المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يَثْبُتْ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ اعْتِبَارًا - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٤

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاق]

- ‌(بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ)

- ‌[بَابُ الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ]

- ‌[بَابُ الْإِيلَاءِ]

- ‌[وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاء]

- ‌[وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ]

- ‌[الْإِيلَاء مِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

- ‌ الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌[شَرَائِطُ وُجُوبِ اللِّعَانِ]

- ‌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْهُ

- ‌[اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ]

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ

- ‌[قَذْفِ الْأَخْرَسِ]

- ‌ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌[عِدَّةُ الْحُرَّةِ]

- ‌ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌ عِدَّةِ الْأَمَةِ

- ‌عِدَّةُ الْحَامِلِ

- ‌عِدَّةُ مَنْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا ثُمَّ رَأَتْ دَمًا

- ‌[عدة الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ]

- ‌[عدة زَوْجَةِ الصَّغِيرِ الْحَامِلِ]

- ‌مَبْدَأُ الْعِدَّةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ]

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌الزَّوْجِيَّةِ

- ‌[أَسْبَابٍ وُجُوب النَّفَقَة]

- ‌ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ

- ‌ النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ

- ‌[النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ]

- ‌[نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ]

- ‌[النَّفَقَة مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ]

- ‌ النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ

- ‌(كِتَابُ الْعِتْقِ)

- ‌[امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ]

- ‌(بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ]

- ‌(بَابُ التَّدْبِيرِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِيلَادِ)

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[ثَلَاثِ مَسَائِلَ فِي الْحُلْف]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ)

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ]

- ‌ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ

- ‌[اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَكَانَ قَدْ قَالَ آخَرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ

- ‌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَهُ

- ‌(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ

- ‌[قَالَتْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ]

- ‌[قَوْلُهُ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[قَالَ لَأَقْضِيَنَّ دَيْنَيْ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ نَبَهْرَجَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ مُسْتَحَقَّةً]

- ‌[حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ]

- ‌[حَلَفَ لَيَهَبَنَّ فُلَانًا فَوَهَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ]

الفصل: يَثْبُتْ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ اعْتِبَارًا

يَثْبُتْ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِدُونِ تَصْدِيقِهِ اعْتِبَارًا بِالْأَبِ يَدَّعِي وَلَدَ جَارِيَةِ ابْنِهِ، وَجْهُ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْفَرْقُ أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي أَكْسَابِ مُكَاتَبِهِ حَتَّى لَا يَتَمَلَّكَهُ وَالْأَبُ يَمْلِكُ تَمَلُّكَهُ فَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ الِابْنِ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ الْعُقْرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُهُ الْمِلْكُ لِأَنَّ مَالَهُ مِنْ الْحَقِّ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ لِمَا ذَكَرَ، وَإِنَّمَا لَزِمَهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَغْرُورِ حَيْثُ اُعْتُمِدَ دَلِيلًا، وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبٌ كَسَبَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِرِقِّهِ فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ إلَّا أَنَّ الْقِيمَةَ هُنَا تُعْتَبَرُ يَوْمَ وُلِدَ، وَقِيمَةَ وَلَدِ الْمَغْرُورِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ، وَإِنَّمَا لَمْ تَصِرْ الْجَارِيَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْرُورِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمُكَاتَبُ فِي النَّسَبِ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْمَوْلَى لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ فَلَوْ مَلَكَهُ يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ لِقِيَامِ الْمُوجِبِ وَزَوَالِ حَقِّ الْمُكَاتَبِ؛ إذْ هُوَ الْمَانِعُ قَيَّدَ بِأَمَةِ الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَطِئَ الْمُكَاتَبَةَ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهَا؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ بِخِلَافِ كَسْبِهَا، وَفِي التَّبْيِينِ وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْهُ جَارِيَةُ غَيْرِهِ وَقَالَ أَحَلَّهَا لِي مَوْلَاهَا، وَالْوَلَدُ وَلَدِي فَصَدَّقَهُ الْمَوْلَى فِي الْإِحْلَالِ وَكَذَّبَهُ فِي الْوَلَدِ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ فَإِنْ مَلَكَهَا يَوْمًا ثَبَتَ نَسَبُهُ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي الْوَلَدِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَلَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ، أَوْ امْرَأَتِهِ وَقَالَ ظَنَنْتُ أَنَّهَا تَحِلُّ لِي لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَلَكَهُ يَوْمًا عَتَقَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَلَكَ أُمَّهُ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِعَدَمِ ثُبُوتِ نَسَبِهِ اهـ. وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

مُنَاسَبَتُهَا لِلْعَتَاقِ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْهَزْلُ وَالْإِكْرَاهُ كَالطَّلَاقِ وَقَدَّمَ الْعَتَاقَ عَلَيْهِ لِقُرْبِهِ مِنْ الطَّلَاقِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِسْقَاطِ.

وَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ وَالْقُوَّةِ قَالُوا: إنَّمَا سُمِّيَ الْقَسَمُ يَمِينًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ هِيَ الْقُوَّةُ وَالْحَالِفُ يَتَقَوَّى بِالْقَسَمِ عَلَى الْحَمْلِ أَوْ الْمَنْعِ. وَالثَّانِي أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَاسَكُونَ بِأَيْدِيهِمْ عِنْدَ الْقَسَمِ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ لَفْظَ الْيَمِينِ لَفْظٌ مَنْقُولٌ، وَمَفْهُومُهُ - لُغَةً - جُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ صَرِيحَةُ الْجُزْأَيْنِ يُؤَكَّدُ بِهَا جُمْلَةٌ بَعْدَهَا خَبَرِيَّةٌ فَخَرَجَ بِقَيْدِ " أُولَى " نَحْوُ زَيْدٌ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ فَإِنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ عَلَى عَكْسِ الْيَمِينِ، وَشَمِلَ الْجُمْلَةَ الْفِعْلِيَّةَ كَ حَلَفْتُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، أَوْ أَحْلِفُ، وَالِاسْمِيَّةَ سَوَاءٌ كَانَتْ مُقَدَّمَةَ الْخَبَرِ كَعَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، أَوْ مُؤَخَّرَتَهُ نَحْوُ لَعَمْرُكَ لَأَفْعَلَنَّ، وَأَسْمَاءُ هَذَا الْمَعْنَى التَّوْكِيدِيِّ سِتَّةٌ: الْحَلِفُ وَالْقَسَمُ وَالْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَالْإِيلَاءُ وَالْيَمِينُ وَخَرَجَ بِقَيْدِ الْإِنْشَائِيَّةِ نَحْوُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فَإِنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ إنْشَائِيَّةً فَلَيْسَتْ التَّعَالِيقُ أَيْمَانًا حَقِيقَةً.

وَأَمَّا مَفْهُومُهُ الِاصْطِلَاحِيُّ فَجُمْلَةٌ أُولَى إنْشَائِيَّةٌ يُقْسِمُ فِيهَا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَتِهِ يُؤَكِّدُ بِهَا مَضْمُونَ ثَانِيَةٍ فِي نَفْسِ السَّامِعِ ظَاهِرًا، أَوْ يَحْمِلُ الْمُتَكَلِّمَ عَلَى تَحْقِيقِ مَعْنَاهَا - فَدَخَلَتْ بِقَيْدِ الظُّهُورِ الْغَمُوسُ -، أَوْ الْتِزَامُ مَكْرُوهٍ كَفَّرَ، أَوْ زَوَالِ مِلْكٍ عَلَى تَقْدِيرٍ لِيُمْنَعَ عَنْهُ، أَوْ مَحْبُوبٍ لِيُحْمَلَ عَلَيْهِ فَدَخَلَتْ التَّعْلِيقَاتُ مِثْلُ إنْ فَعَلَ فَهُوَ يَهُودِيٌّ، وَإِنْ دَخَلْتُ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِضَمِّ التَّاءِ لِمَنْعِ نَفْسِهِ وَبِكَسْرِهَا لِمَنْعِهَا وَإِنْ بَشَّرْتنِي فَأَنْتَ حُرٌّ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَرَّفَهَا فِي الْكَافِي بِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ تَحْقِيقِ مَا قَصَدَهُ مِنْ الْبِرِّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ نَفْيًا، أَوْ إثْبَاتًا وَعَرَّفَهَا فِي التَّبْيِينِ بِأَنَّهَا عَقْدٌ قَوِيٌّ بِهِ عَزَمَ الْحَالِفُ عَلَى الْفِعْلِ، أَوْ التَّرْكِ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ بِأَنَّهَا تُقَوِّي الْخَبَرَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِالتَّعْلِيقِ وَظَاهِرُ مَا فِي الْبَدَائِعِ أَنَّ التَّعْلِيقَ يَمِينٌ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا قَالَ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا أَطْلَقَ عَلَيْهِ يَمِينًا، وَقَوْلُهُ: حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ وَذَكَرَ أَنَّ فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَنْ حَلَفَ لَا يَحْلِفُ، ثُمَّ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ فَعِنْدَ الْعَامَّةِ يَحْنَثُ وَعِنْدَ أَصْحَابِ الظَّوَاهِرِ لَا يَحْنَثُ.

وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهَا وَشَرْطُهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ

ــ

[منحة الخالق]

(كِتَابُ الْأَيْمَانِ)

(قَوْلُهُ: فَخَرَجَ بِقَيْدِ " أُولَى " إلَخْ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ وَتَرْكُ لَفْظِ " أُولَى " يُصَيِّرُهُ غَيْرَ مَانِعٍ لِدُخُولِ نَحْوِ زَيْدٌ قَائِمٌ زَيْدٌ قَائِمٌ وَهُوَ عَلَى عَكْسِهِ فَإِنَّ الْأُولَى هِيَ الْمُؤَكَّدَةُ بِالثَّانِيَةِ مِنْ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى أَنَّ الْجُمْلَةَ الثَّانِيَةَ الْمُؤَكِّدَةَ إنْشَائِيَّةٌ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَأَمَّا ثَانِيًا بِتَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَقَدْ خَرَجَ بِقَوْلِهِ بَعْدَهَا فَتَدَبَّرْ. (قَوْلُهُ: أَوْ الْتِزَامُ مَكْرُوهٍ) بِرَفْعِ " الْتِزَامُ " عَطْفًا عَلَى " جُمْلَةٌ ".

ص: 300

وَالْإِسْلَامُ وَمَنْ زَادَ الْحُرِّيَّةَ كَالشُّمُنِّيِّ فَقَدْ سَهَا؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْعَقِدُ يَمِينُهُ وَيُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ ثَالِثًا: وَهُوَ كَوْنُ الْخَبَرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ الْيَمِينُ مُحْتَمِلًا لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مُتَمَثِّلًا بَيْنَ الْبِرِّ وَالْهَتْكِ فَيَتَحَقَّقُ حُكْمُهُ وَهُوَ وُجُوبُ الْبِرِّ اهـ.

وَهُوَ صَحِيحٌ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ إمْكَانَ الْبِرِّ شَرْطٌ لِانْعِقَادِهَا عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكُوزِ، وَسَبَبُهَا الْغَائِيُّ تَارَةً إيقَاعُ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَتَارَةً حَمْلُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْفِعْلِ، أَوْ التَّرْكِ وَحُكْمُهَا شَيْئَانِ وُجُوبُ الْبِرِّ بِتَحَقُّقِ الصِّدْقِ فِي نَفْسِ الْيَمِينِ وَالثَّانِي وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْحِنْثِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ بَيَانٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِهَا فَإِنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْبِرَّ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا وَحَرَامًا وَأَنَّ الْحِنْثَ يَكُونُ وَاجِبًا وَمَنْدُوبًا، وَفِي الْمُحِيطِ وَالْأَفْضَلُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى تَقْلِيلُهَا؛ لِأَنَّ فِي تَكْثِيرِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمَاضِي نِسْبَةَ نَفْسِهِ إلَى الْكَذِبِ، وَفِي تَكْثِيرِ الْيَمِينِ الْمُضَافَةِ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ تَعْرِيضَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْهَتْكِ، وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ تَعَالَى مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلْحَدِيثِ «لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيَذَرْ» وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أُضِيفَ إلَى الْمَاضِي يُكْرَهُ، وَإِذَا أُضِيفَ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَحْسَنُ لِمَا رَوَى «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا لَاعَنَ بَيْنَ الْعَجْلَانِيِّ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ الْعَجْلَانِيُّ إنْ أَمْسَكْتُهَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» إلَى آخِرِهِ، وَفِي التَّبْيِينِ لَا تُكْرَهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ خَصْمُهُ لَا أُرِيدُ الْحَلِفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى يُخْشَى عَلَيْهِ الْكُفْرُ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَحَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ كَذِبًا عَمْدًا غَمُوسٌ) بَيَانٌ لِأَنْوَاعِهَا وَهِيَ ثَلَاثَةٌ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ: الْأَوَّلُ الْغَمُوسُ وَهُوَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَمْرٍ مَاضٍ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ فِيهِ سُمِّيَتْ غَمُوسًا؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الذَّنْبِ، ثُمَّ فِي النَّارِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا أَطْلَقَ فِي الْمَاضِي فَشَمِلَ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَقَالَ فَإِنْ قُلْت: إذَا قِيلَ: وَاَللَّهِ إنَّ هَذَا حَجَرٌ كَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا الْحَلِفَ عَلَى الْفِعْلِ قُلْتُ: تُقَدَّرُ كَلِمَةُ كَانَ أَوْ يَكُونُ إذَا أُرِيدَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَوْلُهُ: كَذِبًا عَمْدًا حَالَانِ مِنْ الضَّمِيرِ فِي حَلِفِهِ بِمَعْنَى كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَا صِفَتَيْنِ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَزَادَ فِي الْمُحِيطِ ثَالِثًا) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ رَابِعًا وَكَأَنَّهُ سَمَّاهُ ثَالِثًا نَظَرًا إلَى أَنَّ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ بِمَعْنَى التَّكْلِيفِ فَهُمَا فِي الْمَعْنَى شَرْطٌ وَاحِدٌ.

(قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مَكْرُوهَةٌ) هَذَا بِعُمُومِهِ شَامِلٌ لِمَا فِيهِ حَرْفُ الْقَسَمِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ كَالتَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، وَظَاهِرُ مَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ، وَفِي التَّبْيِينِ: لَا تُكْرَهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ شَامِلٌ لِلنَّوْعَيْنِ لَكِنْ فِي الْفَتْحِ مَا يُفِيدُ تَخْصِيصَهُ بِالتَّعْلِيقِ حَيْثُ قَالَ: ثُمَّ قِيلَ يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ» الْحَدِيثَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ لِمَنْعِ نَفْسِهِ، أَوْ غَيْرِهِ وَمَحْمَلُ الْحَدِيثِ غَيْرُ التَّعْلِيقِ مِمَّا هُوَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ اهـ.

وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى قَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ: أَخَافُ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك أَنَّهُ يَكْفُرُ ثُمَّ رَاجَعْت عِبَارَةَ التَّبْيِينِ فَوَجَدْتهَا تُفِيدُ مَا قُلْنَا وَنَصُّهَا وَالْيَمِينُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مَشْرُوعٌ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْجَزَاءِ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَضْعًا، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَمِينًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لِحُصُولِ مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْحَمْلُ، أَوْ الْمَنْعُ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا تُكْرَهُ، وَتَقْلِيلُهُ أَوْلَى مِنْ تَكْثِيرِهِ وَالْيَمِينُ بِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ الْبَعْضِ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ فِيهِ وَعِنْدَ عَامَّتِهِمْ لَا تُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا الْوَثِيقَةُ لَا سِيَّمَا فِي زَمَانِنَا وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا عَلَى وَجْهِ الْوَثِيقَةِ كَقَوْلِهِمْ: وَأَبِيكَ وَلَعَمْرِي وَنَحْوَهُ انْتَهَتْ. أَيْ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَأَبِيكَ وَلَعَمْرِي لَا يُفِيدُ الْوَثِيقَةَ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْحَالِفَ بِهِ شَيْءٌ بِخِلَافِ التَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ يُفِيدُ الْوَثِيقَةَ فَإِنَّ الْحَالِفَ إذَا حَنِثَ يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ وَنَحْوُهُ فَتَثِقُ بِمَنْ حَلَفَ لَك بِهِ تَأَمَّلْ لَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جُمْلَةِ أَلْفَاظِ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ قَوْلَهُ: لَعَمْرُ اللَّهِ وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُهُ بِالْحِنْثِ الْكَفَّارَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ فَيُفِيدُ الْوَثِيقَةَ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ لَعَمْرِي وَلَعَمْرُ اللَّهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَذَكَرَ الْقُهُسْتَانِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ لَعَمْرُ اللَّهِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ قَوْلِنَا لَعَمْرُ فُلَانٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ بِغَيْرِهِ تَعَالَى، وَإِذَا حَلَفَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبَرَّ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ فَإِنَّ الْبِرَّ فِيهِ كُفْرٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا فِي كِفَايَةِ الشَّعْبِيِّ اهـ.

لَكِنْ فِي الْقَامُوسِ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ قَوْلِ لَعَمْرُ اللَّهِ اهـ.

وَانْظُرْ مَا فِي أَوَائِلِ حَاشِيَةِ الْمُطَوَّلِ لِحَسَنِ جَلَبِي: وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ كَانَ مِمَّا تَحْصُلُ بِهِ الْوَثِيقَةُ يُكْرَهُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَعِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لَا يُكْرَهُ وَذَلِكَ كَالتَّعْلِيقِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحَجِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذْ لَيْسَ فِيهِ تَعْظِيمُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا مَا لَا تَحْصُلُ بِهِ الْوَثِيقَةُ مِثْلُ وَأَبِيكَ وَحَيَاتِكَ فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ لِلنَّهْيِ الصَّرِيحِ عَنْ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ وَلِأَنَّهُ يُوهِمُ مُشَارَكَةَ الْمُقْسَمِ بِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي التَّعْظِيمِ وَأَمَّا إقْسَامُهُ سبحانه وتعالى بِغَيْرِهِ كَالضُّحَى وَالنَّجْمِ وَاللَّيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَالُوا: إنَّهُ مُخْتَصٌّ بِهِ تَعَالَى إذْ لَهُ أَنْ يُعَظِّمَ مَا شَاءَ وَلَيْسَ لَنَا ذَلِكَ بَعْدَ نَهْيِنَا عَنْهُ. .

ص: 301

حَلِفًا، وَفِي الْمَبْسُوطِ إنَّ الْغَمُوسَ لَيْسَتْ بِيَمِينٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْيَمِينَ عَقْدٌ مَشْرُوعٌ، وَالْكَبِيرَةَ ضِدُّ الْمَشْرُوعِ وَلَكِنْ سُمِّيَتْ يَمِينًا مَجَازًا؛ لِأَنَّ ارْتِكَابَ هَذِهِ الْكَبِيرَةِ بِصُورَةِ الْيَمِينِ كَمَا سُمِّيَ بَيْعُ الْحُرِّ بَيْعًا مَجَازًا لِوُجُودِ صُورَةِ الْبَيْعِ فِيهِ اهـ.

وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَاضِي فِي الْغَمُوسِ وَاللَّغْوِ قَالُوا وَيَتَأَتَّيَانِ أَيْضًا فِي الْحَالِ فَفِي الْغَمُوسِ نَحْوُ وَاَللَّهِ مَا لِهَذَا عَلَيَّ دَيْنٌ وَهُوَ يَعْلَمُ خِلَافَهُ، وَوَاَللَّهِ إنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ عَمْرٌو، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا وَقَعَ مِنْ التَّقْيِيدِ بِالْمَاضِي فَهُوَ بِنَاءٌ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّ الْمَاضِيَ شَرْطٌ اهـ.

وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَإِنْ قُلْت: الْحَلِفُ كَمَا يَكُونُ عَلَى الْمَاضِي وَالْآتِي يَكُونُ عَلَى الْحَالِ فَلِمَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ أَقْسَامِ الْحَلِفِ قُلْتُ: إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِمَعْنًى دَقِيقٍ وَهُوَ أَنَّ الْكَلَامَ يَحْصُلُ أَوَّلًا فِي النَّفْسِ فَيُعَبَّرُ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَالْإِخْبَارُ الْمُعَلَّقُ بِزَمَانِ الْحَالِ إذَا حَصَلَ فِي النَّفْسِ فَعُبِّرَ عَنْهُ بِاللِّسَانِ فَإِذَا تَمَّ التَّعْبِيرُ بِاللِّسَانِ انْعَقَدَ الْيَمِينُ فَزَمَانُ الْحَالِ صَارَ مَاضِيًا بِالنِّسْبَةِ إلَى زَمَانِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَإِذَا قَالَ كَتَبْت لَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ وَأَمَّا إذَا قَالَ سَوْفَ أَكْتُبُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْكِتَابَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّكَلُّمِ يَعْنِي ابْتِدَاءَ الزَّمَانِ الَّذِي مِنْ ابْتِدَاءِ التَّكَلُّمِ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ زَمَانُ الْحَالِ بِحَسَبِ الْعُرْفِ وَهُوَ مَاضٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى آنِ الْفَرَاغِ وَهُوَ آنُ انْعِقَادِ الْيَمِينِ فَيَكُونُ الْحَلِفُ عَلَيْهِ الْحَلِفَ عَلَى الْمَاضِي اهـ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ الْمُصَنِّفُ الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ فِي الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي - صَادِقًا - لَيْسَ مِنْهَا، وَجَوَابُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ حَصْرُ الْأَيْمَانِ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْأَحْكَامُ لَيْسَ بِدَافِعٍ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ كَاللَّغْوِ لَا إثْمَ فِيهَا فَكَانَ لَهَا حُكْمٌ.

