لَمْ يَعْتِقْ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَصَوَابُهُ حَتَّى لَوْ ارْتَدَّتْ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُمْلَكُ بِالسَّبْيِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْأَمَةِ، وَقَيَّدَ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ لِأَنَّ تَنْجِيزَ الثَّلَاثِ لَا يُبْطِلُ الظِّهَارَ مُنَجَّزًا كَانَ أَوْ مُعَلَّقًا كَمَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ثُمَّ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ دَخَلَتْ بَعْدَمَا عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ كَانَ مُظَاهِرًا لِأَنَّ الظِّهَارَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ لَا تَحْرِيمُ الْحِلِّ الْأَصْلِيِّ لَكِنْ قِيَامُ النِّكَاحِ شَرْطٌ لَهُ فَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْمَشْرُوطِ كَالشُّهُودِ فِي النِّكَاحِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ لِلْحِلِّ الْأَصْلِيِّ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَوْرَدَ بَعْضُ أَفَاضِلِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ لَا يَقَعَ إلَّا وَاحِدَةٌ كَقَوْلِ زُفَرَ لِقَوْلِهِمْ الْمُعَلَّقُ تَطْلِيقَاتٌ هَذَا الْمِلْكِ، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ هَذَا الْمِلْكِ لَيْسَ إلَّا وَاحِدَةٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثِنْتَيْنِ ثُمَّ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا فَإِنَّمَا يَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مِلْكِهِ سِوَاهَا.

وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ مَشْرُوطَةٌ، وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُعَلَّقَ طَلْقَاتُ هَذَا الْمِلْكِ الثَّلَاثُ مَا دَامَ مِلْكُهُ لَهَا فَإِذَا زَالَ بَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطْلَقَةً كَمَا هُوَ اللَّفْظُ لَكِنْ بِشَرْطِ بَقَائِهَا مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ فَإِذَا نَجَّزَ ثِنْتَيْنِ زَالَ مِلْكُ الثَّلَاثِ فَبَقِيَ الْمُعَلَّقُ ثَلَاثًا مُطْلَقَةً مَا بَقِيَتْ مَحَلِّيَّتُهَا، وَأَمْكَنَ وُقُوعُهَا، وَهَذَا ثَابِتٌ فِي تَنْجِيزِهِ الثِّنْتَيْنِ فَيَقَعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِمَّا يُبْطِلُ التَّعْلِيقَ لَحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فَلَحَاقُهُ مُرْتَدًّا مُبْطِلٌ لِتَعْلِيقِهِ أَيْ عِنْدَ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا لِأَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ لَا يُبْطِلُهُ، وَلَهُ أَنَّ إبْقَاءَ تَعْلِيقِهِ بِاعْتِبَارِ قِيَامِ أَهْلِيَّتِهِ، وَبِالِارْتِدَادِ ارْتَفَعَتْ الْعِصْمَةُ فَلَمْ يَبْقَ تَعْلِيقُهُ لِفَوَاتِ الْأَهْلِيَّةِ فَإِذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ لَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ الَّذِي حَكَمَ بِسُقُوطِهِ لِاسْتِحَالَةِ عَوْدِ السَّاقِطِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمُصَنِّفِ، وَمِمَّا يُبْطِلُهُ فَوْتُ مَحَلِّ الشَّرْطِ كَفَوْتِ مَحَلِّ الْجَزَاءِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَمَاتَ فُلَانٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ.

وَمِنْهُ مَا إذَا قَالَ إنْ دَخَلْت هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَجُعِلَتْ الدَّارُ بُسْتَانًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ مِمَّا يُبْطِلُهُ زَوَالُ إمْكَانِ الْبِرِّ، وَذَكَرْنَا فُرُوعًا عَلَيْهِ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ، وَزَوَالُ الْمِلْكِ بَعْدَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ قُلْت الْأَوْلَى أَنْ يَعُودَ إلَى الطَّلَاقِ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَخْفَى أَنَّ إضَافَةَ الْمَصْدَرِ إلَى فَاعِلِهِ هِيَ الْأَصْلُ (قَوْلُهُ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَوْرَدَ إلَخْ) هَذَا وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ فَلَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ إلَخْ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرُهُ هُنَاكَ

ص: 37

الْيَمِينِ لَا يُبْطِلُهَا، وَفِي الْقُنْيَةِ حَلَفَ لَا يَخْرُجُ مِنْ بُخَارَى إلَّا بِإِذْنِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فَجُنَّ أَحَدُهُمْ لَا يَخْرُجُ لِأَنَّهُ إنْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ حَنِثَ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَحْنَثْ لِبُطْلَانِ الْيَمِينِ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ وَلَوْ عَلَّقَ الثَّلَاثَ أَوْ الْعِتْقَ بِالْوَطْءِ لَمْ يَجِبْ الْعُقْرُ بِاللُّبْثِ) أَيْ لَمْ يَجِبْ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا وَالْمُعْتَقَةِ بِالْمُكْثِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لِأَنَّ الْجِمَاعَ هُوَ إدْخَالُ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ، وَلَيْسَ لَهُ دَوَامٌ حَتَّى يَكُونَ لِدَوَامِهِ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ كَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ وَهُوَ فِيهَا لَا يَحْنَثُ بِاللُّبْثِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يُدْخِلَ دَابَّتَهُ الْإِصْطَبْلَ وَهِيَ فِيهِ فَأَمْسَكَهَا فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ، وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ الْجِمَاعُ عِبَارَةٌ عَنْ الْمُوَافَقَةِ وَالْمُسَاعَدَةِ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَإِنَّ مُحَمَّدًا كَثِيرًا مَا يَقُولُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَلَسْتُمْ جَامَعْتُمُونَا فِي كَذَا أَيْ وَافَقْتُمُونَا، وَحُكِيَ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُمْلِي عَلَى ابْنَتِهِ مَسَائِلَ يَقُولُ فِي إمْلَائِهِ أَلَسْنَا قَدْ جَامَعْنَاكُمْ عَلَى كَذَا أَوَلَسْتُمْ قَدْ جَامَعْتُمُونَا عَلَى كَذَا فَتَبَسَّمَتْ ابْنَتُهُ يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ فَوَقَعَ بَصَرُهُ عَلَيْهَا فَقَالَ مَا شَأْنُك فَتَبَسَّمَتْ مَرَّةً أُخْرَى فَأَحَسَّ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهَا ذَهَبَتْ إلَى الْجِمَاعِ الْمَعْرُوفِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَقَالَ أَوَ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا فَاحْتَرَقَ غَضَبًا، وَقَطَعَ الْإِمْلَاءَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ، وَقَالَ اللَّهُمَّ لَا أُرِيدُ حَيَاةً بَعْدَ هَذَا فَتَمَنَّى الْمَوْتَ فَمَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ خَمْسَةِ أَيَّامٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ أَشَارَ بِنَفْيِ الْعُقْرِ فَقَطْ إلَى ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بِاللُّبْثِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ النَّزْعُ لِلْحَالِ، وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ جَامَعَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَ وَدَامَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ، وَإِنْ نَزَعَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا، وَقَيَّدْنَا الْمُكْثَ بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ فِعْلٍ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَرَّكَ لَزِمَهُ مَهْرٌ بِهِ لِأَنَّهُ كَالْإِيلَاجِ، وَلِذَا قَالُوا أَوْلَجَ ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ جَامَعْتُك فَأَنْت طَالِقٌ أَوْ حُرَّةٌ إنْ نَزَعَ أَوْ لَمْ يَنْزِعْ، وَلَمْ يَتَحَرَّكْ حَتَّى أَنْزَلَ لَا تَطْلُقُ، وَلَا تَعْتِقُ، وَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ طَلَقَتْ وَعَتَقَتْ، وَيَصِيرُ مُرَاجِعًا بِالْحَرَكَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَجِبُ لِلْأَمَةِ الْعُقْرُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا، وَلَوْ جَامَعَ عَامِدًا قَبْلَ الْفَجْرِ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ وَجَبَ النَّزْعُ فِي الْحَالِ فَإِنْ حَرَّكَ نَفْسَهُ قَضَى، وَكَفَّرَ كَمَا لَوْ حَرَّكَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ فِي الْأُولَى كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّوْمِ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَلَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَيَمِينُهُ عَلَى الْجِمَاعِ، وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ الْحَنْبَلِيُّ.

وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَمِينُهُ عَلَى الْوَطْءِ بِالْقَدَمِ، وَلَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ الْجِمَاعَ، وَلَمْ يُقْبَلْ، وَقَدْ غَلَّطَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي النَّقْلِ عَنْ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِي أَيْمَانِ الْجَامِعِ لَوْ قَالَ لَهَا إنْ وَطِئْتُك فَهُوَ عَلَى الْجِمَاعِ فِي فَرْجِهَا بِذَكَرِهِ، وَلَوْ نَوَى الدَّوْسَ بِالْقَدَمِ لَا يُصَدَّقُ فِي الصَّرْفِ عَنْ الْجِمَاعِ، وَيَحْنَثُ بِالدَّوْسِ بِالْقَدَمِ أَيْضًا لِاعْتِرَافِهِ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ قَالَ إنْ وَطِئْت مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ امْرَأَةٍ فَهُوَ عَلَى الدَّوْسِ بِالْقَدَمِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ وَالْعُرْفِ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا. اهـ.

، وَالْعُقْرُ بِالضَّمِّ مَهْرُ الْمَرْأَةِ إذَا وُطِئَتْ عَلَى شُبْهَةٍ، وَبِالْفَتْحِ الْجَرْحُ مِنْ عَقَرَهُ أَيْ جَرَحَهُ فَهُوَ عَقِيرٌ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْعُقْرُ بِالضَّمِّ دِيَةُ الْفَرْجِ الْمَغْصُوبِ، وَصَدَاقُ الْمَرْأَةِ. اهـ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ الْعُقْرُ بِالضَّمِّ دِيَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ إذَا غُصِبَتْ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ كَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى اُسْتُعْمِلَ فِي الْمَهْرِ انْتَهَى، وَاللُّبْثُ مِنْ لَبِثَ بِالْمَكَانِ لَبَثًا مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَجَاءَ فِي الْمَصْدَرِ السُّكُونُ لِلتَّخْفِيفِ، وَاللَّبْثَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ، وَبِالْكَسْرِ الْهَيْئَةُ وَالنَّوْعُ، وَالِاسْمُ اللُّبْثُ بِالضَّمِّ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ اللَّبْثُ بِفَتْحِ اللَّامِ، وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُكْثُ مِنْ لَبِثَ كَسَمِعَ، وَهُوَ نَادِرٌ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ مِنْ فَعِلَ بِالْكَسْرِ قِيَاسُهُ التَّحْرِيكُ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ انْتَهَى، وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا فِي الْمِصْبَاحِ لِإِيهَامِهِ أَنَّ الْمَصْدَرَ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَأَنَّ السُّكُونَ جَائِزٌ.

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُرَاجِعًا فِي الرَّجْعِيِّ إلَّا إذَا أَوْلَجَهُ ثَانِيًا) أَيْ لَمْ يَصِرْ بِاللُّبْثِ مُرَاجِعًا إذَا كَانَ الْمُعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ طَلَاقًا رَجْعِيًّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الدَّوَامَ لَيْسَ بِتَعَرُّضٍ لِلْبُضْعِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ مُرَاجِعًا لِوُجُودِ الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، وَجَزْمُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ فِعْلٌ وَاحِدٌ فَلَيْسَ لِآخِرِهِ حُكْمُ فِعْلٍ عَلَى حِدَةٍ، وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَصِيرَ مُرَاجِعًا عِنْدَ الْكُلِّ لِوُجُودِ الْمِسَاسِ بِشَهْوَةٍ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَيَنْبَغِي تَصْحِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِظُهُورِ دَلِيلِهِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رَاجِعٌ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 38

إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ فَإِذَا أَوْلَجَ ثَانِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَصَارَ مُرَاجِعًا فَجَعْلُ الشَّارِحِ إيَّاهُ رَاجِعًا إلَى الثَّانِيَةِ قُصُورٌ، وَقَيَّدَ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَجِبُ بِالْإِيلَاجِ ثَانِيًا وَإِنْ كَانَ جِمَاعًا لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ أَنَّهُ جِمَاعٌ وَاحِدٌ بِالنَّظَرِ إلَى اتِّحَادِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ كَانَ أَوَّلُهُ غَيْرَ مُوجِبٍ لِلْحَدِّ فَلَا يَكُونُ آخِرَهُ مُوجِبًا لَهُ، وَإِنْ قَالَ ظَنَنْت أَنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ، وَوَجَبَ الْمَهْرُ لِأَنَّ الْبُضْعَ الْمُحْتَرَمَ لَا يَخْلُو عَنْ عُقْرٍ أَوْ عُقْرٍ، وَفِي الْمِعْرَاجِ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا أَخْرَجَ ثَمَّ أَوْلَجَ فِي الْعِتْقِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْحَدُّ لِأَنَّهُ وَطِئَ لَا فِي مِلْكٍ، وَلَا فِي شُبْهَةٍ، وَهِيَ الْعِدَّةُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ لِوُجُودِ الْعِدَّةِ، وَجَوَابُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِابْتِدَاءِ فِعْلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَالْمَقْصُودِ. اهـ.

وَقَيَّدَ بِالتَّعْلِيقِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنْ لَبِثَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَنْزِعْ وَجَبَ مَهْرَانِ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ، وَمَهْرٌ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْ الْإِدْخَالَ لِأَنَّ دَوَامَهُ عَلَى ذَلِكَ فَوْقَ الْخَلْوَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ كَذَا نَقَلُوا، وَتَخْصِيصُ الرِّوَايَةِ بِمُحَمَّدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافٍ بَلْ لِأَنَّهَا رُوِيَتْ عَنْهُ دُونَ غَيْرِهِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ حَلَفَ لَا يَقْرَبُهَا فَاسْتَلْقَى وَجَاءَتْ وَقَضَتْ مِنْهُ حَاجَتَهَا يَحْنَثُ فِيمَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَوْ نَائِمًا لَا يَحْنَثُ قَالَ لِأَمَتِهِ إنْ جَامَعْتُك فَأَنْت حُرَّةٌ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا وَيَطَأَهَا فَتَنْحَلُّ لَا إلَى جَزَاءٍ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ فَيَطَؤُهَا فَلَا تَعْتِقُ. حَلَفَ لَا يَغْشَاهَا، وَهُوَ عَلَيْهَا فَالْيَمِينُ عَلَى الْإِخْرَاجِ ثُمَّ الْإِدْخَالِ فَإِنْ دَامَ عَلَيْهَا لَا يَحْنَثُ، وَذَكَرَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْجِمَاعِ لَا يَحْنَثُ بِالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَإِنْ أَنْزَلَ إلَّا إذَا نَوَى انْتَهَى.

(قَوْلُهُ وَلَا تَطْلُقُ فِي إنْ نَكَحْتهَا عَلَيْك فَهِيَ طَالِقٌ فَنَكَحَ عَلَيْهَا فِي عِدَّةِ الْبَائِنِ) يَعْنِي لَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ الْجَدِيدَةُ فِيمَا إذَا قَالَ لِلَّتِي تَحْتَهُ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك امْرَأَةً فَهِيَ طَالِقٌ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَائِنًا ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى فِي عِدَّتِهَا لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ عَلَيْهَا أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهَا مَنْ يُنَازِعُهَا فِي الْفِرَاشِ، وَيُزَاحِمُهَا فِي الْقَسْمِ، وَلَمْ يُوجَدْ. قَيَّدَ بِالْبَائِنِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا طَلَقَتْ كَمَا فِي شَرْحِ مِسْكِينٍ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْأَمْرِ بِالْيَدِ جَعَلَ أَمْرَ الْمَرْأَةِ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا عَلَيْهَا بِأَنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك امْرَأَةً فَأَمْرُهَا بِيَدِك أَوْ قَالَ مَا دُمْت امْرَأَتِي ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا أَوْ خَالَعَهَا وَتَزَوَّجَ أُخْرَى فِي عِدَّتِهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ بِالْأُولَى لَا يَصِيرُ الْأَمْرُ بِيَدِهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ حَالُ الْمُنَازَعَةِ فِي الْقَسْمِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَقْتَ الْإِدْخَالِ، وَإِنْ قَالَ إنْ تَزَوَّجْت امْرَأَةً فَأَمْرُهَا بِيَدِك فَأَبَانَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ بِأُخْرَى صَارَ الْأَمْرُ بِيَدِهَا. اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ إنْ تَزَوَّجْت عَلَيْك امْرَأَةً فَأَمْرُهَا بِيَدِك ثُمَّ دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ فِي نِكَاحِهِ بِنِكَاحِ الْفُضُولِيِّ، وَأَجَازَ بِالْفِعْلِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَهَا، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلَتْ امْرَأَةٌ فِي نِكَاحِي فَلَهَا ذَلِكَ، وَكَذَا فِي التَّوْكِيلِ بِذَلِكَ انْتَهَى، وَفِي آخِرِ الْأَيْمَانِ إنْ سَكَنْت فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ، وَخَرَجَ فِي الْفَوْرِ، وَخَلَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ سَكَنَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ ثُمَّ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَحَلَالُ اللَّهِ عَلَيَّ حَرَامٌ لِفِعْلِ الْآخَرِ فَفَعَلَ أَحَدَ الْفِعْلَيْنِ حَتَّى بَانَتْ امْرَأَتُهُ ثُمَّ فَعَلَ الْآخَرَ فَقِيلَ لَا يَقَعُ الثَّانِي لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِامْرَأَتِهِ عِنْدَ الشَّرْطِ، وَقِيلَ يَقَعُ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ انْتَهَى، وَفِي الْقُنْيَةِ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ إنْ أَمْسَكْت امْرَأَتِي إلَى مَمَاتِي فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَتْرُكُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ يَوْمٍ لَا يَقَعُ لِأَنَّهَا بِمُضِيِّ الْعِدَّةِ خَرَجَتْ عَنْ أَنْ تَكُونَ امْرَأَتُهُ فَبِالنِّكَاحِ لَمْ يُمْسِكْ امْرَأَتَهُ انْتَهَى.

