المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ مَوْتَ فُلَانٍ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْخِلَافَةِ فِي - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٤

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاق]

- ‌(بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ)

- ‌[بَابُ الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ]

- ‌[بَابُ الْإِيلَاءِ]

- ‌[وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاء]

- ‌[وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ]

- ‌[الْإِيلَاء مِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

- ‌ الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌[شَرَائِطُ وُجُوبِ اللِّعَانِ]

- ‌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْهُ

- ‌[اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ]

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ

- ‌[قَذْفِ الْأَخْرَسِ]

- ‌ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌[عِدَّةُ الْحُرَّةِ]

- ‌ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌ عِدَّةِ الْأَمَةِ

- ‌عِدَّةُ الْحَامِلِ

- ‌عِدَّةُ مَنْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا ثُمَّ رَأَتْ دَمًا

- ‌[عدة الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ]

- ‌[عدة زَوْجَةِ الصَّغِيرِ الْحَامِلِ]

- ‌مَبْدَأُ الْعِدَّةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ]

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌الزَّوْجِيَّةِ

- ‌[أَسْبَابٍ وُجُوب النَّفَقَة]

- ‌ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ

- ‌ النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ

- ‌[النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ]

- ‌[نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ]

- ‌[النَّفَقَة مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ]

- ‌ النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ

- ‌(كِتَابُ الْعِتْقِ)

- ‌[امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ]

- ‌(بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ]

- ‌(بَابُ التَّدْبِيرِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِيلَادِ)

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[ثَلَاثِ مَسَائِلَ فِي الْحُلْف]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ)

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ]

- ‌ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ

- ‌[اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَكَانَ قَدْ قَالَ آخَرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ

- ‌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَهُ

- ‌(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ

- ‌[قَالَتْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ]

- ‌[قَوْلُهُ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[قَالَ لَأَقْضِيَنَّ دَيْنَيْ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ نَبَهْرَجَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ مُسْتَحَقَّةً]

- ‌[حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ]

- ‌[حَلَفَ لَيَهَبَنَّ فُلَانًا فَوَهَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ]

الفصل: لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ مَوْتَ فُلَانٍ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْخِلَافَةِ فِي

لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ مَوْتَ فُلَانٍ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْخِلَافَةِ فِي حَقِّ هَذَا الْمَوْلَى، وَوُجُوبُ حَقِّ الْعِتْقِ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْخِلَافَةِ فَلَوْ مَاتَ فُلَانٌ وَالْمَوْلَى حَيٌّ عَتَقَ الْعَبْدُ وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: أَنْت حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَمَوْتِ فُلَانٍ أَوْ قَالَ بَعْدَ مَوْتِ فُلَانٍ وَمَوْتِي لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا فَإِنْ مَاتَ فُلَانٌ قَبْلَ الْمَوْلَى فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ مُدَبَّرًا اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ لَوْ قَالَ: إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْت حُرٌّ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَعْلِيقُ عِتْقِ عَبْدِهِ بِمَوْتِهِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا تَدْبِيرًا بَلْ كَانَ تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ مُطْلَقٍ كَالتَّعْلِيقِ بِسَائِرِ الشُّرُوطِ مِنْ دُخُولِ الدَّارِ وَكَلَامِ زَيْدٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ اهـ.

فَإِنْ قُلْتُ: الْمُصَنِّفُ إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ لِمُسَاوَاتِهِ لِحُكْمِهِ مِنْ جَوَازِ الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ بِالْمَوْتِ. قُلْتُ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ الْمُدَبَّرَ بِقِسْمَيْهِ يَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَالْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِشَرْطٍ غَيْرِ مَوْتِ الْمَوْلَى يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ وَيَبْطُلُ التَّعْلِيقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ كَمَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْت حُرٌّ فَمَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الدُّخُولِ بَطَلَتْ الْيَمِينُ وَلَا يَعْتِقُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ مِتُّ أَنَا وَفُلَانٌ - يَعْنِي شَرِيكَهُ - فَأَنْت حُرٌّ لَمْ يَكُنْ مُدَبَّرًا وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْآخَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا صَارَ الْعَبْدُ مُدَبَّرًا مِنْ الْآخَرِ اهـ.

وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْحُرِّيَّةِ لَمْ يَنْعَقِدْ فِي الْحَالِ لِتَرَدُّدٍ فِي هَذَا الْقَيْدِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَمُوتَ مِنْهُ فَصَارَ كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمُطْلَقِ الْمَوْتِ وَهُوَ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَيَعْتِقُ إذَا وُجِدَ الشَّرْطُ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ فِي سَفَرِهِ هَذَا أَوْ مَرَضِهِ هَذَا، أَوْ فِي الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَلَوْ أَقَامَ، أَوْ صَحَّ، أَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَعْتِقْ لِبُطْلَانِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْمَوْتِ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: مِنْ التَّدْبِيرِ الْمُقَيَّدِ أَنْ يَقُولَ: إنْ مِتُّ إلَى سَنَةٍ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ السَّنَةِ عَتَقَ مُدَبَّرًا، وَإِنْ مَاتَ الْمَوْلَى بَعْدَ السَّنَةِ لَا يَعْتِقُ وَمُقْتَضَى الْوَجْهِ كَوْنُهُ لَوْ مَاتَ فِي رَأْسِ السَّنَةِ يَعْتِقُ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ هُنَا لَوْلَاهَا تَنَاوَلَ الْكَلَامُ مَا بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّزُ عِتْقُهُ فَيَصِيرُ حُرًّا بَعْدَ السَّنَةِ فَتَكُونُ لِلْإِسْقَاطِ اهـ.

وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَيْسَ بِمُطَّرِدٍ لِانْتِقَاضِهِ بِالْيَمِينِ فِي قَوْلِهِ لَا أُكَلِّمُهُ إلَى غَدٍ فَإِنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَلَهُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فِي الْغَدِ مَعَ أَنَّهَا غَايَةُ إسْقَاطٍ وَكَذَلِكَ أَكَلْتُ السَّمَكَةَ إلَى رَأْسِهَا لَا تَدْخُلُ الْغَايَةُ مَعَ أَنَّهُ لِلْإِسْقَاطِ، وَفِي الْمُجْتَبَى إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَهُوَ حُرٌّ فَقُتِلَ لَا يَعْتِقُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ فِي مَرَضِي وَلَوْ قَالَ: إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي وَبِهِ حُمَّى فَتَحَوَّلَ صُدَاعًا، أَوْ عَلَى عَكْسِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مَرَضٌ وَاحِدٌ اهـ.

فَفَرَّقَ بَيْنَ: " مِنْ "، وَ " فِي " وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ: رَجُلٌ قَالَ لِعَبْدَيْهِ: أَحَدُكُمَا حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي وَأَوْصَيْت لَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ مَاتَ عَتَقَا وَلَهُمَا الْمِائَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ شَاعَ الْعِتْقُ فِيهِمَا فَتَشِيعُ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ تَبْطُلُ إحْدَى الْمِائَتَيْنِ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ لِعَبْدِهِ اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِهِ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا بِخِلَافِ الْإِيصَاءِ لَهُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.

(بَابُ الِاسْتِيلَادِ)

.

وَهُوَ طَلَبُ الْوَلَدِ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ خُصُوصٌ، وَهُوَ طَلَبُ وَلَدِ أَمَتِهِ أَيْ اسْتِلْحَاقُهُ أَيْ بَابُ بَيَانِ أَحْكَامِ هَذَا الِاسْتِلْحَاقِ الثَّابِتَةِ فِي الْأُمِّ، وَأُمُّ الْوَلَدِ تَصْدُقُ لُغَةً عَلَى الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ لَهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ وَغَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ، وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ وَهِيَ الْأَمَةُ الَّتِي ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ مَالِكِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا.

(قَوْلُهُ: وَلَدَتْ أَمَةٌ مِنْ السَّيِّدِ لَمْ تُمْلَكْ) لِقَوْلِهِ عليه السلام «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» أَخْبَرَ عَنْ إعْتَاقِهَا فَيَثْبُتُ بَعْضُ مَوَاجِبِهِ؛ وَهُوَ حُرْمَةُ الْبَيْعِ وَلِأَنَّ الْجُزْئِيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ بَيْنَ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ بِوَاسِطَةِ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْمَاءَيْنِ قَدْ اخْتَلَطَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْمَيْزُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا عُرِفَ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ إلَّا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ إلَخْ) نَازَعَهُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ بِأَنَّ الْغَدَ اسْمٌ لِزَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ " إلَى " الَّتِي لِلْغَايَةِ وَحُكْمُ مَا بَعْدَهَا يُخَالِفُ سَنَةً؛ لِأَنَّ السَّنَةَ لَيْسَتْ فِي الْحَقِيقَةِ غَايَةً فَلَا بُدَّ أَنْ يُقَدَّرَ إلَى مُضِيِّ سَنَةٍ وَأَيْضًا قَوْلُهُ: لَا أُكَلِّمُهُ إلَى غَدٍ نَفْيٌ وَقَوْلُهُ: إنْ مِتُّ إثْبَاتٌ. .

