المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ النفقة للقريب - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٤

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاق]

- ‌(بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ)

- ‌[بَابُ الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ]

- ‌[بَابُ الْإِيلَاءِ]

- ‌[وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاء]

- ‌[وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ]

- ‌[الْإِيلَاء مِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

- ‌ الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌[شَرَائِطُ وُجُوبِ اللِّعَانِ]

- ‌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْهُ

- ‌[اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ]

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ

- ‌[قَذْفِ الْأَخْرَسِ]

- ‌ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌[عِدَّةُ الْحُرَّةِ]

- ‌ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌ عِدَّةِ الْأَمَةِ

- ‌عِدَّةُ الْحَامِلِ

- ‌عِدَّةُ مَنْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا ثُمَّ رَأَتْ دَمًا

- ‌[عدة الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ]

- ‌[عدة زَوْجَةِ الصَّغِيرِ الْحَامِلِ]

- ‌مَبْدَأُ الْعِدَّةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ]

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌الزَّوْجِيَّةِ

- ‌[أَسْبَابٍ وُجُوب النَّفَقَة]

- ‌ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ

- ‌ النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ

- ‌[النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ]

- ‌[نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ]

- ‌[النَّفَقَة مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ]

- ‌ النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ

- ‌(كِتَابُ الْعِتْقِ)

- ‌[امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ]

- ‌(بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ]

- ‌(بَابُ التَّدْبِيرِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِيلَادِ)

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[ثَلَاثِ مَسَائِلَ فِي الْحُلْف]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ)

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ]

- ‌ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ

- ‌[اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَكَانَ قَدْ قَالَ آخَرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ

- ‌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَهُ

- ‌(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ

- ‌[قَالَتْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ]

- ‌[قَوْلُهُ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[قَالَ لَأَقْضِيَنَّ دَيْنَيْ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ نَبَهْرَجَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ مُسْتَحَقَّةً]

- ‌[حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ]

- ‌[حَلَفَ لَيَهَبَنَّ فُلَانًا فَوَهَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ]

الفصل: ‌ النفقة للقريب

رِوَايَةٍ أَنَّ نَفَقَةَ الْكَبِيرِ تَجِبُ عَلَى الْأَبَوَيْنِ أَثْلَاثًا بِاعْتِبَارِ الْإِرْثِ بِخِلَافِ الصَّغِيرِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ وَلِقَرِيبٍ مَحْرَمٍ فَقِيرٍ عَاجِزٍ عَنْ الْكَسْبِ بِقَدْرِ الْإِرْثِ لَوْ مُوسِرًا) أَيْ تَجِبُ‌

‌ النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ

إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ وَالْفَاصِلُ أَنْ يَكُونَ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] ، وَفِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ قَيَّدَ بِالْقَرِيبِ؛ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ الَّذِي لَيْسَ بِقَرِيبٍ كَالْأَخِ مِنْ الرَّضَاعِ تَجِبُ نَفَقَتُهُ وَقَيَّدَ بِالْمَحْرَمِ؛ لِأَنَّ الرَّحِمَ غَيْرَ الْمَحْرَمِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ كَابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ بِجِهَةِ الْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَرِيبًا مَحْرَمًا لَا مِنْ جِهَتِهَا كَابْنِ الْعَمِّ إذَا كَانَ أَخًا مِنْ الرَّضَاعِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهُ، كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ.

فَلَوْ كَانَ لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْخَالِ لِمَحْرَمِيَّتِهِ لَا عَلَى ابْنِ الْعَمِّ وَإِنْ كَانَ وَارِثًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْوَارِثِ فِي الْآيَةِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْمِيرَاثِ لَا كَوْنُهُ وَارِثًا حَقِيقَةً إذْ لَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْخَالُ فِي الْجُمْلَةِ سَوَاءٌ كَانَ وَارِثًا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَأَهْلِيَّةِ الْإِرْثِ يُرَجَّحُ مَنْ كَانَ وَارِثًا حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى إذَا كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْمَحْرَمِيَّةِ وَيَتَرَجَّحُ الْعَمُّ عَلَى الْخَالِ لِكَوْنِهِ وَارِثًا حَقِيقَةً، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ لَا غَيْرُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا وَيُجْعَلُ الْعَمُّ كَالْمَيِّتِ وَفِي الْقُنْيَةِ يُجْبَرُ الْأَبْعَدُ إذَا غَابَ الْأَقْرَبُ وَقَيَّدَ بِالْفَقْرِ؛ لِأَنَّ الْغَنِيَّ نَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَقَيَّدْنَا بِالْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ وَهُوَ بِالْأُنُوثَةِ مُطْلَقًا وَبِالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى وَنَحْوِهَا فِي الذَّكَرِ فَنَفَقَةُ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحَةِ الْفَقِيرَةِ عَلَى مَحْرَمِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأُنْثَى إلَّا الْفَقْرُ، وَأَمَّا الْبَالِغُ الْفَقِيرُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَجْزِهِ بِزَمَانَةٍ أَوْ عَمًى أَوْ فَقْءِ الْعَيْنَيْنِ أَوْ شَلَلِ الْيَدَيْنِ أَوْ مَقْطُوعِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ مَعْتُوهٍ أَوْ مَفْلُوجٍ زَادَ فِي التَّبْيِينِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَعْيَانِ النَّاسِ يَلْحَقُهُ الْعَارُ مِنْ التَّكَسُّبِ أَوْ طَالِبَ عِلْمٍ لَا يَتَفَرَّغُ لِذَلِكَ وَفِي الْمُجْتَبَى الْبَالِغُ إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ وَهَكَذَا قَالُوا فِي طَالِبِ الْعِلْمِ إذَا كَانَ لَا يَهْتَدِي إلَى الْكَسْبِ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُ عَنْ الْأَبِ بِمَنْزِلَةِ الزَّمِنِ وَالْأُنْثَى اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَى أَبِي حَامِدٍ قَوْلُ السَّلَفِ بِوُجُوبِ نَفَقَةِ طَالِبِ الْعِلْمِ عَلَى الْأَبِ لَكِنْ أَفْتَى بِعَدَمِ وُجُوبِهَا لِفَسَادِ أَحْوَالِ أَكْثَرِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ فَإِنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ حَسَنَ السَّيْرِ مُشْتَغِلًا بِالْعُلُومِ النَّافِعَةِ يُجْبَرُ الْآبَاءُ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا يُطَالِبُهُمْ فُسَّاقُ الْمُبْتَدِعَةِ الَّذِينَ شَرُّهُمْ أَكْثَرُ مِنْ خَيْرِهِمْ يَحْضُرُونَ الدَّرْسَ سَاعَةً بِخِلَافِيَّاتٍ رَكِيكَةٍ ضَرَرُهَا فِي الدِّينِ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهَا، ثُمَّ يَشْتَغِلُونَ طُولَ النَّهَارِ بِالسُّخْرِيَةِ وَالْغِيبَةِ وَالْوُقُوعِ فِي النَّاسِ مِمَّا يَسْتَحِقُّونَ بِهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ فَيَقْذِفُ اللَّهُ الْبُغْضَ فِي قُلُوبِ آبَائِهِمْ وَيَنْزِغُ عَنْهُمْ الشَّفَقَةَ فَلَا يُعْطُونَ مُنَاهُمْ فِي الْمَلَابِسِ وَالْمَطَاعِمِ فَيُطَالِبُونَهُمْ بِالنَّفَقَةِ وَيُؤْذُونَهُمْ مَعَ حُرْمَةِ التَّأْفِيفِ، وَلَوْ عَلِمُوا بِسِيرَتِهِمْ السَّلَفُ لَحَرَّمُوا الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِمْ وَمَنْ كَانَ بِخِلَافِهِمْ نَادِرٌ فِي هَذَا الزَّمَانِ فَلَا يُفْرَدُ بِالْحُكْمِ دَفْعًا لِحَرَجِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُصْلِحِ وَالْمُفْسِدِ قُلْتُ: لَكِنْ نَرَى طَلَبَةَ الْعِلْمِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الْعَامَّةِ الْمُشْتَغِلِينَ بِالْفِقْهِ وَالْأَدَبِ اللَّذَيْنِ هُمَا قَوَاعِدُ الدِّينِ وَأُصُولُ كَلَامِ الْعَرَبِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ يَمْنَعُهُمْ عَنْ التَّحْصِيلِ وَيُؤَدِّي إلَى ضَيَاعِ الْعِلْمِ وَالتَّعْطِيلِ فَكَانَ الْمُخْتَارُ الْآنَ قَوْلَ السَّلَفِ وَهَفَوَاتُ الْبَعْضِ لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ النَّفَقَةِ كَالْأَوْلَادِ وَالْأَقَارِبِ اهـ.

وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْمُعْسِرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ هَذِهِ النَّفَقَةَ فَقِيلَ هُوَ الَّذِي تَحِلُّ لَهُ هَذِهِ الصَّدَقَةُ، وَقِيلَ هُوَ الْمُحْتَاجُ وَاَلَّذِي لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ هَلْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَيْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّمْلِيُّ عَنْ الشَّيْخِ قَاسِمٍ قَالَ: وَقَالَ الْمَحْبُوبِيُّ وَبِهِ يُفْتَى وَمَشَى عَلَيْهِ النَّسَفِيُّ وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ.

(قَوْلُهُ: وَهُوَ بِالْأُنُوثَةِ مُطْلَقًا) أَيْ بِلَا قَيْدِ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى وَمِثْلُ الْأُنُوثَةِ الصِّغَرُ، وَقَدْ مَرَّ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِطِفْلِهِ الْفَقِيرِ أَنَّ الْأَبَ الْغَنِيَّ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ الْكَسْبِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فَهُنَا بِالْأَوْلَى حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ كَسْبٌ يَكْفِيهِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْقَرِيبِ، وَكَذَا الْأُنْثَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حَاشِيَةِ الرَّمْلِيُّ.

[النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ]

(قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي لَهُ مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ إلَخْ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ كَانَ لِلْأَبِ مَسْكَنٌ أَوْ دَابَّةٌ فَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنْ تُفْرَضَ النَّفَقَةُ عَلَى الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْكَنِ فَضْلٌ نَحْوُ أَنْ يَكْفِيَهُ أَنْ يَسْكُنَ نَاحِيَةً مِنْهُ فَيُؤْمَرُ الْأَبُ بِبَيْعِ الْفَضْلِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ تُفْرَضُ نَفَقَتُهُ عَلَى ابْنِهِ، وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ دَابَّةٌ نَفِيسَةٌ يُؤْمَرُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ الْأَوْكَسَ وَيُنْفِقَ، ثُمَّ تُفْرَضُ عَلَى الِابْنِ وَيَسْتَوِي فِي هَذَا الْوَالِدَانِ وَالْمَوْلُودُونَ وَسَائِرُ الْمَحَارِمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ اهـ.

لَكِنْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ بَعْدَمَا نَقَلَهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْهَا وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ لِغَيْرِ الْمُحْتَاجِ وَهَؤُلَاءِ غَيْرُ مُحْتَاجِينَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الِاكْتِفَاءُ بِالْأَدْنَى بِأَنْ يَبِيعَ الْمَنْزِلَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ وَيَكْتَرِيَ مَنْزِلًا أَوْ يَبِيعَ الْخَادِمَ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْزِلِ لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا، وَكَذَا لَا يُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ السُّكْنَى بِالْكِرَاءِ

ص: 228

يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ عَلَى قَرِيبِهِ الْمُوسِرِ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَسْتَحِقُّ حَتَّى لَوْ كَانَتْ أُخْتًا لَا يُؤْمَرُ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ بِنْتًا أَوْ أُمًّا فِي رِوَايَةٍ تَسْتَحِقُّ وَهُوَ الصَّوَابُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِيمَا تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَشَمِلَ الصَّغِيرَ الْغَنِيَّ وَالصَّغِيرَةَ الْغَنِيَّةَ فَيُؤْمَرُ الْوَصِيُّ بِدَفْعِ نَفَقَةِ قَرِيبِهِمَا الْمَحْرَمِ بِشَرْطِهِ، كَذَا فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ أَيْضًا وَقَدَّمْنَاهُ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ أَنَّهُ لَوْ تَعَدَّدَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَوْجَبَ النَّفَقَةَ بِاسْمِ الْوَارِثِ فَوَجَبَ التَّقْدِيرُ بِهِ فَإِذَا كَانَ لِلصَّغِيرِ أُمٌّ وَعَمٌّ أَوْ أُمٌّ وَأَخٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ، وَكَذَلِكَ الرَّضَاعُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ الرَّضَاعَ نَفَقَةُ الْوَلَدِ فَتَكُونُ عَلَيْهِمَا كَنَفَقَتِهِ بَعْدَ الْفِطَامِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي النَّفَقَةِ بَعْدَ الْفِطَامِ الْجَوَابَ هَكَذَا، وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْفِطَامِ الرَّضَاعُ كُلُّهُ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّهَا مُوسِرَةٌ بِاللَّبَنِ وَالْعَمُّ مُعْسِرٌ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قُدْرَةُ الْعَمِّ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ بِمَا لَهُ يَجْعَلُهُ مُوسِرًا فِيهِ فَلِهَذَا كَانَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَإِنْ كَانَ الْعَمُّ فَقِيرًا وَالْأُمُّ غَنِيَّةٌ فَالْكُلُّ عَلَى الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَخٌ لِأُمٍّ وَأَبٍ أَوْ أَخٌ لِأَبٍ وَعَمٍّ أَغْنِيَاءَ فَالرَّضَاعُ عَلَى الْأُمِّ وَالْأَخِ أَثْلَاثًا بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ الْعَمَّ لَيْسَ بِوَارِثٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَتَرَجَّحُ الْأَخُ عَلَى الْعَمِّ.

وَإِذَا كَانَ لِلْفَقِيرِ الزَّمِنِ ابْنٌ صَغِيرٌ مُعْسِرٌ وَلَيْسَ بِزَمِنٍ وَلِهَذَا الْمُعْسِرِ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُتَفَرِّقِينَ أَهْلَ يَسَارٍ فَنَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخِ مِنْ الْأُمِّ أَسْدَاسًا؛ لِأَنَّ الِابْنَ الصَّغِيرَ الْمُعْسِرَ يُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ وَمَا لَمْ يُجْعَلْ الِابْنُ كَالْمَعْدُومِ لَا تَصِيرُ الْإِخْوَةُ وَرَثَةً فَيَتَعَذَّرُ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ حَالَ قِيَامِ الِابْنِ فَيُجْعَلُ الِابْنُ كَالْمَعْدُومِ وَيُجْعَلُ الْمِيرَاثُ بَيْنَ الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَبَيْنَ الْأَخِ لِأُمٍّ أَسْدَاسًا، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الِابْنِ بِنْتٌ فَنَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّا لَا نَحْتَاجُ أَنْ نَجْعَلَهَا كَالْمَعْدُومِ؛ لِأَنَّهُ يَرِثُ مَعَ الْبِنْتِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَى الْبِنْتِ فَيَجِبُ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَنَفَقَةُ الصَّغِيرِ عَلَى الْعَمِّ وَالْأُمِّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْأَبَ الْمُعْسِرَ كَالْمَعْدُومِ، وَبَعْدَ الْأَبِ مِيرَاثُ الْوَلَدِ لِلْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ خَاصَّةً فَكَذَا نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَيْهِمَا فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْإِخْوَةِ أَخَوَاتٌ مُتَفَرِّقَاتٌ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرًا فَنَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الْأَخَوَاتِ أَخْمَاسًا؛ لِأَنَّ أَحَدًا مِنْ الْأَخَوَاتِ لَا يَرِثُ مَعَ الِابْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُجْعَلَ الِابْنُ كَالْمَعْدُومِ لِيُمْكِنَ إيجَابُ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَخَوَاتِ وَبَعْدَ الِابْنِ مِيرَاثُ الْأَبِ بَيْنَ الْأَخَوَاتِ أَخْمَاسًا ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُمُسُهُ لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَخُمُسُهُ لِلْأُخْتِ لِأُمٍّ فَرْضًا وَرَدًّا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ بِحِسَابِ ذَلِكَ وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْوَالِدَ الْمُعْسِرَ نَجْعَلُهُ كَالْمَعْدُومِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الْوَالِدِ مِيرَاثُ الْوَلَدِ لِلْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً عِنْدَنَا فَالنَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا أَيْضًا.

