الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الظِّهَارُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ صَاحِبَاهُ لَزِمَاهُ جَمِيعًا، وَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إنْ تَزَوَّجْتُكِ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي مِائَةَ مَرَّةٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ اهـ.
(قَوْلُهُ فَلَوْ نَكَحَ امْرَأَةً بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَظَاهَرَ مِنْهَا فَأَجَازَتْهُ بَطَلَ) ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ فِي التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْإِجَازَةِ كَالنِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ لَيْسَ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِهِ حَتَّى يَتَوَقَّفَ بِتَوَقُّفِهِ بِخِلَافِ إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ فَإِنَّهُ يَتَوَقَّفُ لِتَوَقُّفِ الْمِلْكِ وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ كَمَا أَفَادَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْبُيُوعِ بِقَوْلِهِ وَصَحَّ عِتْقُ مُشْتَرٍ مِنْ غَاصِبٍ بِإِجَازَةِ بَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا مَلَكَ الْعَبْدُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ أَنْ يُعْتِقَهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَرِدُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ فَإِنَّهُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إذَا نَكَحَهَا ثَبَتَ لَهُ حَقُّ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ تَوَقَّفَ بِتَوَقُّفِهِ وَنَفَذَ بِنَفَاذِهِ مَعَ أَنَّ الْمُصَرَّحَ بِهِ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي النِّكَاحِ الْمَوْقُوفِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَلَا تُقْبَلُ الْإِجَازَةُ وَصَارَ مَرْدُودًا وَلِهَذَا فَسَّرَ كَوْنَ الْإِعْتَاقِ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ بِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا لَهُ فِي الْعِنَايَةِ، وَهَذَا لَا يَرِدُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ.
(قَوْلُهُ أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ مِنْهُنَّ) ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الظِّهَارَ إلَيْهِنَّ فَكَانَ كَإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَيْهِنَّ (قَوْلُهُ وَكَفَّرَ لِكُلٍّ) أَيْ: لَزِمَهُ الْكَفَّارَةُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ إذَا عَزَمَ عَلَى وَطْئِهَا؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِرَفْعِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِهِنَّ وَإِنَّمَا قَالَ وَكَفَّرَ لِكُلٍّ وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ كَانَ مُظَاهِرًا مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ مَالِكًا وَأَحْمَدَ قَالَا يَكُونُ مُظَاهِرًا مِنْ الْكُلِّ وَلَكِنْ اكْتَفَيَا بِكَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ قُيِّدَ بِالظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ آلَى مِنْهُنَّ كَانَ مُولِيًا مِنْهُنَّ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي الْإِيلَاءِ تَجِبُ لِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَعَدِّدٍ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الْأَوَّلَ كَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَغَيْرُهُ، وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ التَّعْلِيقِ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الظِّهَارَ كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ مَتَى عُلِّقَ بِشَرْطٍ مُتَكَرِّرٍ فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ كَمَا لَوْ قَالَ: كُلَّمَا دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي يَتَكَرَّرُ الظِّهَارُ بِتَكَرُّرِ الدُّخُولِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ)
مِنْ كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ الذَّنْبَ مَحَاهُ وَمِنْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهَا تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ إذَا فَعَلَ الْكَفَّارَةَ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَفِي الْقَامُوسِ الْكَفَّارَةُ مَا كَفَرَ بِهِ مِنْ صَدَقَةٍ وَصَوْمٍ وَنَحْوِهِمَا. اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّهَا مُنْبِئَةٌ عَنْ السَّتْرِ لُغَةً؛ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْكَفْرِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ قَالَ الشَّاعِرُ
فِي لَيْلَةٍ كَفَرَ النُّجُومَ غَمَامُهَا
أَيْ: سَتَرَهَا اهـ.
وَالْكَلَامُ فِيهَا يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي مَعْنَاهَا وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، وَفِي سَبَبِهَا وَهُوَ قِسْمَانِ: سَبَبُ مَشْرُوعِيَّتِهَا، وَسَبَبُ وُجُوبِهَا فَالْأَوَّلُ: مَا هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ التَّوْبَةِ وَهُوَ إسْلَامُهُ وَعَهْدُهُ مَعَ اللَّهِ أَنْ لَا يَعْصِيَهُ وَإِذَا عَصَاهُ تَابَ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِلتَّكْفِيرِ، وَالثَّانِي: قَالَ فِي التَّنْقِيحِ سَبَبُهَا مَا نُسِبَتْ إلَيْهِ مِنْ أَمْرٍ دَائِرٍ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ يَعْنِي بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ السَّبَبَ يَكُونُ عَلَى وَفْقِ الْحُكْمِ فَالْقَتْلُ خَطَأً مُبَاحٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ) أَيْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي صُورَةِ عَدَمِ نِيَّةِ التَّكْرَارِ كَذَا فِي حَاشِيَةِ الرَّمْلِيِّ عَلَى الْمِنَحِ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْفَتْحِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ لَوْ كَرَّرَ الظِّهَارَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ تَتَكَرَّرُ الْكَفَّارَةُ بِتَعَدُّدِهِ إلَّا إنْ نَوَى بِمَا بَعْدَ الْأَوَّلِ تَأْكِيدًا فَيُصَدَّقُ قَضَاءً فِيهِمَا لَا كَمَا قِيلَ فِي الْمَجْلِسِ لَا الْمَجَالِسِ وَأَصْرَحُ مِنْهَا عِبَارَةُ الشرنبلالية، وَلَوْ أَرَادَ التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ لَا مَجَالِسَ كَمَا فِي السِّرَاجِ اهـ.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ إذَا ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا فِي مَجْلِسٍ أَوْ فِي مَجَالِسَ فَإِنَّهُ يَجِبُ لِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ فَيَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ الْأَوَّلَ إيقَاعٌ وَالثَّانِيَ إخْبَارٌ فَإِذَا نَوَى الْإِخْبَارَ حُمِلَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ: إذَا قَالَ: أَرَدْتُ التَّكْرَارَ صُدِّقَ فِي الْقَضَاءِ إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَلَا يُصَدَّقُ فِيمَا إذَا قَالَ ذَلِكَ فِي مَجَالِسَ مُخْتَلِفَةٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي الْوَجْهَيْنِ اهـ.
فَقَدْ ظَهَرَ بِمَا سَمِعْتَهُ مِنْ النُّقُولِ أَنَّ النِّزَاعَ فِيمَا إذَا نَوَى التَّكْرَارَ أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ بِلَا نِزَاعٍ فَظَهَرَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا مَرَّ عَنْ الرَّمْلِيِّ وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْإِيهَامِ الْبَاقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ الْمُلْتَقَى وَمَشَى فِي مَتْنِ التَّنْوِيرِ عَلَى مَا فِي الْيَنَابِيعِ فَقَالَ: فَإِنْ عَنَى التَّكْرَارَ بِمَجْلِسٍ صُدِّقَ وَإِلَّا لَأَزَادَ شَارِحُهُ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُؤَلِّفُ تَبَعًا لِلْفَتْحِ خِلَافُهُ وَجَزَمَ الْمَقْدِسِيَّ بِمَا فِي الْفَتْحِ وَلَمْ يُعَرِّجْ فِي النَّهْرِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْمَجْلِسِ وَالْمَجَالِسِ بَلْ أَطْلَقَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ اشْتَبَهَ عَلَى شَارِحِ التَّنْوِيرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ مَا فِي الْيَنَابِيعِ تَأَمَّلْ
[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]
(فَصْلٌ فِي الْكَفَّارَةِ) .
التَّعَمُّدِ مَحْظُورٌ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ، وَالْإِفْطَارُ عَمْدًا مُبَاحٌ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ يُلَاقِي فِعْلَ نَفْسِهِ الَّذِي هُوَ مَمْلُوكٌ لَهُ وَمَحْظُورٌ لِكَوْنِهِ جِنَايَةً عَلَى الْعِبَادَةِ، وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَسَبَبُهَا إمَّا الْيَمِينُ الْمَعْقُودَةُ لِلْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ أَوْ الْحِنْثِ وَهُوَ دَائِرٌ أَيْضًا، وَأَمَّا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُضَافَ إلَيْهِ سَبَبٌ وَهُوَ الظِّهَارُ وَهُوَ قَوْلُ الْأُصُولِيِّينَ فَإِنَّمَا كَانَ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ مَعَ أَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّ التَّشْبِيهَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْكَرَامَةِ فَلَمْ يَتَمَحَّضْ كَوْنُهُ جِنَايَةً، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ السَّبَبَ مُرَكَّبًا مِنْ الظِّهَارِ وَالْعَوْدِ فَظَاهِرٌ لِكَوْنِ الظَّاهِرِ مَحْظُورًا وَالْعَوْدِ مُبَاحًا لِكَوْنِهِ إمْسَاكًا بِالْمَعْرُوفِ وَنَقْضًا لِلْقَوْلِ الزُّورِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ لِلِاخْتِلَافِ فِي سَبَبِهَا؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ عَجَّلَهَا بَعْدَ الظِّهَارِ قَبْلَ الْعَوْدِ جَازَ، وَلَوْ كَرَّرَ الظِّهَارَ تَكَرَّرَتْ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ الْعَزْمُ، وَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ تَرَكَ فَلَا وُجُوبَ، وَلَوْ عَزَمَ ثُمَّ أَبَانَهَا سَقَطَتْ، وَلَوْ عَجَّلَهَا قَبْلَ الظِّهَارِ لَمْ يَصِحَّ.
وَفِي الطَّرِيقَةِ الْمُعَيَّنَةِ لَا اسْتِحَالَةَ فِي جَعْلِ الْمَعْصِيَةِ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الَّتِي حُكْمُهَا أَنْ تُكَفِّرَ الْمَعْصِيَةَ وَتُذْهِبَ السَّيِّئَةَ خُصُوصًا إذَا صَارَ مَعْنَى الزَّجْرِ فِيهَا مَقْصُودًا وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ تُجْعَلَ سَبَبًا لِلْعِبَادَةِ الْمُوصِلَةِ إلَى الْجَنَّةِ وَأَمَّا رُكْنُهَا فَالْفِعْلُ الْمَخْصُوصُ مِنْ إعْتَاقٍ وَصِيَامٍ وَإِطْعَامٍ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
وَأَمَّا شُرُوطُهَا فَكُلُّ مَا هُوَ شَرْطُ انْعِقَادِ سَبَبِ وُجُوبِهَا مِنْ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَالْقَتْلِ، وَأَمَّا شَرَائِطُ وُجُوبِهَا الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا شَرَائِطُ الصِّحَّةِ فَنَوْعَانِ عَامَّةٌ وَخَاصَّةٌ فَمَا يَعُمُّهَا النِّيَّةُ وَشَرْطُهَا الْمُقَارَنَةُ لِفِعْلِ التَّكْفِيرِ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَا إذَا أَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ كَفَّارَتَيْنِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ شَرْطِ صِحَّةِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهَا وَمَصْرِفِهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ فَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْغَنِيِّ وَلَا مَمْلُوكِهِ وَلَا الْهَاشِمِيِّ إلَّا الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ لَهَا دُونَ الْحَرْبِيِّ، وَأَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ عُقُوبَةٌ وُجُوبًا لِكَوْنِهَا شُرِعَتْ أَجْزِيَةً لِأَفْعَالٍ فِيهَا مَعْنَى الْحَظْرِ عِبَادَةً أَدَاءً لِكَوْنِهَا تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ وَالصَّدَقَةِ وَهِيَ قُرَبٌ وَالْغَالِبُ فِيهَا مَعْنَى الْعِبَادَةِ إلَّا كَفَّارَةُ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فَإِنَّ جِهَةَ الْعُقُوبَةِ فِيهَا غَالِبَةٌ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ كَالْحُدُودِ وَلَا تَجِبُ مَعَ الْخَطَأِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِوُجُوبِهَا مَعَ الْخَطَأِ، وَكَذَا كَفَّارَةُ الْقَتْلِ الْخَطَأِ.
وَأَمَّا كَفَّارَةُ الظِّهَارِ فَقَالُوا: إنَّ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا غَالِبٌ وَخَالَفَهُمْ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي الْأُصُولِ فَجَعَلَهَا كَكَفَّارَةِ الْفِطْرِ مَعْنَى الْعُقُوبَةِ فِيهَا غَالِبٌ لِكَوْنِهِ {مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: 2] وَرَدَّهُ فِي التَّلْوِيحِ بِأَنَّهُ فَاسِدٌ نَقْلًا وَحُكْمًا وَاسْتِدْلَالًا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِتَصْرِيحِهِمْ بِخِلَافِهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مِنْ حُكْمِ مَا تَكُونُ الْعُقُوبَةُ فِيهِ غَالِبَةً أَنْ تَسْقُطَ بِالشُّبْهَةِ وَتَتَدَاخَلَ كَكَفَّارَةِ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ مِرَارًا لَمْ تَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا تَدَاخُلَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ حَتَّى لَوْ ظَاهَرَ مِنْ امْرَأَتِهِ مِرَارًا لَزِمَهُ بِكُلِّ ظِهَارٍ كَفَّارَةٌ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ جِنَايَةً لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ لِلْكَرَامَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ.
