المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[أسباب وجوب النفقة] - البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري - جـ ٤

[زين الدين ابن نجيم - ابن عابدين]

فهرس الكتاب

- ‌[بَابُ التَّعْلِيقِ فِي الطَّلَاق]

- ‌(بَابُ طَلَاقِ الْمَرِيضِ)

- ‌[بَابُ الرَّجْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا تَحِلُّ بِهِ الْمُطَلَّقَةُ]

- ‌[بَابُ الْإِيلَاءِ]

- ‌[وَطِئَ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاء]

- ‌[وَمُدَّةُ إيلَاءِ الْأَمَةِ]

- ‌[الْإِيلَاء مِنْ الْمُبَانَةِ وَالْأَجْنَبِيَّةِ]

- ‌(بَابُ الْخُلْعِ)

- ‌ الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ

- ‌(بَابُ الظِّهَارِ)

- ‌[فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَار]

- ‌(بَابُ اللِّعَانِ)

- ‌[شَرَائِطُ وُجُوبِ اللِّعَانِ]

- ‌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةُ وَلَهَا وَلَدٌ مِنْهُ

- ‌[اللِّعَانُ بِنَفْيِ الْوَلَدِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْخَصِيِّ وَمَنْ لَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ]

- ‌(بَابُ الْعِنِّينِ

- ‌[قَذْفِ الْأَخْرَسِ]

- ‌ وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْبُوبًا

- ‌(بَابُ الْعِدَّةِ)

- ‌[عِدَّةُ الْحُرَّةِ]

- ‌ عِدَّةُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا

- ‌ عِدَّةِ الْأَمَةِ

- ‌عِدَّةُ الْحَامِلِ

- ‌عِدَّةُ مَنْ اعْتَدَّتْ بِالْأَشْهُرِ لِإِيَاسِهَا ثُمَّ رَأَتْ دَمًا

- ‌[عدة الْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ وَأُمِّ الْوَلَدِ]

- ‌[عدة زَوْجَةِ الصَّغِيرِ الْحَامِلِ]

- ‌مَبْدَأُ الْعِدَّةِ

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِحْدَادِ]

- ‌(بَابُ ثُبُوتِ النَّسَبِ)

- ‌[أَكْثَرُ مُدَّةِ الْحَمْلِ]

- ‌[بَابُ الْحَضَانَةِ]

- ‌(بَابُ النَّفَقَةِ)

- ‌الزَّوْجِيَّةِ

- ‌[أَسْبَابٍ وُجُوب النَّفَقَة]

- ‌ وَنَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ

- ‌ النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ

- ‌[النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَةُ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ الْفَقِيرِ]

- ‌[نَفَقَةُ الْأَبَوَيْنِ وَالْأَجْدَادِ وَالْجَدَّاتِ]

- ‌[النَّفَقَة مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ]

- ‌ النَّفَقَةُ لِلْقَرِيبِ

- ‌ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى لِمَمْلُوكِهِ

- ‌(كِتَابُ الْعِتْقِ)

- ‌[امْتَنَعَ الْمَوْلَى عَنْ الْإِنْفَاقِ]

- ‌(بَابُ الْعَبْدِ يَعْتِقُ بَعْضُهُ)

- ‌(بَابُ الْحَلِفِ بِالدُّخُولِ)

- ‌[بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ]

- ‌(بَابُ التَّدْبِيرِ)

- ‌(بَابُ الِاسْتِيلَادِ)

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَالسُّكْنَى وَالْإِتْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[ثَلَاثِ مَسَائِلَ فِي الْحُلْف]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالْكَلَامِ)

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ]

- ‌ شِرَاءُ أَبِيهِ لِلْكَفَّارَةِ

- ‌[اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ عَبْدًا ثُمَّ مَاتَ وَكَانَ قَدْ قَالَ آخَرُ عَبْدٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ]

- ‌(بَابُ الْيَمِينِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالتَّزْوِيجِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ

- ‌ قَالَ إنْ لَمْ أَبِعْ هَذَا الْعَبْدَ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَأَعْتَقَهُ

- ‌(قَوْلُهُ: عَلَى الْمَشْيِ إلَى بَيْتِ اللَّهِ أَوْ إلَى الْكَعْبَةِ

- ‌[قَالَتْ تَزَوَّجْت عَلَيَّ فَقَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ]

- ‌[قَوْلُهُ عَبْدُهُ حُرٌّ إنْ لَمْ يَحُجَّ الْعَامَ فَشَهِدَا بِنَحْرِهِ بِالْكُوفَةِ]

- ‌[بَابُ الْيَمِينِ فِي الضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ]

- ‌[قَالَ لَأَقْضِيَنَّ دَيْنَيْ الْيَوْمَ فَقَضَاهُ نَبَهْرَجَةً أَوْ زُيُوفًا أَوْ مُسْتَحَقَّةً]

- ‌[حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ فَزَوَّجَهُ فُضُولِيٌّ وَأَجَازَ بِالْقَوْلِ]

- ‌[حَلَفَ لَيَهَبَنَّ فُلَانًا فَوَهَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ]

الفصل: ‌[أسباب وجوب النفقة]

الْأَبُ بِوَلَدِهِ قَبْلَ الِاسْتِغْنَاءِ اهـ. وَعَلَّلَهُ فِي الشَّرْحِ بِأَنَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْأُمِّ بِإِبْطَالِ حَقِّهَا فِي الْحَضَانَةِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَضَانَتَهَا إذَا سَقَطَتْ جَازَ لَهُ السَّفَرُ بِهِ، وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ سُئِلَ إذَا أَخَذَ الْمُطَلِّقُ وَلَدَهُ مِنْ حَاضِنَتِهِ لِزَوَاجِهَا هَلْ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ حَقُّ أُمِّهِ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا قُلْنَا وَهِيَ حَادِثَةُ الْفَتْوَى فِي زَمَانِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ النَّفَقَةِ)

هِيَ فِي اللُّغَةِ مَا يُنْفِقُ الْإِنْسَانُ عَلَى عِيَالِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ} [التوبة: 54]، وَيُقَالُ أَنْفَقَ الرَّجُلُ مِنْ النَّفَقَةِ قَالَ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وَأَنْفَقَ الْقَوْمُ إذَا أَنْفَقَتْ سُوقُهُمْ وَأَنْفَقَ الرَّجُلُ إذَا ذَهَبَ مَالُهُ، وَيُقَالُ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ} [الإسراء: 100] أَيْ خَشْيَةَ الْفَقْرِ، وَيُقَالُ نَفَقَتْ السِّلْعَةُ نِفَاقًا نَقِيضُ كَسَدَتْ وَنَفَقَتْ الدَّابَّةُ نُفُوقًا إذَا مَاتَتْ كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحُلُومِ، وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ النَّفَقَةَ الْمُرَادَةَ هُنَا لَيْسَتْ مُشْتَقَّةً مِنْ النُّفُوقِ بِمَعْنَى الْهَلَاكِ وَلَا مِنْ النَّفَقِ وَلَا مِنْ النِّفَاقِ، بَلْ هِيَ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الَّذِي يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى عِيَالِهِ، وَأَمَّا فِي الشَّرِيعَةِ فَذَكَرَ فِي الْخُلَاصَةِ، قَالَ هِشَامٌ سَأَلْت مُحَمَّدًا عَنْ النَّفَقَةِ، قَالَ النَّفَقَةُ هِيَ الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى اهـ.

قَالُوا وَنَفَقَةُ الْغَيْرِ تَجِبُ عَلَى الْغَيْرِ بِأَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ بِ‌

‌الزَّوْجِيَّةِ

وَالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ فَبَدَأَ بِالْأَوَّلِ لِمُنَاسَبَةِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِدَّةِ.

(قَوْلُهُ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَالْكِسْوَةُ بِقَدْرِ حَالِهِمَا) أَيْ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ بِقَرِينَةِ عَطْفِ الْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى عَلَيْهَا وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] وقَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ فَكُلُّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِحَقٍّ مَقْصُودٍ لِغَيْرِهِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ أَصْلُهُ الْقَاضِي وَالْعَامِلُ فِي الصَّدَقَاتِ وَالْمُفْتِي وَالْوَالِي وَالْمُضَارِبُ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ، وَالْمُقَاتَلَةُ إذَا أَقَامُوا لِدَفْعِ عَدُوِّ الْمُسْلِمِينَ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الرَّهْنَ مَحْبُوسٌ لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ وَهُوَ الِاسْتِيفَاءُ؛ وَلِذَا كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ مَعَ أَنَّ نَفَقَتَهُ عَلَى الرَّاهِنِ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ مَحْبُوسٌ بِحَقِّ الرَّاهِنِ أَيْضًا وَهُوَ وَفَاءُ دَيْنِهِ عَنْهُ عِنْدَ الْهَلَاكِ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكًا لَهُ أَطْلَقَ فِي الزَّوْجَةِ فَشَمِلَ الْمُسْلِمَةَ وَالْكَافِرَةَ الْغَنِيَّةَ وَالْفَقِيرَةَ وَأَطْلَقَ فِي الزَّوْجِ فَشَمِلَ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَى أَبِيهِ لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَهْرِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ طَرِيقَ إيصَالِ النَّفَقَةِ إلَيْهَا وَهُوَ نَوْعَانِ: تَمْكِينٌ، وَتَمْلِيكٌ فَالتَّمْكِينُ مُتَعَيَّنٌ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ طَعَامٌ كَثِيرٌ وَهُوَ صَاحِبُ مَائِدَةٍ فَتَمْكِينُ الْمَرْأَةِ مِنْ تَنَاوُلِ مِقْدَارِ كِفَايَتِهَا، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِفَرْضِ النَّفَقَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنْ رَضِيَتْ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَإِنْ

ــ

[منحة الخالق]

فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقُّ الْحَضَانَةِ كَمَا يُفِيدُهُ كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ.

(قَوْلُهُ: وَفِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ) أَيْ: الْمَنْسُوبَةِ إلَى الشَّيْخِ سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ شَيْخِ الْكَمَالِ ابْنُ الْهُمَامِ وَهَذِهِ غَيْرُ الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ الَّتِي يُنْقَلُ عَنْهَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.

[بَابُ النَّفَقَةِ]

[أَسْبَابٍ وُجُوب النَّفَقَة]

[الزَّوْجِيَّةِ]

(بَابُ النَّفَقَةِ)

(قَوْلُهُ بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْمِلْكِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ حَيْثُ قَالَ: وَأَمَّا أَسْبَابُ وُجُوبِ هَذِهِ النَّفَقَةِ أَيْ نَفَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا بِسَبَبِ وُجُوبِهَا اسْتِحْقَاقَ الْحَبْسِ الثَّابِتِ بِالنِّكَاحِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السَّبَبُ الزَّوْجِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهَا زَوْجَةً لَهُ وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَى مُسْلِمٍ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ لِانْعِدَامِ سَبَبِ الْوُجُوبِ وَهُوَ حَقُّ الْحَبْسِ الثَّابِتِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحَبْسِ لَا يَثْبُتُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَكَذَا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ حَقِيقَةً، وَكَذَا فِي عِدَّةٍ مِنْهُ وَإِنْ ثَبَتَ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِسَبَبِ النِّكَاحِ لِانْعِدَامِ حَقِيقَتِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِتَحْصِينِ الْمَاءِ؛ وَلِأَنَّ حَالَ الْعِدَّةِ لَا يَكُونُ أَقْوَى مِنْ حَالِ النِّكَاحِ اهـ. مُلَخَّصًا وَسَيَأْتِي مِنْ الْمُؤَلِّفِ الْكَلَامُ عَلَى النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فِي آخِرِ هَذِهِ الْمَقُولَةِ.

(قَوْلُهُ: أَطْلَقَ فِي الزَّوْجَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا تُوطَأُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَاسْتَغْنَى عَنْ اسْتِثْنَائِهَا بِهِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ إلَخْ) قَالَ فِي الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ قَالَ قَاضِي خَانْ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ مَالًا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهَا وَيَسْتَدِينُ الْأَبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيْسَرَ أَقُولُ: هَذَا إذَا كَانَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرِ مَصْلَحَةٌ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي تَزْوِيجِ قَاصِرٍ وَمُرْضِعٍ بَالِغَةٍ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَطَاقَةَ الْوَطْءِ بِمَهْرٍ كَثِيرٍ وَلُزُومِ نَفَقَةٍ يُقَرِّرُهَا الْقَاضِي تَسْتَغْرِقُ مَالَهُ إنْ كَانَ أَوْ يَصِيرُ ذَا دَيْنٍ كَثِيرٍ، وَنَصُّ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْأَبُ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ مَجَانَةً أَوْ فِسْقًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا، صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَلِيِّ اهـ

ص: 188

خَاصَمَتْهُ فِي فَرْضِ النَّفَقَةِ يُفْرَضُ لَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ التَّمْلِيكُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَظَاهِرُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِصَاحِبِ الطَّعَامِ الْكَثِيرِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَحِينَئِذٍ هِيَ مُتَعَنِّتَةٌ فِي طَلَبِ الْفَرْضِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إلَّا إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَضْرِبُهَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ اهـ.

وَظَاهِرُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ النَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ تَصِيرُ مِلْكًا لِلْمَرْأَةِ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهَا فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ وَادِّخَارٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ سُرِقَتْ الْكِسْوَةُ أَوْ هَلَكَتْ النَّفَقَةُ لَا يُفْرَضُ لَهَا أُخْرَى بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ، وَلَوْ فَرَضَ لَهَا دَرَاهِمَ وَبَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ يُفْرَضُ بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَضَى الشَّهْرُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْعَشَرَةِ شَيْءٌ يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي عَشَرَةً أُخْرَى وَفَرَّقَ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ الْكِسْوَةِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي الْكِسْوَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا فِيهَا أَنَّهُمَا لَوْ اصْطَلَحَا بَعْدَ فَرْضِ النَّفَقَةِ عَلَى شَيْءٍ لَا يَصْلُحُ تَقْدِيرًا لِلنَّفَقَةِ كَانَ مُعَاوَضَةً كَالْعَبْدِ فَلَوْلَا أَنَّهَا مَلَكَتْ النَّفَقَةَ الْمَفْرُوضَةَ لَمَا كَانَ مُعَاوَضَةً، وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ لَهَا خُذِي هَذِهِ الدَّنَانِيرَ الْخَمْسَةَ لِنَفَقَتِكِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْوَقْتَ فَهُوَ تَمْلِيكٌ لَا إبَاحَةٌ اهـ.

فَيُفِيدُ أَنَّهَا تَمْلِكُ النَّفَقَةَ بِفَرْضِ الْقَاضِي أَوْ بِدَفْعِ شَيْءٍ بِالرِّضَا لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ إذَا فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ فَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي يَلِي الْإِنْفَاقَ إلَّا إذَا ظَهَرَ عِنْدَ الْقَاضِي مَطْلُهُ فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ النَّفَقَةَ وَيَأْمُرُهُ لِيُعْطِيَهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا نَظَرًا لَهَا فَإِنْ لَمْ يُعْطِ حَبَسَهُ وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ النَّفَقَةُ اهـ.

فَهِيَ وَإِنْ مَلَكَتْهَا بِالْفَرْضِ لَمْ تَتَصَرَّفْ فِيهَا بِالْإِنْفَاقِ وَتَفَرَّعَ عَلَى هَذَا مَا لَوْ قَرَّرَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ مَثَلًا قَدْرًا مُعَيَّنًا مِنْ النَّفَقَةِ فَأَمَرَتْهُ بِإِنْفَاقِ الْبَعْضِ وَأَرَادَتْ أَنْ تُمْسِكَ الْبَاقِيَ فَمُقْتَضَى التَّمْلِيكِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَفَقَةِ شَهْرٍ أَوْ يَوْمٍ، فَلَيْسَ فَائِدَةً أَنَّهُ يَلِي الْإِنْفَاقَ مَعَ فَرْضِ الْقَاضِي إلَّا لِكَوْنِهِ قَوَّامًا عَلَيْهَا لَا لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مَا فَضَلَ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَمَرَتْهُ امْرَأَتُهُ بِشِرَاءِ طَعَامٍ وَاشْتَرَى لَهَا فَأَكَلَتْ وَفَضَلَ شَيْءٌ وَاسْتَغْنَتْ عَنْهُ فِي يَوْمِهَا، فَلَيْسَ لَهُ أَكْلُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ إلَيْهَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى التَّمْلِيكِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهَا لَوْ أَسْرَفَتْ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ فَأَكَلَتْهَا قَبْلَ مُضِيِّهِ وَاحْتَاجَتْ لَا يَفْرِضُ لَهَا أُخْرَى كَمَا لَوْ هَلَكَتْ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَفْرُوضَةَ أَوْ الْمَدْفُوعَةَ إلَيْهَا مِلْكٌ لَهَا فَلَهَا الْإِطْعَامُ مِنْهَا وَالتَّصَدُّقُ وَفِي الْخَانِيَّةِ الْمَرْأَةُ إذَا فُرِضَتْ لَهَا النَّفَقَةُ فَأَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ مِنْ مَسْأَلَةِ النَّاسِ كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِالْمَفْرُوضِ عَلَى زَوْجِهَا اهـ.