(قَوْلُهُ وَلَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا، وَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَ قَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ) أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِحَدِيثٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ مَرْفُوعًا «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، وَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ» ، وَقَدْ بَحَثَ فِيهِ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ قَيَّدَ بِالِاتِّصَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا سُكُوتٌ كَثِيرٌ بِلَا ضَرُورَةٍ ثَبَتَ حُكْمُ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ السُّكُوتُ بِالْجُشَاءِ أَوْ التَّنَفُّسِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ أَوْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ لِأَنَّ دَوَامَهُ عَلَى ذَلِكَ فَوْقَ الْخَلْوَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ) قَالَ فِي النَّهْرِ، وَهَذَا يُشْكِلُ عَلَى مَا مَرَّ إذْ قَدْ جَعَلَ لِآخِرِ هَذَا الْفِعْلِ الْوَاحِدِ حُكْمٌ عَلَى حِدَةٍ. اهـ.

وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ مَا مَرَّ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَمَا هُنَا رِوَايَةٌ كَمَا يُفِيدُهُ التَّعْبِيرُ بِعَنْ. اهـ.

وَالظَّاهِرُ سُقُوطُ الْإِشْكَالِ مِنْ أَصْلِهِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ آخِرِ الْفِعْلِ هُنَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ خَلْوَةً فَأَوْجَبَتْ الْمَهْرَ، وَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ ذَلِكَ فِيمَا مَرَّ لِإِيجَابِ الْحَدِّ

ص: 39

بِإِمْسَاكِ غَيْرِهِ فَمَهُ أَوْ كَانَ بِلِسَانِهِ ثِقَلٌ فَطَالَ فِي تَرَدُّدِهِ، وَالْفَاصِلُ اللَّغْوُ يُبْطِلُ الْمَشِيئَةَ فَلِذَا طَلَقَتْ ثَلَاثًا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَفِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَاحِدَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَقَوْلِهِ عَبْدُهُ حُرٌّ وَحُرٌّ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِالْوَاوِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِدُونِهَا لِلتَّأْكِيدِ، وَبِخِلَافِ حُرٍّ وَعَتِيقٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِكَوْنِهِ تَفْسِيرًا، وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ بِغَيْرِ لَفْظِ الْأَوَّلِ، وَبِخِلَافِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ لِكَوْنِهِ أَفَادَ التَّكْمِيلَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَفِي الْمُجْتَبَى مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ رَجْعِيًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ بَائِنًا لَا يَقَعُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَغْوٌ دُونَ الثَّانِي، وَفِي الْقُنْيَةِ بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا إنْ شَاءَ اللَّهُ يُسْأَلُ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ عَنَى الرَّجْعِيَّ لَا يَقَعُ، وَإِنْ عَنَى الْبَائِنَ يَقَعُ، وَلَا يَعْمَلُ الِاسْتِثْنَاءُ انْتَهَى، وَصَوَابُهُ إنْ عَنَى الرَّجْعِيَّ يَقَعُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ لِلْفَاصِلِ، وَإِنْ عَنَى الْبَائِنَ لَمْ يَقَعْ لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ.

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يَقَعُ، وَصُرِفَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْوَصْفِ، وَكَذَا أَنْت طَالِقٌ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَكَذَا أَنْت طَالِقٌ يَا صَبِيَّةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ يُصْرَفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْكُلِّ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ كَأَنَّهُ قَالَ يَا فُلَانَةُ، وَالْأَصْلُ عِنْدَهُ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَوْ يَلْزَمُ بِهِ حَدٌّ كَقَوْلِهِ يَا طَالِقُ يَا زَانِيَةُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ انْتَهَى، وَأَطْلَقَ فَشَمِلَ مَا إذَا أَتَى بِالْمَشِيئَةِ عَنْ قَصْدٍ أَوْ لَا فَلَا يَقَعُ فِيهِمَا، وَكَذَا إذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ الْمَعْنَى فَلَوْ شَهِدَا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مُتَّصِلًا، وَهُوَ لَا يَذْكُرُهُ قَالُوا إنْ كَانَ بِحَالٍ لَا يَدْرِي مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ لِغَضَبٍ جَازَ لَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِمَا، وَإِلَّا لَا، وَشَمِلَ مَا إذَا ادَّعَى الِاسْتِثْنَاءَ وَأَنْكَرَتْهُ، وَإِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَكَذَا فِي دَعْوَى الشَّرْطِ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ خَالَعَ بِلَا اسْتِثْنَاءٍ أَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ تُقْبَلُ، وَهَذَا مِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ الْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى أَمْرٌ وُجُودِيٌّ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ ضَمِّ الشَّفَتَيْنِ عَقِيبَ التَّكَلُّمِ بِالْمُوجِبِ، وَإِنْ قَالُوا أَطْلَقَ، وَلَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ كَلِمَةِ الْخُلْعِ، وَالزَّوْجُ يَدَّعِي الِاسْتِثْنَاءَ فَالْقَوْلُ لَهُ لِجَوَازِ أَنَّهُ قَالَهُ، وَلَمْ يَسْمَعُوهُ، وَالشَّرْطُ سَمَاعُهُ لَا سَمَاعُهُمْ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَفِي الصُّغْرَى إذَا ذَكَرَ الْبَدَلَ فِي الْخُلْعِ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الِاسْتِثْنَاءِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ الزَّوْجُ طَلَّقْتُك أَمْسِ، وَقُلْت إنْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَصَوَابُهُ إنْ عَنَى الرَّجْعِيَّ يَقَعُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: بَلْ الصَّوَابُ مَا فِي الْقُنْيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنْتِ طَالِقٌ أَحَدُ هَذَيْنِ وَبِهَذَا لَا يَكُونُ الرَّجْعِيُّ لَغْوًا وَإِنْ نَوَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْبَائِنَ وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلَيْسَ لَغْوًا عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ.

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ، وَأَنَا أَقُولُ: الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى الرَّجْعِيَّ فَجُمْلَةُ أَنْتِ طَالِقٌ تُفِيدُهُ فَكَأَنَّ قَوْلَهُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى أَحَدِ هَذَيْنِ لَغْوًا بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى الْبَائِنَ فَإِنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ لَا تُفِيدُهُ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا لَغْوًا فَإِنْ قُلْت لَمَّا نَوَى الْبَائِنَ كَانَ قَوْلُهُ رَجْعِيًّا لَغْوًا إذْ كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا.