وَإِذَا كَانَ الْوَلَدُ بِنْتًا فَنَفَقَةُ الْأَبِ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ مَعَ الْبِنْتِ فَإِنَّ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ فَلَا تُجْعَلُ الْبِنْتُ كَالْمَعْدُومِ، وَلَكِنْ لَوْ مَاتَ الْأَبُ كَانَ نِصْفُ مِيرَاثِهِ لِلْبِنْتِ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ، فَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَنَفَقَةُ الْبِنْتِ عَلَى الْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْأَبَ الْمُحْتَاجَ جُعِلَ كَالْمَعْدُومِ، وَعِنْدَ انْعِدَامِ الْوَلَدِ فَمِيرَاثُ الْبِنْتِ يَكُونُ لِلْعَمَّةِ لِأَبٍ وَأُمٍّ خَاصَّةً عِنْدَنَا

ــ

[منحة الخالق]

وَبِالْمَنْزِلِ الْمُشْتَرَكِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ) أَقُولُ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَتَاعَ بِمَنْزِلَةِ الْمَنْزِلِ وَالْخَادِمِ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْعُيُونِ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً لَهَا مَنْزِلٌ وَخَادِمٌ وَمَتَاعٌ وَلَا فَضْلَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَهَا أَخٌ مُوسِرٌ أَوْ عَمٌّ مُوسِرٌ وَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجْبِرُهُ عَلَيْهَا هَكَذَا قَالَ الْخَصَّافُ، وَقَالَ غَيْرُهُ لَا يُجْبَرُ وَيُقَالُ لَهَا بِيعِي دَارَك وَخَادِمَك، وَقَالَ يَحْيَى بْنُ آدَمَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهَا إذَا كَانَ لَهَا خَادِمٌ وَمَتَاعٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْفِطَامِ وَالرَّضَاعِ كُلُّهُ عَلَى الْأُمِّ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْجَوَابَ فِي الْحَضَانَةِ كَذَلِكَ فَيَجْرِي فِيهَا مَا يَجْرِي فِي الرَّضَاعِ فَيَكُونُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أُجْرَةَ الْحَضَانَةِ أَيْضًا عَلَى الْأُمِّ وَالْأَخِ أَثْلَاثًا بِحَسَبِ الْمِيرَاثِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهَا كَاحْتِيَاجِهِ إلَى النَّفَقَةِ، وَقَدْ كَتَبْنَاهُ فِي بَابِ الْحَضَانَةِ.

(قَوْلُهُ: وَإِذَا كَانَ لِلْفَقِيرِ الزَّمِنِ إلَخْ) قَيَّدَ بِالزَّمِنِ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا كَانَ فَقِيرًا غَيْرَ زَمِنٍ لَا يُجْعَلُ كَالْمَيِّتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْأُمَّ الْمُوسِرَةَ تُنْفِقُ عَلَى الصِّغَارِ لِتَرْجِعَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا الْجَدُّ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ عَنْ الْقُدُورِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْجَدِّ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا دَيْنًا عَلَى الْأَبِ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا مَرَّ أَنَّ أَصْحَابَ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ اخْتَارُوا هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَلَى خِلَافِ مَا صَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِزَمِنٍ) الَّذِي رَأَيْته فِي الذَّخِيرَةِ وَكَبِيرٌ زَمِنٌ وَهُوَ الصَّوَابُ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ الْمُعْسِرَ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ بِلَا قَيْدِ زَمَانَةٍ أَمَّا الْكَبِيرُ فَلَا بُدَّ مِنْهَا كَمَا مَرَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي عِبَارَةِ الذَّخِيرَةِ بِمَعْنَى أَوْ.

(قَوْلُهُ: وَلِهَذَا الْمُعْسِرِ) أَيْ الَّذِي هُوَ أَبُو الصَّغِيرِ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْعَمِّ وَالْأُمِّ خَاصَّةً) كَذَا رَأَيْته فِي نُسْخَتَيْ الذَّخِيرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِ سَقْطًا وَالْأَصْلُ عَلَى الْعَمِّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ بِقَرِينَةِ مَا بَعْدَهُ

ص: 229

فَكَذَا النَّفَقَةُ عَلَيْهَا وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَعُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْوَلَدَ الْكَبِيرَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ فَتَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَى الْأَبِ بِشَرْطِ الْعَجْزِ عَلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ فَهِيَ عَلَى الْأَبِ وَالْأُمِّ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهَا عَلَى الْأَبِ وَالثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا طَلَبَ الِابْنُ الْكَبِيرُ الْعَاجِزُ أَوْ الْأُنْثَى أَنْ يَفْرِضَ لَهُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ أَجَابَهُ الْقَاضِي وَيَدْفَعُ مَا فَرَضَ لَهُمْ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقَّهُمْ وَلَهُمْ وِلَايَةُ الِاسْتِيفَاءِ اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ الْأَبُ لِلْوَلَدِ الْكَبِيرِ أَنَا أُطْعِمُك وَلَا أَدْفَعُ إلَيْك شَيْئًا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَفَقَةِ كُلِّ مَحْرَمٍ لَكِنْ لَا يُشْتَرَطُ يَسَارُ الْأَبِ لِنَفَقَةِ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ؛ لِأَنَّهُ كَالصَّغِيرِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَرَطَ الْمُصَنِّفُ الْيَسَارَ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالزَّوْجَةِ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْيَسَارِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ مَرْوِيَّةٍ الْأَصَحُّ مِنْهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ حَتَّى لَوْ اُنْتُقِصَ مِنْهُ دِرْهَمٌ لَا تَجِبُ وَبِهِ يُفْتَى وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ مُعَلِّلًا بِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَنِهَايَةُ الْيَسَارِ لَا حَدَّ لَهَا وَبِدَايَتُهُ النِّصَابُ فَيُقَدَّرُ بِهِ اهـ.

وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ نِصَابُ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَهُوَ النِّصَابُ الَّذِي لَيْسَ بِنَامٍ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ لِوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ غِنَى مُوجِبِ الزَّكَاةِ وَإِنَّمَا شُرِطَ غِنَى مَحْرَمٍ لِلصَّدَقَةِ فَكَذَا فِي حَقِّ إيجَابِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ أَشْبَهُ مِنْهَا بِالزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ وَمَعْنَى الصَّدَقَةِ فَإِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ لِوُجُوبِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ غِنَى مُوجِبٍ لِلزَّكَاةِ وَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ وَجْهٍ مُؤْنَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَأَنْ لَا يُشْتَرَطَ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ مُوجِبٌ لِلزَّكَاةِ وَأَنَّهَا مُؤْنَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَانَ أَوْلَى اهـ.

وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ الَّتِي قَدَّرَتْ الْيَسَارَ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَلَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَمَّا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَيَصْرِفُهُ إلَى أَقَارِبِهِ إذْ الْمُعْتَبَرُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الْقُدْرَةُ دُونَ النِّصَابِ، وَهَذَا أَوْجَهُ اهـ.

وَفِي التُّحْفَةِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْفَقُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ اهـ.

وَلَمْ أَرَ مَنْ أَفْتَى بِهِ مِنْ مَشَايِخِنَا فَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، وَالْأَرْجَحُ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْقَوْلَ لِمُنْكِرِ الْيَسَارِ وَالْبَيِّنَةَ لِمُدَّعِيهِ وَفِي الْقُنْيَةِ لَهُ عَمٌّ وَجَدٌّ أَبُو الْأُمِّ فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ الْمِيرَاثُ لِلْعَمِّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أُمٌّ وَأَبٌ لِأُمٍّ مُوسِرَانِ فَعَلَى الْأُمِّ وَفِيهِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ إذَا كَانَ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا فَلَمْ يَجْعَلْ الْأُمَّ أَقْرَبَ مِنْ الْعَمِّ وَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَبَ الْأُمِّ أَقْرَبَ مِنْ الْعَمِّ وَلَزِمَ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ عَلَى أَبِ الْأُمِّ مَعَ الْأُمِّ وَمَعَ هَذَا أَوْجَبَهَا عَلَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ إلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ الْأَوَّلُ.

(قَوْلُهُ: وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ إلَخْ) كَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ الرَّمْلِيُّ عِبَارَةُ الْوَلْوَالِجِيِّ وَلَا يُجْبَرُ الرَّجُلُ عَلَى نَفَقَةِ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَكَانَ لَهُ كَفَافٌ وَفَضْلٌ عَنْ قُوتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ وَنِهَايَةُ الْيَسَارِ لَا حَدَّ لَهَا وَبِدَايَةُ الْيَسَارِ لَهَا حَدٌّ وَهُوَ النِّصَابُ فَيُقَدَّرُ الْيَسَارُ بِالنِّصَابِ اهـ. كَلَامُهُ.