وَفِي الْبَدَائِعِ وَإِذَا طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ قَبْلَ النُّقْلَةِ وَهِيَ بِحَيْثُ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ التَّسْلِيمِ لَوْ طَالَبَهَا بِالتَّسْلِيمِ أَوْ كَانَ امْتِنَاعُهَا لِحَقِّ فَرْضِ الْقَاضِي لَهَا إعَانَةً لَهَا عَلَى الْوُصُولِ إلَى حَقِّهَا الْوَاجِبِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَمَا حَوَّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فَزَعَمَتْ عَدَمَ الْإِنْفَاقِ أَوْ التَّضْيِيقَ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ بِالْفَرْضِ، وَلَكِنْ يَأْمُرُهُ بِالنَّفَقَةِ وَالتَّوْسِيعِ إلَى أَنْ يَظْهَرَ ظُلْمُهُ فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ عَلَيْهِ النَّفَقَةَ وَيَأْمُرُهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهَا لِتُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا، وَلَوْ طَلَبَتْ كَفِيلًا بِهَا خَوْفًا مِنْ غَيْبَتِهِ لَا يُجْبِرُهُ الْقَاضِي عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ أَخْذَ كَفِيلٍ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْفَرْضِ عَلَى الْقَاضِي وَجَوَازِهِ مِنْهُ شَرْطَانِ، أَحَدُهُمَا طَلَبُ الْمَرْأَةِ، وَالثَّانِي حَضْرَةُ الزَّوْجِ حَتَّى لَوْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَطَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ نَفَقَةٍ عَلَيْهِ لَمْ يَفْرِضْ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالزَّوْجِيَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ الْأَخِيرِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ مِنْ الْقَاضِي قَضَاءٌ، وَقَدْ صَحَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ.

، وَقَوْلُهُ عليه السلام لِامْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ إنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْفَتْوَى

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ إلَخْ) أَقُولُ: عِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ الْبُرْهَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَ يَعْنِي الزَّوْجَ حَاضِرًا أَوْ كَانَ صَاحِبَ مَائِدَةٍ فَالْقَاضِي لَا يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ وَإِنْ طَلَبَتْ؛ لِأَنَّهَا مُتَعَنِّتَةٌ فِي طَلَبِ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ يُنْفِقُ عَلَى مَنْ لَيْسَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَلَا يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي إلَّا إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا وَلَا يُنْفِقُ عَلَيْهَا فَحِينَئِذٍ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ صَاحِبَ مَائِدَةٍ فَالْقَاضِي يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ كُلَّ شَهْرٍ. اهـ.

وَهُوَ كَمَا تَرَى لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ادَّعَى وَاَلَّذِي يَدُلُّ كَلَامُهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي تَعَنُّتُهَا بِأَيِّ طَرِيقٍ مِنْ الطُّرُقِ لَا يَفْرِضُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ إنْفَاقُهُ عَلَى مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إنْفَاقُهُ شَرْطًا وَذَلِكَ لَا يَتَوَهَّمُهُ ذُو فَهْمٍ مَعَ قَوْلِهِ إلَّا إذَا ظَهَرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ يَضُرُّ بِهَا تَأَمَّلْ رَمْلِيٌّ.

(قَوْلُهُ: فَهِيَ وَإِنْ مَلَكَتْهَا بِالْفَرْضِ لَمْ تَتَصَرَّفْ) أَيْ لَيْسَ لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا بِالْإِنْفَاقِ وَإِنَّمَا الْإِنْفَاقُ لَهُ. (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ عليه السلام لِامْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ) لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْحَدِيثِ هُنَا وَذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ أَوَّلَ الْبَابِ وَهُوَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَالَ لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ: خُذِي مِنْ مَالِ أَبِي سُفْيَانَ مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْزِيًّا إلَى الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ لَا يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ

ص: 189

لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يُقَدِّرْ لَهَا مَا تَأْخُذُهُ وَفَرْضُ النَّفَقَةِ مِنْ الْقَاضِي تَقْدِيرُهَا فَإِذَا لَمْ تُقَدَّرْ لَمْ تَكُنْ فَرْضًا فَلَمْ تَكُنْ قَضَاءً وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِيمَا إذَا غَابَ وَلَهُ مَالٌ عِنْدَ مُودَعِهِ، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَقْدِيرًا لِلنَّفَقَةِ لِمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّفَقَةِ عِنْدَنَا تَقْدِيرٌ لَازِمٌ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ النَّفَقَةِ الْكِفَايَةُ وَذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ طِبَاعُ النَّاسِ وَأَحْوَالُهُمْ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ أَيْضًا فَفِي التَّقْدِيرِ بِمِقْدَارٍ إضْرَارٌ بِأَحَدِهِمَا وَاَلَّذِي قَالَ فِي الْكِتَابِ إنْ كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ فَهَذَا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ، بَلْ إنَّمَا قَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ لِمَا شَاهَدَ فِي زَمَانِهِ فَاَلَّذِي يَحِقُّ عَلَى الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَأَصْلُهُ حَدِيثُ هِنْدَ حَيْثُ اعْتَبَرَ الْكِفَايَةَ وَفِي الْبَدَائِعِ، وَإِذَا كَانَ وُجُوبُهَا عَلَى الْكِفَايَةِ فَيَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ مَا يَكْفِيهَا مِنْ الطَّعَامِ وَالْإِدَامِ وَالدُّهْنِ؛ لِأَنَّ الْخُبْزَ لَا يُؤْكَلُ عَادَةً إلَّا مَأْدُومًا، وَأَمَّا الدُّهْنُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِلنِّسَاءِ وَفِي الذَّخِيرَةِ قَالُوا وَاللَّحْمُ لَيْسَ مِنْ الْإِدَامِ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْيَمِينِ، فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُفْرِطَةَ الْيَسَارِ تَأْكُلُ الْحَلْوَاءَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالزَّوْجُ كَذَلِكَ يَفْرِضُ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْسَاطِ النَّاسِ فَعَلَى مَا يَأْتَدِمُونَ بِهِ فِي عَادَاتِهِمْ يَفْرِضُ عَلَى الزَّوْجِ اهـ.

وَفِي الْأَقْضِيَةِ يُفْرَضُ الْإِدَامُ أَيْضًا أَعْلَاهُ اللَّحْمُ وَأَدْنَاهُ الزَّيْتُ وَأَوْسَطُهُ اللَّبَنُ، وَقِيلَ فِي الْفَقِيرَةِ لَا يُفْرَضُ الْإِدَامُ إلَّا إذَا كَانَ خُبْزَ شَعِيرٍ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْحَقُّ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى عُرْفِهِمْ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى وَالنَّفَقَةُ هِيَ الْخُبْزُ وَاللَّحْمُ وَدُهْنُ الرَّأْسِ وَدُهْنُ السِّرَاجِ وَثَمَنُ الْمَاءِ، وَلَوْنٌ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَعَلَى الْمُعْسِرِ مِنْ الطَّعَامِ خُبْزُ الشَّعِيرِ إذَا كَانَ ذَلِكَ طَعَامَ فُقَرَائِهِمْ وَعَشَرَةُ أَسَاتِيرَ مِنْ اللَّحْمِ وَخَمْسَةُ أَسَاتِيرَ مِنْ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ وَلَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الْفَاكِهَةِ اهـ.

فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي إذَا أَرَادَ فَرْضَ النَّفَقَةِ أَنْ يَنْظُرَ فِي سِعْرِ الْبَلَدِ وَيَنْظُرَ مَا يَكْفِيهَا بِحَسَبِ عُرْفِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ وَيُقَوِّمُ الْأَصْنَافَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ يُقَدِّرُ بِالدِّرْهَمِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ إمَّا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الثَّانِيَ وَهُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اعْتِبَارُ حَالِهِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ وَبِهِ قَالَ جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَنَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ، وَقَالَ فِي التُّحْفَةِ وَالْبَدَائِعِ إنَّهُ الصَّحِيحُ نَظَرًا إلَى قَوْله تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] ، وَاسْتَدَلَّ فِي الْهِدَايَةِ لِاعْتِبَارِ حَالِهِمَا بِحَدِيثِ هِنْدَ فَإِنَّهُ اعْتَبَرَ حَالَهُمَا، وَأَمَّا النَّصُّ فَنَقُولُ بِمُوجِبِهِ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عَمِلَ بِالْآيَةِ وَالْحَدِيثِ

وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ نَفَقَةِ الْمُوسِرَيْنِ إذَا كَانَا مُوسِرَيْنِ وَعَلَى نَفَقَةِ الْمُعْسِرَيْنِ إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا فَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الِاعْتِبَارُ لِحَالِ الرَّجُلِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِينَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهَا مِمَّا يَأْكُلُ، لَكِنْ قَالَ مَشَايِخُنَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُؤَاكِلَهَا؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ مَعَهَا وَذَا فِي أَنْ يُؤَاكِلَهَا لِتَكُونَ نَفَقَتُهَا وَنَفَقَتُهُ سَوَاءً وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا تَزَوَّجَتْ مُعْسِرًا فَقَدْ رَضِيَتْ بِنَفَقَةِ الْمُعْسِرِينَ، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْوَسَطِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهِيَ فَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَةِ وَدُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَةِ فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُفْرِطًا فِي الْيَسَارِ يَأْكُلُ الْحَلْوَاءَ وَاللَّحْمَ الْمَشْوِيَّ وَالْبَاجَّاتِ، وَالْمَرْأَةُ فَقِيرَةٌ تَأْكُلُ فِي بَيْتِهَا خُبْزَ الشَّعِيرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُطْعِمَهَا مِمَّا يَأْكُلُ فِي بَيْتِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا مَا كَانَتْ تَأْكُلُ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا، وَلَكِنْ يُطْعِمُهَا الْوَسَطَ وَهُوَ خُبْزُ الْبُرِّ وَبَاجَّةً أَوْ بَاجَّتَيْنِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ وَأَوْجَبْنَا الْوَسَطَ فَقَدْ كَلَّفْنَاهُ بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَلَا يَجُوزُ وَهُوَ غَفْلَةٌ عَمَّا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ

ــ

[منحة الخالق]

إلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَقَالَ عليه السلام خُذِي مِنْ مَالِهِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ»

(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ مُوسِرَةٌ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ فَلَوْ اخْتَلَفَا فَادَّعَى الْإِعْسَارَ وَهِيَ

ص: 190

بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ إلَى الْمَيْسَرَةِ، فَلَيْسَ تَكْلِيفًا بِمَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ وَفِي الْمُجْتَبَى إنْ شَاءَ فَرَضَ لَهَا أَصْنَافًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَفَرَضَ لَهَا بِالْقِيمَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ فِي أَيِّ وَقْتٍ يَدْفَعُ لَهَا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي الْفَرْضِ الْأَصْلَحُ وَالْأَيْسَرُ فَفِي الْمُحْتَرِفِ يَوْمًا بِيَوْمٍ أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ نَفَقَةَ يَوْمٍ بِيَوْمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ نَفَقَةِ شَهْرٍ مَثَلًا دُفْعَةً، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا مُعَجَّلًا وَيُعْطِيَهَا كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ الْمَسَاءِ عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ الْمَسَاءَ لِتَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّرْفِ فِي حَاجَتِهَا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ تَاجِرًا يُفْرَضُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ شَهْرٍ بِشَهْرٍ أَوْ مِنْ الدَّهَاقِينَ فَنَفَقَةُ سَنَةٍ بِسَنَةٍ أَوْ مِنْ الصُّنَّاعِ الَّذِينَ لَا يَنْقَضِي عَمَلُهُمْ إلَّا بِانْقِضَاءِ الْأُسْبُوعِ كَذَلِكَ، كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ مَا إذَا رَضِيَ الزَّوْجُ وَإِلَّا لَوْ قَالَ التَّاجِرُ وَالدِّهْقَانُ أَوْ الصُّنَّاعُ أَنَا أَدْفَعُ نَفَقَةَ كُلِّ يَوْمٍ مُعَجَّلًا لَا يُجْبَرُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا اعْتَبَرَ مَا ذَكَرَ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ فَإِذَا كَانَ يَضُرُّهُ لَا يَفْعَلُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ كُلَّ مُدَّةٍ نَاسَبَتْ حَالَ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ يُعَجِّلُ نَفَقَتَهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ الْيَوْمَ وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ أَنَّهَا تُفْرَضُ عَلَيْهِ وَتُدْفَعُ لَهَا، ثُمَّ قَالَ لَوْ فُرِضَ لَهَا نَفَقَةٌ كُلَّ شَهْرٍ فَطَلَبَتْهَا كُلَّ يَوْمٍ كَانَ لَهَا أَنْ تَطْلُبَ عِنْدَ الْمَسَاءِ؛ لِأَنَّ حِصَّةَ كُلِّ يَوْمٍ مَعْلُومٌ فَيُمْكِنُهُمْ الْمُطَالَبَةُ وَلَا كَذَلِكَ مَا دُونَ الْيَوْمِ اهـ.

فَإِنْ قُلْتَ إذَا شَرَطَ عَلَيْهَا وَقْتَ الْعَقْدِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَمْوِينٌ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَالْكِسْوَةَ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَهَلْ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ طَلَبُ التَّقْدِيرِ فِيهِمَا؟ قُلْتُ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَالْقَوَاعِدُ تَقْتَضِي أَنَّ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ بِلَازِمٍ إذْ هُوَ شَرْطٌ فِيمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا

ــ

[منحة الخالق]

الْإِيسَارَ قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فِي بَابِ النَّفَقَةِ فَإِنْ قَالَ الرَّجُلُ أَنَا مُعْسِرٌ وَعَلَيَّ نَفَقَةُ الْمُعْسِرِينَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ.

(قَوْلُهُ: قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي الْفَرْضِ الْأَصْلَحُ وَالْأَيْسَرُ إلَخْ) أَقُولُ: الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْمُلْتَقَى وَغَيْرِهِمَا التَّقْدِيرُ بِشَهْرٍ بِلَا تَفْصِيلٍ وَذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِهِ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ إنَّ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ تُفْرَضُ لَهَا شَهْرًا فَشَهْرًا لَيْسَ بِتَقْدِيرٍ لَازِمٍ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَادَتِهِمْ وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ مَشَايِخِنَا قَالُوا يُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ حَالُ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَرِفًا إلَخْ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ عَلَى الدَّهَاقِينِ إنَّمَا يَتَيَسَّرُ عِنْدَ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَعَلَى التَّاجِرِ عِنْدَ اتِّخَاذِ غَلَّةِ الْحَوَانِيتِ وَغَيْرِهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ وَعَلَى الْمُحْتَرِفِ بِالِاكْتِسَابِ كُلَّ يَوْمٍ اهـ.

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ) هَذَا خِلَافُ ظَاهِرِ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّ الْمُتَيَسِّرَ عَلَى الدَّهَاقِينِ عِنْدَ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلَخْ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يُمْهَلُ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِ الْغَلَّةِ فِي آخِرِ السَّنَةِ، ثُمَّ يَدْفَعُ كُلَّ سَنَةٍ فِي آخِرِهَا كَمَا لَا يَخْفَى، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ التَّعْجِيلَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى الدَّهَاقِينِ، بَلْ الْأَخَفُّ عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ أَوْ كُلَّ أُسْبُوعٍ فَتَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ بِهِ فِي التَّجْنِيسِ فِي نَفَقَةِ الشَّهْرِ إلَخْ) أَقُولُ: الْمُدَّعِي كَوْنَ الْخِيَارِ لِلزَّوْجِ وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ كَلَامِ التَّجْنِيسِ مُفِيدٌ أَنَّ الْخِيَارَ لَهَا لَا لَهُ وَكَوْنُ الْخِيَارِ لَهَا يُنَافِي كَوْنَهُ لِلزَّوْجِ فَتَأَمَّلْ لَكِنَّ كَلَامَ التَّجْنِيسِ لَا يُنَافِي مَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَوْ اخْتَارَ نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ بِشَهْرِهِ لَا أَكْثَرَ فَالْخِيَارُ لَهُ حَيْثُ كَانَ فِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَيْهِ فَإِذَا رَضِيَتْ مِنْهُ بِأَخْذِ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ فَلَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَيْهِ مِنْ الشَّهْرِ تَأَمَّلْ

(قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْت إذَا شَرَطَ عَلَيْهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَمْوِينٌ كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ لَازِمٍ، وَلَوْ حَكَمَ بِمُوجِبِ الْعَقْدِ حَاكِمٌ يَرَى ذَلِكَ عَرَفَ ذَلِكَ مَنْ مَارَسَ كُتُبَهُمْ بَقِيَ أَنَّهُ لَوْ حَكَمَ الْحَنَفِيُّ بِفَرْضِهَا دَرَاهِمَ وَاسْتَوْفَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ هَلْ لِلشَّافِعِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِالتَّمْوِينِ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فِي مُوجِبَاتِ الْأَحْكَامِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ صُورَةَ سِجِلِّ النَّفَقَةِ قُلْت هَذَا دَلِيلٌ لِمَا أَقُولُ: مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ وَالْقَرَابَةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِهَا بِشَرْطِهَا وَإِنْ كَانَ يَوْمٌ سَبَبًا لِنَفَقَتِهِ أَيْضًا وَأَنَّ الْقَضَاءَ يَعْتَمِدُ السَّبَبَ الْأَوَّلَ وَتَبَدَّلَ الْحَالُ وَالسِّعْرُ وَنَحْوُ ذَلِكَ يَعْتَمِدُ السَّبَبَ الثَّانِيَ اهـ.