قُلْت هُوَ تَرْكِيبٌ صَحِيحٌ لُغَةً وَشَرْعًا كَمَا فِي إحْدَى امْرَأَتَيَّ طَالِقٌ وَحَيْثُ كَانَ مَقْصُودُهُ الْبَائِنَ وَكَانَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ غَيْرَ مُفِيدٍ لِلْبَائِنِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ رَجْعِيًّا أَوْ بَائِنًا وَيَنْوِيَ الْبَائِنَ وَبَيْنَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنًا. قَوْلُهُ كَقَوْلِهِ يَا طَالِقُ يَا زَانِيَةُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ قَالَ الرَّمْلِيُّ هُنَا غَلَطٌ وَلَعَلَّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ بِهِ حَدٌّ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ إلَخْ وَلَمْ أَجِدْ هَذَا فِي نُسَخِ الْبَحْرِ الَّتِي عِنْدِي، وَلَا فِي نُسَخِ الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ اهـ.

قُلْت وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَكَذَا أَنْتِ طَالِقٌ يَا صَبِيَّةُ صَوَابُهُ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ إلَخْ وَيُوَضِّحُ الْأَمْرَ، عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة وَنَصُّهَا وَفِي نَوَادِرِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ يَا زَانِيَةُ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْقَذْفُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ يَا خَبِيثَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ كَأَنَّهُ قَالَ يَا فُلَانَةُ وَذَكَرَ ثَمَّةَ أَصْلًا فَقَالَ الْمَذْكُورُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ إذَا كَانَ يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ أَوْ يَجِبُ بِهِ حَدٌّ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَيْهِ نَحْوَ قَوْلِهِ يَا زَانِيَةُ وَيَا طَالِقُ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ بِهِ حَدٌّ وَلَا يَقَعُ بِهِ طَلَاقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ عَلَى الْكُلِّ وَذَلِكَ نَحْوَ قَوْلِهِ يَا خَبِيثَةُ انْتَهَتْ.

وَاعْلَمْ أَنَّا كَتَبْنَا أَوَائِلَ فَصْلِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ عَنْ شَرْحِ التَّلْخِيصِ مَا مُلَخَّصُهُ أَنَّ قَوْلَهُ يَا زَانِيَةُ إنْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ أَوْ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالِاسْتِثْنَاءِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ كَانَ قَذْفًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُعَدُّ الْمُتَخَلِّلُ فَاصِلًا فَيَقَعُ الطَّلَاقُ لِلْحَالِ وَيَجِبُ اللِّعَانُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ وَيَجِبُ اللِّعَانُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ يَا زَانِيَةُ وَإِنْ كَانَ جَزَاءً إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ النَّفْيُ دُونَ التَّحْقِيقِ وَلِأَنَّهُ نِدَاءٌ لِلْإِعْلَامِ فَلَا يُفْصَلُ فَيَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ فَكَذَا الْقَذْفُ بِالْأَوْلَى لِقُرْبِهِ فَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعِبَارَةُ مَتْنِ التَّلْخِيصِ قَدَّمَهَا الْمُؤَلِّفُ أَوَّلَ بَابِ التَّعْلِيقِ (قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ خِلَافًا إلَى قَوْلِهِ انْتَهَى) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ بِجُمْلَتِهِ مَنْقُولُ الْخَانِيَّةِ عَنْ النَّوَادِرِ فَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ مِنْ كَلَامِ النَّوَادِرِ لَا مِنْ كَلَامِ الْخَانِيَّةِ اهـ.

ص: 40

شَاءَ اللَّهُ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الزَّوْجِ، وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُقْبَلُ قَوْلُ الزَّوْجِ.

وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيَقَعُ الطَّلَاقُ، وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَالْفَتْوَى احْتِيَاطًا فِي أَمْرِ الْفُرُوجِ فِي زَمَنٍ غَلَبَ عَلَى النَّاسِ الْفَسَادُ انْتَهَى.

وَأَشَارَ بِصِحَّةِ الْمَشِيئَةِ فِي الطَّلَاقِ إلَى صِحَّتِهَا فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ صِيَغِ الْإِخْبَارِ، وَإِنْ كَانَتْ إنْشَاءَاتٍ شَرْعًا فَدَخَلَ الْبَيْعُ وَالِاعْتِكَافُ وَالْعِتْقُ وَالنَّذْرُ بِالصَّوْمِ، وَخَرَجَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ فَلَوْ قَالَ اعْتِقُوا عَبْدِي مِنْ بَعْدِ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَكَذَا بِعْ عَبْدِي مِنْ بَعْدِ مَوْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَكَذَا بِعْ عَبْدِي هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَبِعْهُ، وَخَرَجَ مَا لَمْ يَخْتَصَّ بِاللِّسَانِ كَالنِّيَّةِ فَلَوْ قَالَ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَحَّ صَوْمُهُ.

وَأَشَارَ بِإِسْنَادِ الْمَشِيئَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَى كُلِّ مَنْ لَمْ يُوقَفُ لَهُ عَلَى مَشِيئَةٍ كَإِنْ شَاءَ الْجِنُّ أَوْ الْإِنْسُ أَوْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ الْحَائِطُ فَلَا يَقَعُ فِي الْكُلِّ فَخَرَجَ مَنْ يُوقَفُ لَهُ عَلَيْهَا كَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ فَهُوَ تَمْلِيكٌ لَهُ مُعْتَبَرٌ فِيهِ مَجْلِسُ عِلْمِهِ فَإِنْ شَاءَ فِيهِ طَلَقَتْ، وَإِلَّا خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهِ، وَصُورَةُ مَشِيئَتِهِ أَنْ يَقُولَ شِئْت مَا جَعَلَهُ إلَيَّ فُلَانٌ، وَلَا تُشْتَرَطُ فِيهِ نِيَّةُ الطَّلَاقِ، وَلَا ذِكْرُهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَدَخَلَ فِي كَلَامِهِ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَمَشِيئَةِ مَنْ يُوقَفُ عَلَى مَشِيئَتِهِ كَمَا إذَا قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَشَاءَ زَيْدٌ فَلَا وُقُوعَ، وَإِنْ شَاءَ زَيْدٌ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَقَدَّمْنَا عَنْ تَلْخِيصِ الْجَامِعِ حُكْمُ مَا إذَا قَالَ أَمْرُهَا بِيَدِ اللَّهِ وَبِيَدِك، وَأَشَارَ بِكَلِمَةِ إنْ إلَى مَا كَانَ بِمَعْنَاهَا فَدَخَلَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ إذَا شَاءَ اللَّهُ أَوْ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَبِالْمَشِيئَةِ إلَى مَا كَانَ بِمَعْنَاهَا كَالْإِرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا بِجَمِيعِ الْأَدَوَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ إنْ، وَالْبَاءِ فَخَرَجَ مَا لَمْ يَكُنْ بِمَعْنَاهَا كَأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَقَضَائِهِ وَإِذْنِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ فَإِنَّهُ يَقَعُ لِلْحَالِ إنْ كَانَ بِالْبَاءِ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ، وَخَرَجَ أَيْضًا مَا إذَا كَانَ بِاللَّامِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ بَقِيَ، وَأَضَافَهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا إلَّا فِي قَوْلِهِ طَالِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ، وَإِلَّا فِي قَوْلِهِ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ إنْ أَرَادَ بِالْقُدْرَةِ ضِدَّ الْعَجْزِ لِأَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى مَوْجُودَةٌ قَطْعًا كَالْعِلْمِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ، وَلَا يَعْلَمُ تَقْدِيرَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ أَتَى بِإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ أَتَى بِالْبَاءِ لَمْ يَقَعْ فِي

ــ

[منحة الخالق]

وَكَتَبَ قَبْلَهُ أَقُولُ: وَحَيْثُمَا وَقَعَ خِلَافٌ وَتَرْجِيحٌ لِكُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ إلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَا عَدَاهَا لَيْسَ مَذْهَبًا لِأَصْحَابِنَا، وَأَيْضًا كَمَا غَلَبَ الْفَسَادُ فِي الرِّجَالِ غَلَبَ فِي النِّسَاءِ فَقَدْ تَكُونُ كَارِهَةً لَهُ فَتَطْلُبُ الْخَلَاصَ مِنْهُ فَتَفْتَرِي عَلَيْهِ فَيُفْتِي الْمُفْتِي بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الَّذِي هُوَ الْمَذْهَبُ، وَيُفَوِّضُ بَاطِنَ الْأَمْرِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَتَأَمَّلْ وَأَنْصِفْ مِنْ نَفْسِك (قَوْلُهُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ) قَالَ فِي النَّهْرِ اعْلَمْ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ فِي مَا شَاءَ اللَّهُ مُسَلَّمٌ بِتَقْدِيرِ كَوْنِ مَا مَصْدَرِيَّةً ظَرْفِيَّةً لَا مَا إذَا قَدَّرْت مَوْصُولًا اسْمِيًّا أَيْ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْوَاقِعِ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، وَلَا شَكَّ فِي أَنْتِ طَالِقٌ الْمَذْكُورِ هُنَا فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت كَذَا فِي الْفَتْحِ، وَلَكِنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ بِتَقْدِيرِ إرَادَةِ الْمِقْدَارِ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَيْسَ بِمُتَعَيِّنٍ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ الطَّلَاقُ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَشِيئَتُهُ لَا تُعْلَمُ فَلَمْ يَقَعْ إذْ الْعِصْمَةُ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ.

(قَوْلُهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ طَالِقٌ فِي عِلْمِ اللَّهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ فِي بِمَعْنَى الشَّرْطِ فَيَكُونُ تَعْلِيقًا بِمَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ فَلَا يَقَعُ إلَّا فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ لِلْمَعْلُومِ، وَهُوَ وَاقِعٌ، وَلِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ نَفْيُهُ عَنْهُ تَعَالَى بِحَالٍ فَكَانَ تَعْلِيقًا بِأَمْرٍ مَوْجُودٍ فَيَكُونُ تَنْجِيزًا، وَلَا يَلْزَمُهُ الْقُدْرَةُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا هُنَا التَّقْدِيرُ، وَقَدْ يُقَدِّرُ شَيْئًا، وَقَدْ لَا يُقَدِّرُهُ حَتَّى إذَا أَرَادَ حَقِيقَةَ قُدْرَتِهِ تَعَالَى يَقَعُ فِي الْحَالِ كَذَا فِي الْكَافِي، وَالْأَوْجَهُ أَنْ يُرَادَ الْعِلْمُ عَلَى مَفْهُومِهِ، وَإِذَا كَانَ فِي عِلْمِهِ تَعَالَى أَنَّهَا طَالِقٌ فَهُوَ فَرْعُ تَحَقُّقِ طَلَاقِهَا، وَكَذَا نَقُولُ الْقُدْرَةُ عَلَى مَفْهُومِهَا، وَلَا يَقَعُ لِأَنَّ مَعْنَى أَنْتِ طَالِقٌ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ إنَّ فِي قُدْرَتِهِ تَعَالَى وُقُوعُهُ، وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ سَبْقَ تَحَقُّقِهِ يُقَالُ لِلْفَاسِدِ الْحَالُ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ صَلَاحُهُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِهِ فِي الْحَالِ، وَفِيهِ أَيْضًا أَيْ فِي الْكَافِي، وَإِنْ أَضَافَ إلَى الْعَبْدِ بِفِي كَانَ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعِ الْأُوَلِ، وَمَا بِمَعْنَاهُ مِنْ الْهَوَى، وَالرُّؤْيَةِ تَعْلِيقًا فِي السِّتَّةِ الْأَوَاخِرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي التَّنْجِيزِ بِقَوْلِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ يَأْتِي فِي قَوْلِهِ فِي إرَادَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ فَيَلْزَمُ الْوُقُوعُ بِخِلَافِ تَوْجِيهِنَا (قَوْلُهُ وَإِنْ أَتَى بِالْبَاءِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ الْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ أَعْنِي مَا إذَا لَمْ يُعَلِّقْ بِأَنَّ عَلَيَّ سِتِّينَ وَجْهًا، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْعَشَرَةِ إمَّا أَنْ يُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ إلَى الْعَبْدِ، وَكُلُّ وَجْهٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْبَاءِ أَوْ اللَّامِ أَوْ بِفِي اهـ.

وَإِذَا ضُرِبَتْ هَذِهِ السِّتُّونَ فِي الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ، وَهِيَ مَا إذَا تَلَفَّظَ بِالطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ أَوْ كَتَبَهَا أَوْ كَتَبَ الْأَوَّلَ فَقَطْ أَوْ بِالْعَكْسِ بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَبِضَمِّ إنْ إلَى الْحُرُوفِ الثَّلَاثَةِ تَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَرُبَّمَا بَلَغَتْ أَضْعَافَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ

ص: 41

الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ وَالرِّضَا وَالْمَحَبَّةِ، وَوَقَعَ فِي الْبَاقِي، وَإِنْ أَتَى بِفِي لَمْ يَقَعْ إلَّا فِي عَلِمَ اللَّهُ، وَإِنْ أَتَى بِاللَّامِ وَقَعَ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى الْعَبْدِ كَانَ تَمْلِيكًا فِي الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى، وَهِيَ الْمَشِيئَةُ وَأَخَوَاتِهَا، وَمَا بِمَعْنَاهَا كَالْهُوِيَّةِ وَالرُّؤْيَةِ تَعْلِيقًا فِي السِّتَّةِ، وَهِيَ الْأَمْرُ، وَأَخَوَاتُهُ، وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَتَبَ الطَّلَاقَ، وَالِاسْتِثْنَاءَ أَوْ كَتَبَ الطَّلَاقَ، وَاسْتَثْنَى بِلِسَانِهِ أَوْ طَلَّقَ بِلِسَانِهِ، وَاسْتَثْنَى بِالْكِتَابَةِ يَصِحُّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ.

وَأَشَارَ بِإِنْ بِدُونِ الْوَاوِ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ، وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ.

وَلَوْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ صَحَّتْ الْمَشِيئَةُ، وَلَا تَطْلُقُ لِكَوْنِهِ إبْطَالًا، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَعْزِيًّا كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْمَجْمَعِ خِلَافًا فِيهِ فَقَالَ وَإِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ يَجْعَلُهُ تَعْلِيقًا، وَهُمَا تَطْلِيقًا فَأَفَادَ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا عِنْدَهُ، وَالشَّرْطُ فِيهِ الْفَاءُ فِي الْجَوَابِ الْمُتَأَخِّرِ فَإِذَا لَمْ يَأْتِ بِهِ لَا يَتَعَلَّقُ فَيُنَجَّزُ، وَلَغَتْ الْمَشِيئَةُ، وَلَا يَقَعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَعْلِيقٍ هَذَا مَا يَقْتَضِيه مَا فِي الْمَتْنِ، وَقَرَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَابْنُ الْهُمَامِ، وَغَيْرُهُمَا، وَقَدْ خَالَفَ شَارِحُ الْمَجْمَعِ فَنَسَبَ إلَى أَبِي يُوسُفَ الْقَائِلِ بِالتَّعْلِيقِ عَدَمَ الْوُقُوعِ، وَإِلَيْهِمَا الْوُقُوعَ نَظَرًا إلَى مَا نَقَلَهُ قَاضِي خَانْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ أَنَّ عَدَمَ الْوُقُوعِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ ثَمَرَةَ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي الْجَوَابِ، وَيُصَدَّقُ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُقُوعِ دِيَانَةً أَنَّهُ أَرَادَ الِاسْتِثْنَاءَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ، وَلَوْ أَجَابَ بِالْوَاوِ فَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ إجْمَاعًا.

وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِذِكْرِ الْوَاوِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَتَظْهَرُ أَيْضًا فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَنِثَ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعْلِيقِ لَا الْإِبْطَالِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنَّهُ عُزِيَ إلَيْهِ الْإِبْطَالُ فَتَحَصَّلَ عَلَى أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إبْطَالٌ اهـ.

فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ، وَفِيمَا إذَا حَلَفَ بِالطَّلَاقِ إنْ حَلَفَ بِطَلَاقِهَا ثُمَّ حَلَفَ مُسْتَثْنِيًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْأُولَى، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَصَرَّحَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ.

وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ أَيْ قَاضِي خَانْ عَزَا إلَيْهِ أَيْ إلَى أَبِي يُوسُفَ الْإِبْطَالَ سَهْوًا، وَإِنَّمَا عُزِيَ إلَيْهِ الْيَمِينُ، وَلَا

ــ

[منحة الخالق]

تَقْدِيمِ الْمَشِيئَةِ أَوْ تَأْخِيرِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ لِكَوْنِهِ إبْطَالًا) قَالَ الرَّمْلِيُّ هُوَ عِلَّةٌ لِصِحَّةِ الْمَشِيئَةِ مَعَ تَقْدِيمِهَا، وَعَدَمِ الْإِيتَانِ بِالْفَاءِ، وَقَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى أَيْ عَلَى صِحَّةِ الْمَشِيئَةِ، وَعَدَمُ الطَّلَاقِ لَا عَلَى عَكْسِهِ الَّذِي هُوَ الْوُقُوعُ، وَعَدَمُ صِحَّتِهَا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ) كَأَنَّهُ عَزَاهُ إلَى الْخَانِيَّةِ مُجَارَاةً لِصَاحِبِ الْفَتْحِ، وَإِلَّا فَسَيَذْكُرُ قَرِيبًا أَنَّ الْقَوْلَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا إبْطَالٌ.

