الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تُنْفِقَ عَلَيْهَا رِعَايَةً لِجَانِبِ الشَّرِيكِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ أَوْصَى بِنَخْلٍ لِوَاحِدٍ وَبِثَمَرَةٍ لِآخَرَ فَالنَّفَقَةُ عَلَى صَاحِبِ الثَّمَرَةِ وَفِي التِّبْنِ وَالْحِنْطَةِ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ شَيْءٌ فَالنَّفَقَةُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَهُمَا اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ قِيمَةِ مَا يَحْصُلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَإِلَّا يَلْزَمُ ضَرَرُ صَاحِبِ الْقَلِيلِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِمْ فِي السِّمْسِمِ إذَا أَوْصَى بِدُهْنِهِ لِوَاحِدٍ وَبِثَجِيرِهِ لِآخَرَ أَنَّ النَّفَقَةَ عَلَى مَنْ لَهُ الدُّهْنُ لِعَدِّهِ عَدَمًا وَإِنْ كَانَ قَدْ يُبَاعُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ فِي دِيَارِنَا؛ لِأَنَّ الثَّجِيرَ يُبَاعُ لِعَلْفِ الْبَقَرِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَا أَقُولُ: فِيمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ ذَبَحَ شَاةً فَأَوْصَى بِلَحْمِهَا لِوَاحِدٍ وَبِجِلْدِهَا لِآخَرَ فَالتَّخْلِيصُ عَلَيْهِمَا كَالْحِنْطَةِ وَالتِّبْنِ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْحَاصِلِ لَهُمَا وَقَبْلَ الذَّبْحِ أُجْرَةُ الذَّبْحِ عَلَى صَاحِبِ اللَّحْمِ لَا الْجِلْدِ اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى الْعَبْدُ إذَا أَقْتَرَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ فِي نَفَقَتِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ لَكِنْ يَكْتَسِبُ وَيَأْكُلُ إلَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا أَوْ جَارِيَةً أَوْ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي الْكَسْبِ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ مَوْلَاهُ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ، وَلَوْ تَنَازَعَا فِي عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ فِي أَيْدِيهِمَا يُجْبَرَانِ عَلَى نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةُ الدَّابَّةِ الْمُسْتَأْجَرَةِ عَلَى الْآجِرِ، وَإِذَا شَرَطَ الْعَلْفَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَمْ يَضْمَنْ إنْ لَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ؛ لِأَنَّ بَدَلَ الْمَنَافِعِ تَعُودُ إلَى مَالِكِ الرَّقَبَةِ وَمَنْ رَكِبَ فَرَسًا حَبِيسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّهُ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ لَهُ الْمَنْفَعَةُ أَوْ بَدَلُهَا فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا أَوْ لَا اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَجُوزُ وَضْعُ الضَّرِيبَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا، بَلْ إنْ اتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ اهـ.
وَقَيَّدْنَا الَّذِي لَا كَسْبَ لَهُ بِأَنْ يَكُونَ زَمِنًا إلَى آخِرِهِ تَبَعًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَلًا إذَا كَانَ صَحِيحًا غَيْرَ عَارِفٍ بِصِنَاعَةٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ فِي بَعْضِ الْأَعْمَالِ كَحَمْلِ شَيْءٍ وَتَحْوِيلِ شَيْءٍ كَمُعِينِ الْبَنَّاءِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ نَقْلًا عَنْ الْكَافِي فِي نَفَقَةِ ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُبُوتُهُ هُنَا أَوْلَى، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا زَمِنًا أَوْ مُقْعَدًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهُ عَنْ الْمَوْلَى وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ اهـ. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(كِتَابُ الْعِتْقِ)
ذَكَرَهُ عَقِيبَ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إسْقَاطُ الْحَقِّ وَقَدَّمَ الطَّلَاقَ لِمُنَاسَبَةِ النِّكَاحِ، ثُمَّ الْإِسْقَاطَاتُ أَنْوَاعٌ تَخْتَلِفُ أَسْمَاؤُهَا بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا فَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الرِّقِّ عِتْقٌ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْبُضْعِ طَلَاقٌ وَإِسْقَاطُ مَا فِي الذِّمَّةِ بَرَاءَةٌ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْجِرَاحَاتِ عَفْوٌ، وَالْإِعْتَاقُ فِي اللُّغَةِ الْإِخْرَاجُ عَنْ الْمِلْكِ يُقَالُ أَعْتَقَهُ فَعَتَقَ وَالْعِتْقُ الْخُرُوجُ عَنْ الْمِلْكِ يُقَالُ مِنْ بَابِ فَعَلَ بِالْفَتْحِ يُفْعِلُ بِالْكَسْرِ عَتَقَ الْعَبْدُ عَتَاقًا إذَا خَرَجَ عَنْ الْمِلْكِ وَعَتَقَتْ الْفَرَسُ إذَا سَبَقَتْ وَنَجَتْ وَعَتَقَ فَرْخُ الْقَطَاةِ إذَا طَارَ وَيُقَالُ عَتَقَ فُلَانٌ بَعْدَ اسْتِعْلَاجٍ إذَا رَقَّتْ بَشَرَتُهُ بَعْدَ غِلَظٍ، وَمَصْدَرُهُ الْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ وَلَيْسَ مِنْهُ الْعَتَاقَةُ بِمَعْنَى الْقِدَمِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ فَعَلَ بِالْفَتْحِ يَفْعُلُ بِالضَّمِّ وَلَيْسَ مِنْهُ الْعِتْقُ بِمَعْنَى الْجَمَالِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَيْضًا وَهُوَ مَضْمُومُ الْعَيْنِ أَيْضًا كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، فَالْعِتْقُ اللُّغَوِيُّ حِينَئِذٍ هُوَ الْعِتْقُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْعِتْقَ فِي اللُّغَةِ الْقُوَّةُ وَفِي الشَّرْعِ الْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَقُولُوا عَتَقَ الْعَبْدُ إذَا قَوِيَ وَإِنَّمَا قَالُوا عَتَقَ الْعَبْدُ إذَا خَرَجَ عَنْ الْمَمْلُوكِيَّةِ وَإِنَّمَا ذَكَرُوا الْقُوَّةَ فِي عِتْقِ الطَّيْرِ وَنَحْوِهِ وَرُكْنُهُ فِي الْإِعْتَاقِ اللَّفْظِيِّ الْإِنْشَائِيِّ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَيْهِ وَفِي الْبَدَائِعِ رُكْنُهُ اللَّفْظُ الَّذِي جُعِلَ دَلَالَةً عَلَى الْعِتْقِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ. اهـ.
وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِبَيَانِ سَبَبِهِ قَالُوا سَبَبُهُ
ــ
[منحة الخالق]
[امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ]
(قَوْلُهُ: وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ مُخَالِفٌ لِلْأَوَّلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ فِي الْمُجْتَبَى ذَكَرَهُ بِرَمْزِ حب بَعْدَ رَمْزِهِ لِلْأَوَّلِ إنَّ، تَأَمَّلْ.
[كِتَابُ الْعِتْقِ]
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَقُولُوا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَعَلَيْهِ جَرَى كَثِيرٌ أَنَّهُ لُغَةً الْقُوَّةُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ فِي الْبَحْرِ يَعُدُّ أَنَّ النَّاقِلَ ثِقَةٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ فِي كَلَامِهِمْ مَا يُفِيدُهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا الرِّقُّ فِي اللُّغَةِ الضَّعْفُ وَمِنْهُ ثَوْبٌ رَقِيقٌ وَصَوْتٌ رَقِيقٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعِتْقَ إزَالَةُ الضَّعْفِ وَإِزَالَتُهُ تَسْتَلْزِمُ الْقُوَّةَ.
الْمُثْبِتُ لَهُ قَدْ يَكُونُ دَعْوَى النَّسَبِ، وَقَدْ يَكُونُ نَفْسَ الْمِلْكِ فِي الْقَرِيبِ، وَقَدْ يَكُونُ الْإِقْرَارُ بِحُرِّيَّةِ عَبْدِ إنْسَانٍ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ عَتَقَ، وَقَدْ يَكُونُ بِالدُّخُولِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فَدَخَلَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَشْعُرْ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا زَوَالُ يَدِهِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَ عَنْ مَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ.
أَمَّا سَبَبُهُ الْبَاعِثُ فَفِي الْوَاجِبِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ وَفِي غَيْرِهِ قَصْدُ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عز وجل، وَأَنْوَاعُهُ أَرْبَعَةٌ وَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ وَمَحْظُورٌ، فَالْوَاجِبُ الْإِعْتَاقِ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْيَمِينِ وَالْإِفْطَارِ إلَّا أَنَّهُ فِي بَابِ الْقَتْلِ وَالظِّهَارِ وَالْإِفْطَارِ وَاجِبٌ عَلَى التَّعْيِينِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَفِي بَابِ الْيَمِينِ وَاجِبٌ عَلَى التَّخْيِيرِ. وَالْمَنْدُوبُ الْإِعْتَاقُ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ إيجَابٍ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَدَبَ إلَى ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ «أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَعْتَقَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ» ؛ وَلِهَذَا اسْتَحَبُّوا أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةُ الْأَمَةَ لِيَتَحَقَّقَ مُقَابَلَةُ الْأَعْضَاءِ بِالْأَعْضَاءِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ حَتَّى يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ، أَمَّا الْمُبَاحُ فَهُوَ الْإِعْتَاقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ، أَمَّا الْمَحْظُورُ فَهُوَ الْإِعْتَاقُ لِوَجْهِ الشَّيْطَانِ وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ شَرَائِطِهِ، وَحُكْمُهُ زَوَالُ الْمِلْكِ أَوْ ثُبُوتُ الْعِتْقِ عَلَى الِاخْتِلَافِ.
(قَوْلُهُ: هُوَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لِلْمَمْلُوكِ) أَيْ الْإِعْتَاقُ شَرْعًا وَالْقُوَّةُ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ قُدْرَتُهُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَأَهْلِيَّتُهُ لِلْوِلَايَاتِ وَالشَّهَادَاتِ وَدَفْعِ تَصَرُّفِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إزَالَةُ الضَّعْفِ الْحُكْمِيِّ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْكُفْرِ وَفِي الْمُحِيطِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يَكْتُبَ لِلْعِتْقِ كِتَابًا وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ شُهُودًا تَوْثِيقًا وَصِيَانَةً عَنْ التَّجَاحُدِ وَالتَّنَازُعِ فِيهِ كَمَا فِي الْمُدَايَنَةِ بِخِلَافِ سَائِرِ التِّجَارَاتِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهَا فَالْكِتَابَةُ فِيهَا تُؤَدِّي إلَى الْحَرَجِ وَلَا كَذَلِكَ الْعِتْقُ
(قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ مِنْ حُرٍّ مُكَلَّفٍ لِمَمْلُوكِهِ بِأَنْتَ حُرٌّ أَوْ بِمَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ وَعَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ وَمُحَرَّرٌ وَحَرَّرْتُك وَأَعْتَقْتُك نَوَاهُ أَوْ لَا) بَيَانٌ لِشَرَائِطِهِ وَصَرِيحِهِ وَحُكْمِ الصَّرِيحِ، أَمَّا شَرَائِطُهُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا ثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ مِنْهَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مَعَ ذِكْرِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ إعْتَاقِ غَيْرِ الْحُرِّ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالِكٍ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَاحْتُرِزَ بِالْمُكَلَّفِ عَنْ عِتْقِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا كَمَا لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَعَنْ عِتْقِ الْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، أَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ فِي حَالَةِ إفَاقَتِهِ عَاقِلٌ وَفِي حَالَةِ جُنُونِهِ مَجْنُونٌ وَخَرَجَ الْمَعْتُوهُ أَيْضًا وَالْمَدْهُوشُ وَالْمُبَرْسَمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالنَّائِمُ فَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُمْ كَمَا لَا يَصِحُّ طَلَاقُهُمْ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ وَأَنَا نَائِمٌ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْته وَأَنَا مَجْنُونٌ بِشَرْطِ أَنْ يُعْلَمَ جُنُونُهُ أَوْ قَالَ وَأَنَا حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَدْ عُلِمَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى زَمَانٍ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْإِعْتَاقُ عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ صِيغَةَ الْإِعْتَاقِ لَا حَقِيقَتَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُعْتَرِفًا بِالْإِعْتَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْته قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ يُخْلَقَ وَخَرَجَ بِاشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لَهُ إعْتَاقُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ الْمُكَاتَبِ لِانْعِدَامِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مَحْرَمًا مِنْهُ أَوْ الْمُكَاتَبُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عَلَيْهِمَا لِعَدَمِ مِلْكِهِمَا وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ إعْتَاقُ عَبْدِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ سَيِّدِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَكِيلَهُ نَعَمْ هُوَ شَرْطٌ لِلنَّفَادِ وَلَيْسَ الْكَلَامُ هُنَا إلَّا فِي الصِّحَّةِ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ لِلْمَمْلُوكِ لَكَانَ أَوْلَى.
لِأَنَّ شَرْطَهُ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ مَمْلُوكًا وَالْمُرَادُ بِالْمَمْلُوكِ الْمَمْلُوكُ رَقَبَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ فَصَحَّ إعْتَاقُ الْمَوْلَى الْمَكَاتِبَ وَالْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَالْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْمَرْهُونَ وَالْمُسْتَأْجَرَ وَالْعَبْدَ الْمُوصَى بِرَقَبَتِهِ لِإِنْسَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِأَنَّهُ مَمْلُوكُهُ حَتَّى لَوْ قَالَ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ أَعْتِقْ رَقَبَةَ هَذَا الْعَبْدِ فَأَعْتَقَهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدُهُ عَتَقَ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَاصِبِ بِشَيْءٍ، وَكَذَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: أَعْتِقْ عَبْدِي هَذَا وَأَشَارَ إلَى الْمَبِيعِ فَأَعْتَقَهُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ إعْتَاقُ عَبْدِ الْغَيْرِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَا يَرِدُ؛ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْوَكِيلَ فِيهِ سَفِيرٌ مَحْضٌ.
الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدُهُ صَحَّ إعْتَاقُهُ وَيُجْعَلُ قَبْضًا وَيَلْزَمُهُ الثَّمَنُ كَمَا فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ فِي بَحْثِ الْقَضَاءِ.
وَأُخْرِجَ بِاشْتِرَاطِ الْمَمْلُوكِيَّةِ عِتْقُ الْحَمْلِ إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ وَقْتَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمِلْكِ لِلْمُعْتِقِ وَقْتَ وُجُودِ الْإِعْتَاقِ لِيَنْفُذَ إنْ كَانَ مُنْجَزًا وَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا بِمَا سِوَى الْمِلْكِ وَسَبَبِهِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمِلْكِ وَقْتَ التَّعْلِيقِ كَالتَّعْلِيقِ بِدُخُولِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ وَقْتَ نُزُولِ الْجَزَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمِلْكِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، أَمَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِالْمِلْكِ كَأَنْ مَلَّكْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ أَنْ يَكُونَ صَاحِيًا وَلَا طَائِعًا لِصِحَّةِ عِتْقِ السَّكْرَانِ وَالْمُكْرَهِ عِنْدَنَا كَطَلَاقِهِمَا، وَكَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْعَمْدَ لِصِحَّةِ عِتْقِ الْمُخْطِئِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ قَبُولَ الْعَبْدِ لِلْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ إلَّا فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ فَإِنَّ قَبُولَهُ شَرْطٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ، وَكَذَا لَمْ يُشْتَرَطْ خُلُوُّهُ عَنْ الْخِيَارِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْخِيَارِ فِيهِ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى فَيَقَعُ الْعِتْقُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، أَمَّا مِنْ جَانِبِ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ عَلَى مَالٍ فَلَا بُدَّ مِنْ خُلُوِّهِ عَنْ خِيَارِهِ حَتَّى لَوْ رَدَّ الْعَبْدُ الْعِتْقَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَلَا يَعْتِقُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ، وَكَذَا الصُّلْحُ مِنْ دَمِ الْعَمْدِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جَانِبِ الْمَوْلَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَالصُّلْحُ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَ لِلْقَاتِلِ فَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنْ فُسِخَ الْعَقْدُ فَفِي الْقِيَاسِ يَبْطُلُ الْعَفْوُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَبْطُلُ وَيَلْزَمُ الْقَاتِلَ الدِّيَةُ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا إسْلَامَ الْمُعْتِقِ وَهُوَ الْمَالِكُ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَلَوْ مُرْتَدَّةً، أَمَّا إعْتَاقُ الْمُرْتَدِّ فَمَوْقُوفٌ عِنْدَ الْإِمَامِ نَافِذٌ عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الْمَالِكُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ الْإِعْتَاقُ مِنْ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ وَإِنْ كَانَ مُعْتَبَرًا مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ وَشَرَطَ فِي الْبَدَائِعِ عَدَمَ الشَّكِّ فِي ثُبُوتِ الْإِعْتَاقِ فَإِنْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ لَا يَحْكُمُ بِثُبُوتِهِ.
أَمَّا الثَّانِي وَهُوَ صَرِيحُهُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّهُ الْحُرِّيَّةُ وَالْعِتْقُ بِأَيِّ صِيغَةٍ كَانَتْ فِعْلًا أَوْ وَصْفًا فَالْفِعْلُ نَحْوُ أَعْتَقْتُك وَحَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقَك اللَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَالْوَصْفُ نَحْوُ أَنْتَ حُرٌّ وَمُحَرَّرٌ وَعَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ وَسَيَأْتِي حُكْمُ النِّدَاءِ بِهَا وَمِنْهُ الْمَوْلَى أَيْضًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِمُبْتَدَأٍ فَلَوْ ذَكَرَ الْخَبَرَ فَقَطْ تَوَقَّفَ عَلَى النِّيَّةِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ حُرٌّ فَقِيلَ لَهُ لِمَنْ عَنَيْت فَقَالَ عَبْدِي عَتَقَ عَبْدُهُ، أَمَّا الْمَصْدَرُ فَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ لِلتَّفْصِيلِ فِيهِ فَإِنْ قَالَ الْعَتَاقُ عَلَيْك أَوْ عِتْقُك عَلَيَّ كَانَ صَرِيحًا إلَّا إذَا زَادَ قَوْلَهُ عِتْقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ لِجَوَازِ وُجُوبِهِ عَلَيْهِ بِكَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ بِخِلَافِ طَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الطَّلَاقِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَإِنَّمَا يَجِبُ حُكْمُهُ وَحُكْمُهُ وُقُوعُهُ وَاقْتَضَى هَذَا وُقُوعَهُ، أَمَّا الْعِتْقُ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، أَمَّا إذَا قَالَ أَنْت عِتْقٌ أَوْ عَتَاقٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِالْبَيِّنَةِ، كَذَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ.
قَالَ الْكَمَالُ: فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ مِنْ ضَابِطِ الصَّرِيحِ قُلْتُ: إنَّ مَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ ضَعِيفٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ أَنْتَ عِتْقٌ يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ كَقَوْلِهِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَلَاقٌ. اهـ.
فَلَا يَحْتَاجُ إلَى إصْلَاحِ الضَّابِطِ، أَمَّا إذَا كَانَ تَلَفَّظَ بِالْعِتْقِ مُهَجًّى كَقَوْلِهِ أَنْت ح ر فَإِنَّهُ كِنَايَةٌ يَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ كَالطَّلَاقِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.
أَمَّا التَّلَفُّظُ بِالْعِتْقِ الْعَامِّ فَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ كُلُّ مَالِي حُرٌّ لَا يَعْتِقُ عَبِيدُهُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الصَّفَا وَالْخُلُوُّ عَنْ شَرِكَةِ الْغَيْرِ، وَلَوْ قَالَ عَبِيدُ أَهْلِ بَلْخٍ أَحْرَارٌ وَلَمْ يَنْوِ عَبْدَهُ أَوْ قَالَ كُلُّ عَبْدٍ فِي الْأَرْضِ حُرٌّ أَوْ قَالَ كُلُّ عَبِيدِ أَهْلِ الدُّنْيَا أَحْرَارٌ أَوْ كَانَ مَكَانَ الْعِتْقِ طَلَاقٌ اخْتَلَفَ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي نَوَادِرِهِ لَا يَعْتِقُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ يَعْتِقُ، أَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَقَالَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ لَا يَعْتِقُ، وَقَالَ شَدَّادٌ يَعْتِقُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى قَوْلُ عِصَامٍ، وَلَوْ قَالَ كُلُّ عَبِيدٍ فِي هَذِهِ الدَّارِ أَحْرَارٌ وَعَبْدُهُ فِيهِمْ عَتَقَ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ قَالَ وَلَدُ آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَا يَعْتِقُ عَبْدُهُ بِالِاتِّفَاقِ اهـ.
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ طَلَاقُك عَلَى وَاجِبٌ إلَى قَوْلِهِ وُقُوعُهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِيهِ نَظَرٌ أَوَّلًا بِالْمَنْعِ إذْ هُوَ وَاجِبٌ عِنْدَ عَدَمِ الْإِمْسَاكِ بِالْمَعْرُوفِ، وَثَانِيًا بِالتَّسْلِيمِ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُوبِهِ وُجُودُهُ فِي الْخَارِجِ، وَقَدْ قَدَّمَ صَاحِبُ الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ قَوْلَهُ لَوْ قَالَ طَلَاقُك عَلَيَّ لَا يَقَعُ، وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَطَلَاقُك عَلَيَّ وَاجِبٌ أَوْ لَازِمٌ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ فَرْضٌ فَفَعَلَ، تَكَلَّمُوا فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ تَقَعُ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ نَوَى أَوْ أَوْ لَمْ يَنْوِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ وَفِي قَوْلِهِمَا يَقَعُ فِي قَوْلِهِ لَازِمٌ وَفِي قَوْلِهِ وَاجِبٌ لَا يَقَعُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقَعُ نَصَّ عَلَيْهِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ.
أَمَّا التَّلَفُّظُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ فَفِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ أَنْت أَعْتَقَ مِنْ هَذَا فِي مِلْكِي أَوْ قَالَ فِي السِّنِّ لَا يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ وَيُدَيَّنُ وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت أَعْتَقَ مِنْ فُلَانٍ أَوْ لِامْرَأَتِهِ أَنْت أَطْلَقُ مِنْ فُلَانَةَ وَهِيَ مُطَلَّقَةٌ إنْ نَوَى عَتَقَ وَطَلُقَتْ، وَقِيلَ يَعْتِقُ بِدُونِ النِّيَّةِ، وَلَوْ قَالَ أَنْت عَتِيقُ فُلَانٍ يَعْتِقُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَعْتَقَك فُلَانٌ. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ نَسَبُك حُرٌّ أَوْ أَصْلُك حُرٌّ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ سُبِيَ لَا يَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ سُبِيَ فَهُوَ حُرٌّ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ أَحْرَارٌ، وَلَوْ قَالَ أَبَوَاك حُرَّانِ لَا يَعْتِقُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا عَتَقَا بَعْدَمَا وُلِدَ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ تُصْبِحُ غَدًا حُرًّا كَانَ الْعِتْقُ مُضَافًا إلَى الْغَدِ، وَلَوْ قَالَ تَقُومُ حُرًّا وَتَقْعُدُ حُرًّا يَعْتِقُ لِلْحَالِ، وَلَوْ قَالَ صَحِيحٌ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرٌّ مِنْ ثُلُثِي يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ افْعَلْ مَا شِئْت فِي نَفْسِك فَإِنْ أَعْتَقَ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ عَتَقَ، وَلَوْ قَامَ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ نَفْسَهُ وَلَهُ أَنْ يَهَبَ نَفْسَهُ وَأَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ وَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدَيْنِ لَهُ يَا سَالِمُ أَنْت حُرٌّ يَا مُبَارَكُ فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَلَوْ قَالَ يَا سَالِمُ أَنْت حُرٌّ يَا مُبَارَكُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ كَانَ عَلَى الْأَخِيرِ وَسُئِلَ أَبُو الْقَاسِمِ عَمَّنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَإِلَّا فَعَبْدِي حُرٌّ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْمَالَ يَكُونُ إنْكَارُهُ لِلْمَالِ إقْرَارًا بِالْعِتْقِ، قَالَ إنْ قَالَ لَيْسَ عَلَيَّ شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ إقْرَارًا بِالْعِتْقِ وَإِنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ عَلَيَّ شَيْءٌ كَانَ إقْرَارًا بِالْعِتْقِ. اهـ.
أَمَّا الْعِتْقُ بِالْجَمْعِ فَقَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ عَبِيدِي أَحْرَارٌ وَهُمْ عَشَرَةٌ عَتَقَ عَبِيدُهُ وَإِنْ كَانُوا مِائَةً وَإِنْ كَانَ لَهُ خَمْسَةُ أَعْبُدَ فَقَالَ عَشَرَةٌ مِنْ مَمَالِيكِي إلَّا وَاحِدًا أَحْرَارٌ عَتَقُوا جَمِيعًا؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ تِسْعَةٌ مِنْ مَمَالِيكِي أَحْرَارٌ، وَلَوْ قَالَ مَمَالِيكِي الْعَشَرَةُ أَحْرَارٌ إلَّا وَاحِدٌ عَتَقَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْعَشَرَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ وَذَلِكَ غَلَطٌ مِنْهُ فَلَغَا فَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْصَرِفًا إلَى مَمَالِيكَ فَعَتَقَ أَرْبَعَةٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ قَالَ مَمَالِيكِي الْخَبَّازُونَ أَحْرَارٌ وَلَهُ خَبَّازُونَ وَخَبَّازَاتٌ عَتَقُوا كُلُّهُمْ؛ لِأَنَّ جَمْعَ الْمُذَكَّرِ يَنْتَظِمُ الْإِنَاثَ بِطَرِيقِ الِاسْتِتْبَاعِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ لَهُ عَبْدٌ وَاحِدٌ فَقَالَ أَعْتَقْت عَبْدًا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُك عَبْدًا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ دُونَ الْعِتْقِ اهـ.
أَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ حُكْمُ الصَّرِيحِ فَإِنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا، وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْخَبَرَ كَذِبًا لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِعُدُولِهِ عَنْ الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ أَرَدْت بِهِ اللَّعِبَ يَعْتِقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً.
وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا فَإِنْ كَانَ مَوْلُودًا لَا يُصَدَّقُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ مَحْضٌ وَإِنْ كَانَ مَسْبِيًّا لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً، وَلَوْ قَالَ أَنْت حُرٌّ مِنْ عَمَلِ كَذَا أَوْ أَنْت حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ دَعَا لِعَبْدِهِ سَالِمٍ يَا سَالِمُ فَأَجَابَهُ مَرْزُوقٌ فَقَالَ أَنْت حُرٌّ وَلَا نِيَّةَ لَهُ عَتَقَ الَّذِي أَجَابَهُ، وَلَوْ قَالَ عَنَيْت سَالِمًا عَتَقَا فِي الْقَضَاءِ، أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّمَا يَعْتِقُ الَّذِي عَنَاهُ خَاصَّةً، وَلَوْ قَالَ يَا سَالِمُ أَنْت حُرٌّ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ آخَرُ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ عَتَقَ سَالِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا مُخَاطَبَةَ هَا هُنَا إلَّا لِسَالِمٍ فَيَنْصَرِفُ إلَيْهِ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ أَمَةٌ قَائِمَةٌ بَيْنَ يَدَيْ مَوْلَاهَا فَسَأَلَهَا رَجُلٌ: أَمَةٌ أَنْت أَمْ حُرَّةٌ فَأَرَادَ الْمَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَا سُؤَالُك عَنْهَا أَمَةٌ أَمْ حُرَّةٌ فَعَجَّلَ فِي الْقَوْلِ فَقَالَ هِيَ حُرَّةٌ أَمَةٌ عَتَقَتْ فِي الْقَضَاءِ اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ الَّذِي حَلَّ لَهُ دَمُهُ بِقِصَاصٍ أَعْتَقْتُك، وَقَالَ عَنَيْت بِهِ عَنْ الْقَتْلِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ وَسَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ بِإِقْرَارِهِ. اهـ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْعُضْوَ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَالْكُلِّ كَمَا إذَا قَالَ رَقَبَتُك حُرٌّ أَوْ رَأْسُك أَوْ وَجْهُك أَوْ بَدَنُك أَوْ فَرْجُك لِلْأَمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْعُضْوِ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ فَرْجُك حُرٌّ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ كَبِدُك حُرٌّ يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ بَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ عَتَقَ، وَكَذَا الْفَرْجُ وَالرَّأْسُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ لَهَا فَرْجُك حُرٌّ عَنْ الْجِمَاعِ تَعْتِقُ قَضَاءً اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت أَعْتَقَ مِنِّي) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُجْتَبَى فِيمَا رَأَيْته وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ فُلَانٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ أَنْت عَتِيقُ فُلَانٍ يَعْتِقُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ كَانَ وَجْهُهُ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ اعْتِرَافٌ بِالْقِنَّةِ الْحَاصِلَةِ بِالْعِتْقِ فِيهِ وَفِي الثَّانِي إنَّمَا أَخْبَرَ بِأَنَّ فُلَانًا أَوْجَدَ الصِّيغَةَ.