وَعَلَى هَذَا لَوْ حَكَمَ الشَّافِعِيُّ بِالتَّمْوِينِ لَيْسَ لِلْحَنَفِيِّ أَنْ يَحْكُمَ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا مِنْ الْحَوَادِثِ الْمُهِمَّةِ فَلْيُحْفَظْ وَفِي الْبَحْرِ مِنْ الْقَضَاءِ فَإِنْ قُلْت هَلْ تَقْدِيرُ الْقَاضِي النَّفَقَةَ حُكْمٌ مِنْهُ قُلْت هُوَ حُكْمٌ وَطَلَبُ التَّقْدِيرِ بِشَرْطِهِ دَعْوَى فَقَدْ وُجِدَ بَعْدَ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي نَفَقَاتِ خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ النَّفَقَةَ يَقُولُ فَرَضْتُ عَلَيْكَ نَفَقَةَ امْرَأَتِكَ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَقُولُ فَرَضْتُ عَلَيْكَ النَّفَقَةَ مُدَّةَ كَذَا يَصِحُّ وَتَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ أَبْرَأَتْ بَعْدَ الْفَرْضِ صَحَّ فَإِنْ قُلْت إذَا فَرَضَ لَهَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ كُلَّ شَهْرٍ هَلْ يَكُونُ قَضَاءً بِالْجَمِيعِ مَا دَامَتْ فِي الْعِصْمَةِ قُلْتُ نَعَمْ مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ بِدَلِيلِ مَا فِي الْخِزَانَةِ فَرَضَ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةً فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَتِهَا بَرِئَ مِنْ نَفَقَةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَبْرَأَتْهُ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَمَا يَسْتَقْبِلُ بَرِئَ مِمَّا مَضَى وَمِنْ شَهْرٍ مِمَّا يَسْتَقْبِلُ وَتَمَامُهُ فِيهَا اهـ. قُلْتُ سَيَأْتِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا.

ص: 191

بَعْدُ وَلِهَذَا قَالُوا الْإِبْرَاءُ عَنْ النَّفَقَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا إذَا وَجَبَتْ بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا وَمَضَتْ مُدَّةٌ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ أَنْتَ بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي مَا دُمْتُ امْرَأَتَكَ فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي النَّفَقَةَ فَالْإِبْرَاءُ بَاطِلٌ وَإِنْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ مِنْ نَفَقَةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا سِوَاهَا اهـ.

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي مِثْلِ هَذَا يَقَعُ عَلَى الشَّهْرِ الْأَوَّلِ دُونَ مَا عَدَاهُ فَإِنْ قُلْتَ إذَا حَكَمَ مَالِكِيٌّ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ وَفِي شُرُوطِهِ وَكَتَبَ وَحَكَمَ بِمُوجَبِهِ كَمَا يُفْعَلُ الْآنَ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ شَكَتْ الْمَرْأَةُ وَطَلَبَتْ التَّقْرِيرَ عِنْدَ قَاضٍ حَنَفِيٍّ فَهَلْ لَهُ تَقْرِيرُهَا قُلْتُ لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا أَيْضًا وَمَا نَقَلُوهُ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَالْبَزَّازِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَرْفَعُ الْخِلَافَ إلَّا إذَا كَانَ بَعْدَ دَعْوَى صَحِيحَةٍ فِي حَادِثَةٍ مِنْ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ وَمَا نَقَلَ الْكُلُّ مِنْ أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الْحُكْمِ تَقَدُّمُ الدَّعْوَى وَالْحَادِثَةِ يَقْتَضِي أَنَّ لِلْحَنَفِيِّ ذَلِكَ، وَقَدْ كَثُرَ وُقُوعُهَا فِي زَمَانِنَا خُصُوصًا أَنَّ النَّفَقَةَ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَمَا يَتَجَدَّدُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ حُكْمٌ، وَفِي الْقُنْيَةِ قَوْلُ الْقَاضِي اسْتَدِينِي عَلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا فَرْضٌ مِنْهُ كَحَبْسِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَاءً بِهِ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْطِ الزَّوْجُ لَهَا نَفَقَةً وَلَا كِسْوَةً فَلَهَا أَنْ تُنْفِقَ مِنْ طَعَامِهِ وَتَتَّخِذَ ثَوْبًا مِنْ كِرْبَاسِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْقُنْيَةِ وَمِنْ النَّفَقَةِ الَّتِي عَلَى الزَّوْجِ الْحَطَبُ وَالصَّابُونُ وَالْأُشْنَانُ وَالدُّهْنُ لِلِاسْتِصْبَاحِ وَغَيْرِهِ وَثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْجِمَاعِ وَفِي كِتَابِ رَزِينٍ جَعَلَهُ عَلَيْهَا وَفَصَلَ فِي مَاءِ الطُّهْرِ مِنْ الْحَيْضِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَيْضُهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَعَلَيْهَا أَوْ أَقَلَّ فَعَلَيْهِ، وَأُجْرَةُ الْقَابِلَةِ عَلَى مَنْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ فَإِنْ جَاءَتْ بِغَيْرِ اسْتِئْجَارٍ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْجِمَاعِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ عَلَيْهَا كَأُجْرَةِ الطَّبِيبِ، وَأَمَّا ثَمَنُ مَاءِ الْوُضُوءِ فَعَلَيْهَا فَإِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً تَسْتَأْجِرُ مَنْ يَنْقُلُهُ وَلَا تَنْقُلُهُ بِنَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ فَقِيرَةً فَإِمَّا أَنْ يَنْقُلَهُ الزَّوْجُ لَهَا أَوْ يَدَعَهَا تَنْقُلُهُ بِنَفْسِهَا، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ أُجْرَةَ الْحَمَّامِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنُ مَاءِ الِاغْتِسَالِ لَكِنْ لَهُ مَنْعُهَا مِنْ الْحَمَّامِ حَيْثُ لَمْ تَكُنْ نُفَسَاءَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَسَوَّى فِي الظَّهِيرِيَّةِ بَيْنَ ثَمَنِ مَاءِ الِاغْتِسَالِ وَمَاءِ الْوُضُوءِ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ مَاءُ وُضُوئِهَا عَلَيْهِ غَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ فَقِيرَةً؛ لِأَنَّهَا لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ فَصَارَ كَالشُّرْبِ اهـ.

فَظَهَرَ ضَعْفُ مَا فِي الْخُلَاصَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ طَلَبَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ وَكَانَ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا دَيْنٌ فَقَالَ اُحْسُبُوا لَهَا نَفَقَتَهَا مِنْهُ كَانَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَتَقَعُ الْمُقَاصَّةُ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ إلَّا أَنَّ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ تَقَاصَّا أَوْ لَمْ يَتَقَاصَّا وَهُنَا يَحْتَاجُ إلَى رِضَا الزَّوْجِ لِوُقُوعِ الْمُقَاصَّةِ؛ لِأَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ أَنْقَصُ مِنْ سَائِرِ الدُّيُونِ لِسُقُوطِهِ بِالْمَوْتِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ فَكَانَ دَيْنُ الزَّوْجِ أَقْوَى فَيُشْتَرَطُ رِضَاهُ بِالْمُقَاصَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ جَيِّدًا وَالْآخَرُ رَدِيئًا اهـ.

وَفِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ لَوْ كَفَلَ رَجُلٌ لَهَا بِالنَّفَقَةِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَزِمَ شَهْرٌ وَاحِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ: كَفَلْتُ لَكِ بِنَفَقَتِكِ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا أَبَدًا أَوْ مَا دُمْتُمَا زَوْجَيْنِ فَإِنَّهُ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ مَا دَامَا زَوْجَيْنِ، وَأَمَّا الْكِسْوَةُ فَقَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ قَدَّرَ مُحَمَّدٌ الْكِسْوَةَ بِدِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ وَمِلْحَفَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الْمِلْحَفَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُلَاءَةُ الَّتِي تَلْبَسُهَا الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْخُرُوجِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ غِطَاءُ اللَّيْلِ تَلْبَسُهُ فِي اللَّيْلِ وَذَكَرَ دِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ أَرَادَ بِهِمَا صَيْفِيًّا وَشَتْوِيًّا وَلَمْ يَذْكُرْ السَّرَاوِيلَ فِي الصَّيْفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشِّتَاءِ، وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ أَمَّا فِي عُرْفِنَا فَتَجِبُ السَّرَاوِيلُ وَثِيَابٌ أُخَرُ كَالْجُبَّةِ وَالْفِرَاشِ الَّتِي تَنَامُ عَلَيْهِ وَاللِّحَافِ وَمَا تَدْفَعُ بِهِ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ دِرْعُ خَزٍّ وَجُبَّةِ قَزٍّ وَخِمَارِ إبْرَيْسَمَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُفَّ وَالْمُكَعَّبَ فِي النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخُرُوجِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ تَهْيِئَةُ أَسْبَابِ الْخُرُوجِ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمَاكِنِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ وَفِي نَفَقَاتِ الْخَصَّافِ لَوْ كَفَلَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ سَيَأْتِي بَحْثُ الْكَفَالَةِ بِالنَّفَقَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا.

(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُفَّ وَالْمُكَعَّبَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ وَعَلَيْهِ خُفٌّ لِجَارِيَتِهَا أَوْ الْمُكَعَّبُ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَهُنَا مَسْأَلَةٌ عَجِيبَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ خُفُّهَا وَيَجِبُ خُفُّ أَمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْ الْخُرُوجِ لَا أَمَتُهَا اهـ.

وَمِثْلُهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَسَيُصَرِّحُ هَذَا الشَّارِحُ بِهَا فِي قَوْلِهِ وَلِخَادِمِ اهـ. مُلَخَّصًا. وَذَكَرَ فِي النَّهْرِ أَنَّ التَّعْلِيلَ الْمَذْكُورَ يُعَيِّنُ كَوْنَ الْمُرَادِ بِالْمِلْحَفَةِ غِطَاءَ اللَّيْلِ

ص: 192

وَالْعَادَاتِ فَيَجِبُ عَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ بِالْمَعْرُوفِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ فَإِنْ شَاءَ الْقَاضِي فَرَضَهَا أَصْنَافًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَقَضَى بِالْقِيمَةِ، وَفِي الْخُلَاصَةِ وَتُفْرَضُ الْكِسْوَةُ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا إذَا تَزَوَّجَ وَبَنَى بِهَا وَلَمْ يَبْعَثْ إلَيْهَا الْكِسْوَةَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِالْكِسْوَةِ قَبْلَ مُضِيِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْكِسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ فِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ وَلِلزَّوْجِ أَنْ يَرْفَعَهَا إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَأْمُرَهَا بِلُبْسِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الزِّينَةَ حَقُّهُ اهـ.

وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ أَمْسَكَتْ النَّفَقَةَ وَأَكَلَتْ قَلِيلًا وَقَتَّرَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا إلَى الْقَاضِي لِتَأْكُلَ بِمَا فُرِضَ لَهَا خَوْفًا عَلَيْهَا مِنْ الْهُزَالِ فَإِنَّهُ يَضُرُّهُ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْخَصَّافِ وَيَجْعَلُ لَهَا أَنْ تَنَامَ عَلَيْهِ مِثْلَ الْفِرَاشِ وَمُضَرَّبَةً وَمُرَقَّعَةً فِي الشِّتَاءِ وَلِحَافًا تَتَغَطَّى بِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِ النَّفَقَاتِ ذَكَرَ لَهَا فِرَاشًا عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يَكْتَفِ بِفِرَاشٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهَا رُبَّمَا تَعْتَزِلُ عَنْهُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ فِي زَمَانِ مَرَضِهَا اهـ.

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ الدِّرْعَ مِنْ الْكِسْوَةِ وَالْخَصَّافُ ذَكَرَ الْقَمِيصَ وَهُمَا سَوَاءٌ إلَّا أَنَّ الْقَمِيصَ يَكُونُ مُجَيَّبًا مِنْ قِبَلِ الْكَتِفِ وَالدِّرْعُ مِنْ قِبَلِ الصَّدْرِ، وَفِي الْبَدَائِعِ الْكِسْوَةُ عَلَى الِاخْتِلَافِ كَالنَّفَقَةِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ فَقَطْ أَوْ حَالِهِمَا عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي الْكِسْوَةَ فَهَلَكَتْ أَوْ سُرِقَتْ مِنْهَا أَوْ خَرَقَتْهَا قَبْلَ الْوَقْتِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْسُوَهَا حَتَّى يَمْضِيَ الْوَقْتُ الَّذِي لَا تَبْقَى إلَيْهِ الْكِسْوَةُ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْقَاضِيَ مَتَى ظَهَرَ لَهُ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيرِ يَرُدُّهُ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ ذَلِكَ لَا يَرُدُّهُ فَإِنْ تَخَرَّقَتْ الْكِسْوَةُ بِالِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ يَنْظُرُ فَإِنْ تَخَرَّقَتْ بِخَرْقِ اسْتِعْمَالِهَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيرِ فَلَا يَقْضِي بِكِسْوَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَمْضِي ذَلِكَ الْوَقْتُ وَإِنْ تَخَرَّقَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمُعْتَادِ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ فِي التَّقْدِيرِ فَيَقْضِي بِكِسْوَةٍ أُخْرَى، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي النَّفَقَةِ إذَا ضَاعَتْ أَوْ سُرِقَتْ أَوْ أُكِلَتْ أَوْ أَسْرَفَتْ أَوْ لَمْ تُسْرِفْ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مُضِيِّ الْوَقْتِ فَهُوَ كَمَا قُلْنَا فِي الْكِسْوَةِ.

وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَالْكِسْوَةُ بَاقِيَةٌ فَإِنْ لَمْ تَسْتَعْمِلْ تِلْكَ الْكِسْوَةَ أَصْلًا حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ يَفْرِضُ الْقَاضِي لَهَا كِسْوَةً أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ خَطَأُ الْقَاضِي فِي التَّقْدِيرِ وَإِنْ اسْتَعْمَلَتْ تِلْكَ الْكِسْوَةَ فَإِنْ اسْتَعْمَلَتْ مَعَهَا كِسْوَةً أُخْرَى فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي كِسْوَةً أُخْرَى فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَعْمِلْ مَعَ هَذِهِ الْكِسْوَةِ كِسْوَةً أُخْرَى لَا يَفْرِضُ لَهَا أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ خَطَؤُهُ فِي التَّقْدِيرِ حَيْثُ وَقَّتَ وَقْتًا تَبْقَى الْكِسْوَةُ وَرَاءَ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي عَشَرَةَ دَرَاهِمَ نَفَقَةَ شَهْرٍ فَمَضَى الشَّهْرُ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْعَشَرَةِ شَيْءٌ حَيْثُ يَفْرِضُ لَهَا الْقَاضِي فِي النَّفَقَةِ عَشَرَةً أُخْرَى، وَالْفَرْقُ أَنَّ فِي بَابِ النَّفَقَةِ لَمْ يَظْهَرْ خَطَأُ الْقَاضِي فِي التَّقْدِيرِ بِيَقِينٍ لِجَوَازِ أَنَّهُ إنَّمَا بَقِيَ مِنْ الْعَشَرَةِ شَيْءٌ لِتَقْتِيرٍ وُجِدَ مِنْهَا فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهَا فَبَقِيَ التَّقْدِيرُ مُعْتَبَرًا فَيَقْضِي الْقَاضِي لَهَا بِعَشَرَةٍ أُخْرَى أَمَّا فِي بَابِ الْكِسْوَةِ إذَا لُبِسَتْ جَمِيعَ الْمُدَّةِ وَلَمْ تَتَخَرَّقْ فَقَدْ ظَهَرَ خَطَأُ الْقَاضِي فِي التَّقْدِيرِ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا التَّقْتِيرُ فِي اللُّبْسِ فَرْقٌ بَيْنَ نَفَقَةِ الزَّوْجَاتِ وَكِسْوَتِهِنَّ وَبَيْنَ نَفَقَةِ الْمَحَارِمِ وَكِسْوَتِهِمْ فَإِنَّ فِي الْأَقَارِبِ إذَا مَضَى الْوَقْتُ وَبَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْكِسْوَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْضِي بِأُخْرَى فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهَا بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فِي حَقِّهِمْ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ مُعَاوَضَةٌ عَنْ الِاحْتِبَاسِ وَلِهَذَا إذَا ضَاعَتْ النَّفَقَةُ أَوْ الْكِسْوَةُ مِنْ أَيْدِيهِمْ يَفْرِضُ لَهُمْ أُخْرَى لِمَا ذَكَرْنَا اهـ.