[بَابُ الِاسْتِيلَادِ]

ص: 291

أَنَّ بَعْدَ الِانْفِصَالِ تَبْقَى الْجُزْئِيَّةُ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً فَضَعُفَ السَّبَبُ فَأَوْجَبَ حُكْمًا مُؤَجَّلًا إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَبَقَاءُ الْجُزْئِيَّةِ حُكْمًا بِاعْتِبَارِ النَّسَبِ وَهُوَ مِنْ جَانِبِ الرِّجَالِ فَكَذَا الْحُرِّيَّةُ تَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ لَا فِي حَقِّهِنَّ حَتَّى إذَا مَلَكَتْ الْحُرَّةُ زَوْجَهَا وَقَدْ وَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ يَعْتِقْ بِمَوْتِهَا وَبِثُبُوتِ عِتْقٍ مُؤَجَّلٍ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ فَيَمْتَنِعُ جَوَازُ الْبَيْعِ، وَإِخْرَاجُهَا لَا إلَى الْحُرِّيَّةِ فِي الْحَالِ وَيُوجَبُ عِتْقُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَطْلَقَ فِي الْوَلَدِ فَشَمِلَ الْوَلَدَ الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ وَلَدٌ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامُ الْوِلَادَةِ حَتَّى تَنْقَضِيَ بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرَ الْمَرْأَةُ نُفَسَاءَ وَشَمِلَ السِّقْطَ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ شَيْءٌ لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ: حَبِلَتْ أَمَةٌ مِنْ السَّيِّدِ مَكَانَ " وَلَدَتْ " لَكَانَ أَوْلَى لِمَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْمُحِيطِ وَالْخَانِيَّةِ لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: حَمْلُهَا مِنِّي صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَمْلِ إقْرَارٌ بِالْوَلَدِ.

وَكَذَا لَوْ قَالَ هِيَ حُبْلَى مِنِّي، أَوْ مَا فِي بَطْنِهَا مِنْ وَلَدٍ فَهُوَ مِنِّي وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ بَعْدَهُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَإِنَّمَا كَانَ رِيحًا وَلَوْ صَدَّقَتْهُ الْأَمَةُ لِأَنَّ فِي الْحُرِّيَّةِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: مَا فِي بَطْنِهَا مِنِّي وَلَمْ يَقُلْ: مِنْ حَمْلٍ أَوْ وَلَدٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ كَانَ رِيحًا وَصَدَّقَتْهُ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لِاحْتِمَالِ الْوَلَدِ وَالرِّيحِ وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَتْ حُبْلَى فَهُوَ مِنِّي فَأَسْقَطَتْ مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ كُلِّهِ، أَوْ بَعْضِهِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لِلتَّيَقُّنِ بِحَمْلِهَا حِينَئِذٍ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَكْثَرَ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي الْوِلَادَةِ مِنْ السَّيِّدِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ بِجِمَاعٍ مِنْهُ أَوْ بِغَيْرِهِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا عَالَجَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَأَنْزَلَ فَأَخَذَتْ الْجَارِيَةُ مَاءَهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَدْخَلَتْهُ فَرْجَهَا فِي حَدَثَانِ ذَلِكَ فَعَلِقَتْ الْجَارِيَةُ وَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ وَلَدُهُ وَالْجَارِيَةُ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ اهـ.

وَأَفَادَ بِالْوِلَادَةِ مِنْ السَّيِّدِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ أَوَّلًا لِتَصِيرَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَإِنَّهُ السَّبَبُ عِنْدَنَا وَثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُ مَوْقُوفٌ عَلَى إقْرَارِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُمْ أَخَلُّوا بِقَيْدِ ثُبُوتِ النَّسَبِ؛ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ مِنْهُ لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِالِاعْتِرَافِ فَلَا إخْلَالَ خُصُوصًا وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ بَعْدُ، وَأَطْلَقَ فِي السَّيِّدِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ سَيِّدَهَا وَقْتَ الْوِلَادَةِ أَوْ لَا حَتَّى لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةً إنْسَانٌ فَاسْتَوْلَدَهَا، ثُمَّ مَلَكَهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِيلَادِ ثُبُوتُ النَّسَبِ بِخِلَافِ مَا إذَا زَنَى بِجَارِيَةِ إنْسَانٍ فَوَلَدَتْ، ثُمَّ مَلَكَهَا لِعَدَمِ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مَالِكَهَا كُلِّهَا، أَوْ بَعْضِهَا؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّى فَإِنَّهُ فَرْعُ النَّسَبِ فَيُعْتَبَرُ بِأَصْلِهِ وَشَمِلَ السَّيِّدُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ ذِمِّيًّا أَوْ مُرْتَدًّا، أَوْ مُسْتَأْمَنًا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ.

وَأَطْلَقَ الْأَمَةَ فَشَمِلَ الْقِنَّةَ وَالْمُدَبَّرَةَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إلَّا أَنَّ الْمُدَبَّرَةَ إذَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ بَطَلَ التَّدْبِيرُ؛ لِأَنَّ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ أَنْفَعُ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَسْعَى كَذَا فِي الْبَدَائِعِ، وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ إعْتَاقُهَا وَتَدْبِيرُهَا وَكِتَابَتُهَا؛ لِأَنَّ فِي الْإِعْتَاقِ إيصَالَ حَقِّهَا مُعَجَّلًا، وَفِي التَّدْبِيرِ اسْتِجْمَاعَ سَبَبِ الْحُرِّيَّةِ وَفِي الْكِتَابَةِ اسْتِعْجَالَ حَقِّهَا فِي الْعِتْقِ مَتَى أَدَّتْ الْبَدَلَ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى فَلَمْ تَتَضَمَّنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ إبْطَالَ حَقِّهَا، وَمِلْكُهُ قَائِمٌ فِيهَا فَصَحَّتْ اهـ.

فَإِنَّهُ عَلَى مَا فِي الْبَدَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ التَّدْبِيرُ فَإِنَّ الِاسْتِيلَادَ أَقْوَى مِنْهُ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ مَعَهُ، وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْنَى قَوْلِهِ بَطَلَ التَّدْبِيرُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ بَعْدَ ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ بَطَلَ لِأَنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ " لَمْ تُمْلَكْ " أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا هِبَتُهَا وَلَا إخْرَاجُهَا عَنْ الْمِلْكِ بِوَجْهٍ وَكَذَا لَا يَجُوزُ رَهْنُهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَمْ تُمْلَكْ لِأَحَدٍ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهَا بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي مِنْ جَوَازِ وَطْئِهَا وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ بَيْعِهَا لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ: وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي بِجَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ نَفَذَ قَضَاؤُهُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُصُولِيَّةِ أَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمُتَأَخِّرَ هَلْ يَرْفَعُ الِاخْتِلَافَ الْمُتَقَدِّمَ؟ عِنْدَهُمَا لَا يَرْفَعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْلِيلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْحَمْلِ إقْرَارٌ بِالْوَلَدِ وَكَذَا لَوْ قَالَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ: أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِمَا إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الِاعْتِرَافِ فَإِنْ وَضَعَتْهُ لِأَكْثَرَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَفِي الشَّرْحِ لَوْ اعْتَرَفَ بِالْحَمْلِ فَجَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ لَزِمَهُ لِلتَّيَقُّنِ بِوُجُودِهِ وَقْتَ الْإِقْرَارِ وَيُوَافِقُهُ مَا فِي الْمُحِيطِ: لَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَمَته حُبْلَى مِنْهُ ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا صَادَفَتْ وَلَدًا مَوْجُودًا فِي الْبَطْنِ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِوُجُودِهِ وَقْتَ الدَّعْوَى لِاحْتِمَالِ حُدُوثِهِ بَعْدَهَا فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى بِالشَّكِّ اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَصَيْرُورَتُهَا أُمَّ وَلَدٍ مَوْقُوفٌ عَلَى وِلَادَتِهَا فَلَا جَرَمَ أَنَاطُوا الْحُكْمَ بِهَا اهـ. أَيْ: فَلَا حَاجَةَ إلَى إبْدَالِ وَلَدَتْ بِحَبِلَتْ.