(قَوْلُهُ: يَكُونُ إنْكَارُهُ الْمَالَ إقْرَارًا بِالْعِتْقِ) عَلَى حَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ مَنْ يَكُونُ أَيْ أَيَكُونُ وَقَوْلُهُ: قَالَ إنْ قَالَ إلَخْ جَوَابُهُ وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ وَجْهُهُ أَنَّ لَمْ لِنَفْيِ الْمَاضِي فَشَمِلَ وَقْتَ كَلَامِهِ وَلَيْسَ لِنَفْيِ الْحَالِ وَإِنْكَارُ الْمَالِ فِي الْحَالِ لَا يَلْزَمُ إنْكَارُهُ فِي الْمَاضِي لِجَوَازِ أَنَّهُ أَوْفَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْتِ.
. (قَوْلُهُ: وَكَذَا الْفَرْجُ وَالرَّأْسُ) ذَكَرَهُ فِي الْمُجْتَبَى بِرَمْزٍ آخَرَ غَيْرِ رَمْزِ مَا قَبْلَهُ..
فَرْجُك حُرٌّ قَالَ لِلْعَبْدِ أَوْ لِلْأَمَةِ عَتَقَ بِخِلَافِ الذَّكَرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت حُرَّةٌ أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْت حُرٌّ يَعْتِقُ فِي الْوَجْهَيْنِ كَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ اهـ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ يَعْنِي فَلَا يَكُونُ قَذْفًا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْجُزْءَ الشَّائِعَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الطَّلَاقِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ فَإِنَّ الطَّلَاقَ لَا يَتَجَزَّأُ اتِّفَاقًا فَذِكْرُ بَعْضِهِ كَذِكْرِ كُلِّهِ، أَمَّا الْعِتْقُ فَيَتَجَزَّأُ عِنْدَ الْإِمَامِ فَإِذَا قَالَ نِصْفُك حُرٌّ أَوْ ثُلُثُك حُرٌّ يَعْتِقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ خَاصَّةً عِنْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي فَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ تَسْوِيَةِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي الْإِضَافَةِ إلَى الْجُزْءِ الشَّائِعِ سَهْوٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ سَهْمٌ مِنْك حُرٌّ عَتَقَ السُّدُسُ، وَلَوْ قَالَ جُزْءٌ مِنْك حُرٌّ أَوْ شَيْءٌ مِنْك حُرٌّ يُعْتِقُ مِنْهُ الْمَوْلَى مَا شَاءَ فِي قَوْلِهِ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ الْأَلْفَاظَ الْجَارِيَةَ مَجْرَى الصَّرِيحِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ، أَمَّا الَّذِي هُوَ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ وَهَبْت لَك نَفْسَك أَوْ وَهَبْت نَفْسَك مِنْك أَوْ بِعْت نَفْسَك مِنْك وَيَعْتِقُ سَوَاءٌ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ؛ لِأَنَّ الْإِيجَارَ مِنْ الْوَاهِبِ وَالْبَائِعِ إزَالَةُ الْمِلْكِ مِنْ الْمَوْهُوبِ وَالْمَبِيعِ وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى الْقَبُولِ مِنْ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي لِثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُمَا، وَهَا هُنَا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ لِلْعَبْدِ فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ مَمْلُوكًا لِنَفْسِهِ فَبَقِيَ الْهِبَةُ وَالْبَيْعُ إزَالَةُ الْمِلْكِ عَنْ الرَّقِيقِ لَا إلَى أَوْحَدَ هَذَا مَعْنَى الْإِعْتَاقِ، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَالَ لِعَبْدِهِ وَهَبْت لَك نَفْسَك، وَقَالَ أَرَدْت وَهَبْت لَهُ عِتْقَهُ أَيْ لَا أُعْتِقُهُ لَمْ يَعْتِقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنْ الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ اهـ.
وَزَادَ فِي الْخَانِيَّةِ تَصَدَّقْت بِنَفْسِك عَلَيْك وَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَقِيلَ إنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالصَّرِيحِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَقِيلَ إنَّهَا كِنَايَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّرِيحَ يَخُصُّ الْوَضْعِيَّ وَالْحَقُّ الْقَوْلُ الثَّالِثُ إنَّهَا صَرَائِحُ حَقِيقَةً كَمَا قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخُصُّ الْوَضْعَ وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ
(قَوْلُهُ وَبِلَا مِلْكَ وَلَا رِقَّ وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك إنْ نَوَى) بَيَانٌ لِلْكِنَايَاتِ؛ لِأَنَّ نَفْيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُحْتَمَلُ بِالْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ وَالْعِتْقِ وَانْتِفَاءُ السَّبِيلِ يُحْتَمَلُ بِالْعِتْقِ وَبِالْإِرْضَاءِ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ سَبِيلٌ فِي اللَّوْمِ وَالْعُقُوبَةِ فَصَارَ مُجْمَلًا وَالْمُجْمَلُ لَا يَتَعَيَّنُ بَعْضُ وَجْهِهِ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ بِلَا نِيَّةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَشْيَاءِ الْمُزِيلَةِ مَوْجُودًا؛ لِأَنَّ نَفْيَ الْمِلْكِ لَمَّا كَانَ دَائِرًا بَيْنَ الْإِعْتَاقِ وَغَيْرِهِ وَغَيْرُ الْإِعْتَاقِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا فِي الْوَاقِعِ تَعَيَّنَ الْإِعْتَاقُ لَا مَحَالَةَ كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي التَّرَدُّدِ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كَلَامُ الْعَاقِلِ لَغْوًا فَلَا يَجُوزُ. اهـ.
وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ لِي عَلَيْك مُتَعَلِّقٌ بِالثَّلَاثَةِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك إلَّا سَبِيلُ الْوَلَاءِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ وَلَا يُصَدَّقُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْعِتْقِ، وَلَوْ قَالَ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك إلَّا سَبِيلُ الْمُوَالَاةِ دُيِّنَ فِي الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَإِذَا لَمْ يَقَعْ الْعِتْقُ فِي لَا مِلْكَ لِي أَوْ خَرَجْت عَنْ مِلْكِي فَهَلْ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْت غَيْرُ مَمْلُوكٍ لَا يَعْتِقُ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا أَنْ يَسْتَخْدِمَهُ فَإِنْ مَاتَ لَا يَرِثُ بِالْوَلَاءِ فَإِنْ قَالَ الْمَمْلُوكُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَا مَمْلُوكٌ لَهُ فَصَدَّقَهُ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ. وَكَذَا لَوْ قَالَ لَهُ لَيْسَ هَذَا بِعَبْدِي لَا يَعْتِقُ. اهـ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكُونُ حُرًّا ظَاهِرًا لَا مُعْتَقًا فَتَكُونُ أَحْكَامُهُ أَحْكَامَ الْأَحْرَارِ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَدَّعِيَهُ وَيُثْبِتَ فَيَكُونُ مِلْكًا لَهُ وَمِنْ الْكِنَايَاتِ أَيْضًا خَلَّيْت سَبِيلَك لَا حَقَّ لِي عَلَيْك، وَقَوْلُهُ لِأَمَتِهِ أَطْلَقْتُك فَتَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ وَمِنْ الْكِنَايَاتِ أَيْضًا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ أَمْرُك بِيَدِك اخْتَارِي فَيَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي أَنْت لِلَّهِ فَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ نَوَى، وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَرَادَ بِهِ الْعِتْقَ فَهُوَ حُرٌّ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الصَّدَقَةَ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّ كُلَّنَا لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ أَنْت لِوَجْهِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَكَذَا أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ، وَلَوْ قَالَ جَعَلْتُك لِلَّهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ، وَقَالَ لَمْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: لَمْ يَعْتِقْ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ عُدُولٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ بِزِيَادَةِ لَمْ أَوْ الْأَصْلُ لَمْ يُصَدَّقَا.
(قَوْلُهُ: لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ) الظَّاهِرُ أَنْ لَا زَائِدَةٌ وَالصَّوَابُ تَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ.
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكُونُ حُرًّا ظَاهِرًا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: عَلَّلَ فِي الْمُحِيطِ أَنْتَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بِأَنَّ نَفْيَ الْمِلْكِ لَيْسَ صَرِيحًا فِي الْعِتْقِ بَلْ يَحْتَمِلُهُ اهـ.
وَإِذَا لَمْ يَنْوِهِ لَا يَعْتِقُ وَبَقِيَ إقْرَارُهُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَمْلُوكٍ أَصْلًا فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ وَعِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُغَايِرَةٌ لِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَذَلِكَ أَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ إنَّمَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ وَهَذَا لَا يُنَافِي مِلْكَهُ لِغَيْرِهِ، وَمَسْأَلَةُ الْخُلَاصَةِ مَوْضُوعُهَا إقْرَارُهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ أَصْلًا إمَّا لِعِتْقِهِ لَهُ أَوْ لِحُرِّيَّتِهِ الْأَصْلِيَّةِ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا وَإِنَّهُ مُهِمٌّ اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَقَالَ الَّذِي يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ أَنَّ الْحَقَّ مَعَ صَاحِبِ الْبَحْرِ فَإِنَّ الْفَرْقَ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي النَّهْرِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فَإِنَّهُ إذَا نَفَى مِلْكَهُ عَنْهُ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَدَّعِيهِ سَاوَى
أَنْوِ بِهِ الْعِتْقَ أَوْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَإِنْ نَوَى الْعِتْقَ فَهُوَ حُرٌّ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي، وَهَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ أَوْ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ أَيْ يُصْبِحُ بِهَذَا ابْنِي وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهَا مَعَ أَنَّهَا صَرَائِحُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ لِمَا فِيهَا مِنْ التَّفْصِيلِ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَلْفَاظُ الَّتِي ثَبَتَ بِهَا النَّسَبُ فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا ثَلَاثَةً الِابْنَ وَالْأَبَ وَالْأُمَّ، فَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ الصِّفَةِ أَوْ عَلَى وَجْهِ النِّدَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الصِّفَةِ بِأَنْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ هَذَا ابْنِي فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنَّ كَانَ يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ بِأَنْ كَانَ مِثْلُهُ يُولَدُ لِمِثْلِهِ أَوْ لَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَهُ فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ وَهُوَ مَجْهُولُ النَّسَبِ ثَبَتَ النَّسَبُ وَالْعِتْقُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ وَلَكِنْ يَثْبُتُ الْعِتْقُ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ ابْنًا لَهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ وَهَلْ يَعْتِقُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه يَعْتِقُ سَوَاءٌ كَانَ مَجْهُولَ النَّسَبِ أَوْ مَعْرُوفَهُ، وَقَالَا لَا يَعْتِقُ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ لِمَمْلُوكَتِهِ هَذِهِ بِنْتِي خِلَافًا وَوِفَاقًا لَهُمَا إنَّهُ كَلَامٌ مُحَالٌ فَيُرَدُّ وَيَلْغُو كَقَوْلِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ وَلَهُ أَنَّهُ مُحَالٌ بِحَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ لِمَجَازِهِ؛ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مِلْكِهِ.
وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ فِي الْمَمْلُوكِ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ إمَّا إجْمَاعًا أَوْ صِلَةً لِلْقَرَابَةِ وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبِّبِ مُسْتَجَازٌ فِي اللُّغَةِ تَجُوزُ أَوْ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمُشَابَهَةُ فِي وَصْفٍ مُلَازِمٍ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْإِلْغَاءِ بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمَجَازِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ قَطَعْت يَدَك خَطَأً فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَالْتِزَامِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَطَأً سَبَبٌ لِوُجُوبِ مَالٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْأَرْشُ وَأَنَّهُ يُخَالِفُ مُطْلَقَ الْمَالِ فِي الْوَصْفِ حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَتَيْنِ، وَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ بِدُونِ الْقَطْعِ وَمَا لَمْ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ فَالْقَطْعُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لَهُ، أَمَّا الْحُرِّيَّةُ لَا تَخْتَلِفُ ذَاتًا وَحُكْمًا فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْهُ وَالْكَلَامُ فِي الْمَسْأَلَةِ طَوِيلٌ فِي الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الْحَقِيقَةِ هَلْ الْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْهَا فِي التَّكَلُّمِ أَوْ فِي الْحُكْمِ، وَصَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ نَوَى أَمْ لَمْ يَنْوِ إذْ لَا تَزَاحُمَ كَيْ لَا يُلْغَى كَلَامُ الْعَاقِلِ، ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ عَتَقَ قَضَاءً وَدِيَانَةً وَإِلَّا فَقَضَاءً وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ اهـ.
وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ بِأَنَّهُ يَعْتِقُ فَقَضَاءً فِيمَا إذَا كَانَ لَا يُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَالْمُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي السِّنِّ لَا الْمُشَاكَلَةُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي أَبْيَضَ نَاصِعًا وَالْمَقُولُ لَهُ أَسْوَدَ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَقَيَّدَ بِالْمَمْلُوكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ مِنْ الْغَيْرِ هَذِهِ ابْنَتِي لَمْ تَقَعْ الْفُرْقَةُ اتِّفَاقًا كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، أَمَّا الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُهُ هَذَا أَبِي فَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ أَبًا لَهُ وَلَيْسَ لِلْقَائِلِ أَبٌ مَعْرُوفٌ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالْعِتْقُ بِلَا خِلَافٍ، وَإِنْ كَانَ يَصْلُحُ أَبًا لَهُ وَلَكِنْ لِلْقَائِلِ أَبٌ مَعْرُوفٌ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَعْتِقُ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ أَبًا لَهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا شَكٍّ، وَلَكِنْ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَعْتِقُ.
أَمَّا الثَّالِثُ فَهُوَ قَوْلُهُ هَذِهِ أُمِّي وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي الْأَبِ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذِهِ بِنْتِي أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ هَذَا ابْنِي اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَعْتِقُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَعْتِقُ وَرَجَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَلَوْ قَالَ لِمَمْلُوكِهِ هَذَا عَمِّي أَوْ خَالِي يَعْتِقُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى - هَذَا أَخِي - آخِرَ الْبَابِ، وَلَوْ قَالَ هَذَا ابْنِي مِنْ الزِّنَا يَعْتِقُ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ الْعَبْدِ الْمُقَرِّ لَهُ بِالنَّسَبِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا سِوَى دَعْوَى الْبُنُوَّةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَيَكُونُ فِيهِ إلْزَامُ الْعَبْدِ الْحُرِّيَّةَ فَيُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ، وَلَوْ قَالَ لِصَغِيرٍ هَذَا جَدِّي فَقِيلَ هُوَ عَلَى
ــ
[منحة الخالق]
مَنْ قِيلَ لَهُ أَنْت غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا تَسْوِيَةُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ بَيْنَ قَوْلِهِ أَنْتَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ لَيْسَ هَذَا بِعَبْدِي فَتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا دَخَلَ فِي الْوُجُودِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ كَانَ أَمْرًا مَوْجُودًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهَذَا عِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ أَمَّا إذَا نَوَى بِهَذَا الْكَلَامِ الْعِتْقَ وَهُوَ صَالِحٌ لَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ قَضَاءً وَدِيَانَةً كَمَا لَا يَخْفَى.
الْخِلَافِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِصِفَةِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِمِلْكِهِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا وُصِفَ الْعَبْدُ بِصِفَةِ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إذَا مَلَكَهُ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إلَّا فِي قَوْلِهِ هَذَا أَخِي وَهَذِهِ أُخْتِي.
أَمَّا الرَّابِعُ أَعْنِي لَفْظَ الْمَوْلَى فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخَبَرِ وَالنِّدَاءِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى وَإِنْ كَانَ يَنْتَظِمُ النَّاصِرَ وَابْنَ الْعَمِّ وَالْمُوَالَاةَ فِي الدَّيْنِ وَالْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ فِي الْعَتَاقَةِ إلَّا أَنَّهُ تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ مُرَادًا فَصَارَ كَاسْمٍ خَاصٍّ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً وَالْعَبْدُ نَسَبُهُ مَعْرُوفٌ فَانْتَفَى الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ نَوْعُ مَجَازٍ وَالْكَلَامُ بِحَقِيقَتِهِ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْعَبْدِ تُنَافِي كَوْنَهُ مُعْتَقًا فَتَعَيَّنَ الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ فَالْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ، وَكَذَا إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ هَذِهِ مَوْلَاتِي لِمَا بَيَّنَّا، وَلَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الْمَوْلَى فِي الدَّيْنِ أَوْ الْكَذِبِ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ لِمُخَالَفَتِهِ الظَّاهِرَ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ فِي التُّحْفَةِ بِأَنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى صَرِيحٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ.
وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يَعْتِقُ بِغَيْرِ النِّيَّةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ صَرِيحٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ اهـ.
وَتَعَقَّبَهُمْ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَوْلَى صَرِيحٌ فِي إيقَاعِ الْعِتْقِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّرِيحَ مَكْشُوفُ الْمُرَادِ وَلَفْظُ الْمَوْلَى مُشْتَرِكٌ وَمَعَ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَعَانِي عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ لَا يَكُونُ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ فَلَا يَكُونُ صَرِيحًا وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِمَمْلُوكِهِ عَادَةً لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ، بَلْ تَحْصُلُ لَهُ النُّصْرَةُ بِمَمَالِيكِهِ وَخَدَمِهِ وَاَلَّذِي لَا يَحْتَاجُ إلَى النَّصِيرِ وَالظَّهِيرِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ عَلَى أَنَّا نَقُولُ الصَّرِيحُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ وَالْمُتَكَلِّمُ يُصَرِّحُ وَيُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ إنِّي عَنَيْت النَّاصِرَ بِلَفْظِ الْمَوْلَى وَلَهُ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرِكٌ وَهُمْ يَقُولُونَ دَلَالَةُ الْحَالِ مِنْ كَلَامِك تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْمَوْلَى هُوَ الْمُعْتِقُ الْأَسْفَلُ وَلَا تُعْتَبَرُ إرَادَةُ النَّاصِرِ وَنَحْوِهِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْمُكَابَرَةِ اهـ.
وَأَجَابَ عَنْهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ قَوْلَهُ اُسْتُعْمِلَ فِي مَعَانٍ فَلَا يَكُونُ مَكْشُوفَ الْمُرَادِ إنْ أَرَادَ دَائِمًا مَنَعْنَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَنْكَشِفَ الْمُرَادُ مِنْ الْمُشْتَرِكِ فِي بَعْضِ الْمَوَارِدِ الِاسْتِعْمَالِيَّة لِاقْتِرَانِهِ بِمَا يَنْفِي غَيْرَهُ اقْتِرَانًا ظَاهِرًا كَمَا هُوَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ وَمَنْعُهُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَنْصِرُ بِعَبْدِهِ لَا يُلَائِمُ مَا أَسْنَدَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَحْصُلُ النُّصْرَةُ بِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ لَا يَسْتَدْعِي لِلنُّصْرَةِ عَبْدَهُ، بَلْ بَنِي عَمِّهِ وَإِنْ كَانَ الْعَبِيدُ وَالْخَدَمُ يَنْصُرُونَهُ، أَمَّا قَوْلُهُ الصَّرِيحُ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْكِنَايَةَ فَطَغَى قَلَمُهُ فَنَقُولُ هَذَا الصَّرِيحُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَرَدْت النَّاصِرَ بِلَفْظِ الْمَوْلَى إنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ بِمَا هُوَ مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ فِي إرَادَةِ الْعِتْقِ فَأَثْبَتَ حُكْمَهُ ذَلِكَ ظَاهِرًا، وَهَذَا الصَّرِيحُ بَعْدَهُ رُجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي وَالْكَلَامُ فِيهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ النَّاصِرَ لَمْ يَعْتِقْ فَأَيْنَ الْمُكَابَرَةُ اهـ.
أَمَّا الثَّانِي أَعْنِي فِي النِّدَاءِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَيَّنَ الْأَسْفَلُ مُرَادًا الْتَحَقَ بِالصَّرِيحِ وَبِالنِّدَاءِ بِهِ يَعْتِقُ بِأَنْ قَالَ يَا حُرُّ يَا عَتِيقُ فَكَذَا النِّدَاءُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَيَّدَ بِالْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ فِي السَّيِّدِ وَالْمَالِكِ إلَّا بِالنِّيَّةِ كَقَوْلِهِ يَا سَيِّدِي أَوْ يَا سَيِّدُ أَوْ يَا مَالِكِي؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالْإِكْرَامِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْعِتْقُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ أَنْت مَوْلَى فُلَانٍ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ كَقَوْلِهِ أَنْتَ عَتِيقُ فُلَانٍ بِخِلَافِ أَعْتَقَك فُلَانٌ، وَعَنْ أَبِي الْقَاسِمِ الصَّفَّارِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ جَاءَتْ جَارِيَتُهُ بِسِرَاجٍ فَوَقَفَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لَهَا الْمَوْلَى مَا أَصْنَعُ بِالسِّرَاجِ وَوَجْهُك أَضْوَأُ مِنْ السِّرَاجِ يَا مَنْ أَنَا عَبْدُك قَالَ هَذِهِ كَلِمَةُ لُطْفٍ لَا تَعْتِقُ بِهَا الْجَارِيَةُ وَفِي التَّنْقِيحِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنَا عَبْدُك الْمُخْتَارُ عَدَمُ الْعِتْقِ اهـ.
أَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ النِّدَاءُ بِحُرٍّ وَنَحْوِهِ كَيَا حُرُّ يَا عَتِيقُ يَا مُعْتَقُ فَلِأَنَّهُ نَادَاهُ بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِتْقِ لِكَوْنِ اللَّفْظِ مَوْضُوعًا لَهُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَعْنَى فِي الْمَوْضُوعَاتِ فَيَثْبُتُ الْعِتْقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَاسْتَثْنَى فِي الْهِدَايَةِ مَا إذَا سَمَّاهُ حُرًّا، ثُمَّ نَادَاهُ يَا حُرُّ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمِ عَلَمِهِ وَهُوَ مَا لَقَّبَهُ بِهِ، وَلَوْ نَادَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَا أَزَادُ، وَقَدْ لَقَّبَهُ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بِالْحُرِّ قَالُوا يَعْتِقُ، وَكَذَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِنِدَاءٍ بِاسْمِ عَلَمِهِ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ الْوَصْفِ اهـ.
وَشَرَطَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْخَانِيَّةِ الْإِشْهَادَ وَقْتَ تَسْمِيَتِهِ بِحُرٍّ وَفِي الْمَبْسُوطِ إذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا الِاسْمُ مَعْرُوفًا لَهُ يَعْتِقُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَادَاهُ بِوَصْفٍ يَمْلِكُ إيجَابَهُ بِهِ وَفَرَّقَ فِي التَّنْقِيحِ بَيْنَ تَسْمِيَتِهِ بِحُرٍّ حَيْثُ لَا يَقَعُ إذَا نَادَاهُ وَبَيْنَ تَسْمِيَةِ الْمَرْأَةِ بِطَالِقٍ حَيْثُ يَقَعُ إذَا نَادَاهَا؛ لِأَنَّهُ عُهِدَ التَّسْمِيَةُ بِحُرٍّ كَالْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ بِخِلَافِ طَالِقٍ لَمْ تُعْهَدْ التَّسْمِيَةُ بِهِ وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَعْهُودًا وَالْكَلَامُ فِيمَا إذَا أَشْهَدَ وَقْتَ التَّسْمِيَةِ فِيهِمَا فَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ بَعَثَ غُلَامَهُ إلَى بَلَدٍ، وَقَالَ لَهُ إذَا اسْتَقْبَلَك أَحَدٌ فَقُلْ إنِّي حُرٌّ فَذَهَبَ الْغُلَامُ فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ فَأَجَابَهُ بِمَا قَالَ الْمَوْلَى فَإِنْ قَالَ لَهُ سَمَّيْتُك حُرًّا فَقُلْ إنِّي حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ أَصْلًا وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمَوْلَى ذَلِكَ يَعْتِقُ قَضَاءً لَا دِيَانَةً اهـ.
وَفِي الْمُجْتَبَى بَعَثَ غُلَامَهُ إلَى بَلَدٍ فَقَالَ لَهُ إذَا اسْتَقْبَلَك أَحَدٌ فَقُلْ إنِّي حُرٌّ فَفَعَلَ عَتَقَ أَوْ بَعَثَهُ مَعَ جَمَاعَةٍ فَقَالَ لَهُمْ مَنْ سَأَلَ عَنْهُ عَاشِرٌ أَوْ غَيْرُهُ فَقُولُوا لَهُ إنَّهُ حُرٌّ فَفَعَلُوا عَتَقَ وَلَا يَعْتِقُ قَبْلَهُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى قَالَ لَهُمْ سَمَّيْته حُرًّا فَقُولُوا لَهُ إنَّهُ حُرٌّ فَقَالُوا لَا يَعْتِقُ اهـ.
وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ إذَا سَمَّاهُ حُرًّا لَا يَعْتِقُ بِالْإِخْبَارِ أَيْضًا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُولُوا لَهُ يَا حُرُّ أَوْ هَذَا حُرٌّ
(قَوْلُهُ لَا بِيَا ابْنِي وَيَا أَخِي وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك وَأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَأَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ) أَيْ لَا يَقَعُ الْعِتْقُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَمَّا فِي النِّدَاءِ بِيَا ابْنِي وَيَا أَخِي؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ إعْلَامُ الْمُنَادَى إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ بِوَصْفٍ يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِتَحْقِيقِ ذَلِكَ الْوَصْفِ فِي الْمُنَادَى اسْتِحْضَارًا لَهُ بِالْوَصْفِ الْمَخْصُوصِ كَمَا فِي قَوْلِهِ يَا حُرُّ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَإِنْ كَانَ النِّدَاءُ بِوَصْفٍ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهُ مِنْ جِهَتِهِ كَانَ لِلْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ دُونَ تَحْقِيقِ الْوَصْفِ لِتَعَذُّرِهِ وَالْبُنُوَّةُ لَا يُمْكِنُ إثْبَاتُهَا حَالَةَ النِّدَاءِ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْخَلَقَ مِنْ مَاءِ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ ابْنًا لَهُ بِهَذَا النِّدَاءِ فَكَانَ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَامِ، وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شَاذًّا أَنَّهُ يَعْتِقُ فِيهِمَا وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الظَّاهِرِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلِابْنِ وَالْأَخِ، بَلْ كَذَلِكَ لَوْ قَالَ يَا أَبِي يَا جَدِّي يَا خَالِي يَا عَمِّي أَوْ لِجَارِيَتِهِ يَا عَمَّتِي يَا خَالَتِي يَا أُخْتِي كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِيهِمَا عَنْ تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَنْبَغِي الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ فِي مَسْأَلَةِ النِّدَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَفِي لَا سُلْطَانَ وَفِي أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى كَمَا سَنُبَيِّنُهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ يَا ابْنُ بِغَيْرِ إضَافَةٍ لَا يَعْتِقُ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ كَمَا أَخْبَرَ فَإِنَّهُ ابْنُ أَبِيهِ، وَكَذَا إذَا قَالَ يَا بُنَيَّ أَوْ يَا بُنَيَّةَ؛ لِأَنَّهُ تَصْغِيرُ الِابْنِ وَالْبِنْتِ مِنْ غَيْرِ إضَافَةٍ وَالْأَمْرُ كَمَا أَخْبَرَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ الَّذِينَ يَثْبُتُ بِهِمْ النَّسَبُ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ ثَلَاثَةً الِابْنَ وَالْأَبَ وَالْأُمَّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَخَ وَنَحْوَهُ.