(قَوْلُهُ: وَظَنًّا لَغْوٌ) أَيْ حَلِفُهُ عَلَى مَاضٍ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ - وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ - لَغْوٌ فَقَوْلُهُ ظَنًّا مَعْطُوفٌ عَلَى كَذِبًا سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهَا، وَاللَّغْوُ اسْمٌ لِمَا لَا يُفِيدُ يُقَالُ لَغَا إذَا أَتَى بِشَيْءٍ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَفِي الْمُغْرِبِ اللَّغْوُ الْبَاطِلُ مِنْ الْكَلَامِ وَمِنْهُ اللَّغْوُ فِي الْأَيْمَانِ لِمَا لَا يَعْقِدُ عَلَيْهِ الْقَلْبَ وَقَدْ لَغَا فِي الْكَلَامِ يَلْغُو وَيُلْغِي وَلَغَا يُلْغِي وَمِنْهُ قَوْلُهُ: فَقَدْ لَغَوْت وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِ شَرْعًا فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ أَنَّهَا الْحَلِفُ عَلَى مَاضٍ يَظُنُّ أَنَّهُ كَمَا قَالَ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ تَرْكٍ، أَوْ صِفَةٍ وَالْأَمْرُ بِضِدِّهِ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَقَدْ دَخَلْت الدَّارَ وَاَللَّهِ مَا كَلَّمْت زَيْدًا أَوْ رَأَى طَائِرًا مِنْ بَعِيدٍ فَظَنَّهُ غُرَابًا فَقَالَ وَاَللَّهِ إنَّهُ غُرَابٌ، أَوْ قَالَ إنَّهُ زَيْدٌ وَهُوَ يَظُنُّهُ كَذَلِكَ وَالْأَمْرُ بِخِلَافِهِ فِي الْكُلِّ وَمِنْ الصِّفَاتِ مَا فِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ حَلَّفَهُ السُّلْطَانُ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِأَمْرِ كَذَا فَحَلَفَ، ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَرْجُو أَنْ لَا يَحْنَثَ اهـ.

وَقَدَّمْنَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْحَالِ أَيْضًا وَمِثْلُهُ فِي الْمُجْتَبَى بِقَوْلِهِ وَاَللَّهِ إنَّ الْمُقْبِلَ زَيْدٌ يَظُنُّهُ زَيْدًا فَإِذَا هُوَ عَمْرٌو، وَفِي الْبَدَائِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا: هِيَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ خَطَأً، أَوْ غَلَطًا فِي الْمَاضِي، أَوْ فِي الْحَالِ وَهُوَ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ الْمَاضِي، أَوْ عَنْ الْحَالِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ كَمَا أَخْبَرَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ فِي النَّفْيِ، أَوْ فِي الْإِثْبَاتِ وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: اللَّغْوُ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ عَلَى الشَّيْءِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ حَقٌّ وَلَيْسَ بِحَقٍّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَمِينُ اللَّغْوِ هِيَ الْيَمِينُ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ وَهُوَ مَا يَجْرِي عَلَى أَلْسُنِ النَّاسِ فِي كَلِمَاتِهِمْ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْيَمِينِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَاضِي، أَوْ فِي الْحَالِ، أَوْ الْمُسْتَقْبَلِ، وَأَمَّا عِنْدَنَا فَلَا لَغْوَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَلْ الْيَمِينُ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَمِينٌ مَعْقُودَةٌ وَفِيهَا الْكَفَّارَةُ إذَا حَنِثَ قَصَدَ الْيَمِينَ، أَوْ لَمْ يَقْصِدْ.

وَإِنَّمَا اللَّغْوُ فِي الْمَاضِي وَالْحَالِ فَقَطْ وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ عَلَى إثْرِ حِكَايَتِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ اللَّغْوَ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ فَذَلِكَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْمَاضِي، أَوْ الْحَالِ وَعِنْدَنَا ذَلِكَ لَغْوٌ فَيَرْجِعُ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ فِي يَمِينٍ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَاضِي صَادِقًا) مَثَّلَ لَهُ فِي النَّهْرِ بِقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ إنِّي لَقَائِمٌ الْآنَ - فِي حَالِ قِيَامِهِ - وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ نَصٌّ فِي الْحَالِ وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْفَتْحِ كَوَاللَّهِ لَقَدْ قَدِمَ زَيْدٌ أَمْسِ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ لَهَا حُكْمٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَفِيهِ نَظَرٌ اهـ.

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ وَلَا وَجْهَ لِلنَّظَرِ اهـ.

وَأَجَابَ فِي الْفَتْحِ عَنْ الْحَصْرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ فِيمَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ لَا فِي مُطْلَقِ الْيَمِينِ (قَوْلُهُ: خَطَأً، أَوْ غَلَطًا) الْخَطَأُ فِي الْجَنَانِ، وَالْغَلَطُ فِي اللِّسَانِ فَإِذَا ظَنَّ أَنَّ الْأَمْرَ كَذَا وَحَلَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ بِخِلَافِهِ فَهُوَ الْخَطَأُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: وَاَللَّهِ إنَّهُ قَائِمٌ فَسَبَقَ لِسَانُهُ وَقَالَ لَيْسَ بِقَائِمٍ فَهُوَ غَلَطٌ تَأَمَّلْ. (قَوْلُهُ: وَمَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ إلَخْ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى بَعْدَمَا نَقَلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الْمَارَّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَمِينُ اللَّغْوِ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ وَهُوَ يُقَرِّرُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَعِنْدَنَا ذَلِكَ لَغْوٌ إلَخْ) إنَّمَا نَسَبَهُ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي اللَّغْوِ هُوَ مَا عَزَاهُ إلَى أَصْحَابِنَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا إنَّ الْيَمِينَ اللَّغْوَ هِيَ مَا يَكُونُ عَلَى الْمَاضِي، أَوْ الْحَالِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ كَمَا قَالَ وَهُوَ بِخِلَافِهِ وَأَنَّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ هِيَ مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَوْلِهِمْ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ إنَّهَا تَكُونُ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ أَيْضًا وَمُحَمَّدٌ لَا يَقُولُ بِذَلِكَ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَصَارَ حَاصِلُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ

ص: 302

لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَعِنْدَنَا لَيْسَتْ بِلَغْوٍ وَفِيهَا الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَهُ هِيَ لَغْوٌ وَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا اهـ.

وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا فِي الْمُخْتَصَرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّتِي لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمَاضِي، أَوْ الْحَالِ جَعَلَهَا لَغْوًا وَعَلَى تَفْسِيرِ الْمُصَنِّفِ لَا تَكُونُ لَغْوًا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَمَا قَالَ لَا يَكُونُ إلَّا عَنْ قَصْدٍ لَا أَنْ يُقَالَ إنَّهُ يَكُونُ لَغْوًا بِالْأَوْلَى فَلَا مُخَالَفَةَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ تَفْسِيرَنَا اللَّغْوَ أَعَمُّ مِنْ تَفْسِيرِ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّا نَقُولُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي أُصُولِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: اللَّغْوُ مَا يَكُونُ خَالِيًا عَنْ فَائِدَةِ الْيَمِينِ شَرْعًا وَوَضْعًا فَإِنَّ فَائِدَةَ الْيَمِينِ إظْهَارُ الصِّدْقِ مِنْ الْخَبَرِ فَإِنْ أُضِيفَ إلَى خَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ احْتِمَالُ الصِّدْقِ كَانَ خَالِيًا عَنْ فَائِدَةِ الْيَمِينِ فَكَانَ لَغْوًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا يَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ إطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَكِنَّ مَا قُلْنَاهُ أَحَقُّ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ} [فصلت: 26] الْآيَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُرَادَ الْمُشْرِكِينَ التَّعَنُّتُ أَيْ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَى الْمُغَالَبَةِ بِالْحُجَّةِ فَاشْتَغِلُوا بِمَا هُوَ خَالٍ عَنْ الْفَائِدَةِ مِنْ الْكَلَامِ لِيَحْصُلَ مَقْصُودُكُمْ بِطَرِيقِ الْمُغَالَبَةِ دُونَ الْمُحَاجَّةِ وَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودُهُمْ التَّكَلُّمَ بِغَيْرِ قَصْدٍ قَالَ صَاحِبُ التَّقْوِيمِ: وَلَمْ يُرِدْ تَكَلَّمُوا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِهِ لَا يَسْتَقِيمُ اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ: وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِأَنَّ اللَّغْوَ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَيْسَ بِصَوَابٍ وَلَا حَسَنٍ فَإِنَّ اللَّغْوَ مِنْ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ الْفَاحِشِ مِنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلا سَلامًا} [مريم: 62] أَيْ كَلَامًا قَبِيحًا فَاللَّغْوُ هُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ الْفَاحِشُ وَالْخَطَأُ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعَمْدِ لَيْسَ بِقَبِيحٍ فَاحِشٍ فَلَا يَكُونُ لَغْوًا فَأَمَّا مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ كَلَامٌ قَبِيحٌ فَاحِشٌ فَإِنَّهُ كَذِبٌ وَالْكَذِبُ قَبِيحٌ؛ لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ، وَأَمَّا الْخَطَأُ فَلَيْسَ بِمَحْظُورٍ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَاللَّغْوُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ صَاحِبُهُ إلَّا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالنَّذْرِ، وَفِي فَتَاوَى مُحَمَّدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَوْ قَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَا فُلَانٌ فَعَلَيَّ حَجَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ وَكَانَ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فُلَانٌ لَزِمَهُ ذَلِكَ اهـ.

فَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْيَمِينَ بِالطَّلَاقِ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ إذَا تَبَيَّنَ خِلَافُهُ مُوجِبٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَقَدْ اشْتَهَرَ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ خِلَافُهُ. (قَوْلُهُ: وَأَثِمَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ) أَيْ أَثِمَ إثْمًا عَظِيمًا كَمَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى وَهِيَ يَمِينُ الْغَمُوسِ دُونَ الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ يَمِينُ اللَّغْوِ وَالْإِثْمُ فِي اللُّغَةِ الذَّنْبُ وَقَدْ سُمِّيَ الْخَمْرُ إثْمًا، وَفِي الِاصْطِلَاحِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ اسْتِحْقَاقُ الْعُقُوبَةِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لُزُومُ الْعُقُوبَةِ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ وَعَدَمِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْأَكْمَلُ فِي تَقْرِيرِهِ فِي بَحْثِ الْحَقِيقَةِ فِي بَحْثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ، وَإِنَّمَا أَثِمَ فِي الْأُولَى لِحَدِيثِ ابْنِ حِبَّانَ مَرْفُوعًا «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَدْخَلَهُ النَّارَ» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد قَالَ قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ مَصْبُورَةٍ كَاذِبًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» .

وَالْمُرَادُ بِالْمَصْبُورَةِ الْمُلْزِمَةُ بِالْقَضَاءِ أَيْ الْمَحْبُوسُ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهَا مَصْبُورٌ عَلَيْهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَالْأَوْلَى الِاسْتِدْلَال بِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «قَالَ الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ» فَإِنَّهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، أَوْ لَا وَقَدْ صُرِّحَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ الْيَمِينَ الْغَمُوسَ كَبِيرَةٌ وَهُوَ أَعَمُّ كَمَا ذَكَرْنَا وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كَبِيرَةً إذَا اقْتَطَعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، أَوْ أَذَاهُ وَتَكُونُ صَغِيرَةً إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا مَفْسَدَةٌ، وَإِنَّمَا لَمْ يَأْثَمْ فِي الثَّانِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] وَلِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِعَدَمِ الْإِثْمِ فِي اللَّغْوِ لَكِنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ فَقَالَ الْأَيْمَانُ ثَلَاثَةٌ يَمِينٌ مُكَفِّرَةٌ وَيَمِينٌ غَيْرُ مُكَفِّرَةٍ وَيَمِينٌ نَرْجُو أَنْ لَا يُؤَاخِذَ بِهَا اللَّهُ تَعَالَى صَاحِبَهَا فَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَيْفَ يُعَلِّقُهُ بِالرَّجَاءِ مَعَ أَنَّهُ مَقْطُوعٌ بِهِ فَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ فَفِي الْهِدَايَةِ إلَّا أَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ اللَّغْوَ

ــ

[منحة الخالق]

الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي يَمِينٍ لَا يَقْصِدُهَا الْحَالِفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هِيَ لَغْوٌ وَعِنْدَنَا أَيْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ مُنْعَقِدَةٌ وَلَهَا الْكَفَّارَةُ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَقْرِيرِ كَلَامِ الْبَدَائِعِ عَلَى وَجْهٍ يَنْدَفِعُ عَنْهُ التَّنَاقُضُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ أَعَمُّ مِمَّا فِي الْمُخْتَصَرِ) كَانَ حَقُّ التَّعْبِيرِ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مُبَايِنٌ لِمَا فِي الْمُخْتَصَرِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ مَشْرُوطٌ فِيهِ الْقَصْدُ وَمَا فِي الْبَدَائِعِ عَدَمُ الْقَصْدِ. (قَوْلُهُ: مُوجِبٌ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ) ظَاهِرُهُ الْوُقُوعُ قَضَاءً وَدِيَانَةً (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً إلَخْ) اعْتَرَضَهُ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مُنَافٍ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ، وَقَوْلُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ إنَّ إطْلَاقَ الْيَمِينِ عَلَيْهَا مَجَازٌ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ مَشْرُوعٌ وَهَذِهِ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ صَرِيحٌ فِيهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إثْمَ الْكَبَائِرِ مُتَفَاوِتٌ اهـ.

وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُؤَلِّفَ مُعْتَرِفٌ بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَلِذَا اسْتَدْرَكَ بِهِ عَلَى الْفَتْحِ وَمُرَادُهُ الْبَحْثُ فِي تَقْيِيدِهِ حَيْثُ لَمْ يَتَرَتَّبْ مَفْسَدَةٌ تَسْتَدْعِي كَوْنَهَا كَبِيرَةً، وَكَوْنُ كَلَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ صَرِيحًا فِيمَا قَالَهُ فِي

ص: 303

بِالتَّفْسِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَكَذَا بِالثَّالِثِ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِي الْآخِرَةِ وَكَذَا بِالدُّنْيَا بِالْكَفَّارَةِ فَلَمْ يَتِمَّ الْعُذْرُ عَنْ التَّعْلِيقِ بِالرَّجَاءِ فَالْأَوْجَهُ مَا قِيلَ إنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْلِيقَ بَلْ التَّبَرُّكَ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّأَدُّبَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ عليه السلام لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ «وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» وَأَمَّا بِالتَّفْسِيرِ الرَّابِعِ فَغَيْرُ مَشْهُورٍ وَكَوْنُهُ لَغْوًا هُوَ اخْتِيَارُ سَعِيدٍ اهـ.

وَأَرَادَ بِالتَّفْسِيرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ تَفْسِيرَنَا وَتَفْسِيرَ الشَّافِعِيِّ وَبِالثَّالِثِ مَا عَنْ الشَّعْبِيِّ وَمَسْرُوقٍ لَغْوُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَيَنْزِلُ لَاغِيًا بِيَمِينِهِ وَبِالرَّابِعِ قَوْلَ سَعِيدٍ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَوْلَى الْجَزْمُ كَمَا فَعَلَ الْمُصَنِّفُ لِقَطْعِيَّةِ الدَّلِيلِ كَالْجَزْمِ فِي نَظَائِرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ اخْتِلَافٌ. .

(قَوْلُهُ: وَعَلَى آتٍ مُنْعَقِدَةٌ وَفِيهَا كَفَّارَةٌ فَقَطْ) أَيْ حَلِفُهُ عَلَى آتٍ تُسَمَّى مُنْعَقِدَةً نَفْيًا كَانَ أَوْ إثْبَاتًا وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ إذَا حَنِثَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ} [المائدة: 89] الْآيَةَ وَالْمُرَادُ مِنْهَا الْيَمِينُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] وَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِفْظُ عَنْ الْحِنْثِ وَالْهَتْكِ إلَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَقَدْ اُعْتُرِضَ فِي التَّبْيِينِ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ فَقَطْ لِأَنَّ فِي الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ إثْمًا أَيْضًا، وَلَفْظُ الْكَفَّارَةِ يُنْبِئُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهَا السِّتَارَةُ وَهِيَ لَا تَجِبُ إلَّا لِرَفْعِ الْمَأْثَمِ اهـ.

وَهُوَ مَرْدُودٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَطْ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْغَمُوسِ بَيَانًا لِذَلِكَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ كَالْمُنْعَقِدَةِ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِدَفْعِ ذَنْبِ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَحَقَّقَ بِالِاسْتِشْهَادِ بِاَللَّهِ كَاذِبًا فَأَشْبَهَ الْمَعْقُودَةَ وَلَنَا أَنَّهَا كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ، وَالْكَفَّارَةُ عِبَادَةٌ حَتَّى تَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا النِّيَّةُ فَلَا تُنَاطُ بِهَا بِخِلَافِ الْمَعْقُودَةِ فَإِنَّهَا مُبَاحَةٌ وَلَوْ كَانَ فِيهَا ذَنْبٌ فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ مُتَعَلِّقٌ بِاخْتِيَارٍ مُبْتَدَأٍ وَمَا فِي الْغَمُوسِ مُلَازِمٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِلْحَاقُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

وَذَكَرَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ الْمَعْقُودَةَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَتْ سِوَى الْمَكْسُوبَةِ بِالْقَلْبِ، وَكَوْنُ الْغَمُوسِ قَارَنَهَا الْحِنْثُ لَا يَنْفِي الِانْعِقَادَ عِنْدَهُ وَكَوْنُهَا لَا تُسَمَّى يَمِينًا؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ لِلْبِرِّ بَعِيدٌ؛ إذْ لَا شَكَّ فِي تَسْمِيَتِهَا يَمِينًا لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ فَلَيْسَ الْوَجْهُ إلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ شَرْعِيَّةَ الْكَفَّارَةِ لِدَفْعِ ذَنْبٍ أَصْغَرَ لَا يَسْتَلْزِمُ شَرْعَهَا لِدَفْعِ ذَنْبٍ أَكْبَرَ وَإِذَا أَدْخَلَهَا فِي مُسَمَّى الْمُنْعَقِدَةِ وَجَعَلَ الْمُنْعَقِدَةَ تَنْقَسِمُ إلَى غَمُوسٍ وَغَيْرِهَا عَسُرَ النَّظَرُ مَعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لُغَةً، أَوْ سَمْعًا وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي حَدِيثٍ مُطَوَّلٍ قَالَ فِيهِ «خَمْسٌ لَيْسَ فِيهِنَّ كَفَّارَةٌ الشِّرْكُ بِاَللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَهْبُ الْمُؤْمِنِ وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَيَمِينٌ صَابِرَةٌ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» وَكُلُّ مَنْ قَالَ لَا كَفَّارَةَ فِي الْغَمُوسِ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْيَمِينِ الْمَصْبُورَةِ عَلَى مَالٍ وَغَيْرِهَا اهـ.

ثَانِيهِمَا: أَنَّ الْإِثْمَ لَيْسَ لَازِمًا لِلْمُنْعَقِدَةِ بَلْ قَدْ يَكُونُ الْحِنْثُ وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ مُسْتَحَبًّا فَلَمْ يَصِحَّ إطْلَاقُهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَالْعَجَبُ مِنْهُ أَنَّهُ بَعْدَ يَسِيرٍ نَاقَضَ نَفْسَهُ بِأَنْ قَالَ لَوْ فَعَلَهُ الْحَالِفُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ مَجْنُونٌ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَتْ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَمَا أُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَى السَّفَرِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الْمَشَقَّةِ اهـ.

فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِي الْكَفَّارَةِ أَنْ تَكُونَ سِتَارَةً لِلذَّنْبِ بَلْ تَجِبُ وَلَا ذَنْبَ أَصْلًا.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مُكْرَهًا، أَوْ نَاسِيًا) أَيْ فِي الْمُنْعَقِدَةِ كَفَّارَةٌ إذَا حَنِثَ وَلَوْ كَانَ حَلَفَ مُكْرَهًا، أَوْ نَاسِيًا لِقَوْلِهِ عليه السلام «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْيَمِينُ» كَذَا اسْتَدَلَّ مَشَايِخُنَا وَتَعَقَّبَهُمْ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ الْيَمِينِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ جَعْلُ الْهَزْلِ

ــ

[منحة الخالق]

النَّهْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلْ هُوَ كَالْحَدِيثِ تَأَمَّلْ. نَعَمْ بَحْثُ الْمُؤَلِّفِ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ، وَفِي شَرْحِ الْمَقْدِسِيَّ أَيُّ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمُ مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ: فَالْأَوْجَهُ مَا قِيلَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَأَقُولُ: اخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الْمُؤَاخَذَةِ الْمَنْفِيَّةِ فَقِيلَ: هِيَ الْمُعَاقَبَةُ فِي الْآخِرَةِ وَقِيلَ هِيَ الْمُؤَاخَذَةُ بِالْكَفَّارَةِ، كَذَا فِي الْكَشَّافِ وَغَيْرِهِ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَفْسِيرَ اللَّغْوِ عَلَى رَأْيِنَا لَيْسَ أَمْرًا مَقْطُوعًا بِهِ؛ إذْ الشَّافِعِيُّ قَائِلٌ بِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُنْعَقِدَةِ فَلَا جَرَمَ عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ وَهَذَا مَعْنًى دَقِيقٌ وَلَمْ أَرَ مَنْ عَرَّجَ عَلَيْهِ اهـ.

وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِيهِ بِأَنَّ خِلَافَ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ فَكَيْفَ يُقَالُ: إنَّ مُحَمَّدًا عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ بِاعْتِبَارِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا مَحِيصَ عَمَّا قَالَهُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ اهـ.

فَالْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ فِي النَّهْرِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فَحَيْثُ كَانَ الْمَنْفِيُّ الْمُؤَاخَذَةَ بِالْكَفَّارَةِ كَانَ اللَّغْوُ بِالنَّظَرِ إلَى حُكْمِ الْآخِرَةِ مَسْكُوتًا عَنْهُ فِي الْآيَةِ فَلَا نَصَّ عَلَيْهِ فَلِذَا عَلَّقَهُ بِالرَّجَاءِ وَقَدْ يُقَالُ أَيْضًا: إنَّ اجْتِهَادَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّ اللَّغْوَ هُوَ كَذَا لَيْسَ قَطْعِيًّا نَافِيًا لِاجْتِهَادِ غَيْرِهِ بِخِلَافِهِ فَحَيْثُ كَانَ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مَبْنِيًّا عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ هُوَ اللَّغْوُ لَمْ يَجْزِمْ بِحُكْمِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ اللَّغْوَ هُوَ غَيْرُهُ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: نَاقَضَ نَفْسَهُ بِأَنْ قَالَ إلَخْ) أَجَابَ فِي النَّهْرِ بِأَنَّ الْمُدَّعَى

ص: 304

بِالْيَمِينِ جِدًّا وَالْهَازِلُ قَاصِدٌ لِلْيَمِينِ غَيْرُ رَاضٍ بِحُكْمِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ عَدَمُ رِضَاهُ بِهِ شَرْعًا بَعْدَ مُبَاشَرَةِ السَّبَبِ مُخْتَارًا وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا أَصْلًا وَلَمْ يَدْرِ مَا صَنَعَ وَكَذَا الْمُخْطِئُ لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ التَّلَفُّظَ بِهِ بَلْ بِشَيْءٍ آخَرَ فَلَا يَكُونُ الْوَارِدُ فِي الْهَازِلِ وَارِدًا فِي النَّاسِي الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ قَطُّ مُبَاشَرَةَ السَّبَبِ فَلَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ نَصًّا وَلَا قِيَاسًا، وَإِذَا كَانَ اللَّغْوُ بِتَفْسِيرِهِمْ وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ الْيَمِينَ مَعَ ظَنِّ الْبِرِّ لَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْيَمِينِ فَمَا لَمْ يَقْصِدْهُ أَصْلًا بَلْ هُوَ كَالنَّائِمِ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ طَلَاقٌ أَوْ إعْتَاقٌ لَا حُكْمَ لَهُ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ حُكْمُ الْيَمِينِ وَأَيْضًا فَتَفْسِيرُ اللَّغْوِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أَنَّهُ كَلَامُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ كَلَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ نَفْسَ التَّفْسِيرِ الَّذِي فَسَّرُوا بِهِ النَّاسِيَ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ كَذَلِكَ فِي بَيْتِهِ لَا يَقْصِدُ التَّكَلُّمَ بِهِ بَلْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ غَيْرَ مُرَادٍ لَفْظُهُ وَلَا مَعْنَاهُ كَانَ أَقْرَبَ إلَيْهِ مِنْ الْهَازِلِ، فَحَمْلُ النَّاسِي عَلَى اللَّاغِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْهَازِلِ وَهُوَ الَّذِي أُدِينُهُ وَتَقَدَّمَ لَنَا مِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ غَافِلًا اهـ.

وَفِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِي الْمُخْطِئُ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ اسْقِنِي الْمَاءَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُ الْمَاءَ وَذَكَرَ فِي الْكَافِي أَنَّهُ الْمَذْهُولُ عَنْ التَّلَفُّظِ بِهِ بِأَنْ قِيلَ لَهُ: أَلَا تَأْتِينَا فَقَالَ: بَلَى وَاَللَّهِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْيَمِينِ، وَإِنَّمَا أَلْجَأَنَا إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ النِّسْيَانِ فِي الْيَمِينِ لَا تُتَصَوَّرُ اهـ.

وَذَكَرَ الشُّمُنِّيُّ أَنَّ حَقِيقَتَهُ مُتَصَوَّرَةٌ بِأَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْلِفَ فَنَسِيَ فَحَلَفَ اهـ.

وَهُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا إنْ حَلَفَهُ كَانَ نَاسِيًا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالنَّاسِي هُوَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ ذَاهِلًا عَنْهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَلَفَّظَ بِهِ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْخَاطِئُ وَهُوَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَلَامٍ غَيْرِ الْحَلِفِ فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ الْحَلِفُ اهـ.

وَهُوَ الظَّاهِرُ كَمَا لَا يَخْفَى، وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَ كَذَا فَنَسِيَ أَنَّهُ كَيْفَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ، أَوْ بِالصَّوْمِ قَالُوا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَتَذَكَّرَ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ حَنِثَ كَذَلِكَ) أَيْ مُكْرَهًا، أَوْ نَاسِيًا؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْحَقِيقِيَّ لَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ أَوْ النِّسْيَانِ وَهُوَ الشَّرْطُ وَكَذَا إذَا فَعَلَهُ وَهُوَ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ مَجْنُونٌ لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ حَقِيقَةً وَلَوْ كَانَ الْحِكْمَةُ رَفْعَ الذَّنْبِ فَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى دَلِيلِهِ وَهُوَ الْحِنْثُ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الذَّنْبِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَمُرَادُهُ مِنْ الشَّرْطِ السَّبَبُ؛ لِأَنَّ الْحِنْثَ عِنْدَنَا سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَا شَرْطٌ كَمَا سَيَأْتِي كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ فِعْلَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ شَرْطٌ فِي الْحِنْثِ، وَالْحِنْثُ سَبَبٌ لِلْكَفَّارَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْحِنْثَ هُوَ عَيْنُ فِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ.

قَيَّدَ بِالْحِنْثِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْرَبَ فَأَوْجَرَ، أَوْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ الْمَاءُ مُكْرَهًا فَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ وَقَيَّدَهُ قَاضِي خَانْ بِأَنْ يَدْخُلَ فِي جَوْفِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ فَلَوْ صُبَّ فِي فِيهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ فَأَمْسَكَهُ، ثُمَّ شَرِبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَنِثَ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَأُقْسِمُ وَأَحْلِفُ وَأَشْهَدُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ وَاَيْمُ اللَّهِ وَعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَعَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرُ اللَّهِ، وَإِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ) بَيَانٌ لِأَلْفَاظِ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فَقَوْلُهُ: بِاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ بَيَانٌ لِلْحَلِفِ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى فَصَلَحَ ذِكْرُهُ حَامِلًا أَوْ مَانِعًا، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ بِغَيْرِهَا كَعَادَةِ الشُّطَّارِ فَيَمِينٌ قُلْتُ: فِعْلُ هَذَا مَا يَسْتَعْمِلُهُ الْأَتْرَاكُ بِاَللَّهِ بِغَيْرِ هَاءٍ فَيَمِينٌ أَيْضًا اهـ.

بِلَفْظِهِ وَأَفَادَ بِعَطْفِ الرَّحْمَنِ عَلَى اللَّهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِاَللَّهِ اللَّفْظُ وَقَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ بِسْمِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ، وَفِي الْمُنْتَقَى رِوَايَةُ ابْنِ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَمِينٌ مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَلَوْ قَالَ وَبِسْمِ اللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَعَلَى هَذَا بِالْوَاوِ إلَّا أَنَّ نَصَارَى دِيَارِنَا تَعَارَفُوهُ فَيَقُولُونَ وَاسْمِ اللَّهِ اهـ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ يَمِينٌ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ الِاسْمَ وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَكَانَ الْحَلِفُ

ــ

[منحة الخالق]

أَنَّ فِي الْمُنْعَقِدَةِ إثْمًا وَتَخَلُّفَهُ فِيمَا ذُكِرَ لِعَارِضٍ فَلَا يَرِدُ.

(قَوْلُهُ: وَالنَّاسِي بِالتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ) الْمُرَادُ بِهِ التَّفْسِيرُ الْآتِي فِي قَوْلِهِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَالنَّاسِي هُوَ مَنْ تَلَفَّظَ بِالْيَمِينِ ذَاهِلًا إلَخْ فَكَانَ الْمُنَاسِبُ تَقْدِيمَهُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ مَرْدُودٌ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ نَاسِيًا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ يَمِينًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُكَفِّرُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ فِعْلُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَأُخْرَى بِاعْتِبَارِ حِنْثِهِ فِي الْيَمِينِ اهـ.

قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: أَقُولُ: الْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ فَإِنْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ نَاسِيًا، وَإِنْ لَمْ يُنَافِي كَوْنَهُ يَمِينًا لَكِنْ تَعَلَّقَ النِّسْيَانُ بِهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ حِنْثًا لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ يَمِينًا إذْ هُوَ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ النِّسْيَانُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ.

ص: 305

بِالِاسْمِ حَلِفًا بِالذَّاتِ كَأَنَّهُ قَالَ بِاَللَّهِ اهـ.

وَالْعُرْفُ لَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي الْأَسْمَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ: رَجُلٌ قَالَ لِآخَرَ: اللَّهَ لَا تَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا وَقَالَ الْآخَرُ: نَعَمْ إنْ أَرَادَ الْمُبْتَدِئُ أَنْ يَحْلِفَ وَأَرَادَ الْمُجِيبُ الْحَلِفَ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا حَالِفًا لِأَنَّ قَوْلَهُ نَعَمْ جَوَابٌ وَالْجَوَابُ يَتَضَمَّنُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ: نَعَمْ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَأَرَادَ الْمُجِيبُ الْوَعْدَ لَيْسَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُبْتَدِئُ الِاسْتِحْلَافَ وَأَرَادَ الْمُجِيبُ الْحَلِفَ فَالْمُجِيبُ الْحَالِفُ وَالْمُبْتَدِئُ لَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا فَفِي قَوْلِهِ اللَّهَ: الْحَالِفُ هُوَ الْمُجِيبُ، وَفِي قَوْلِهِ وَاَللَّهِ: الْحَالِفُ هُوَ الْمُبْتَدِئُ اهـ.

وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ وَلَا عَلَى الْعُرْفِ بَلْ هُوَ يَمِينٌ تَعَارَفُوهُ أَوَّلًا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا إذْ لَا اعْتِبَارَ بِالْعُرْفِ عِنْدَ قِيَامِ دَلَالَةِ النَّصِّ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ كَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ السُّورَةَ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ وَالْقُرْآنِ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اللَّهَ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا اهـ.

فَإِنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الرَّحْمَنِ قَوْلُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمِينٌ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ وَمِثْلُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ الْحَلِفُ بِاَلَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَرَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَالْأَوَّلِ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ وَالْآخِرِ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَفَادَ بِعَطْفِ الرَّحِيمِ عَلَى الرَّحْمَنِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي أَسْمَائِهِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً، أَوْ مُشْتَرَكَةً كَالْحَكِيمِ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ وَالْعَزِيزِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ فِيمَا كَانَ مُشْتَرَكًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُسْتَعْمَلًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلِغَيْرِهِ لَا تَتَعَيَّنُ إرَادَةُ أَحَدِهِمَا إلَّا بِالنِّيَّةِ وَرَجَّحَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ، وَإِنْ كَانَتْ تُطْلَقُ عَلَى الْخَلْقِ لَكِنْ تَعَيَّنَ الْخَالِقُ مُرَادًا بِدَلَالَةِ الْقَسَمِ إذْ الْقَسَمُ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَجُوزُ فَكَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ حَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى الصِّحَّةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلَا يَكُونَ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُهُ فَيُصَدَّقُ فِي أَمْرٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة لَوْ قَالَ: وَالطَّالِبِ وَالْغَالِبِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَهُوَ مُتَعَارَفُ أَهْلِ بَغْدَادَ اهـ.

وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ يَمِينًا مَوْقُوفٌ عَلَى التَّعَارُفِ، وَإِنَّمَا بَعْدَمَا حَكَمَ بِكَوْنِهَا يَمِينًا أَخْبَرَ بِأَنَّ أَهْلَ بَغْدَادَ تَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهَا وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ إمَّا اعْتِبَارُ الْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يُسْمَعْ مِنْ الْأَسْمَاءِ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَمْ يُسْمَعْ بِخُصُوصِهِ بَلْ الْغَالِبُ فِي قَوْله تَعَالَى {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ} [يوسف: 21] وَأَمَّا كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْمُفَصَّلِ فِي الْأَسْمَاءِ اهـ.

وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ أَنَّ الْحَلِفَ يَكُونُ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْقُوَّةُ حَاصِلٌ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْحَلِفَ بِالصِّفَاتِ بِالْعُرْفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَأَمَّا الْحَلِفُ بِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ مَشَايِخِنَا فِي ذَلِكَ قَالَ عَامَّةُ مَشَايِخِنَا: مَنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتٍ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةِ ذَاتٍ، أَوْ صِفَةِ فِعْلٍ يُنْظَرُ إنْ تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا، وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ فِي الْحُرْمَةِ كَذَاتِهِ تَعَالَى فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِأَغْيَارِ اللَّهِ بَلْ صِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَادِثَةٍ فِي ذَاتِهِ خِلَافًا لِمَا تَقُولُهُ الْكَرَّامِيَّةُ - هَدَاهُمْ اللَّهُ -: إنَّ لِلَّهِ تَعَالَى صِفَاتٍ حَادِثَةً وَذَاتُهُ مَحَلُّ الْحَوَادِثِ وَخِلَافًا لِمَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ إنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ صِفَاتٌ وَعِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَثَّرَهُمْ اللَّهُ صِفَةُ ذَاتِهِ كَوْنُهُ سَمِيعًا بَصِيرًا حَيًّا عَلِيمًا قَدِيرًا وَهُوَ بِجَمِيعِ صِفَاتِهِ قَدِيمٌ، وَالْقَدِيمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ الْحَوَادِثِ وَقَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ: إنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ يَكُونُ يَمِينًا إلَّا الْعِلْمَ لِمَا تَبَيَّنَ، وَإِنْ حَلَفَ بِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ: أَقُولُ: أَوَّلًا الْمَوْجُودُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الطَّالِبُ الْغَالِبُ بِغَيْرِ وَاوٍ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ يَمِينٌ وَلَوْ كَانَ بِوَاوٍ لَكَانَ يَمِينَيْنِ، وَثَانِيًا الْمُحَقِّقُ أَرَادَ إثْبَاتَ كَوْنِ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَلَمْ يَجِدْ لَهُ دَلِيلًا سِوَى الْآيَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَوْنِ " غَالِبٍ " صِفَةً فَجَمْعُهُ مَعَ الطَّالِبِ جَوَّزَ كَوْنَهُ يَمِينًا كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ الَّذِي لَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ صَارَ بِالْوَصْفِ مُخْتَصًّا بِهِ تَعَالَى فَسَاغَ الْحَلِفُ بِهِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذِكْرَهُمْ التَّعَارُفَ بِهِ هُوَ الَّذِي سَوَّغَ كَوْنَهُ يَمِينًا، أَوْ أَيَّدَهُ فَكَيْفَ يَنْدَفِعُ كَلَامُ الْكَمَالِ بِمَا فِيهِ احْتِمَالٌ وَلَا تَصْرِيحَ بِمَا يُخَالِفُهُ اهـ.

قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُخْتَارَاتِ النَّوَازِلِ حَيْثُ قَالَ: وَقَوْلُهُ: الطَّالِبَ الْغَالِبَ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ لِتَعَارُفِ أَهْلِ بَغْدَادَ اهـ. فَهَذَا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ أَصْلًا.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ الْحَلِفَ بِالصِّفَاتِ بِالْعُرْفِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: مَمْنُوعٌ فَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ لَا بِعِلْمِهِ إلَخْ

ص: 306

أَنَّ كُلَّ صِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا وَبِضِدِّهَا كَالرَّحْمَةِ وَالرَّأْفَةِ وَالسُّخْطِ وَالْغَضَبِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ، وَكُلَّ صِفَةٍ يُوصَفُ بِهَا وَلَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا كَالْقُدْرَةِ وَالْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ فَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ فَأَلْحَقُوا صِفَاتِ الذَّاتِ بِالِاسْمِ وَلَمْ يُلْحِقُوا صِفَاتِ الْفِعْلِ بِالِاسْمِ وَعَلَى هَذَا تُخَرَّجُ الْمَسَائِلُ اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْكَرَّامِيَّةَ مُؤْمِنُونَ وَالْمُعْتَزِلَةَ كَافِرُونَ لِدُعَائِهِ لِلْأَوَّلِينَ بِالْهِدَايَةِ وَعَلَى الْمُعْتَزِلَةِ بِاللَّعْنِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الْمُرَادُ بِالصِّفَةِ اسْمُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَضَمَّنُ ذَاتًا وَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِهُوَ هُوَ كَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْعَظِيمِ وَفِي التَّبْيِينِ: وَالصَّحِيحُ عَدَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ كُلَّهَا صِفَاتُ ذَاتٍ وَكُلَّهَا قَدِيمَةٌ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْفَرْقُ، وَالْأَيْمَانُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْعُرْفِ فَمَا تَعَارَفَ النَّاسُ الْحَلِفَ بِهِ يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا فَلَا اهـ.

وَفِي الْمُسَايَرَةِ لِلْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ: اخْتَلَفَ مَشَايِخُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْأَشَاعِرَةِ فِي صِفَاتِ الْأَفْعَالِ وَالْمُرَادُ صِفَاتٌ تَدُلُّ عَلَى تَأْثِيرٍ لَهَا أَسْمَاءٌ غَيْرُ اسْمِ الْقُدْرَةِ يَجْمَعُهَا اسْمُ التَّكْوِينِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْأَثَرُ مَخْلُوقًا فَالِاسْمُ الْخَالِقُ وَالصِّفَةُ الْخَلْقُ، أَوْ رِزْقًا فَالِاسْمُ الرَّازِقُ وَالصِّفَةُ التَّرْزِيقُ، أَوْ حَيَاةً فَهُوَ الْمُحْيِي، أَوْ مَوْتًا فَهُوَ الْمُمِيتُ فَادَّعَى مُتَأَخِّرُو الْحَنَفِيَّةِ مِنْ عَهْدِ أَبِي مَنْصُورٍ أَنَّهَا صِفَاتٌ قَدِيمَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ سِوَى مَا أَخَذُوهُ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ تَعَالَى خَالِقًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ وَرَازِقًا قَبْلَ أَنْ يَرْزُقَ وَذَكَرُوا لَهُ أَوْجُهًا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ، وَالْأَشَاعِرَةُ يَقُولُونَ لَيْسَتْ صِفَةُ التَّكْوِينِ عَلَى فُصُولِهَا سِوَى صِفَةِ الْقُدْرَةِ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِتَعَلُّقٍ خَاصٍّ فَالتَّخْلِيقُ هُوَ الْقُدْرَةُ بِاعْتِبَارِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَخْلُوقِ وَالتَّرْزِيقُ تَعَلُّقُهَا بِإِيصَالِ الرِّزْقِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِيهَا.

وَأَمَّا كَوْنُهُ حَالِفًا بِقَوْلِهِ أُقْسِمُ، أَوْ أَحْلِفُ، أَوْ أَشْهَدُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْحَلِفِ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً وَتُسْتَعْمَلُ لِلِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةٍ فَجُعِلَ حَالِفًا لِلْحَالِ وَالشَّهَادَةُ يَمِينٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} [المنافقون: 1] ثُمَّ قَالَ {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} [المنافقون: 2] وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ هُوَ الْمَعْهُودُ الْمَشْرُوعُ وَبِغَيْرِهِ مَحْظُورٌ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: حَلَفْت، أَوْ أَقْسَمْت، أَوْ شَهِدْت بِاَللَّهِ، أَوْ لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ فَإِنَّهُ يَمِينٌ بِالْأَوْلَى وَأَطْلَقَ فِي كَوْنِهِ يَمِينًا بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى النِّيَّةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ خِلَافًا فِيهِ وَصَحَّحَ فِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا بِلَا نِيَّةٍ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ قَسَمًا فَإِنْ ذَكَرَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ فَيَحْنَثُ إذَا نَقَضَهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ كُلَّهَا فِي الْأَصْلِ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا فَهَذِهِ كُلُّهَا أَيْمَانٌ فَإِذَا حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْهَا لَيَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى أَشْهَدُ لَيْسَ بِيَمِينٍ مَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِالشَّرْطِ، وَقَوْلُهُ " عَلَيَّ نَذْرٌ " يَمِينٌ، وَإِنْ سَكَتَ وَفِي الْمُنْتَقَى وَجَامِعِ الْكَرْخِيِّ مَا يُشْبِهُ خِلَافَ مَسْأَلَةِ النَّذْرِ قُلْتُ: فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ لَا تَكُونُ يَمِينًا مَا لَمْ يُعَلِّقْ بِشَيْءٍ اهـ.

فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ أُقْسِمُ، أَوْ أَشْهَدُ، أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ تَنْعَقِدُ يَمِينًا سَوَاءٌ ذَكَرَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ، أَوْ لَا مُسْتَدِلًّا بِمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ فَهُوَ سَهْوٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَتَوَهُّمٌ وَخَبْطٌ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ.

وَإِنَّمَا تَرَكَ ذِكْرَهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ لِلْعِلْمِ بِهِ وَهُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الذَّخِيرَةِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِسِتْرِ الذَّنْبِ فِي نَقْضِ الْيَمِينِ الْمُنْعَقِدَةِ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ انْعَقَدَتْ الْيَمِينُ حَتَّى يُتَصَوَّرَ نَقْضُ الْيَمِينِ فَتَجِبَ الْكَفَّارَةُ وَأَيْضًا قَوْلُهُ: عَلَيَّ يَمِينٌ فِيهِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ يَمِينَ الْغَمُوسِ أَوْ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ، وَالْكَفَّارَةُ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ؛ لِأَنَّهَا دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ، وَالْعُقُوبَاتُ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَمُوسِ كَفَّارَةٌ وَكَذَا فِي الْمُنْعَقِدَةِ عِنْدَ قِيَامِ الْبِرِّ فَكَيْفَ تُتَصَوَّرُ الْكَفَّارَةُ وَأَيْضًا لَوْ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ عَلَيَّ يَمِينٌ يَلْزَمُ تَقْدِيمُ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّ سَبَبَ الْكَفَّارَةِ الْحِنْثُ وَلَمْ يُوجَدْ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْيَمِينِ عَلَى شَيْءٍ إلَى آخِرِ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 307

إلَّا أَنَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيَّ يَمِينٌ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْشَاءِ لَا الْإِخْبَارِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْتِزَامُ الْكَفَّارَةِ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ ابْتِدَاءً كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَغَا بِخِلَافِ أَحْلِفُ وَأَشْهَدُ وَنَحْوِهِمَا لَيْسَتْ مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الِالْتِزَامُ ابْتِدَاءً اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى أَشْهَدُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ، وَضَمُّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُ الْهَاءِ خَطَأٌ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ - يُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ - لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ اهـ. وَبِهِ نَدْفَعُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي عَبْدُك أُشْهِدُكَ وَأُشْهِدُ مَلَائِكَتَكَ أَنِّي لَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَعَارَفُوا الْحَلِفَ بِهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَشْهَدُ، أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمِينًا عُرْفًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ: وَأَعْزِمُ كَ أَشْهَدُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ وَمَعْنَاهُ أُوجِبُ فَكَانَ إخْبَارًا عَنْ الْإِيجَابِ فِي الْحَالِ وَهَذَا مَعْنَى الْيَمِينِ وَكَذَا لَوْ قَالَ: عَزَمْتُ لَا أَفْعَلُ كَذَا كَانَ حَالِفًا وَكَذَا آلَيْتُ لَا أَفْعَلُ كَذَا؛ لِأَنَّ الْأَلِيَّةَ هِيَ الْيَمِينُ اهـ.