وَأَمَّا حُكْمُهَا فَسُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَحُصُولُ الثَّوَابِ الْمُقْتَضِي لِتَكْفِيرِ الْخَطَايَا وَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي عَلَى الصَّحِيحِ لِكَوْنِ الْأَمْرِ مُطْلَقًا حَتَّى لَا يَأْثَمَ بِالتَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا لَا قَاضِيًا وَيَتَضَيَّقُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَيَأْثَمُ بِمَوْتِهِ قَبْلَ الْأَدَاءِ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ لَمْ يُوصِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَرَثَةُ جَازَ إلَّا فِي الْإِعْتَاقِ وَالصَّوْمِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ أَوْصَى كَانَ مِنْ الثُّلُثِ اهـ. .
وَأَمَّا أَنْوَاعُهَا فَخَمْسٌ: كَفَّارَةُ الظِّهَارِ، وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ، وَكَفَّارَةُ الْفِطْرِ وَهِيَ مُرَتَّبَةٌ الْإِعْتَاقُ ثُمَّ الصَّوْمُ ثُمَّ الْإِطْعَامُ إلَّا كَفَّارَةَ الْقَتْلِ فَإِنَّهُ لَا إطْعَامَ بَعْدَ الصَّوْمِ، وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَهِيَ مُخَيَّرٌ فِيهَا كَمَا سَيَأْتِي، وَكَفَّارَةُ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي جِنَايَاتِ الْإِحْرَامِ وَزَادَ فِي الْبَدَائِعِ كَفَّارَةَ الْحَلْقِ وَلَكِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ الْفِدْيَةُ {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196] (قَوْلُهُ وَهُوَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أَيْ: التَّكْفِيرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى يُكَفِّرَ وَالتَّحْرِيرُ مِنْ حَرَّرَ الْمَمْلُوكَ عَتَقَ حِرَارًا مِنْ بَابِ لَيْسَ وَحَرَّرَهُ صَاحِبُهُ وَمِنْهُ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَتَحْرِيرُ بِمَعْنَى حَرَّ قِيَاسٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا ثَمَرَةَ إلَخْ) تَكْرَارٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَعَوْدُهُ عَزْمُهُ
(قَوْلُهُ فَهِيَ عُقُوبَةٌ وُجُوبًا) وُجُوبًا تَمْيِيزٌ وَمِثْلُهُ أَدَاءً فِي قَوْلِهِ عِبَادَةً أَدَاءً، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهِيَ عُقُوبَةٌ وَوُجُوبُهَا وَهُوَ تَحْرِيفٌ
فَالتَّحْرِيرُ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْهِدَايَةِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنَّهُ لَوْ وَرِثَ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَنَوَى بِهِ الْكَفَّارَةَ مُقَارِنًا لِمَوْتِ الْمُوَرِّثِ لَا يُجْزِيهِ عَنْهَا لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا نَوَى عِنْدَ الْعِلَّةِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْمِلْكِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَالرَّقَبَةُ مِنْ الْحَيَوَانِ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْمَمْلُوكِ مِنْ تَسْمِيَةِ الْكُلِّ بِاسْمِ الْبَعْضِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَفِي الْهِدَايَةِ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الذَّاتِ أَيْ: الشَّيْءِ الْمَرْقُوقِ الْمَمْلُوكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَشَمِلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ، وَلَوْ رَضِيعًا، وَفِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ قِيلَ الصَّغِيرُ لَا مَنَافِعَ لِأَعْضَائِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَالزَّمِنِ؛ وَلِذَا لَا يَجُوزُ إطْعَامُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَكَذَا إعْتَاقُهُ، فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ أَعْضَاءَ الصَّغِيرِ سَلِيمَةٌ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَهِيَ بِعَرْضِ أَنْ تَصِيرَ قَوِيَّةً فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ، وَأَمَّا إطْعَامُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَجَائِزٌ بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ لَا الْإِبَاحَةِ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ، وَلَوْ مَجُوسِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا أَوْ مُرْتَدَّةً أَوْ مُسْتَأْمَنًا، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْمُرْتَدُّ يَجُوزُ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ وَالْمُرْتَدَّةُ تَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ اهـ. .
وَأَمَّا إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَغَيْرُ جَائِزٍ عَنْهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِ الْحَرْبِ إنْ لَمْ يُخَلِّ سَبِيلَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ خَلَّى سَبِيلَهُ فَفِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ بَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَجُوزُ اهـ.
وَشَمِلَ الصَّحِيحَ وَالْمَرِيضَ وَاسْتَثْنَى فِي الْخَانِيَّةِ مَرِيضًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ حُكْمًا اهـ.
وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَأَمَّا إعْتَاقُ حَلَالِ الدَّمِ فَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قُضِيَ بِدَمِهِ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ لَمْ يُجِزْ الْبَقَّالِيُّ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ قَدْ قُضِيَ بِدَمِهِ ثُمَّ عُفِيَ عَنْهُ أَوْ كَانَ أَبْيَضَ الْعَيْنَيْنِ فَزَالَ الْبَيَاضُ أَوْ كَانَ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَفِي جَامِعِ الْجَوَامِعِ وَجَازَ الْمَدْيُونُ وَالْمَرْهُونُ وَمُبَاحُ الدَّمِ وَيَجُوزُ إعْتَاقُ الْآبِقِ إذَا عُلِمَ أَنَّهُ حَيٌّ اهـ. .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الرَّقَبَةُ غَيْرَ الْمَرْأَةِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالتَّتَارْخَانِيَّةِ أَمَةٌ تَحْتَ رَجُلٍ ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا وَأَعْتَقَهَا عَنْ ظِهَارِهَا قِيلَ لَمْ تَجُزْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ.
وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَرِيضًا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَهُوَ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لَا يَجُوزُ عَنْ كَفَّارَتِهِ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ، وَلَوْ أَنَّهُ بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ جَازَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ الْجَنِينُ إذَا أَعْتَقَهُ عَنْهَا وَوَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ رَقَبَةٌ مِنْ وَجْهٍ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى يُعْتَقَ بِإِعْتَاقِ الْأُمِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَوْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَرْقُوقِ لَا بِالْمَمْلُوكِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ، وَفِي الْمُحِيطِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا قَدْ غَصَبَهُ أَحَدٌ جَازَ عَنْ الْكَفَّارَةِ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ وَلَوْ ادَّعَى الْغَاصِبُ أَنَّهُ وَهَبَهُ مِنْهُ فَأَقَامَ بَيِّنَةَ زُورٍ حَكَمَ لَهُ الْحَاكِمُ بِالْعَبْدِ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ بِمَعْنَى الْهَالِكِ.
وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا مَدْيُونًا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَاخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ جَازَ؛ لِأَنَّ اسْتِغْرَاقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَاسْتِسْعَاءَهُ لَا يُخِلّ بِالرِّقِّ وَالْمِلْكِ فَإِنَّ السِّعَايَةَ لَمْ تُوجِبْ الْإِخْرَاجَ عَنْ الْحُرِّيَّةِ فَوَقَعَ تَحْرِيرًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِغَيْرِ بَدَلٍ عَلَيْهِ اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا رَهْنًا فَسَعَى الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَيَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ لَيْسَتْ بِبَدَلٍ عَنْ الرِّقِّ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ الْأَعْمَى وَمَقْطُوعُ الْيَدَيْنِ أَوْ إبْهَامَيْهِمَا أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَالْمَجْنُونُ) ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ فَوَاتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالِاخْتِلَالَ وَالْعَيْبُ لَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ بِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ تَصِيرُ الرَّقَبَةُ فَائِتَةً مِنْ وَجْهٍ بِخِلَافِ نُقْصَانِهَا فَيَدْخُلُ تَحْتَ عَدَمِ الْجَوَازِ سَاقِطُ الْأَسْنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَضْغِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَدَخَلَ أَشَلُّ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْمَفْلُوجُ الْيَابِسُ الشِّقِّ وَالْمُقْعَدُ وَالْأَصَمُّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ شَيْئًا عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَمَى كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَشَمِلَ مَقْطُوعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْمَشْيِ فَائِتَةٌ، وَكَذَا مِنْ كُلِّ يَدٍ ثَلَاثَةُ أَصَابِعَ مَقْطُوعَةٍ لِفَوَاتِ مَنْفَعَةِ الْبَطْشِ كَمَقْطُوعِ الْإِبْهَامَيْنِ وَجَازَ الْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَمَقْطُوعُ الْأُذُنَيْنِ وَالْمَذَاكِيرِ وَالرَّتْقَاءُ وَالْقَرْنَاءُ وَالْعَوْرَاءُ وَالْعَمْشَاءُ وَالْبَرْصَاءُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَالْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى.
(قَوْلُهُ فَعَنْ مُحَمَّدٍ إذَا قَضَى بِدَمِهِ إلَخْ) عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة وَرَوَى ابْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا أَعْتَقَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ قَدْ قَضَى بِدَمِهِ عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ لَمْ يَجُزْ فَقَوْلُهُ عَنْ ظِهَارِهِ مُتَعَلِّقٌ بِعَتَقَ (قَوْلُهُ الْبَقَّالِيُّ إذَا أَعْتَقَ إلَخْ) عِبَارَةُ التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي الْبَقَّالِيِّ رِوَايَةٌ مَجْهُولَةٌ إذَا أُعْتِقَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ) أَيْ: قَوْلُ الْهِدَايَةِ الْمُتَقَدِّمُ أَيْ: الشَّيْءُ الْمَرْقُوقُ الْمَمْلُوكُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَرْقُوقِ لَا بِالْمَمْلُوكِ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْكَمَالَ فِي الرِّقِّ شَرْطٌ دُونَ الْمِلْكِ وَلِهَذَا لَوْ أُعْتِقَ الْمُكَاتَبُ الَّذِي لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا صَحَّ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ أُعْتِقَ الْمُدَبَّرُ عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ.
وَالرَّمْدَاءُ وَالْخُنْثَى وَذَاهِبُ الْحَاجِبَيْنِ وَشَعْرِ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ وَمَقْطُوعُ الْأَنْفِ وَالشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ وَالْأَصَمُّ الَّذِي يَسْمَعُ إذَا صِيحَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْعَوَرِ وَأَرَادَ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقَ، وَكَذَا الْمَعْتُوهُ الْمَغْلُوبُ كَمَا فِي الْكَافِي؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَقْلِ أَصْلِيَّةٌ، وَأَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عِتْقُهُ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ وَأَطْلَقَهُ وَمُرَادُهُ إذَا أَعْتَقَهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا هُنَا فَوَاتَ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا كَمَالَ الزِّينَةِ وَاعْتَبَرُوهُ فِي الدِّيَاتِ فَأَلْزَمُوا بِقَطْعِ الْأُذُنَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ تَمَامَ الدِّيَةِ وَجَوَّزُوا هُنَا عِتْقَ مَقْطُوعِهِمَا إذَا كَانَ السَّمْعُ بَاقِيًا وَمِثْلُهُ فِيمَنْ حُلِقَتْ لِحْيَتُهُ فَلَمْ تَنْبُتْ لِفَسَادِ الْمَنْبَتِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ كَمَالَ الزِّينَةِ مَقْصُودٌ فِي الْحُرِّ فَبِاعْتِبَارِ فَوَاتِهِ يَصِيرُ الْحُرُّ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ وَزَائِدٌ عَلَى مَا يُطْلَبُ مِنْ الْمَمَالِيكِ فَبِاعْتِبَارِ فَوَاتِهِ لَا يَصِيرُ الْمَرْقُوقُ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.