وَقَدْ اُسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْمَنْقُولَاتِ أَشْيَاءُ مِنْهَا أَنَّ جَمِيعَ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَرْأَةُ مِنْ لِبَاسِ بَدَنِهَا وَفُرُشِ بَيْتِهَا مِمَّا تَنَامُ عَلَيْهِ وَتَتَغَطَّى بِهِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ عَلَى الرَّجُلِ إمَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَإِمَّا أَنْ يَفْرِضَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ أَصْنَافًا أَوْ دَرَاهِمَ كُلَّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيُعَجِّلَهَا لَهَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَلِيَ الزَّوْجُ شِرَاءَ الْأَمْتِعَةِ لَهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْإِنْفَاقِ إلَّا إذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ أَوْ خِيَانَتُهُ فِي الشِّرَاءِ لَهَا فَحِينَئِذٍ هِيَ الَّتِي تَلِي ذَلِكَ بِنَفْسِهَا أَوْ بِوَكِيلِهَا وَمِنْهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَ لَهَا أَمْتِعَةٌ مِنْ فُرُشٍ وَنَحْوِهَا لَا يَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ

ــ

[منحة الخالق]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 193

ذَلِكَ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا أَمْتِعَةٌ فَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَلْبَسَ مَتَاعَهَا وَلَا أَنْ تَنَامَ عَلَى فِرَاشِهَا فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهَا أَنْ تَفْرِشَ مَتَاعَهَا لِيَنَامَ عَلَيْهِ أَوْ يَجْلِسَ عَلَيْهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ إذَا دَفَعَ لَهَا نَفَقَتَهَا وَأَنْفَقَتْ مِنْهَا قَلِيلًا وَأَمْسَكَتْ الْبَاقِيَ فَإِنَّ لَهَا ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَمِنْهَا أَنَّ أَدَوَاتِ الْبَيْتِ كَالْأَوَانِي وَنَحْوِهَا عَلَى الرَّجُلِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَ عَلَيْهَا إلَّا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا فِي بَيْتِهِ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ مَا يَكْفِيهَا بِحَسَبِ حَالِهِمَا مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلُبْسٍ وَفُرُشٍ وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَسْتَمْتِعَ بِمَا هُوَ مِلْكُهَا وَلَا أَنْ تَفْرِشَ لَهُ شَيْئًا مِنْ فِرَاشِهَا وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ تَنْبِيهًا لِلْأَزْوَاجِ لِمَا نَرَاهُ فِي زَمَانِنَا مِنْ تَقْصِيرِهِمْ فِي حُقُوقِهِنَّ حَتَّى أَنَّهُ يَأْمُرَهَا بِفَرْشِ أَمْتِعَتِهَا جَبْرًا عَلَيْهَا، وَكَذَلِكَ لِأَضْيَافِهِ وَبَعْضُهُمْ لَا يُعْطِي لَهَا كِسْوَةً حَتَّى كَانَتْ عِنْدَ الدُّخُولِ غَنِيَّةً صَارَتْ فَقِيرَةً، وَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ لَا يَجُوزُ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا

وَأَرَادَ بِالزَّوْجَةِ فِي قَوْلِهِ تَجِبُ لِلزَّوْجَةِ الزَّوْجَةَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ لَا قَبْلَ التَّفْرِيقِ وَلَا بَعْدَهُ وَلَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ ظَاهِرًا إلَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ: لَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَخَذَتْ نَفَقَتَهَا مِنْ زَوْجِهَا أَشْهُرًا، ثُمَّ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا الزَّوْجُ بِمَا أَخَذَتْ وَذَكَرَ قَبْلَهُ أُخْتَانِ ادَّعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَنَّ هَذَا زَوْجُهَا وَهُوَ يَجْحَدُ فَأَقَامَتَا الْبَيِّنَةَ عَلَى النِّكَاحِ وَالدُّخُولِ فَلَهُمَا نَفَقَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ

(قَوْلُهُ: وَلَوْ مَانِعَةً نَفْسَهَا لِلْمَهْرِ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَانِعَةً نَفْسَهَا بِحَقٍّ كَالْمَنْعِ لِقَبْضِ مَهْرِهَا وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْمُعَجَّلُ إمَّا نَصًّا أَوْ عُرْفًا كَمَا أَسْلَفْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ بِحَقٍّ فَكَانَ فَوْتُ الِاحْتِبَاسِ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهِ فَيُجْعَلُ كَلَا فَائِتٍ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ الْمَنْعَ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ، وَقَالَا لَا نَفَقَةَ لَهَا إلَّا إذَا كَانَتْ دُونَ الْبُلُوغِ لِعَدَمِ صِحَّةِ تَسْلِيمِ الْأَبِ، وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ قَيَّدْنَا الْمَهْرَ بِالْمُعَجَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّهُ مُؤَجَّلًا فَامْتَنَعَتْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهُ نُشُوزٌ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّ لَهَا الْمَنْعَ فَعَلَى هَذَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهَا؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا إلَى الزَّوْجِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ وَنَعْنِي بِالتَّسْلِيمِ التَّخْلِيَةَ وَهِيَ أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنَ نَفْسِهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا بِرَفْعِ الْمَانِعِ مِنْ وَطْئِهَا أَوْ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا إذَا كَانَ الْمَانِعُ مِنْ قِبَلِهَا أَوْ مِنْ قِبَلِ غَيْرِ الزَّوْجِ فَلَوْ تَزَوَّجَ بَالِغَةً حُرَّةً صَحِيحَةً سَلِيمَةً وَنَقَلَهَا إلَى بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ كَذَلِكَ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا وَهِيَ بِحَيْثُ لَا تَمْنَعُ نَفْسَهَا وَطَلَبَتْ هِيَ النَّفَقَةَ وَلَمْ يُطَالِبْهَا هُوَ بِالنُّقْلَةِ فَلَهَا النَّفَقَةُ فَإِنْ طَالَبَهَا بِالنُّقْلَةِ وَامْتَنَعَتْ فَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهَا بِحَقٍّ بِأَنْ امْتَنَعَتْ لِاسْتِيفَاءِ مَهْرِهَا الْمُعَجَّلِ فَلَهَا النَّفَقَةُ، وَكَذَا لَوْ طَالَبَهَا بِالنُّقْلَةِ بَعْدَمَا أَوْفَاهَا الْمَهْرَ إلَى دَارٍ مَغْصُوبَةٍ فَامْتَنَعَتْ فَلَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ بِحَقٍّ، وَلَوْ كَانَتْ سَاكِنَةً فِي مَنْزِلِهَا فَمَنَعَتْهُ مِنْ الدُّخُولِ عَلَيْهَا لَا عَلَى سَبِيلِ النُّشُوزِ، بَلْ قَالَتْ لَهُ حَوِّلْنِي إلَى مَنْزِلِكَ أَوْ اكْتَرِ لِي مَنْزِلًا أَنْزِلُهُ فَإِنِّي مُحْتَاجَةٌ إلَى مَنْزِلِي هَذَا آخُذُ كَرَاهُ فَلَهَا النَّفَقَةُ.

كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخٍ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إذَا لَمْ تُزَفَّ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ وَهُوَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ إذَا لَمْ يُطَالِبْهَا بِالنُّقْلَةِ.

(قَوْلُهُ لَا نَاشِزَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الزَّوْجَةِ أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلنَّاشِزَةِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ الْعِصَابَةُ عَلَى الزَّوْجِ الْمُبْغِضَةُ لَهُ، يُقَالُ نَشَزَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا فَهِيَ نَاشِزَةٌ، وَعَنْ الزَّجَّاجِ النُّشُوزُ يَكُونُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَهِيَ كَرَاهَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَهَا أَنْ تَفْرِشَ مَتَاعَهَا إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنْ قَدَّمْنَا عَنْهُ فِي بَابِ الْمَهْرِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُبْتَغَى أَنَّهَا لَوْ زُفَّتْ إلَيْهِ بِلَا جِهَازٍ يَلِيقُ بِهِ فَلَهُ مُطَالَبَةُ الْأَبِ بِمَا دَفَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ إلَّا إذَا سَكَتَ اهـ.

وَعَلَى هَذَا فَإِذَا زُفَّتْ إلَيْهِ بِهِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَفِي عُرْفِنَا يَلْتَزِمُونَ كَثْرَةَ الْمَهْرِ لِكَثْرَةِ الْجِهَازِ وَقِلَّتَهُ لِقِلَّتِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَعْرُوفَ كَالْمَشْرُوطِ فَيَنْبَغِي الْعَمَلُ بِمَا مَرَّ. اهـ.

وَقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ قَالَ الْحَمَوِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْمُبْتَغَى ضَعِيفٌ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ هُوَ فِي بَابِ الْمَهْرِ وَالْعُرْفُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ إذَا كَانَ عَامًّا فَالْحَقُّ مَا فِي الْبَحْرِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَأَرَادَ بِالزَّوْجَةِ إلَخْ) فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ وَلَا نَفَقَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا فِي الْعِدَّةِ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ وَأَخَذَتْ ذَلِكَ شَهْرًا، ثُمَّ ظَهَرَ فَسَادُ النِّكَاحِ بِأَنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِمَا أَخَذَتْ، وَأَمَّا إذَا أَنْفَقَ بِلَا فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ كَذَا ذَكَرَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ فِي شَرْحِ أَدَبِ الْقَاضِي كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ فِي النِّكَاحِ بِغَيْرِ شُهُودٍ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ اهـ.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ أَنَّ الصَّوَابَ لَا تَسْتَحِقُّ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ النِّكَاحَ بِلَا شُهُودٍ فَاسِدٌ وَالنَّفَقَةُ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِالِاحْتِبَاسِ وَلَا احْتِبَاسَ فِي الْفَاسِدِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ هَذَا الْبَابِ عَنْ الْبَدَائِعِ.

(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ شَرْطَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ إلَخْ) أَمَّا إذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا إلَيْهِ وَقْتَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ.

ص: 194

صَاحِبَهُ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَفِي الشَّرْعِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ الْخَصَّافُ الْخَارِجَةُ عَنْ مَنْزِلِ زَوْجِهَا الْمَانِعَةُ نَفْسَهَا مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالْخُرُوجِ كَوْنُهَا فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لِيَشْمَلَ مَا إذَا امْتَنَعَتْ عَنْ الْمَجِيءِ إلَى مَنْزِلِهِ ابْتِدَاءً بِغَيْرِ إيفَاءِ مُعَجَّلِ مَهْرِهَا وَمَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ مَنْزِلِهِ بَعْدَ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ وَأَطْلَقَ الْخُرُوجَ فَشَمِلَ الْحَقِيقِيَّ وَالْحُكْمِيَّ وَهُوَ عَدَمُ تَمْكِينِهَا لَهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي مَنْزِلِهَا الَّذِي يَسْكُنَانِ فِيهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُ النُّقْلَةَ؛ لِأَنَّهَا كَالْخَارِجَةِ، وَعَلَّلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّهَا صَارَتْ كَأَنَّهَا نَشَزَتْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَلَّ أَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ مَنْزِلِهِ حُكْمًا بِخِلَافِ مَا إذَا مَنَعَتْهُ بَعْدَ مَا سَأَلَتْهُ النُّقْلَةَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَخَرَجَ مَا إذَا خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ الْغَصْبِ أَوْ امْتَنَعَتْ مِنْ الِانْتِقَالِ إلَيْهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ نَاشِزَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنْزِلًا لَهُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ شُبْهَةٌ كَبَيْتِ السُّلْطَانِ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ وَتَصِيرَ نَاشِزَةً كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ الشُّبْهَةِ فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي التَّجْنِيسِ.

وَقَيَّدَ بِالْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُقِيمَةً مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ الْوَطْءِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ نَاشِزَةً؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الزَّوْجَ يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّ الْبِكْرَ لَا تُوطَأُ إلَّا كُرْهًا، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْعِهَا نَفْسَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلِذَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ الزَّوْجُ بِسَمَرْقَنْدَ وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ بِنَسْفِ فَبَعَثَ إلَيْهَا أَجْنَبِيًّا لِيَحْمِلَهَا إلَى سَمَرْقَنْدَ وَلَمْ تَذْهَبْ مَعَهُ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَشَمِلَ الْخُرُوجُ الْحُكْمِيُّ مَا إذَا طَلَبَ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا مِنْ بَلَدِهَا وَامْتَنَعَتْ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ لَهُ السَّفَرَ بِهَا، وَأَمَّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ نَاشِزَةً كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ هُنَا وَأَطْلَقَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ لِلنَّاشِزَةِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً فَإِنَّ النُّشُوزَ يُسْقِطُهَا أَيْضًا إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ فَإِنَّ الْمُسْتَدَانَةَ لَا يُسْقِطُهَا النُّشُوزُ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ كَالْمَوْتِ لَا يُسْقِطُهَا أَيْضًا كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي حِفْظُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا تَرَكَتْ النُّشُوزَ وَهُوَ بِعَوْدِهَا إلَى مَنْزِلِهِ لِظُهُورِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَعُودُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ زَوَالِ الْمَانِعِ وَفِي الْخُلَاصَةِ النَّاشِزَةُ إذَا عَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ بَعْدَمَا سَافَرَ زَوْجُهَا أَجَابُوا أَنَّهَا خَرَجَتْ عَلَى أَنْ تَكُونَ نَاشِزَةً اهـ.

وَشَمِلَ تَعْرِيفُ النَّاشِزَةِ الْمُنْكِرَةَ لِلنِّكَاحِ فَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهَا النِّكَاحَ فَجَحَدَتْ، ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا زَادَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُنْكِرُ، ثُمَّ قَالَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مُكَذِّبَةً شَرْعًا، وَكَذَا الزَّوْجُ وَإِلَّا فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ وَفَتْحِ بَابِ الْفَسَادِ خُصُوصًا عِنْدَ اضْطِرَارِهَا لِلنَّفَقَةِ مَعَ حَبْسِهَا اهـ.

وَلَا يَخْفَى أَنَّهُمْ إنَّمَا نَفَوْا وُجُوبَ النَّفَقَةِ مَا دَامَتْ جَاحِدَةً أَمَّا إذَا عَادَتْ إلَى التَّصْدِيقِ وَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُنْكِرُ فَإِنَّمَا نَفَوْا وُجُوبَ النَّفَقَةِ عَنْهُ فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ لَا مُطْلَقًا كَمَا سَنُبَيِّنُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ وَخَرَجَ عَنْهُ مَا إذَا أَجَّرَتْ نَفْسَهَا لِإِرْضَاعِ صَبِيٍّ وَزَوْجُهَا شَرِيفٌ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَذَكَرَ فِي الْفَوَائِدِ التَّاجِيَّةِ نَقْلَيْنِ فِيهَا الثَّانِي مِنْهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا وَالْأَوَّلُ هُوَ نُشُوزٌ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ، وَفِي الْخُلَاصَةِ إنْ قَالَ الزَّوْجُ هِيَ نَاشِزَةٌ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيَّ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَوْفَاهَا الْمُعَجَّلَ وَهِيَ لَمْ تَكُنْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ سَقَطَتْ النَّفَقَةُ، وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي طَاعَةِ الزَّوْجِ لِلْجِمَاعِ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي بَيْتِهِ وَلَا تَكُونُ فِي طَاعَتِهِ وَبِهِ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَغْلِبُ عَلَيْهَا اهـ.

وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا ادَّعَى نُشُوزَهَا فِي مُدَّةٍ وَأَنْكَرَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا فَإِنْ حَلَفَتْ أَخَذَتْ النَّفَقَةَ وَإِنْ نَكَلَتْ سَقَطَتْ وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي أَنَّ لَهَا الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي مَوَاضِعَ حِينَئِذٍ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِالْخُرُوجِ خُرُوجُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ لَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَطْ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى، وَإِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا بِالنَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ أَوْ عَلَى عَكْسِهِ لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ نَاقِصٌ قُلْت وَبِهَذَا عُرِفَ جَوَابُ وَاقِعَةٍ فِي زَمَانِنَا بِأَنَّهُ إذَا تَزَوَّجَ مِنْ الْمُحْتَرِفَاتِ الَّتِي تَكُونُ عَامَّةَ النَّهَارِ فِي الْكَرْخَانَةِ وَاللَّيْلِ مَعَ الزَّوْجِ لَا نَفَقَةَ لَهَا اهـ.