وَأَمَّا كَوْنُهُ حَالِفًا بِقَوْلِهِ لَعَمْرُ اللَّهِ فَلِأَنَّ عَمْرَ اللَّهِ بَقَاؤُهُ فَكَانَ صِفَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَةِ الذَّاتِ؛ لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِهِ لَا بِغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَبَقَاءِ اللَّهِ كَقُدْرَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] هُوَ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ إلَّا أَنَّ الْفَتْحَ غَلَبَ فِي الْقَسَمِ حَتَّى لَا يَجُوزَ فِيهِ الضَّمُّ، وَارْتِفَاعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَالْخَبَرُ قَسَمِي، أَوْ يَمِينِي كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَلَا تَلْحَقُ الْمَفْتُوحَةَ الْوَاوُ فِي الْخَطِّ بِخِلَافِ عَمْرٍو الْعَلَمِ فَإِنَّهَا أُلْحِقَتْ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِ اللَّامِ فِي أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَدْخُلْهُ اللَّامُ فَإِنَّ الْقَسَمَ فِيهِ مَحْذُوفٌ وَيَكُونُ مَنْصُوبًا نَصْبَ الْمَصَادِرِ فَتَقُولُ: عَمْرَ اللَّهِ مَا فَعَلْت كَمَا فِي اللَّهَ لَأَفْعَلَنَّ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَمْرُكَ اللَّهَ مَا فَعَلْت فَمَعْنَاهُ بِإِقْرَارِك لَهُ بِالْبَقَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْعَقِدَ يَمِينًا لِأَنَّهُ حَلَفَ بِفِعْلِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ إقْرَارُهُ وَاعْتِقَادُهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَأَمَّا اَيْمُ اللَّهِ فَمَعْنَاهُ أَيْمُنُ اللَّهِ، وَهُوَ جَمْعُ يَمِينٍ عَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ فَخُفِّفَ بِالْحَذْفِ حَتَّى صَارَ اَيْمُ اللَّهِ ثُمَّ خُفِّفَتْ أَيْضًا فَقِيلَ: م اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا فَتَكُونُ مِيمًا وَاحِدَةً وَبِهَذَا نَفَى سِيبَوَيْهِ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يَبْقَى عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ وَيُقَالُ: مُنُ اللَّهِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَالنُّونِ وَفَتْحِهِمَا وَكَسْرِهِمَا، وَهَمْزَةُ أَيْمُنٍ بِالْقَطْعِ، وَإِنَّمَا وُصِلَتْ فِي الْوَصْلِ تَخْفِيفًا لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ اُجْتُلِبَتْ لِيُمْكِنَ بِهَا النُّطْقُ كَهَمْزَةِ ابْنٍ وَامْرِئٍ مِنْ الْأَسْمَاءِ السَّاكِنَةِ الْأَوَائِلِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَمِينًا لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «وَاَيْمُ اللَّهِ إنْ كَانَ لَخَلِيقًا بِالْإِمَارَةِ» كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: يَمِينُ اللَّهِ لَا أَفْعَلَنَّ كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُجْتَبَى، وَأَمَّا كَوْنُهُ حَالِفًا بِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ فَلِأَنَّ الْعَهْدَ فِي الْأَصْلِ هِيَ الْمُوَاعَدَةُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِوُثُوقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ الْمِيثَاقُ وَقَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] الْآيَةَ فَقَدْ جُعِلَ الْعَهْدُ فِي الْقُرْآنِ يَمِينًا كَمَا تَرَى وَالْمِيثَاقُ فِي مَعْنَاهُ وَكَذَا الْحَلِفُ بِالذِّمَّةِ وَلِذَا يُسَمَّى الذِّمِّيُّ مُعَاهِدًا وَأَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا لَمْ يَنْوِ لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ لِلْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ فَيَنْصَرِفَانِ إلَيْهِ إلَّا إذَا قَصَدَ غَيْرَ الْيَمِينِ فَيُدَيَّنُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ يَمِينٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَفَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَشَاءَ فُلَانٌ لَزِمَهُ كَمَا قَالَ.

وَأَمَّا كَوْنُهُ حَالِفًا بِقَوْلِهِ: عَلَيَّ نَذْرٌ وَنَذْرُ اللَّهِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَذْكُرَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهَا يَمِينًا مُنْعَقِدَةً نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، أَوْ لَا أَفْعَلُ كَذَا حَتَّى إذَا لَمْ يَفِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ) أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِمَّا فِي الْمُجْتَبَى اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ ط: وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ يَمِينٌ، أَوْ يَمِينُ اللَّهِ فَيَمِينٌ، ثُمَّ قَالَ أَيْ صَاحِبُ الرَّمْزِ الْمَذْكُورِ: عَلَيَّ يَمِينٌ يُرِيدُ بِهِ الْإِيجَابَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ وَكَذَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ يَمِينٌ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَيَّ يَمِينٌ لَا كَفَّارَةَ لَهَا يُرِيدُ الْإِيجَابَ فَعَلَيْهِ يَمِينٌ لَهَا كَفَّارَةٌ اهـ.

مَا فِي الْمُجْتَبَى وَذَكَرَ فِي الْحَاوِي مَا نَصُّهُ طم: عَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ عَلَيَّ يَمِينٌ وَلَمْ يُعَلِّقْهُ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ فَهَذَا صَرِيحُ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ: وَإِذَا كَانَ " عَلَيَّ يَمِينٌ " مِنْ صِيَغِ النَّذْرِ كَمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ لَمْ يَظْهَرْ فَرْقٌ بَيْنَ " عَلَيَّ نَذْرٌ " وَ " عَلَيَّ يَمِينٌ " فَلِذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ: الْحَقُّ أَنَّهُ مِثْلُهُ فَهَذَا تَأْيِيدٌ لِلرِّوَايَةِ الْمَرْوِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فَافْهَمْ.

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا قَصَدَ غَيْرَ الْيَمِينِ فَيُدَيَّنُ) رَأَيْت فِي هَامِشِ بَعْضِ النُّسَخِ أَقُولُ: حَقُّ الْعِبَارَةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا كَمَا فِي النَّهْرِ لِمَا قَالَهُ شَيْخُنَا: إنَّ الْأَيْمَانَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْقَضَاءِ حَتَّى يَكُونَ لِلدِّيَانَةِ فِيهَا مَدْخَلٌ، تَأَمَّلْ. وَبِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي تَحْتَ قَوْلِهِ: وَلَوْ زَادَ ثَوْبًا إلَخْ حَيْثُ قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الدِّيَانَةِ وَالْقَضَاءِ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَأَمَّا فِي الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا حَقٌّ حَتَّى يُرْفَعَ الْحَالِفُ إلَى الْقَاضِي اهـ.

قُلْت: قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا حَقُّ عَبْدٍ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقًا، أَوْ عَتَاقًا عَلَى حَلِفِهِ ثُمَّ حَلَفَ بِذَلِكَ وَقَالَ: قَصَدْتُ غَيْرَ الْيَمِينِ فَلَا يُصَدَّقَ قَضَاءً بَلْ يُدَيَّنُ.

ص: 308

الْيَمِينِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا بِأَنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرُ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَتَحَقَّقُ لِمَحْلُوفٍ عَلَيْهِ وَلَكِنْ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فَيَكُونُ هَذَا الْتِزَامَ الْكَفَّارَةِ ابْتِدَاءً بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ بِهَذَا النَّذْرِ الْمُطْلَقِ شَيْئًا مِنْ الْقُرَبِ كَحَجٍّ، أَوْ صَوْمٍ فَإِنْ كَانَ نَوَى بِقَوْلِهِ " عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا " قُرْبَةً مَقْصُودَةً يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا فَفَعَلَ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الْقُرْبَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ حَلَفَ بِالنَّذْرِ فَإِنْ نَوَى شَيْئًا مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَعَلَيْهِ مَا نَوَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ اهـ.

فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ «مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ» عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَقَيَّدَ بِلَفْظِ النَّذْرِ احْتِرَازًا عَنْ صِيغَةِ النَّذْرِ كَأَنْ يَقُولَ: لِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ، أَوْ صَوْمُ يَوْمَيْنِ مُطْلَقًا عَنْ الشَّرْطِ، أَوْ مُعَلَّقًا بِهِ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا وَقَدْ خَلَطَ الزَّيْلَعِيُّ مَسْأَلَةَ لَفْظِ النَّذْرِ بِصِيغَةِ النَّذْرِ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ تَطَّلِعُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لِلنَّذْرِ مَعَ احْتِمَالِ مَعْنَى الْيَمِينِ اهـ.

وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْحَلِفِ بِالتَّعْلِيقِ بِالْكُفْرِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا جَعَلَ الشَّرْطَ عَلَمًا عَلَى الْكُفْرِ فَقَدْ اعْتَقَدَهُ وَاجِبَ الِامْتِنَاعِ وَقَدْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ لِغَيْرِهِ بِجَعْلِهِ يَمِينًا كَمَا نَقُولُ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِالْكُفْرِ، أَوْ بِالتَّهَوُّدِ، أَوْ التَّنَصُّرِ أَوْ قَالَ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ الْقِبْلَةِ، أَوْ صَوْمِ رَمَضَانَ، أَوْ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِي الْمُصْحَفِ، أَوْ أَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْ أَعْبُدُ الصَّلِيبَ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَالْمُحِيطِ، أَوْ يَعْقِدَ الزِّنَا عَلَى نَفْسِهِ كَمَا يَعْقِدُ النَّصَارَى كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ آيَةٍ فِي الْمُصْحَفِ فَهُوَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ رَفَعَ كِتَابًا فِيهِ مَكْتُوبٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ أَنَا بَرِيءٌ مِمَّا فِيهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ يَمِينٌ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ حَجَّتِي الَّتِي حَجَجْت وَمِنْ الصَّلَاةِ الَّتِي صَلَّيْت فَلَيْسَ بِيَمِينٍ بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْقُرْآنِ الَّذِي تَعَلَّمْته؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ تَبَرَّأَ عَنْ الْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَ لَا عَنْ الْحَجَّةِ الْمَشْرُوعَةِ وَفِي الثَّانِي تَبَرَّأَ عَنْ الْقُرْآنِ الَّذِي تَعَلَّمَهُ وَالْقُرْآنُ قُرْآنٌ، وَإِنْ تَعَلَّمَهُ فَيَكُونُ التَّبَرِّي عَنْهُ كُفْرًا.

وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِذَا أَرَادَ الْبَرَاءَةَ عَنْ فَرْضِهِ فَهُوَ يَمِينٌ كَمَا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْإِيمَانِ، وَإِنْ أَرَادَ الْبَرَاءَةَ عَنْ أَجْرِهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ غُيِّبَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَا يَكُونُ يَمِينًا فِي الْحُكْمِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ صَلَاتِي وَصِيَامِي لِهَذَا الْكَافِرِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَاشْهَدُوا عَلَيَّ بِالنَّصْرَانِيَّةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا نَصْرَانِيٌّ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الْكُتُبِ الْأَرْبَعَةِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ التَّوْرَاةِ وَبَرِيءٌ مِنْ الْإِنْجِيلِ وَبَرِيءٌ مِنْ الزَّبُورِ وَبَرِيءٌ مِنْ الْفُرْقَانِ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ؛ لِأَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إنْ حَنِثَ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَتَانِ إنْ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُمَا يَمِينَانِ اهـ.

ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَفَعَلَ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ؛ لِأَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا يَمِينَيْنِ؛ الْأُولَى أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِيَةُ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ لِأَنَّ لَفْظَ الْبَرَاءَةِ مَذْكُورٌ مَرَّتَيْنِ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّهَا فِي الثَّانِيَةِ مَذْكُورَةٌ مَرَّتَيْنِ بِسَبَبِ التَّثْنِيَةِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَأَمَّا الْأَرْبَعُ فَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُهَا، ثُمَّ رَأَيْت بَعْدَ ذَلِكَ الْمَسْأَلَةَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مُصَوَّرَةً بِتَكْرَارِ لَفْظِ الْبَرَاءَةِ بِقَوْلِهِ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ كَذَلِكَ وَالْحَذْفُ مِنْ الْكَاتِبِ ثُمَّ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَالْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى تَعَدَّدَتْ صِيغَةُ الْبَرَاءَةِ تَعَدَّدَتْ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا اتَّحَدَتْ اتَّحَدَتْ وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ قَالَ:

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ كَذَلِكَ وَالْحَذْفُ مِنْ الْكَاتِبِ) أَقُولُ: الَّذِي وَجَدْته فِي نُسْخَةِ الْوَلْوَالِجيَّةِ الَّتِي عِنْدِي مِثْلُ مَا نَقَلَهُ عَنْهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ النُّسَخَ هَكَذَا وَيَكُونُ ذَلِكَ مَشْيًا عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة، وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ: إذَا قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَفَعَلَ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ؛ لِأَنَّهَا أَرْبَعُ أَيْمَانٍ قِيلَ مَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ حَتَّى تَتَعَدَّدَ الْيَمِينُ (قَوْلُهُ: وَصَحَّحَ فِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ أَنَّهُمَا يَمِينَانِ) عِبَارَةُ الْمُجْتَبَى وَلَوْ قَالَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ

ص: 309

وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَلْفَ مَرَّةٍ فَفَعَلَ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَلَا إلَهَ فِي السَّمَاءِ يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ قَالُوا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ تَكُونُ لِإِنْكَارِ الْإِيمَانِ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنَّ الْحَالِفَ إذَا قَصَدَ نَفْيَ الْمَكَانِ عَنْ اللَّهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِكُفْرٍ بَلْ هُوَ الْإِيمَانُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالَ هُوَ يَمِينٌ وَلَا يُكَفِّرُ وَفِيهَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ الشَّفَاعَةِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ وَعَلَّلَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِأَنَّ الشَّفَاعَةَ، وَإِنْ كَانَتْ حَقًّا لَكِنَّ مَنْ أَنْكَرَهَا صَارَ مُبْتَدِعًا لَا كَافِرًا اهـ.

وَفِيهَا أَيْضًا سُئِلَ نَجْمُ الدِّينِ عَمَّنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْت فُلَانًا فَهُوَ شَرِيكُ الْكُفَّارِ فِيمَا قَالُوا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ فَكَلَّمَهُ مَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَالَ: كَفَّارَةُ الْيَمِينِ اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ إذَا فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ كَافِرًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ يَمِينًا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ عَلَّقَهُ عَلَى فِعْلٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ ذَلِكَ لِشَيْءٍ قَدْ فَعَلَهُ فِي الْمَاضِي كَأَنْ قَالَ: إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ كَذَا فَهُوَ كَافِرٌ وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَ فَهُوَ يَمِينُ الْغَمُوسِ لَا كَفَّارَةَ فِيهَا إلَّا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَهَلْ يَكْفُرُ حَتَّى تَكُونَ التَّوْبَةُ اللَّازِمَةُ عَلَيْهِ التَّوْبَةَ مِنْ الْكُفْرِ وَتَجْدِيدَ الْإِسْلَامِ قِيلَ لَا وَقِيلَ نَعَمْ لِأَنَّهُ تَنْجِيزٌ مَعْنًى؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَّقَهُ بِأَمْرٍ كَائِنٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً هُوَ كَافِرٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَالِمًا أَنَّهُ يَمِينٌ إمَّا مُنْعَقِدَةٌ، أَوْ غَمُوسٌ لَا يَكْفُرُ بِالْمَاضِي، وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالْحَلِفِ فِي الْغَمُوسِ أَوْ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ يَكْفُرُ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقْدَمَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ فَقَدْ رَضِيَ بِالْكُفْرِ كَذَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ إنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِهِ يَكْفُرُ وَإِلَّا فَلَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي جَمِيعًا، وَفِي قَوْلِهِمْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ فَعَلَ كَذَا وَلَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ خِلَافَهُ فِيهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ، ثُمَّ رَقَّمَ فِي الْمُجْتَبَى رَقْمًا آخَرَ لَوْ قَالَ: اللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مَا فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فَقِيلَ: لَا يَكْفُرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ تَرْوِيجَ الْكَذِبِ دُونَ الْكُفْرِ. .

(قَوْلُهُ: لَا بِعِلْمِهِ وَغَضَبِهِ وَسُخْطِهِ وَرَحْمَتِهِ) أَيْ لَا يَكُونُ الْيَمِينُ بِعِلْمِ اللَّهِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَالْعُرْفُ مُعْتَبَرٌ فِي الْحَلِفِ بِالصِّفَاتِ وَلِأَنَّ الْعِلْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَعْلُومُ وَيُقَالُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ عِلْمَكَ فِينَا أَيْ مَعْلُومَك وَلِأَنَّ الرَّحْمَةَ يُرَادُ بِهَا أَثَرُهَا وَهُوَ الْمَطَرُ وَالْجَنَّةُ، وَالْغَضَبَ وَالسُّخْطَ يُرَادُ بِهِمَا الْعُقُوبَةُ، وَفِي الْبَدَائِعِ: وَأَمَّا الصِّفَةُ فَصِفَاتُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّهَا كُلَّهَا لِذَاتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا مَا لَا يُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ النَّاسِ وَعَادَاتِهِمْ إلَّا فِي الصِّفَةِ نَفْسِهَا فَالْحَلِفُ بِهَا يَكُونُ يَمِينًا وَمِنْهَا مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الصِّفَةِ وَفِي غَيْرِهَا اسْتِعْمَالًا عَلَى السَّوَاءِ وَالْحَلِفُ بِهَا يَكُونُ يَمِينًا أَيْضًا وَمِنْهَا مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الصِّفَةِ وَفِي غَيْرِهَا لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا فِي غَيْرِ الصِّفَةِ هُوَ الْغَالِبُ فَالْحَلِفُ بِهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ قَالَ مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ يَمِينًا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَمَا لَمْ يَتَعَارَفُوهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ إذَا قَالَ: وَعِزَّةِ اللَّهِ وَعَظَمَتِهِ وَجَلَالِهِ وَكِبْرِيَائِهِ يَكُونُ حَالِفًا وَكَذَا وَقُدْرَةِ اللَّهِ مَا لَمْ يَنْوِ الْمَقْدُورَ وَكَذَا وَقُوَّتِهِ، وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَرِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَإِرَادَتِهِ وَكَلَامِهِ بِخِلَافِ الرَّحْمَةِ وَالْغَضَبِ وَالسُّخْطِ وَالْعِلْمِ إلَّا إذَا أَرَادَ بِهِ الصِّفَةَ، وَأَمَّا وَسُلْطَانِ اللَّهِ فَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنْ أَرَادَ بِهِ الْقُدْرَةَ كَانَ حَالِفًا، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ قَالَ وَأَمَانَةِ اللَّهِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ؛ لِأَنَّهَا طَاعَتُهُ، وَوَجْهُ مَا فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْأَمَانَةَ الْمُضَافَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْقَسَمِ يُرَادُ بِهَا صِفَتُهُ.

وَلَوْ قَالَ: وَوَجْهِ اللَّهِ فَهُوَ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ الْوَجْهَ الْمُضَافَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى يُرَادُ بِهِ الذَّاتُ وَلَوْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يَنْوِيَ وَكَذَا قَوْلُهُ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لَا أَفْعَلُ كَذَا لِعَدَمِ الْعَادَةِ وَمَلَكُوتِ اللَّهِ وَجَبَرُوتِهِ يَمِينٌ لِأَنَّهُ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى الَّتِي لَا تُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الصِّفَةِ اهـ.

وَمِنْ الْغَرِيبِ مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ وَقُدْرَةِ اللَّهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى

ــ

[منحة الخالق]

فَيَمِينٌ وَكَذَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَبَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَبَرِيءٌ مِنْ رَسُولِهِ - فَيَمِينَانِ ثُمَّ رَمْزَانِ - فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ مِنْهُ فَأَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ قِيلَ: وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ اهـ.

وَالْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ

ص: 310

لَا يُوصَفُ بِضِدِّهَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُدْرَةِ الْمَذْكُورَةِ التَّقْدِيرُ عُرْفًا عَلَى مَا عُرِفَ فِي الزِّيَادَاتِ وَاَللَّهُ عز وجل قَدْ يُقَدِّرُ وَقَدْ لَا يُقَدِّرُ اهـ.

وَهُوَ مَرْدُودٌ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا لَوْ قَالَ: وَقُدْرَةِ اللَّهِ كَانَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَقْدُورِ بِهِ لَمْ يَكْثُرْ كَكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ الْعِلْمِ عَلَى الْمَعْلُومِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْمَقْدُورَ لَا يَكُونُ يَمِينًا اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى إنَّهُ لَوْ قَالَ: وَعَذَابِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ وَرِضَاهُ وَلَعْنَةِ اللَّهِ وَأَمَانَتِهِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا، وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ: بِصِفَةِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا لِأَنَّ مِنْ صِفَاتِهِ مَا يُذْكَرُ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ ذِكْرُ الصِّفَةِ كَذِكْرِ الِاسْمِ.

(قَوْلُهُ: وَالنَّبِيِّ وَالْقُرْآنِ وَالْكَعْبَةِ) أَيْ لَا يَكُونُ حَالِفًا بِهَا؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِالنَّبِيِّ وَالْكَعْبَةِ حَلِفٌ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ، أَوْ لِيَذَرْ» وَالْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ مَعَ أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ الْحُرُوفُ وَالنُّقُوشُ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْحَلِفَ بِالْقُرْآنِ الْآنَ مُتَعَارَفٌ فَيَكُونُ يَمِينًا كَمَا هُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ وَتَعْلِيلُ عَدَمِ كَوْنِهِ يَمِينًا بِأَنَّهُ غَيْرُهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ لِأَنَّهُ حُرُوفٌ، وَغَيْرُ الْمَخْلُوقِ هُوَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ مُنِعَ بِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ مُنَزَّلٌ غَيْرُ مَخْلُوقٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَزَّلَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ إلَّا الْحُرُوفَ الْمُنْقَضِيَةَ الْمُنْعَدِمَةَ وَمَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ غَيْرَ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَوَامَّ إذَا قِيلَ لَهُمْ: إنَّ الْقُرْآنَ مَخْلُوقٌ تَعَدَّوْا إلَى الْكَلَامِ مُطْلَقًا.

وَأَمَّا الْحَلِفُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجِبُ أَنْ يَدُورَ مَعَ الْعُرْفِ، وَأَمَّا الْحَلِفُ بِجَانٍّ مُرِيدٍ وَمِثْلُهُ الْحَلِفُ بِحَيَاةِ رَأْسِكَ وَحَيَاةِ رَأْسِ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ إنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبِرَّ فِيهِ وَاجِبٌ يَكْفُرُ، وَفِي تَتِمَّةِ الْفَتَاوَى قَالَ عَلِيٌّ الرَّازِيّ: أَخَافُ عَلَى مَنْ قَالَ بِحَيَاتِي وَحَيَاتِك أَنَّهُ يَكْفُرُ وَلَوْلَا أَنَّ الْعَامَّةَ يَقُولُونَهُ وَلَا يَعْلَمُونَهُ لَقُلْت: إنَّهُ شِرْكٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَى مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ صَادِقًا اهـ.