(قَوْلُهُ: فَلَا إخْلَالَ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ كَوْنَ الْمَدَارِ عَلَى ثُبُوتِ النَّسَبِ بَلْ عَلَى مُجَرَّدِ الدَّعْوَى ثَبَتَ النَّسَبُ مَعَهَا، أَوْ لَا لِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ أَمَتِهِ الَّتِي زَوَّجَهَا مِنْ عَبْدِهِ

ص: 292

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَرْفَعُ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ قَضَى قَاضٍ بِجَوَازِ بَيْعِهَا لَمْ يَنْفُذْ قَضَاؤُهُ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءِ قَاضٍ آخَرَ إمْضَاءً، وَإِبْطَالًا اهـ.

وَفِي الْمُحِيطِ رَجُلٌ أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَسُبِيَتْ وَمَلَكَهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّ سَبَبَ صَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ قَائِمٌ وَهُوَ إثْبَاتُ النَّسَبِ مِنْهُ فَإِنْ أَعْتَقَ الْمُدَبَّرَةَ، ثُمَّ ارْتَدَّتْ وَسُبِيَتْ فَمَلَكَهَا لَا تَصِيرُ مُدَبَّرَةً؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ الْمُدَبَّرِ وَصَلَ إلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ وَبَطَلَ التَّدْبِيرُ فَلَا يَبْقَى عِتْقُهَا مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ بِالْإِعْتَاقِ وَالِارْتِدَادِ لِقِيَامِ سَبَبِهِ وَهُوَ ثَبَاتُ نَسَبِ الْوَلَدِ اهـ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ وَيَنْبَغِي لِلْمَوْلَى أَنْ يُشْهِدَ عَلَى أَنَّ الْجَارِيَةَ وَلَدَتْ مِنْهُ خَوْفًا مِنْ أَنْ يُسْتَرَقَّ وَلَدُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَقَدَّمْنَا فِي تَزَوُّجِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ تَلِدَ أَمَتُهُ مِنْهُ وَلَا تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ أَنْ يُمَلِّكَهَا لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ثُمَّ يَتَزَوَّجَهَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ. .

(قَوْلُهُ: وَتُوطَأُ وَتُسْتَخْدَمُ وَتُؤَجَّرُ وَتُزَوَّجُ) لِأَنَّ الْمِلْكَ قَائِمٌ فِيهَا فَأَشْبَهَتْ الْمُدَبَّرَةَ فَكُلُّ تَصَرُّفٍ يُبْطِلُ هَذَا الْحَقَّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهَا وَمَا لَا يُبْطِلُهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَأَفَادَ بِالْوَطْءِ وَالِاسْتِخْدَامِ أَنَّ الْكَسْبَ وَالْغَلَّةَ وَالْعُقْرَ وَالْمَهْرَ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ، وَالْمَنَافِعُ عَلَى مِلْكِهِ، وَكَذَا مِلْكُ الْعَيْنِ قَائِمٌ وَأَفَادَ بِالتَّزْوِيجِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ قَالُوا: هُوَ مُسْتَحَبٌّ كَاسْتِبْرَاءِ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْهُ فَيَكُونُ النِّكَاحُ فَاسِدًا فَكَانَ تَعْرِيضًا لِلْفَسَادِ وَلَوْ زَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ مِنْ الْمَوْلَى وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ زَوْجُهَا، وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُ فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَهُوَ وَلَدُ الزَّوْجِ، وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى وَلَكِنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِإِقْرَارِهِ بِحُرِّيَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ بَاعَ خِدْمَتَهَا مِنْهَا، أَوْ كَاتَبَهَا عَلَى خِدْمَتِهَا جَازَ وَتَعْتِقُ إذَا بَاعَ خِدْمَتَهَا مِنْهَا.

(قَوْلُهُ: فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ) بَيَانٌ لِشَرْطِ صَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ فَأَفَادَ أَنَّ الْأَمَةَ إذَا وَلَدَتْ فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إلَّا إذَا ادَّعَى الْوَلَدَ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ يُقْصَدُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ لِوُجُودِ الْمَانِعِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَةِ بِمَنْزِلَةِ مِلْكِ الْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ بِخِلَافِ الْعَقْدِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَعَيَّنُ مَقْصُودًا مِنْهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّعْوَةِ فَإِذَا اعْتَرَفَ بِالْوَلَدِ الْأَوَّلِ وَجَاءَتْ بِالثَّانِي فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ بِدَعْوَى الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ فِرَاشًا كَالْمَعْقُودَةِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: إنْ كَانَ فِي بَطْنِك غُلَامٌ فَهُوَ مِنِّي، وَإِنْ كَانَ جَارِيَةٌ فَلَيْسَ مِنِّي يَثْبُتُ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ غُلَامًا كَانَ، أَوْ جَارِيَةً وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ فِي بَطْنِك وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي إلَى سَنَتَيْنِ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ، وَإِنْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَالتَّوْقِيتُ بَاطِلٌ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي ثُبُوتِ نَسَبِ الثَّانِي بِلَا دَعْوَةٍ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِأَنْ لَا تَكُونَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ حُرْمَةً مُؤَبَّدَةً، أَوْ لَا فَإِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا بِدَعْوَةٍ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَا وَطِئَهَا بَعْدَ الْحُرْمَةِ فَكَانَتْ حُرْمَةُ الْوَطْءِ كَالنَّفْيِ دَلَالَةً كَمَا لَوْ وَطِئَهَا ابْنُ الْمَوْلَى، أَوْ أَبُوهُ، أَوْ وَطِئَ الْمَوْلَى أُمَّهَا، أَوْ بِنْتَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزْوِيجِ، وَإِنْ ادَّعَى فِي الْحُرْمَةِ الْمُؤَبَّدَةِ يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا تُزِيلُ الْمِلْكَ وَفِي الْمُزَوَّجَةِ يَعْتِقُ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِكِتَابَةٍ، وَإِنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِمَا لَا يَقْطَعُ نِكَاحَ الْحُرَّةِ وَلَا يُزِيلُ فِرَاشَهَا كَالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْإِحْرَامِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيمٌ عَارِضٌ لَا يُغَيِّرُ حُكْمَ الْفِرَاشِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَظَاهِرُ تَقْيِيدِهِ بِالْأَكْثَرِ مِنْ السِّتَّةِ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ عُرُوضِ الْحُرْمَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ قَبْلَ عُرُوضِهَا وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَحْثًا، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ: أَمَةٌ لِرَجُلٍ وَلَدَتْ فِي مِلْكِهِ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ فِي بُطُونٍ مُخْتَلِفَةٍ فَإِنْ ادَّعَى الْأَصْغَرَ يَثْبُتُ نَسَبُ الْأَصْغَرِ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ الْأَخِيرَيْنِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ ادَّعَى نَسَبَ الْأَكْبَرِ ثَبَتَ نَسَبُ الْأَكْبَرِ

ــ

[منحة الخالق]

فَإِنَّ نَسَبَهُ إنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ الْعَبْدِ لَا مِنْ السَّيِّدِ وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ بِثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ الشَّرْعُ.

(قَوْلُهُ: وَكَذَا إذَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ بِكِتَابَةٍ) تَشْبِيهٌ بِالْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ تَأْبِيدًا فِي أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ كَمَا يَأْتِي آخِرَ الْبَابِ مِنْ أَنَّهُ يَثْبُتُ وَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهَا.

ص: 293

مِنْهُ، وَالْأَوْسَطُ وَالْأَصْغَرُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ يَحِقُّ عَلَيْهِ شَرْعًا الْإِقْرَارُ بِنَسَبِ وَلَدٍ هُوَ مِنْهُ وَلَمَّا خَصَّ الْأَكْبَرَ بِالدَّعْوَةِ بَعْدَمَا لَزِمَهُ هَذَا شَرْعًا كَانَ هَذَا نَفْيًا مِنْهُ لِلْأَخِيرَيْنِ، وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ يَنْتَفِي نَسَبُهُ بِالنَّفْيِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا قِيلَ السُّكُوتُ لَا يَكُونُ حُجَّةً وَلَكِنَّ السُّكُوتَ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيَانِ يُجْعَلُ دَلِيلَ النَّفْيِ فَهَذَا مِثْلُهُ اهـ.