مَعَ أَنَّهُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ الْكَلَامُ فِي الْوُجُوبِ لَا فِي إسْقَاطِ مَا وَجَبَ وَلَا شُبْهَةَ فِي أَنَّ النَّاشِزَةَ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا مُطْلَقًا فَكَلَامُ الْمُخْتَصَرِ عَلَى إطْلَاقِهِ وَكَلَامُ هَذَا الشَّارِحِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: قُلْت وَبِهَذَا عُرِفَ جَوَابُ وَاقِعَةٍ إلَخْ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُجْتَبَى قَالَ فِي النَّهْرِ وَفِيهِ نَظَرٌ سَيَأْتِي إيضَاحُهُ

ص: 195

سَيَأْتِي أَنَّ الْقَابِلَةَ لَهَا الْخُرُوجُ.

(قَوْلُهُ وَصَغِيرَةٍ لَا تُوطَأُ) أَيْ لَا نَفَقَةَ لِلصَّغِيرَةِ إذَا كَانَتْ لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ؛ لِأَنَّ امْتِنَاعَ الِاسْتِمْتَاعِ لِمَعْنًى فِيهَا وَالِاحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى الْمَقْصُودِ الْمُسْتَحَقِّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُوجَدْ بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْعِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ فَلَهَا الْمَهْرُ دُونَ النَّفَقَةِ أَطْلَقَ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا لَهَا فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ أَوْ فِي بَيْتِ أَبِيهَا وَقَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ مُطَالَبَةَ الزَّوْجِ بِمَهْرِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُوطَأُ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً جِدًّا وَيُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى دَفْعِ الْمَهْرِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ كُلُّهُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ وَحَقُّ الْقَبْضِ لِلْأَبِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ كَالْمَهْرِ لِلْكَبِيرَةِ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا جِدًّا فِي مَالِهِ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ امْرَأَةِ وَلَدِهِ وَيَسْتَدِينُ الْأَبُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيْسَرَ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِي الْخُلَاصَةِ لَا يَجِبُ عَلَى أَبِيهِ إلَّا إذَا ضَمِنَهَا كَمَا فِي الْمَهْرِ اهـ.

فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا أَبُوهُ، ثُمَّ وَلَدَتْ وَاعْتَرَفَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ مِنْ الزِّنَا فَإِنَّهَا لَا تَرُدُّ شَيْئًا مِنْ النَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ مِنْ الزِّنَا وَإِنْ مَنَعَ مِنْ الْوَطْءِ لَا يَمْنَعُ مِنْ دَوَاعِيهِ وَمَنْ وَطِئَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَهَذَا كَافٍ لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّتْ أَنَّهَا حِينَ تَزَوَّجَتْ كَانَتْ حُبْلَى فَإِنَّهَا تَرُدُّ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ حَمْلًا لِأَمْرِهَا عَلَى أَنَّ الْحَبَلَ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ سَابِقٌ فَتُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا إلَّا فِي حَقِّ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّغِيرَةَ الَّتِي لَا تُوطَأُ لَا يَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ صَغِيرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ كَبِيرًا وَالْمُطِيقَةُ لِلْوَطْءِ تَجِبُ نَفَقَتُهَا صَغِيرًا كَانَ الزَّوْجُ أَوْ كَبِيرًا وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْمُطِيقَةِ لَهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ، فَإِنَّ السَّمِينَةَ الضَّخْمَةَ تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ السِّنِّ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَذَكَرَ الْعَتَّابِيُّ أَنَّهَا بِنْتُ تِسْعٍ وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُنَا اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي الَّتِي لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ تَصْلُحُ لِلْخِدْمَةِ أَوْ الِاسْتِئْنَاسِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا أَسْكَنَهَا فِي بَيْتِهِ فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَالتُّحْفَةِ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَيَّدَ بِالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَاجِبَةٌ لِلْقَرْنَاءِ وَالرَّتْقَاءِ وَاَلَّتِي أَصَابَهَا مَرَضٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ وَالْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا لِكِبَرِهَا سَوَاءٌ أَصَابَتْهَا هَذِهِ الْعَوَارِضُ بَعْدَمَا انْتَقَلَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَا احْتِبَاسَ لِلْوَطْءِ فِيهِنَّ كَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُوطَأُ فَأَجَبْت بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ احْتِبَاسٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الدَّوَاعِي وَالِانْتِفَاعُ مِنْ حَيْثُ الدَّوَاعِي مَوْجُودٌ فِي هَؤُلَاءِ بِأَنْ يُجَامِعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً أَصْلًا قَالُوا فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ إذَا كَانَتْ الصَّغِيرَةُ مُشْتَهَاةً يُمْكِنُ جِمَاعُهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ تَجِبُ النَّفَقَةُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تُشْتَهَى لِلْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَهِيَ مُطِيقَةٌ لِلْجِمَاعِ فِي الْجُمْلَةِ إلَى آخِرِ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَفِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْأَقْضِيَةِ أَبُو الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا نَفَقَةَ لَهَا إذَا طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ وَظَنَّ الزَّوْجُ أَنَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَفَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَالْفَرْضُ بَاطِلٌ اهـ.

وَنَظِيرُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ فَأَخَذَتْهَا أَشْهُرًا، ثُمَّ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهَا أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا رَجَعَ الزَّوْجُ عَلَيْهَا بِمَا أَخَذَتْهُ مِنْ النَّفَقَةِ.

(قَوْلُهُ وَمَحْبُوسَةٍ بِدَيْنٍ وَمَغْصُوبَةٍ وَحَاجَّةٍ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ وَمَرِيضَةٍ لَمْ تُزَفَّ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِهَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ لَيْسَ مِنْهُ أَمَّا فِي الْمَحْبُوسَةِ بِدَيْنٍ فَلِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا بِالْمُمَاطَلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً، فَلَيْسَ مِنْهُ؛ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ لِيَشْمَلَ مَا إذَا كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى أَدَائِهِ أَوْ لَا وَمَا إذَا حُبِسَتْ قَبْلَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ الْقَابِلَةَ لَهَا الْخُرُوجُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَهُ فِي الْخَانِيَّةِ بِإِذْنِ الزَّوْجِ، وَأَمَّا بِدُونِ إذْنِهِ فَلَا فَانْظُرْهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَهُمْ النَّظَرُ وَالْكَلَامُ مَعَهَا.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَهَا النَّفَقَةُ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَيْ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ أَمَّا فِي الْجَدِيدِ فَمَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِنَا فَاعْلَمْ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: وَالزَّيْلَعِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ الْكُتُبِ اهـ.

وَانْظُرْ مَا قَدَّمْنَاهُ أَوَّلَ الْبَابِ عَنْ الشُّرُنْبُلَالِيَّةِ، وَكَذَا مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُؤَلِّفُ عَنْ الْخُلَاصَةِ فِي شَرْحِ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ.

(قَوْلُهُ: فَتُصَدَّقُ فِي حَقِّ نَفْسِهَا) أَيْ تُصَدَّقُ أَنَّهَا حُبْلَى فِي حَقِّ نَفْسِهَا مَعَ حَمْلِ أَمْرِهَا عَلَى الْأَصْلَحِ وَهُوَ كَوْنُهَا حُبْلَى مِنْ زَوْجٍ سَابِقٍ فَتَرُدُّ نَفَقَةَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَلَا يَفْسُدُ النِّكَاحُ.

ص: 196

النُّقْلَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ مُحَمَّدٌ رحمه الله بِغَصْبِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ حَيْثُ تَسْقُطُ الْأُجْرَةُ لِفَوَاتِ الِانْتِفَاعِ لَا مِنْ جِهَتِهِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ مُحَمَّدًا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ؛ لِأَنَّهُ بِدُونِهِ لَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ لِسُقُوطِهَا، وَلَوْ حَذَفَ الْمُصَنِّفُ قَوْلَهُ بِدَيْنٍ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْمَحْبُوسَةَ ظُلْمًا بِغَيْرِ حَقٍّ لَا نَفَقَةَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي سُقُوطِ نَفَقَتِهَا فَوَاتُ الِاحْتِبَاسِ لَا مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، وَقَدْ فَاتَ الِاحْتِبَاسُ هُنَا لَا مِنْ جِهَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْفَوَاتُ مِنْ جِهَتِهِ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِبَقَائِهِ تَقْدِيرًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ الِاحْتِبَاسُ بَاقِيًا تَقْدِيرًا وَبِدُونِهِ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ النَّفَقَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَيَّدَ بِحَبْسِهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَوْ حُبِسَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ أَوْ لَا يَقْدِرُ أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا أَوْ هَرَبَ أَوْ نَشَزَ كَانَتْ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ هُنَا فَاتَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَحْبِسَهُ هِيَ لِدَيْنٍ لَهَا عَلَيْهِ أَوْ يَحْبِسَهُ أَجْنَبِيٌّ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهَا إذَا حَبَسَتْهُ وَطَلَبَ أَنْ تُحْبَسَ مَعَهُ فَإِنَّهَا لَا تُحْبَسُ، وَذَكَرَ فِي مَآلِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ إذَا خِيفَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ تُحْبَسُ مَعَهُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَأَمَّا إذَا غَصَبَهَا رَجُلٌ كُرْهًا وَذَهَبَ بِهَا فَمَا فِي الْمُخْتَصَرِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ لَيْسَ مِنْهُ لِيُجْعَلَ بَاقِيًا تَقْدِيرًا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.

وَأَمَّا إذَا حَجَّتْ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ فَلِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ إقَامَةَ الْفَرْضِ عُذْرٌ فَيَكُونُ لَهَا نَفَقَةُ الْحَضَرِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يُؤْمَرُ الزَّوْجُ بِالْخُرُوجِ مَعَهَا وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا إذَا أَرَادَتْ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ أَطْلَقَ الْحَجَّ فَشَمِلَ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَمَا إذَا حَجَّتْ قَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا أَوْ بَعْدَهُ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ جِهَتِهَا فَأَوْجَبَ سُقُوطَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ عَاصِيَةً فِي الْخُرُوجِ أَوْ طَائِعَةً بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِوُجُودِ الِاحْتِبَاسِ فَلَا يَمْنَعُ اشْتِغَالُهَا بِهِمَا مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِ الْحَجِّ مَعَ غَيْرِ الزَّوْجِ الشَّامِلِ لِحَجِّهَا وَحْدَهَا أَوْ مَعَ مَحْرَمٍ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا حَجَّ مَعَهَا فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ اتِّفَاقًا وَهِيَ نَفَقَةُ الْحَضَرِ لَا السَّفَرِ فَيَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ الطَّعَامِ فِي الْحَضَرِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى قِيمَتِهِ فِي السَّفَرِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْكِرَاءُ وَمُؤْنَةُ السَّفَرِ، وَأَمَّا الْمَرِيضَةُ الَّتِي لَمْ تُزَفَّ فَالْمُرَادُ بِهَا الْمَرِيضَةُ الَّتِي لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْكُتُبِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَظَاهِرُ الْمُخْتَصَرِ أَنَّهَا إذَا مَرِضَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهِيَ فِي غَيْرِ بَيْتِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَمَفْهُومُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي بَيْتِهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّحِيحَةِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّحِيحَةَ إذَا لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا مِنْ الِانْتِقَالِ مَعَ الزَّوْجِ فَلَهَا النَّفَقَةُ طَلَبَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَا بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَهِيَ فِي بَيْتِهَا مُطْلَقًا وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَرِيضَةً قَبْلَ النُّقْلَةِ مَرَضًا يَمْنَعُ مِنْ الْجِمَاعِ فَنُقِلَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَلَهَا النَّفَقَةُ بَعْدَ النُّقْلَةِ وَقَبْلَهَا أَيْضًا إذَا طَلَبَتْ النَّفَقَةَ فَلَمْ يَنْقُلْهَا الزَّوْجُ وَهِيَ لَا تَمْتَنِعُ مِنْ النُّقْلَةِ لَوْ طَالَبَهَا الزَّوْجُ وَإِنْ كَانَتْ تَمْتَنِعُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَالصَّحِيحَةِ كَذَا ذَكَرَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا قَبْلَ النُّقْلَةِ فَإِذَا نُقِلَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا، وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ التَّسْلِيمَ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الْوَطْءِ إنْ لَمْ يُوجَدْ فَقَدْ وُجِدَ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهَذَا يَكْفِي لِوُجُوبِ النَّفَقَةِ كَمَا فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالصَّائِمَةِ صَوْمَ رَمَضَانَ، وَإِذَا امْتَنَعَتْ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيمُ شَرْعًا اهـ.

فَحَاصِلُهُ أَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمَرِيضَةَ كَالصَّحِيحَةِ فَلَا يَنْبَغِي إدْخَالُهَا فِي النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ وَفِي التَّجْنِيسِ الْمَرْأَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا إذَا مَرِضَتْ وَطَلَبَتْ النَّفَقَةَ يَفْرِضُ لَهَا النَّفَقَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَضُمَّهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّهَا مَا امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ النَّفْسِ وَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ ذَاكَ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مَرَضُهَا مَانِعًا مِنْ النُّقْلَةِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا وَعَلَيْهِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي مَآلِ الْفَتَاوَى أَنَّهُ إذَا خِيفَ إلَخْ) وَفِي التَّتَارْخَانِيَّة فَإِنْ مَاطَلَهَا بِالنَّفَقَةِ وَسَأَلَتْ الْقَاضِيَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا نَفَقَةً فَعَلَ ذَلِكَ وَيَكُونُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ بَعْدَ الْفَرْضِ دَيْنًا مَعَ الصَّدَاقِ فَيَسْتَدِيمُ الْحَبْسَ إلَى أَنْ يُوَفِّيَ الْكُلَّ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ لِلْقَاضِي احْبِسْهَا مَعِي فَإِنَّ لِي مَوْضِعًا فِي الْحَبْسِ خَالِيًا فَالْقَاضِي لَا يَحْبِسُهَا مَعَهُ، وَلَكِنَّهَا تَصِيرُ فِي مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَيُحْبَسُ الزَّوْجُ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا وَذَكَرَ فِي الدَّعَاوَى وَالْبَيِّنَاتِ فِي قِسْمِ الْفَتَاوَى مِنْ أَدَبِ الْقَاضِي أَنْ يَحْبِسَهَا؛ لِأَنَّهَا إذَا حُبِسَ زَوْجُهَا وَلَمْ تُحْبَسْ تَذْهَبُ حَيْثُ تُرِيدُ، وَقِيلَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لَهَا إذَا أَرَادَتْ حَبْسَ الزَّوْجِ لَوْ حَبَسْتُ زَوْجَك حَبَسْتُكِ مَعَهُ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ جَمِيعًا يَقَعُ الْأَمْنُ مِنْ ذَهَابِهَا أَيْنَمَا تُرِيدُ. اهـ. وَانْظُرْ هَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ فِيمَا إذَا حَبَسَتْهُ هِيَ أَوْ مِثْلُهُ مَا إذَا حَبَسَهُ غَيْرُهُ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ

ص: 197

يُحْمَلُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْقُولَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وُجُوبُ النَّفَقَةِ لِلْمَرِيضَةِ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ النُّقْلَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ يُمْكِنُهُ جِمَاعُهَا أَوْ لَا كَانَ مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ لَا حَيْثُ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى كَافِي الْحَاكِمِ وَالْمَبْسُوطِ وَالشَّامِلِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ وَصَحَّحَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَقَالَ إنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِهِ فَرَّعُوهُ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ حَقِيقَةً وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَلَيْسَ هُوَ الْمُخْتَارُ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمَشَايِخُ إنَّمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ إلَّا أَنَّهُ مُفَرَّعٌ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِلْمَرِيضَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَبْلَ الِانْتِقَالِ حَيْثُ لَمْ تَمْنَعْ نَفْسَهَا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يُمْكِنَهَا الِانْتِقَالُ فَلَوْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهَا الِانْتِقَالُ أَصْلًا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ تَقْدِيرًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ فِي تَوْجِيهِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إنَّ التَّسْلِيمَ حَاصِلٌ فِي حَقِّ التَّمْكِينِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ انْتِقَالُهَا فَاتَ التَّسْلِيمُ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْفَارِقِينَ بَيْنَ الْمَرِيضَةِ وَالصَّحِيحَةِ فَالْمَرِيضَةُ الَّتِي لَمْ تُزَفَّ لَا نَفَقَةَ لَهَا إنْ كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَقْدِرُ عَلَى الِانْتِقَالِ مَعَهُ سَوَاءٌ مَنَعَتْ نَفْسَهَا بِالْقَوْلِ أَوْ لَا وَقَيَّدَ بِكَوْنِهَا لَمْ تُزَفَّ؛ لِأَنَّهَا لَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ مَرَضًا لَا تَسْتَطِيعُ مَعَهُ الْجِمَاعُ لَمْ تَبْطُلْ نَفَقَتُهَا بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْمُطْلَقَ هُوَ التَّسْلِيمُ الْمُمَكِّنُ مِنْ الْوَطْءِ وَالِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ حَصَلَ بِالِانْتِقَالِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ صَحِيحَةً، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَبِهِ يَظْهَرُ أَنَّ مَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ التَّفْصِيلِ لَا أَصْلَ لَهُ وَعِبَارَتُهَا إذَا زُفَّتْ الْمَرْأَةُ إلَى زَوْجِهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَمَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ مَرَضًا لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ إنْ كَانَ بَنَى بِهَا كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَسْلَمُ عَنْ الْمَرَضِ فِي عُمُرِهَا وَإِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَمَرِضَتْ مَرَضًا لَا تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا إغْمَاءٌ كَثِيرٌ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ اهـ.