قَيَّدَ بِالْحَلِفِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّ التَّبَرِّي مِنْهَا يَمِينٌ كَقَوْلِهِ هُوَ بَرِيءٌ مِنْ النَّبِيِّ إنْ فَعَلَ كَذَا كَمَا قَدَّمْنَا تَفَاصِيلَهُ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَدِينِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، أَوْ حُدُودِهِ أَوْ شَرِيعَتِهِ، أَوْ الْمُصْحَفِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ يَمِينًا بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. .

(قَوْلُهُ: وَحَقِّ اللَّهِ) أَيْ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ حَقِيقَةٌ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ الْحَقِّ، وَالْحَلِفُ بِهِ مُتَعَارَفٌ وَلَهُمَا أَنَّهُ يُرَادُ بِهِ طَاعَةُ اللَّهِ؛ إذْ الطَّاعَاتُ حُقُوقُهُ فَيَكُونُ حَلِفًا بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ اهـ.

قَيَّدَ بِالْحَقِّ الْمُضَافِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَالْحَقِّ يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ حَقًّا لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ الْمُنَكَّرَ مِنْهُ يُرَادُ بِهِ تَحْقِيقُ الْوَعْدِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَفْعَلُ كَذَا حَقِيقَةً لَا مَحَالَةَ وَهَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِهِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى يَكُونُ يَمِينًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى وَحَقًّا، أَوْ حَقًّا اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَقَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ مُعَرَّفًا، أَوْ مُنَكَّرًا، أَوْ مُضَافًا فَالْحَقُّ مُعَرَّفًا سَوَاءٌ كَانَ بِالْوَاوِ أَوْ بِالْبَاءِ يَمِينٌ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ وَمُنَكَّرًا يَمِينٌ عَلَى الْأَصَحِّ إنْ نَوَى، وَمُضَافًا إنْ كَانَ بِالْبَاءِ فَيَمِينٌ اتِّفَاقًا؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ بِالْوَاوِ فَفِيهِ الِاخْتِلَافُ السَّابِقُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَمِينٌ كَمَا سَبَقَ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ يَمِينٌ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مُطْلَقًا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِحَقِّ الرَّسُولِ، أَوْ بِحَقِّ الْإِيمَانِ أَوْ بِحَقِّ الْمَسَاجِدِ، أَوْ بِحَقِّ الصَّوْمِ أَوْ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ يَمِينًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَفِي الْمُجْتَبَى " وَحُرْمَةِ اللَّهِ " نَظِيرُ قَوْلِهِ " وَحَقِّ اللَّهِ "، وَفِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ بِحُرْمَةِ شَهِدَ اللَّهُ وَبِحُرْمَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لَيْسَ بِيَمِينٍ. .

(قَوْلُهُ: وَإِنْ فَعَلْتُهُ فَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ وَسُخْطُهُ، أَوْ أَنَا زَانٍ وَسَارِقٌ أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ، أَوْ آكِلُ رِبًا) أَيْ لَا يَكُونُ يَمِينًا أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ دَعَا عَلَى نَفْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ

ــ

[منحة الخالق]

هُوَ كَوْنُ " بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ " يَمِينًا وَاحِدًا وَعِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ قَرِيبَةٌ مِنْ عِبَارَةِ التَّتَارْخَانِيَّة الَّتِي نَقَلْنَاهَا.

(قَوْلُهُ: وَأَمَانَتِهِ) مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَرِيبًا عَنْ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ يَمِينًا خِلَافًا لِلطَّحَاوِيِّ.

(قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الِاخْتِيَارِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ رَدَّهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّ التَّعَارُفَ بَعْدَ كَوْنِ الصِّفَةِ مُشْتَرَكَةً فِي الِاسْتِعْمَالِ بَيْنَ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةِ غَيْرِهِ، وَلَفْظُ حَقٍّ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مَا هُوَ صِفَةُ اللَّهِ بَلْ مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِهِ (قَوْلُهُ: وَحَقًّا أَوْ حَقًّا) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي بِالْوَاوِ وَبِلَا وَاوٍ (قَوْلُهُ: وَمُضَافًا إنْ كَانَ بِالْبَاءِ فَيَمِينٌ اتِّفَاقًا) ضَعَّفَهُ فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ وَمِنْ الْأَقْوَالِ الضَّعِيفَةِ مَا قَالَ الْبَلْخِيّ إنَّ قَوْلَهُ بِحَقِّ اللَّهِ يَمِينٌ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَحْلِفُونَ بِهِ وَضَعَّفَهُ لِمَا عَلِمْت أَنَّهُ مِثْلُ وَحَقِّ اللَّهِ بِالْإِضَافَةِ وَعُلِمَتْ الْمُغَايَرَةُ فِيهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ يَمِينًا فَكَذَا بِحَقِّ اللَّهِ. (قَوْلُهُ: فَفِيهِ الِاخْتِلَافُ السَّابِقُ) أَيْ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا عَقِبَ عِبَارَةِ الْمَتْنِ.

(قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ) قَالَ فِي النَّهْرِ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَوْ تَعَوَّدُوا الْحَلِفَ بِهِ كَانَ يَمِينًا، وَظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ أَنَّهُ لَوْ تُعُورِفَ الْحَلِفُ بِهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا حَيْثُ قَالَ: إنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ إلَى آخِرِ مَا يَأْتِي.

ص: 311

وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ هُوَ زَانٍ إلَى آخِرِهِ فَلِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَارَفٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْحُرْمَةِ تَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ، أَوْ لَا تَحْتَمِلُهُ لَا أَثَرَ لَهُ مَعَ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى التَّعْلِيلِ بِعَدَمِ التَّعَارُفِ أَيْضًا لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ مَا يُوجِبُ امْتِنَاعَهُ عَنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ لُزُومِ وُجُودِهِ عِنْدَ الْفِعْلِ وَلَيْسَ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْفِعْلِ يَصِيرُ زَانِيًا أَوْ سَارِقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ كَذَلِكَ إلَّا بِفِعْلٍ مُسْتَأْنَفٍ يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ، وَوُجُودُ هَذَا الْفِعْلِ لَيْسَ لَازِمًا لِوُجُودِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مُوجِبًا امْتِنَاعَهُ عَنْهُ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا بِخِلَافِ الْكُفْرِ فَإِنَّهُ بِالرِّضَا بِهِ يَكْفُرُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عَمَلٍ آخَرَ، أَوْ اعْتِقَادٍ وَالرِّضَا يَتَحَقَّقُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ فَيُوجِبُ عِنْدَهُ الْكُفْرَ لَوْلَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْكَفَّارَةِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ قَالَ: هُوَ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ إنْ فَعَلَ كَذَا أَوْ يَسْتَحِلُّ الْخَمْرَ، أَوْ الْخِنْزِيرَ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ أَصْلُهُ أَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَا تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِحَالٍ مَا كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا يَكُونُ يَمِينًا وَمَا لَا يَسْقُطُ كَأَلْفَاظِ الْكُفْرِ فَيَمِينٌ وَلَوْ قَالَ: جَمِيعُ مَا فَعَلَهُ الْمَجُوسُ، أَوْ الْيَهُودُ فَعَلَى عُنُقِي إنْ فَعَلْت كَذَا فَفَعَلَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ.

وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ اسْتِحْلَالَ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَيْسَ بِكُفْرٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ جَزَاءَ الشَّرْطِ هُوَ الِاسْتِحْلَالُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا مُسْتَحِلٌّ لِلْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَأَمَّا فِي الِاسْتِحْلَالِ فَلِأَنَّ اسْتِحْلَالَ الدَّمِ لَا يَكُونُ كُفْرًا لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ حَالَةَ الضَّرُورَةِ يَصِيرُ حَلَالًا وَكَذَلِكَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ اهـ.

فَأَفَادَ أَنَّ مَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ: عَصَيْت اللَّهَ تَعَالَى إنْ فَعَلْت كَذَا، أَوْ قَالَ عَصَيْت اللَّهَ فِي كُلِّ مَا افْتَرَضَ عَلَيَّ لَا يَكُونُ يَمِينًا.

(قَوْلُهُ: وَحُرُوفُهُ الْبَاءُ وَالْوَاوُ وَالتَّاءُ) أَيْ وَحُرُوفُ الْقَسَمِ وَلَوْ عَادَ الضَّمِيرُ عَلَى الْيَمِينِ لَأَنَّثَهُ؛ لِأَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ سَمَاعًا كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ وَبِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَعْهُودٌ فِي الْأَيْمَانِ وَمَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ} [الذاريات: 23] وَقَالَ تَعَالَى {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا} [النحل: 63] وَقَالَ تَعَالَى {بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] وَفِيهِ احْتِمَالُ كَوْنِهِ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُشْرِكْ} [لقمان: 13] .

وَقَدَّمَ الْبَاءَ قَالُوا هِيَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهَا صِلَةُ الْحَلِفِ وَالْأَصْلُ أَحْلِفُ، أَوْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ وَهِيَ لِلْإِلْصَاقِ تُلْصِقُ فِعْلَ الْقَسَمِ بِالْمَحْلُوفِ بِهِ، ثُمَّ حُذِفَ الْفِعْلُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ مَعَ فَهْمِ الْمَقْصُودِ وَلِأَصَالَتِهَا دَخَلَتْ فِي الْمُظْهَرِ وَالْمُضْمَرِ نَحْوُ بِكَ لَأَفْعَلَنَّ.

ثُمَّ ثَنَّى بِالْوَاوِ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهَا لِلْمُنَاسَبَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَهِيَ مَا فِي الْإِلْصَاقِ مِنْ الْجَمْعِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْوَاوِ وَلِكَوْنِهَا بَدَلًا انْحَطَّتْ عَنْهَا بِدَرَجَةٍ فَدَخَلَتْ عَلَى الْمُظْهَرِ لَا عَلَى الْمُضْمَرِ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: تَحْتَمِلُ النَّسْخَ وَالتَّبْدِيلَ) أَيْ تَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَمَّا الْخَمْرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا السَّرِقَةُ فَعِنْدَ الِاضْطِرَارِ إلَى أَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ وَكَذَا إذَا أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ بِالسَّيْفِ عَلَى الزِّنَا وَأَمَّا الزِّنَا فَفِي دَارِ الْحَرْبِ كَذَا فِي النَّهْرِ وَأَصْلُهُ مِنْ الْفَتْحِ وَقَوْلُ التَّبْيِينِ " لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ التَّبْدِيلَ عَقْلًا فَلَا يَكُونُ كَالْكُفْرِ فِي الْحُرْمَةِ " يُفِيدُ عَدَمَ التَّقْيِيدِ بِتِلْكَ الْحَالَاتِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَعْنَى الْيَمِينِ أَنْ يُعَلِّقَ مَا يُوجِبُ إلَخْ) أَيْ أَنْ يُعَلِّقَ شَيْئًا كَالْكُفْرِ يُوجِبُ ذَلِكَ الشَّيْءُ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ عَنْ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ كَالدُّخُولِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ: بِسَبَبٍ مُتَعَلِّقٌ بِ يُوجِبُ أَيْ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ الْمُعَلَّقَ يُوجِبُ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ عَنْ الْفِعْلِ بِسَبَبِ أَنَّ ذَلِكَ الْمُعَلَّقَ يَلْزَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ الْفِعْلِ فَإِذَا قَالَ: إنْ دَخَلْت فَهُوَ كَافِرٌ فَإِنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ امْتِنَاعَ الْحَالِفِ عَنْ الدُّخُولِ بِسَبَبِ لُزُومِ وُجُودِ الْكُفْرِ عِنْدَ الدُّخُولِ (قَوْلُهُ: فَأَفَادَ أَنَّ مَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ) قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ " لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ " أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَلَالٌ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَقَطْ فَهُوَ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ لَا جَدْوَى لَهُ لِعَدَمِ الشَّكِّ فِي حِلِّهِ حِينَئِذٍ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ مُسْتَحِلُّهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَلَالٌ فِي حَالَةِ الِاضْطِرَارِ وَالِاخْتِيَارِ فَهُوَ وَهْمٌ بَاطِلٌ أَوْقَعَهُ فِيهِ تَوَهُّمُهُ أَنَّ قَوْلَ الْوَلْوَالِجيَّةِ لَا مَحَالَةَ قَيْدٌ فِي النَّفْيِ وَهُوَ لَا يَكُونُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَيْدٌ فِي الْمَنْفِيِّ وَهُوَ يَكُونُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَوْ قَالَ هُوَ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ إنْ فَعَلَ كَذَا لَا يَكُونُ يَمِينًا وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ اسْتِحْلَالَ الْحَرَامِ كُفْرٌ فَقَدْ عَلَّقَ الْكُفْرَ بِالشَّرْطِ وَتَعْلِيقُ الْكُفْرِ بِالشَّرْطِ يَمِينٌ كَمَا لَوْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ دَخَلَ الدَّارَ قُلْنَا اسْتِحْلَالُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَيْسَ بِكُفْرٍ لَا مَحَالَةَ فَإِنَّ فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ تَصِيرُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ حَلَالًا وَلَا يَكُونُ كُفْرًا وَإِذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْلَالُ هَذِهِ كُفْرًا كَمَا فِي غَيْرِ حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَيَكُونُ يَمِينًا وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَكُونَ كُفْرًا كَمَا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا لَا يَصِيرُ يَمِينًا بِالشَّكِّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا؛ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ مَنْ أَنْكَرَ رِسَالَةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِنْكَارُ رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفْرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ هُوَ حَرَامٌ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً بِحَيْثُ لَا تَسْقُطُ بِحَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ كَالْكُفْرِ وَأَشْبَاهِهِ فَاسْتِحْلَالُهُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ يَكُونُ يَمِينًا وَكُلَّ شَيْءٍ هُوَ حَرَامٌ بِحَيْثُ تَسْقُطُ حُرْمَتُهُ بِحَالٍ كَالْمَيْتَةِ وَالْخَمْرِ وَأَشْبَاهِهِ فَاسْتِحْلَالُهُ مُعَلَّقًا بِالشَّرْطِ لَا يَكُونُ يَمِينًا.

(قَوْلُهُ: لَا تَقُولُ أَحْلِفُ

ص: 312

بِاَللَّهِ كَمَا تَقُولُ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ.

وَأَمَّا التَّاءُ فَبَدَلٌ عَنْ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ أُبْدِلَتْ كَثِيرًا مِنْهَا كَمَا فِي تُجَاهٍ وَتُخْمَةٍ وَتُرَاثٍ فَانْحَطَّتْ دَرَجَتَيْنِ فَلَمْ تَدْخُلْ عَلَى الْمُظْهَرِ إلَّا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً وَمَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِمْ: تَرَبِّي وَتَرَبِّ الْكَعْبَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ وَكَذَا تَحِيَّاتِكَ وَلَا يَجُوزُ إظْهَارُ الْفِعْلِ مَعَهَا لَا تَقُولُ: أَحْلِفُ تَاللَّهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَذَكَرَ فِي التَّبْيِينِ أَنَّ لَهُ حُرُوفًا أُخَرَ وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ وَحَرْفُ التَّنْبِيهِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقَطْعُ أَلِفِ الْوَصْلِ وَالْمِيمُ الْمَكْسُورَةُ وَالْمَضْمُومَةُ فِي الْقَسَمِ، وَمُنُ كَقَوْلِهِ لِلَّهِ وَهَا اللَّهِ وَمُ اللَّهِ وَمُنُ اللَّهِ وَاللَّامُ بِمَعْنَى التَّاءِ وَيَدْخُلُهَا مَعْنَى التَّعَجُّبِ وَرُبَّمَا جَاءَتْ التَّاءُ لِغَيْرِ التَّعَجُّبِ دُونَ اللَّامِ اهـ.

(قَوْلُهُ) : (وَقَدْ تُضْمَرُ) أَيْ حُرُوفُ الْقَسَمِ فَيَكُونُ حَالِفًا كَقَوْلِهِ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا؛ لِأَنَّ حَذْفَ الْحَرْفِ مُتَعَارَفٌ بَيْنَهُمْ اخْتِصَارًا، ثُمَّ إذَا حُذِفَ الْحَرْفُ وَلَمْ يُعَوِّضْ عَنْهُ هَا التَّنْبِيهِ وَلَا هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَلَا قَطْعُ أَلِفِ الْوَصْلِ لَمْ يَجُزْ الْخَفْضُ إلَّا فِي اسْمِ اللَّهِ بَلْ يُنْصَبُ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ، أَوْ يُرْفَعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ إلَّا فِي اسْمَيْنِ فَإِنَّهُ اُلْتُزِمَ فِيهِمَا الرَّفْعُ وَهُمَا أَيْمُنُ اللَّهِ وَلَعَمْرُ اللَّهِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ.

وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ: تُضْمَرُ وَلَمْ يَقُلْ تُحْذَفُ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْإِضْمَارَ يَبْقَى أَثَرُهُ بِخِلَافِ الْحَذْفِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي حَالَةِ النَّصْبِ الْحَرْفُ مَحْذُوفًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ، وَفِي حَالَةِ الْجَرِّ مُضْمَرًا لِظُهُورِ أَثَرِهِ وَهُوَ الْجَرُّ فِي الِاسْمِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ بِاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ نَصَبَهَا، أَوْ رَفَعَهَا يَكُونُ يَمِينًا وَلَوْ قَالَ اللَّهَ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَسَكَّنَ الْهَاءَ، أَوْ نَصَبَهَا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا أَنْ يُعْرِبَهَا بِالْجَرِّ فَيَكُونُ يَمِينًا وَقِيلَ يَكُونُ يَمِينًا مُطْلَقًا وَلَوْ قَالَ بِلَهُ بِكَسْرِ اللَّامِ لَا أَفْعَلُ كَذَا قَالُوا لَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا إذَا أَعْرَبَ الْهَاءَ بِالْكَسْرِ وَقَصَدَ الْيَمِينَ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا نَصَبَ أَنْ يَكُونَ يَمِينًا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي جَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَلَكِنَّ النَّصْبَ أَكْثَرُ كَمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْقَاهِرِ فِي مُقْتَصَدِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي الْمَبْسُوطِ مِنْ أَنَّ النَّصْبَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْخَفْضَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْكُوفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْأَرْجَحِيَّةِ لَا فِي أَصْلِ الْجَوَازِ فِيهِ، قَيَّدَ بِإِضْمَارِ الْحُرُوفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُضْمَرُ فِي الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ حَرْفُ التَّأْكِيدِ وَهُوَ اللَّامُ وَالنُّونُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمَا لِمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْحَلِفُ بِالْعَرَبِيَّةِ أَنْ تَقُولَ فِي الْإِثْبَاتِ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلَنَّ كَذَا وَوَاللَّهِ لَقَدْ فَعَلْتُ كَذَا مَقْرُونًا بِكَلِمَةِ التَّوْكِيدِ، وَفِي النَّفْيِ تَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَوَاللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا حَتَّى لَوْ قَالَ وَاَللَّهِ أَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَلَمْ يَفْعَلْ لَا تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ وَيَكُونُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا

ــ

[منحة الخالق]

بِاَللَّهِ كَمَا تَقُولُ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهِيَ مَقْلُوبَةٌ، وَفِي بَعْضِهَا لَا تَقُولُ أَحْلِفُ وَاَللَّهِ كَمَا تَقُولُ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِضْمَارَ يَبْقَى أَثَرُهُ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ هَذَا بِمَعْزِلٍ عَنْ التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ حَالِفًا مَعَ بَقَاءِ الْأَثَرِ يَكُونُ أَيْضًا حَالِفًا مَعَ النَّصْبِ بَلْ هُوَ الْكَثِيرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ وَذَاكَ شَاذٌّ، وَالْتِزَامُ ذَلِكَ الِاصْطِلَاحِ لِلْفُقَهَاءِ غَيْرُ لَازِمٍ اهـ.

قَالَ مُحَشِّي مِسْكِينٍ: أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَمَّا أَوَّلًا فَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّدِّ عَلَى الْبَحْرِ مِنْ التَّعْلِيلِ بِأَنَّهُ يَكُونُ حَالِفًا مَعَ الْحَذْفِ أَيْضًا يَقْتَضِي أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ لَا يَقُولُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِمَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ الْحَمَوِيُّ عَنْ الْمُغْنِي مِنْ أَنَّ حَذْفَ الْجَارِّ وَبَقَاءَ عَمَلِهِ شَاذٌّ فِي غَيْرِ الْقَسَمِ أَمَّا فِي الْقَسَمِ فَمُطَّرِدٌ اهـ.

وَلَا يَخْفَى عَلَيْك سُقُوطُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ إبْدَاءَ وَجْهِ الْعُدُولِ عَنْ الْحَذْفِ إلَى الْإِضْمَارِ بِبَقَاءِ أَثَرِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ مَعَ النَّصْبِ لَا يَكُونُ حَالِفًا إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ فِي حَالَةِ الْجَرِّ يَبْقَى الْأَثَرُ فَيَكُونُ كَحَالَةِ بَقَاءِ الْحَرْفِ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْحَذْفِ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَنْصُوبًا. (قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا نَصَبَ) أَيْ نَصَبَ قَوْلَهُ: اللَّهَ لَا أَفْعَلُ (قَوْلُهُ: وَهُوَ اللَّامُ وَالنُّونُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: أَيْ لَا بُدَّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالْفَارِسِيُّ: يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا ذَكَرَهُ الْأَسْنَائِيُّ فِي الْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ (قَوْلُهُ: حَتَّى لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ أَفْعَلُ كَذَا الْيَوْمَ فَلَمْ يَفْعَلْ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ نَحْوَهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ: قَالَ شَيْخُ شَيْخِنَا الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْمَنْظُومِ: أَقُولُ: عَلَى هَذَا أَكْثَرُ مَا يَقَعُ مِنْ الْعَوَامّ لَا يَكُونُ يَمِينًا لِعَدَمِ اللَّامِ وَالنُّونِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ فِيهَا لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ تَلْزَمَهُمْ لِتَعَارُفِهِمْ الْحَلِفَ بِذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهُ لَوْ سَكَّنَ الْهَاءَ أَوْ رَفَعَ، أَوْ نَصَبَ فِي بِاَللَّهِ يَكُونُ يَمِينًا مَعَ أَنَّ الْعَرَبَ مَا نَطَقَتْ بِغَيْرِ الْجَرِّ فَلْيُتَأَمَّلْ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَمِينًا، وَإِنْ خَلَا مِنْ اللَّامِ وَالنُّونِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: سُبْحَانَ اللَّهِ أَفْعَلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَفْعَلُ كَذَا لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ اهـ.