وَقَيَّدَ بِالدَّعْوَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ كُنْتُ أَطَأُ لِقَصْدِ الْوَلَدِ عِنْدَ مَجِيئِهَا بِالْوَلَدِ فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالْوَلَدِ، وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِقَوْلِهِ هُوَ وَلَدِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ وَطْأَهُ حِينَئِذٍ لِقَصْدِ الْوَلَدِ وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ فُضَلَاءِ الدَّرْسِ يَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا أَنْ يَثْبُتَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى دَعْوَاهُ، وَإِنْ كُنَّا نُوجِبُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الِاعْتِرَافَ بِهِ فَلَا حَاجَةَ أَنْ نُوجِبَ عَلَيْهِ الِاعْتِرَافَ لِيَعْتَرِفَ فَيَثْبُتَ نَسَبُهُ بَلْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ ابْتِدَاءً وَأَظُنُّ أَنْ لَا بُعْدَ فِي أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ بِذَلِكَ اهـ.

وَأَقُولُ: إنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُحْكَمَ عَلَى الْمَذْهَبِ بِهِ لِتَصْرِيحِ أَهْلِهِ بِخِلَافِهِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ: الْأَمَةُ الْقِنَّةُ، أَوْ الْمُدَبَّرَةُ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا، وَإِنْ حَصَّنَهَا الْمَوْلَى وَطَلَبَ الْوَلَدَ مِنْ وَطْئِهَا بِدُونِ الدَّعْوَةِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَصِيرُ فِرَاشًا بِدُونِ الدَّعْوَةِ اهـ.

فَإِنْ أَرَادَ الثُّبُوتَ عِنْدَ الْقَاضِي ظَاهِرًا فَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَةِ مُطْلَقًا، وَإِنْ أَرَادَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ صُرِّحَ فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ الدَّعْوَةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ أَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا وَحَصَّنَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا يَلْزَمْهُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ وَيَدَّعِيَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ، وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا، أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ، وَالتَّحْصِينَ مَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ وَالْبُرُوزِ عَنْ مَظَانِّ الرِّيبَةِ، وَالْعَزْلُ أَنْ يَطَأَهَا وَلَا يُنْزِلَ فِي مَوْضِعِ الْمُجَامَعَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى تَجْرِيدِ الْقُدُورِيِّ: وَيَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الْجَارِيَةِ مِنْ مَوْلَاهَا، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ فَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّ دَعْوَى الْمَوْلَى لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصَيْرُورَتِهَا أُمَّ وَلَدٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ لِظُهُورِهِ وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ اهـ.

وَفِيهِ أَيْضًا لَا يَصِحُّ إعْتَاقُ الْمَجْنُونِ وَتَدْبِيرُهُ وَيَصِحُّ اسْتِيلَادُهُ اهـ.

مَعَ أَنَّ الدَّعْوَى لَا تُتَصَوَّرُ مِنْهُ فَهَذَا إنْ صَحَّ يُسْتَثْنَى وَهُوَ مُشْكِلٌ.

(قَوْلُهُ: وَانْتَفَى بِنَفْيِهِ) أَيْ انْتَفَى نَسَبُ الْوَلَدِ الثَّانِي بِنَفْيِ الْمَوْلَى مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى لِعَانٍ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَمْلِكَ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يُنْفَى نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا بِاللِّعَانِ لِتَأَكُّدِ الْفِرَاشِ أَطْلَقَ فِي النَّفْيِ فَشَمِلَ الصَّرِيحَ وَالدَّلَالَةَ كَمَا إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ فِي بَطْنَيْنِ فَادَّعَى نَسَبَ الثَّانِي كَانَ نَفْيًا لِلْأَوَّلِ وَكَذَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَادَّعَى نَسَبَ الثَّانِي كَانَ نَفْيًا لِلْأَوَّلِ وَكَذَا لَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَادَّعَى نَسَبَ الْأَكْبَرِ كَانَ نَفْيًا لِمَا بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَشَمِلَ مَا إذَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ وَهُوَ سَاكِتٌ بَعْدَ وِلَادَتِهِ وَصَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّهُ إذَا تَطَاوَلَ الزَّمَانُ لَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ؛ لِأَنَّ التَّطَاوُلَ دَلِيلُ إقْرَارِهِ لِوُجُودِ دَلِيلِهِ مِنْ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ كَالتَّصْرِيحِ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي التَّطَاوُلِ سَبَقَ فِي اللِّعَانِ وَصَرَّحَ فِي الْمَبْسُوطِ أَيْضًا بِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ إذَا لَمْ يَقْضِ بِهِ الْقَاضِي فَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَدْ لَزِمَهُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ اهـ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ قَضَاءَ غَيْرِ الْحَنَفِيِّ وَأَمَّا الْحَنَفِيُّ فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ صَرِيحِ الدَّعْوَةِ.

(قَوْلُهُ: وَعَتَقَتْ بِمَوْتِهِ مِنْ كُلِّ مَالِهِ وَلَمْ تَسَعْ لِغَرِيمِهِ) لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ «أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام أَمَرَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَأَقُولُ إنَّهُ: لَا يَصِحُّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمُدَّعِيَ مَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَعْزِلُ عَنْهَا وَحَصَّنَهَا هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ كَالدَّعْوَةِ أَمْ لَا وَمَا فِي الْبَدَائِعِ لَا يُصَادِمُهُ بِقَلِيلِ تَأَمُّلٍ اهـ.

وَهُوَ كَلَامٌ وَجِيهٌ (قَوْلُهُ: فَهَذَا إنْ صَحَّ يُسْتَثْنَى وَهُوَ مُشْكِلٌ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلِيِّهِ كَعَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالنَّفْعِ وَالضَّرَرِ، وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ فَتَدَبَّرْهُ اهـ.

وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْجَوَابِ لَا يَصِحُّ لِلْفَرْقِ الظَّاهِرِ بَيْنَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ وَالدَّعْوَةِ إذْ فِي الدَّعْوَةِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ هَذَا وَقَدْ نَظَمَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْوَهْبَانِيَّةِ فَقَالَ

وَذُو عَتَهٍ أَوْ جُنَّةٍ وَلَدَتْ لَهُ

وَلَمْ يَدَّعِهِ أُمَّ وَلَدٍ تَصِيرُ

قَالَ فِي الْمِنَحِ: وَكَأَنَّهُ يَعْنِي: الْمُؤَلِّفُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ اهـ.

قُلْتُ: بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى قَوْلِ شَارِحِهَا ابْنِ الشِّحْنَةِ حَيْثُ قَالَ: مَسْأَلَةُ الْبَيْتِ مَا فِي الْقُنْيَةِ مَرْقُومًا فِيهِ لِنَجْمِ الْأَئِمَّةِ الْبُخَارِيِّ: وَمَتَى وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ مَوْلَاهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَإِنَّمَا تُشْتَرَطُ دَعْوَتُهُ لِلْقَضَاءِ وَلِهَذَا يَصِحُّ اسْتِيلَادُ الْمَعْتُوهِ وَالْمَجْنُونِ مَعَ عَدَمِ الدَّعْوَى مِنْهُمَا اهـ.

وَعَامَّةُ الْمُصَنِّفِينَ لَمْ يَسْتَثْنُوا هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ مِنْ الْقَاعِدَةِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ فِي وَلَدِ الْأَمَةِ الْأَوَّلِ إلَّا بِالدَّعْوَى اهـ. كَلَامُ الشِّحْنَةِ.

وَظَاهِرُ كَلَامِهِ كَالْمُؤَلِّفِ أَنَّ الْمُرَادَ صِحَّةُ اسْتِيلَادِ الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ قَضَاءً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ صِحَّتَهُ دِيَانَةً بِأَنْ يَكُونَ قَوْلَ الْقُنْيَةِ وَلِهَذَا إلَخْ تَعْلِيلًا لِقَوْلِهِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا فَرْعُ الْعِلْمِ بِالْوَطْءِ وَهَذَا عَسِيرٌ وَهَلْ يَكْفِي لِذَلِكَ الْقَرَائِنُ الظَّاهِرَةُ