وَفِيهَا أَيْضًا لَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ بَعْدَ الدُّخُولِ فَانْتَقَلَتْ إلَى دَارِ أَبِيهَا قَالُوا إنْ كَانَتْ بِحَالٍ يُمْكِنُ النَّقْلُ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ بِمِحَفَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَلَمْ تَنْتَقِلْ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ نَقْلُهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ اهـ.

وَقَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّ الْمُدَاوَاةَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ أَصْلًا، كَذَا فِي التَّبْيِينِ مِنْ بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ سِتًّا مِنْ النِّسَاءِ لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ وَفِي خِزَانَةِ الْفِقْهِ لِأَبِي اللَّيْثِ عَشْرٌ مِنْ النِّسَاءِ لَا نَفَقَةَ لَهُنَّ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمَرِيضَةَ وَذَكَرَ خَمْسَةً وَالْأَمَةَ إذَا لَمْ يُبَوِّئْهَا مَوْلَاهَا وَالْمَنْكُوحَةَ نِكَاحًا فَاسِدًا وَالْمُرْتَدَّةَ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمَرْأَةَ إذَا قَبَّلَتْ ابْنَ زَوْجِهَا بِشَهْوَةٍ وَسَيَأْتِي حُكْمُ نَفَقَةِ الْأَمَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُقَبِّلَةُ وَالْمُرْتَدَّةُ فَلَمْ يَفُتْ الْمُصَنِّفَ إلَّا الْمَنْكُوحَةُ نِكَاحًا فَاسِدًا وَلَا حَاجَةَ إلَى بَيَانِهِ.

(قَوْلُهُ وَلِخَادِمٍ لَوْ مُوسِرًا) أَيْ تَجِبُ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ لِخَادِمِ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا مِنْ تَمَامِهِ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَلْزَمُهُ لِلْخَادِمِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ لَا تَبْلُغُ نَفَقَةَ الْمَرْأَةِ، وَكَذَا كِسْوَتُهُ بِأَرْخَصِ مَا يَكُونُ وَيُفْرَضُ لِلْخَادِمِ خُفٌّ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفَسَّرَ فِي الْهِدَايَةِ نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِمَا يَلْزَمُ الْمُعْسِرَ مِنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ وَشَرَطَ فِي الْبَدَائِعِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ خَادِمِهَا أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شُغُلٌ غَيْرُ خِدْمَتِهَا بِأَنْ يَكُونَ مُتَفَرِّغًا لَهَا وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْخَادِمِ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَيْهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِهِ فَقِيلَ هُوَ كُلُّ مَنْ يَخْدُمُهَا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا مِلْكًا لَهَا أَوْ لَهُ أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ مَمْلُوكُهَا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ لَا يُفْرَضُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ خَادِمٍ؛ لِأَنَّهَا بِسَبَبِ مِلْكِهَا لَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهَا لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ كَالْقَاضِي إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ لَا يَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ خَادِمَهَا هُوَ الْمَمْلُوكُ لَهَا سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا أَوْ جَارِيَةً وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّ الْخَادِمَ وَاحِدُ الْخُدَّامِ غُلَامًا كَانَ أَوْ جَارِيَةً وَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ تَفْسِيرَ الزَّيْلَعِيِّ خَادِمَهَا بِالْجَارِيَةِ الْمَمْلُوكَةِ لَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ

ــ

[منحة الخالق]

يُحْمَلُ مَا فِي الْمُخْتَصَرِ) قَالَ فِي النَّهْرِ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا فِي الْكِتَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمَرِيضَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا حَيْثُ لَمْ تُزَفَّ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ يُمْكِنُهَا الِانْتِقَالُ إلَيْهِ أَوْ لَا، وَهَذَا بِرِوَايَةِ الثَّانِي أَلْيَقُ.

(قَوْلُهُ: إذْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهَا إذَا مَرِضَتْ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْدَامُهَا وَلَمْ أَرَهُ صَرِيحًا وَإِنْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ، ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، وَقَالَ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوَاعِدِ مَذْهَبِنَا اهـ.

قُلْت هَذَا ظَاهِرٌ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْآتِي أَمَّا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْخَادِمِ مَمْلُوكًا لَهَا فَلَا فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَمْلُوكًا لَهَا لَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَيْهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَلِّفِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فِي الْخَادِمِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ إلَخْ) عِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا قَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَرْأَةِ خَادِمٌ لَا يُفْرَضُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عَلَى الزَّوْجِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا نَفَقَةَ الْخَادِمِ بِاعْتِبَارِ مِلْكِ الْخَادِمِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ كَيْفَ تَسْتَوْجِبُ نَفَقَةَ الْخَادِمِ وَهُوَ نَظِيرُ الْقَاضِي إلَخْ أَقُولُ: وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لَيْسَتْ نَصًّا فِي اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْخَادِمِ مِلْكًا لَهَا.

(قَوْلُهُ: فِيهِ نَظَرٌ) قَالَ الرَّمْلِيُّ لَوْ قَالَ فِيهِ قُصُورٌ لَكَانَ أَوْلَى عَلَى أَنَّهُ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ جَرَى عَلَى

ص: 198

الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ تَحْتَهُ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا خَادِمٌ مَمْلُوكٌ لَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ كِرَاءُ غُلَامٍ يَخْدُمُهَا لَكِنْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ السُّوقِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْفَتَاوَى السِّرَاجِيَّةِ وَقَيَّدَ بِالْخَادِمِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نَفَقَةُ أَكْثَرَ مِنْ خَادِمٍ وَاحِدٍ لَهَا وَهَذَا عِنْدَهُمَا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَفْرِضُ لِخَادِمَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى أَحَدِهِمَا لِمَصَالِحِ الدَّاخِلِ وَإِلَى الْآخَرِ لِمَصَالِحِ الْخَارِجِ وَلَهُمَا أَنَّ الْوَاحِدَ يَقُومُ بِالْأَمْرَيْنِ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى اثْنَيْنِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَرَوَى صَاحِبُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِمَّنْ يَجِلُّ مِقْدَارُهَا عَنْ خِدْمَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ مِنْ الْخُدَّامِ مِمَّنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الْخَادِمِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَبِهِ نَأْخُذُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ والولوالجية الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ وَلَهَا خَدَمٌ يُجْبَرُ الزَّوْجُ عَلَى أُجْرَةِ خَادِمَيْنِ اهـ.

فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مُطْلَقًا وَالْمَأْخُوذُ بِهِ عِنْدَ الْمَشَايِخِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالذَّخِيرَةِ لَوْ كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ لَا يَكْفِيهِمْ خَادِمٌ وَاحِدٌ فُرِضَ عَلَيْهِ لِخَادِمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ مِقْدَارُ مَا يَكْفِيهِمْ اتِّفَاقًا وَفِي التَّجْنِيسِ امْرَأَةٌ لَهَا مَمَالِيكُ قَالَتْ لِزَوْجِهَا أَنْفِقْ عَلَيْهِ مِنْ مَهْرِي فَأَنْفَقَ فَقَالَتْ لَا أَجْعَلُهَا مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّك اسْتَخْدَمْتَهُمْ فَمَا أَنْفَقَ بِالْمَعْرُوفِ فَهُوَ مَحْسُوبٌ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهَا اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي وُجُوبِ نَفَقَةِ الْخَادِمِ فَشَمِلَ مَا إذَا أَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يَخْدُمَهَا أَوْ يَخْدُمَهَا خَادِمُهُ وَلَا يُنْفِقُ عَلَى خَادِمِهَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ أَنَا أَخْدُمُكِ أَوْ تَخْدُمُكِ جَارِيَةٌ مِنْ جَوَارِيَّ، الصَّحِيحُ أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَمْلِكُ إخْرَاجَ خَادِمِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِهِ وَعَلَّلَهُ الولوالجي بِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَسَى لَا تَتَهَيَّأُ لَهَا الْخِدْمَةُ بِخَدَمِ الزَّوْجِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَمْلِكُ إخْرَاجَ مَا عَدَا خَادِمٍ وَاحِدٍ مِنْ بَيْتِهِ؛ لِأَنَّهُ زَائِدٌ عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَطْلَقَ فِي الْمَرْأَةِ فَشَمِلَ الْأَمَةَ وَالْحُرَّةَ الشَّرِيفَةَ وَالْوَضِيعَةَ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَنْكُوحَةُ إذَا كَانَتْ أَمَةً لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ وَنَفَقَةُ الْخَادِمِ لِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ اهـ.

وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ لِلْأَمَةِ خَادِمٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ الْمَمْلُوكُ لِلْمَرْأَةِ وَلَا مَالِكَ لِلْأَمَةِ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ مَنْ فَسَّرَ الْخَادِمَ بِكُلِّ خَادِمٍ مَمْلُوكًا لَهَا أَوْ لَا، وَقَدْ أَخَذَ بَعْضُهُمْ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ الْأَرْذَالِ لَا تَسْتَحِقُّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ وَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَهَا بِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُوَافِقُهُ مَا قَيَّدَ بِهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَلَامَ الْخَصَّافِ حَيْثُ قَالَ فِي أَدَبِ الْقَاضِي: لَوْ فُرِضَ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الدَّقِيقِ وَالدُّهْنِ وَاللَّحْمِ وَالْإِدَامِ فَقَالَتْ لَا أَعْجِنُ وَلَا أَخْبِزُ وَلَا أُعَالِجُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا تُجْبَرُ عَلَيْهِ وَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِمَنْ يَكْفِيَهَا عَمَلَ ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هَذَا إذَا كَانَ بِهَا عِلَّةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ أَوْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تُبَاشِرُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا وَتَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِمَنْ يَفْعَلُهُ وَفِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا تُجْبَرُ، وَلَكِنْ إذَا لَمْ تَطْبُخْ لَا يُعْطِيهَا الْإِدَامَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالُوا إنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهَا دِيَانَةً وَإِنْ كَانَ لَا يُجْبِرُهَا الْقَاضِي اهـ.

وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِلطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لَمْ يَجُزْ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ أَخَذَتْ لَأَخَذَتْ عَلَى عَمَلٍ وَاجِبٍ عَلَيْهَا فِي الْفَتْوَى فَكَانَ فِي مَعْنَى الرِّشْوَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهَا الْأَخْذُ اهـ.

وَهُوَ شَامِلٌ لِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ أَيْضًا؛ وَلِذَا اسْتَدَلَّ فِي الْبَدَائِعِ لِوُجُوبِهِ دِيَانَةً بِأَنَّهُ عليه السلام «قَسَّمَ الْأَعْمَالَ بَيْنَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ فَجَعَلَ أَعْمَالَ الْخَارِجِ عَلَى عَلِيٍّ وَأَعْمَالَ الدَّاخِلِ عَلَى فَاطِمَةَ» اهـ.

مَعَ أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَأَبُوهَا صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَقَيَّدَ بِيَسَارِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عِنْدَ إعْسَارِهِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُعْسِرِ أَدْنَى الْكِفَايَةِ وَهِيَ قَدْ تَكْتَفِي بِخِدْمَةِ نَفْسِهَا، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا مِنْ لُزُومِ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا وَأَنَّهُ عِنْدَ إعْسَارِهِ دُونَهَا يُنْفِقُ بِقَدْرِ حَالِهِ وَالْبَاقِي دَيْنٌ عَلَيْهِ وَقِيَاسُهُ أَنْ تَجِبَ النَّفَقَةُ

ــ

[منحة الخالق]

الْغَالِبِ فِي اتِّخَاذِ النِّسَاءِ الْخَادِمَ مِنْ جِنْسِ الْجَوَارِي لَا أَنَّهُ قَيْدٌ، تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَفْرِضُ لِخَادِمَيْنِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ أَقُولُ: م، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَعْنِي غَيْرَ رِوَايَةِ الْخَادِمَيْنِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ فَائِقَةً بِنْتَ فَائِقٍ زُفَّتْ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا مَعَ خَدَمٍ كَثِيرَةٍ اسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ الْخَدَمِ كُلِّهَا عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ لِامْرَأَتِهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَدَمِكِ، وَلَكِنْ أُعْطِي خَادِمًا مِنْ خَدَمِي لِيَخْدُمكِ فَأَبَتْ الْمَرْأَةُ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ عَلَى نَفَقَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ مِنْ خُدَّامِ الْمَرْأَةِ اهـ.

مِنْ التَّتَارْخَانِيَّة. أَقُولُ: فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ بِنْتَ فَائِقٍ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ حَالُهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا لَا حَالُهَا الطَّارِئُ عَلَيْهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ تَأَمَّلْ اهـ.

(قَوْلُهُ: قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إلَخْ) فِي الْبَدَائِعِ وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ أَنَّهَا إذَا كَانَتْ بِهَا عِلَّةٌ لَا تَقْدِرُ عَلَى الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ أَوْ كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ لَا تُجْبَرُ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَهِيَ مِمَّنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ

ص: 199

لِلْخَادِمِ دَيْنًا عَلَيْهِ اهـ.

وَقَدْ يُقَالُ إنَّمَا قِيلَ فِي نَفَقَتِهَا ذَلِكَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ الْآيَةِ وَحَدِيثِ هِنْدَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَادِمِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَلَا تُقَدَّرُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ بِالدَّرَاهِمِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ، بَلْ يُفْرَضُ لَهَا مَا يَكْفِيهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَلَكِنْ لَا تَبْلُغُ نَفَقَةُ خَادِمِهَا نَفَقَتَهَا؛ لِأَنَّ الْخَادِمَ تَبَعٌ لِلْمَرْأَةِ فَتَنْقُصُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ عَنْ نَفَقَتِهَا وَلَمْ يُرِدْ بِالنُّقْصَانِ النُّقْصَانَ فِي الْخُبْزِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ وَعَسَى أَنْ تَسْتَوْفِيَ الْخَادِمَ مِنْ الْخُبْزِ فِي الْأَكْلِ أَكْثَرَ مِمَّا تَسْتَوْفِي الْمَرْأَةُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ النُّقْصَانَ فِي الْإِدَامِ اهـ.

وَفِيهِ أَيْضًا وَالْكِسْوَةُ لِلْخَادِمِ عَلَى الْمُعْسِرِ قَمِيصُ كِرْبَاسٍ فِي الشِّتَاءِ وَإِزَارٌ وَرِدَاءٌ كَأَرْخَصِ مَا يَكُونُ وَفِي الصَّيْفِ قَمِيصٌ مِثْلُ ذَلِكَ وَإِزَارٌ وَعَلَى الْمُوسِرِ فِي الشِّتَاءِ قَمِيصٌ وَطِيءٌ وَإِزَارُ كِرْبَاسٍ وَكِسَاءٌ رَخِيصٌ وَفِي الصَّيْفِ قَمِيصٌ مِثْلُ ذَلِكَ وَإِزَارٌ، ثُمَّ لَمْ يَفْرِضْ لِلْخَادِمَةِ الْخِمَارَ وَفَرَضَهَا لِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ الْخِمَارَ لِسَتْرِ الرَّأْسِ، وَرَأْسُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ وَرَأْسُ الْخَادِمِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَفَرَضَ لَهَا الْإِزَارَ؛ لِأَنَّ الْخَادِمَ تَحْتَاجُ إلَى الْخُرُوجِ قَالَ مَشَايِخُنَا مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ مِنْ ثِيَابِ الْخَادِمِ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى عَادَاتِهِمْ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ بِاخْتِلَافِ الْعَادَاتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَعَلَى الْقَاضِي اعْتِبَارُ الْكِفَايَةِ فِي نَفَقَةِ الْخَادِمِ فِيمَا يُفْرَضُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَمَكَانٍ اهـ.