وَأَقُولُ: النِّصَابُ فِي كَلَامِهِ مُطْلَقٌ مُحْتَمِلٌ لِهَذَا وَلِهَذَا وَلَا يُعَيِّنُهُ لِلزَّكَاةِ قَوْلُهُ وَفَضَلَ مِنْ قُوتِهِ لِاشْتِرَاطِ النَّمَاءِ فِيهِ فَالنِّصَابُ مُطْلَقٌ فِي كَلَامِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَاخْتَارَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ تَأَمَّلْ. اهـ.

قُلْتُ: لَكِنَّ قَوْلَهُ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا يُعَيِّنُ نِصَابَ الزَّكَاةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ نِصَابَ الصَّدَقَةِ لَقَالَ حَتَّى يَكُونَ لَهُ مَا يُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ، وَلَوْ غَيْرَ نَامٍ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ نِصَابٌ نَامٍ فَهُوَ نِصَابُ الزَّكَاةِ لَا نِصَابُ حِرْمَانِهَا.

(قَوْلُهُ: وَرَجَّحَ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةَ مُحَمَّدٍ الَّتِي قَدَّرَتْ إلَخْ) وَكَذَا رَجَّحَهَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ: وَإِذَا كَانَ كَسُوبًا يُعْتَبَرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى اهـ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ الَّتِي إلَخْ إلَى أَنَّ عَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْفَتْحِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ أَحَدُهُمَا بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَالْأُخْرَى بِمَا يَفْضُلُ عَنْ كَسْبِهِ كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى لَوْ كَانَ كَسْبُهُ دِرْهَمًا وَيَكْفِيهِ أَرْبَعَةُ دَوَانِقَ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّانَقَانِ لِلْقَرِيبِ وَمُجْمَلُ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى حَاجَةِ الْإِنْسَانِ إنْ كَانَ مُكْتَسِبًا لَا مَالَ لَهُ حَاصِلٌ اعْتَبَرَ فَضْلَ كَسْبِهِ الْيَوْمِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ، بَلْ لَهُ مَالٌ اعْتَبَرَ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَيُنْفِقُ ذَلِكَ الشَّهْرَ فَإِنْ صَارَ فَقِيرًا ارْتَفَعَتْ نَفَقَتُهُ عَنْهُ. اهـ.

فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُوَ مَحْمَلُ الرِّوَايَتَيْنِ لَا أَحَدِهِمَا كَمَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ وَبِمَا ذُكِرَ عَنْ الْفَتْحِ تَتِمُّ الْأَقْوَالُ الْأَرْبَعَةُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَفِيهِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْأُمُّ مَعَ الْجَدِّ أَبِي الْأُمِّ مَعَ كَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ هِيَ وَارِثَةٌ فَاجْتَمَعَ فِيهَا الْإِرْثُ وَالْأَقْرَبِيَّةُ مَعَهُ بِخِلَافِهَا مَعَ الْعَمِّ لِوُجُودِ الْإِرْثِ فِيهِمَا فَاعْتُبِرَ أَيْ الْإِرْثُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: إذَا كَانَ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ مُوسِرَانِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا) قَالَ الرَّمْلِيُّ: فَلَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَهِيَ عَلَى الْأُمِّ لَا عَلَى الْعَمِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ الْفَقِيرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ غَيْرِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ وَالْأُمُّ مِنْ قِسْمِ الْأُصُولِ لَا الْعَمُّ

ص: 230

الْأُمِّ وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فَرْعٌ أُشْكِلَ الْجَوَابُ فِيهِ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ لَهُ أُمٌّ وَعَمٌّ وَأَبٌ لِأُمٍّ مُوسِرُونَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَجِبَ عَلَى الْأُمِّ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ أَبَا الْأُمِّ لَمَّا كَانَ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ وَالْأُمُّ أَوْلَى مِنْ أَبِي الْأُمِّ كَانَتْ الْأُمُّ أَوْلَى مِنْ الْعَمِّ لَكِنْ بِتَرْكِ جَوَابِ الْكِتَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأُمِّ وَالْعَمِّ أَثْلَاثًا اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ صَغِيرٌ مَاتَ أَبُوهُ وَلَهُ أُمٌّ وَجَدٌّ أَبِ الْأَبِ كَانَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا الثُّلُثُ عَلَى الْأُمِّ وَالثُّلُثَانِ عَلَى جَدِّ الْأَبِ اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْجَدَّ لَيْسَ كَالْأَبِ فِيهَا.

(قَوْلُهُ وَصَحَّ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ لَا عَقَارِهِ لِلنَّفَقَةِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ بَيْعُ شَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ حَالَ حَضْرَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِي دَيْنٍ لَهُ سِوَى النَّفَقَةِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْمُخْتَصَرِ هُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ رحمه الله؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ الْغَائِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَلِلْأَبِ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ؛ لِأَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِنَفْسِهَا قَيَّدَ بِالْأَبِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ وَسَائِرَ الْأَقَارِبِ لَيْسَ لَهُمْ بَيْعُ شَيْءٍ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ حَالَةَ الصِّغَرِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ، وَإِذَا جَازَ بَيْعُ الْأَبِ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ كَمَا لَوْ بَاعَ الْعَقَارَ وَالْمَنْقُولَ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِكَمَالِ الْوِلَايَةِ، ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نَفَقَتَهُ؛ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الِابْنِ الْكَبِيرِ أَمَّا الصَّغِيرُ فَلِلْأَبِ بَيْعُ عَرْضِهِ لِلنَّفَقَةِ إجْمَاعًا كَمَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَهُ بَيْعُ عَقَارِهِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَيَتَفَرَّعُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَإِذَا اجْتَمَعَ أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ لَزِمَتْ الْأَقْرَبَ، وَلَوْ لَمْ يُدْلِ بِهِ الْآخَرُ لِقُرْبِهِ وَفِي الْفَيْضِ الْكُرْكِيِّ، وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْمَحْرَمِيَّةِ يُرَجَّحُ مَنْ كَانَ وَارِثًا حَقِيقَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَخَالٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ فَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَمٌّ وَعَمَّةٌ وَخَالَةٌ فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمِّ، وَلَوْ كَانَ الْعَمُّ مُعْسِرًا فَالنَّفَقَةُ عَلَى الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَثْلَاثًا عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمَا وَيُجْعَلُ الْعَمُّ كَالْمَيِّتِ اهـ.

وَيَظْهَرُ مِنْ فُرُوعِهِمْ أَنَّ الْأَقْرَبِيَّةَ إنَّمَا تُقَدَّمُ إذَا لَمْ يَكُونُوا وَارِثِينَ كُلُّهُمْ فَأَمَّا إذَا كَانُوا كَذَلِكَ فَلَا كَالْأُمِّ وَالْعَمِّ أَوْ الْجَدِّ لِقَوْلِهِمْ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْعِ الْمُشْكِلِ أَنْ تَكُونَ عَلَى الْأُمِّ وَالْعَمِّ أَثْلَاثًا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَارِثٌ، وَقَدْ سَقَطَ أَبُو الْأُمِّ بِالْأُمِّ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ فَتَأَمَّلْ يَظْهَرُ لَك الْأَمْرُ أَقُولُ: وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ الْمُؤَلِّفُ مِنْ قَوْلِهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَلِأَبَوَيْهِ إلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ إنَّمَا هُوَ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْمِيرَاثُ إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ هُنَاكَ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ.

ثُمَّ قَالَ الرَّمْلِيُّ، وَقَدْ سُئِلْتُ عَنْ يَتِيمَةٍ لَهَا أُمٌّ وَخَالٌ وَأَوْلَادُ عَمٍّ فَأَجَبْت بِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الْأُمِّ خَاصَّةً لَا عَلَى الْخَالِ وَلَا عَلَى أَوْلَادِ الْعَمِّ أَمَّا الْخَالُ فَإِنَّهُ لَا إرْثَ لَهُ مَعَ الْأُمِّ مَعَ كَوْنِهَا أَقْرَبَ مِنْهُ فَلَا وَجْهَ لِاشْتِرَاكِهَا مَعَهَا فِي النَّفَقَةِ بِخِلَافِ الْعَمِّ فَإِنَّهُ يَرِثُ مَعَهَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي كُتُبِهِمْ عَامَّةً مِنْ عَدَمِ مُشَارَكَةِ أَبِ الْأُمِّ مَعَهَا فَكَيْفَ الْخَالُ مَعَ أَنَّ أَبَ الْأُمِّ لَوْ اجْتَمَعَ مَعَ الْخَالِ قُدِّمَ أَبُو الْأُمِّ بِلَا شُبْهَةٍ فَعَلِمْنَا قَطْعًا بِأَنَّ الْخَالَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مَعَ الْأُمِّ بِالْأَوْلَى وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْمِنْهَاجِ الْحَنَفِيِّ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ أُمٌّ مُوسِرَةٌ وَجَدٌّ مُوسِرٌ وَلَا أَبَ لَهُ فَنَفَقَتُهُ عَلَى الْأُمِّ وَالْجَدِّ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمَا، وَكَذَلِكَ الْعَمُّ مَعَ الْأُمِّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعَصَبَةِ سِوَاهُمَا مَعَهَا وَإِنْ كَانَ لِلصَّغِيرِ ابْنُ عَمٍّ مُوسِرٌ وَخَالٌ مُوسِرٌ فَنَفَقَتُهُ عَلَى خَالِهِ اهـ.

فَمَفْهُومُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَصَبَةِ مَعَهَا لَا يُشَارِكُهَا وَالْخَالُ لَيْسَ عَصَبَةً فَلَا يُشَارِكُهَا وَمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ فَقَدْ أُبْعِدَ عَنْ الْفَهْمِ جِدًّا وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ لِمَا وَجَدْتُ مِنْ إفْتَاءِ بَعْضِ الْمُفْتِينَ بِهَذَا الْعَصْرِ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ اجْتَمَعَ الْعَمُّ وَالْخَالُ فَهِيَ عَلَى الْعَمِّ فَبِالْأَوْلَى إذَا اجْتَمَعَ مَعَ الْأُمِّ الْخَالُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي وَجْهِ الْإِشْكَالِ، وَأَمَّا ابْنُ الْعَمِّ فَلِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ انْفَرَدَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَوْلُهُ: عَلَى جَدِّ الْأَبِ) صَوَابُهُ عَلَى الْجَدِّ أَبِي الْأَبِ؛ لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي لَهُ لِلصَّغِيرِ.

(قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ تَجِبُ عَلَيْهِمَا أَثْلَاثًا بِخِلَافِ الْأَبِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى الْجَدِّ كُلَّهَا وَهُوَ أَلْيَقُ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ يُلْحِقُ الْجَدَّ بِالْأَبِ مُطْلَقًا حَتَّى قَالَ الْجَدُّ أَوْلَى مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ. اهـ.

فَعَلَى مَا رَوَى الْحَسَنُ الْجَدُّ كَالْأَبِ فِيهَا اهـ.

أَقُولُ: وَعَلَّلَ فِي الذَّخِيرَةِ لِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ اتِّصَالَ النَّافِلَةِ بِالْجَدِّ كَاتِّصَالِهِ بِالْأَخِ بِوَاسِطَةِ الْأَبِ وَفِي الْأَخِ وَالْأُمِّ النَّفَقَةُ عَلَيْهِمَا كَإِرْثِهِمَا فَكَذَا فِي الْجَدِّ وَالْأُمِّ.

(قَوْلُهُ: كَالْأَبِ فِيهَا) أَيْ فِي النَّفَقَةِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارًا بِالْمِيرَاثِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأُمَّ وَسَائِرَ الْأَقَارِبِ لَيْسَ لَهُمْ بَيْعُ شَيْءٍ اتِّفَاقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ فِي الْأَقْضِيَةِ جَوَازُ بَيْعِ الْأَبَوَيْنِ وَهَكَذَا الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ وَبِتَقْدِيرِ الِاتِّفَاقِ فَتَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِيهَا أَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ لَكِنْ لِنَفَقَتِهِمَا فَأُضِيفَ الْبَيْعُ إلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ بَيْعِ الْأَبِ يُصْرَفُ الثَّمَنُ إلَيْهِمَا، وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ جَوَازَ بَيْعِ الْأُمِّ بَعِيدٌ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ. اهـ. قُلْتُ: وَمِثْلُهُ فِي الذَّخِيرَةِ.

(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ مُطْلَقًا) قَالَ فِي النَّهْرِ يَعْنِي لِلنَّفَقَةِ وَإِلَّا فَسَيَأْتِي أَنَّ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الشُّرُوطِ الْآتِيَةِ

ص: 231

لَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ مُطْلَقًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَبِ بَيْعُ عَرْضِ ابْنِهِ لِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ سِوَى النَّفَقَةِ اتِّفَاقًا وَاسْتَشْكَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْبَيْعُ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَهُ ذَلِكَ فَمَا الْمَانِعُ مِنْهُ لِأَجْلِ دَيْنٍ آخَرَ وَأَجَابَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تُشْبِهُ سَائِرَ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فَلَا يَجُوزُ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ فَإِنَّهَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَإِنَّمَا قَضَى الْقَاضِي إعَانَةً فَجَازَ بَيْعُ الْأَبِ لِعَدَمِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ اهـ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ لِلنَّفَقَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ الزِّيَادَةَ عَلَى ذَلِكَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيْعِ الْعَرْضِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِغَيْبَتِهِ؛ لِأَنَّ الِابْنَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَيْسَ لِلْأَبِ الْبَيْعُ إجْمَاعًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ لِلنَّفَقَةِ وَلَمْ يَقُلْ لِنَفَقَتِهِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ يَبِيعُ لِنَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ أُمِّ الْغَائِبِ وَإِنْ كَانَتْ الْأُمُّ لَا تَمْلِكُ الْبَيْعَ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْأَبَ يَمْلِكُ الْبَيْعَ وَالْأُمَّ لَا تَمْلِكُ، وَلَكِنْ بَعْدَ مَا بَاعَ فَالثَّمَنُ يُصْرَفُ إلَيْهِمَا فِي نَفَقَتِهِمَا اهـ.

وَاحْتَرَزَ بِالْأَبِ أَيْضًا عَنْ الْقَاضِي؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ عِنْدَ الْكُلِّ لَا فِي الْعُرُوضِ وَلَا فِي الْعَقَارِ وَلَا فِي النَّفَقَةِ وَلَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ، يُرِيدُ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ السَّبَبُ مَعْلُومًا لِلْحَاكِمِ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا، وَلَكِنْ حَاجَةُ الْأَبِ لَمْ تَكُنْ مَعْلُومَةً أَوْ إنْ كَانَتْ مَعْلُومَةً إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الِابْنَ أَعْطَاهَا النَّفَقَةَ وَفِي هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا لَا يَبِيعُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْقَاضِي وَصَرَفَ الثَّمَنَ إلَيْهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الثَّمَنُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَ بِأَمْرِ الْقَاضِي فَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْغَائِبُ فَلِذَا لَا يَبِيعُهُ الْقَاضِي، وَلَكِنْ يُفَوِّضُ الْأَمْرَ إلَى الْأَبِ وَيَقُولُ لَهُ إنْ كُنْتَ صَادِقًا فِيمَا تَدَّعِي وَإِلَّا فَلَا آمُرُك بِشَيْءٍ وَهُوَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَتَضَرَّرُ الْغَائِبُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنْفَقَ مُودَعُهُ عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرٍ ضَمِنَ) أَيْ الْمُودَعُ مَا أَنْفَقَهُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ؛ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْهُ فِي الْحِفْظِ لَا غَيْرُ وَالْمُودَعُ لَيْسَ بِقَيْدٍ؛ لِأَنَّ مَدْيُونَ الْغَائِبِ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْأَبَوَانِ لَيْسَا بِقَيْدٍ، بَلْ الْإِنْفَاقُ عَلَى الزَّوْجَةِ بِلَا أَمْرٍ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، وَكَذَا عَلَى الْأَوْلَادِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ بِلَا أَمْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِأَمْرِ الْغَائِبِ فَلَا إشْكَالَ، وَكَذَا إذَا كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ مُلْزِمٌ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَفَقَةُ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَقَضَاؤُهُ إعَانَةٌ لَهُمْ فَحَسْبُ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَعِنْدَ أَمْرِ الْقَاضِي لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ وَالزَّوْجَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ وَفَرَضَ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ إلَى آخِرِهِ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْمُودَعَ لَوْ قَضَى دَيْنَ الْمُودَعِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا وَلَمْ يُضَمِّنْهُ الْحَاكِمُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَالصَّحِيحُ الضَّمَانُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْوَدِيعَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَطْلَقَهُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَلَوْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ هُنَا بِقَضَاءِ الدَّيْنِ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ كَمَا قَدَّمْنَا الْفَرْقَ وَإِنَّمَا عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالضَّمَانِ دُونَ الْحُرْمَةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ فِي الْقَضَاءِ، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَوْ مَاتَ الْغَائِبُ حَلَّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ غَيْرَ الْإِصْلَاحِ، وَكَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الضَّمَانِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَمْكَنَ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي أَوْ لَا لَكِنْ نَقَلُوا عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا أَمْكَنَ أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ فَلَا ضَمَانَ اسْتِحْسَانًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَشَايِخُنَا فِي رَجُلَيْنِ كَانَا فِي سَفَرٍ فَأُغْمِيَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَنْفَقَ الْآخَرُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا إذَا مَاتَ فَجَهَّزَهُ صَاحِبُهُ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنْ اسْتِحْسَانًا، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ فِي التِّجَارَةِ إذَا مَاتَ مَوْلَاهُ فَأَنْفَقَ فِي الطَّرِيقِ لَمْ يَضْمَنْ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَشَايِخِ بَلْخٍ إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ أَوْقَافٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مُتَوَلٍّ فَقَامَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَأَنْفَقَ عَلَى الْمَسْجِدِ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْحُصُرِ وَالْحَشِيشِ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 232

وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ تَلَامِذَتِهِ فَبَاعَ مُحَمَّدٌ كُتُبَهُ وَأَنْفَقَ فِي تَجْهِيزِهِ فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ إلَى أَحَدٍ فَتَلَا مُحَمَّدٌ قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] فَمَا كَانَ عَلَى قِيَاسِ هَذَا الْأَصْلِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى اسْتِحْسَانًا أَمَّا فِي الْحُكْمِ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَكَذَا الْوَرَثَةُ الْكِبَارُ إذَا أَنْفَقُوا عَلَى الصِّغَارِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَصِيٌّ فَإِنَّهُمْ مُتَطَوِّعُونَ حُكْمًا، وَأَمَّا دِيَانَةً فَإِنَّهُمْ مُحْسِنُونَ وَيَسَعُهُمْ أَنْ يُقِرُّوا بِمَا فَضَلَ مِنْ نَصِيبِ الصِّغَارِ فَقَطْ، وَلَوْ حَلَفُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَنَظِيرُهُ إذَا عَرَفَ الْوَصِيُّ الدَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ فَقَضَاهُ وَلَمْ يُقِرَّ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْقَاضِي وَلَا الْوَرَثَةُ وَلَا يَأْثَمُ.

وَكَذَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عِنْدَ رَجُلٍ وَدِيعَةٌ وَعَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ مِثْلُهَا دَيْنٌ وَالْمُودَعُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ وَلَمْ يَقْبِضْ دَيْنَهُ وَسِعَ الْمُودَعَ أَنْ يَقْضِيَ ذَلِكَ الدَّيْنَ بِمَالِهِ وَلَا يَقْرَبَهُ، وَكَذَا إذَا كَانَ لِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ دَيْنٌ وَعَلَى عَمْرٍو مِثْلُ ذَلِكَ الدَّيْنِ لِرَجُلٍ آخَرَ فَمَاتَ عَمْرٌو وَزَيْدٌ يَعْرِفُ أَنَّ عَمْرًا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ يَسَعُ لِزَيْدٍ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ عَمْرٍو بِمَا لِعَمْرٍو عَلَى زَيْدٍ وَلَا يُخْبِرَ وَرَثَتَهُ بِذَلِكَ اهـ.

وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَخَذَ الرَّايَةَ وَتَأَمَّرَ مِنْ غَيْرِ تَأْمِيرٍ لِأَجْلِ الْإِصْلَاحِ ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ هَلْ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ عِنْدَ ضَمَانِهِ وَقَالُوا لَا رُجُوعَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْمُودَعَ مَلَكَ الْمَدْفُوعَ بِالضَّمَانِ فَكَانَ مُتَبَرِّعًا بِمِلْكِ نَفْسِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ وَبَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَيْهِمْ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَعَدَمِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِمْ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِيهِمَا وَلَمْ أَرَ أَنَّهُ إذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ بِلَا أَمْرٍ، ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ لِظُهُورِ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ إبْرَاءٌ لَهُ مِنْ الضَّمَانِ، وَلِقَوْلِهِمْ إنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَنْفَقَا مَا عِنْدَهُمَا لَا) أَيْ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا اسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا مَرَّ، وَقَدْ أَخَذَا جِنْسَ الْحَقِّ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِ الِابْنِ، ثُمَّ خَاصَمَهُ الِابْنُ فَقَالَ أَنْفَقْتَهُ وَأَنْتَ مُوسِرٌ، وَقَالَ الْأَبُ أَنْفَقْتُهُ وَأَنَا مُعْسِرٌ قَالَ اُنْظُرْ إلَى حَالِ الْأَبِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ اسْتِحْسَانًا فِي نَفَقَةِ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الِابْنِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الِابْنِ اهـ.

وَحُكْمُ الزَّوْجَةِ وَالْوَلَدِ كَالْأَبَوَيْنِ إذَا أَنْفَقَا مَا عِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ الْعَاجِزِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بِالْإِنْفَاقِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ وَالزَّوْجَةِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ حَتَّى إذَا ظَفِرَ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ بِجِنْسِ حَقِّهِمْ كَانَ لَهُ الْأَخْذُ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَأَمَّا نَفَقَةُ سَائِرِ الْأَقَارِبِ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا حَتَّى لَوْ ظَفِرَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَقَارِبِ بِجِنْسِ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْأَخْذُ إلَّا بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا؛ وَلِذَا يَفْرِضُ الْقَاضِي فِي مَالِ الْغَائِبِ نَفَقَةَ الْأَوَّلَيْنِ فَقَطْ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْوِلَادِ وَالْقَرِيبِ وَمَضَتْ مُدَّةٌ سَقَطَتْ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ تَجِبُ كِفَايَةً لِلْحَاجَةِ حَتَّى تَجِبَ مَعَ الْيَسَارِ، وَقَدْ حَصَلَتْ الْكِفَايَةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ إذَا قَضَى بِهَا الْقَاضِي؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَأْثَمُ وَمُقْتَضَى وُجُوبِهَا أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهَا إذَا طَلَبَهَا صَاحِبُهَا وَامْتَنَعَ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ؛ وَلِذَا لَيْسَ لِمَنْ هِيَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا وَصَرَّحَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالْقَضَاءِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا وَاسْتَشْكَلَهُ السُّرُوجِيُّ فِي الْغَايَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمْ جَعَلُوا الْقَاضِيَ نَفْسَهُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ هَذِهِ النَّفَقَةَ وَالْقَاضِي لَيْسَ بِمُشَرِّعٍ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَانْقَطَعَ مِنْ بَعْدِهِ فَهُوَ مُشْكِلٌ جِدًّا وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ الطَّرَسُوسِيُّ فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ، وَقَالَ لِمَ قِيلَ إنَّ الْوُجُوبَ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] فَقَضَاءُ الْقَاضِي إعَانَةٌ لَهُ كَمَا فِي نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ كَيْفَ وَأَنَّهُمْ قَدْ اسْتَدَلُّوا فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ وَلَا يُعَكَّرُ عَلَى هَذَا اخْتِلَافُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْوَرَثَةُ الْكِبَارُ إلَخْ) ذَكَرَ فِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ الْأَخَ الْكَبِيرَ مَعَ الْأَخِ الصَّغِيرِ إذَا وَرِثَا مَالًا وَفِي الْبَلَدِ قَاضٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَأَنْفَقَ الْأَخُ مِنْ نَصِيبِ الْأَخِ الصَّغِيرِ عَلَيْهِ يَضْمَنُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَكَتَبْت فِي آخِرِهَا كَرَاهِيَةَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِنْفَاقَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ تَأْوِيلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْإِنْفَاقُ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ وَفِي هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِ نَصِيبِ الْأَخِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْأَخَ فِي حِجْرِهِ وَالْمَالُ دَرَاهِمُ وَيَحْتَاجُ إلَى شِرَاءِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ النَّفَقَةُ وَالْأَخُ الْكَبِيرُ يَمْلِكُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ فِي حِجْرِهِ وَإِلَّا فَلَا فَيَصِيرُ حَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ إذَا كَانَ طَعَامًا يُنْفِقُ سَوَاءٌ كَانَ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَا وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ إنْ كَانَ فِي حِجْرِهِ يَمْلِكُ شِرَاءَ الطَّعَامِ وَالنَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ لَا يَمْلِكُ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ الْقَاضِي وَصِيًّا كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

ص: 233

الْعُلَمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَسَائِلَ الِاخْتِلَافِيَّةَ يُعْمَلُ فِيهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ وَلَا يَكُونُ الِاخْتِلَافُ مُؤَثِّرًا فِي عَدَمِ الْقَبُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا قَبْلَ الْقَضَاءِ كَمَا قُلْنَا فِي نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ إنَّهُ يَقْضِي بِهَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالْقَضَاءُ إعَانَةٌ لَا أَنَّ تَعْيِينَ الْقَاضِي مُثْبِتٌ لَهَا، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمَسَائِلِ الْخِلَافِيَّةِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُوجِبُ لِفِرَارِهِمْ مِنْ هَذَا اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الطَّلَبُ وَالْخُصُومَةُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي فِي نَفَقَةِ غَيْرِ الْوِلَادِ فَلَا تَجِبُ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ بِدُونِ قَضَاءِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الطَّلَبِ وَالْخُصُومَةِ اهـ.

وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الطَّلَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي لَا يَكُونُ مُوجِبًا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُدَّةِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِالْكَثِيرَةِ أَمَّا الْقَلِيلَةُ فَلَا تَسْقُطُ وَهِيَ مَا دُونَ الشَّهْرِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَتَبِعَهَا الشَّارِحُونَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَتْ بِالْمُدَّةِ الْيَسِيرَةِ لَمَا أَمْكَنَهُمْ اسْتِيفَاؤُهَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَكَيْفَ لَا تَصِيرُ الْقَصِيرَةُ دَيْنًا وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْقَضَاءِ، وَلَوْ لَمْ تَصِرْ دَيْنًا لَمْ يَكُنْ بِالْأَمْرِ بِالْقَضَاءِ فَائِدَةٌ، وَلَوْ كَانَ كُلَّمَا مَضَى سَقَطَ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاءُ شَيْءٍ وَمِثْلُ هَذَا قَدَّمْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمَفْرُوضَةِ مِنْ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي نَفَقَةِ الْوِلَادِ فَشَمِلَ الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ وَاسْتَثْنَى فِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْحَاوِي وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَى الْأَبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِخِلَافِ نَفَقَةِ سَائِرِ الْأَقَارِبِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ، وَإِذَا فَرَضَ نَفَقَةَ الْأَبِ أَوْ الِابْنِ فَلَمْ يَقْبِضْ سِنِينَ، ثُمَّ أَيْسَرَ أَوْ مَاتَ تَبْطُلُ؛ لِأَنَّ هَذَا صِلَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا يَصِيرُ دَيْنًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّ تَعْلِيقَ الْبُطْلَانِ عَلَى الْيَسَارِ أَوْ الْمَوْتِ لَيْسَ بِقَيْدٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ) يَعْنِي فَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَصَارَ إذْنُهُ كَأَمْرِ الْغَائِبِ فَتَصِيرُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَقَدْ أَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِقَيْدٍ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ وَالْإِنْفَاقُ مِمَّا اسْتَدَانَهُ كَمَا قَيَّدَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهِمَا حَتَّى قَالَ الطَّرَسُوسِيُّ وَلَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ هُنَا فِي مَفْهُومِ كَلَامِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ، وَقَالَ إذَا أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَلَمْ يَسْتَدِنْ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ، وَهَذَا غَلَطٌ، بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ اهـ.

قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ فَلَوْ أَنْفَقَ بَعْدَ الْإِذْنِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَظْهَرْ لِي الْمُوجِبُ لِفِرَارِهِمْ مِنْ هَذَا) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ أَقُولُ: لَعَلَّ الْمُوجِبَ لِفِرَارِهِمْ قُوَّةُ الِاخْتِلَافِ فَإِذَا قَوِيَ قَوْلُ الْمُخَالِفِ رَاعَوْا خِلَافَهُ وَاسْتَعَانُوا بِالْحُكْمِ كَمَا فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَخِيَارِ الْبُلُوغِ وَغَيْرِهِمَا اهـ.

وَفِي النَّهْرِ وَأَجَابَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَجِبُ أَيْ لَا يَجِبُ أَدَاؤُهَا أَمَّا نَفْسُ الْوُجُوبِ فَثَابِتٌ عِنْدَنَا وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ يَكُونُ إيجَابًا مُبْتَدَأٌ أَيْ لِلْأَدَاءِ إلَّا أَنَّ مُقْتَضَاهُ جَوَازُ أَخْذِ شَيْءٍ ظَفِرُوا بِهِ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. اهـ.

وَقَالَ الرَّمْلِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا تَجِبُ أَيْ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْقَضَاءِ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً قَبْلَهُ، وَقَدْ يَلْزَمُ الشَّيْءُ وَلَا يَجِبُ كَالدَّيْنِ اللَّازِمِ ذِمَّةَ الْمُعْسِرِ لَا يَلْزَمُ مِنْ لُزُومِهِ ذِمَّتَهُ وُجُوبُ أَدَائِهِ عَلَيْهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ اللُّزُومِ وَالْوُجُوبِ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ، وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْقَضَاءِ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَبَيْنَ الْقَضَاءِ بِالْمُخْتَلَفِ فِيهِ فَالْأَوَّلُ يَعْمَلُ فِيمَا سَبَقَ وَفِيمَا لَحِقَ كَالْقَضَاءِ بِأَنَّ فُلَانًا مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ كَاشِفٌ وَالثَّانِي لَا يَعْمَلُ فِيمَا مَضَى وَيَعْمَلُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ كَالْقَضَاءِ بِدُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ فِي الْوَقْفِ عَلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ بَعْدَ مُضِيِّ سِنِينَ، وَكَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْفُرُوعِ، وَلَوْ تَسَاوَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ وَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ لَمَا صَحَّ لَهُمْ فَرْضٌ بَيْنَهُمَا فَالْقَضَاءُ فِي الْمُخْتَلَفِ يُصَيِّرُهُ عَلَى الْوِفَاقِ، وَالْآيَةُ الشَّرِيفَةُ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهَا وَارِثَ الصَّبِيِّ مِمَّنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ أَوْ عِصَابَةٍ أَوْ وَارِثَ الْأَبِ وَهُوَ الصَّبِيُّ أَيْ تُمَأَّنُ الْمُرْضِعَةُ مِنْ مَالِهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ تَكُنْ الْآيَةُ نَصًّا فِي الْمُدَّعِي؛ وَلِذَلِكَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ حِلُّ التَّنَاوُلِ لِوُقُوعِ الشُّبْهَةِ بِالِاخْتِلَافِ وَهِيَ فِي بَابِ الْحُرْمَةِ فَنُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ خُصُوصًا فِي الْأَمْوَالِ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي تَرْتَفِعُ الشُّبْهَةُ وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرٌ يَعْرِفُهَا مَنْ لَهُ مُمَارَسَةٌ بِالْفِقْهِ تَأَمَّلْ. اهـ. وَهُوَ نَظِيرُ جَوَابِ الْمَقْدِسِيَّ.

(قَوْلُهُ: وَاسْتَثْنَى فِي الذَّخِيرَةِ بِالِاسْتِدَانَةِ إلَخْ) أَقُولُ: مَا يَذْكُرُ الْمُؤَلِّفُ بَعْدَ أَسْطُرٍ عَنْ الذَّخِيرَةِ يُخَالِفُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ تَأَمَّلْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: بَلْ مَعْنَى الْكَلَامِ أَذِنَ الْقَاضِي فِي الِاسْتِدَانَةِ وَاسْتَدَانَ) هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْقَيْدَ الْمَتْرُوكَ هُوَ الِاسْتِدَانَةُ بَعْدَ الْأَمْرِ بِهَا لَا الْإِنْفَاقُ مِمَّا اسْتَدَانَ وَفِي النَّهْرِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا وَقَعَتْ الِاسْتِدَانَةُ بِالْفِعْلِ حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنْ أَنَّهُ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِالْإِنْفَاقِ وَعَزَاهُ إلَى النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا فَفِيهِ نَظَرٌ إذْ لَا أَثَرَ لِإِنْفَاقِهِ مِمَّا اسْتَدَانَهُ حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ بَعْدَمَا اسْتَدَانَ مِنْ مَالٍ آخَرَ وَوَفَّى مِمَّا اسْتَدَانَهُ لَمْ تَسْقُطْ أَيْضًا وَالْمَذْكُورُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ الْجَامِعِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمَحَارِمِ تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ وَلَا تَسْقُطُ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَبْلَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ إذَا اسْتَدَانَ لِنَقْضِيَ لَهُ بِالنَّفَقَةِ وَأَنْفَقَ فَكَانَتْ الْحَاجَةُ قَائِمَةً لِقِيَامِ الدَّيْنِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي غَيْرِهِ إذَا أَنْفَقَ مِنْ غَيْرِ الِاسْتِدَانَةِ، بَلْ أَكَلَ مِنْ الصَّدَقَةِ أَوْ بِالْمَسْأَلَةِ وَإِلَيْهِ مَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ

ص: 234

بِالِاسْتِدَانَةِ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ اهـ.

وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي نَفَقَةِ الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ أَنَّهُمْ إذَا أَكَلُوا مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ فَلَا رُجُوعَ لِأُمِّهِمْ عَلَى الْأَبِ بِشَيْءٍ فَلَوْ أُعْطُوا نِصْفَ الْكِفَايَةِ وَاسْتَدَانَتْ الْأُمُّ لَهُمْ النِّصْفَ رَجَعَتْ بِمَا اسْتَدَانَتْ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ سُقُوطِهَا بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَلَى الصَّحِيحِ، بَلْ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَأَنَّ دَيْنَهَا حِينَئِذٍ مَانِعٌ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ لَهُ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ نَفَقَةً وَلِأُمِّهِمْ مَالٌ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الزَّوْجِ اهـ.

وَلَمْ يَشْتَرِطْ الِاسْتِدَانَةَ وَلَا الْإِذْنَ بِهَا فَيُفَرِّقُ بَيْنَ مَا إذَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِهَا وَبَيْنَ مَا إذَا أَكَلُوا مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ الْأُمُّ لِلْقَاضِي افْرِضْ نَفَقَةَ هَذَا الصَّغِيرِ عَلَى أَبِيهِ وَمُرْنِي حَتَّى أَسْتَدِينَ عَلَيْهِ فَفَعَلَهُ الْقَاضِي فَإِذَا اسْتَدَانَتْ عَلَيْهِ وَأَيْسَرَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ لَا تَأْخُذُهُ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي الصَّحِيحِ وَإِنْ أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مِنْ النَّاسِ لَا تَرْجِعُ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا فِي نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ اهـ.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ الْمَحْرَمِ بِشُرُوطِهِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ بِخِلَافِ الْمُمْتَنِعِ

ــ

[منحة الخالق]

وَقِيلَ مَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ وَمَا فِي الْجَامِعِ إذَا قَصُرَتْ.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ الِاسْتِدَانَةَ وَلَا الْإِذْنَ بِهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا لَا يُقَالُ إذَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا فَكَيْفَ يُنَاسِبُ ذِكْرَ الِاسْتِدَانَةِ تَأَمَّلْ. اهـ.

يَعْنِي: قَوْلَهُ تُجْبَرُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُلْزِمُهَا بِأَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا لِتَرْجِعَ عَلَى زَوْجِهَا قَالَ الْمَقْدِسِيَّ قُلْتُ: إذَا أُجْبِرَتْ عَلَى الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ كَانَ ذَلِكَ مُتَضَمِّنًا لِلْإِذْنِ فَتَرْجِعُ بِهِ وَلَيْسَ فِي أَكْلِهِمْ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ، بَلْ عَلَى ضِدِّهِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَتْ الْأُمُّ لِلْقَاضِي إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ ظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّهُ فَهِمَ مُخَالَفَتَهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ مَا فِي الْخَانِيَّةِ فِيمَا إذَا أَمَرَهَا الْقَاضِي أَنْ تُنْفِقَ مِنْ مَالِهَا وَتَرْجِعَ وَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ أَمَرَهَا بِالِاسْتِدَانَةِ لَا بِالْإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهَا وَأَمْرُ الْقَاضِي يَلْزَمُ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ فَإِذَا فَعَلَتْ مَا أَمَرَهَا الْقَاضِي تَرْجِعُ وَإِنْ خَالَفَتْ لَا تَرْجِعُ تَأَمَّلْ أَقُولُ: وَإِذَا أَمَرَهَا الْأَبُ بِأَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ وَتَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَتْ عَلَيْهِ جَازَ فَإِذَا أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ وَأَنْفَقَتْ عَلَيْهِ تَرْجِعُ فِي تَرِكَتِهِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي، وَهَذَا ظَاهِرٌ قُلْتُهُ تَفَقُّهًا وَيُعْلَمُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَمْرِ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الصَّحِيحَ الرُّجُوعُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ الرُّجُوعُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ الرُّجُوعَ رَجَعَ تَأَمَّلْ، ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ قَالَ وَفِي الْمُضْمَرَاتِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا كَانَ الْأَبُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ وَلَا مَالَ لَهُ وَلَا لِلصَّغِيرِ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ يَفْرِضُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ وَاجِدًا لِلنَّفَقَةِ فَامْتَنَعَ عَنْ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَوْلَادِ فَإِنَّهُ يَفْرِضُ نَفَقَةَ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَبِ، ثُمَّ يَأْمُرُ الْمَرْأَةَ بِالِاسْتِدَانَةِ حَتَّى يَثْبُتَ لَهَا حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَبِ.

وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهَا هَذِهِ النَّفَقَةَ هَلْ لَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ إنْ تَرَكَ مَالًا ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي نَفَقَاتِهِ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ اسْتِدَانَةَ الْمَرْأَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ كَامِلَةٌ بِمَنْزِلَةِ اسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَدَانَ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ مَاتَ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّيْنُ كَذَا هُنَا. اهـ.

وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدْ عَزَاهَا صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ لِلْحَاوِي، وَكَذَلِكَ عَزَاهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِلْحَاوِي وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ أَنَّ تَصْحِيحَ الْخَصَّافِ لَا يُصَادِمُ تَصْحِيحَ الْأَصْلِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالنِّسَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ اهـ

أَيْ: تَصْحِيحُ الْأَصْلِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ مِنْ كُتُبِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَالْمُعْتَمَدُ الرُّجُوعُ فِي تَرِكَتِهِ وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ، وَلَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ الْمُسْتَدَانَةُ بِإِذْنٍ لَمْ تَسْقُطْ فِي الصَّحِيحِ فَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَإِنْ صَحَّحَ فِي الْخُلَاصَةِ خِلَافَهُ اهـ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ نَفَقَةِ الْقَرِيبِ إلَى قَوْلِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ) أَقُولُ: هَذَا سَهْوٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْشَأَهُ سَقَطُ بَعْضِ الْكَلَامِ مِنْ نُسْخَتِهِ الْبَدَائِعِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا وَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ كَمَا يُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ أَمَّا غَيْرُ الْأَبِ فَلَا شَكَّ فِيهِ، وَأَمَّا الْأَبُ فَيُحْبَسُ فِي نَفَقَةِ الْوَلَدِ وَلَا يُحْبَسُ فِي سَائِرِ دُيُونِهِ؛ لِأَنَّ إيذَاءَ الْأَبِ حَرَامٌ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْحَبْسِ إيذَاؤُهُ إلَّا أَنَّ فِي النَّفَقَةِ ضَرُورَةً وَهِيَ دَفْعُ الْهَلَاكِ عَنْ الْوَلَدِ إذْ لَوْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ لَهَلَكَ فَكَانَ بِالِامْتِنَاعِ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ كَالْقَاصِدِ إهْلَاكَهُ فَدُفِعَ قَصْدُهُ بِالْحَبْسِ وَيَتَحَمَّلُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الْإِيذَاءِ لِهَذِهِ الضَّرُورَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ

؛ وَلِأَنَّ هَا هُنَا ضَرُورَةً أُخْرَى وَهِيَ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ أَعْنِي النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَتَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى الِاسْتِدْرَاكِ بِالْحَبْسِ

؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَوْ لَمْ يُحْبَسْ يَفُوتُ حَقُّهُمْ رَأْسًا فَشُرِعَ الْحَبْسُ فِي حَقِّهِ لِضَرُورَةِ اسْتِدْرَاكِ الْحَقِّ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الْفَوَاتِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى التَّدَارُكِ بِالْحَبْسِ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ الْقَسَمِ يُضْرَبُ وَلَا يُحْبَسُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُ هَذَا الْحَقِّ بِالْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ فَيُسْتَدْرَكُ بِالضَّرْبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْحُقُوقِ اهـ. كَلَامُ الْبَدَائِعِ وَسَيَأْتِي

ص: 235