(قَوْلُهُ هَذَا مَا يَقْتَضِيه مَا فِي الْمَتْنِ) أَيْ مَتْنِ الْمَجْمَعِ قَالَ فِي النَّهْرِ يَأْبَاهُ قَوْلُهُ وَهُمَا تَطْلِيقًا إذْ مُقَابَلَةُ التَّعْلِيقِ بِالتَّطْلِيقِ تَقْتَضِي عَدَمَ الْوُقُوعِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَالْوُقُوعَ عَلَى الثَّانِي فَنِسْبَةُ صَاحِبِ الْفَتْحِ الْغَلَطَ إلَى شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِقَوْلِهِ، وَهُوَ غَلَطٌ فَاجْتَنِبْهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الْمَتْنِ أَيْضًا اهـ. مُلَخَّصًا.

يَعْنِي: أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ عِبَارَةِ الْمَجْمَعِ هُوَ مَا ذَكَرَ شَارِحُهُ مِنْ أَنَّهُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَعْلِيقٌ فَلَا يَقَعُ، وَعِنْدَهُمَا تَطْلِيقٌ فَيَقَعُ مُنَجَّزًا لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّعْلِيقِ بِسَبَبِ إسْقَاطِ الْفَاءَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ صَاحِبَ الْمَجْمَعِ حَيْثُ شَرَحَ مَتْنَهُ بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُرَادُهُ لِأَنَّ صَاحِبَ الدَّارِ أَدْرَى، وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ دُرَرِ الْبِحَارِ فَإِنَّهُ صَرَّحَ أَوَّلًا بِأَنَّ أَبَا يُوسُفَ يَجْعَلُهُ تَعْلِيقًا لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لَمَّا اتَّصَلَ بِالْإِيجَابِ أَبْطَلَ حُكْمَهُ ثُمَّ قَالَ وَجَعَلَاهُ تَنْجِيزًا لِأَنَّهُ لَمَّا انْتَفَى رَابِطُ الْجُمْلَتَيْنِ، وَهُوَ الْفَاءُ هُنَا بَقِيَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ مُنَجَّزًا إلَخْ، وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَإِنْ ذَكَرَ الطَّلَاقَ بِدُونِ حَرْفِ الْفَاءِ بِأَنْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ صَحِيحٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَبِهِ نَأْخُذُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ فِي الْقَضَاءِ، وَيُدَيَّنُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ الِاسْتِثْنَاءَ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي الْقُدُورِيِّ، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَتَطْلُقُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ. اهـ.

قُلْت: وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ قَبْلَ هَذَا فِي أَوَائِلِ بَابِ التَّعْلِيقِ عَكْسَ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ وَثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا هَذِهِ، وَمِنْهَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْجَزَاءِ لَا يَتَعَلَّقُ الطَّلَاقُ إلَّا بِحُرُوفِ الْجَزَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أَنْت طَالِقٌ يَكُونُ تَنْجِيزًا، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ لِأَنَّ عِنْدَهُ الِاسْتِثْنَاءُ إبْطَالٌ، وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ فَيَصِحُّ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ إلَخْ) أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ إلَخْ فَلَا مَعْنَى لِلرَّدِّ هُنَا فَكَانَ الْأَصْوَبُ أَنْ يَقُولَ لَمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إلَخْ

ص: 42

بَأْسَ بِسَوْقِ عِبَارَتِهِ بِتَمَامِهَا قَالَ وَلَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَتَطْلُقُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَنَّ الطَّلَاقَ الْمَقْرُونَ بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي مَوْضِعٍ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ هَلْ يَكُونُ يَمِينًا قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَكُونُ يَمِينًا حَتَّى لَوْ قَالَ إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَعَبْدِي حُرٌّ ثُمَّ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ حَتَّى يَصِحَّ الِاسْتِثْنَاءُ حَنِثَ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَلَا يَحْنَثُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ، وَعَبْدُهُ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ جَمِيعًا، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْصَرِفُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ اهـ.

فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا يَمِينٌ لَا إبْطَالٌ، وَإِنْ عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعْلِيقِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقَ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ فِي الْجَزَاءِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَا أَنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ، وَإِنَّ شَارِحَ الْمَجْمَعِ قَدْ غَلِطَ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَنَّ أَبَا يُوسُفَ الْقَائِلَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ فِي الْأُولَى قَائِلٌ بِالْوُقُوعِ فِي الثَّانِيَةِ، وَأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَتَحَصَّلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا إبْطَالٌ، وَلَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ، وَهُوَ أَنَّ مُقْتَضَى التَّعْلِيقِ الْوُقُوعُ عِنْدَ عَدَمِ الْفَاءِ لِعَدَمِ الرَّابِطِ، وَمِمَّا يَظْهَرُ فِيهِ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ كُنْت طَلَّقْتُك أَمْسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ فَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي هَذِهِ، وَفِيمَا إذَا أَخَّرَ الْجَوَابَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ أَوْ أَتَى بِالْوَاوِ، وَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ أَوْ تَعَقَّبَ جُمَلًا، وَقَيَّدَ بِمَوْتِهَا لِأَنَّهُ إذَا مَاتَ الزَّوْجُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ يُرِيدُهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَتُعْلَمُ إرَادَتُهُ بِأَنْ ذَكَرَ لِآخَرَ قَصْدَهُ قَبْلَ التَّلَفُّظِ بِالطَّلَاقِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَوْتِهَا وَمَوْتِهِ أَنَّ بِالِاسْتِثْنَاءِ خَرَجَ الْكَلَامُ مِنْ أَنْ يَكُونَ إيجَابًا، وَالْمَوْتُ يُنَافِي الْمُوجِبَ دُونَ الْمُبْطِلِ بِخِلَافِ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الِاسْتِثْنَاءُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ، وَيَقَعُ الثَّانِي عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ فَإِنَّهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِمَا عِنْدَهُ، وَلَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّ إنْ شَاءَ اللَّهُ صَالِحٌ لِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ اتِّفَاقًا، وَلِتَعْلِيقِ الْأَخِيرِ أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْفَاءُ فِيهِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ، وَأَخَّرَ الْجَزَاءَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْفَاءِ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَأَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إنْ لَمْ يَشَأْ اللَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِلِاسْتِثْنَاءِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّا لَوْ أَوْقَعْنَاهُ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَاءَ لِأَنَّ الْوُقُوعَ دَلِيلُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَائِلٌ بِأَنَّهَا يَمِينٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مُقْتَضَى الْإِبْطَالِ الْمُقَابِلِ لِلتَّعْلِيقِ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَوْلُهُ فِي الْفَتْحِ إلَّا أَنَّهُ عَزَى إلَيْهِ الْإِبْطَالَ أَيْ الْمُومِي إلَيْهِ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لَا خُصُوصُ هَذَا اللَّفْظِ كَمَا تَوَهَّمَهُ فِي الْبَحْرِ فَجَزَمَ بِأَنَّهُ سَهْوٌ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَخْرُجَ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ بِالتَّعْلِيقِ إذْ لَا يُعْرَفُ ثُبُوتُهُ مَعَ عَدَمِ الرَّابِطِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْإِبْطَالِ فَعَلَيْك أَبَدًا بِالتَّدَبُّرِ فِي كَلَامِ هَذَا الْإِمَامِ مَخَافَةَ أَنْ تَزِلَّ بِك الْأَقْدَامُ، وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ الثَّانِي مِنْ الْحِنْثِ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يَحْلِفُ مُخَرَّجٌ عَلَى التَّعْلِيقِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بَعْضَ مَشَايِخِنَا نَسَبَهُ إلَيْهِ، وَمَا فِيهَا أَيْضًا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَوَّلِ، وَيَقَعُ الثَّانِي، وَقَالَ زُفَرُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَكَذَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْت طَالِقٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ فِي الْحَالِ مَبْنِيٌّ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَعْنِي التَّعْلِيقَ وَالْإِبْطَالَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْأُولَى، وَتَوَهَّمَ فِي الْبَحْرِ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ لَهُ مِنْ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ التَّعْلِيقُ مَعَ عَدَمِ الرَّابِطِ، وَلَا يَقَعُ فَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ فِي إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَنْتَ قَدْ عَلِمْت مَا هُوَ الْوَاقِعُ.