ص: 294

الْأَوْلَادِ وَأَنْ لَا يُبَعْنَ فِي دَيْنٍ وَأَنْ لَا يُجْعَلْنَ مِنْ الثُّلُثِ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْوَلَدِ أَصْلِيَّةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ وَالدَّيْنِ كَالتَّكْفِينِ بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ فَإِنَّهُ وَصِيَّةٌ بِمَا هُوَ مِنْ زَوَائِدِ الْحَوَائِجِ وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ حَتَّى لَا تُضْمَنَ بِالْغَصْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ الْغُرَمَاءِ كَالْقِصَاصِ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ أُطْلِقَ فِي الْمَوْتِ فَشَمِلَ الْحُكْمِيَّ كَرِدَّتِهِ وَلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ وَكَذَا الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنُ إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَاسْتُرِقَّ الْحَرْبِيُّ عَتَقَتْ الْجَارِيَةُ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمُدَبَّرِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ مَا إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ لَكِنْ إنْ كَانَ فِي الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَ الْإِقْرَارُ فِي الْمَرَضِ فَإِنْ كَانَ مَعَهَا وَلَدٌ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ وَإِلَّا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ وَحُكْمُهَا كَالْمُدَبَّرِ تَعْتِقُ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ كَذَا فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ فِي مَرَضِهِ: وَلَدَتْ مِنِّي فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ، أَوْ حَبَلٌ تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ، وَإِلَّا فَمِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ الشَّاهِدِ إقْرَارٌ بِالْعِتْقِ وَهُوَ وَصِيَّةٌ، وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَإِذَا عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ يَكُونُ مَا فِي يَدِهَا مِنْ الْمَالِ لِلْمَوْلَى إلَّا إذَا أَوْصَى لَهَا بِهِ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى عَنْ مُحَمَّدٍ مَاتَ مَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ وَلَهَا مَتَاعٌ وَعُرُوضٌ لَيْسَ لَهَا مِنْهَا شَيْءٌ إلَّا أَنِّي أَسْتَحْسِنُ أَنْ أَتْرُكَ لَهَا مِلْحَفَةً وَقَمِيصًا وَمِقْنَعَةً فَأَمَّا الْمُدَبَّرُ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الثِّيَابِ وَغَيْرِهِ اهـ.

وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا حُكْمَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ أَنَّ الْوَلَدَ أَيْ الْجَنِينَ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الِاسْتِيلَادِ فَإِذَا زَوَّجَ الْمَوْلَى أُمَّ وَلَدِهِ لِرَجُلٍ فَوَلَدَتْ فَهُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّ وَلَدَ الْحُرَّةِ حُرٌّ وَوَلَدَ الْقِنَّةِ رَقِيقٌ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ، وَإِذَا ادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ وَيَعْتِقُ الْوَلَدُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَ وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ كَأُمِّهِ، وَفِي الْمُحِيطِ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا وَلَدَتْ هَذَا الْغُلَامَ مِنْهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهَا وَلَدَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ مِنْهُ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ عَلَى أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لَا عَلَى ثَبَاتِ النَّسَبِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْوَلَدِ فَإِنْ كَانَ الْوَلَدَانِ لَا يُعْلَمُ أَيُّهُمَا أَكْبَرُ فَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِ يَعْتِقُ ذَلِكَ النِّصْفُ بِعِتْقِهَا وَيَسْعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْبَرَ مِنْ الْآخَرِ عَتَقَ الْأَصْغَرُ بِعِتْقِهَا وَيُبَاعُ الْأَكْبَرُ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَمَتَى لَمْ يُعْلَمْ أَيُّهُمَا أَكْبَرُ وَأَحَدُهُمَا حَادِثٌ بَعْدَ ثُبُوتِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ لِلْأُمِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَيَشِيعُ ذَلِكَ الْحُكْمُ فِيهِمَا نِصْفَانِ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ سَعَتْ فِي قِيمَتِهَا) لِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي جَعْلِهَا مُكَاتَبَةً لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ الذُّلُّ عَنْهَا بِصَيْرُورَتِهَا حُرَّةً يَدًا وَالضَّرَرُ عَنْ الذِّمِّيِّ لِانْبِعَاثِهَا عَلَى الْكَسْبِ نَيْلًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ فَيَصِلُ الذِّمِّيُّ إلَى بَدَلِ مِلْكِهِ أَمَّا لَوْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ مُفْلِسَةٌ تَتَوَانَى فِي الْكَسْبِ وَمَالِيَّةُ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ يَعْتَقِدُهَا الذِّمِّيُّ مُتَقَوَّمَةً فَيُتْرَكُ وَمَا يَعْتَقِدُهُ وَلِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوَّمَةً فَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ وَهَذَا يَكْفِي لِوُجُوبِ الضَّمَانِ كَمَا فِي الْقِصَاصِ الْمُشْتَرَكِ إذَا عَفَا أَحَدُ الْأَوْلِيَاءِ يَجِبُ الْمَالُ لِلْبَاقِينَ وَالْمُرَادُ بِقِيمَتِهَا هُنَا ثُلُثُ قِيمَتِهَا لَوْ كَانَتْ قِنَّةً كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْمُرَادُ بِالنَّصْرَانِيِّ الْكَافِرُ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَيْدًا وَهُوَ أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ السِّعَايَةِ عَلَيْهَا فِيمَا إذَا عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِ فَأَبَى أَمَّا إذَا أَسْلَمَ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى حَالِهَا وَلَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّهَا فِي حَالِ السِّعَايَةِ مُكَاتَبَةٌ وَقَدْ قَالُوا إنَّهَا مُكَاتَبَةٌ لَكِنْ إذَا عَجَزَتْ لَا تُرَدُّ فِي الرِّقِّ وَشَرَطَ قَاضِي خَانْ فِي الْخَانِيَّةِ لِكَوْنِهَا مُكَاتَبَةً قَضَاءَ الْقَاضِي قَالَ: وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهَا بِالسِّعَايَةِ كَانَ حَالُهَا حَالَ الْمُكَاتَبِ مَا لَمْ تُؤَدِّ السِّعَايَةَ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَاضِيَ يُقَدِّرُ قِيمَتَهَا فَيُنَجِّمُهَا عَلَيْهَا وَأَشَارَ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ السِّعَايَةِ عَتَقَتْ بِلَا سِعَايَةٍ كَمَا هُوَ حُكْمُ الْوَلَدِ، وَإِلَى أَنَّ الْمُدَبَّرَ النَّصْرَانِيَّ إذَا أَسْلَمَ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّ الْوَلَدِ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ

ــ

[منحة الخالق]

مِثْلُ كَوْنِهِ أَعَدَّهَا لِلِاسْتِفْرَاشِ أَمْ لَا؟ وَهَذَا يَقَعُ كَثِيرًا فَلْيُحَرَّرْ.

(قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْحَنَفِيُّ فَلَيْسَ لَهُ الْحُكْمُ بِهِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمِنَحِ: يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَنَفِيُّ وَيَكُونَ مِنْ بَابِ قَضَائِهِ بِخِلَافِ رَأْيِهِ وَفِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ.

ص: 295

وَهِيَ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا، أَوْ الثُّلُثَانِ عَلَى مَا مَرَّ وَقَيَّدَ بِأُمِّ الْوَلَدِ لِأَنَّ الْقِنَّةَ لِلنَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَتْ فَإِنَّ الْمَوْلَى يُؤْمَرُ بِالْبَيْعِ وَكَذَا قِنُّهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ أَوْجَبَ الْحُقُوقَ؛ لِأَنَّ الْكَاتِبَ رُبَّمَا يَعْجِزُ فَيَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ فَصَارَتْ الْكِتَابَةُ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَلِ عَنْ الْبَيْعِ وَلَا يُصَارُ إلَى الْبَدَلِ مَا دَامَ الْأَصْلُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ مِسْكِينٌ الْجَبْرَ عَلَى الْبَيْعِ بِعَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ فَيَأْبَى، وَفِي الْمُحِيطِ: وَإِذَا قَضَى الْقَاضِي عَلَيْهَا بِالْقِيمَةِ، ثُمَّ مَاتَتْ وَلَهَا وَلَدٌ وَلَدَتْهُ فِي السِّعَايَةِ سَعَى الْوَلَدُ فِيمَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ صَارَ مُسْتَسْعًى تَبَعًا لِأُمِّهِ كَوَلَدِ الْمُكَاتَبَةِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبَةِ اهـ. .