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ كِسْوَةِ الْخَادِمِ عَلَى الْمُعْسِرِ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ، وَالْيَسَارُ مُقَدَّرٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا بِنِصَابِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ اهـ.

وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تُقِيمَ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ وَيُشْتَرَطُ الْعَدَدُ وَالْعَدَالَةُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلَا يُشْتَرَطُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَتُهَا أَوْلَى، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ نَفَقَةَ الْخَادِمِ إنَّمَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ بِإِزَاءِ الْخِدْمَةِ فَإِنْ امْتَنَعَتْ مِنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَأَعْمَالِ الْبَيْتِ لَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِمُقَابَلَتِهَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِاحْتِبَاسِ فَإِذَا لَمْ تَعْمَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ.

(قَوْلُهُ وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لَبَطَلَ حَقُّهُ، وَلَوْ لَمْ يُفَرِّقْ لَتَأَخَّرَ حَقُّهَا وَالْأَوَّلُ أَقْوَى فِي الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَصِيرُ دَيْنًا بِفَرْضِ الْقَاضِي فَيَسْتَوْفِي فِي الثَّانِي وَفَوْتُ الْمَالِ وَهُوَ تَابِعٌ فِي النِّكَاحِ فَلَا يُلْحَقُ بِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ التَّوَالُدُ فَلَا يُقَاسُ الْعَجْزُ عَنْ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ الْجِمَاعِ فِي الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ وَأَطْلَقَ فِي النَّفَقَةِ فَشَمِلَ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ فَلَا يُفَرِّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا وَقَيَّدَ بِالنَّفَقَةِ لِيَعْلَمَ حُكْمَ الْمَهْرِ بِالْأُولَى وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْفُصُولِ إذَا ثَبَتَ الْعَجْزُ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا نَفَذَ قَضَاؤُهُ بِالتَّفْرِيقِ وَإِنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِالتَّفْرِيقِ بِخِلَافِ مَذْهَبِهِ إلَّا إذَا كَانَ مُجْتَهِدًا وَوَقَعَ اجْتِهَادُهُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ قَضَى مُخَالِفًا لِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، وَلَوْ لَمْ يَقْضِ وَلَكِنْ أَمَرَ شَافِعِيَّ الْمَذْهَبِ لِيَقْضِيَ بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَقَضَى بِالتَّفْرِيقِ نَفَذَ إذَا لَمْ يَرْتَشِ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا فَرَفَعَتْ الْمَرْأَةُ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي وَأَقَامَتْ الْمَرْأَةُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ عَاجِزٌ عَنْ النَّفَقَةِ وَطَلَبَتْ مِنْ الْقَاضِي أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي حَنَفِيًّا فَقَدْ ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ مَشَايِخُ سَمَرْقَنْدَ جَازَ تَفْرِيعُهُ؛ لِأَنَّهُ قَضَى فِي فَصْلَيْنِ مُخْتَلَفٍ فِيهِمَا التَّفْرِيقُ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ وَالْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُجْتَهَدٌ فِيهِ، وَقَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَصِحُّ التَّفْرِيقُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إنَّمَا يَصِحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَيَنْفُذُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ثَبَتَ الْمَشْهُودُ بِهِ وَهُنَا لَمْ يَثْبُتْ الْمَشْهُودُ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي وَهُوَ الْعَجْزُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ غَادٍ وَرَائِحٌ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ الْغَائِبَ صَارَ غَنِيًّا وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الشَّاهِدُ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمَسَافَةِ فَكَانَ الشَّاهِدُ مُجَازِفًا فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ، وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِ) قَالَ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ اعْتَبَرَ فِيهِ لَوَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَةٌ لَهَا إذَا كَانَ مُوسِرًا وَهِيَ فَقِيرَةٌ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهَا لَا تَجِبُ.

(قَوْلُهُ: فَشَمِلَ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ) أَيْ الْمَأْكُولَ وَالْكِسْوَةَ وَالسُّكْنَى

ص: 200

لَا يُعْرَفُ حَالَةَ الْغَيْبَةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونَ هَذَا تَرْكَ الْإِنْفَاقِ لَا لِلْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِنْ رُفِعَ هَذَا الْقَضَاءُ إلَى قَاضٍ آخَرَ وَأَجَازَ قَضَاءَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ لَيْسَ بِمُجْتَهَدٍ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَثْبُتْ اهـ.

وَتَعَقَّبَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِقَوْلِهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَسْخَ إذَا غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً يُمْكِنُ بِغَيْرِ طَرِيقِ إثْبَاتِ عَجْزِهِ بِمَعْنَى فَقْرِهِ وَهُوَ أَنْ تَتَعَذَّرَ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ إذَا تَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا بِغَيْبَتِهِ ثَبَتَ لَهَا الْفَسْخُ قَالَ فِي الْحِلْيَةِ وَلَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ فَلَا يَلْزَمُ مَجِيءُ مَا قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ اهـ.

وَهَذَا لَا يَرُدُّ مَا قَالَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ لِوَجْهَيْنِ، الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي أَنَّ كَلَامَهُ فِي التَّفْرِيقِ بِسَبَبِ الْعَجْزِ لَا فِي غَيْرِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فَرَّقَ بَيْنَ النَّفَقَةِ وَبَيْنَ سَائِرِ الدُّيُونِ فِي الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ فَإِنَّ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إذَا عَجَزَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يُؤْمَرُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَيْهِ وَهُنَا بَعْدَمَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا تُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ لَمْ تُؤْمَرْ بِالِاسْتِدَانَةِ عَسَى تَمُوتُ جُوعًا أَوْ يَمُوتُ الزَّوْجُ فَتَسْقُطُ نَفَقَتُهَا فَكَانَ الْأَمْرُ بِهَا لِتَأْكِيدِ حَقِّهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ فِي سَائِرِ الدُّيُونِ قَالَ مَشَايِخُنَا لَيْسَ فَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ إثْبَاتَ حَقٍّ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ رُجُوعِهَا ثَابِتٌ بِالْفَرْضِ سَوَاءٌ أَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلَكِنَّ فَائِدَتَهُ أَنْ يَرْجِعَ الْغَرِيمُ عَلَى الزَّوْجِ وَبِدُونِ الْأَمْرِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ رَبُّ الدَّيْنِ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ تَرْجِعُ بِالْمَفْرُوضِ عَلَى الزَّوْجِ وَفِي تَجْرِيدِ الْقُدُورِيِّ أَنَّ فَائِدَتَهُ أَنْ تُحِيلَ الْمَرْأَةُ الْغَرِيمَ عَلَى الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ وَبِدُونِهِ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ فَائِدَتَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا وَبِدُونِهِ لَا رُجُوعَ اهـ.

أَمَّا فِي الذَّخِيرَةِ فَقَدْ ذَكَرُوا لِلْأَمْرِ بِالِاسْتِدَانَةِ ثَلَاثَةَ فَوَائِدَ لَكِنْ مَنْ جَعَلَ فَائِدَتَهَا إمْكَانَ الْإِحَالَةِ عَلَيْهِ بِدُونِ رِضَاهُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِرَبِّ الدَّيْنِ الْأَخْذُ مِنْ الزَّوْجِ بِدُونِ الْحَوَالَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَ الْوَجْهَ فِي أَمْرِهَا بِالِاسْتِدَانَةِ دُونَ أَمْرِهِ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ الْمَدْيُونُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَهُ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ، وَقَدْ ظَهَرَ لِي وَجْهُهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَمَرَ رُبَّمَا تَرَاخَى فِي ذَلِكَ فَيَحْصُلُ لَهَا الضَّرَرُ فَأُمِرَتْ هِيَ بِالِاسْتِدَانَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ؛ وَلِأَنَّ الْغَرِيمَ يَطْمَئِنُّ لِاسْتِدَانَتِهَا أَكْثَرَ مِنْ اسْتِدَانَتِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَصِيرُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ عَلَى شَخْصَيْنِ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ بِخِلَافِ اسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ إلَّا الزَّوْجُ فَلَوْ أَمَرَهُ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ لِنَفَقَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الِاسْتِدَانَةِ فَذَكَرَ الْخَصَّافُ وَتَبِعَهُ الشَّارِحُونَ أَنَّهَا الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ لِتَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الزَّوْجِ وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى رُكْنِ الْأَئِمَّةِ الصَّبَّاغِيِّ أَنَّهَا الِاسْتِقْرَاضُ فَإِذَا اسْتَدَانَتْ هَلْ تُصَرِّحُ بِأَنِّي أَسْتَدِينُ عَلَى زَوْجِي أَوْ تَنْوِي أَمَّا إذَا صَرَّحَتْ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا إذَا نَوَتْ، وَإِذَا لَمْ تُصَرِّحْ وَلَمْ تَنْوِ لَا يَكُونُ اسْتِدَانَةً عَلَيْهِ، وَلَوْ ادَّعَتْ أَنَّهَا نَوَتْ الِاسْتِدَانَةَ عَلَيْهِ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَالْقَوْلُ لَهُ اهـ.

وَأَطْلَقَ فِي الِاسْتِدَانَةِ فَشَمِلَ قَرِيبَ الْمَرْأَةِ وَالْأَجْنَبِيَّ، وَلَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُعْسِرَةَ إذَا كَانَ زَوْجُهَا مُعْسِرًا وَلَهَا ابْنٌ مِنْ غَيْرِهِ مُوسِرٌ أَوْ أَخٌ مُوسِرٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى فَقْرِهِ) الَّذِي فِي الْفَتْحِ فَقْدُهُ بِالدَّالِ لَا بِالرَّاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ.

(قَوْلُهُ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ لَيْسَ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ) قَالَ السَّيِّدُ أَبُو السُّعُودِ فِي حَاشِيَةِ مِسْكِينٍ نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ الرَّمْلِيِّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ أَنَّ وَالِدَهُ أَفْتَى بِعَدَمِ الْفَسْخِ فِيمَا إذَا تَعَذَّرَ تَحْصِيلُ النَّفَقَةِ لِغَيْبَتِهِ وَإِنْ طَالَتْ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ قَالَ فَقَدْ صَرَّحَ فِي الْأُمِّ بِأَنَّهُ لَا فَسْخَ مَا دَامَ مُوسِرًا وَإِنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَتَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهَا مِنْ مَالِهِ إلَخْ فَقَوْلُهُ مُوسِرًا ظَاهِرٌ فِي الْفَسْخِ عِنْدَ عَجْزِهِ وَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ مَا ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ، ثُمَّ قَالَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ اُسْتُفِيدَ مِنْ شَرْحِ الْغَايَةِ الْقُصْوَى أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الْفَسْخِ أَيْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَنَّ الْأَظْهَرَ عَدَمُهُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا إذَا لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا حَالَ غَيْبَتِهِ وَالْحَالُ أَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى أَدَاءِ النَّفَقَةِ فَإِنْ عَجَزَ فَلَا اخْتِلَافَ فِي الْفَسْخِ حِينَئِذٍ وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ فِي الْفَسْخِ بِالْعَجْزِ بَيْنَ حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ فِي الدُّرَرِ مِنْ أَنَّ الْفَسْخَ حَالَ غَيْبَتِهِ غَيْرُ مَنُوطٍ بِالْعَجْزِ، بَلْ بِتَرْكِ الْإِنْفَاقِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ اهـ.

مَا فِي حَاشِيَةِ أَبِي السُّعُودِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّفْرِيقَ حَالَ حَضْرَتِهِ وَحَالَ غَيْبَتِهِ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا ثَبَتَ عَجْزُهُ وَالْأَوَّلُ اعْتَبَرَهُ مَشَايِخُنَا مُجْتَهَدًا فِيهِ دُونَ الثَّانِي وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ بِالْأَوَّلِ وَتَنْفِيذُهُ دُونَ الثَّانِي.

(قَوْلُهُ: بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي) هَذَا الْقَيْدُ يَظْهَرُ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةِ الْمُعْسِرِ الْغَائِبِ؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يَفْرِضُ الْقَاضِي عَلَيْهِ نَفَقَةً مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَصَوَابُ التَّعْبِيرِ يَأْمُرُهَا بِضَمِيرِ الْمُؤَنَّثِ. (قَوْلُهُ: لَكِنْ ذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ: وَكَذَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَلَا مَالَ لَهُ عِنْدَ مَنْ يُقِرُّ بِهِ وَتَعَذَّرَتْ النَّفَقَةُ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ تَأَمَّلْ

ص: 201

وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ الْإِدَانَةَ لِنَفَقَتِهَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ مُعْسِرًا وَهِيَ مُعْسِرَةٌ تَجِبُ عَلَى مَنْ كَانَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى إنْفَاقِهِمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ لَوْلَا الْأَبُ كَالْأُمِّ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ، ثُمَّ تَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَبِ إذَا أَيْسَرَ بِخِلَافِ نَفَقَةِ أَوْلَادِ الْكِبَار حَيْثُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَسَارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ مَعَ الْإِعْسَارِ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ اهـ.

وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ إذَا لَمْ تَجِدْ أَجْنَبِيًّا يَبِيعُهَا بِالنَّسِيئَةِ أَوْ يُقْرِضُهَا فَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ عَلَى وَلَدِهَا وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا إذَا وَجَدَتْ فَلَا وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا مَعَ الْيُسْرِ لَمْ يُفَرَّقْ وَيَبِيعُ الْحَاكِمُ مَالَهُ عَلَيْهِ وَيَصْرِفُهُ فِي نَفَقَتِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَالَهُ يَحْبِسُهُ حَتَّى يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَلَا يُفْسَخُ اهـ.

وَفِي الْمُجْتَبَى وَالذَّخِيرَةِ قَالَ الزَّوْجُ فِي مَجْلِسِ أَبِي يُوسُفَ لَيْسَ عِنْدِي نَفَقَةٌ فَقَالَ خُذِي عِمَامَتَهُ وَأَنْفِقِيهَا عَلَى نَفْسِكِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلِمَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّ لَهُ عِمَامَةً أُخْرَى وَإِلَّا لَا تُبَاعُ الْعِمَامَةُ فِي النَّفَقَةِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ قَالَ الْخَصَّافُ وَلَا يَبِيعُ مَسْكَنَهُ وَخَادِمَهُ وَيَبِيعُ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَقِيلَ يَبِيعُ مَا سِوَى الْإِزَارِ، وَقِيلَ يَتْرُكُ لِنَفْسِهِ دُسَتًا مِنْ الثِّيَابِ وَيَبِيعُ مَا سِوَى ذَلِكَ، وَقِيلَ دَسْتَيْنِ وَبِهِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ، وَلَوْ كَانَ لَهُ ثِيَابٌ يُمْكِنُهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا دُونَهَا يَبِيعُهَا وَيَشْتَرِي ذَلِكَ بِبَعْضِهَا وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ إلَى الدُّيُونِ وَالنَّفَقَةِ اهـ.

وَسَيَأْتِي تَمَامُهُ فِي الْحَبْسِ وَفِي بَابِ الْحَجْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَتَمَّمَ نَفَقَةَ الْيَسَارِ بِطُرُوِّهِ وَإِنْ قَضَى بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ وَمَا قَضَى بِهِ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ فَإِذَا تَبَدَّلَ حَالُهُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ حَقِّهَا وَزَعَمَ الشَّارِحُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَسْتَقِيمُ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ حَيْثُ اعْتَبَرَ حَالَ الرَّجُلِ فَقَطْ وَلَمْ يَعْتَبِرْ حَالَ الْمَرْأَةِ أَصْلًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ مِنْ اعْتِبَارِ حَالِهِمَا عَلَى مَا عَلِمَهُ الِاعْتِمَادُ فَيَكُونُ فِيهِ نَوْعُ تَنَاقُضٍ مِنْ الشَّيْخِ؛ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ أَوَّلَ الْبَابِ هُوَ قَوْلُ الْخَصَّافِ، ثُمَّ ثَنَّى الْحُكْمَ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ اهـ.

وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ مَرْدُودٌ، بَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ وَقُضِيَ بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ، ثُمَّ أَيْسَرَا فَإِنَّهُ يُتِمُّ نَفَقَةَ الْيَسَارِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا أَيْسَرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يَقْضِي بِنَفَقَةِ يَسَارِهِ، وَنَفَقَةُ يَسَارِهِ فِي حَالِ إعْسَارِهَا عِنْدَ الْخَصَّافِ هِيَ الْوَسَطُ، وَكَذَا إذَا أَيْسَرَتْ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا قُضِيَ بِنَفَقَةِ يَسَارِهَا وَهِيَ الْوَسَطُ عِنْدَهُ فَصَارَ كَلَامُهُ شَامِلًا لِلصُّوَرِ الثَّلَاثِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ الْمُرَادُ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى يَسَارِهَا أَيْضًا وَمَتَى أَمْكَنَ الْحَمْلُ فَلَا تَنَاقُضَ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَرَضَ النَّفَقَةَ لِلْمَرْأَةِ فَغَلَا الطَّعَامُ أَوْ رَخُصَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُغَيِّرُ ذَلِكَ الْحُكْمَ هَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا مَا لَا يَكْفِيهَا فَلَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ خَطَأُ الْقَاضِي حَيْثُ قَضَى بِمَا لَا يَكْفِيهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَدَارَكَ الْخَطَأَ بِالْقَضَاءِ لَهَا بِمَا يَكْفِيهَا، وَكَذَلِكَ إذَا فَرَضَ عَلَى الزَّوْجِ زِيَادَةً عَلَى مَا يَكْفِيهَا فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الزِّيَادَةِ اهـ.