(قَوْلُهُ وَلَكِنْ فِيهِ إشْكَالٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ جَوَابُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ إعْدَامُ الْحُكْمِ لَا التَّعْلِيقِ، وَفِي الْإِعْدَامِ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَرْفِ الْجَزَاءِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّعْلِيقُ فَلِذَلِكَ افْتَرَقَا، وَقَدْ فَرَّقَ بِذَلِكَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ فِي الْفَصْلِ الثَّلَاثِينَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْت، وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ قَاضِي خَانْ مِنْ قَوْلِهِ لِكَوْنِهِ إبْطَالًا صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ أَيْضًا. اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَالْإِبْطَالُ مُرَادِفٌ لِلتَّعْبِيرِ بِالتَّعْلِيقِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ إبْطَالُ الْإِيجَابِ السَّابِقِ لِكَوْنِهِ تَعْلِيقًا عَلَى غَيْرِ مَعْلُومِ الثُّبُوتِ، وَبِهِ يَصِحُّ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ مِنْ نِسْبَةِ الْإِبْطَالِ إلَى مَا فِي الْخَانِيَّةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُفْتَى بِهِ قَوْلُ زُفَرَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ كَلَامِ الْبَزَّازِيِّ، وَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِيمَا اسْتَدَلَّ لِأَنَّهُ فِيمَا لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى جَزَاءٍ وَاحِدٍ كَقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْتِ طَالِقٌ، وَلَا كَذَلِكَ هُنَا، وَيَظْهَرُ الْفَرْقُ لِلْمُتَأَمِّلِ ثُمَّ رَأَيْت صَاحِبَ النَّهْرِ أَتَى بِمِثْلِ مَا ذَكَرْته فَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ

ص: 43

الْمَشِيئَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاقِعٍ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ عَلَّقَ فِي الثَّانِي بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِمَشِيئَتِهِ جَلَّ وَعَلَا فَيَبْطُلُ الْإِيقَاعُ ضَرُورَةً.

وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ الْيَوْمَ وَاحِدَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنْ لَمْ يَشَأْ فَثِنْتَيْنِ فَمَضَى الْيَوْمُ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا طَلَقَتْ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّ وُقُوعَ ثِنْتَيْنِ تَعَلَّقَ بِعَدَمِ مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاحِدَةِ فِي الْيَوْمِ، وَبِمُضِيِّهِ بِلَا طَلَاقٍ وُجِدَ الشَّرْطُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَنَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَدَمُ الْوُقُوعِ فِي الْمُعَلَّقِ بِالْمَشِيئَةِ نَوَاهُ، وَعَلِمَ مَعْنَاهُ أَوْ لَا، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَقَعُ مُطْلَقًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنْ نَوَاهُ، وَعَلِمَهُ لَا يَقَعُ، وَإِلَّا يَقَعُ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنْ كَانَ يُمْسِكُهَا بِمَعْرُوفٍ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَإِنْ كَانَ يُسِيءُ مُعَاشَرَتَهَا يَقَعُ لِأَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْأَوَّلِ حَرَامٌ، وَالْقَبَائِحُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الثَّانِي وَاجِبٌ، وَبِهِ تَتَعَلَّقُ مَشِيئَتُهُ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ لَا يَحْسُنُ وَلَا يَضُرُّ فَالطَّلَاقُ مُبَاحٌ، وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِالْمُبَاحِ مَشِيئَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ. اهـ.

وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ كَيْفَ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ رَجْعِيَّةً كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمْنَاهُ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا عِنْدَ الْكَرْخِيِّ، وَعِنْدَ الْهِنْدُوَانِيُّ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا عَلَى مَا مَرَّ فِي الصَّلَاةِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَفِي الِاثْنَتَيْنِ وَاحِدَةٌ، وَفِي الْأَثْلَاثِ ثَلَاثٌ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ نَوْعَانِ وَضْعِيٌّ وَعُرْفِيٌّ فَالْعُرْفِيُّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّعْلِيقِ بِالْمَشِيئَةِ وَالْوَضْعِيُّ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَهُوَ بَيَانٌ بِإِلَّا أَوْ إحْدَى أَخَوَاتِهَا أَنَّ مَا بَعْدَهَا لَمْ يُرَدْ بِحُكْمِ الصَّدْرِ. قَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَ إلَّا لَمْ يُرَدْ بِحُكْمِ الصَّدْرِ فَالْمُقِرُّ بِهِ لَيْسَ إلَّا سَبْعَةٌ فِي عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ أُرِيدَ مَا بَعْدَ إلَّا بِالصَّدْرِ فَأَكْثَرُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ، وَكَلِمَةُ إلَّا قَرِينَةٌ عَلَيْهِ، وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ مَا بَعْدَ الْإِثْمِ أُخْرِجَ ثُمَّ حُكِمَ عَلَى الْبَاقِي، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أُرِيدَ عَشَرَةٌ فِي هَذَا الْمِثَالِ، وَحَكَمَ عَلَى سَبْعَةٍ فَأَرَادَ الْعَشَرَةَ بَاقٍ بَعْدَ الْحُكْمِ، وَمَا نُسِبَ إلَى الشَّافِعِيِّ مِنْ الْقَوْلِ بِالْمُعَارَضَةِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَسْنَدَ الْحُكْمَ إلَى الْعَشَرَةِ مَثَلًا ثُمَّ نَفَى الْحُكْمَ عَنْ ثَلَاثَةٍ فَتَعَارَضَا صُورَةً ثُمَّ تَرَجَّحَ الثَّانِي فَيُحْكَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ مَا سِوَاهُ، وَلَيْسَ مُرَادُهُ حَقِيقَةَ النِّسْبَةِ إلَيْهِمَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ التَّنَاقُضِ لَمْ يَقُلْ بِهِ عَاقِلٌ فَانْدَفَعَ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ، وَغَيْرُهُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: 14] لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، وَتَمَامُهُ فِي التَّحْرِيرِ لِابْنِ الْهُمَامِ، وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِالِاتِّصَالِ هُنَا اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلَهُ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا اسْتِثْنَاءٌ.

وَيَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ بِأَرْبَعَةٍ بِالسَّكْتَةِ اخْتِيَارًا، وَبِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَرْبَعًا وَبِالْمُسَاوَاةِ، وَبِاسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الطَّلَاقِ كَأَنْتِ طَالِقٌ إلَّا نِصْفَهَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَزَادَ فِي الْخَانِيَّةِ خَامِسًا فَقَالَ وَالْخَامِسُ مَا يُؤَدِّي إلَى تَصْحِيحِ بَعْضِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَإِبْطَالِ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا فُلَانَةُ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَتْ ثِنْتَانِ، وَلَا يَصِيرُ النِّدَاءُ فَاصِلًا لِأَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ.

وَأَشَارَ بِاسْتِثْنَاءِ الثِّنْتَيْنِ إلَى جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ، وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ، وَفِي إلَّا ثَلَاثًا ثَلَاثٌ عَدَمُ جَوَازِ اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِلَفْظِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ بِمُسَاوٍ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ اسْتِثْنَاءٌ آخَرُ فَإِنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بَاطِلٌ فَالْأَوَّلُ كَمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ، وَكَقَوْلِهِ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا نِسَائِي، وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا عَبِيدِي، وَكَمَا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ، وَمِنْ الْمُسَاوِي أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً أَوْ إلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ آخِرِ الْعِتْقِ قَالَ لِعَبِيدِهِ الثَّلَاثِ أَنْتُمْ أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا يَقَعُ الْعِتْقُ، وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ اهـ.