فَإِنْ قُلْت إنَّ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ فَاتَ فِي الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنِيَّ فَلَا نَسْلَ لَهُمَا قُلْت قَالَ فِي الْمُحِيطِ إنَّهُ لَمْ يَفُتْ خُرُوجُ الْبَوْلِ وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ عَائِدَةٌ إلَى الْعَبْدِ لَا مَنْفَعَةَ لِلْمَوْلَى فِي كَوْنِ عَبْدِهِ فَحْلًا بَلْ ازْدَادَتْ قِيمَتُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى بِالْخَصْيِ وَالْجَبِّ فَلَمْ تَصِرْ الرَّقَبَةُ هَالِكَةً مِنْ وَجْهٍ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ مَنْفَعَةَ النَّسْلِ زَائِدَةٌ عَلَى مَا يُطْلَبُ مِنْ الْمَمَالِيكِ وَهَاهُنَا فَرْعٌ حَسَنٌ مِنْ الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ رَجُلٌ وَكَّلَ رَجُلًا وَقَالَ اشْتَرِ لِي جَارِيَةً بِكَذَا أَعْتِقْهَا عَنْ ظِهَارِي وَاشْتَرَى عَمْيَاءَ أَوْ مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ لَزِمَ الْآخَرُ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ، وَلَوْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِذَلِكَ لَا يَلْزَمُ الْآمِرُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ) أَيْ لَا يَجُوزُ تَحْرِيرُهُمَا عَنْ الْكَفَّارَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا الْحُرِّيَّةَ بِجِهَةٍ فَكَانَ الرِّقُّ فِيهِمَا نَاقِصًا وَالْإِعْتَاقُ عَنْ الْكَفَّارَةِ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الرِّقِّ كَالْبَيْعِ فَلِذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا وَالْمُكَاتَبُ لَمَّا كَانَ الرِّقُّ فِيهِ كَامِلًا جَازَ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ حَيْثُ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا وَلَا عِبْرَةَ هُنَا بِكَمَالِ الْمِلْكِ وَنُقْصَانِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَلْزِمْ نُقْصَانُ الْمِلْكِ نُقْصَانَ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمِلْكِ أَعَمُّ مِنْ مَحَلِّ الرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الْأَمْتِعَةِ وَغَيْرُ الْآدَمِيِّ دُونَ الرِّقِّ وَبِالْبَيْعِ يَزُولُ الْمِلْكُ دُونَ الرِّقِّ وَالْإِعْتَاقُ يُزِيلُهُمَا وَإِنَّمَا عَتَقَ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ بِقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ دُونَ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ تَقْتَضِي مِلْكًا كَامِلًا لَا رِقًّا كَامِلًا وَالْمِلْكُ فِيهِمَا كَامِلٌ حَتَّى مَلَكَ أَكْسَابَهُمَا وَاسْتِخْدَامَهُمَا وَوَطِئَ الْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ، وَالْمِلْكُ فِي الْمُكَاتَبِ نَاقِصٌ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ نَفْسَهُ يَدًا وَلِذَا لَا يَمْلِكُ الْمَوْلَى كَسْبَهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ وَالْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الرِّقِّ فَجَازَ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ بِرِضَاهُ وَإِعْتَاقِهِ عَنْهَا وَانْعَكَسَ فِيهِمَا وَحِلُّ الْوَطْءِ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الْمِلْكِ فَحَرُمَ فِي الْمُكَاتَبِ وَانْعَكَسَ فِيهِمَا.
(قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى شَيْئًا) أَيْ: لَا يَجُوزُ تَحْرِيرُهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ بِعِوَضٍ وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ أَبْرَأَهُ بَدَلَ الْكِتَابَةِ أَوْ وَهَبَهُ عَتَقَ فَلَوْ قَالَ: لَا أَقْبَلُ صَحَّ عِتْقُهُ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِئَ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِبَدَلٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا أَعْتَقَ الْمُكَاتَبَ عَنْهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْبَعْضِ صَحَّ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ مُعَلَّقٌ بِأَدَاءِ كُلِّ الْبَدَلِ فَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْ الْعِتْقِ بِأَدَاءِ الْبَعْضِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَمَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ثُمَّ أَعْتَقَهُ يَجُوزُ سَوَاءٌ كَانَ أَدَّى شَيْئًا أَوْ لَمْ يُؤَدِّ وَهِيَ الْحِيلَةُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْتِقَ مُكَاتَبَهُ بَعْدَ أَدَاءِ الْبَعْضِ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ، وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْهَا عَلَى جُعْلٍ لَمْ يُجْزِهِ عَنْهَا فَإِنْ وُهِبَ لَهُ الْجُعْلُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا اهـ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى قَرِيبَهُ نَاوِيًا بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيَهُ عَنْهَا صَحَّ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ الرِّقَّ فِيهِ كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ الْمِلْكُ فِيهِ نَاقِصًا وَجَوَازُ الْإِعْتَاقِ عَنْهَا يَعْتَمِدُ كَمَالَ الرِّقِّ لَا كَمَالَ الْمِلْكِ أَشَارَ إلَى أَنَّ عِتْقَ الْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ وَالْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ عَنْهَا جَائِزٌ بِالْأَوْلَى لِوُجُودِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ وَإِنْ فَاتَتْ الْيَدُ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَةَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَغَيْرِ الْآدَمِيِّ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْأَمْتِعَةِ عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ (قَوْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجْزِئَ عَنْ الْكَفَّارَةِ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي لَوْ أَبْرَأَهُ نَاوِيًا بِذَلِكَ الْعِتْقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَإِنْ لَمْ يُرِدْ الْإِبْرَاءَ أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَلَوْ رَدَّ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا أَنَّ صِحَّةَ نِيَّتِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ مَعَ الْإِبْرَاءِ يَحْتَاجُ إلَى نَقْلٍ وَعِنْدِي أَنَّهَا لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ إنَّمَا اقْتَرَنَتْ بِالشَّرْطِ وَهُوَ الْإِبْرَاءُ الْمُتَضَمِّنُ لِلِاسْتِيفَاءِ فَلَا يُعْتَبَرُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِ الْغَيْرِ إنْ اشْتَرَيْتُكَ فَأَنْت حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ يَنْوِي بِهِ الْكَفَّارَةَ لَا يَجُوزُ لِمَا قُلْنَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فَأَنْتَ حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِي لِاقْتِرَانِ النِّيَّةِ بِالْعِلَّةِ وَهِيَ الْيَمِينُ فَإِنْ قُلْتَ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ فَأَنْت حُرٌّ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِي فَأَبْرَأَهُ يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ قُلْتَ لَمْ أَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي كَلَامِهِمْ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي
تَنْفَسِخُ بِإِعْتَاقِهِ لِرِضَاهُ بِذَلِكَ لَكِنْ قَالُوا إنَّ الِانْفِسَاخَ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ جَوَازُ التَّكْفِيرِ فَتَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ بِالنَّظَرِ إلَى جَوَازِهِ لَا مُطْلَقًا بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَوْلَادَ وَالْأَكْسَابَ سَالِمَةٌ لَهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ مَاتَ وَلَهُ مُكَاتَبٌ فَأَعْتَقَهُ وَارِثُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ لَمْ يَجُزْ إجْمَاعًا كَمَا نَقَلَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيّ فِي التَّفْسِيرِ الْكَبِيرِ قَالَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ فِيهِ ضَعِيفًا اهـ.
وَالْفَرْقُ عَلَى مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَنْتَقِلُ إلَى مِلْكِ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ سَيِّدِهِ لِبَقَاءِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا مِلْكَ لِلْوَارِثِ فِيهِ بِخِلَافِ سَيِّدِهِ حَالَ الْكِتَابَةِ وَإِنَّمَا جَازَ إعْتَاقُ الْوَارِثِ لَهُ لِتَضَمُّنِهِ الْإِبْرَاءَ مِنْ بَدَلِ الْكِتَابَةِ الْمُقْتَضِي لِلْإِعْتَاقِ، وَأَمَّا الثَّانِي أَعْنِي مَا إذَا اشْتَرَى قَرِيبَهُ أَيْ: مَحْرَمَهُ نَاوِيًا بِالشِّرَاءِ الْكَفَّارَةَ وَمُرَادُهُ مَا إذَا دَخَلَ مَحْرَمُهُ فِي مِلْكِهِ بِصُنْعٍ مِنْهُ فَنَوَى وَقْتَ الْمِلْكِ عِتْقَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ أَجْزَأَهُ شِرَاءً كَانَ أَوْ هِبَةً أَوْ قَبُولَ صَدَقَةٍ أَوْ وَصِيَّةً فَخَرَجَ الْإِرْثُ فَلَوْ نَوَى وَقْتَ مَوْتِ مُوَرِّثِهِ إعْتَاقَهُ عَنْهَا لَمْ يَجُزْ عَنْهَا لِعَدَمِ الصُّنْعِ وَقُيِّدَ بِكَوْنِ النِّيَّةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ تَأَخَّرَتْ عَنْ الصُّنْعِ لَمْ يَجُزْ عَنْهَا وَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ عِتْقِ الْقَرِيبِ لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا بِأَنْ يَشْتَرِيَ أَبَاهُ فَيُعْتِقَهُ بَعْدَ شَهْرٍ عَنْ ظِهَارِهِ فَاشْتَرَاهُ الْوَكِيلُ يُعْتَقُ كَمَا اشْتَرَاهُ وَيُجْزِيهِ عَنْ ظِهَارِ الْآمِرِ اهـ.
فَمَبْنِيٌّ عَلَى إلْغَاءِ قَوْلِهِ بَعْدَ شَهْرٍ لِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوعَ وَهُوَ عِتْقُ الْمَحْرَمِ عِنْدَ الشِّرَاءِ.
وَأَشَارَ بِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ عِنْدَ الشِّرَاءِ إلَى اشْتِرَاطِ قِرَانِهَا بِعِلَّةِ الْعِتْقِ لِكَوْنِ الشِّرَاءِ عِلَّةً لِعِتْقِ الْقَرِيبِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ نَاوِيًا كَوْنَهُ عَنْ الظِّهَارِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ النِّيَّةُ عَنْهُ لَمْ يُجْزِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُصَرِّحَ بِقَوْلِهِ عَنْ ظِهَارِي أَوْ يَنْوِيَ فَلَوْ نَوَى وَقْتَ التَّعْلِيقِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا عَنْ ظِهَارِهِ ثُمَّ نَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ كَفَّارَةِ قَتْلِهِ كَانَ عَنْ الظِّهَارِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى وَقْتَهُ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا ثُمَّ نَوَى عَنْهَا لَمْ يَصِحَّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ مُعَلَّلًا بِأَنَّ الْيَمِينَ لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَنْوِيَّ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُ هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي ثُمَّ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِ فُلَانَةَ ثُمَّ قَالَ لِامْرَأَةٍ أُخْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِ الْأُولَى اهـ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ فِي إعْتَاقِهِ عَبْدَهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ ثُمَّ نَوَى قَبْلَ إعْتَاقِ الْمَأْمُورِ أَنْ يَكُونَ عَنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّهُ يَجُوزُ فَهُمَا مِنْ كَلَامِ الْمُحِيطِ مِنْ بَابِ الْإِحْصَارِ لَوْ بَعَثَ الْمُحْصَرُ بِهَدْيِ الْإِحْصَارِ ثُمَّ زَالَ وَحَدَثَ آخَرُ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْهَدْيَ وَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِإِحْصَارِهِ الثَّانِي جَازَ، وَكَذَا لَوْ دَفَعَ خَمْسَةَ أَصْوُعِ طَعَامٍ لِرَجُلٍ وَأَمَرَهُ بِالتَّصَدُّقِ عَلَى عَشْرَةِ مَسَاكِينَ عَنْ كَفَّارَةِ يَمِينِهِ فَلَمْ يَتَصَدَّقْ حَتَّى كَفَّرَ الْآمِرُ وَحَنِثَ فِي أُخْرَى ثُمَّ تَصَدَّقَ الْمَأْمُورُ جَازَ عَنْ الثَّانِيَةِ إذَا نَوَاهَا الْآمِرُ، وَكَذَا لَوْ بَعَثَ هَدْيًا لِجَزَاءِ صَيْدٍ ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَى أَنْ يَكُونَ لِلْإِحْصَارِ، وَلَوْ قَلَّدَ بَدَنَةً وَأَوْجَبَهَا تَطَوُّعًا ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَى أَنْ تَكُونَ لِإِحْصَارِهِ جَازَ اهـ. .
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْمُعَلَّقَ هُنَا عِلَّةً لِلْعِتْقِ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الْمُعَلَّقَ لَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِلْحَالِ وَإِنَّمَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنْ لَا تَصِحَّ النِّيَّةُ وَقْتَ التَّعْلِيقِ وَإِنَّمَا تَصِحُّ وَقْتَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْحُكْمُ فِيهَا بِالْعَكْسِ وَجَوَابُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ بَابِ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَقَدْ ذَكَرُوا فِيهِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى أُمَّ وَلَدِهِ أَيْ: مَنْ اسْتَوْلَدَهَا بِنِكَاحٍ نَاوِيًا عَنْ كَفَّارَتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ الِاسْتِيلَادُ وَلَمْ تُقَارِنْهُ النِّيَّةُ وَأَمَّا الثَّالِثُ أَعْنِي مَا إذَا حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيَهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ فَلِكَوْنِهِ أَعْتَقَ رَقَبَةً كَامِلَةً بِكَلَامَيْنِ وَالنُّقْصَانُ مُتَمَكِّنٌ عَلَى مِلْكِهِ بِسَبَبِ التَّحْرِيرِ عَنْهَا وَمِثْلُهُ غَيْرُ مَانِعٍ كَمَنْ أَضْجَعَ شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَأَصَابَتْ السِّكِّينُ عَيْنَهَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ حَرَّرَ بَاقِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَرَّرَ نِصْفًا آخَرَ مِنْ رَقَبَةٍ أُخْرَى لَا يَجُوزُ فَلَا يَجُوزُ تَكْمِيلُ الْعِتْقِ بِالْعِتْقِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَأَمَّا تَكْمِيلُهُ بِالْإِطْعَامِ كَمَا لَوْ حَرَّرَ عَنْهَا نِصْفَ عَبْدٍ وَأَطْعَمَ عَنْ الْبَاقِي لَمْ يَجُزْ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَأَدَّى بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ أَوْ بِإِطْعَامِ مَسَاكِينَ مُقَدَّرَةٍ وَلَمْ
ــ
[منحة الخالق]
أَنْ يُقَالَ إنْ لَمْ يَقْبَلْ الْإِبْرَاءَ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ بِبَدَلٍ وَإِنْ قَبِلَهُ صَحَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ إنْ اشْتَرَيْتُهُ فَهُوَ حُرٌّ عَنْ ظِهَارِ فُلَانَةَ) سَاقِطٌ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
(قَوْلُهُ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ فِي إعْتَاقِهِ إلَخْ) نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ جَازِمًا بِهِ
(قَوْلُهُ وَجَوَابُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ قَبْلَ الشَّرْطِ بِعَرْضِيَّتِهِ أَنْ يَصِيرَ عِلَّةً اُعْتُبِرَ لَهُ حُكْمُ الْعِلَّةِ حَتَّى اُعْتُبِرَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ اتِّفَاقًا فَلَوْ كَانَ مَجْنُونًا عِنْدَ وُقُوعِ الشَّرْطِ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ، وَلَوْ كَانَ مَجْنُونًا عِنْدَ التَّعْلِيقِ لَمْ يُعْتَبَرْ أَصْلًا فَلِذَا يَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ النِّيَّةُ عِنْدَهُ.
يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَتَكْمِيلُ الْعِتْقِ بِالْعِتْقِ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ لَا يَجُوزُ فَلَأَنْ لَا يَجُوزَ تَكْمِيلُهُ بِالتَّمْلِيكِ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ أَوْلَى وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَصَارَ مُعْتِقًا لِلْكُلِّ وَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِالْإِطْعَامِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ حَرَّرَ عَبْدَيْنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ وَتَخْلِيصُهَا عَنْ الرِّقِّ وَهُوَ مَا حَرَّرَ رَقَبَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَصْرِفْ الْعِتْقَ إلَى شَخْصٍ بَلْ حَرَّرَ نِصْفًا مِنْ كُلِّ رَقَبَةٍ كَمَا لَوْ فَرَّقَ طَعَامَ مِسْكِينٍ عَلَى اثْنَيْنِ، وَلَوْ كَانَ شَاتَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَذَبَحَاهُمَا عَنْ نُسُكِهِمَا أَجْزَأَهُمَا؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي النُّسُكِ جَائِزٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُجْزِئُ الْبَدَنَةُ عَنْ سَبْعَةٍ فَكَانَ الْمُعْتَبَرُ فِي بَابِ النُّسُكِ مِقْدَارُ الشَّاةِ وَقَدْ وُجِدَ كَذَا فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ حَرَّرَ بَاقِيَهُ مَا إذَا لَمْ يُحَرِّرْ بَاقِيَهُ أَصْلًا فَإِعْتَاقُ النِّصْفِ لَا يَكْفِي عَنْهَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَمَّا أَعْتَقَ النِّصْفَ عَتَقَ الْكُلُّ بِلَا سِعَايَةٍ فَأَجْزَأَ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَذَا فِي الْكَافِي.
(قَوْلُهُ وَإِنْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ وَضَمِنَ بَاقِيَهُ أَوْ حَرَّرَ نِصْفَ عَبْدِهِ ثُمَّ وَطِئَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا ثُمَّ حَرَّرَ بَاقِيَهُ لَا) أَيْ: لَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ نَصِيبَ صَاحِبِهِ قَدْ انْتَقَصَ عَلَى مِلْكِهِ لِتَعَذُّرِ بَاقِيهِ لِاسْتِدَامَةِ الرِّقِّ فِيهِ ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ وَمِثْلُهُ يَمْنَعُ الْكَفَّارَةَ كَالتَّدْبِيرِ وَالْمُرَادُ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ إعْتَاقُ النِّصْفِ الْآخَرِ بَعْدَ التَّضْمِينِ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الضَّمَانِ لَا يَكْفِي لِوَضْعِ الْمَسْأَلَةِ وَدَلَّ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُعْسِرًا وَسَعَى الْعَبْدُ فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ حَتَّى عَتَقَ كُلُّهُ لَا يُجْزِيهِ عَنْهَا بِالْأَوْلَى، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا ضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَجْزَأَهُ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يُجْزِئُهُ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتِقَ إذَا كَانَ مُعْسِرًا لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِعِوَضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَدَلُ حَاصِلًا لِلْمُعْتِقِ بَلْ لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمَانِعُ أَنْ يَلْزَمَ الْعَبْدَ بَدَلٌ فِي مُقَابَلَةِ تَحْرِيرِ رَقَبَتِهِ، وَفِي الْكَافِي فَإِنْ قِيلَ الْمَضْمُونَاتُ تُمْلَكُ عِنْدَ أَدَاءِ الضَّمَانِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ وُجُودِ السَّبَبِ فَصَارَ نَصِيبُ السَّاكِتِ مِلْكًا لِلْمُعْتِقِ زَمَانَ الْإِعْتَاقِ فَكَانَ النُّقْصَانُ فِي مِلْكِهِ لَا فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ قُلْنَا الْمِلْكُ فِي الْمَضْمُونِ يَثْبُتُ بِصِفَةِ الِاسْتِنَادِ فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَالْمَضْمُونِ لَهُ لَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا فَتَمَكَّنَ النُّقْصَانُ فِي نَصِيبِ السَّاكِتِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا وَالْكَفَّارَةُ غَيْرُهُمَا فَلَمْ تَجُزْ اهـ. .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّقْصَانَ إنْ كَانَ عَلَى مِلْكِ الْمُعْتِقِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ التَّعْيِيبَ ضَرُورَةُ إقَامَةِ الْمَأْمُورِ بِهِ لَيْسَ كَالتَّعْيِيبِ بِصُنْعِهِ مُخْتَارًا حَتَّى أَنَّهُ لَوْ فَقَأَ عَيْنَ الشَّاةِ مُخْتَارًا عِنْدَ الذَّبْحِ نَقُولُ لَا يُجْزِئُهُ فَكَانَ الْمُشْتَرَكُ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ مِنْ الْعَبْدِ الْمُخْتَصِّ؛ لِأَنَّ مَالِكَ النِّصْفِ لَا يَقْدِرُ عَلَى عِتْقِهِ إلَّا بِطَرِيقِ عِتْقِ نِصْفِهِ فَحَالُهُ أَشْبَهُ بِذَابِحِ الشَّاةِ مِنْ مَالِكِهِ عَلَى الْكَمَالِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ إقَامَةِ الْوَاجِبِ، وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ فِي عَدَمِ مَانِعِيَّتِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى كَوْنِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ إقَامَةُ الْوَاجِبِ إلَّا كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّارِعَ لَمَّا أَطْلَقَ لَهُ الْعِتْقَ بِمَرَّةٍ وَمَرَّةٍ كَانَ لَازِمُهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ النَّقْصُ بِسَبَبِهِ مُطْلَقًا لَا يَمْنَعُ وَتَمَامُهُ فِيهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَعَدَمُ الْإِجْزَاءِ قَوْلُ الْإِمَامِ لِكَوْنِهِ مُتَجَزِّئًا عَنْهُ وَشَرْطُ الْإِعْتَاقِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْمَسِيسِ بِالنَّصِّ وَإِعْتَاقُ النِّصْفِ حَصَلَ بَعْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إعْتَاقُ النِّصْفِ إعْتَاقٌ لِلْكُلِّ فَحَصَلَ الْكُلُّ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَجُوزَ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ بَعْدَ الْمَسِيسِ مَعَ أَنَّهُ جَائِزٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ الثَّانِي وَبَطَلَ إعْتَاقُ ذَلِكَ النِّصْفِ عَنْهَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يُعْتِقُ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رَمَضَانُ وَأَيَّامٌ مَنْهِيَّةٌ) أَيْ: إنْ لَمْ يَمْلِكْ رَقَبَةً وَلَا ثَمَنَهَا فَاضِلًا عَنْ قَدْرِ كِفَايَتِهِ؛ لِأَنَّ قَدْرَهَا مُسْتَحَقُّ الصَّرْفِ فَصَارَ كَالْعَدَمِ فَمَنْ لَهُ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إلَى خِدْمَتِهِ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بِخِلَافِ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ؛ لِأَنَّهُ كَلِبَاسِهِ وَلِبَاسِ أَهْلِهِ صَرَّحَ بِهِ فِي الْخِزَانَةِ، وَفِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ لِلْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَبْلَ الْمَسِيسِ الثَّانِي وَبَطَلَ إلَخْ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ قَبْلَ قَوْلِهِ بَطَلَ وَعِبَارَةُ الْغَايَةِ لِلْأَكْمَلِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إعْتَاقُ رَقَبَةٍ كَامِلَةٍ قَبْلَ الْمَسِيسِ الثَّانِي فَصَارَ إعْتَاقُ نِصْفِ الْعَبْدِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَكَأَنَّهُ قَدْ جَامَعَ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعَاوِدَ حَتَّى يُكَفِّرَ
الصَّوْمُ إلَّا أَنْ يَكُونَ زَمِنًا فَيَجُوزُ اهـ.
وَالضَّمِيرُ فِي يَكُنْ يَعُودُ ظَاهِرًا إلَى الْمَوْلَى، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة وَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً لَزِمَهُ الْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهَا اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُعْتِقُهَا، وَلَوْ كَانَ السَّيِّدُ زَمِنًا فَحِينَئِذٍ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ فِي كَلَامِ الْجَوْهَرَةِ لِلْعَبْدِ وَالْمَعْنَى إلَّا أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بِحَالٍ لَا يُجْزِئُ عَنْهَا وَمِنْ الْكِفَايَةِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ لِلْقُوتِ، فَإِنْ كَانَ مُحْتَرِفًا فَقُوتُ يَوْمِهِ وَاَلَّذِي لَا يَعْمَلُ قُوتُ شَهْرٍ، وَفِي الْمُحِيطِ مُعْسِرٌ لَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ أَوْ عَبْدٌ غَائِبٌ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ يُرِيدُ بِالْغَائِبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُ فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي مِلْكِهِ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إعْتَاقِهِ فَأَمَّا الدَّيْنُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ مَدْيُونِهِ فَقَدْ عَجَزَ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَيُجْزِئُهُ الصَّوْمُ، أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ الصَّوْمُ.
وَكَذَلِكَ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ عَلَى عَبْدٍ وَزَوْجُهَا قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ إذَا طَالَبَتْهُ بِذَلِكَ وَوَجَبَ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ لَمْ يُجْزِهَا الصَّوْمُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَوَجَبَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُهُ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بَعْدَ مَا قَضَى دَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَاجِدٍ لِلْمَالِ فَأَمَّا قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ فَقِيلَ يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا عَلَّلَ وَقَالَ بِأَنَّهُ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ، وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَالَهُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ حُكْمًا لِكَوْنِهِ مُسْتَحَقَّ الصَّرْفِ إلَى الدَّيْنِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَحَقِّ لِلْعَطَشِ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ الصَّوْمَ بِمَا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَدْيُونِ فِي مَالِهِ كَامِلٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمْلِكُ جَمِيعَ التَّصَرُّفِ فِيهِ اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ صَالِحَةٌ لِلتَّكْفِيرِ يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيرُهَا سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ حَقِيقَةً اهـ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ تَحْرِيرَ الرَّقَبَةِ الْمَوْجُودَةِ وَيَمْنَعُ وُجُوبَ شَرَائِطِهَا بِمَالٍ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ لِامْرَأَتَيْنِ وَفِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ فَقَطْ فَصَامَ عَنْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَ عَنْ ظِهَارِ الْأُخْرَى هَلْ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ عَنْ الْأُولَى قُلْت لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَلَكِنْ فِي الْمُحِيطِ فِي نَظِيرِهِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْإِجْزَاءِ قَالَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا يَمِينٍ وَعِنْدَهُ طَعَامٌ يَكْفِي لِإِحْدَاهُمَا فَصَامَ عَنْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ أَطْعَمَ عَنْ الْأُخْرَى لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّهُ صَامَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَلَا يُجْزِئُهُ اهـ.
وَبِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّ مَنْ لَهُ عَبْدٌ غَائِبٌ فِي مِلْكِهِ لَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ ظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ اسْتِنْبَاطًا مِنْ تَعْبِيرِهِ تَعَالَى بِعَدَمِ الْوُجُودِ عِنْدَ الِانْتِقَالِ إلَى الصَّوْمِ وَبِعَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ عِنْدَ الِانْتِقَالِ إلَى الْإِطْعَامِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ فَإِنَّهُ يَنْتَظِرُهُ وَلَا يَصُومُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا مَرَضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ وَلَا يَنْتَظِرُ الصِّحَّةَ لِيَصُومَ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِنَا أَيْضًا فِي الصَّوْمِ لَا فِي الْإِطْعَامِ لِمَا سَيَأْتِي وَإِنْ كَانَ الْمَالُ أَعَمَّ مِنْ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ قَدْرِ مَا يَشْتَرِي بِهِ وَأَرَادَ بِالْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ الْخَمْسَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَهِيَ يَوْمَا الْعِيدِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بِسَبَبِ النَّهْيِ فِيهَا نَاقِصٌ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ وَشَهْرُ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لَا يَسَعُ غَيْرَ فَرْضِ الْوَقْتِ قَيَّدْنَا بِالْمُقِيمِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ، وَفِي الْمَرِيضِ رِوَايَتَانِ كَمَا عُلِمَ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْأَمْرِ، وَفِي اقْتِصَارِهِ عَلَى نَفْيِ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمَا وَقْتٌ نَذَرَ صَوْمَهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ الْمُعَيَّنَ إذَا نَوَى فِيهِ وَاجِبًا آخَرَ وَقَعَ عَمَّا نَوَى بِخِلَافِ رَمَضَانَ كَمَا عُلِمَ فِي الصَّوْمِ.
وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ لَوْ دَخَلَتْ عَلَى الصَّوْمِ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ صَامَهَا أَوْ لَا لِإِمْكَانِ وُجُودِ شَهْرَيْنِ يَصُومُهُمَا خَالِيَيْنِ عَنْهَا فَلِذَا قَطَعَ النِّفَاسُ وَالْمَرَضُ التَّتَابُعَ وَكَانَ حَيْضُهَا غَيْرَ قَاطِعٍ لِصَوْمِ كَفَّارَتِهَا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِكَفَّارَةِ قَتْلِهَا وَفِطْرِهَا فِي الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِدُ شَهْرَيْنِ خَالِيَيْنِ عَنْ حَيْضِهَا بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا تَجِدُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ خَالِيَةً عَنْهُ ثُمَّ رَأَيْت الْفَرْقَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْبَدَائِعِ عَلَيْهَا أَنْ تَصِلَ أَيَّامَ الْقَضَاءِ بَعْدَ الْحَيْضِ بِمَا قَبْلَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ تَصِلْ وَأَفْطَرَتْ يَوْمًا بَعْدَ الْحَيْضِ اسْتَقْبَلَتْ لِتَرْكِهَا التَّتَابُعَ بِلَا ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ نِفَاسِهَا، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ يُرِيدُ بِالْغَائِبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهُ إلَخْ) هَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إنَّهُ لَا يُعْلَمُ حَيَاتُهُ وَمَوْتُهُ كَمَا قَالُوا فِي الْآبِقِ ثُمَّ رَأَيْت فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ عَنْ غَايَةِ السُّرُوجِيِّ وَلَا يَجُوزُ الْهَرَمُ الْعَاجِزُ وَالْغَائِبُ الْمُنْقَطِعُ الْخَبَرِ.
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِكَفَّارَةِ قَتْلِهَا) وَمِثْلُهَا كَفَّارَةُ فِطْرِهَا.
النِّفَاسُ الْحَيْضَ فَإِنَّ النِّفَاسَ قَاطِعٌ لِلتَّتَابُعِ فِي صَوْمِ كُلِّ كَفَّارَةٍ لَهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ غَيْرُ قَاطِعٍ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ وَالْقَتْلِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ صَامَتْ شَهْرًا ثُمَّ حَاضَتْ ثُمَّ أَيِسَتْ اسْتَقْبَلَتْ؛ لِأَنَّهَا قَدَرَتْ عَلَى مُرَاعَاةِ التَّتَابُعِ فَلَزِمَهَا التَّتَابُعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إذَا حَبِلَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي بَنَتْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُمْ حَيْضُهَا غَيْرُ قَاطِعٍ فِي كَفَّارَةِ الشَّهْرَيْنِ إلَّا إذَا أَيِسَتْ بَعْدَهُ فَحِينَئِذٍ يَقْطَعُ وَأَمَّا صَوْمُ الْمُضَلَّلَةِ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَقَدْ اسْتَوْفَاهُ فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْحَيْضِ وَقَدْ أَفَادَ كَلَامُهُ أَنَّ كُلَّ صَوْمٍ شُرِطَ فِيهِ التَّتَابُعُ نَصًّا فَحُكْمُهُ كَالْكَفَّارَةِ فَإِذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا بَطَلَ مَا قَبْلَهُ وَلَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ كَالْمَنْذُورِ الْمَشْرُوطِ فِيهِ التَّتَابُعُ مُعَيَّنًا أَوْ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْمُعَيَّنِ الْخَالِي عَنْ اشْتِرَاطِهِ فَإِنَّ التَّتَابُعَ فِيهِ وَإِنْ لَزِمَ لَكِنْ لَا يُسْتَقْبَلُ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ يَوْمًا كَرَجَبٍ مَثَلًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى رَمَضَانَ وَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ الْأَيْمَانِ.
وَأَرَادَ بِعَدَمِ الْوُجُودِ عَدَمًا مُسْتَمِرًّا إلَى فَرَاغِ صَوْمِ الشَّهْرَيْنِ حَتَّى لَوْ قَدَرَ عَلَى الْإِعْتَاقِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ وَكَانَ صَوْمُهُ تَطَوُّعًا وَالْأَفْضَلُ إتْمَامُهُ وَإِنْ أَفْطَرَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُسْقِطًا لَا مُلْتَزِمًا خِلَافًا لِزُفَرَ وَقُيِّدَ الصَّوْمُ بِعَدَمِ الْوُجُودِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ الْقَادِرِ عَلَى التَّحْرِيرِ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ فِي قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] ؛ إذْ الْمَعْنَى فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ لَا عَمَلًا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْيَسَارُ وَالْإِعْسَارُ مُعْتَبَرَانِ وَقْتَ التَّكْفِيرِ أَيْ الْأَدَاءِ لَا وَقْتَ الْوُجُوبِ كَمَذْهَبِ أَحْمَدَ وَلَا أَغْلَظُ الْحَالَيْنِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهَا لِلْأَدَاءِ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا عِنْدَ الْأَدَاءِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ صَامَ بِالْأَهِلَّةِ فَاتَّفَقَ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا جَازَ، وَلَوْ صَامَ بِغَيْرِ الْأَهِلَّةِ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا يَصُومُ ثَانِيًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الشَّهْرِ بِالْأَهِلَّةِ فَإِنْ غَمَّ الْهِلَالُ اُعْتُبِرَ كُلُّ شَهْرٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَاتَّفَقَ ثَمَانِيَةً وَخَمْسِينَ جَازَ لِجَوَازِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَدْ أَفَادَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
(قَوْلُهُ فَإِنْ وَطِئَ فِيهِمَا لَيْلًا أَوْ يَوْمًا نَاسِيًا أَوْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ) أَيْ: وَطْءُ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الشَّرْطُ عَدَمُ فَسَادِ الصَّوْمِ فَلَوْ جَامَعَهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا نَاسِيًا لَا يَسْتَأْنِفُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ لَا مَسِيسَ فِيهِمَا فَإِذَا جَامَعَهَا فِي خِلَالِهِمَا لَمْ يَأْتِ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَإِذَا أَفْطَرَ فِي خِلَالِهِمَا انْقَطَعَ التَّتَابُعُ أَطْلَقَ فِي اللَّيْلِ فَشَمِلَ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْعَمْدِ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ اتِّفَاقِيٌّ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَجْمَعِ فَاحْتُرِزَ مِنْهُ فَإِنَّهُ غَلَطٌ وَقَدْ صَرَّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْعِنَايَةِ بِأَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ وَقَيَّدَ بِالنِّسْيَانِ فِي الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَهَا نَهَارًا عَمْدًا اسْتَأْنَفَ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ الْمَسِيسِ عِنْدَهُمَا وَلِفَسَادِ الصَّوْمِ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَعْفُ عَنْ النِّسْيَانِ فِي وَطْءِ الْمُظَاهِرِ مِنْهَا كَمَا عُفِيَ عَنْهُ فِي الصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ فِي الصَّوْمِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلْحَدِيثِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ.
وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ جَامَعَهَا فِيهِمَا مُطْلَقًا أَوْ أَفْطَرَ اسْتَأْنَفَ لَكَانَ أَوْلَى وَمِنْ التَّطْوِيلِ أَعْرَى قَيَّدْنَا بِوَطْءِ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ غَيْرَهَا فِيهِمَا فَإِنْ بَطَلَ صَوْمُهُ كَأَنْ كَانَ نَهَارًا عَامِدًا دَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ أَوْ أَفْطَرَ فَيَسْتَأْنِفُ وَإِلَّا لَا وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ وَقُيِّدَ بِكَفَّارَةِ الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ وَطْئًا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَمْ يَسْتَأْنِفْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَأَطْلَقَ فِي الْإِفْطَارِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ كَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ لَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ.
(قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ لِلْعَبْدِ إلَّا الصَّوْمُ) أَيْ: إلَّا صَوْمُ الشَّهْرَيْنِ الْمُتَتَابِعَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مَلَكَ وَالْإِعْتَاقُ وَالْإِطْعَامُ شَرْطُهُمَا الْمِلْكُ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمَوْلَى عَنْهُ أَوْ أَطْعَمَ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ فَلَا يَصِيرُ مَالِكًا بِتَمْلِيكِهِ لِلْحَدِيثِ «لَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ شَيْئًا» وَلَا يَمْلِكُهُ مَوْلَاهُ وَلَا يَثْبُتُ عِتْقُهُ فِي ضِمْنِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِحُّ إنْ لَوْ كَانَ تَبَعًا، وَالْإِعْتَاقُ أَصْلُ الْأَهْلِيَّةِ فَلَا يَثْبُتُ اقْتِضَاءً كَذَا فِي الْكَافِي وَإِذَا تَعَيَّنَ الصَّوْمُ لِلْكَفَّارَةِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْمَرْأَةِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَمْنَعَهُ بِخِلَافِ صَوْمِ بَقِيَّةِ الْكَفَّارَاتِ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ عَنْ صَوْمِهَا لِعَدَمِ تَعَلُّقِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ) وَعَزَاهُ فِي الشرنبلالية أَيْضًا إلَى التُّحْفَةِ وَالِاخْتِيَارِ (قَوْلُهُ كَمَا فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَجْمَعِ) هُوَ شَرْحُ ابْنِ مَلَكٍ، وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: وَكَذَا اسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ إنْ وَطِئَهَا أَيْ: الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلًا عَمْدًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالنَّظْمِ وَالْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَالْقُدُورِيِّ وَالْمُضْمَرَاتِ وَالزَّاهِدِيِّ وَالنُّتَفِ وَغَيْرِهَا وَبِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي اللَّيْلِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَا يَلِيقُ أَنْ يُحْمَلَ الْعَمْدُ فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ وَالْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّهُ قَيْدٌ اتِّفَاقِيٌّ كَمَا فَعَلَهُ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ وَمَنْ تَابَعَهُ وَمِنْ تَأْيِيدِهِ عَدَمُ الْتِفَاتِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ لِذَلِكَ اهـ.
قُلْتُ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ مَا فِي الْإِسْبِيجَابِيِّ صَرِيحٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى الْمَفْهُومِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَحَلِّهِ وَقَدْ قَالَ فِي الْحَوَاشِي الْيَعْقُوبِيَّةِ الظَّاهِرُ مَا فِي الْعِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ، وَلَوْ جَامَعَهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ
حَقِّ عَبْدٍ بِهَا، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ بَابِ جِنَايَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَا يَجُوزُ إطْعَامُ الْمَوْلَى عَنْهُ إلَّا فِي الْإِحْصَارِ فَإِنَّ الْمَوْلَى يَبْعَثُ عَنْهُ لِيَحِلَّ هُوَ فَإِذَا عَتَقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ اهـ.
وَلَمْ يُعَلِّلْ لِاسْتِثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَكُنْ الرِّقُّ مُنَصَّفًا لِصَوْمِ الْكَفَّارَاتِ مَعَ أَنَّهُ مُنَصَّفٌ نِعْمَةً وَعُقُوبَةً قُلْت لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهِيَ لَمْ تَتَنَصَّفْ بِالرِّقِّ كَالصَّلَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي بَعْضِهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ احْتِيَاطًا ثُمَّ رَأَيْت تَعْلِيلَ مَسْأَلَةِ دَمِ الْإِحْصَارِ فَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ أُحْصِرَ الْعَبْدُ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى إنْفَاذُ هَدْيٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ يَلْزَمُهُ لِحَقِّ الْعَبْدِ وَلَا يَجِبُ لِلْعَبْدِ عَلَى مَوْلَاهُ حَقٌّ فَإِذَا أَعْتَقَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ هَدْيًا فِي الْحَرَمِ فَيَحِلُّ؛ لِأَنَّ هَذَا الدَّمَ وَجَبَ لِبَلِيَّةٍ اُبْتُلِيَ بِهَا الْعَبْدُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ النَّفَقَةِ وَالنَّفَقَةُ عَلَى الْمَوْلَى فَكَذَا دَمُ الْإِحْصَارِ اهـ. .