أَقُولُ: قَوْلُهُ " عَلَى هَذَا مَا يَقَعُ مِنْ الْعَوَامّ لَا يَكُونُ يَمِينًا " ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَمِيعًا أَنَّهُ يَمِينٌ لَكِنْ عَلَى النَّفْيِ لَا عَلَى الْإِثْبَاتِ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَاَللَّهِ أَفْعَلُ أَيْ لَا أَفْعَلُ هَذَا وَلَا دَلَالَةَ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية لِمُدَّعَاهُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ إعْرَابِيٌّ لَا يَمْنَعُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعَ فَلَا يَضُرُّ تَسْكِينُ الْهَاءِ وَلَا رَفْعُهَا وَلَا نَصْبُهَا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ اللَّحْنَ لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ إذْ الْمُتَنَازَعُ الْإِثْبَاتُ، وَالنَّفْيُ، لَا أَنَّهُ يَمِينٌ فَكِلَا النَّقْلَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى فَتَأَمَّلْ

ص: 313

فَتَكُونُ كَلِمَةً لَا مُضْمَرَةً فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ فِي الْإِثْبَاتِ عِنْدَ الْعَرَبِ لَا يَكُونُ إلَّا بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ وَهُوَ اللَّامُ وَالنُّونُ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلَنَّ كَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57] وَإِضْمَارُ الْكَلِمَةِ فِي الْكَلَامِ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أَيْ أَهْلَهَا فَأَمَّا إضْمَارُ بَعْضِ الْكَلِمَةِ فِي الْبَعْضِ مَا اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَكَفَّارَتُهُ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كَمَا فِي الظِّهَارِ، أَوْ كِسْوَتُهُمْ بِمَا يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ) أَيْ وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ بِمَعْنَى الْقَسَمِ أَوْ الْحَلِفِ لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ، وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89] وَكَلِمَةُ " أَوْ " لِلتَّخْيِيرِ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَحَدَ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَالتَّخْيِيرُ لَا يُنَافِي التَّكْلِيفَ؛ لِأَنَّ صِحَّتَهُ بِإِمْكَانِ الِامْتِثَالِ وَهُوَ ثَابِتٌ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِ أَحَدِهَا يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّ التَّخْيِيرَ يَمْنَعُ صِحَّةَ التَّكْلِيفِ فَأَوْجَبَ خِصَالَ الْكَفَّارَةِ مَعَ السُّقُوطِ بِالْبَعْضِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي التَّحْرِيرِ، وَفِي شَرْحِ الْمَنَارِ لَوْ أَدَّى الْكُلَّ لَا يَقَعُ عَنْ الْكَفَّارَةِ إلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ مَا كَانَ أَعْلَى قِيمَةً وَلَوْ تَرَكَ الْكُلَّ يُعَاقَبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا وَهُوَ مَا كَانَ أَدْنَى قِيمَةً؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ بِالْأَدْنَى، وَهِيَ مِنْ الْكُفْرِ بِمَعْنَى السَّتْرِ، وَإِضَافَتُهَا إلَى الْيَمِينِ إضَافَةٌ إلَى الشَّرْطِ مَجَازًا لِأَنَّ السَّبَبَ عِنْدَنَا الْحِنْثُ كَمَا سَيَأْتِي وَعَبَّرَ بِالتَّحْرِيرِ بِمَعْنَى الْإِعْتَاقِ دُونَ الْعِتْقِ اتِّبَاعًا لِلْآيَةِ وَلِيُفِيدَ أَنَّ الشَّرْطَ الْإِعْتَاقُ فَلَوْ وَرِثَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَنَوَى عَنْ الْكَفَّارَةِ لَا يَجُوزُ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ كَمَا فِي الظِّهَارِ أَيْ التَّحْرِيرُ وَالْإِطْعَامُ هُنَا كَالتَّحْرِيرِ وَالْإِطْعَامِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّهُ يَجُوزُ الرَّقَبَةُ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً ذَكَرًا كَانَ، أَوْ أُنْثَى صَغِيرَةً كَانَتْ، أَوْ كَبِيرَةً وَلَا يَجُوزُ فَائِتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَلَا الْمُكَاتَبُ الَّذِي أَدَّى بَعْضَ شَيْءٍ وَيَجُوزُ فِي الْإِطْعَامِ التَّمْلِيكُ وَالْإِبَاحَةُ فَإِنْ مَلَكَ أَعْطَى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَإِنْ أَبَاحَ غَدَّاهُمْ وَعَشَّاهُمْ فَإِنْ كَانَ بِخُبْزِ الْبُرِّ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِدَامِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ خُبْزِ الْبُرِّ احْتَاجَ إلَيْهِ عَلَى التَّفَاصِيلِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ أَعْطَى عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ أَلْفَ مَنٍّ مِنْ الْحِنْطَةِ عَنْ كَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ لَا يَجُوزُ إلَّا عَنْ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَكَذَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَفِي نُسْخَةِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ لَوْ أَطْعَمَ خَمْسَةَ مَسَاكِينَ وَكَسَا خَمْسَةَ مَسَاكِينَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ الطَّعَامِ إنْ كَانَ الطَّعَامُ أَرْخَصَ مِنْ الْكِسْوَةِ، وَعَلَى الْقَلْبِ لَا يَجُوزُ وَهَذَا فِي طَعَامِ الْإِبَاحَةِ أَمَّا إذَا مَلَّكَ الطَّعَامَ فَيَجُوزُ وَيَقُومُ مَقَامَ الْكِسْوَةِ وَلَوْ أَدَّى إلَى مِسْكِينٍ مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ وَنِصْفَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ يَجُوزُ اهـ.

وَخَرَجَ السَّرَاوِيلُ بِقَوْلِهِ بِمَا يَسْتُرُ عَامَّةَ الْبَدَنِ وَصَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ؛ لِأَنَّ لَابِسَهُ يُسَمَّى عُرْيَانًا فِي الْعُرْفِ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ مِنْ غَزْلِهَا سَرَاوِيلَ لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينِهِ لَكِنْ مَا لَا يُجْزِئُهُ عَنْ الْكِسْوَةِ يُجْزِئُهُ عَنْ الطَّعَامِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصًا، أَوْ جُبَّةً، أَوْ إزَارًا أَوْ قَبَاءً سَابِلًا بِحَيْثُ يَتَوَشَّحُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَإِلَّا فَهُوَ كَالسَّرَاوِيلِ وَلَا تُجْزِئُ الْعِمَامَةُ إلَّا أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا ثَوْبٌ يُجْزِئُ مِمَّا ذَكَرْنَا جَازَ أَمَّا الْقَلَنْسُوَةُ فَلَا تُجْزِئُ بِحَالٍ قَالَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا كُلُّهُ إذَا دَفَعَ إلَى الرَّجُلِ أَمَّا إذَا دَفَعَ إلَى الْمَرْأَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْخِمَارِ مَعَ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ صَلَاتَهَا لَا تَصِحُّ بِدُونِهِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَهَذَا يُشَابِهُ الرِّوَايَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي دَفْعِ السَّرَاوِيلِ أَنَّهُ لِلْمَرْأَةِ لَا يَكْفِي وَهَذَا كُلُّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْجَوَابِ، وَإِنَّمَا ظَاهِرُ الْجَوَابِ مَا يَثْبُتُ بِهِ اسْمُ الْمُكْتَسِي وَيَنْتَفِي عَنْهُ اسْمُ الْعُرْيَانِ وَعَلَيْهِ بُنِيَ عَدَمُ إجْزَاءِ السَّرَاوِيلِ لَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ وَعَدَمُهَا فَإِنَّهُ لَا دَخْلَ لَهُ فِي الْأَمْرِ بِالْكِسْوَةِ؛ إذْ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا جَعْلَ الْفَقِيرِ مُكْتَسِيًا اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَفِي الثَّوْبِ يُعْتَبَرُ حَالُ الْقَابِضِ إنْ كَانَ يَصْلُحُ لِلْقَابِضِ يَجُوزُ

ــ

[منحة الخالق]

كَلَامَهُ فَإِنَّهُ ظَاهِرُ النَّقْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالنَّقْلُ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ اهـ.

أَقُولُ: مُرَادُ الْمَقْدِسِيَّ بِقَوْلِهِ لَا يَكُونُ يَمِينًا أَيْ عَلَى الْإِثْبَاتِ كَمَا هُوَ مُرَادُ الْحَالِفِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ فِيهَا أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ تَرْكِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَمَا اعْتَرَضَهُ الرَّمْلِيُّ فِيهِ نَظَرٌ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ جُمْلَةِ اللَّحْنِ فَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْقَامُوسِ بِالْخَطَأِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُرَادَهُ بِالِاسْتِشْهَادِ بِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ جَعَلَهُ يَمِينًا مَعَ النِّيَّةِ مَعَ أَنَّهُ مُثْبَتٌ، وَحَرْفَ التَّوْكِيدِ مَفْقُودٌ فِيهِ هَذَا وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: مَا بَحَثَهُ الْمَقْدِسِيَّ وَجِيهٌ وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ إنَّهُ يُصَادِمُ الْمَنْقُولَ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْمَذْهَبِ كَانَ عَلَى عُرْفِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَتَغَيَّرَ اللُّغَةُ وَأَمَّا الْآنَ فَلَا يَأْتُونَ بِاللَّامِ وَالنُّونِ فِي مُثْبَتِ الْقَسَمِ أَصْلًا وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ بِوُجُودِ لَا وَعَدَمِهَا، وَمَا اصْطِلَاحُهُمْ عَلَى هَذَا إلَّا كَاصْطِلَاحِ لُغَةِ الْفُرْسِ وَنَحْوِهَا فِي الْأَيْمَانِ لِمَنْ تَدَبَّرَ.

(قَوْلُهُ: قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ إلَخْ) يُوهِمُ أَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْفَتْحِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْمَرْأَةِ الْخِمَارُ مَعَ الثَّوْبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ لَا يَصِحُّ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَأَنَّهُ يَكْفِي فِي الْخِمَارِ أَنْ يَسْتُرَ الرَّأْسَ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ بِهِ الصَّلَاةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ بَاقِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ

ص: 314

وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنْ كَانَ يَصْلُحُ لِأَوْسَاطِ النَّاسِ يَجُوزُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: وَهَذَا أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَلَوْ أَعْطَى ثَوْبًا خَلِيقًا عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إنْ أَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ مُدَّةِ الْجَدِيدِ يَعْنِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ جَازَ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ لِصِحَّةِ التَّكْفِيرِ فِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَنَّ مَصْرِفَهَا مَصْرِفُ الزَّكَاةِ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ كُلُّ مَنْ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِ فَلَا يُعْطِيهَا لِأَبِيهِ، وَإِنْ عَلَا وَلَا لِوَلَدِهِ، وَإِنْ سَفَلَ وَكَذَا الصَّدَقَةُ الْمَنْذُورَةُ وَلَوْ أَعْطَى كَفَّارَةَ يَمِينِهِ لِامْرَأَتِهِ وَهِيَ أَمَةٌ لِغَيْرِهِ وَمَوْلَاهَا فَقِيرٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَتِمُّ بِقَبُولِهَا لَا بِقَبُولِ الْمَوْلَى وَهِيَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِأَدَاءِ كَفَّارَتِهِ فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ أَعْطَى أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَهُمَا مَمْلُوكَانِ لِفَقِيرٍ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ اهـ.

وَيَرِدُ عَلَى الْكُلِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ الدَّفْعُ إلَى الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فِي الْكَفَّارَةِ دُونَ الزَّكَاةِ، وَفِي الْخَانِيَّةِ أَيْضًا لَوْ أَعْطَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا مُدًّا ثُمَّ اسْتَغْنَوْا، ثُمَّ افْتَقَرُوا ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِمْ مُدًّا مُدًّا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا اسْتَغْنَوْا صَارُوا بِحَالٍ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِمْ فَبَطَلَ مَا أَدَّى كَمَا لَوْ أَدَّى إلَى مُكَاتَبٍ مُدًّا، ثُمَّ رَدَّهُ فِي الرِّقِّ، ثُمَّ كُوتِبَ ثَانِيًا، ثُمَّ أَعْطَاهُ مُدًّا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهَا صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً) أَيْ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ كَفَّرَ بِالصَّوْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [البقرة: 196] وَشَرَطْنَا التَّتَابُعَ عَمَلًا بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَتَابِعَاتٍ وَقِرَاءَتُهُ كَرِوَايَتِهِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ جَازَ الزِّيَادَةُ بِهَا عَلَى الْقَطْعِيِّ الْمُطْلَقِ وَأَشَارَ بِالْعَجْزِ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ فَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ إلَّا لِمَنْ عَجَزَ عَمَّا سِوَى الصَّوْمِ فَلَا يَجُوزُ لِمَنْ يَمْلِكُ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكَفَّارَةِ، أَوْ يَمْلِكُ بَدَلَهُ فَوْقَ الْكَفَافِ، وَالْكَفَافُ مَنْزِلٌ يَسْكُنُهُ وَثَوْبٌ يَلْبَسُهُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَقُوتُ يَوْمِهِ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ قُوتُ شَهْرٍ، وَإِنْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الْخِدْمَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ وَمَنْ مَلَكَ مَالًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلُ ذَلِكَ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فَقَضَى دَيْنَهُ بِذَلِكَ الْمَالِ جَازَ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ، وَإِنْ صَامَ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ، وَفِي الْكِتَابِ إشَارَةٌ إلَى الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ، أَوْ دَيْنٌ عَلَى رَجُلٍ وَلَيْسَ فِي يَدِهِ مَا يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ جَازَ لَهُ الصَّوْمُ قَالَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالُ الْغَائِبُ عَبْدًا فَإِنْ كَانَ عَبْدًا يَجُوزُ فِي الْكَفَّارَةِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِعْتَاقِ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ إذَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ قَدْرُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ اهـ.

وَالِاعْتِبَارُ فِي الْعَجْزِ وَعَدَمِهِ وَقْتُ الْأَدَاءِ لَا وَقْتُ الْحِنْثِ فَلَوْ حَنِثَ وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ، وَفِي عَكْسِهِ يَجُوزُ وَيُشْتَرَطُ اسْتِمْرَارُ الْعَجْزِ إلَى وَقْتِ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّوْمِ فَلَوْ صَامَ الْمُعْسِرُ يَوْمَيْنِ، ثُمَّ أَيْسَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّوْمُ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ.

وَقَيَّدَ بِالتَّتَابُعِ لِأَنَّهُ لَوْ صَامَ الثَّلَاثَةَ مُتَفَرِّقَةً لَا يَجُوزُ لَهُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْعُذْرَ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ فِي الثَّلَاثَةِ اسْتَقْبَلَتْ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْفِطْرِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِالْعَجْزِ إلَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا حَنِثَ لَا يُكَفِّرُ إلَّا بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ أَعْتَقَ عَنْهُ مَوْلَاهُ أَوْ أَطْعَمَ، أَوْ كَسَا لَا يُجْزِئُهُ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ وَالْمُسْتَسْعَى وَلَوْ صَامَ الْعَبْدُ فَعَتَقَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ وَلَوْ بِسَاعَةٍ فَأَصَابَ مَالًا وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْكَفَّارَةِ بِالْمَالِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَفِي الْمُجْتَبَى: كَفَّرَ بِالصَّوْمِ، وَفِي مِلْكِهِ رَقَبَةٌ، أَوْ ثِيَابٌ أَوْ طَعَامٌ قَدْ نَسِيَهُ قِيلَ يُجْزِئُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَفِي الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ وَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ، ثُمَّ صَامَ، ثُمَّ رَجَعَ بِالْهِبَةِ أَجْزَأَهُ الصَّوْمُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي التَّكْفِيرِ حَالُ الْأَدَاءِ لَا غَيْرُ اهـ.

وَهَذَا يُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَسْخٌ مِنْ الْأَصْلِ وَفِي الْمُجْتَبَى أَيْضًا بَذَلَ ابْنُ الْمُعْسِرِ لِأَبِيهِ مَالًا لِيُكَفِّرَ بِهِ لَا تَثْبُتُ الْقُدْرَةُ بِهِ إجْمَاعًا.

(قَوْلُهُ: وَلَا يُكَفِّرُ

ــ

[منحة الخالق]

وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ لَابِسَةً قَمِيصًا سَابِلًا، أَوْ إزَارًا، أَوْ خِمَارًا غَطَّى رَأْسَهَا وَأُذُنَيْهَا دُونَ عُنُقِهَا لَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ اسْمِ أَنَّهَا مُكْتَسِيَةٌ لَا عُرْيَانَةُ وَمَعَ هَذَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا فَالْعِبْرَةُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ الِاسْمِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ، أَوْ لَا اهـ.

(قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهَا إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يَعْنِي التَّحْرِيرَ وَالْإِطْعَامَ وَالْكِسْوَةَ جَمِيعًا لَا عَنْ بَعْضِهَا فَإِنَّهُ إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثِ لَا يَصُومُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ أَحَدٌ دَائِرًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ " الْإِعْتَاقِ وَالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ " فَبَطَلَ اعْتِرَاضُ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

ص: 315

قَبْلَ الْحِنْثِ) أَيْ لَا يَصِحُّ التَّكْفِيرُ قَبْلَ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمَالِ، أَوْ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ لِسَتْرِ الْجِنَايَةِ وَلَا جِنَايَةَ، وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِسَبَبٍ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ الْحِنْثِ غَيْرُ مُفْضِيَةٍ إلَيْهِ بِخِلَافِ التَّكْفِيرِ بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّهُ مُفْضٍ، ثُمَّ إذَا كَفَّرَ قَبْلَهُ لَا يَسْتَرِدُّهُ مِنْ الْفَقِيرِ لِوُقُوعِهِ صَدَقَةً.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ تَعْدَادِ الْكَفَّارَةِ لِتَعَدُّدِ الْيَمِينِ وَهِيَ مُهِمَّةٌ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ فَفِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَيَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ بِتَعَدُّدِ الِاسْمِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ تَخَلُّلُ حَرْفِ الْقَسَمِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً وَبِهِ أَخَذَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ لَا أَفْعَلُ كَذَا فَفَعَلَ يَلْزَمُهُ كَفَّارَتَانِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَالْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ أُولَئِكَ الْمَشَايِخِ أَنَّ الْوَاوَ إذَا اتَّحَدَ ذِكْرُهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ وَاوَ عَطْفٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ وَاوَ الْقَسَمِ وَلَا يَثْبُتُ الْقَسَمُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَدَّدَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لِلْعَطْفِ وَالْآخَرَ لِلْقَسَمِ وَلَوْ قَالَ وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ يَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ فِي الِاسْمِ الْوَاحِدِ لَا يَتَعَدَّدُ الْيَمِينُ وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ اللَّهِ، أَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ الرَّحْمَنِ تَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً اهـ.

وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إذَا أَدْخَلَ بَيْنَ اسْمَيْنِ حَرْفَ عَطْفٍ كَانَا يَمِينَيْنِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ حَرْفِ الْعَطْفِ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الصِّفَةِ وَالتَّأْكِيدِ تَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَصْلِ إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ، ثُمَّ حَلَفَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ أَبَدًا، ثُمَّ فَعَلَهُ إنْ نَوَى يَمِينًا مُبْتَدَأً، أَوْ التَّشْدِيدَ أَوْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينَيْنِ أَمَّا إذَا نَوَى بِالثَّانِي الْأَوَّلَ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.

وَفِي التَّجْرِيدِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا حَلَفَ بِأَيْمَانٍ فَعَلَيْهِ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ وَالْمَجْلِسُ وَالْمَجَالِسُ سَوَاءٌ وَلَوْ قَالَ: عَنَيْتُ بِالثَّانِي الْأَوَّلَ لَمْ يَسْتَقِمْ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ حَلَفَ بِحَجَّةٍ، أَوْ عُمْرَةٍ يَسْتَقِيمُ وَفِي الْأَصْلِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا هُوَ نَصْرَانِيٌّ إنْ فَعَلَ كَذَا فَهُمَا يَمِينَانِ، وَفِي النَّوَازِلِ قَالَ لِآخَرَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ يَوْمًا، وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ شَهْرًا، وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُ سَنَةً إنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ سَاعَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيْمَانٍ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الْغَدِ فَعَلَيْهِ يَمِينَانِ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ الشَّهْرِ فَعَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَلَّمَهُ بَعْدَ سَنَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: وَعُرِفَ فِي الطَّلَاقِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهَا: إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْت طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَقَعَ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ. .

(قَوْلُهُ: وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ) بَيَانٌ لِبَعْضِ أَحْكَامِ الْيَمِينِ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ: فِعْلُ مَعْصِيَةٍ، أَوْ تَرْكُ فَرْضٍ فَالْحِنْثُ وَاجِبٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحِنْثُ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» .

وَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا «وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ» ، ثُمَّ الْيَمِينُ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَمِينِ جُمْلَتَانِ إحْدَاهُمَا مُقْسَمٌ بِهِ وَالْأُخْرَى مُقْسَمٌ عَلَيْهِ فَذُكِرَ الْكُلُّ وَأُرِيدَ الْبَعْضُ وَقِيلَ ذُكِرَ اسْمُ الْحَالِ وَأُرِيدَ الْمَحَلُّ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ مَحَلُّ الْيَمِينِ وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَاهُ تَفْوِيتَ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ضِدِّهِ.

وَأَطْلَقَ فِي الْمَعْصِيَةِ فَشَمِلَ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ، أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ فَيَجِبَ الْحِنْثُ بِالصَّلَاةِ وَكَلَامِ الْأَبِ، وَالثَّانِي نَحْوُ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُوَقَّتَةً بِوَقْتٍ كَالْيَوْمِ وَغَدًا لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُطْلَقَةً لَمْ يُتَصَوَّرْ الْحِنْثُ بِاخْتِيَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَيُوصِي بِالْكَفَّارَةِ حِينَئِذٍ إذَا هَلَكَ الْحَالِفُ وَيُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ إذَا هَلَكَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ شَيْئًا غَيْرَهُ أَوْلَى مِنْهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ مُؤَقَّتَةً بِوَقْتٍ إلَخْ) هَذَا خَاصٌّ بِالثَّانِي أَعْنِي الْإِثْبَاتَ أَمَّا النَّفْيُ مِثْلُ لَا يُصَلِّي فَيُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَنْ يُصَلِّيَ.