وَفِي قِيَاسِهِ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ، وَلَيْسَ لَهُ أَرْبَعَةٌ، وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُسَاوِي بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ الْمُسَاوِي كَقَوْلِهِ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ إلَّا هَذِهِ، وَلَيْسَ لَهُ سِوَاهَا لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْوُجُودِ لَا تَمْنَعُ صِحَّتَهُ إنْ عَمَّ وَضْعًا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صِيَغِيٌّ كَقَوْلِهِ نِسَائِي طَوَالِقُ إلَّا زَيْنَبَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَإِذَا حَرَّكَ لِسَانَهُ بِالِاسْتِثْنَاءِ صَحَّ إذَا تَكَلَّمَ بِالْحُرُوفِ سَوَاءٌ كَانَ مَسْمُوعًا أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الِاسْتِثْنَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا اهـ. فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَرْجَحِيَّةِ الْأَوَّلِ تَأَمَّلْ اهـ.

لَكِنْ صَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ مَا ذَكَرَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا ذَكَرُوهُ فِي الصَّلَاةِ.

(قَوْلُهُ فَتَعَارَضَا صُورَةً) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ نَفْيًا وَإِثْبَانًا، وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَرَجَّحَ الثَّانِي أَيْ النَّفْيُ، وَقَوْلُهُ فَيُحْكَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ أَيْ الَّذِي هُوَ الْعَشَرَةُ، وَقَوْلُهُ مَا سِوَاهُ أَيْ مَا سِوَى الْمُسْتَثْنَى الَّذِي هُوَ الثَّلَاثَةُ (قَوْلُهُ فَقَالَ: وَالْخَامِسُ مَا يُؤَدِّي إلَى تَصْحِيحِ بَعْضِ الِاسْتِثْنَاءِ) كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَعْضُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ، وَلَيْسَ مَا نَقَلَهُ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ بَلْ هِيَ هَكَذَا، وَالْخَامِسُ إبْطَالُ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ إلَخْ

ص: 44

وَهِنْدًا وَعَمْرَةَ وَبَكْرَةَ، وَأَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي إلَّا أَلْفًا، وَالثُّلُثُ أَلْفٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ، وَعَبِيدِي أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا هُمَا، وَفِي الْجَوْهَرَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ رُجُوعٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ فَاسِدٌ، وَلَيْسَ بِرُجُوعٍ، وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمُوصِي إذَا اسْتَثْنَى جَمِيعَ الْمُوصَى بِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَالْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ، وَلَوْ كَانَ رُجُوعًا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِيهَا جَائِزٌ. اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثِنْتَيْنِ إنْ نَوَى الِاسْتِثْنَاءَ عَنْ إحْدَى الثِّنْتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءُ الْكُلِّ مِنْ الْكُلِّ.

وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً مِنْ الْأُولَى، وَوَاحِدَةً مِنْ الْأُخْرَى يَصِحُّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَيَقَعُ ثِنْتَانِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ الِاسْتِثْنَاءِ بِأَنْ يَصْرِفَ إلَى كِلَا الْعَدَدَيْنِ فَيَصِيرَ مُسْتَثْنًى مِنْ كُلِّ جُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَيَصْرِفَ إلَيْهِمَا تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ.

وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَثِنْتَيْنِ إلَّا ثَلَاثًا أَوْ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعًا إلَّا خَمْسًا وَقَعَ الثَّلَاثُ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ تَصْحِيحُ الِاسْتِثْنَاءِ لِأَنَّ اسْتِثْنَاءَ الثَّلَاثِ مِنْ الثِّنْتَيْنِ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهِ، وَلَا اسْتِثْنَاءُ نِصْفِ الثَّلَاثِ مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِثْنَاءَ جَمِيعِ الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّ ذِكْرَ نِصْفِ مَا لَا يَتَجَزَّأُ كَذِكْرِ كُلِّهِ، وَلَا اسْتِثْنَاءُ وَاحِدَةِ مِنْ إحْدَى الثِّنْتَيْنِ لِأَنَّهُ يَبْقَى ثِنْتَيْنِ اسْتِثْنَاءً مِنْ الْأُخْرَى، وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ، وَمَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ طَلَقَتْ وَاحِدَةً فِي رَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ عَشْرًا إلَّا تِسْعًا يَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَرِدُ عَلَى اللَّفْظِ فَيَكُونُ الْعِبْرَةُ لِلَّفْظِ لَا لِلْحُكْمِ، وَبِاعْتِبَارِ هَذَا اللَّفْظِ اسْتِثْنَاءُ الْبَعْضِ مِنْ الْكُلِّ، وَلَوْ قَالَ إلَّا ثَمَانِيًا تَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ إلَّا سَبْعًا يَقَعُ الثَّلَاثُ، وَلَوْ قَالَ لِلْمَدْخُولَةِ أَنْت طَالِقٌ أَنْت طَالِقٌ أَنْت طَالِقٌ إلَّا وَاحِدَةً يَقَعُ الثَّلَاثُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةٌ وَوَاحِدَةٌ وَوَاحِدَةٌ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةً فَيُعْتَبَرُ كُلُّ كَلَامٍ فِي حَقِّ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ بَائِنٌ، وَأَنْتِ طَالِقٌ غَيْرُ بَائِنٍ إلَّا تِلْكَ الْبَائِنَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ هَذِهِ طَالِقٌ، وَهَذِهِ، وَهَذِهِ إلَّا هَذِهِ وَلَوْ قَالَ أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إلَّا هَذِهِ صَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ. اهـ.

وَقَيَّدْنَا بِكَوْنِهِ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ اسْتِثْنَاءٌ آخَرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَعْدَهُ مَا يَكُونُ جَبْرًا لِلصَّدْرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً فَإِنَّهَا تَطْلُقُ وَاحِدَةً، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الِاسْتِثْنَاءُ بِلَا وَاوٍ كَانَ كُلٌّ إسْقَاطًا مِمَّا يَلِيه فَوَقَعَ ثِنْتَانِ فِي قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً، وَلَزِمَهُ خَمْسَةٌ فِي قَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا تِسْعَةً إلَّا ثَمَانِيَةً إلَّا سَبْعَةً إلَّا سِتَّةً إلَّا خَمْسَةً إلَّا أَرْبَعَةً إلَّا ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً.

وَفِي الْمُحِيطِ، وَطَرِيقَةٌ أُخْرَى لِمَعْرِفَتِهَا أَنْ تَأْخُذَ الثَّلَاثَ بِيَمِينِك وَالثِّنْتَيْنِ بِيَسَارِك، وَالْوَاحِدَةَ بِيَمِينِك ثُمَّ تُسْقِطَ مَا اجْتَمَعَ فِي يَسَارِك مِمَّا اجْتَمَعَ فِي يَمِينِك فَمَا بَقِيَ فَهُوَ الْوَاقِعُ. اهـ.

وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ وَاحِدَةٍ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ، وَوَقَعَ الثَّلَاثُ عَلَى الْمُخْتَارِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا بَائِنَةً إلَّا وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً وَقَعَ ثِنْتَانِ رَجْعِيَّتَانِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ إلَّا وَاحِدًا بَائِنًا تَطْلُقُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ أَلْبَتَّةَ إلَّا وَاحِدَةً تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ إلَّا وَاحِدَةً أَلْبَتَّةَ تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَتَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً غَدًا أَوْ قَالَ إلَّا وَاحِدَةً إنْ كَلَّمْت فُلَانًا يَصِيرُ قَائِلًا أَنْتِ طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ غَدًا أَوْ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً لِلسُّنَّةِ كَانَتْ طَالِقًا اثْنَتَيْنِ لِلسُّنَّةِ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهُ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ لِلسُّنَّةِ وَتَمَامُهُ فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت بَائِنٌ يَنْوِي ثَلَاثًا إلَّا وَاحِدَةً طَلَقَتْ ثِنْتَيْنِ بَائِنَتَيْنِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ طَلَقَتْ وَاحِدَةً، وَلَوْ قَالَ أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَهَا يَقَعُ ثِنْتَانِ، وَلَوْ قَالَ إلَّا أَنْصَافَهُنَّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ تَمَامُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ) كَأَنَّهُ يُشِيرُ إلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا قُبَيْلَ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ مِنْ الْأَصْلِ فِي الْوَصْفِ فَإِنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَصْفًا يَلِيقُ بِالْمُسْتَثْنَى أَوْ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَوْ بِهِمَا، وَأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ وَصْفًا أَصْلِيًّا، وَتَارَةً يَكُونُ زَائِدًا، وَقَدْ ذَكَرَ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ، وَذَكَرَهُ صَاحِبُ النَّهْرِ هُنَا، وَهُوَ الْأَنْسَبُ.

ص: 45