وَأَمَّا كَفَّارَةُ الْمَيِّتِ إذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَأَوْصَى بِإِخْرَاجِهَا مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ كَانَتْ كَفَّارَةَ يَمِينٍ خُيِّرَ الْوَصِيُّ بَيْنَ الْإِطْعَامِ وَبَيْنَ الْكِسْوَةِ وَبَيْنَ التَّحْرِيرِ، وَفِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ يَتَعَيَّنُ التَّحْرِيرُ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ الثُّلُثَ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْإِطْعَامُ وَلَا دَخْلَ لِلصَّوْمِ فِي الْكُلِّ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ قُلْت: هَلْ لَنَا حُرٌّ لَيْسَ لَهُ كَفَّارَةٌ إلَّا بِالصَّوْمِ قُلْت الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بِالسَّفَهِ عَلَى قَوْلِهِمَا الْمُفْتَى بِهِ لَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أُعْتِقَ عَنْهَا صَحَّ الْعِتْقُ وَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا وَيَلْزَمُهُ الصَّوْمُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ مِنْ الْحَجْرِ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الصَّوْمَ أَطْعَمَ سِتِّينَ فَقِيرًا كَالْفِطْرَةِ أَوْ قِيمَتِهِ) أَيْ: إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّوْمِ لِمَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ كِبَرٍ أَرَادَ بِالْإِطْعَامِ الْإِعْطَاءَ تَمْلِيكًا؛ لِأَنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِالْإِبَاحَةِ؛ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: إذَا أَرَادَ التَّمْلِيكَ أَطْعَمَ كَالْفِطْرَةِ وَإِذَا أَرَادَ الْإِبَاحَةَ أَطْعَمَهُمْ غَدَاءً وَعَشَاءً وَقُيِّدَ بِالْفَقِيرِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يَجُوزُ إطْعَامُهُ فِي الْكَفَّارَاتِ تَمْلِيكًا وَإِبَاحَةً وَمَنْ لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِعَبْدٍ فَقِيرٍ فِي هَذَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَشَارَ بِذِكْرِ الْفَقِيرِ إلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ فِي الْآيَةِ فَالْمِسْكِينُ وَالْفَقِيرُ سَوَاءٌ فِيهَا وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ أَيْ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْعَامُ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ وَمَمْلُوكِهِ وَالْهَاشِمِيِّ وَأَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُ الذِّمِّيِّ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهَا مَصْرِفُهَا وَهُوَ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ إلَّا الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ فِيمَا عَدَا الزَّكَاةَ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ لِشَيْءٍ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا.
وَلَوْ دَفَعَ بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا عُرِفَ فِي الزَّكَاةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ دَقِيقٍ كُلٌّ كَأَصْلِهِ وَكَذَا السَّوِيقُ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ الْكَيْلُ أَوْ الْقِيمَةُ فِيهِمَا كَمَا فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَأَنَّهُ لَوْ دَفَعَ الْبَعْضَ مِنْ الْحِنْطَةِ وَالْبَعْضَ مِنْ الشَّعِيرِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا كَانَ قَدْرَ الْوَاجِبِ كَأَنْ يَدْفَعَ رُبْعَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَنِصْفًا مِنْ شَعِيرٍ وَإِنَّمَا جَازَ التَّكْمِيلُ بِالْآخَرِ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْإِطْعَامُ وَلَا يَجُوزُ التَّكْمِيلُ بِالْقِيمَةِ كَمَا لَوْ أَدَّى نِصْفًا مِنْ تَمْرٍ جَيِّدٍ يُسَاوِي صَاعًا مِنْ الْوَسَطِ وَأَفَادَ بِعَطْفِ الْقِيمَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ
ــ
[منحة الخالق]
لَوْ قَالَ ذَلِكَ لَفَاتَهُ مَا الْتَزَمَهُ مِنْ أَوَّلِ الْكِتَابِ إلَى هُنَا مِنْ بَيَانِ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ وَمَسْأَلَةُ الْوَطْءِ لَيْلًا خِلَافِيَّةُ أَبِي يُوسُفَ اهـ. ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيَّ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْإِطْعَامُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ فِي بَيَانِ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَةِ أَنَّهُ لَا إطْعَامَ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ لَكِنْ يَتَعَيَّنُ تَقْيِيدُهُ بِمَا دَامَ الْقَاتِلُ حَيًّا أَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ وَإِلَّا تَعَيَّنَ الْإِطْعَامُ أَيْ: فِي الظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ لَا فِي الْقَتْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا إطْعَامَ فِيهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ إذْ قَوْلُهُمْ لَا إطْعَامَ فِيهِ كَمَا نَصُّوا عَلَيْهِ شَامِلٌ لِلْحَالَتَيْنِ مَا لَمْ يُوجَدْ صَرِيحُ النَّقْلِ الْفَارِقِ بَيْنَ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ فِيهِ تَأَمُّلْ اهـ.
وَانْظُرْ مَا كَتَبْنَاهُ فِي فَصْلِ الْعَوَارِضِ مِنْ كِتَابِ الصَّوْمِ عِنْدَ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ تَبَعًا لِلزَّيْلَعِيِّ وَالدُّرَرِ، وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إذَا تَبَرَّعَ الْوَارِثُ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ يَجُوزُ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ) الْمَوْصُولُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ فَقِيرٌ وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِعَبْدٍ أَخْرَجَ بِهِ دَيْنَ الْحَقِّ تَعَالَى فَلَا يَمْنَعُ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهَا مَصْرِفُهَا) أَيْ: مَصْرِفُ الْكَفَّارَةِ مَصْرِفُ الْفِطْرَةِ وَهُوَ أَيْ مَصْرِفُ الْفِطْرَةِ مَصْرِفُ الزَّكَاةِ.
(قَوْلُهُ إلَّا الذِّمِّيَّ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ فِيمَا عَدَا الزَّكَاةَ) قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَفِي الْحَاوِي وَإِنْ أَطْعَمَ فُقَرَاءَ أَهْلِ الذِّمَّةِ جَازَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ وَبِهِ نَأْخُذُ اهـ.
(قَوْلُهُ وَإِنَّهُ يَمْلِكُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مُضَارِعٌ الْمُضَاعَفُ مَبْنِيٌّ لِلْفَاعِلِ أَيْ: وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ أَنَّ الْمُكَفِّرَ يُمَلِّكُ الْفَقِيرَ نِصْفَ صَاعٍ إلَخْ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ الْكَيْلُ أَوْ الْقِيمَةُ فِيهِمَا) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَلَوْ أَدَّى الدَّقِيقَ أَوْ السَّوِيقَ أَجْزَأَهُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي طَرِيقِ الْجَوَازِ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُعْتَبَرُ فِيهِ تَمَامُ الْكَيْلِ وَذَلِكَ نِصْفُ صَاعٍ فِي دَقِيقِ الْحِنْطَةِ وَصَاعٌ فِي دَقِيقِ الشَّعِيرِ مِنْ شَعِيرِهَا وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَالْقُدُورِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ تَمَامُ الْكَيْلِ اهـ. وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤَلِّفِ وَدَقِيقُ كُلٍّ كَأَصْلِهِ مَبْنِيٌّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَالْقُدُورِيِّ ثُمَّ بَعْدَ مَا جَزَمَ بِذَلِكَ بَيَّنَ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا بِقَوْلِهِ وَاخْتَلَفُوا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَأَفَادَ بِعَطْفِ الْقِيمَةِ أَنَّهُ لَا بُدَّ إلَخْ)
مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَلَوْ دُفِعَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ عَنْ مَنْصُوصٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ الْمَدْفُوعُ الْكَمِّيَّةَ الْمُقَدَّرَةَ شَرْعًا فَلَوْ دَفَعَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ يَبْلُغُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ لَا يَجُوزُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لِلَّذِينَ أَعْطَاهُمْ الْقَدْرَ الْمُقَدَّرَ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ الَّذِي دَفَعَهُ لَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ اسْتَأْنَفَ فِي غَيْرِهِمْ وَلَا يُقَالُ.
لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ حَيْثُ تَجُوزُ الْكِسْوَةُ عَنْ الْإِطْعَامِ مَعَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ وَكَسَا خَمْسَةً فَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَخْرَجَهُ عَلَى وَجْهِ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ أَرْخَصَ مِنْ الْكِسْوَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَتْ الْكِسْوَةُ أَرْخَصَ مِنْ الطَّعَامِ لَمْ يُجْزِهِ؛ لِأَنَّ الْكِسْوَةَ تَمْلِيكٌ فَجَازَ أَنْ تَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْإِطْعَامِ ثُمَّ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْكِسْوَةِ مِثْلَ قِيمَةِ الطَّعَامِ فَقَدْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الطَّعَامِ وَإِنْ كَانَتْ أَغْلَى فَقَدْ أَخْرَجَ قِيمَةَ الطَّعَامِ وَزِيَادَةً وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الْكِسْوَةِ أَرْخَصَ لَا يَكُونُ الطَّعَامُ بَدَلًا عَنْهُ؛ لِأَنَّ طَعَامَ الْإِبَاحَةِ لَيْسَ بِتَمْلِيكٍ فَلَا يَقُومُ مَقَامَ التَّمْلِيكِ وَهُوَ الْكِسْوَةُ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَقُومُ مَقَامَ مَا هُوَ فَوْقَهُ، وَلَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً جَازَ وَجَعَلَ أَغْلَاهُمَا ثَمَنًا بَدَلًا عَنْ أَرْخَصِهِمَا ثَمَنًا أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَمْلِيكٌ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بَدَلًا عَنْ الْآخَرِ اهـ.
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ إلَى أَنَّهُ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ لَا يُجْزِيهِ كَمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَنُقِلَ أَنَّ الْجَوَازَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ فَمَا نَقَلَهُ هُنَا مِنْ الْجَوَازِ إمَّا غَفْلَةً عَمَّا قَدَّمَهُ وَإِمَّا عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْكَفَّارَاتِ كُلَّهَا لَا يَجُوزُ إعْطَاءُ فَقِيرٍ فِيهَا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ حَتَّى فِدْيَةَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ أَعْطَى عَنْ صَلَاةٍ أَقَلَّ مِنْ الْمِسْكِينِ لَمْ يَجُزْ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَقَدْ فَرَّقَ فِي الْعِنَايَةِ بَيْنَ الْكَفَّارَةِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى الضَّعِيفِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة لَوْ أَعْطَى سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ الْحِنْطَةِ لَمْ يَجُزْ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ مُدًّا آخَرَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْأَوَّلَيْنِ فَأَعْطَى سِتِّينَ آخَرِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا لَمْ يَجُزْ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَعْطَى عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مُدًّا ثُمَّ اسْتَغْنَى الْمَسَاكِينُ ثُمَّ افْتَقَرُوا فَأَعَادَ عَلَيْهِمْ مُدًّا مُدًّا لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ أَدَّى إلَى الْمُكَاتَبِينَ مُدًّا مُدًّا ثَمَّ رُدُّوا إلَى الرِّقِّ وَمَوَالِيهِمْ أَغْنِيَاءُ ثُمَّ كُوتِبُوا ثَانِيًا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا بِحَالٍ لَا يَجُوزُ الْأَدَاءُ إلَيْهِمْ فَصَارُوا كَجِنْسٍ آخَرَ اهـ. .
(قَوْلُهُ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ عَنْ ظِهَارِهِ فَفَعَلَ أَجْزَأَهُ) ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ التَّمْلِيكَ مَعْنًى وَالْفَقِيرُ قَابِضٌ لَهُ أَوَّلًا ثُمَّ لِنَفْسِهِ فَيَتَحَقَّقُ تَمَلُّكُهُ ثُمَّ تَمْلِيكُهُ كَهِبَةِ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا سَلَّطَهُ عَلَى الْقَبْضِ وَلَمَّا كَانَ طَلَبُ التَّمْلِيكِ مُتَنَوِّعًا إلَى هِبَةٍ وَقَرْضٍ وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ لَا رُجُوعَ عَلَى الْآمِرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إنْ قَالَ الْآمِرُ عَلَى أَنْ لَا رُجُوعَ لِلْمَأْمُورِ فَلَا رُجُوعَ وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ رَجَعَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَكَتَ الْآمِرُ فَفِي الدَّيْنِ يَرْجِعُ اتِّفَاقًا، وَفِي الْكَفَّارَةِ وَالزَّكَاةِ لَا يَرْجِعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَرْجِعُ اهـ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَمْرِ بِقَضَاءِ
ــ
[منحة الخالق]
نَظَرَ فِي النَّهْرِ فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ بِأَنَّ الْقِيمَةَ أَعَمُّ مِنْ قِيمَةِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ اهـ.
قُلْتُ وَكَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يُقَالَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِهِ؛ إذْ لَا مَدْخَلَ هُنَا لِقِيمَةِ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ مِنْ قِيمَةِ الْمَنْصُوصِ بَيَانِيَّةٌ وَحَاصِلُ التَّنْظِيرِ أَنَّ قَوْلَ أَوْ قِيمَتُهُ أَيْ: قِيمَةُ الْمَنْصُوصِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ كَالْفِطْرَةِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا مِنْ الْمَنْصُوصِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَعَطْفُهَا عَلَى الْمَنْصُوصِ لَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ مِنْ غَيْرِهِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا قَالَ كَالْفِطْرَةِ أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ مِنْ الْمَنْصُوصِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمِقْدَارُ الشَّرْعِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ وَأَفَادَ أَنَّهُ يَمْلِكُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إلَخْ فَقَوْلُهُ بَعْدَهُ أَوْ قِيمَتُهُ يَجِبُ كَوْنُ الْمُرَادِ بِهَا مِنْ غَيْرِ الْمَنْصُوصِ؛ إذْ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ يَكُونُ قَدْ دَفَعَ الْمَنْصُوصَ وَهُوَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْقَدْرِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا فَإِذَا دَفَعَ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ بِطَرِيقِ الْقِيمَةِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَا كَوْنَهَا مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا وَالْأَصْلُ فِي الْعَطْفِ الْمُغَايَرَةُ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةً وَكَسَا خَمْسَةً جَازَ) أَيْ: أَطْعَمَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَقْيِيدِهِ السَّابِقِ بِقَوْلِهِ عَلَى وَجْهِ الْإِبَاحَةِ (قَوْلُهُ وَقَدْ فَرَّقَ فِي الْعِنَايَةِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَلَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ أَنْ يُعْطِيَ الْوَاحِدَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ، وَفِي الْفِطْرَةِ خِلَافٌ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْجَوَازَ جَزَمَ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ إنَّ هَذَا الْفَرْقَ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ مَمْنُوعٌ اهـ.
وَقَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُ دَفْعِ فَرْدٍ لِجَمْعٍ وَجَمْعٍ لِفَرْدٍ وَنَقَلْنَاهُ عَنْ الْخَانِيَّةِ وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا اهـ.
قُلْت وَالْعَجَبُ مِنْ الْمُؤَلِّفِ حَيْثُ يَقُولُ إنَّهُ ضَعِيف وَقَدْ قَالَ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ نَقَلَهُ عَنْ عِدَّةِ كُتُبٍ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ
الدَّيْنِ وَبَيْنَ الْأَمْرِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالتَّكْفِيرِ مَعَ أَنَّ الْكُلَّ وَاجِبٌ عَلَى الْآمِرِ وَقَدْ رَأَيْت الْفَرْقَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِمَامِ الْكَرْخِيِّ بِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ بِلَا شَرْطٍ رَجَعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أُسْقِطَ عَنْ ذِمَّةِ الْآمِر، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوُجُوبَ كَانَ مِنْ أَحْكَامِ الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا، وَلَوْ ثَبَتَ الرُّجُوعُ بِمُطْلَقِ الْآمِرِ لَرَجَعَ بِحَقٍّ مَضْمُونٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَسْقَطَ عَنْ ذِمَّتِهِ اهـ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ ذَكَرَ ضَابِطًا حَسَنًا لِمَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ وَمَا يَرْجِعُ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ فَانْظُرْهُ ثَمَّةَ قَيَّدَ بِالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ أَجْنَبِيًّا أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ فَأَعْتَقَ لَا يُجْزِئُهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا أَنَّ التَّمْلِيكَ بِغَيْرِ بَدَلٍ هِبَةٌ وَلَا جَوَازَ لَهَا بِدُونِ الْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ الْقَبْضُ فِي الْإِعْتَاقِ وَوُجِدَ فِي الْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَالْإِطْعَامِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ سَمَّاهُ أَجْزَأَهُ اتِّفَاقًا وَإِنْ أَعْتَقَ عَنْهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لَمْ يَجُزْ اتِّفَاقًا لِوُقُوعِهِ عَنْ الْمُعْتِقِ كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَخَرَجَ الصَّوْمُ أَيْضًا فَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ فَصَامَ لَا يُجْزِئُهُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ الْإِطْعَامَ بِالْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ عَنْهُ بِلَا أَمْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ وَلِعَدَمِ النِّيَّةِ، وَأَمَّا تَكْفِيرُ الْوَارِثِ عَنْ الْمَيِّتِ فَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ يَجُوزُ الْإِطْعَامُ أَوْ الْكِسْوَةُ، وَفِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ بِالْإِطْعَامِ وَلَا يَجُوزُ التَّبَرُّعُ عَنْهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ؛ لِأَنَّ التَّبَرُّعَ بِالْإِعْتَاقِ غَيْرُ جَائِزٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ وَتَصِحُّ الْإِبَاحَةُ فِي الْكَفَّارَاتِ) أَيْ: فِي إطْعَامِ الْكَفَّارَاتِ (وَالْفِدْيَةُ دُونَ الصَّدَقَاتِ وَالْعُشْرِ) لِوُرُودِ الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالْفِدْيَةِ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي التَّمْكِينِ مِنْ الطَّعْمِ وَإِنَّمَا جَازَ التَّمْلِيكُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَمْكِينٌ أَمَّا الْوَاجِبُ فِي الزَّكَاةِ الْإِيتَاءُ، وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ الْأَدَاءُ وَهُمَا لِلتَّمْلِيكِ حَقِيقَةً، فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ أَوْ لِبَعْضِ الْمَسَاكِينِ دُونَ الْبَعْضِ أَوْ أَنْ يُعْطِيَ نَوْعًا لِلْبَعْضِ وَنَوْعًا لِلْبَعْضِ قُلْت: أَمَّا الْأَوَّلُ فَفِي التَّتَارْخَانِيَّة إذَا غَدَّاهُ وَأَعْطَاهُ مُدًّا فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَاقْتَصَرَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى الْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ جَائِزَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ وَإِنْ غَدَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْعَشَاءِ أَوْ عَشَّاهُمْ وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ الْغَدَاءِ يَجُوزُ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ: كَمَا إذَا مَلَكَ ثَلَاثِينَ وَأَطْعَمَ ثَلَاثِينَ غَدَاءً وَعَشَاءً فَهُوَ جَائِزٌ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ: فَقَالَ فِي الْكَافِي وَيَجُوزُ تَكْمِيلُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ.
فَإِنْ قُلْت: هَلْ الْمُبَاحُ لَهُ الطَّعَامُ يَسْتَهْلِكُهُ عَلَى مِلْكِ الْمُبِيحِ أَوْ عَلَى مِلْكِ نَفْسِهِ؟ قُلْت: إذَا صَارَ مَأْكُولًا زَالَ مِلْكُ الْمُبِيحِ عَنْهُ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ أَحَدٍ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ قَيَّدْنَا بِالْإِطْعَامِ؛ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ فِي الْكِسْوَةِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَا تَجُوزُ كَمَا لَوْ أَعَارَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ ثَوْبًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَجَعْلُ الْفِدْيَةِ كَالْكَفَّارَةِ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهَا تُنْبِئُ عَنْهُ كَفِدْيَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ تَمْلِيكِ الْأَرْشِ (قَوْلُهُ وَالشَّرْطُ غَدَاءَانِ وَعَشَاءَانِ مُشْبِعَانِ أَوْ غَدَاءٌ وَعَشَاءٌ) أَيْ: الشَّرْطُ فِي طَعَامِ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ وَالسَّحُورُ كَالْغَدَاءِ.
فَلَوْ غَدَّاهُمْ يَوْمَيْنِ أَوْ عَشَّاهُمْ كَذَلِكَ أَوْ غَدَّاهُمْ وَسَحَّرَهُمْ أَوْ سَحَّرَهُمْ يَوْمَيْنِ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ غَدَّى سِتِّينَ مِسْكِينًا وَعَشَّى سِتِّينَ غَيْرَهُمْ لَمْ يُجْزِهِ إلَّا أَنْ يُعِيدَ عَلَى أَحَدِ النَّوْعَيْنِ مِنْهُمْ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، وَلَوْ غَدَّى وَاحِدًا وَعَشَّى آخَرَ لَمْ يَجُزْ وَقُيِّدَ بِالشِّبَعِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ شَبْعَانُ قَبْلَ الْأَكْلِ أَوْ صَبِيٌّ لَيْسَ بِمُرَاهِقٍ لَا يُجْزِئُهُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَمَالَ الْحَلْوَانِيُّ إلَى عَدَمِ الْجَوَازِ، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأَكْلُ مَعْرُوفٌ وَالْأُكُلُ بِضَمَّتَيْنِ وَإِسْكَانِ الثَّانِي لِلتَّخْفِيفِ الْمَأْكُولُ وَالْأَكْلَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَبِالضَّمِّ اللُّقْمَةُ وَالْغَدَاءُ بِالْمَدِّ طَعَامُ الْغَدَاةِ وَالْعَشَاءُ بِالْفَتْحِ وَبِالْمَدِّ طَعَامُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَدْ رَأَيْت الْفَرْقَ فِي السِّرَاجِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مُقْتَضَاهُ إنَّهُ لَا يَرْجِعُ، وَلَوْ شَرَطَهُ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يَرْجِعُ اهـ.
وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ لَمَّا قَبِلَ الشَّرْطَ فَقَدْ الْتَزَمَهُ بِاخْتِيَارِهِ (قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَكَالَةِ إلَخْ) عِبَارَتُهَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ أَوْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ فَفَعَلَ يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ وَلَوْ قَالَ عِوَضٌ عَنْ هِبَتِي أَوْ أَعْطِهِ عَنْ كَفَّارَتِي أَوْ أَدِّ زَكَاةَ مَالِي أَوْ هَبْ لِفُلَانٍ عَنِّي أَلْفًا لَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مَلَكَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْمَالَ الْمَدْفُوعَ مُقَابَلًا بِمِلْكِ الْمَالِ فَمَأْمُورٌ يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الرُّجُوعِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِلْكُ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ غَيْرُ مُقَابَلٍ بِمِلْكِ الْمَالِ لَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطٍ؛ لِأَنَّ الدَّافِعَ يَمْلِكُ الْمَدْفُوعَ عَنْ الْأَمْرِ وَلَا فِي ضِمْنِ التَّمْلِيكِ مِنْ الْمَدْفُوعِ حَتَّى تُقْضَى الزَّكَاةُ وَالتَّعْوِيضُ وَالْكَفَّارَةُ فَإِذَا مَلَكَهُ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ مُقَابَلًا بِالْمِلْكِ كَانَ الْمِلْكُ ثَابِتًا لِلْآمِرِ أَيْضًا مُقَابِلًا لِلْمِلْكِ فَرَجَعَ عَلَيْهِ الْمَأْمُورُ؛ لِأَنَّ بِذَلِكَ الْمِلْكَ يَجِبُ عَلَى مَنْ يَجِبُ لَهُ الْمِلْكُ أَمَّا إذَا مَلَكَ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ الْمَدْفُوعَ لَا مُقَابَلًا بِالْمِلْكِ فَالْآمِرُ يَمْلِكُهُ أَيْضًا لَا مُقَابَلًا بِالْمِلْكِ فَيَكُونُ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَرْجِعُ بِلَا شَرْطِ الضَّمَانِ.
(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الثَّالِثَةُ إلَخْ) أَقُولُ: ذَكَرَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَإِنْ أَعْطَى كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَمُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَفِي الْمِصْبَاحِ الْأَكْلُ مَعْرُوفٌ إلَخْ)
الْعِشَاءِ بِالْكَسْرِ وَالسَّحُورُ بِفَتْحِ السِّينِ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ مَا قَبْلَ الصُّبْحِ وَبِالضَّمِّ الْأَكْلُ وَقْتَهُ وَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بَعْدَ الشِّبَعِ إلَى مِقْدَارِ الطَّعَامِ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَوْ قَدَّمَ أَرْبَعَةَ أَرْغِفَةٍ إلَى عَشْرَةِ مَسَاكِينَ وَشَبِعُوا أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ صَاعًا أَوْ نِصْفَ صَاعٍ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَإِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْإِدَامِ فِي خُبْزِ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ لِيُمْكِنَهُمْ الِاسْتِيفَاءُ إلَى الشِّبَعِ بِخِلَافِ خُبْزِ الْبُرِّ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي جَوَازِ إطْعَامِ خُبْزِ الشَّعِيرِ بِالْإِدَامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَصَّ عَلَى خُبْزِ الْبُرِّ فِي الزِّيَادَاتِ فَقَالَ الْبَعْضُ: لَا يَجُوزُ بِخُبْزِ الشَّعِيرِ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَهُ مَعَ الْإِدَامِ وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ أَطْعَمَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَكْلَةً وَاحِدَةً مُشْبِعَةً لَمْ يُجْزِ إلَّا عَنْ نِصْفِ الْإِطْعَامِ فَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا أَجْزَأَهُ اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ فَأَطْعَمَ الْوَصِيُّ الْغَدَاءَ لِلْعَدَدِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتُوا قَبْلَ الْعَشَاءِ يَسْتَأْنِفُ فَيُغَدِّي وَيُعَشِّي غَيْرَهُمْ؛ لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى التَّفْرِيقِ وَلَا يَضْمَنُ الْوَصِيُّ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ؛ إذْ لَا صُنْعَ لَهُ فِي الْمَوْتِ اهـ.
وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُكَفِّرَ إذَا غَدَّى الْعَدَدَ ثُمَّ غَابُوا أَنْ يَنْتَظِرَ حُضُورَهُمْ أَوْ يُعِيدَ الْغَدَاءَ مَعَ الْعَشَاءِ عَلَى عَدَدٍ غَيْرِهِمْ وَيَنْبَغِي فِي الْوَصِيِّ أَنْ يَنْتَظِرَ لِرَجَاءِ حُضُورِهِمْ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ أَعْطَى فَقِيرًا شَهْرَيْنِ صَحَّ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ خُلَّةِ الْمُحْتَاجِ وَالْحَاجَةُ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الْأَيَّامِ فَتَكَرُّرُ الْمِسْكِينِ بِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ حُكْمًا فَكَانَ تَعْدَادًا حُكْمًا قُيِّدَ بِالتَّمْلِيكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْعَمَ مِسْكِينًا غَدَّاهُ وَعَشَّاهُ سِتِّينَ يَوْمًا لَا يُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَخِيرِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِبَاحَةِ وَالتَّمْلِيكِ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ وَالْحَقُّ أَنْ لَا فَرْقَ عَلَى الْمَذْهَبِ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ أَعْطَى طَعَامَ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ لِمِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَغَدَّاهُ وَعَشَّاهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا، وَفِي الْمِصْبَاحِ الْخَلَّةُ بِالْفَتْحِ الْفَقْرُ وَالْحَاجَةُ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ فِي يَوْمٍ لَا إلَّا عَنْ يَوْمِهِ) أَيْ: لَوْ أَعْطَى فَقِيرًا ثَلَاثِينَ صَاعًا فِي يَوْمٍ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ لِفَقْدِ التَّعَدُّدِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا لِعَدَمِ تَجَدُّدِ الْحَاجَةِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا أَعْطَاهُ بِدَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ مُتَفَرِّقًا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي طَعَامِ الْإِبَاحَةِ لَا يَجُوزُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَإِنْ فَرَّقَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْكِسْوَةُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ كَالْإِطْعَامِ حَتَّى لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا وَاحِدًا عَشْرَةَ أَثْوَابٍ فِي عَشْرَةِ أَيَّامٍ يَجُوزُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لِتَجَدُّدِ الْحَاجَةِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ تَجَدُّدِ الزَّمَانِ، وَفِي الْبَدَائِعِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَوْ غَدَّى رَجُلًا وَاحِدًا عِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ عَشَّى وَاحِدًا عِشْرِينَ يَوْمًا أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ أَعْطَى مِسْكِينًا عَنْ فِدْيَةِ صَوْمٍ يَوْمَيْنِ عَلَيْهِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا، وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُجْزِئُهُ قِيلَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَسْتَأْنِفُ بِوَطْئِهَا فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ) ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا شَرَطَ فِي التَّحْرِيرِ وَالصَّوْمِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّمَاسِّ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْإِطْعَامِ وَلَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَإِنْ وَرَدَا فِي حَادِثَةٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا حُكْمَيْنِ كَذَا فِي الْكَافِي إلَّا أَنَّهُ مَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ لِجَوَازِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى الصَّوْمِ وَالْإِعْتَاقِ فَتَنْتَقِلُ الْكَفَّارَةُ إلَيْهِمَا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ حَرَامًا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَطْعَمَ عَنْ ظِهَارَيْنِ سِتِّينَ فَقِيرًا كُلَّ فَقِيرٍ صَاعًا صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ وَعَنْ إفْطَارٍ وَظِهَارٍ وَصَحَّ عَنْهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ زَادَ فِي قَدْرِ الْوَاجِبِ وَنَقَصَ عَنْ الْمَحَلِّ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِقَدْرِ الْمَحَلِّ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ وَفِي الْجِنْسَيْنِ مُعْتَبَرَةٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَطْعَمَ عَشْرَةَ مَسَاكِينَ عَنْ يَمِينَيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعًا فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الظِّهَارَانِ لِامْرَأَتَيْنِ أَوْ لِوَاحِدَةٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ النُّقْصَانَ عَنْ الْعَدَدِ لَا يَجُوزُ فَالْوَاجِبُ فِي الظِّهَارَيْنِ إطْعَامُ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْوَاجِبِ إلَى الْأَقَلِّ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ وَاحِدٍ صَاعًا فَإِنَّهُ لَا يَكْفِي عَنْ ظِهَارٍ وَاحِدٍ وَالْمُرَادُ بِالْمَدْفُوعِ الْبُرُّ؛ إذْ لَوْ كَانَ تَمْرًا أَوْ شَعِيرًا فَمَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَعْطَى لِكُلِّ فَقِيرٍ صَاعَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ بِأَنْ يَكُونَ
ــ
[منحة الخالق]
يُوجَدُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَعَادَهُ عَلَى سِتِّينَ مِسْكِينًا جَازَ) أَيْ: سِتِّينَ مِنْ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ.
(قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي فِي الْوَصِيِّ أَنْ يُنْتَظَرَ) قَالَ فِي النَّهْرِ يَنْبَغِي الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ دُونَ غَيْرِهِ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ عَدَمُ وُجُودِهِمْ فَيَسْتَأْنِفَ.
(قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ مُنِعَ مِنْ الْوَطْءِ قَبْلَهُ إلَخْ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْقُدْرَةَ حَالَ قِيَامِ الْعَجْزِ بِالْفَقْرِ وَالْكِبَرِ وَالْمَرَضِ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَبِاعْتِبَارِ الْأُمُورِ الْمَوْهُوبَةِ لَا تَثْبُتُ الْأَحْكَامُ ابْتِدَاءً بَلْ يَثْبُتُ الِاسْتِحْبَابُ وَرَعًا فَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلَ الْفَصْلِ مِنْ النَّصِّ
دَفَعَهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً أَمَّا لَوْ كَانَ بِدَفَعَاتٍ جَازَ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْكَافِي مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ كَمِسْكِينٍ آخَرَ وَرَجَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ كَمَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِتَمْيِيزِ بَعْضِ أَشْخَاصِ ذَلِكَ الْجِنْسِ وَقَدْ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا ظِهَارٍ لِامْرَأَتَيْنِ فَأَعْتَقَ عَبْدًا نَاوِيًا عَنْ إحْدَاهُمَا صَحَّ تَعْيِينُهُ وَلَمْ يَلْغُ وَحَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلْيَصِحَّ فِي الْإِطْعَامِ لِثُبُوتِ غَرَضِهِ وَهُوَ حِلُّهُمَا مَعًا.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَرَّرَ عَبْدَيْنِ عَنْ ظِهَارَيْنِ وَلَمْ يُعَيِّنْ صَحَّ عَنْهُمَا وَمِثْلُهُ الصِّيَامُ وَالْإِطْعَامُ) حَتَّى لَوْ صَامَ عَنْهُمَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَطْعَمَ عَنْهُمَا مِائَةً وَعِشْرِينَ مِسْكِينًا صَحَّ عَنْهُمَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُتَّحِدٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّةِ التَّعْيِينِ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ عَنْ ظِهَارَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَكَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَكَفَّارَةُ قَتْلٍ فَأَعْتَقَ عَبِيدًا عَنْ الْكَفَّارَاتِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ أَعْتَقَ كُلَّ رَقَبَةٍ نَاوِيًا عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا بِعَيْنِهَا جَازَ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ الْمُكَفَّرِ عَنْهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ حَرَّرَ عَنْهُمَا رَقَبَةً أَوْ صَامَ شَهْرَيْنِ صَحَّ عَنْ وَاحِدٍ وَعَنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ لَا) ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ، وَفِي الْمُخْتَلِفِ مُفِيدٌ فَإِذَا لَغَا لَهُ أَنْ يُعَيِّنَ أَيَّهمَا شَاءَ وَيُجَامِعُ مَعَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا وَأَرَادَ بِالرَّقَبَةِ الْمُؤْمِنَةَ، أَمَّا لَوْ أَعْتَقَ كَافِرَةً عَنْ ظِهَارٍ وَقَتْلٍ كَانَ عَنْ الظِّهَارِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَةَ لَا تَصْلُحُ لِكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَجَعَلَ لَهُ فِي الْبَدَائِعِ نَظِيرًا حَسَنًا هُوَ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبِنْتِهَا أَوْ أُخْتِهَا وَنَكَحَهُمَا مَعًا فَإِنْ كَانَتَا فَارِغَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا مُتَزَوِّجَةً صَحَّ فِي الْفَارِغَةِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا اخْتَلَفَ سَبَبُهُ فَهُوَ الْمُخْتَلِفُ وَمَا اتَّحَدَ سَبَبُهُ فَهُوَ الْمُتَّحِدُ فَالصَّلَوَاتُ كُلُّهَا مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ حَتَّى الظُّهْرَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ وَصَوْمُ أَيَّامِ رَمَضَانَ مِنْ قَبِيلِ الْمُتَّحِدِ إنْ كَانَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمُخْتَلِفِ.
وَلَوْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا أَوْ صَلَاةَ جِنَازَةٍ لَمْ يَكُنْ شَارِعًا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِلتَّنَافِي وَعَدَمِ الرُّجْحَانِ، وَلَوْ نَوَى ظُهْرًا وَنَفْلًا لَمْ يَكُنْ شَارِعًا أَصْلًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلتَّنَافِي وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَى، وَلَوْ نَوَى صَوْمَ الْقَضَاءِ وَالنَّفَلِ أَوْ الزَّكَاةَ وَالتَّطَوُّعَ أَوْ الْحَجَّ الْمَنْذُورَ، وَالتَّطَوُّعُ يَكُونُ تَطَوُّعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِبُطْلَانِهِمَا بِالتَّعَارُضِ فَانْصَرَفَ إلَى النَّفْلِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَنْ الْأَقْوَى تَرْجِيحًا لَهُ عِنْدَ التَّعَارُضِ، وَلَوْ نَوَى حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَالتَّطَوُّعَ فَهُوَ عَنْ الْحَجَّةِ اتِّفَاقًا لِلْقُوَّةِ عِنْدَ الثَّانِي وَلِبُطْلَانِ الْجِهَةِ بِالتَّعَارُضِ وَهِيَ تَتَأَدَّى بِالْمُطْلَقِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ كَفَّارَاتُ أَيْمَانٍ أَعْتَقَ عَنْ إحْدَاهُنَّ وَأَطْعَمَ عَنْ أُخْرَى وَكَسَا عَنْ أُخْرَى أَوْ أَعْتَقَ عَنْهَا عَبْدًا وَلَا يَنْوِي كُلَّ وَاحِدَةٍ بِعَيْنِهَا جَازَ اسْتِحْسَانًا خِلَافًا لِزُفَرَ نَظَرًا إلَى أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَنَحْنُ نَقُولُ الْجِنْسُ مُتَّحِدٌ فَهُوَ كَالصَّوْمِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّهُ نِيَّةُ التَّعْيِينِ ثَمَّةَ لَمْ تُشْتَرَطْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَاجِبَ مُخْتَلِفٌ مُتَعَدِّدٌ بَلْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُرَاعَاةَ التَّرْتِيبِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ إلَّا بِنِيَّةِ التَّعْيِينِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ تَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ لَا غَيْرُ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ فِي الصَّلَوَاتِ يَنْبَغِي حِفْظُهُ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا نَوَى
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ وَقَدْ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ إلَخْ) ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ الْفَرْقَ بَيْنَ مَسْأَلَتَيْ الْعِتْقِ وَالْإِطْعَامِ بِأَنَّ إعْتَاقَ الرَّقَبَةِ يَصْلُحُ كَفَّارَةً عَنْ أَحَدِ الظِّهَارَيْنِ قَدْرًا وَمَحَلًّا فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ فَأَمَّا إطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا كُلَّ مِسْكِينٍ صَاعًا فَإِنْ صَلُحَ عَنْ الظِّهَارَيْنِ قَدْرًا لَمْ يَصْلُحْ لَهُمَا مَحَلًّا؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا مِائَةٌ وَعِشْرُونَ مِسْكِينًا عِنْدَ عَدَمِ التَّفْرِيقِ فَإِذَا زَادَ فِي الْوَظِيفَةِ وَنَقَصَ عَنْ الْمَحَلِّ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ قَدْرُ الْمَحَلِّ احْتِيَاطًا كَمَا لَوْ أَعْطَى ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا كُلَّ وَاحِدٍ صَاعًا اهـ.
قَالَ فِي الْحَوَاشِي السَّعْدِيَّةِ فِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُ لِمَ لَا يَكْفِي التَّفَرُّقُ الْحُكْمِيُّ بِنِيَّةِ التَّوْزِيعِ كَمَا كَفَى التَّعَدُّدُ الْحُكْمِيُّ فِيمَا إذَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا سِتِّينَ يَوْمًا اهـ.
وَأَصْلُ الْبَحْثِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ.
(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ التَّعْيِينِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قِيلَ مَعْنَاهُ نَوَى التَّوْزِيعَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فَكَانَتْ لَغْوًا وَإِذَا لَغَتْ صَارَ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً عَنْ الظِّهَارَيْنِ وَلَمْ يَنْوِ عَنْهُمَا وَذَلِكَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى أَيِّهِمَا شَاءَ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْكَفَّارَتَانِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّوْزِيعَ فِي الْجِنْسِ الْمُخْتَلِفِ فَكَانَتْ مُعْتَبَرَةً فَلَا يَكُونُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (قَوْلُهُ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ إلَخْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُحِيطِ، وَهَذَا مُشْكِلٌ وَمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا قَاضِي خَانْ وَغَيْرُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعْنَى أَيْ: مِنْ أَنَّ التَّعْيِينَ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ لَغْوٌ إلَخْ. قَالَ: وَلِأَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ فِي الْمُحِيطِ لَجَازَ مَعَ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَيْضًا لِإِمْكَانِ صَرْفِهِ إلَى الْأَوَّلِ؛ إذْ لَا يَجِبُ التَّعْيِينُ عِنْدَ التَّرْتِيبِ وَلَا يُفِيدُ اهـ.