ص: 316

كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ شَهْرًا، أَوْ نَحْوَهُ فَالْحِنْثُ أَفْضَلُ لِأَنَّ الرِّفْقَ أَيْمَنُ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ، وَهُوَ يَسْتَأْهِلُ ذَلِكَ أَوْ لَيَشْكُوَنَّ مَدْيُونَهُ إنْ لَمْ يُوَافِهِ غَدًا؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ أَفْضَلُ وَكَذَا تَيْسِيرُ الْمُطَالَبَةِ.

الثَّالِثُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ وَضِدُّهُ مِثْلُهُ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ، أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَالْبِرُّ فِي هَذَا وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ وَاجِبُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89] عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهَا أَنَّهُ الْبِرُّ فِيهَا أَمْكَنَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْقِسْمَ الرَّابِعَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَجِبُ فِعْلُهُ قِيلَ: الْيَمِينُ كَحَلِفِهِ لَيُصَلِّيَنَّ الظُّهْرَ الْيَوْمَ لِظُهُورِ أَنَّ الْبِرَّ فَرْضٌ وَمِنْهُ إذَا كَانَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ تَرْكَ مَعْصِيَةٍ فَإِنَّ الْبِرَّ وَاجِبٌ فَيَثْبُتُ وُجُوبَانِ لِأَمْرَيْنِ الْفِعْلُ وَالْبِرُّ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ إمَّا فِعْلٌ أَوْ تَرْكٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً أَوْ وَاجِبًا، أَوْ هُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ، أَوْ مُسْتَوِيَانِ وَقَدْ عَلِمْت أَحْكَامَ الْعَشَرَةِ. .

(قَوْلُهُ: وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى كَافِرٍ، وَإِنْ حَنِثَ مُسْلِمًا) لِمَا قَدَّمْنَا أَنَّ شَرْطَ انْعِقَادِهَا الْإِسْلَامُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظِّمًا وَلَا هُوَ لِلْكَفَّارَةِ أَهْلٌ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12]، وَأَمَّا قَوْلُهُ: بَعْدَهُ {نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} [التوبة: 12] فَيَعْنِي صُورَةَ الْأَيْ مَانِ الَّتِي أَظْهَرُوهَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّأْوِيلِ أَمَّا فِي {لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّ الْمُرَادَ لَا إيفَاءَ لَهُمْ بِهَا، أَوْ فِي نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الْمُرَادَ مَا هُوَ صُورَةُ الْأَيْمَانِ دُونَ حَقِيقَتِهَا الشَّرْعِيَّةِ وَيُرَجَّحُ الثَّانِي بِالْفِقْهِ وَهُوَ أَنَّا نَعْلَمُ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلْيَمِينِ يَكُونُ أَهْلًا لِلْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ الْكَافِرُ أَهْلًا لَهَا، أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمُرْتَدَّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْكُفْرَ يُبْطِلُ الْيَمِينَ فَلَوْ حَلَفَ مُسْلِمًا، ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى، ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ حَنِثَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَلَا قَبْلَهُ قَالُوا: وَلَوْ نَذَرَ الْكَافِرُ بِمَا هُوَ قُرْبَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَأَمَّا تَحْلِيفُهُ الْقَاضِيَ وَقَوْلُهُ: عليه السلام «تُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا» فَالْمُرَادُ كَمَا قُلْنَا صُورَةُ الْأَيْمَانِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا رَجَاءُ النُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ فِي نَفْسِهِ تَعْظِيمَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ كَانَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ وَمَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظِّمًا. .

(قَوْلُهُ: وَمَنْ حَرَّمَ مِلْكَهُ لَمْ يَحْرُمْ) أَيْ لَا يَصِيرُ حَرَامًا عَلَيْهِ لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَتَغْيِيرُهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُتَصَرِّفُ فِي ذَلِكَ بِالتَّبْدِيلِ وَغَيْرِهِ إنْ اسْتَبَاحَهُ كَفَّرَ أَيْ عَامَلَهُ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ بِأَنْ فَعَلَ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] الْآيَتَيْنِ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ نَبِيَّهُ عليه السلام حَرَّمَ شَيْئًا مِمَّا هُوَ حَلَالٌ وَأَنَّهُ فَرَضَ لَهُ تَحِلَّتَهُ فَعَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ {تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] فَعُلِمَ أَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ وَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ يَحْلِفُ صَرِيحًا فَلَيْسَ هُوَ فِي الْآيَةِ وَلَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إلَى آخِرِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ بَدَلَ الْمِلْكِ الشَّيْءَ بِأَنْ قَالَ: وَمَنْ حَرَّمَ شَيْئًا ثُمَّ فَعَلَهُ كَفَّرَ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْأَعْيَانَ وَالْأَفْعَالَ وَمِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ وَمَا كَانَ حَلَالًا وَمَا كَانَ حَرَامًا فَيَدْخُلَ فِيهِ مَا إذَا قَالَ كَلَامُك عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ مَعِي أَوْ الْكَلَامُ مَعَك حَرَامٌ كَمَا فِي الْمُبْتَغَى وَكَذَا إذَا قَالَ دُخُولُ هَذَا الْمَنْزِلِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَنَحْوَهُ كَمَا فِي الْمُجْتَبَى وَلَوْ قَالَ لِقَوْمٍ: كَلَامُكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ أَيَّهُمْ كَلَّمَ حَنِثَ، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَكَذَا كَلَامُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْنَثُ بِكَلَامِ أَحَدِهِمَا وَكَذَا كَلَامُ أَهْلِ بَغْدَادَ وَكَذَا أَكْلُ هَذَا الرَّغِيفِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَحْنَثُ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُهُمْ لَا يَحْنَثُ حَتَّى يُكَلِّمَهُمْ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ: هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ حَنِثَ بِأَكْلِ لُقْمَةٍ، وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ مَشَايِخُنَا: الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ حَانِثًا لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا الرَّغِيفُ عَلَيَّ حَرَامٌ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ لَا آكُلُ هَذَا الرَّغِيفَ وَلَوْ قَالَ هَكَذَا لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْبَعْضِ اهـ.

مَعَ أَنَّ حُرْمَةَ الْعَيْنِ الْمُرَادُ مِنْهَا تَحْرِيمُ الْفِعْلِ فَإِذَا قَالَ هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَالْمُرَادُ أَكْلُهُ وَكَذَا إذَا قَالَ هَذَا الثَّوْبُ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 317

عَلَيَّ حَرَامٌ فَالْمُرَادُ لُبْسُهُ إلَّا إذَا نَوَى غَيْرَهُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ قَالَ لِدَرَاهِمَ فِي يَدِهِ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ اشْتَرَى بِهَا حَنِثَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا أَوْ وَهَبَهَا لَمْ يَحْنَثْ بِحُكْمِ الْعُرْفِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلدَّرَاهِمِ بَلْ لَوْ وَهَبَ مَا جَعَلَهُ حَرَامًا، أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيمِ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ مَالِي عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَنْفَقَ مِنْهُ شَيْئًا حَنِثَ وَكَذَا مَالُ فُلَانٍ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَ مِنْهُ، أَوْ أَنْفَقَ حَنِثَ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا قَالَ هَذَا الطَّعَامُ عَلَيَّ حَرَامٌ لِطَعَامٍ لَا يَمْلِكُهُ فَيَصِيرُ بِهِ حَالِفًا حَتَّى لَوْ أَكَلَهُ حَلَالًا أَوْ حَرَامًا لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْهَا وَهُوَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وَيَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا مَا إذَا قَالَ: هَذِهِ الْخَمْرُ عَلَيَّ حَرَامٌ فَإِذَا شَرِبَهُ كَفَّرَ فَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مِنْ فَصْلِ الْأَكْلِ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: الْخَمْرُ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ الْخِنْزِيرُ عَلَيَّ حَرَامٌ كَانَ يَمِينًا حَتَّى إذَا فَعَلَهُ كَفَّرَ وَذَكَرَ فِي فَصْلِ تَحْرِيمِ الْحَلَالِ إذَا قَالَ: هَذِهِ الْخَمْرُ عَلَيَّ حَرَامٌ فِيهِ قَوْلَانِ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يُنْوَى فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْخَبَرَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ.

وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْيَمِينَ تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ اهـ.

وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ الْمُفِيدَةِ لِلْعُمُومِ لِيَشْمَلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى فَلِذَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَالْخُلَاصَةِ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ قَالَتْ: حَرَّمْتُكَ عَلَى نَفْسِي فَيَمِينٌ حَتَّى لَوْ طَاوَعَتْهُ فِي الْجِمَاعِ، أَوْ أَكْرَهَهَا لَزِمَتْهَا الْكَفَّارَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذِهِ الدَّارَ فَأُدْخِلَ فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ اهـ.

وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِ حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَعَلَ حُرْمَتَهُ مُعَلَّقَةً عَلَى فِعْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ: إنْ أَكَلْتُ هَذَا الطَّعَامَ فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَفِي الْمُحِيطِ، وَفِي الْمُنْتَقَى إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ كُلُّ طَعَامٍ آكُلُهُ فِي مَنْزِلِك فَهُوَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَحْنَثُ إذَا أَكَلَهُ هَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ وَالنَّاسُ يُرِيدُونَ بِهَذَا أَنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ، وَفِي الْحِيَلِ: إنْ أَكَلْت عِنْدَك طَعَامًا أَبَدًا فَهُوَ حَرَامٌ فَأَكَلَهُ لَمْ يَحْنَثْ اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ: إنْ دَخَلْت عَلَيْك فَمَا أَخَذْت بِيَمِينِي فَحَرَامٌ فَإِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ صَارَ يَمِينًا فَإِنْ مَلَكَ شَيْئًا وَلَوْ شَرْبَةَ مَاءٍ تَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ اهـ. .

(قَوْلُهُ: كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُوَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) وَالْقِيَاسُ أَنْ يَحْنَثَ كَمَا فُرِّعَ؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ التَّنَفُّسُ وَنَحْوُهُ وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ الْبِرُّ لَا يَحْصُلُ مَعَ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ وَإِذَا سَقَطَ اعْتِبَارُهُ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لِلْعُرْفِ فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُتَنَاوَلُ عَادَةً فَيَحْنَثُ إذَا أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَرْأَةَ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَلَا يَحْنَثُ بِجِمَاعِ زَوْجَتِهِ لِإِسْقَاطِ اعْتِبَارِ الْعُمُومِ وَإِذَا نَوَاهَا كَانَ إيلَاءً وَلَا تُصْرَفُ الْيَمِينُ عَنْ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَهَذَا كُلُّهُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مَعَ أَنَّ عِبَارَةَ الْحَاكِمِ فِي الْكَافِي إذَا قَالَ الرَّجُلُ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ فَإِنْ نَوَى يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَلَا تَدْخُلُ امْرَأَتُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فَإِنْ نَوَاهَا دَخَلَتْ فَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ، أَوْ قَرِبَ امْرَأَتَهُ حَنِثَ وَسَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا لَا تَدْخُلُ امْرَأَتُهُ فِيهَا وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْحَرَامِ أَيْ يَصِحُّ مَا نَوَى، وَإِنْ نَوَى الْكَذِبَ فَهُوَ كَذِبٌ اهـ.

تَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ عَلَى النِّيَّةِ وَأَنَّهُ لَوْ نَوَى الْكَذِبَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَفَادٍ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى. (قَوْلُهُ: وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ تَبِينُ امْرَأَتُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) لِغَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ ذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى النَّوَازِلِ أَنَّهُ يَحْنَثُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ اهـ.

يَعْنِي: إذَا أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ لِانْصِرَافِهِ عِنْدَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِمَنْ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ فِي شُمُولِ كَلَامِهِ لِذَلِكَ نَظَرًا بَيِّنًا. (قَوْلُهُ: وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَحْنَثُ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ أَنْ يَحْنَثَ فِي قَوْلِهِ: إنْ أَكَلْت طَعَامًا بِأَكْلِهِ اهـ. وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ.

(قَوْلُهُ: تَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ مَوْقُوفٌ عَلَى النِّيَّةِ إلَخْ) الضَّمِيرُ فِي " تَقْتَضِي " رَاجِعٌ إلَى عِبَارَةِ الْحَاكِمِ وَفِي كَوْنِهَا تَقْتَضِي ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا إلَخْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَمِينٌ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ كَمَا أَفَادَهُ مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِهِ فَإِنْ نَوَى يَمِينًا إلَخْ فَصَارَ حَاصِلُهُ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْيَمِينَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَهُوَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَلَا تَدْخُلُ امْرَأَتُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهَا فَإِنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ نَوَى الْمَرْأَةَ وَقَرِبَهَا سَقَطَ الْإِيلَاءُ؛ لِأَنَّهُ حَنِثَ وَهَذَا كُلُّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ أَيْضًا، نَعَمْ فِي عِبَارَةِ الْحَاكِمِ زِيَادَةٌ وَهِيَ لَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ، أَوْ نَوَى بِهِ الْكَذِبَ فَهُوَ كَمَا نَوَى وَلَيْسَ فِي الْهِدَايَةِ مَا يُنَافِي ذَلِكَ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْعِبَارَتَيْنِ إلَّا فِي زِيَادَةِ حُكْمٍ لَمْ تُصَرِّحْ بِهِ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (قَوْلُهُ: يَعْنِي إذَا أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ إلَخْ) مُخَالِفٌ لِمَا سَيَأْتِي عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ: الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا تَبِينُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى إلَخْ وَلَكِنْ يَنْبَغِي تَقْيِيدُ هَذَا بِمَا إذَا حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ كَمَا يَأْتِي فِي عِبَارَةِ الظَّهِيرِيَّةِ أَيْضًا وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: قَالَ: وَفِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ الطَّلَاقُ بِلَفْظِ الْحَرَامِ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ إنْ حَنِثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ

ص: 318

عَدَمِ الزَّوْجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ لَا كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ.

وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ هَكَذَا قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِ سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ يَتَّضِحْ لِي عُرْفُ النَّاسِ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ مَنْ لَا امْرَأَةَ لَهُ يَحْلِفُ بِهِ كَمَا يَحْلِفُ ذُو الْحَلِيلَةِ وَلَوْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَفِيضًا فِي ذَلِكَ لَمَا اسْتَعْمَلَهُ إلَّا ذُو الْحَلِيلَةِ فَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَيَّدَ الْجَوَابُ فِي هَذَا فَنَقُولَ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ يَكُونُ طَلَاقًا فَأَمَّا مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَقِفَ الْإِنْسَانُ فِيهِ وَلَا يُخَالِفَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاعْلَمْ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ لَمْ يُتَعَارَفْ فِي دِيَارِنَا بَلْ الْمُتَعَارَفُ فِيهِ حَرَامٌ عَلَيَّ كَلَامُكَ وَنَحْوُهُ كَأَكْلِ كَذَا وَلُبْسِهِ دُونَ الصِّيغَةِ الْعَامَّةِ وَتَعَارَفُوا أَيْضًا الْحَرَامُ يَلْزَمُنِي وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الطَّلَاقَ مُعَلَّقًا فَإِنَّهُمْ يَزِيدُونَ بَعْدَهُ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَلَأَفْعَلَنَّ وَهُوَ مِثْلُ تَعَارُفِهِمْ " الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَا أَفْعَلُ كَذَا " فَإِنَّهُ يُرَادُ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَهِيَ طَالِقٌ وَيَجِبُ إمْضَاؤُهُ عَلَيْهِمْ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي انْصِرَافِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَرَبِيَّةً كَانَتْ، أَوْ فَارِسِيَّةً إلَى مَعْنًى بِلَا نِيَّةٍ التَّعَارُفُ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يُتَعَارَفْ سُئِلَ عَنْ نِيَّتِهِ وَفِيمَا يَنْصَرِفُ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ قَالَ أَرَدْت غَيْرَهُ لَا يُصَدِّقُهُ الْقَاضِي وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ مُصَدَّقٌ هَكَذَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ طَلَاقٌ وَعَلَى الْمُفْتَى بِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا وَلَا يَحْنَثُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: رَجُلٌ قَالَ: كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ قَالَ: كُلُّ حَلَالٍ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ قَالَ حَلَالُ اللَّهِ، أَوْ قَالَ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُ امْرَأَةٌ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَالْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سَعِيدٍ تَبِينُ امْرَأَتُهُ بِتَطْلِيقَةٍ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ.

وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ صَارَ طَلَاقًا عُرْفًا وَلِهَذَا لَا يَحْلِفُ بِهِ إلَّا الرِّجَالُ فَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ تَبِينُ بِتَطْلِيقَةٍ، وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنْ حَلَفَ بِهَذَا اللَّفْظِ إنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا وَقَدْ كَانَ فَعَلَ وَلَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ بِنَّ جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ جُعِلَ يَمِينًا بِالطَّلَاقِ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ يَمِينًا بِاَللَّهِ فَهُوَ غَمُوسٌ وَإِنْ حَلَفَ بِهَذَا عَلَى أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَفَعَلَ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ امْرَأَةٌ كَانَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ، وَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ فَمَاتَتْ قَبْلَ الشَّرْطِ، أَوْ بَانَتْ لَا إلَى عِدَّةٍ ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ انْصَرَفَ إلَى الطَّلَاقِ وَقْتَ وُجُودِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ وَقْتَ الْيَمِينِ، ثُمَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ بَاشَرَ الشَّرْطَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: تَبِينُ الْمُتَزَوِّجَةُ وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تَبِينُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ يَمِينَهُ جُعِلَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَقْتَ

ــ

[منحة الخالق]

وَالنَّسَفِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ اهـ.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ حَمْلُ كَلَامِ النَّسَفِيِّ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ حَلِفُهُ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ فَلَا يُنَافِي مَا قَبْلَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا قَالَ: كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ وَسَكَتَ، أَوْ قَالَ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا لِأَمْرٍ فَعَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ امْرَأَةٌ.

وَإِنْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ بِالْحِنْثِ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءٌ عَلَى تَغَيُّرِ الْعُرْفِ مِنْ انْصِرَافِهِ إلَى الطَّلَاقِ بَعْدَمَا كَانَ الْعُرْفُ قَبْلَهُ فِي انْصِرَافِهِ إلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي تَأْوِيلِ عِبَارَةِ النِّهَايَةِ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْبَزْدَوِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى الْمِنَحِ أَقُولُ: مَا بَحَثَهُ جَيِّدٌ مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَيُحْمَلُ كَلَامُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ الِاسْتِعْمَالُ مُشْتَرَكًا فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ أَمَّا إذَا كَانَ مُشْتَرَكًا تَعَيَّنَ مُوَافَقَةُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَقُولُ: أَكْثَرُ عَوَامِّ بِلَادِنَا لَا يَقْصِدُونَ بِقَوْلِهِمْ: أَنْتِ مُحَرَّمَةٌ عَلَيَّ، أَوْ حَرَامٌ عَلَيَّ أَوْ حَرَّمْتُكِ عَلَيَّ إلَّا حُرْمَةَ الْوَطْءِ الْمُقَابِلَةَ لِحِلِّهِ وَلِذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ يَضْرِبُ مُدَّةً لِتَحْرِيمِهَا وَلَا يُرِيدُ قَطْعًا إلَّا تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَمِينٌ مُوجِبٌ لِلْإِيلَاءِ تَأَمَّلْ؛ فَقَلَّ مَنْ حَقَّقَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَلَى وَجْهِهَا وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِمْ لَا نَقُولُ لَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لَكِنْ يُجْعَلُ نَاوِيًا عُرْفًا فَهُوَ صَرِيحٌ فِي اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ كَذَلِكَ بَلْ كَانَ مُشْتَرَكًا تَعَيَّنَ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ وَتَصْدِيقُ الْحَالِفِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كُنَّ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا يَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ بَعْدَهُ: لَكِنْ فِي الدِّرَايَةِ لَوْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ فِي الْأَظْهَرِ كَقَوْلِهِ امْرَأَتِي كَذَا وَلَهُ امْرَأَتَانِ، أَوْ أَكْثَرُ اهـ.

قَالَ مُحَشِّي مِسْكِينٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَوْ أَكْثَرُ أَنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ لَا يَخُصُّ الثِّنْتَيْنِ بَلْ كَذَلِكَ لَوْ كُنَّ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَهُوَ قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ: وَحَيْثُ كَانَ وُقُوعُ الطَّلَاقِ عَلَى وَاحِدَةٍ، وَإِلَيْهِ الْبَيَانُ هُوَ الْأَظْهَرَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ، أَوْ أَكْثَرُ فَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ وُقُوعِهِ عَلَى الْكُلِّ خِلَافُ الْأَظْهَرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ لَمْ يَحْكِ خِلَافَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا نَقَلَهُ فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ اهـ.

قُلْتُ: لَمْ يَذْكُرْهُ اعْتِمَادًا عَلَى مَا قَدَّمَهُ آخِرَ بَابِ الْإِيلَاءِ وَقَدَّمَ هُنَاكَ عَنْ الْفَتْحِ أَنَّ الْأَشْبَهَ مَا هُنَا لِأَنَّ قَوْلَهُ: حَلَالُ اللَّهِ، أَوْ حَلَالُ الْمُسْلِمِينَ يَعُمُّ كُلَّ زَوْجَةٍ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ

ص: 319

وُجُودِهَا فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا بَعْدَ ذَلِكَ اهـ.

وَقَيَّدَ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَقَدْ قَدَّمَ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلزَّوْجَةِ فَتَطْلُقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ.