(قَوْلُهُ: وَلَوْ وَلَدَتْ بِنِكَاحٍ فَمَلَكَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ) لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ الْجُزْئِيَّةُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ وَالْجُزْئِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ الْوَاحِدِ إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَلًا وَقَدْ ثَبَتَ النَّسَبُ فَتَثْبُتُ الْجُزْئِيَّةُ بِهَذِهِ الْوَاسِطَةِ وَقَدْ كَانَ الْمَانِعُ حِينَ الْوِلَادَةِ مِلْكَ الْغَيْرِ وَقَدْ زَالَ قَيَّدَ بِالنِّكَاحِ احْتِرَازًا عَمَّا إذَا وَلَدَتْ مِنْهُ بِالزِّنَا ثُمَّ مَلَكَهَا فَإِنَّهَا لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسَبَ فِيهِ لِلْوَلَدِ إلَى الزَّانِي، وَإِنَّمَا يَعْتِقُ عَلَى الزَّانِي إذَا مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ جُزْؤُهُ حَقِيقَةً بِلَا وَاسِطَةٍ نَظِيرُهُ مَنْ اشْتَرَى أَخَاهُ مِنْ الزِّنَا لَا يَعْتِقُ لِأَنَّهُ يُنْسَبُ إلَيْهِ بِوَاسِطَةِ نَسَبِهِ إلَى الْوَالِدِ وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ، وَالْوَطْءُ بِالشُّبْهَةِ كَالنِّكَاحِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَأَطْلَقَ فِي الْمِلْكِ فَشَمِلَ الْكُلَّ وَالْبَعْضَ وَلِذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ: وَإِذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ مِنْ الزَّوْجِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ وَآخَرُ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لِلزَّوْجِ لِمَا قُلْنَا وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالشِّرَاءِ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَانْتَقَلَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ إلَيْهِ بِالضَّمَانِ، وَإِنْ وَرِثَا مَعًا الْوَلَدَ وَكَانَ الشَّرِيكُ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْوَلَدِ عَتَقَ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الشَّرِيكُ أَجْنَبِيًّا سَعَى الْوَلَدُ لِلشَّرِيكِ فِي حِصَّتِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَتَقَ نَصِيبُ الْأَبِ فَسَدَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ اهـ.

أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ إلَى أَنَّ أَوْلَادَهَا مِنْهُ أَحْرَارٌ إذَا مَلَكَهُمْ؛ لِأَنَّ «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ عَتَقَ عَلَيْهِ» ، الْحَدِيثَ، وَلَوْ مَلَكَ وَلَدًا لَهَا مِنْ غَيْرِهِ لَا يَعْتِقُ وَلَهُ بَيْعُهُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ لَا مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ الْحَادِثُ فِي مِلْكِهِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أُمِّهِ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ جَارِيَةً لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّهَا، وَهَذِهِ إجْمَاعِيَّةٌ وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى إطْلَاقِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ كَأُمِّهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ.

وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ أَيْضًا مَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ رَجُلٌ اشْتَرَى جَارِيَةً هِيَ أُمُّ وَلَدِ الْغَيْرِ مِنْ رَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِحَالِهَا فَوَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا مَوْلَاهَا وَقُضِيَ لَهُ بِهَا فَعَلَى أَبِي الْوَلَدِ - وَهُوَ الْمُشْتَرِي - قِيمَةُ الْوَلَدِ لِمَوْلَى أُمِّ الْوَلَدِ بِسَبَبِ الْغُرُورِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْوَلَدِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ لَا مَالِيَّةَ فِيهِ كَأُمِّهِ إلَّا أَنَّهُ ضَمِنَ مَعَ هَذَا قِيمَتَهُ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ فِيهِ مَالِيَّةٌ بَعْدَ ثُبُوتِ حُكْمِ أُمِّيَّةِ الْوَلَدِ فِيهِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْوَلَدِ لِأَنَّهُ عَلِقَ حُرَّ الْأَصْلِ فَلِذَا كَانَ مَضْمُونًا بِالْقِيمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.

فَحَاصِلُهُ أَنَّ وَلَدَ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ الْمَوْلَى كَأُمِّهِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ فَإِذَا مَلَكَ مَنْ اسْتَوْلَدَهَا بِالنِّكَاحِ وَبِنْتَهَا مِنْ غَيْرِهِ الْحَادِثَةَ قَبْلَ الْمِلْكِ وَالْبِنْتَ الْحَادِثَةَ مِنْ رَجُلٍ بَعْدَ الْمِلْكِ وَأَعْتَقَهُنَّ، ثُمَّ اشْتَرَاهُنَّ بَعْدَ السَّبْيِ وَالِارْتِدَادِ عُدْنَ كَمَا كُنَّ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ الثَّانِيَةِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْبِنْتِ الْأُولَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْأُمِّ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بَيْعُ الْبِنْتَيْنِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ، وَلَزِمَهُ نِصْفُ قِيمَتِهَا وَنِصْفُ عُقْرِهَا لَا قِيمَتُهُ) أَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ فَلِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ فِي نِصْفِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةَ أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ لِمَا أَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْعُلُوقُ إذْ الْوَلَدُ الْوَاحِدُ لَا يَعْلَقُ مِنْ مَاءَيْنِ، وَأَمَّا صَيْرُورَتُهَا أُمَّ وَلَدٍ فَلِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، ثُمَّ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ إذْ هُوَ قَابِلٌ لِلْمِلْكِ، وَأَمَّا ضَمَانُ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ لَمَّا اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ، وَأَمَّا ضَمَانُ نِصْفِ الْعُقْرِ فَلِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً إذْ الْمِلْكُ ثَبَتَ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَعْقُبُهُ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 296

صَاحِبِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ؛ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ هُنَاكَ ثَبَتَ شَرْطًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَتَقَدَّمُهُ فَصَارَ وَاطِئًا مِلْكَ نَفْسِهِ، وَأَمَّا عَدَمُ ضَمَانِ قِيمَةِ الْوَلَدِ فَلِأَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ شَرِيكِهِ. أَطْلَقَ فِي الْمُدَّعِي فَشَمِلَ الْحُرَّ وَالْمُكَاتَبَ فَإِذَا ادَّعَى الْمُكَاتَبُ وَلَدَ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ حُرٍّ وَمُكَاتَبٍ فَادَّعَى الْمُكَاتَبُ وَحْدَهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا لِلشَّرِيكِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: نَصِيبُ الشَّرِيكِ بِحَالِهِ كَمَا كَانَ يَسْتَخْدِمُهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَوْمًا فَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا لِأَنَّ حُكْمَ الِاسْتِيلَادِ فِي نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ بِصِفَةِ الِاسْتِقْرَارِ لَمْ يَثْبُتْ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُبَاعُ بَعْدَ الْعَجْزِ اهـ.

وَمِثْلُ الْمُسْلِمِ الْكَافِرُ وَالصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَأَطْلَقَ فِي الْأَمَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ حَبِلَتْ عَلَى مِلْكِهِمَا أَوْ اشْتَرَيَاهَا حَامِلًا لَكِنَّهُ يَضْمَنُ فِي الثَّانِي نِصْفَ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَةُ إعْتَاقٍ لَا اسْتِيلَادٍ، وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ اشْتَرَى أَخَوَانِ أَمَةً حَامِلَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ بِالدَّعْوَةِ وَلَا يَعْتِقُ عَلَى عَمِّهِ بِالْقَرَابَةِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ تَقَدَّمَتْ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَى الدَّعْوَةِ دُونَ الْقَرَابَةِ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْعُقْرِ فَشَمِلَ الْمُوسِرَ وَالْمُعْسِرَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْعُلُوقِ وَكَذَا نِصْفُ الْعُقْرِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا الْأَبَ كَمَا إذَا كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ فَادَّعَاهُ الْأَبُ صَحَّ وَلَزِمَهُ نِصْفُ الْقِيمَةِ وَالْعُقْرُ كَالْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْلَدَهَا وَلَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَيْثُ لَا يَجِبُ الْعُقْرُ عِنْدَنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْجَارِيَةَ مَتَى لَمْ تَكُنْ مِلْكًا لَهُ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ فِيهَا سَابِقًا عَلَى الْوَطْءِ لِئَلَّا يَكُونَ فِعْلُهُ زِنًا وَمَتَى كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَقِيَامُ الْمِلْكِ فِي شِقْصٍ مِنْهَا يَكْفِي لِإِخْرَاجِ فِعْلِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ زِنًا فَلَمْ تَمَسَّ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ سَابِقًا عَلَى الْوَطْءِ فَلِذَا يَجِبُ نِصْفُ الْعُقْرِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. .

(قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَيَاهُ مَعًا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِمَا وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ الْعُقْرِ وَتَقَاصَّا وَوَرِثَ مِنْ كُلٍّ إرْثَ ابْنٍ وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ) أَمَّا ثُبُوتُ النَّسَبِ مِنْهُمَا فَلِكِتَابِ عُمَرَ إلَى شُرَيْحٍ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ لَبَّسَا فَلُبِّسَ عَلَيْهِمَا وَلَوْ بَيَّنَا لَبُيِّنَ لَهُمَا هُوَ ابْنُهُمَا يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ وَهُوَ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ، وَالنَّسَبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَزَّى وَلَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ فَمَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمَا عَلَى التَّجْزِئَةِ وَمَا لَا يَقْبَلُهَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَلًا كَأَنْ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِقَوْلِ الْقَائِفِ، وَسُرُورُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ فِي أُسَامَةَ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ فَكَانَ قَوْلُ الْقَائِفِ مُقَطَّعًا لِطَعْنِهِمْ فَسُرَّ بِهِ، وَأَمَّا كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا فَلِصِحَّةِ دَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ فِي الْوَلَدِ فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ فِيهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تَبَعًا لِوَلَدِهَا، وَأَمَّا لُزُومُ نِصْفِ الْعُقْرِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلِمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَأَمَّا التَّقَاصُّ فَلِعَدَمِ فَائِدَةِ الِاشْتِغَالِ بِالِاسْتِيفَاءِ، وَفَائِدَةُ إيجَابِ الْعُقْرِ مَعَ التَّقَاصِّ بِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَوْ أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا عَنْ حَقِّهِ بَقِيَ حَقُّ الْآخَرِ وَأَيْضًا لَوْ قُدِّرَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا بِالدَّرَاهِمِ وَالْآخَرِ بِالدَّنَانِيرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذَ الدَّنَانِيرَ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِ الْآخَرِ يَأْخُذُ مِنْهُ الزِّيَادَةَ، وَأَمَّا مِيرَاثُهُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِيرَاثَ ابْنٍ كَامِلٍ فَلِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمِيرَاثِهِ كُلِّهِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ وَأَمَّا إرْثُهُمَا مِنْهُ مِيرَاثَ أَبٍ وَاحِدٍ إذَا مَاتَ وَهُمَا حَيَّانِ فَلِاسْتِوَائِهِمَا فِي النَّسَبِ كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ. وَأَطْلَقَ فِي الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْأَوْصَافِ فَلَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُعَارِضْهُ الْمَرْجُوحُ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَالْكِتَابِيُّ عَلَى الْمَجُوسِيِّ، وَالْعِبْرَةُ لِهَذِهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَإِذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا) الضَّمِيرُ فِي لَهُ يَعُودُ عَلَى الشَّرِيكِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ بَعْدَ عَجْزِهِ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ وَيَجُوزُ عَوْدُهُ عَلَيْهِ بِتَكَلُّفِ تَأَمُّلٍ.

(قَوْلُهُ: وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْمُرْتَدِّ) تَبِعَهُ فِي النَّهْرِ والشرنبلالية وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يُقَدَّمُ عَلَى الذِّمِّيِّ تَأَمَّلْ.

ص: 297

الْأَوْصَافِ وَقْتُ الدَّعْوَةِ لَا الْعُلُوقِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَفِي الْمَبْسُوطِ: أَمَةٌ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ وَمُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ وَعَبْدٍ وَلَدَتْ فَادَّعَوْهُ فَالْحُرُّ الْمُسْلِمُ أَوْلَى لِاجْتِمَاعِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ فِيهِ مَعَ الْمِلْكِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُسْلِمٌ بَلْ مَنْ بَعْدَهُ فَقَطْ فَالذِّمِّيُّ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ، وَالْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ لَكِنَّ نَيْلَ الْوَلَدِ تَحْصِيلُ الْإِسْلَامِ دُونَ الْحُرِّيَّةِ ثُمَّ الْمُكَاتَبُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقَّ مِلْكٍ، وَالْوَلَدُ عَلَى شَرَفِ الْحُرِّيَّةِ بِأَدَاءِ الْكِتَابَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَاتَبٌ، وَادَّعَى الْمُدَبَّرُ وَالْعَبْدُ لَا يَثْبُتُ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّسَبُ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ مِلْكٌ وَلَا شُبْهَةُ مِلْكٍ قِيلَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْجَوَابُ فِي الْعَبْدِ الْمَحْجُورِ وُهِبَتْ لَهُ أَمَةٌ وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يُزَوَّجَ مِنْهَا أَيْضًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ بَيْنَ رَجُلٍ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَوْهُ كُلُّهُمْ فَالْجَدُّ أَوْلَى اهـ.

وَقَيَّدَ بِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ادَّعَى نَسَبَهُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَوَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا وَأَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَخَرَجَ الْكَلَامَانِ مَعًا كَانَتْ الدَّعْوَةُ أَوْلَى مِنْ الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ تَسْتَنِدُ إلَى حَالَةِ الْعُلُوقِ وَالْإِعْتَاقِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى الْحَالِ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي كَوْنِهَا مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُقَيِّدْ بِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقَدْرِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا عُشْرُهَا وَلِلْآخَرِ تِسْعَةُ أَعْشَارِهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَيَاهُ مَعًا فَإِنَّهُ ابْنُهُمَا ابْنُ هَذَا كُلُّهُ وَابْنُ ذَلِكَ كُلُّهُ فَإِنْ مَاتَ وَرِثَاهُ نِصْفَيْنِ، وَإِنْ جَنَى عَقَلَ عَوَاقِلُهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ جَنَتْ الْأَمَةُ فَعَلَى صَاحِبِ الْعُشْرِ عُشْرُ مُوجَبِ الْجِنَايَةِ وَعَلَى الْآخَرِ تِسْعَةُ أَعْشَارِ مُوجَبِهَا وَكَذَا أَوْلَادُهَا لَهُمَا عَلَى هَذَا وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ اشْتَرَيَا عَبْدًا لَيْسَ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ أَحَدُهُمَا عُشْرَهُ وَالْآخَرُ تِسْعَةَ أَعْشَارِهِ، ثُمَّ ادَّعَيَاهُ مَعًا فَهُوَ ابْنُهُمَا لَا يُفَضَّلُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي النَّسَبِ فَإِنْ جَنَى فَجِنَايَتُهُ عَلَى عَوَاقِلِهِمَا أَعْشَارًا كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِمَا اثْنَيْنِ لِلِاخْتِلَافِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ وَإِنْ كَثُرُوا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ اثْنَيْنِ وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ مِنْ الثَّلَاثَةِ لَا غَيْرُ وَقَالَ زُفَرُ: يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةٍ فَقَطْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْإِمَامِ، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَوْ تَنَازَعَ فِيهِ امْرَأَتَانِ قُضِيَ بِهِ أَيْضًا بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُقْضَى لِلْمَرْأَتَيْنِ وَكَذَلِكَ يَثْبُتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْخَمْسِ وَلَوْ تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ يُقْضَى بِهِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُقْضَى لِلرَّجُلِ وَلَا يُقْضَى لِلْمَرْأَتَيْنِ، وَإِذَا تَنَازَعَ فِيهِ رَجُلَانِ وَامْرَأَتَانِ كُلُّ رَجُلٍ يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تُصَدِّقُهُ عَلَى ذَلِكَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْضَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ وَلَا يُقْضَى بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ اهـ.

وَأَفَادَ بِكَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا أَنَّهَا تَخْدُمُ كُلًّا مِنْهُمَا يَوْمًا، وَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ لِلْحَيِّ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ لِرِضَا كُلٍّ مِنْهُمَا بِعِتْقِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا تَسْعَى لِلْحَيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهَا وَعَلَى قَوْلِهِمَا تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا لَهُ وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا عَتَقَتْ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِلسَّاكِتِ وَلَا سِعَايَةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى قَوْلِهِمَا يَضْمَنُ إنْ كَانَ مُوسِرًا وَتَسْعَى إنْ كَانَ مُعْسِرًا كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَعَلَى هَذَا مَحَلُّ قَوْلِ الْإِمَامِ: الْعِتْقُ يَتَجَزَّأُ فِي الْقِنَّةِ أَمَّا فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَعِتْقُهَا لَا يَتَجَزَّأُ اتِّفَاقًا وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمُجْتَبَى، وَفِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَنْصِبَاءُ مُخْتَلِفَةً بِأَنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ السُّدُسُ وَلِلْآخَرِ الرُّبُعُ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ وَلِلْآخَرِ مَا بَقِيَ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمْ، وَيَصِيرُ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لَا يَتَعَدَّى إلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ حَتَّى تَكُونَ الْخِدْمَةُ وَالْكَسْبُ وَالْغَلَّةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَنْصِبَائِهِمْ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ مِنْهُ فِي نَصِيبِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: بَيْنَ أَنْ يُزَوَّجَ مِنْهَا) الَّذِي فِي الْفَتْحِ " بَلْ " بَدَلَ " بَيْنَ " وَهُوَ أَظْهَرُ. (قَوْلُهُ: أَمَّا فِي أُمِّ الْوَلَدِ فَعِتْقُهَا لَا يَتَجَزَّى اتِّفَاقًا) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِإِعْتَاقِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ، وَتَخْصِيصُهُ بِأُمِّ الْوَلَدِ يُفِيدُ تَجَزِّيَ إعْتَاقِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ أَمَّا الْمُدَبَّرُ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمَهُ فِي بَابِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ " فَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ " مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُدَبَّرُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ مُوسِرٌ وَضَمِنَ قِيمَةَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ هَهُنَا ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ الْمُدَبَّرِ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَقِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَقَ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ لَا يَمْلِكُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ إلَخْ فَعَدَمُ تَغَيُّرِ الْوَلَاءِ أَيْ بَقَاؤُهُ بَيْنَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُعْتَقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتِقِ، وَإِلَّا كَانَ الْوَلَاءُ لَهُ وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَاتَبَا عَبْدَهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا جَازَ وَالْمُكَاتَبُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ عَجَزَ، وَيَكُونُ الشَّرِيكُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّضْمِينِ وَبَيْنَ السِّعَايَةِ فِي نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْعِتْقِ عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لَوْ مُوسِرًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَنِصْفِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُكَاتَبَةِ، وَإِنْ لَمْ يَعْجِزْ حَتَّى مَاتَ عَنْ مَالٍ كَثِيرٍ أَخَذَ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ نِصْفَ الْمُكَاتَبَةِ مِنْ مَالِهِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ إعْتَاقَ الْمُكَاتَبِ يَتَجَزَّى عِنْدَهُ وَلِذَا تَخَيَّرَ الشَّرِيكُ بَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ وَالْعِتْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 298