فَلَوْ قَالَ هَذَا أَخِي لَا يَعْتِقُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَعْتِقُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْأُخُوَّةُ اسْمٌ مُشْتَرَكٌ يُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10]، وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الِاتِّحَادُ فِي الْقَبِيلَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف: 65] ، وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ فِي النَّسَبِ وَالْمُشْتَرَكُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فَإِنْ قِيلَ الْأُبُوَّةُ وَالْبُنُوَّةُ قَدْ تَكُونُ بِالرَّضَاعِ فَلِمَ أَثْبَتُّمْ الْعِتْقَ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؟ قِيلَ لَهُ الْبُنُوَّةُ عَنْ الرَّضَاعِ مَجَازٌ وَالْمَجَازُ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ فَإِنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ هَذِهِ عَمَّتِي أَوْ هَذِهِ خَالَتِي أَوْ قَالَ لِغُلَامِهِ هَذَا خَالِي أَوْ عَمِّي فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّ الْأُخُوَّةَ تَحْتَمِلُ الْإِكْرَامَ وَالنَّسَبَ بِخِلَافِ الْعَمِّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ لِلْإِكْرَامِ عَادَةً، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا أَخِي مِنْ أَبِي أَوْ مِنْ أُمِّي أَوْ مِنْ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا اقْتَصَرَ يَكُونُ مِنْ الْكِنَايَاتِ فَيَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ، أَمَّا عَدَمُ الْعِتْقِ بِقَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك، وَلَوْ نَوَى بِهِ الْعِتْقَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ عِبَارَةٌ عَنْ السَّيِّدِ وَسُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ، وَقَدْ يَبْقَى الْمِلْكُ دُونَ الْيَدِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك؛ لِأَنَّ نَفْيَهُ مُطْلَقًا بِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى عَلَى الْمُكَاتَبِ سَبِيلًا فَلِهَذَا يُحْتَمَلُ الْعِتْقُ اهـ.
وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْمَشَايِخِ مَالَ إلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالنِّيَّةِ فِي لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ، وَعَنْ الْكَرْخِيِّ فَنِيَ عُمْرِي وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي الْفَرْقُ بَيْنَ نَفْيِ السُّلْطَانِ وَالسَّبِيلِ وَمِثْلُ هَذَا الْإِمَامَ لَا يَقَعُ لَهُ مِثْلُ هَذَا إلَّا وَالْمَحَلُّ مُشْكِلٌ وَهُوَ بِهِ جَدِيرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْيَدَ الْمُفَسَّرَ بِهَا السُّلْطَانُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا الْجَارِحَةَ الْمَحْسُوسَةَ، بَلْ الْقُدْرَةَ فَإِذَا قِيلَ لَهُ سُلْطَانٌ أَيْ يَدٌ يَعْنِي الِاسْتِيلَاءَ، وَقَدْ صَرَّحَ فِي الْكَافِي بِأَنَّ السُّلْطَانَ يُرَادُ بِهِ الِاسْتِيلَاءُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ نَفْيُهُ نَفْيَ الِاسْتِيلَادِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَصَحَّ أَنْ يُرَادَ مِنْهُ مَا يُرَادُ بِنَفْيِ السَّبِيلِ، بَلْ أَوْلَى بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، أَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمَانِعَ الَّذِي عَيَّنَهُ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعِتْقُ وَهُوَ لُزُومُ أَنْ يَثْبُتَ بِاللَّفْظِ أَكْثَرُ مِمَّا وُضِعَ لَهُ غَيْرَ مَانِعٍ، إذْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ أَوْسَعَ مِنْ الْحَقِيقِيِّ فَلَا بِدْعَ فِي ذَلِكَ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُحَازَاتِ الْعَامَّةِ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ فِيهَا يَصِيرُ فَرْدًا مِنْ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ كَذَا هَذَا يَصِيرُ زَوَالُ الْيَدِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ أَعْنِي الْعِتْقَ أَوْ زَوَالَ الْمِلْكِ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ كَوْنُ نَفْيِ السُّلْطَانِ مِنْ الْكِنَايَاتِ اهـ.
أَمَّا عَدَمُ الْوُقُوعِ بِأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَلَوْ نَوَى الْعِتْقَ فَهَذَا مَذْهَبُنَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَقَعُ بِقَوْلِهِ لِأَمَتِهِ طَلَّقْتُك نَاوِيًا الْعِتْقَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَجْهُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نَوَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لُغَةً إثْبَاتُ الْقُوَّةِ وَالطَّلَاقَ رَفْعُ الْقَيْدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعَبْدَ أُلْحِق بِالْجَمَادَاتِ وَبِالْإِعْتَاقِ يَحْيَى فَيَقْدِرُ وَلَا كَذَلِكَ الْمَنْكُوحَةُ فَإِنَّهَا قَادِرَةٌ إلَّا أَنَّ قَيْدَ النِّكَاحِ مَانِعٌ وَبِالطَّلَاقِ يَرْتَفِعُ الْمَانِعُ فَتَظْهَرُ الْقُوَّةُ، وَلَا خَفَاءَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَقْوَى؛ وَلِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ فَوْقَ مِلْكِ النِّكَاحِ فَكَانَ إسْقَاطُهُ أَقْوَى، وَاللَّفْظُ يَصْلُحُ مَجَازًا عَمَّا هُوَ دُونَ حَقِيقَتِهِ لَا عَنْ مَا هُوَ فَوْقَهُ فَلِهَذَا امْتَنَعَ فِي الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَانْسَاغَ فِي عَكْسِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَعَارُ أَلْفَاظُ الْعِتْقِ لِلطَّلَاقِ دُونَ عَكْسِهِ بِنَاءً عَلَى مَا فِي الْأُصُولِ مِنْ جَوَازِ اسْتِعَارَةِ السَّبَبِ لِلْمُسَبَّبِ دُونَ عَكْسِهِ إلَّا أَنْ يَخْتَصَّ الْمُسَبَّبُ بِالسَّبَبِ فَكَالْمَعْلُولِ فَيَصِحُّ اسْتِعَارَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِلْآخَرِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ صَرِيحَ الطَّلَاقِ وَكِنَايَاتِهِ فَلَا يَقَعُ بِهَا الْعِتْقُ أَصْلًا فَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فَرْجُك عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِنَّهَا لَا تَعْتِقُ وَإِنْ نَوَاهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ غَيْرُ صَالِحٍ لَهُ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا قُومِي وَاقْعُدِي نَاوِيًا لِلْعِتْقِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَمَّا لَمْ يَصْلُحْ لَهُ لَغَا فَبَقِيَ مُجَرَّدُ النِّيَّةِ وَهِيَ لَا يَقَعُ بِهَا شَيْءٌ وَسَيَأْتِي فِي الْإِيمَانِ أَنَّهُ إنْ وَطِئَهَا لَزِمَهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَلْيُحْفَظْ هَذَا
وَيُسْتَثْنَى مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ أَمْرُك بِيَدِك أَوْ اخْتَارِي فَإِنَّهُ يَقَعُ الْعِتْقُ بِهِ بِالنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا احْتَمَلَ الْعِتْقَ وَغَيْرَهُ كَانَ كِنَايَةً فَهُوَ مِنْ كِنَايَاتِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَلَا بِدْعَ فِيهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُمَا مِنْ كِنَايَاتِ تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ فَلَا اسْتِثْنَاءَ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك وَأَرَادَ الْعِتْقَ فَأَعْتَقَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ عَتَقَتْ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا إيقَاعَ الْعِتْقِ وَالْإِعْتَاقُ إسْقَاطُ الْمِلْكِ كَالطَّلَاقِ فَيَقْتَصِرُ حُكْمُهُ عَلَى الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ لَهَا أَعْتِقِي نَفْسَك فَقَالَتْ اخْتَرْت كَانَ بَاطِلًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ اهـ.
وَفِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ قَالَ لَهَا أَمْرُ عِتْقِك بِيَدِك أَوْ جَعَلْت عِتْقَك فِي يَدِك أَوْ قَالَ لَهُ اخْتَرْ الْعِتْقَ أَوْ خَيَّرْتُك فِي عِتْقِك أَوْ فِي الْعِتْقِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ لِلنِّيَّةِ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ اخْتِيَارِ الْعَبْدِ الْعِتْقَ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ اهـ.
وَقَيَّدَ بِأَلْفَاظِ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَطْلَقْتُك أَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ ذَلِكَ يَقَعُ الْعِتْقُ إذَا نَوَى كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّهُ كَقَوْلِهِ خَلَّيْت سَبِيلَك بِخِلَافِ طَلَّقْتُك كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَكَذَا إذَا قَالَ لَهُ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت تَوَجَّهْ أَيْنَمَا شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ لَا يَدَ لِي عَلَيْك لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى كَمَا فِي الْمُجْتَبَى مَعَ أَنَّ أَطْلَقْتُك مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ يَقَعُ بِهِ بِالنِّيَّةِ فَكَيْفَ وَقَعَ بِهِ الْعِتْقُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ فِيهِمَا وَالْمَمْنُوعُ اسْتِعَارَةُ مَا كَانَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً صَرِيحًا أَوْ كِنَايَةً، أَمَّا عَدَمُ الْعِتْقِ فَيَقُولُهُ أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ فَلِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا وَهِيَ قَدْ تَكُونُ عَامَّةً، وَقَدْ تَكُونُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ أَمْرُك بِيَدِك أَوْ اخْتَارِي إلَخْ) أَقُولُ: هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ الْفَصْلُ التَّاسِعُ فِي الْمُتَفَرِّقَاتِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَمَتِهِ أَمْرُك بِيَدِك يَنْوِي بِهِ الْعِتْقَ يَصِيرُ الْعِتْقُ فِي يَدِهَا حَتَّى لَوْ أَعْتَقَتْ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ جَازَ، وَلَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي يَنْوِي الْعِتْقَ لَا يَصِيرُ الْعِتْقُ فِي يَدِهَا فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرِ بِالْيَدِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ اخْتَارِي فِي بَابِ الْعِتْقِ وَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الطَّلَاقِ اهـ.
وَمِثْلُهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَكَذَا صَرَّحَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَا يَثْبُتُ الْعِتْقُ وَإِنْ نَوَاهُ وَكَذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كَافِي الْحَاكِمِ فَمَا فِي الْأَصْلِ وَالْكَافِي هُوَ نَصُّ الْمَذْهَبِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا هُنَا فَافْهَمْ
خَاصَّةً فَلَا يَقَعُ بِلَا نِيَّةٍ لِلشَّكِّ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ يَقَعُ بِهِ الْعِتْقُ بِالنِّيَّةِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى التُّحْفَةِ حَيْثُ قَالَ: وَقَدْ قَالُوا إذَا نَوَى يَعْتِقُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْت مِثْلُ امْرَأَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٌ قَدْ آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ وَنَوَى الْإِيلَاءَ يُصَدَّقُ وَيَصِيرُ مُولِيًا وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعْ بِدُونِ النِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ لِلتَّشْبِيهِ وَالتَّشْبِيهُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ لَا يَقْتَضِي اشْتِرَاكَهُمَا مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتِقْ لَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَى الْمِثْلِ فِي اللُّغَةِ النَّظِيرُ كَذَا فِي الْجَمْهَرَةِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ مَا أَنْتَ إلَّا مِثْلُ الْحُرِّ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ لِحُرَّةٍ أَنْت حُرَّةٌ مِثْلُ هَذِهِ يَعْنِي أَمَته فَأَمَتُهُ حُرَّةٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ حُرَّةٌ مِثْلُ هَذِهِ الْأَمَةِ لَمْ تَعْتِقْ أَمَتُهُ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَخَذَ قَمِيصًا خَاطَهُ غُلَامُهُ، وَقَالَ هَذِهِ خِيَاطَةُ حُرٍّ لَا يَعْتِقُ الْعَبْدُ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ بِهِ التَّشْبِيهُ. اهـ.
فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَعْتِقُ فِيهَا بِالنِّيَّةِ وَبَعْضَهَا لَا فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهَا فِي سِلْكٍ وَاحِدٍ وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ يَعْنِي فِي النَّفْسِ لَمْ يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ عَتِيقٌ، وَقَالَ عَنَيْت بِهِ فِي الْمِلْكِ لَا يُدَيَّنْ فِي الْقَضَاءِ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ عَتِيقٌ فِي السِّنِّ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ قَالَ أَنْتَ حُرُّ النَّفْسِ يَعْنِي فِي الْأَخْلَاقِ عَتَقَ فِي الْقَضَاءِ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ بَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ وَرَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ تَشْبِيهٌ وَلَيْسَ بِتَحْقِيقٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ التَّحْقِيقَ لَقَالَ بَدَنُك حُرٌّ، وَلَوْ نَوَّنَ فَقَالَ رَأْسُك رَأْسُ حُرٍّ أَوْ بَدَنُك بَدَنُ حُرٍّ أَوْ وَجْهُك وَجْهُ حُرٍّ عَتَقَ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصْفٌ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ وَلَيْسَ بِتَشْبِيهٍ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ رَأْسُك حُرٌّ
(قَوْلُهُ: وَعَتَقَ بِمَا أَنْت إلَّا حُرٌّ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ عَلَى وَجْهِ التَّأْكِيدِ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَفْهُومُ مِنْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً وَهُوَ بِخِلَافِ قَوْلِ الْمَشَايِخِ فِي الْأُصُولِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا أَمَّا كَوْنُهُ إثْبَاتًا مُؤَكَّدًا فَلِوُرُودِهِ بَعْدَ النَّفْيِ بِخِلَافِ الْإِثْبَاتِ الْمُجَرَّدِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَبِمِلْكٍ قَرِيبٍ مَحْرَمٍ، وَلَوْ كَانَ الْمَالِكُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا) مَعْطُوفًا عَلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْبَابِ بِأَنْتَ وَأَيْ يَصِحُّ الْعِتْقُ بِمِلْكٍ قَرِيبٍ مُحَرَّمٍ لِلْحَدِيثِ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ وَاللَّفْظُ بِعُمُومِهِ يَنْتَظِمُ كُلَّ قَرَابَةٍ مُؤَبَّدَةٍ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وِلَادًا أَوْ غَيْرَهُ؛ وَلِأَنَّهُ مَلَكَ قَرِيبَهُ قَرَابَةً مُؤَثِّرَةً فِي الْمَحْرَمِيَّةَ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي قَرَابَةِ الْوِلَادِ وَذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي بَحْثِ الْعِلَلِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي عِتْقِ الْقَرِيبِ بِالْمِلْكِ شَيْئَانِ الْقَرَابَةُ وَالْمِلْكُ لَكِنْ الْعِتْقُ يُضَافُ إلَى آخِرِهِمَا فَإِنْ تَأَخَّرَ الْمِلْكُ أُضِيفَ إلَيْهِ الْعِتْقُ كَمَا إذَا مَلَكَ قَرِيبَهُ، وَإِنْ تَأَخَّرَتْ الْقَرَابَةُ وَتَقَدَّمَ الْمِلْكُ أُضِيفَ الْعِتْقُ إلَى الْقَرَابَةِ كَمَا إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَبْدٌ ثُمَّ ادَّعَى أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ غَرِمَ لِشَرِيكِهِ وَأُضِيفَ الْعِتْقُ إلَى الْقَرَابَةِ اهـ.
قَيَّدَ بِالْقَرِيبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مَحْرَمًا بِلَا رَحِمٍ كَزَوْجَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مُوجِبَةٌ لِلصِّلَةِ مُحَرِّمَةٌ لِلْقَطِيعَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعِتْقَ وَقَيَّدَ بِالْمَحْرَمِ احْتِرَازًا عَنْ الرَّحِمِ بِلَا مَحْرَمٍ كَبَنِي الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ إذَا مَلَكَهُ لَمْ يَعْتِقْ وَخُصَّ عَنْ النَّصِّ الْمُحْرِمُ لِلْقَطِيعَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا أَنَّهُمْ كَثِيرٌ لَا يُحْصَوْنَ فَلَوْ عَتَقُوا رُبَّمَا حَرَجُوا الْمُلَّاكَ فِيهِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَوْ خَصَّتْ الْقَرَابَةُ الْمَحْرَمِيَّةَ عَنْ النَّصِّ أَيْضًا لَأَدَّى إلَى تَعْطِيلِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مُحْرَمٍ مِنْ الرَّضَاعِ فَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْمَحْرَمِيَّةُ مِنْ جِهَةِ الْقَرَابَةِ، وَذُو الرَّحِمِ الْمُحْرَمِ شَخْصَانِ يُدْلِيَانِ إلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةٌ كَالْأَخَوَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بِوَاسِطَةٍ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ كَابْنِ الْأَخِ مَعَ الْعَمِّ فِي النِّسْبَةِ إلَى الْجَدِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ.
وَأُطْلِقَ فِي الْمَالِكِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ؛ لِأَنَّهُمَا يَسْتَوِيَانِ فِي الْمِلْكِ وَفِيمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الصِّلَةِ وَحُرْمَةِ الْقَطِيعَةِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُكْمَ لَنَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَعْتِقُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي
ــ
[منحة الخالق]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْإِيضَاحِ وَفِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ عِتْقُ الْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَرِيبَهُ بَاطِلٌ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا.
أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ وَخَلَّاهُ فَفِي الْمُخْتَلَفِ قَالَ يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَوَلَاؤُهُ لَهُ، وَقَالَا لَا وَلَاءَ لَهُ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ بِالتَّخْلِيَةِ لَا بِالْإِعْتَاقِ، ثُمَّ قَالَ الْمُسْلِمُ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَى عَبْدًا حَرْبِيًّا فَأَعْتَقَهُ ثَمَّةَ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِدُونِ التَّخْلِيَةِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ بِدُونِهَا وَلَا وَلَاءَ لَهُ عِنْدَهُمَا قِيَاسًا وَلَهُ الْوَلَاءُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ عَبْدُهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا عَتَقَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلِاسْتِرْقَاقِ بِالِاسْتِيلَاءِ اهـ.
وَالصَّبِيُّ جُعِلَ أَهْلًا لِهَذَا الْعِتْقِ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ حَتَّى عَتَقَ الْقَرِيبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَشَابَهُ النَّفَقَةَ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً وَهِيَ حُبْلَى مِنْ أَبِيهِ وَالْأَمَةُ لِغَيْرِ أَبِيهِ جَازَ الشِّرَاءُ وَعَتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا وَلَا تَعْتِقُ الْأَمَةُ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ أَنْ تَضَعَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا إذَا وَضَعَتْ وَإِنَّمَا عَتَقَ الْحَمْلُ؛ لِأَنَّهُ أُخْوَةُ، وَقَدْ مَلَكَهُ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ اهـ.
فَأَفَادَ أَنَّ الْحَمْلَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِمْ وَبِمِلْكِ قَرِيبٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مَمْلُوكٌ قَبْلَ الْوَضْعِ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا الْحَمْلُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْمَمْلُوكِ حَتَّى لَوْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يَعْتِقُ الْحَمْلُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمِلْكِ فَشَمِلَ مَا إذَا بَاشَرَ سَبَبَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ فَدَخَلَ مَا إذَا اشْتَرَى الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ مَوْلَاهُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِخِلَافِ الْمَدْيُونِ لَا يَعْتِقُ مَا اشْتَرَاهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَخَرَجَ الْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى ابْنَ مَوْلَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَشَمِلَ الْكُلَّ وَالْبَعْضَ فَإِذَا مَلَكَ بَعْضَ قَرِيبِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ بِقَدْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي
(قَوْلُهُ: وَبِتَحْرِيرٍ لِوَجْهِ اللَّهِ وَلِلشَّيْطَانِ وَلِلصَّنَمِ) أَيْ يَصِحُّ الْعِتْقُ بِتَحْرِيرٍ هُوَ عِبَادَةٌ أَوْ مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ هُوَ الرُّكْنُ الْمُؤَثِّرُ فِي إزَالَةِ الرِّقِّ، وَصِفَةُ الْقُرْبَةِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي ذَلِكَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِتْقَ وَالْكِتَابَةَ بِالْمَالِ مَشْرُوعَانِ وَإِنْ عَرِيَا عَنْ صِفَةِ الْقُرْبَةِ فَلَا يَنْعَدِمُ بِعَدَمِهَا أَصْلُ الْعِتْقِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ لِلصَّنَمِ إنَّمَا هُوَ صَادِرٌ مِنْ كَافِرٍ، أَمَّا إذَا صَدَرَ مِنْ مُسْلِمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكَفِّرَ بِهِ إذَا قَصَدَ تَعْظِيمَهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّ أَنْوَاعَهُ أَرْبَعَةٌ فَرْضٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ وَمَعْصِيَةٌ، وَفِي الْمُحِيطِ أَنَّ الْإِعْتَاقَ قَدْ يَقَعُ مُبَاحًا لَا قُرْبَةً بِأَنْ أَعْتَقَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ أَعْتَقَ لِوَجْهِ فُلَانٍ، وَقَدْ يَقَعُ مَعْصِيَةً بِأَنْ أَعْتَقَهُ لِوَجْهِ الشَّيْطَانِ اهـ.
فَفَرَّقَ بَيْنَ الْإِعْتَاقِ لِآدَمِيٍّ وَبَيْنَ الْإِعْتَاقِ لِلشَّيْطَانِ وَعَلَّلَ حُرْمَةَ الْإِعْتَاقِ لِلشَّيْطَانِ بِأَنَّهُ قَصَدَ تَعْظِيمَهُ، وَكَذَا الْعِتْقُ بِلَا نِيَّةٍ مُبَاحٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مِنْ الْإِعْتَاقِ الْمُحَرَّمِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ أَعْتَقَهُ يَذْهَبُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَرْتَدُّ أَوْ يَخَافُ مِنْهُ السَّرِقَةَ وَقَطْعَ الطَّرِيقِ وَيَنْفُذُ عِتْقُهُ مَعَ تَحْرِيمِهِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ هَذَا وَفِي عِتْقِ الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ مَا لَمْ يَخَفْ مَا ذَكَرْنَا أَجْرٌ لِتَمْكِينِهِ مِنْ النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ وَالِاشْتِغَالِ بِمَا يُزِيلُ الشُّبْهَةَ عَنْهُ.
أَمَّا مَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَغْلَى ثَمَنًا مِنْ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ يَكُونُ عِتْقُهُ أَفْضَلَ مِنْ عِتْقِ الْمُسْلِمِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «أَفْضَلُهَا أَغْلَاهَا» بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ فَبَعِيدٌ عَنْ الصَّوَابِ، وَيَجِبُ تَقْيِيدُهُ بِالْأَعْلَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ تَمْكِينُ الْمُسْلِمِ مِنْ مَقَاصِدِهِ وَتَفْرِيغُهُ، أَمَّا مَا يُقَالُ فِي عِتْقِ الْكَافِرِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَهُوَ احْتِمَالٌ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الظَّاهِرَ رُسُوخُ الِاعْتِقَادَاتِ وَإِلْفُهَا فَلَا يُرْجَعُ عَنْهَا، وَكَذَا نُشَاهِدُ الْأَحْرَارَ بِالْأَصَالَةِ مِنْهُمْ لَا يَزْدَادُونَ إلَّا ارْتِبَاطَ بَقَاءِ يَدِهِمْ فَضْلًا عَمَّنْ عَرَضَتْ حُرِّيَّتُهُ نَعَمْ الْوَجْهُ الظَّاهِرُ فِي اسْتِحْبَابِ عِتْقِهِ تَحْصِيلُ الْجِزْيَةِ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ، أَمَّا تَفْرِيغُهُ لِلتَّأَمُّلِ فَيُسَلَّمُ فَهُوَ احْتِمَالٌ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ اهـ.
وَأَرَادَ بِوَجْهِ اللَّهِ رِضَاهُ مَجَازًا وَالْوَجْهُ فِي اللُّغَةِ يَجِيءُ عَلَى مَعَانٍ يُقَالُ وَجْهُ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَوَجْهُ النَّهَارِ أَوَّلُهُ وَوَجْهُ الْكَلَامِ السَّبِيلُ الَّتِي تَقْصِدُهَا بِهِ وَوُجُوهُ الْقَوْمِ سَادَاتُهُمْ وَصَرَفْت الشَّيْءَ عَلَى وَجْهِهِ أَيْ عَلَى سُنَنِهِ وَالشَّيْطَانُ وَاحِدُ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بِمَعْنَى مَرَدَتِهِمْ وَالنُّونُ أَصْلِيَّةٌ إنْ كَانَ مِنْ شَطَنَ أَيْ بَعُدَ عَنْ الْخَيْرِ وَزَائِدَةٌ إنْ كَانَ مِنْ شَاطَ يَشِيطُ أَيْ هَلَكَ، أَمَّا الصَّنَمُ فَهُوَ صُورَةُ الْإِنْسَانِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: ثُمَّ قَالَ الْمُسْلِمُ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ إلَخْ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ فِي الِاسْتِحْسَانِ يَعْتِقُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَقَدْ مَرَّ قَرِيبًا أَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَ الْمُسْلِمُ عَبْدَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَعْتِقُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْفَتْحِ بِأَنْ يُرَادَ بِالْمُسْلِمِ ثَمَّةَ الَّذِي نَشَأَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهُنَا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ دَاخِلٌ هُنَاكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ هُنَا فَلِذَا لَمْ يَنْقَطِعْ عَنْهُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ.
(قَوْلُهُ: فَيَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَقُولُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مِلْكًا كَوْنُهُ مَمْلُوكًا مُطْلَقًا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الْمَمْلُوكِ إنْ كَانَتْ أَمَةٌ فِي مِلْكِهِ دَخَلَ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ الْحَمْلُ فَقَطْ بِأَنْ كَانَ مُوصًى لَهُ بِهِ لَا يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مَمْلُوكًا عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِأَنَّ فِي وُجُودِهِ خَطَرًا وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى صَدَقَةُ فِطْرِهِ اهـ.
وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَقُولُ: الْجَوَابُ أَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ هُنَا إنَّمَا هُوَ فِي ضِمْنِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ الْمَحْكُومِ بِثُبُوتِهِ شَرْعًا لِضَرُورَةِ دَفْعِ الذُّلِّ عَنْ الْقَرِيبِ قَرَابَةً قَوِيَّةً وَيُغْتَفَرُ فِي الضِّمْنِيَّاتِ مَا لَا
فِضَّةٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ حَجَرٍ فَهُوَ وَثَنٌ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ.
(قَوْلُهُ: وَبِكُرْهٍ وَسُكْرٍ) أَيْ يَصِحُّ الْعِتْقُ مَعَ الْإِكْرَاهِ وَالسُّكْرِ لِصُدُورِ الرُّكْنِ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ وَالْإِكْرَاهُ حَمْلُ الْغَيْرَ عَلَى مَا لَا يَرْضَاهُ وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُلْجِئَ وَهُوَ مَا يُفَوِّتُ النَّفْسَ أَوْ الْعُضْوَ وَغَيْرَ الْمُلْجِئِ، أَمَّا السُّكْرُ فَأَطْلَقَهُ أَيْضًا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا كَانَ مِنْ مُحَرَّمٍ أَوْ مُثَلَّثٍ بِقَصْدِ السُّكْرِ، أَمَّا مَا كَانَ طَرِيقُهُ مُبَاحًا كَسُكْرِ الْمُضْطَرِّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ.
وَالْحَاصِلُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَالْأَغْذِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ وَالْمُثَلَّثِ لَا بِقَصْدِ السُّكْرِ، بَلْ بِقَصْدِ الِاسْتِمْرَاءِ وَالتَّقَوِّي وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ بِلَا طَبْخٍ فَإِنَّهُ كَالْإِغْمَاءِ لَا يَصِحُّ مَعَهُ تَصَرُّفٌ وَلَا طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ، كَذَا فِي التَّحْرِيرِ وَقَدَّمْنَاهُ فِي الطَّلَاقِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى مِلْكٍ أَوْ شَرْطٍ صَحَّ) أَيْ إنْ أَضَافَ الْعِتْقَ إلَى مِلْكٍ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكَتُك فَأَنْت حُرٌّ أَوْ إلَى شَرْطٍ كَقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَقَعُ الْعِتْقُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ أَمَّا الْإِضَافَةُ إلَى الْمِلْكِ فَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ، أَمَّا التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فَلِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَيَجْرِي فِيهِ التَّعْلِيقُ بِخِلَافِ التَّمْلِيكَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ، وَالْإِضَافَةُ إلَى سَبَبِ الْمِلْكِ كَالْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ كَإِنْ اشْتَرَيْتُك فَأَنْتَ حُرٌّ بِخِلَافِ إنْ مَاتَ مُوَرِّثِي فَأَنْت حُرٌّ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمَوْتَ لَمْ يُوضَعْ سَبَبًا لِلْمِلْكِ فَالْإِضَافَةُ إلَى وَقْتٍ كَالْعِتْقِ بِالشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْحُكْمَ لَا يُوجَدُ فِيهِمَا إلَّا بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْوَقْتُ وَالْمَحَلُّ قَبْلَ ذَلِكَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَالِكِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا فِي التَّعْلِيقِ بِشَرْطِ الْمَوْتِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ التَّدْبِيرُ، وَكَذَا الِاسْتِيلَادُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالتَّعْلِيقُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ.
قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ مَلَكَتُك فَأَنْت حُرٌّ عَتَقَ لِلْحَالِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لِمُكَاتَبِهِ إنْ أَنْت عَبْدِي فَأَنْت حُرٌّ لَا يَعْتِقُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَبِهِ نَأْخُذُ؛ لِأَنَّ فِي الْإِضَافَةِ قُصُورًا اهـ.
وَفِيهَا أَيْضًا رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدِ رَجُلٍ إنْ وَهَبَك مَوْلَاك لِي فَأَنْت حُرٌّ فَوَهَبَهُ لَهُ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَاهِبِ لَا يَعْتِقُ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَقَدْ ابْتَدَأَ الْوَاهِبُ بِالْهِبَةِ قَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَإِنْ ابْتَدَأَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَقَالَ هَبْ لِي هَذَا الْعَبْدَ وَالْعَبْدُ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَقَالَ صَاحِبُ الْعَبْدِ وَهَبْت لَك عَتَقَ اهـ.
وَمِنْ مَسَائِلِ التَّعْلِيقِ اللَّطِيفَةِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا مَاتَ وَالِدِي فَأَنْت حُرَّةٌ، ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ وَالِدِهِ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَالَ لَهَا إنْ مَاتَ وَالِدِي فَأَنْت طَالِقٌ ثِنْتَيْنِ فَمَاتَ الْوَالِدُ كَانَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ أَوَّلًا تَعْتِقُ وَلَا تَطْلُقُ، ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَلَا عَتَاقٌ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْمَبْسُوطِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ حَرَّرَ حَامِلًا عَتَقَا) أَيْ الْأُمُّ وَالْحَمْلُ تَبَعًا لَهَا إذْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِهَا فَهُوَ كَسَائِرِ أَجْزَائِهَا، وَلَوْ اسْتَثْنَاهُ لَا يَصِحُّ كَاسْتِثْنَاءِ جُزْءٍ مِنْهَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا خَرَجَ أَكْثَرُ الْوَلَدِ فَأَعْتَقَ الْأُمَّ لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُنْفَصِلِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ، وَلَوْ مَاتَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَرِثُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ قَبْلَ خُرُوجِ الْأَكْثَرِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُونَ.
وَظَاهِرُهُ أَنَّ نِسْبَةَ هَذَا التَّفْصِيلِ لِأَبِي يُوسُفَ لِكَوْنِهِ نُقِلَ عَنْهُ وَحْدَهُ، لَا لِأَنَّ الصَّاحِبَيْنِ يُخَالِفَانِهِ فَإِنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْقَاعِدَةِ وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ أَعْتَقَ جَارِيَةَ إنْسَانٍ فَأَجَازَ الْمَوْلَى إعْتَاقَهُ بَعْدَمَا وَلَدَتْ يَعْتِقُ الْوَلَدُ اهـ.
وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي عِتْقِ الْحَمْلِ فَشَمِلَ مَا إذَا وَلَدَتْهُ بَعْدَ عِتْقِهَا لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَكِنْ إنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ عِتْقِهَا فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مَقْصُودًا لَا بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ حَتَّى لَا يَنْجَرَّ الْوَلَاءُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ فَحِينَئِذٍ يَنْجَرُّ الْوَلَاءُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ هُنَا عَلَى مَا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِيَكُونَ عِتْقُهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ؛ وَلِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ، وَالتَّبَعِيَّةُ إنَّمَا تَكُونُ إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْحُرِّيَّةِ الْحُرِّيَّةَ الْأَصْلِيَّةَ فَلَا إشْكَالَ وَلَا تَكْرَارَ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ حَرَّرَهُ عَتَقَ فَقَطْ) أَيْ إنْ حَرَّرَ الْحَمْلَ وَحْدَهُ عَتَقَ
ــ
[منحة الخالق]
يُغْتَفَرُ فِي الْقَصْدِيَّاتِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ فَإِنَّهُ قَصْدِي مُطْلَقٌ فَيَقْتَضِي صِفَةَ الْكَمَالِ فَاحْتَاجَ إلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مُطْلَقُ الْمِلْكِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْبَعْضُ الْمَمْلُوكُ وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْقَرِيبِ فَيَعْتِقُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ..
هُوَ دُونَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إعْتَاقِهَا مَقْصُودًا لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَلَا إلَيْهِ تَبَعًا لِمَا فِيهِ مِنْ قَلْبِ الْمَوْضُوعِ، ثُمَّ إعْتَاقُ الْحَمْلِ صَحِيحٌ وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ نَفْسَهُ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ وَالْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَلَمْ يُوجَدْ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْجَنِينِ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْإِعْتَاقِ فَافْتَرَقَا وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ حَرَّرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ التَّحْرِيرِ وَلَنْ يَتَحَقَّقَ وُجُودُهُ إلَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ وَلَا يَكُونُ قَوْلُهُ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ إقْرَارًا بِوُجُودِهِ لِعَدَمِ التَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ وَقْتَهُ لِجَوَازِ حُدُوثِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ، أَحَدُهُمَا مَا إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُعْتَدَّةً عَنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ فَتَلِدُهُ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ وَإِنْ كَانَ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ أَعْتَقَهُ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ.
ثَانِيهُمَا إذَا كَانَ حَمْلُهَا تَوْأَمَيْنِ فَجَاءَتْ بِأَوَّلِهِمَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ جَاءَتْ بِالثَّانِي لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَحْكُومًا بِوُجُودِهِ حِينَ أَعْتَقَهُ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُهُ وَتَفَرَّعَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا لَوْ قَالَ الْمَوْلَى مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ، ثُمَّ قَالَ إنْ حَمَلْت فَسَالِمٌ حُرٌّ فَوَلَدَتْ بَعْدَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالْقَوْلُ لَهُ إنْ أَقَرَّ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا يَوْمَئِذٍ عَتَقَ الْوَلَدُ وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ حَمْلٌ مُسْتَقْبَلٌ عَتَقَ سَالِمٌ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِعِتْقِ أَحَدِهِمَا وَشَكَكْنَا فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ وَالْحَمْلُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ أَوْ كَانَ حَادِثًا بَعْدَهُ فَرَجَعَ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ يَعْتِقُ سَالِمٌ دُونَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَعْتِقُ الْوَلَدُ دُونَ سَالِمٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْإِعْتَاقِ.
ثَانِيهمَا لَوْ قَالَ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ، ثُمَّ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا إنْ ضَرَبَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَجِبُ دِيَةُ الْجَنِينِ الْحُرِّ لِأَبِيهِ إنْ كَانَ لَهُ أَبٌ أَيْ حُرٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَكُونُ لِعُصْبَةِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى قَاتِلٌ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ وَإِنْ ضَرَبَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْعِتْقِ أَوْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَا يُذْكَرُ الضَّرْبُ إذْ لَا دَخْلَ لَهُ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا وَلَدْت مَا فِي بَطْنِك فَهُوَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ حَتَّى تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ حَلَفَ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ قَبْلَ الْحَلِفِ إلَّا أَنَّ هَا هُنَا يَعْتِقُ مِنْ حِينِ حَلَفَ وَفِي إذَا وَلَدْت مَا فِي بَطْنِك مِنْ يَوْمِ تَلِدُ لِاشْتِرَاطِهِ الْوِلَادَةَ اهـ.
وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي عِتْقِ الْحَمْلِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَلَا يَجِبُ الْمَالُ إذْ لَا وَجْهَ إلَى إلْزَامِ الْمَالِ عَلَى الْجَنِينِ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ وَلَا إلَى إلْزَامِهِ الْأُمَّ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ الْعِتْقِ نَفْسٌ عَلَى حِدَةٍ وَاشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى غَيْرِ الْمُعْتِقِ لَا يَجُوزُ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْخُلْعِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ لَوْ أَعْتَقَهُ عَلَى مَالٍ عَلَى أُمَّةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهَا الْعِتْقَ وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهَا شَيْءٌ لِمَا فِي الْمُحِيطِ، وَلَوْ قَالَ أَعْتَقْت مَا فِي بَطْنِك عَلَى أَلْفٍ عَلَيْك فَقَبِلَتْ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَعْتِقُ بِلَا شَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ مُعَلَّقٌ بِقَبُولِ الْأَمَةِ الْأَلْفَ، وَقَدْ قَبِلَتْ الْأَلْفَ فَعَتَقَ الْوَلَدُ وَبَطَلَ الْمَالُ. اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ مَتَى أَدَّى إلَيَّ أَلْفًا أَوْ إذَا أَدَّى إلَيَّ أَلْفًا فَوَضَعْت لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ حُرٌّ مَتَى أَدَّى إلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَأَطْلَقَ فِي تَحْرِيرِ الْحَمْلِ فَشَمِلَ مَا إذَا قَالَ حَمْلُك حُرٌّ أَوْ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ أَوْ قَالَ الْعَلَقَةُ أَوْ الْمُضْغَةُ الَّتِي فِي بَطْنِك حُرٌّ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ مَا فِي بَطْنِهَا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَلَوْ قَالَ أَكْبَرُ وَلَدٍ فِي بَطْنِك فَهُوَ حُرٌّ فَوَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنٍ فَأَوَّلُهُمَا خُرُوجًا أَكْبَرُهُمَا وَهُوَ حُرٌّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ إنْ حَمَلْت بِوَلَدٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَيْسَ مِنْهُ إنْ وَلَدْت وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْأُمَّ أَوْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْوِلَادَةِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْمُصَنِّفُ وِلَادَتَهُ حَيًّا بَعْدَ عِتْقِهِ، وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ شَرْطٌ قَالَ: وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ شَرِيكَيْ الْأَمَةِ مَا فِي بَطْنِهَا فَوَلَدَتْ تَوْأَمًا مَيِّتًا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ لَمْ يَثْبُتْ يَقِينًا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْجَنِينَ لَمْ يَكُنْ حَيًّا وَلَمْ تُنْفَخْ فِيهِ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ وَلَدَتْهُ إلَخْ) لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الضَّرْبُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيَتَأَخَّرُ إلْقَاءُ الْجَنِينِ إلَى تَمَامِهَا أَوْ أَكْثَرَ بِحَيْثُ يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِلْقَاءَ مِنْ الضَّرْبِ تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ شَرْطٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لِلْبَحْثِ فِيهِ مَجَالٍ
الرُّوحُ أَصْلًا فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ، وَلَوْ وَلَدَتْ تَوْأَمًا حَيًّا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَيَاةَ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِيهِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ، وَلَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَنِينَ فَضَرَبَ أَجْنَبِيٌّ بَطْنَهَا وَأَلْقَتْ مَيِّتًا فَعَلَى الضَّارِبِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ غُلَامًا وَعُشْرُ قِيمَتِهَا إنْ كَانَتْ جَارِيَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ مُعْتِقَ الْبَعْضِ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ فَالضَّرْبُ صَادَفَهُ وَهُوَ رَقِيقٌ فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي جَنِينِ الْأَمَةِ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ فِيهِ مَا فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ وَيَضْمَنُ الْمُعْتِقُ نِصْفَهُ لِشَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا أَوْجَبَ ضَمَانَهُ عَلَى الضَّارِبِ فَقَدْ حَكَمَ بِكَوْنِهِ حَيًّا قَبْلَ الضَّرْبِ فَيَكُونُ الْمُعْتِقُ بِالْإِعْتَاقِ مُتْلِفًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ فِيمَا أَدَّى الضَّارِبُ؛ لِأَنَّ الْمُعْتِقَ مَلَكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالضَّمَانِ فَإِنَّ الْجَنِينَ مِمَّا يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ فَإِنَّهُ يُمْلَكُ بِالْوَصِيَّةِ فَصَارَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ مُكَاتَبًا لَهُ فَهَذَا مُكَاتَبٌ مَاتَ عَنْ وَفَاءٍ فَيُقْضَى مِنْهُ سِعَايَتُهُ وَمَا بَقِيَ فَمِيرَاثٌ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِمُعْتَقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ حُرًّا اهـ.
وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ تَدْبِيرَ الْحَمْلِ وَحْدَهُ صَحِيحٌ بِالْأَوْلَى قَالُوا وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأُمِّ إذَا أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا وَيَجُوزُ هِبَتُهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَ مَا فِي بَطْنِهَا عِنْدَ بَيْعِهَا لَا يَجُوزُ قَصْدًا فَكَذَا حُكْمًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَبَعْدَمَا دَبَّرَ مَا فِي الْبَطْنِ لَوْ وَهَبَ الْأُمَّ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ بِالتَّدْبِيرِ لَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَمَّا فِي الْبَطْنِ فَإِذَا وَهَبَ الْأُمَّ بَعْدَ التَّدْبِيرِ فَالْمَوْهُوبُ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَوْهُوبٍ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى هِبَةِ الْمَشَاعِ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ، أَمَّا بَعْدَ الْعِتْقِ مَا فِي الْبَطْنِ غَيْرُ مَمْلُوكٍ اهـ.
وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ مَا فِي بَطْنِك عَتَقَتْ إذَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ لَمْ يَصِحَّ، وَلَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ الْحَامِلِ أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ مَا فِي بَطْنِك حُرٌّ فَضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ قَالَ يُخَيَّرُ الْمَوْلَى فَإِنْ أَوْقَعَ الْعِتْقَ عَلَى الْأُمِّ عَتَقَ الْجَنِينُ بِعِتْقِهَا وَعَلَى الضَّارِبِ غُرَّةٌ لِلْمَوْلَى وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ فَضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ قَالَ فِي الْجَنِينِ غُرَّةُ حُرٍّ وَيَعْتِقُ نِصْفُ الْأَمَةِ وَتَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَلَا سِعَايَةَ عَلَى الْجَنِينِ اهـ.
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ أَوْصَى بِمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ لِإِنْسَانٍ فَمَاتَ الْمُوصَى فَأَعْتَقَ الْوَرَثَةُ مَا فِي بَطْنِ الْجَارِيَةِ جَازَ إعْتَاقُهُمْ وَيَضْمَنُونَ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ وَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ وَالْكِتَابَةِ) لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ؛ وَلِأَنَّ مَاءَهُ يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا بِمَائِهَا فَيُرَجَّحُ جَانِبُهَا؛ وَلِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ مِنْ جِهَتِهَا وَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مِنْهَا حَتَّى تَرِثَهُ وَيَرِثَهَا؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ هُوَ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا حِسًّا وَحُكْمًا حَتَّى يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ تَبَعًا لَهَا فَكَانَ جَانِبُهَا أَرْجَحَ، وَكَذَا يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ فِي الْبَهَائِمِ أَيْضًا حَتَّى إذَا تَوَلَّدَ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ أَوْ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ يُؤْكَلُ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مَأْكُولَةً وَتَجُوزُ الْأُضْحِيَّةُ بِهِ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ هَلْ يَصِيرُ الْوَلَدُ حُرًّا مِنْ زَوْجَيْنِ رَقِيقَيْنِ مِنْ غَيْرِ إعْتَاقٍ وَلَا وَصِيَّةٍ قِيلَ نَعَمْ وَصُورَتُهُ إذَا كَانَ لِلْحُرِّ وَلَدٌ هُوَ عَبْدٌ لِأَجْنَبِيٍّ فَزَوَّجَ الْأَبُ جَارِيَتَهُ مِنْ وَلَدِهِ بِرِضَا مَوْلَاهُ فَوَلَدَتْ الْجَارِيَةُ
ــ
[منحة الخالق]
(قَوْلُهُ: فَأَعْتَقَ الْوَرَثَةُ مَا فِي بَطْنِ الْجَارِيَةِ) كَذَا رَأَيْته فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ فَأَعْتَقَ الْوَارِثُ الْأَمَةَ فَهُوَ جَائِزٌ وَوَلَاؤُهَا وَوَلَاءُ مَا فِي بَطْنِهَا لَهُ وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ مَا فِي بَطْنِهَا يَوْمَ تَلِدُ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ فِي الْبَهَائِمِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا مَنْقُوضٌ بِالشَّاةِ إذَا نَزَا عَلَيْهَا كَلْبٌ فَوَلَدَتْ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا اهـ.
قُلْتُ: لَكِنْ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ
وَإِنْ يَنْزُ كَلْبٌ فَوْقَ عَنْزٍ فَجَاءَهَا
…
نِتَاجٌ لَهُ رَأْسُ الْكِلَابِ فَيُنْظَرُ
فَإِنْ أَكَلَتْ لَحْمًا فَكَلْبٌ جَمِيعُهَا
…
وَإِنْ أَكَلَتْ تِبْنًا فَذَا الرَّأْسُ يُبْتَرُ
وَيُؤْكَلُ بَاقِيهَا وَإِنْ أَكَلَتْ لِذَا
…
وَذَا فَاضْرِبَنْهَا فَالصِّيَاحُ يُخْبِرُ
وَإِنْ أَشْكَلَتْ فَاذْبَحْ فَإِنْ كِرْشَهَا بَدَا
…
فَعَنْزٌ وَإِلَّا فَهْيَ كَلْبٌ فَيُطْمَرُ
قَالَ شَارِحُهَا الشُّرُنْبُلَالِيُّ: الْمَسْأَلَةُ مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ كَلْبٌ نَزَا عَلَى عَنْزٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا رَأْسُهُ رَأْسُ كَلْبٍ وَبَاقِيهِ يُشْبِهُ الْعَنْزَ قَالُوا يُقَدَّمُ إلَيْهِ الْعَلَفُ وَاللَّحْمُ فَإِنْ تَنَاوَلَ الْعَلَفَ دُونَ اللَّحْمِ تُرْمَى رَأْسُهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَيُؤْكَلُ مَا سِوَاهَا وَإِنْ تَنَاوَلَهُمَا جَمِيعًا يُضْرَبُ فَإِنْ نَبَحَ لَا يُؤْكَلُ وَإِنْ ثَغَى تُرْمَى رَأْسُهُ وَيُؤْكَلُ غَيْرُهَا فَإِنْ ثَغَى وَنَبَحَ ذُبِحَ فَإِنْ وُجِدَ لَهُ كِرْشٌ أُكِلَ مَا سِوَى الرَّأْسِ وَإِنْ وُجِدَ لَهُ أَمْعَاءُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ كَلْبٌ وَعَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ نَزَا حِمَارٌ عَلَى حِمَارَةٍ وَحْشِيَّةٍ فَوَلَدَتْ تَبِعَ أُمَّهُ فَيُؤْكَلُ؛ لِأَنَّ لِلْوَلَدِ حُكْمَ أُمِّهِ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْوَلْوالِجِيَّة الِاعْتِبَارُ فِي الْمُتَوَلِّدِ لِلْأُمِّ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَالْحِلِّ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ فِيهِمَا حَتَّى إذَا نَزَا ظَبْيٌ عَلَى شَاةٍ أَهْلِيَّةٍ فَإِنْ وَلَدَتْ شَاةً تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا وَإِنْ وَلَدَتْ ظَبْيًا لَمْ تَجُزْ، وَلَوْ وَلَدَتْ الرَّمَكَةُ حِمَارًا لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يُؤْكَلْ وَفِي الْخُلَاصَةِ
وَلَدًا فَهُوَ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ وَلَدُ وَلَدِ الْمَوْلَى، وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَمْلِ أَوْ بِالْجَنِينِ بَدَلَ الْوَلَدِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي أَوْصَافِهَا إلَّا الْحَمْلُ، أَمَّا الْوَلَدُ بَعْدَ الْوَضْعِ فَلَا يَتْبَعُهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَا يَعْتِقُ الْوَلَدُ.
وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحُرِّيَّةِ هُنَا الْحُرِّيَّةُ الْأَصْلِيَّةُ، أَمَّا الطَّارِئَةُ فَقَدْ أَفَادَهَا أَوَّلًا بِقَوْلِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَا وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ اخْتَلَفَ الْمَوْلَى وَالْمُدَبَّرَةُ فِي وَلَدِهَا فَقَالَ الْمَوْلَى وَلَدْتِيهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ فَهُوَ رَقِيقٌ، وَقَالَتْ هِيَ وَلَدْته بَعْدَهُ فَهُوَ مُدَبَّرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَبَّرَةِ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ التَّدْبِيرِ عِتْقٌ فَقَالَ الْمَوْلَى لِلْمُعْتَقَةِ وَلَدْتِيهِ قَبْلَ الْعِتْقِ وَهُوَ رَقِيقٌ، وَقَالَتْ وَلَدْته بَعْدَ الْعِتْقِ وَهُوَ حُرٌّ يُحَكَّمُ فِيهِ الْحَالُ إنْ كَانَ الْوَلَدُ فِي يَدِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْمَوْلَى فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرَةِ فَإِنَّهَا فِي يَدِ الْمَوْلَى فَكَذَا وَلَدَهَا. اهـ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الدَّعْوَى فِي مَسْأَلَةِ إعْتَاقِهَا لَوْ كَانَ الْوَلَدُ فِي أَيْدِيهِمَا فَكَذَلِكَ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهَا؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي الْوِلَادَةَ فِي أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَفِيهِ حُرِّيَّةُ الْوَلَدِ، وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمَوْلَى قَامَتْ عَلَى نَفْيِ الْعِتْقِ وَبَيِّنَتَهَا قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ الْحُرِّيَّةِ، وَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابَةِ، أَمَّا فِي التَّدْبِيرِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُمَا تَصَادَقَا عَلَى رَقِّ الْوَلَدِ، وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْوَلَدُ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ يُرْجَعُ إلَيْهِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْوَلَدِ وَإِلَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ مِنْهُمَا اهـ.
وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِعَطْفِ الرِّقِّ عَلَى الْمِلْكِ إلَى الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْمِلْكَ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ ابْتِدَاءً فَخَرَجَ الْوَلِيُّ وَالْوَصِيُّ وَالْوَكِيلُ، أَمَّا الرِّقُّ فَعَجْزٌ حُكْمِيٌّ عَنْ الْوِلَايَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَمَالِكِيَّةِ الْمَالِ كَائِنٌ عَنْ جَعْلِهِ شَرْعًا عُرْضَةً لِلتَّمَلُّكِ وَالِابْتِذَالِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ فَقِيلَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا اسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَتِهِ جَعَلَهُمْ اللَّهُ أَرِقَّاءَ لِعِبَادِهِ فَكَانَ سَبَبَ رِقِّهِمْ كُفْرَهُمْ أَوْ كُفْرُ أُصُولِهِمْ، وَقِيلَ بِالثَّانِي لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى نَفْعِهِمْ وَإِقَامَةِ مَصَالِحِهِمْ وَدَفْعِ الشَّرِّ عَنْهُمْ قَالُوا أَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ الْمَأْسُورُ يُوصَفُ بِالرِّقِّ وَلَا يُوصَفُ بِالْمِلْكِ إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْمِلْكُ يُوجَدُ فِي الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ دُونَ الرِّقِّ وَبِالْبَيْعِ يَزُولُ مِلْكُهُ دُونَ الرِّقِّ وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ مِلْكُهُ قَصْدًا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَيَزُولُ الرِّقُّ ضِمْنًا ضَرُورَةَ فَرَاغِهِ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَيَتَبَيَّنُ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِنِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الْمِلْكَ وَالرِّقَّ كَامِلَانِ فِي الْقِنِّ، وَرِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزُ عِتْقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ وَالْمِلْكُ فِيهَا كَامِلٌ حَتَّى جَازَ وَطْءُ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرَةِ، وَالْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ حَتَّى جَازَ عِتْقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ حَتَّى خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ جَوَازَ الْبَيْعِ يَعْتَمِدُ كَمَالَهُمَا وَحِلَّ الْوَطْءِ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الْمِلْكِ فَقَطْ وَجَوَازَ الْعِتْقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ يَعْتَمِدُ كَمَالَ الرِّقِّ فَقَطْ وَقَيَّدَ بِالتَّبَعِيَّةِ فِيمَا ذَكِرَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ النَّسَبِ فَإِنَّهُ لِلْأَبِ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ لِلتَّعْرِيفِ وَحَالُ الرِّجَالِ مَكْشُوفَةٌ دُونَ النِّسَاءِ حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ هَاشِمِيٌّ أَمَةَ إنْسَانٍ فَأَتَى بِوَلَدٍ فَهُوَ هَاشِمِيٌّ تَبَعًا لِأَبِيهِ رَقِيقٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ قَدْ رَضِيَ بِرِقِّ الْوَلَدِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى تَزَوُّجِهَا مَعَ الْعِلْمِ بِرِقِّهَا بِخِلَافِ الْمَغْرُورِ فَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ الْأَمَةِ حُرٌّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ لِعَدَمِ عِلْمِهِ فَانْعَلَقَ حُرًّا وَوَجَبَتْ الْقِيمَةُ وَهُوَ مِمَّا يُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ وَالْمِلْكِ وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِهِ فِي بَابِ دَعْوَةِ النَّسَبِ وَلِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدِّينِ فَإِنَّهُ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا؛ لِأَنَّهُ أَنْظَرُ لَهُ.
(قَوْلُهُ: وَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا حُرٌّ) ؛ لِأَنَّهُ انْعَلَقَ حُرًّا لِلْقَطْعِ بِأَنَّ إبْرَاهِيمَ ابْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ قَطُّ إلَّا حُرٌّ إلَّا أَنَّهُ يَعْلَقُ مَمْلُوكًا، ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الْمَبْسُوطِ الْوَلَدُ يَعْلَقُ حُرًّا مِنْ الْمَاءَيْنِ؛ لِأَنَّ مَاءَهُ حُرٌّ وَمَاءُ جَارِيَتِهِ مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا فَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ بِخِلَافِ ابْنِهِ مِنْ جَارِيَةِ الْغَيْرِ فَإِنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِغَيْرِهِ فَتَتَحَقَّقُ الْمُعَارَضَةُ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهَا بِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهَا بِيَقِينٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ
ــ
[منحة الخالق]
فِي الْأُضْحِيَّةِ الْمُتَوَلِّدَةِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالشَّاةِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْإِمَامُ الْجُرْجَانِيِّ إنْ كَانَ يُشْبِهُ الْأُمَّ يَجُوزُ اهـ.