(قَوْلُهُ: وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا مُطْلَقًا، أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ وَوُجِدَ وَفَى بِهِ) أَيْ وَفَى بِالْمَنْذُورِ لِقَوْلِهِ عليه السلام «مَنْ نَذَرَ وَسَمَّى فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ الْمُنَجَّزَ وَالْمُعَلَّقَ وَلِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَهُ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ أَوْ لَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ، أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ أَوْ صَدَقَةُ مَا أَمْلِكُهُ أَجْزَأَهُ عَنْ ذَلِكَ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَيَخْرُجُ عَنْ الْعُهْدَةِ بِالْوَفَاءِ بِمَا سَمَّى أَيْضًا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ نَذْرٌ فَيَتَخَيَّرُ وَيَمِيلُ إلَى أَيِّ الْجِهَتَيْنِ شَاءَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ شَرْطًا يُرِيدُ كَوْنَهُ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي لِانْعِدَامِ مَعْنَى الْيَمِينِ فِيهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ: مَشَايِخُ بَلْخٍ وَبُخَارَى يُفْتُونَ بِهَذَا وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ - وَلِكَثْرَةِ الْبَلْوَى فِي هَذَا الزَّمَانِ - وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، وَوَجْهُ الصَّحِيحِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ «كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» وَهُوَ يَقْتَضِي السُّقُوطَ بِالْكَفَّارَةِ مُطْلَقًا فَتَعَارَضَا فَيُحْمَلُ مُقْتَضَى الْإِيفَاءِ بِعَيْنِهِ عَلَى الْمُنَجَّزِ، أَوْ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ وَحَدِيثُ مُسْلِمٍ عَلَى الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ لِأَنَّهُ إذَا عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ لَا يُرِيدُهُ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ كَوْنَهُ الْمَنْذُورَ حَيْثُ جَعَلَهُ مَانِعًا مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، مِثْلُ دُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ؛ لِأَنَّ تَعْلِيقَهُ حِينَئِذٍ لِمَنْعِ نَفْسِهِ عَنْهُ بِخِلَافِ الشَّرْطِ الَّذِي يُرِيدُ كَوْنَهُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُنَجَّزِ ابْتِدَاءً فَيَنْدَرِجُ فِي حُكْمِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِيفَاءِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ، وَإِنْ كَانَ قَوْلَ الْمُحَقِّقِ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لُزُومُ الْوَفَاءِ بِالْمَنْذُورِ عَيْنًا مُنَجَّزًا كَانَ أَوْ مُعَلَّقًا، وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا بَيْنَ الْوَفَاءِ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَقَدْ قَدَّمَ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ يَنْصَرِفُ لِلزَّوْجَةِ فَتَطْلُقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) كَانَ عَلَيْهِ حَذْفُ قَوْلِهِ فَتَطْلُقُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مُسَاوٍ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ كُلُّ حِلٍّ عَلَيَّ حَرَامٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ فِي بَابِ الْإِيلَاءِ هَكَذَا أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ إيلَاءٌ إنْ نَوَى التَّحْرِيمَ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَظِهَارٌ إنْ نَوَاهُ وَكَذِبٌ إنْ نَوَى الْكَذِبَ وَبَائِنَةٌ إنْ نَوَى الطَّلَاقَ وَثَلَاثٌ إنْ نَوَى، وَفِي الْفَتْوَى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْت عَلَيَّ حَرَامٌ وَالْحَرَامُ عِنْدَهُ طَلَاقٌ وَلَكِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا وَقَعَ الطَّلَاقُ اهـ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ يَخُصُّ الْمَرْأَةَ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بِخِلَافِ الْعَامِّ.

(قَوْلُهُ: فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا سَمَّى) قَالَ الرَّمْلِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي تَعَيُّنِهِ وَعَدَمِ جَوَازِ الْبَدَلِ هَذَا مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِعَدَمِ تَعَيُّنِ الدِّرْهَمِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الدِّينَارَ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ الْفُلُوسُ النَّافِقَةُ لِعَدَمِ التَّفَاوُتِ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِالْأَصْلِ لَا بِكُلِّ وَصْفٍ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَفِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِمَا) ظَاهِرُ سِيَاقِ كَلَامِ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ ضَمِيرَ فِيهِمَا عَائِدٌ عَلَى الْمَنْذُورِ الْمُنَجَّزِ وَالْمُعَلَّقِ مُطْلَقًا وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ قَوْلُهُ: إنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ أَيْ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى قِسْمَيْ الْمُعَلَّقِ أَعْنِي الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ يُرِيدُ كَوْنَهُ، أَوْ لَا يُرِيدُ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ فِي النَّهْرِ وَعَلَى كُلٍّ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ فَإِنَّهُ بَعْدَمَا ذَكَرَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ وَالْقَوْلَ الثَّانِيَ الَّذِي صَحَّحَهُ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ: وَالْأَوَّلُ وَهُوَ لُزُومُ الْوَفَاءِ بِهِ عَيْنًا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالتَّخْيِيرُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ وَكَذَا ذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ فَإِنَّهُ بَعْدَمَا ذَكَرَ رُجُوعَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى التَّخْيِيرِ فِيمَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَأَنَّهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ قَالَ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ، وَفِي النَّهْرِ بَعْدَ سَوْقِهِ كَلَامَ الْخُلَاصَةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ: فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى التَّخْيِيرِ مُطْلَقًا وَأَقُولُ: وَضْعُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْخُلَاصَةِ فِي التَّعْلِيقِ بِالشَّرْطِ الَّذِي لَا يُرَادُ كَوْنُهُ فَالْإِطْلَاقُ مَمْنُوعٌ أَعْنِي سَوَاءٌ أُرِيدَ كَوْنُهُ أَوْ لَا وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. اهـ. كَلَامُ النَّهْرِ وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الرِّوَايَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ.

وَقَوْلُهُ: وَلِذَا اُعْتُرِضَ فِي الْعِنَايَةِ عَلَى تَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ أَيْ حَيْثُ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ حَصْرَ الصِّحَّةِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَإِنْ أَرَادَ مِنْ حَيْثُ الدِّرَايَةُ لِدَفْعِ التَّعَارُضِ فَالدَّفْعُ مُمْكِنٌ مِنْ حَيْثُ حَمْلُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْمُرْسَلِ وَالْآخَرِ عَلَى الْمُعَلَّقِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ مَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَمَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَأَجَابَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مُنْتَصِرًا لِمَا فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّ حَصْرَ الصِّحَّةِ مِنْ حَيْثُ رُجُوعُ الْإِمَامِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ رَجَعَ إلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ فَصَارَ هُوَ الصَّحِيحَ لِأَنَّ الْمَرْجُوعَ عَنْهُ لَا يُقَاوِمُ الْمَرْجُوعَ إلَيْهِ فِي الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ أَمْرُ الْمُجْتَهِدِ وَرَأْيُهُ عَلَيْهِ صَارَ هُوَ الْمَذْهَبَ لِلْإِمَامِ فَيَصِيرُ الْمُسَطَّرُ عَنْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَالْمَنْسُوخِ بِمَا بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ مَا أَرَادَهُ الْأَكْمَلُ إلَّا إذَا تَقَابَلَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالنَّوَادِرِ وَتَعَارَضَا مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ عَنْ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَمَّا مَعَهُ كَمَا بَيَّنَّا فَلَا وَلِهَذَا أَفْتَى بِمَا فِي النَّوَادِرِ إسْمَاعِيلُ الزَّاهِدُ وَمَشَايِخُ بَلْخٍ وَبَعْضُ مَشَايِخِ بُخَارَى.

وَاخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْقَاضِي الْمَرْوَزِيِّ وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ فِي الْفَيْضِ

ص: 320

الْيَمِينِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ يُفْتَى فَتَحَصَّلَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى التَّخْيِيرِ مُطْلَقًا وَلِذَا اُعْتُرِضَ فِي الْعِنَايَةِ عَلَى تَصْحِيحِ الْهِدَايَةِ اهـ.

وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ وَفَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِأَصْلِ الْقُرْبَةِ الَّتِي الْتَزَمَهَا لَا بِكُلِّ وَصْفٍ الْتَزَمَهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ دِرْهَمًا، أَوْ فَقِيرًا أَوْ مَكَانًا لِلتَّصْدِيقِ، أَوْ لِلصَّلَاةِ فَإِنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَقَدَّمْنَا تَفَارِيعَ النَّذْرِ فِي الصَّلَاةِ، وَفِي آخِرِ الصَّوْمِ، وَأَنَّ شَرَائِطَهُ أَرْبَعَةٌ: أَنْ لَا يَكُونَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ فَخَرَجَ النَّذْرُ بِصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ لِصِحَّةِ النَّذْرِ بِهِ لِأَنَّهُ لِغَيْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ، وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً، وَأَنْ لَا يَكُونَ وَاجِبًا عَلَيْهِ قَبْلَ النَّذْرِ فَلَوْ نَذَرَ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ غَيْرُهَا وَبِهِ عُرِفَ أَنَّ إطْلَاقَ الْمُصَنِّفِ فِي مَحَلِّ التَّقْيِيدِ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ الْتَزَمَ بِالنَّذْرِ أَكْثَرَ مِمَّا يَمْلِكُهُ لَزِمَهُ مَا يَمْلِكُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا إذَا قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ فَفَعَلَ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ إلَّا مِائَةً لَا يَلْزَمُهُ إلَّا الْمِائَةُ؛ لِأَنَّهُ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْ لَمْ يُوجَدْ فِي الْمِلْكِ وَلَا مُضَافًا إلَى سَبَبِهِ فَلَمْ يَصِحَّ كَقَوْلِهِ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ وَلَا مَالَ لَهُ لَا يَصِحُّ فَكَذَا هَذَا كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ أَيْضًا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ هَذِهِ الشَّاةَ وَهِيَ مِلْكُ الْغَيْرِ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأُهْدِيَنَّ وَلَوْ نَوَى الْيَمِينَ كَانَ يَمِينًا اهـ.

فَعَلَى هَذَا لَا بُدَّ أَنْ يُزَادَ شَرْطٌ خَامِسٌ: وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مَا الْتَزَمَهُ مِلْكًا لِلْغَيْرِ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ النَّذْرَ بِهِ مَعْصِيَةٌ لَكِنْ لَيْسَ مَعْصِيَةً لِذَاتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْغَيْرِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامُ الْمَسَاكِينِ فَهُوَ عَلَى عَشَرَةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِلَّهِ عَلَيَّ إطْعَامُ مِسْكِينٍ يَلْزَمُهُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ مَالِي صَدَقَةٌ لِكُلِّ مِسْكِينٍ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ فَحَنِثَ وَتَصَدَّقَ بِالْكُلِّ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ جَازَ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذِهِ الرَّقَبَةَ وَهُوَ يَمْلِكُهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَفِيَ بِذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَفِ يَأْثَمُ وَلَكِنْ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي، وَفِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ: لَوْ قَالَ: وَهُوَ مَرِيضٌ إنْ بَرِئْتَ مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْت شَاةً، أَوْ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا فَبَرِئَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا وَأَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا لَزِمَهُ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ.

ــ

[منحة الخالق]

وَالْمُفْتَى بِهِ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ رُجُوعِهِ وَكَذَا اخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَاخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ وَالصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ يُفْتَى وَقَدْ جَعَلَهُ مَتْنًا فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَصَحَّحَهُ وَكَذَا صَحَّحَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَتَمَامُهُ فِي رِسَالَتِهِ الْمُسَمَّاةِ بِتُحْفَةِ التَّحْرِيرِ وَبَيَّنَ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ مَا رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ هُوَ التَّخْيِيرُ فِي صُورَةِ التَّعْلِيقِ بِمَا لَا يُرَادُ كَوْنُهُ وَأَنَّ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَهَذَا إذَا كَانَ شَرْطًا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ وَكَذَا قَوْلُ ابْنِ الْهُمَامِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرْطِ الشَّرْطُ الَّذِي لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَا رَجَعَ إلَيْهِ الْإِمَامُ شَامِلٌ لِذَلِكَ وَلِلشَّرْطِ الَّذِي يُرِيدُ كَوْنَهُ وَأَنَّهُ فِي الْهِدَايَةِ اخْتَارَ تَخْصِيصَهُ بِمَا لَا يُرِيدُ كَوْنَهُ لِأَنَّ كَلَامَ الْإِمَامِ خَاصٌّ بِالثَّانِي كَمَا اقْتَضَاهُ التَّمْثِيلُ بِقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ إلَخْ لَكِنْ لَمَّا كَانَ ظَاهِرُ قَوْلِ حَاكِي الرُّجُوعِ شُمُولَ الْمَنْذُورِ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ أَنَّ الْإِمَامَ رَجَعَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَقَالَ يُتَخَيَّرُ. بَيَّنَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَنْ وَافَقَهُ حُكْمُ النَّوْعِ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ الْإِمَامُ لِئَلَّا يَفْهَمَ أَحَدٌ شُمُولَ الرُّجُوعِ فَيَجْرِيَ التَّخْيِيرُ عُمُومًا فِي كُلِّ مَنْذُورٍ اهـ.

وَبِهِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ سِوَى الْقَوْلَيْنِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَالْقَوْلِ بِالتَّفْصِيلِ فِي الْمُعَلَّقِ (قَوْلُهُ: لِمَا قَدَّمْنَاهُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَزِمَ النَّفَلُ بِالشُّرُوعِ (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَاجِبُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً) ظَاهِرُهُ بَلْ صَرِيحُهُ أَنَّ الْمَشْرُوطَ كَوْنُهُ عِبَادَةً مَقْصُودَةً هُوَ الْوَاجِبُ الَّذِي مِنْ جِنْسِ الْمَنْذُورِ لَا الْمَنْذُورُ نَفْسُهُ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْفَتْحِ حَيْثُ قَالَ مِمَّا هُوَ طَاعَةٌ مَقْصُودَةٌ لِنَفْسِهَا وَمِنْ جِنْسِهَا وَاجِبٌ اهـ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ وَقَالَ: فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ بِنَذْرِ مُبَاحٍ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلُبْسٍ وَجِمَاعٍ وَطَلَاقٍ وَلَا بِنَذْرِ مَا لَيْسَ بِعِبَادَةٍ مَقْصُودَةٍ كَنَذْرِ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ، ثُمَّ قَالَ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: وَمِنْ شُرُوطِهِ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً مَقْصُودَةً فَلَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ وَالْوُضُوءِ وَالِاغْتِسَالِ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْأَذَانِ وَبِنَاءِ الرِّبَاطَاتِ وَالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ قُرَبًا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ اهـ.

فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّرْطَ كَوْنُ الْمَنْذُورِ نَفْسِهِ عِبَادَةً مَقْصُودَةً لَا مَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُمْ صَحَّحُوا النَّذْرَ بِالْوَقْفِ؛ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبًا وَهُوَ وَقْفُ مَسْجِدٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ بِنَاءَ الْمَسْجِدِ غَيْرُ مَقْصُودٍ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَوْلِهِ لَأُهْدِيَنَّ) قَالَ فِي النَّهْرِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّأْكِيدِ وَعَدَمِهِ مِمَّا لَا أَثَرَ لَهُ يَظْهَرُ فِي صِحَّةِ النَّذْرِ وَعَدَمِهِ ثُمَّ عَلَى الصِّحَّةِ هَلْ تَلْزَمُهُ قِيمَتُهَا أَوْ بِتَوَقُّفِ الْحَالِ إلَى مِلْكِهَا؟ مَحَلُّ تَرَدُّدٍ.

(قَوْلُهُ: لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) أَقُولُ: فِي الْبَزَّازِيَّةِ: إنْ عُوفِيتُ صُمْتُ كَذَا لَمْ يَجِبْ مَا لَمْ يَقُلْ لِلَّهِ عَلَيَّ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَجِبُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَعْلِيقًا لَا يَجِبُ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا إذَا قَالَ: أَنَا أَحُجُّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَأَنَا أَحُجُّ فَفَعَلَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ إنْ سَلِمَ وَلَدِي أَصُومُ مَا عِشْتُ فَهَذَا وَعْدٌ اهـ.

فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا هُنَا مَبْنِيًّا عَلَى الْقِيَاسِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ وَعْدٌ لِعَدَمِ الْفَاءِ الرَّابِطَةِ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ شَاةٌ أَذْبَحُهَا تَأَمَّلْ.

ص: 321

جَزُورًا وَأَتَصَدَّقَ بِلَحْمِهِ فَذَبَحَ مَكَانَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ جَازَ اهـ.

وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ مِنْ قَوْلِهِمْ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ وَهُوَ الذَّبْحُ لَا التَّصَدُّقُ مَعَ أَنَّهُ صَرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ بِالذَّبْحِ مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالتَّصَدُّقِ بِلَحْمِهِ وَقَدَّمْنَا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ مَا يَجِبُ فِيهِ التَّتَابُعُ مِنْ الْمَنْذُورِ وَكَذَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّوْمِ وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ إنْسَانٌ فَمَهُ فَلَمْ يُتِمَّ الْكَلَامَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَصَدَّقَ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْيَمِينِ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّ ثَمَّةَ إذَا وَصَلَ الشَّرْطَ بَعْدَمَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ فَمِهِ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ فَيُكَلَّفُ لِعَدَمِهِ مَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِجَعْلِ هَذَا الِانْقِطَاعِ غَيْرَ فَاصِلٍ كَمَا لَوْ حَصَلَ الِانْقِطَاعُ بِالْعُطَاسِ، أَمَّا الصَّدَقَةُ عِبَادَةٌ فَلَا يُكَلَّفُ لِعَدَمِهَا وَلَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ مَثَلًا فَدَخَلَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَثَلَ بِمَنْزِلَةِ التَّشْبِيهِ وَلَيْسَ فِي التَّشْبِيهِ إيجَابٌ فَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْإِيجَابَ وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُكَفِّنَ الْمَيِّتَ، أَوْ أَنْ أُضَحِّيَ لَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّ تَكْفِينَ الْمَيِّتِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَأَمَّا التَّضْحِيَةُ فَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ حَجَّةً كَانَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ عُمُرِهِ اهـ.

وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَفَى بِهِ إلَى أَنَّهُ مُعَيَّنٌ مُسَمًّى فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى كَقَوْلِهِ إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ نَذْرٌ فَإِنْ نَوَى قُرْبَةً مِنْ الْقُرَبِ الَّتِي يَصِحُّ النَّذْرُ بِهَا نَحْوُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ مَا نَوَى؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَجُعِلَ مَا نَوَى كَالْمَنْطُوقِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَكَذَا إنْ قَالَ: إنْ كَلَّمْتُ أَبِي فَعَلَيَّ نَذْرٌ أَوْ إنْ صَلَّيْت الظُّهْرَ فَإِنْ نَوَى مُعَيَّنًا لَزِمَهُ، وَإِلَّا كَفَّرَ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ: وَإِذَا حَلَفَ بِالنَّذْرِ وَهُوَ يَنْوِي صِيَامًا وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا مَعْلُومًا فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ إذَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الصِّيَامِ، وَأَدْنَى ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَإِنْ نَوَى صَدَقَةً وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَعَلَيْهِ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ لِمَا ذَكَرْنَا اهـ.

وَفِي الْقُنْيَةِ: نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ قُلْتُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ إذَا نَوَى أَبْنَاءَ السَّبِيلِ؛ لِأَنَّهُمْ مَحَلُّ الزَّكَاةِ وَلَوْ قَالَ: إنْ قَدِمَ غَائِبِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَيِّفَ هَؤُلَاءِ الْأَقْوَامَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ لَا يَصِحُّ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَقُولَ دُعَاءَ كَذَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام فِي كُلِّ يَوْمٍ كَذَا يَلْزَمُهُ وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ وَلَوْ قَالَ: إنْ ذَهَبَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ عَنِّي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَذَهَبَتْ، ثُمَّ عَادَتْ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَصَلَ بِحَلِفِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَرَّ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَقَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ بَرَّ فِي يَمِينِهِ» إلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الِاتِّصَالِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ رُجُوعٌ، وَلَا رُجُوعَ فِي الْيَمِينِ إلَّا إذَا كَانَ انْقِطَاعُهُ لِتَنَفُّسٍ، أَوْ سُعَالٍ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْيَمِينَ مُنْعَقِدَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ أَصْلًا لِعَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا - أَنَّ التَّعْلِيقَ بِالْمَشِيئَةِ إبْطَالٌ وَلِذَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ بَرَّ عَدَمَ الِانْعِقَادِ لِأَنَّ فِيهِ عَدَمَ الْحِنْثِ كَالْبِرِّ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ اهـ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ فِي آخِرِ بَابِ التَّعْلِيقِ مِنْ كِتَابِ الطَّلَاقِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُمْ بِالْوَاجِبِ الْفَرْضُ إلَخْ) تَبِعَهُ فِي ذَلِكَ تِلْمِيذُهُ فِي الْمِنَحِ وَقَوَّاهُ بِنَصِّ الدُّرَرِ عَلَى الِافْتِرَاضِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَقُولُ: إنَّ مَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ لَا يُعَيِّنُ اشْتِرَاطَ الِافْتِرَاضِ بَلْ إنَّمَا لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ لَيْسَ نَذْرًا حَتَّى لَوْ تَلَفَّظَ بِصِيغَةِ النَّذْرِ فِي الذَّبْحِ لَزِمَهُ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: رَجُلٌ قَالَ إنْ بَرِئْتُ مِنْ مَرَضِي هَذَا ذَبَحْتُ شَاةً فَبَرِئَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ إنْ بَرِئْتُ فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ شَاةً اهـ.

فَأَفَادَ أَنَّهُ إذَا صَرَّحَ بِنَذْرِ الذَّبْحِ لَزِمَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُجُوبِ حَقِيقَتُهُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الدُّرَرِ الْمَنْذُورُ إذَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْفُرُوضِ لَزِمَ النَّاذِرَ فَيُرَادُ بِهِ مَا يَعُمُّ الْوَاجِبَ بِأَنْ يُرَادَ بِالْفَرْضِ فِي كَلَامِهِ اللَّازِمُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَافِي الْوَاقِعُ فِي عِبَارَاتِهِمْ اهـ.

قُلْت: وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي آخِرِ أُضْحِيَّةِ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ مَا نَصُّهُ نَذَرَ عَشْرَ أُضْحِيَّاتٍ لَزِمَهُ ثِنْتَانِ لِمَجِيءِ الْأَمْرِ بِهِمَا، خَانِيَّةٌ: وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْكُلِّ لِإِيجَابِهِ مَا لِلَّهِ مِنْ جِنْسِهِ إيجَابٌ شَرْحُ وَهْبَانِيَّةٍ: قُلْت: وَمُفَادُهُ لُزُومُ النَّذْرِ بِمَا مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ اعْتِقَادِيٌّ، أَوْ اصْطِلَاحِيٌّ قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُحْفَظْ اهـ.

(قَوْلُهُ: أَوْ أَنْ أُضَحِّيَ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إذَا نَوَى الْأُضْحِيَّةَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لِمَا فِي أُضْحِيَّةِ الْبَدَائِعِ لَوْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ شَاةً وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ عِنْدَنَا شَاةٍ لِلنَّذْرِ وَشَاةٍ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ ابْتِدَاءً إلَّا إذَا عَنَى بِهِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا وَاحِدَةٌ وَلَوْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ لَزِمَهُ شَاتَانِ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ إذْ لَا وُجُوبَ

ص: 322