فِيهِ اسْتِيلَادُ غَيْرِهِ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَنْصِبَاءَ إذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فَالْحُكْمُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ لَا يَخْتَلِفُ فَأَمَّا الِاسْتِيلَادُ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِ كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ.

وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي كَوْنِهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا بِأَنْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ أَمَّا إذَا اشْتَرَيَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَادَّعَيَاهُ أَوْ اشْتَرَيَاهَا بَعْدَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ ادَّعَيَاهُ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ عِتْقٍ لَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَيَعْتِقُ الْوَلَدُ مُقْتَصِرًا عَلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ بِخِلَافِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ شَرْطَهَا كَوْنُ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ وَتَسْتَنِدُ الْحُرِّيَّةُ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَعْلَقُ حُرًّا وَكَذَا لَوْ كَانَ الْحَمْلُ عَلَى مِلْكِ أَحَدِهِمَا بِالتَّزَوُّجِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا هُوَ وَآخَرُ فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّرَاءِ فَادَّعَيَاهُ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِ الزَّوْجِ فَإِنَّ نَصِيبَهُ صَارَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَالِاسْتِيلَادُ لَا يَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ عِنْدَهُمَا وَلَا إبْقَاءَهُ عِنْدَهُ، فَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَيْضًا وَكَذَا إذَا حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِ أَحَدِهِمَا رَقَبَةً فَبَاعَ نِصْفَهَا مِنْ آخَرَ فَوَلَدَتْ يَعْنِي لِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ بَيْعِ النِّصْفِ فَادَّعَيَاهُ يَكُونُ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِكَوْنِ الْعُلُوقِ أَوْلَى فِي مِلْكِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهِيَ لَيْسَتْ كَأُمِّ وَلَدٍ لِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا لَوْ جَاءَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِوَلَدٍ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ إلَّا بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ فَتُعْتَبَرُ الدَّعْوَةُ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَأَفَادَ بِقَوْلِهِ وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْوَلَدِ فَجَمِيعُ مِيرَاثِهِ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفِ مُشْتَرَكَةٌ وَلِذَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ بَابِ الْوَصِيِّ: رَجُلَانِ ادَّعَيَا صَغِيرًا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ ابْنُهُ مِنْ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ لِهَذَا الْوَلَدِ مَالٌ وَرِثَهُ مِنْ أَخٍ لَهُ مِنْ أُمِّهِ أَوْ وَهَبَ لَهُ أَخُوهُ لَا يَنْفَرِدُ بِالتَّصَرُّفِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفَرِدُ اهـ.

وَأَمَّا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ بِهِ قَالَ فِي التَّبْيِينِ: النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ كَالْمِيرَاثِ وَالنَّفَقَةِ وَالْحَضَانَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَأَحْكَامٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ كَالنَّسَبِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَمَا يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا عَلَى التَّجْزِئَةِ وَمَا لَا يَقْبَلُهَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْكَمَالِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ اهـ.

وَذَكَرَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّ صَدَقَةَ فِطْرِ الْوَلَدِ عَلَيْهِمَا لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَةٌ تَامَّةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا صَدَقَةُ وَاحِدٍ، وَأَمَّا الْأُمُّ فَلَا تَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَدَقَتُهَا اتِّفَاقًا وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْجِزْيَةِ لَوْ حَدَثَ بَيْنَ النَّجْرَانِيِّ وَالتَّغْلِبِيِّ وَلَدٌ ذَكَرٌ مِنْ جَارِيَةٍ وَادَّعَيَاهُ جَمِيعًا مَعًا فَمَاتَ الْأَبَوَانِ وَكَبِرَ الْوَلَدُ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ أَنَّهُ إنْ مَاتَ التَّغْلِبِيُّ أَوَّلًا تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَإِنْ مَاتَ النَّجْرَانِيُّ أَوَّلًا تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةُ أَهْلِ تَغْلِبَ، وَإِنْ مَاتَا مَعًا يُؤْخَذُ النِّصْفُ مِنْ هَذَا وَالنِّصْفُ مِنْ هَذَا اهـ.

(قَوْلُهُ: وَلَوْ ادَّعَى وَلَدَ أَمَةِ مُكَاتَبِهِ وَصَدَّقَهُ الْمُكَاتَبُ لَزِمَ النَّسَبُ وَالْعُقْرُ وَقِيمَةُ الْوَلَدِ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ لَمْ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا اشْتَرَيَاهَا وَهِيَ حَامِلٌ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَقِبَ قَوْلِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا: مَعْنَاهُ إذَا حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَيَا حُبْلَى لَا يُخْتَلَفُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُمَا، وَإِنَّمَا يُخْتَلَفُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعُقْرِ وَالْوَلَاءِ وَضَمَانِ قِيمَةِ الْوَلَدِ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعُقْرُ لِصَاحِبِهِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي وَاحِدًا وَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ الْوَلَاءُ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ اهـ.

وَقَوْلُهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ أَيْ وَقَدْ اشْتَرَيَاهَا حُبْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ، وَقَوْلُهُ: عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ يَعْنِي مِنْ أَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ عِتْقٍ فَيَعْتِقُ مُقْتَصِرًا عَلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ لَا دَعْوَةُ الِاسْتِيلَادِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْعُلُوقُ فِي الْمِلْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ كَذَا فِي الشرنبلالية.

(قَوْلُهُ: وَهِيَ لَيْسَتْ كَأُمِّ وَلَدٍ لِوَاحِدٍ إلَخْ) أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَا إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا وَلَا مُرَجِّحَ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهَا تَبْقَى مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا لِأَحَدِهِمَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَ الْمُرَجِّحُ بِأَنْ حَمَلَتْ عَلَى مِلْكِ أَحَدِهِمَا نِكَاحًا، أَوْ رَقَبَةً حَتَّى ثَبَتَ مَنْ الْأَرْجَحُ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْمَالِكُ الْأَوَّلُ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَلَمْ تَبْقَ مُشْتَرَكَةً وَيَدُلُّ لِمَا قُلْنَا أَنَّهُ فِي الْمُجْتَبَى قَالَ فِي تَعْلِيلِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَلِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ الْمُرَجِّحُ لَا يَثْبُتُ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَبَ الْآخَرِ، أَوْ كَانَ مُسْلِمًا وَالْآخَرُ ذِمِّيًّا ثَبَتَ مِنْ الْأَبِ وَالْمُسْلِمِ لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ وَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا صَارَتْ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا وَيَقَعُ عُقْرُهُمَا قِصَاصًا وَلَوْ جَاءَتْ بِآخَرَ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ مِنْ وَاحِدٍ إلَّا بِالدَّعْوَى لِأَنَّ الْوَطْءَ حَرَامٌ فَتُعْتَبَرُ الدَّعْوَةُ اهـ.

فَقَوْلُهُ: وَلَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُمَا إلَخْ صَرِيحٌ فِي رُجُوعِهِ لِأَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا خَفِيَ عَلَى كَثِيرِينَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

ص: 299