وَفِي الْخُلَاصَةِ لَوْ صَالَحَتْهُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حُقُوقِهَا فِي النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ إنْ كَانَ قَدْرَ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِي مِثْلِهِ جَازَ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فَالزِّيَادَةُ مَرْدُودَةٌ وَيَلْزَمُهُ نَفَقَةُ مِثْلِهَا وَلَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ فَلَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ) سَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِأَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ عَنْ الذَّخِيرَةِ وَإِنْ أَبَى الِابْنُ أَنْ يُقْرِضَهَا النَّفَقَةَ فُرِضَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ وَتُدْفَعُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الْمُعْسِرَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ اهـ فَتَأَمَّلْ وَسَيَأْتِي هُنَاكَ جَوَابُهُ.

(قَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ لِلْمُعْسِرِ أَوْلَادٌ صِغَارٌ إلَخْ) سَيَأْتِي مَا يُقَوِّيهِ وَيُوَضِّحُهُ عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلَا يُشَارِكُ الْأَبَ وَالْوَلَدَ فِي نَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَوَلَدِهِ أَحَدٌ.

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ) أَيْ مَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قَالَ فِي النَّهْرِ مَدْفُوعٌ بِالتَّعْلِيلِ بِالْمَعْرُوفِ إذْ لَيْسَ مِنْهُ أَنْ تَقْتَرِضَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ نَفَقَتَهَا مَعَ وُجُودِ مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهَا مِنْ أَقَارِبِهَا.

(قَوْلُهُ: بَلْ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ مَا ذُكِرَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ نَفَقَةَ الْوَسَطِ تُسَمَّى نَفَقَةَ يَسَارٍ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَقَالَ الْعَيْنِيُّ، بَلْ هُوَ مُسْتَقِيمٌ عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عَلَى قَوْلِهِ عِنْدَ إعْسَارِ أَحَدِهِمَا النَّفَقَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ فَبَعْدَ يَسَارِهِ يُتِمُّ نَفَقَةَ الْمُوسِرَيْنِ. اهـ.

لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْعِبَارَةَ صَادِقَةٌ بِمَا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ فَأَيْسَرَتْ وَعَكْسُهُ فَإِنَّهُ لَا يُتِمُّ لَهَا نَفَقَةَ الْمُوسِرَيْنِ عَلَى قَوْلِ الْخَصَّافِ فِيهِمَا وَيُتِمُّ عَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِيمَا إذَا أَيْسَرَ هُوَ حِينَئِذٍ فَأَلْ فِي الْيَسَارِ بَدَلٌ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَيْ يَسَارُ الزَّوْجِ كَمَا فَهِمَهُ الشَّارِحُ وَجَرَى عَلَيْهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ كَمَا قَدْ عَلِمْت، وَهَذَا لِأَنَّ الْكَلَامَ السَّابِقَ فِيهِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَا يُفَرَّقُ بِعَجْزِهِ عَنْ النَّفَقَةِ، وَكَذَا قَوْلُهُ وَإِنْ قَضَى عَلَيْهِ بِنَفَقَةِ الْإِعْسَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ

ص: 202

وَالسِّعْرُ غَالٍ، ثُمَّ رَخُصَ تَسْقُطُ الزِّيَادَةُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ الْقَضَاءُ وَتَبْطُلُ الزِّيَادَةُ اهـ.

يَعْنِي لَا يَبْطُلُ أَصْلُ التَّقْدِيرِ بِزِيَادَةِ السِّعْرِ أَوْ نُقْصَانِهِ حَتَّى لَوْ مَضَتْ مُدَّةٌ لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ إذْ لَوْ بَطَلَ أَصْلُهُ لَسَقَطَتْ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَسَيَأْتِي فِي مَسَائِلِ الصُّلْحِ عَنْ النَّفَقَةِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ نَفَقَةٌ مَضَتْ إلَّا بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا) ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ عِنْدَنَا فَلَمْ يُسْتَحْكَمْ الْوُجُوبُ فِيهَا إلَّا بِالْقَضَاءِ كَالْهِبَةِ لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ فِيهَا إلَّا بِمُؤَكِّدٍ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالصُّلْحُ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ عِوَضُ الْبُضْعِ وَالْمُرَادُ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا عَدَمُ كَوْنِهَا دَيْنًا عَلَيْهِ فَلَا تَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ يُطَالَبُ بِهِ وَيُحْبَسُ عَلَيْهِ إلَّا بِإِحْدَى هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ فَحِينَئِذٍ تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ فَتَأْخُذُهُ مِنْهُ جَبْرًا سَوَاءٌ كَانَ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا سَوَاءٌ أَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ فَشَمِلَ الْمُدَّةَ الْقَلِيلَةَ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْقَلِيلَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ لَوْ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ الْيَسِيرِ مِنْ الْمُدَّةِ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا اهـ.

وَالْمُرَادُ بِالرِّضَا اصْطِلَاحُهُمَا عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ لِلنَّفَقَةِ إمَّا أَصْنَافًا أَوْ دَرَاهِمَ؛ وَلِذَا عَبَّرَ الْحَدَّادِيُّ بِالْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ فَإِذَا فَرَضَ لَهَا الزَّوْجُ شَيْئًا مُعَيَّنًا كُلَّ يَوْمٍ، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَوْ الرِّضَا، وَأَمَّا مَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ حَنَفِيَّةِ الْعَصْرِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّضَا أَنَّهُ إذَا مَضَتْ مُدَّةٌ بِغَيْرِ فَرْضٍ وَلَا رِضًا، ثُمَّ رَضِيَ الزَّوْجُ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ لَا يَفْهَمُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَأَمَّا مَا سَيَأْتِي مِنْ مَسَائِلِ الصُّلْحِ بِلَا قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَالْمُرَادُ أَنَّهُمَا اصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَظَاهِرُ الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ الْمَقْبُوضَةِ سَوَاءٌ شَرَطَ الرُّجُوعَ لَهَا أَوْ لَا وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ الْقَاضِي إذَا فَرَضَ لِلْمَرْأَةِ النَّفَقَةَ فَقَالَ الزَّوْجُ اسْتَقْرِضِي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا وَأَنْفِقِي عَلَى نَفْسِكِ فَفَعَلَتْ لَيْسَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ عَلَى الزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَتَرْجِعِينَ بِذَلِكَ عَلَيَّ اهـ.

وَلَمْ أَرَ جَوَابًا عَنْهَا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِمَا اسْتَقْرَضَتْ وَإِنَّمَا تَرْجِعُ بِمَا فُرِضَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِاسْتِقْرَاضِهِ قَدْ يَكُونُ أَزْيَدَ أَوْ مِنْ خِلَافِ الْجِنْسِ وَإِنْ لَمْ يُؤَوَّلْ بِذَلِكَ فَهُوَ غَلَطٌ مَحْضٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا قَالَ الرَّجُلُ لِآخَرَ اسْتَدِنْ عَلَيَّ لِامْرَأَتِي وَأَنْفِقْ عَلَيْهَا كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ أَنْفَقْتُ، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ صَدَقَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ فَحِينَئِذٍ يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهَا أَخَذَتْ بِإِذْنِ الْقَاضِي كَذَا هَذَا فِي الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْ النَّفَقَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَالصُّلْحِ بَاطِلٌ لِمَا فِي الْوَاقِعَاتِ وَغَيْرِهَا الْمَرْأَةُ إذَا أَبْرَأَتْ الزَّوْجَ عَنْ النَّفَقَةِ بِأَنْ قَالَتْ أَنْت بَرِيءٌ مِنْ نَفَقَتِي أَبَدًا مَا كُنْتُ امْرَأَتَكَ فَإِنْ لَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي لَهَا النَّفَقَةَ فَالْبَرَاءَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهَا أَبْرَأَتْهُ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ فَرَضَ لَهَا الْقَاضِي النَّفَقَةَ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ صَحَّ الْإِبْرَاءُ عَنْ نَفَقَةِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ نَفَقَةِ مَا سِوَى ذَلِكَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَوْ الرِّضَا) أَيَّدَهُ فِي النَّهْرِ بِمَا يَأْتِي عَنْ الذَّخِيرَةِ اخْتَلَفَا فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الصُّلْحِ فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ وَالْبَيِّنَةُ لَهَا قَالَ وَمُقْتَضَى مَا فِي الْبَحْرِ الصُّلْحُ بِنَاءً عَلَى مَا ادَّعَاهُ مِنْ خَطَأِ ذَلِكَ الْفَهْمِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَانَ وَجْهُهُ أَنَّهُ صُلْحٌ عَمَّا لَمْ يَجِبْ فِي الذِّمَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى كَوْنِهَا لَا تَثْبُتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ إلَّا بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْإِبْرَاءَ عَنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا أَنَّهُ إبْرَاءٌ قَبْلَ الْوُجُوبِ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ بَعْدَهُ) أَيْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ. (قَوْلُهُ: وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا لَا تَرْجِعُ بِمَا اسْتَقْرَضَتْ إلَخْ) قَالَ الْمَقْدِسِيَّ أَقُولُ: الْأَحْسَنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ التَّوْكِيلَ فِي الْقَرْضِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَاسْتَقْرَضَتْ عَلَى نَفْسِهَا فَلَزِمَهَا وَإِنْ قَالَ عَلَى أَنْ تَرْجِعِي عَلَيَّ كَانَ هَذَا مِنْهُ كَاصْطِلَاحٍ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ فَتَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ اهـ.

قُلْت وَفِيهِ غَفْلَةٌ عَنْ كَوْنِ مَوْضِعِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا تَرْجِعُ بَعْدَهُ سَوَاءٌ أَكَلَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا أَوْ اسْتَدَانَتْ فَإِذَا لَمْ يَصِحَّ الِاسْتِقْرَاضُ مَا الدَّاعِي إلَى عَدَمِ الرُّجُوعِ بِالْمَفْرُوضِ فَالْإِشْكَالُ بِحَالِهِ وَأَجَابَ الرَّمْلِيُّ عَنْ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا قَالَ لَهَا اسْتَقْرِضِي وَأَنْفِقِي عَلَى نَفْسِكِ كَانَتْ مُسْتَقْرِضَةً عَلَى نَفْسِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ التَّوْكِيلِ بِالِاسْتِقْرَاضِ وَقَصْدُهَا امْتِثَالُ كَلَامِهِ وَكَلَامُهُ مُوجِبٌ لِلُزُومِ الدَّيْنِ عَلَيْهَا لَا عَلَيْهِ وَأَمَرَهَا بِأَنْ تُنْفِقَ مَا اسْتَدَانَتْهُ عَلَى نَفْسِهَا لَا عَلَيْهِ فَيَحْتَمِلُ التَّبَرُّعَ وَغَيْرَهُ، وَالتَّبَرُّعُ أَدْنَى الْحَالَتَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْإِنْفَاقِ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ مَالِهَا مُتَبَرِّعَةً فَامْتَثَلَتْ أَمْرَهُ فَكَانَ إسْقَاطًا لِلْفَرْضِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِدَانَةِ، وَالنَّفَقَةُ مِمَّا اسْتَدَانَتْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَهَا ذَلِكَ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَبَقِيَ فَرْضُ الْقَاضِي وَهُوَ مُوجِبٌ لِلرُّجُوعِ عَلَيْهِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ اسْتَقْرِضِي وَأَنْفِقِي وَإِجَابَتَهَا لَهُ إضْرَابٌ عَنْ الْفَرْضِ مِنْهَا وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَقُولَ وَتَرْجِعِينَ بِذَلِكَ عَلَيَّ؛ لِأَنَّهُ يَنْفِي التَّبَرُّعَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ بَقِيَ الْفَرْضُ لِعَدَمِ مَا يُسْتَفَادُ مِنْهُ التَّبَرُّعُ فَتَأَمَّلْهُ اهـ.

ص: 203

مِنْ الشُّهُورِ، وَكَذَا لَوْ قَالَتْ أَبْرَأْتُكَ عَنْ نَفَقَةِ سَنَةٍ لَمْ يَبْرَأْ إلَّا مِنْ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَمَّا فَرَضَ نَفَقَةَ كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّمَا فَرَضَ لِمَعْنًى يَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الشَّهْرِ فَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الشَّهْرُ لَا يَتَجَدَّدُ الْفَرْضُ وَمَا لَمْ يَتَجَدَّدْ الْفَرْضُ لَا تَصِيرُ نَفَقَةُ الشَّهْرِ الثَّانِي وَاجِبًا، وَلَوْ قَالَتْ بَعْدَمَا مَكَثَتْ أَشْهُرًا أَبْرَأْتُكَ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَمَا يَسْتَقْبِلُ يَبْرَأُ مِنْ نَفَقَةِ مَا مَضَى وَيَبْرَأُ مِنْ نَفَقَةِ مَا يَسْتَقْبِلُ بِقَدْرِ نَفَقَةِ شَهْرٍ وَلَا يَبْرَأُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ أَجَّرَ عَبْدَهُ مِنْ رَجُلٍ كُلَّ شَهْرٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ أَبْرَأَهُ مِنْ أُجْرَةِ الْغُلَامِ أَبَدًا لَا يَبْرَأُ إلَّا مِنْ أُجْرَةِ شَهْرٍ اهـ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالنَّفَقَةِ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ التَّرَاضِي عَلَى مُعَيَّنٍ لَا تَصِحُّ وَبَعْدَ أَحَدِهِمَا تَصِحُّ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَلَوْ أَنَّ الْمَرْأَةَ قَالَتْ لِلْقَاضِي إنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَغِيبَ وَأَرَادَتْ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَجِبْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَسْتَحْسِنُ ذَلِكَ وَآخُذُ مِنْهُ كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ شَهْرًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ إنْ لَمْ تَجِبْ لِلْحَالِ تَجِبُ بَعْدَهُ فَتَصِيرُ كَأَنَّهُ كَفَلَ بِمَا ذَابَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ فَيُجْبَرُ اسْتِحْسَانًا رِفْقًا بِالنَّاسِ، كَذَا فِي الْوَاقِعَاتِ زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً أَوْ لَا وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِيمَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ أَوْ مِنْ وَقْتِ الصُّلْحِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّهَا تَدَّعِي زِيَادَةَ دَيْنٍ وَالزَّوْجُ يُنْكِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَإِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ الْإِنْفَاقَ وَأَنْكَرَتْ الْمَرْأَةُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ الْيَمِينِ كَمَا فِي سَائِرِ الدُّيُونِ اهـ.

وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ امْرَأَةٌ أَقَامَتْ عَلَى رَجُلٍ بَيِّنَةً بِالنِّكَاحِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ، وَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهَا النَّفَقَةَ لِمَا رَأَى مِنْ

الْمَصْلَحَةِ

يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهَا إنْ كُنْتِ امْرَأَتَهُ فَقَدْ فَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ شَهْرٍ كَذَا، وَكَذَا وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ فَإِذَا مَضَى شَهْرٌ، وَقَدْ اسْتَدَانَتْ وَعَدَلَتْ الْبَيِّنَةُ أَخَذَتْهُ بِنَفَقَتِهَا مُنْذُ فَرَضَ لَهَا اهـ.

وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ الْفَرْضَ مِنْ الْقَاضِي يُصَيِّرُهَا دَيْنًا فَلَا تَسْقُطُ بِالْمُضِيِّ وَإِنْ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ قَضَاءً لَا يُقَالُ إنَّهُ لَيْسَ بِقَضَاءٍ لِعَدَمِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّا نَقُولُ طَلَبُهَا التَّقْدِيرَ دَعْوَى وَمَسْأَلَةُ الْإِبْرَاءِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ تَنَجَّزَ وَفِيمَا بَعْدَهُ مُضَافٌ فَتَنَجَّزَ بِدُخُولِ الشَّهْرِ وَهَكَذَا فَلَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ عَنْهُ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ الصُّلْحِ، وَلَوْ صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا عَنْ نَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى دَرَاهِمَ، ثُمَّ قَالَ الزَّوْجُ لَا أُطِيقُ ذَلِكَ فَهُوَ لَازِمٌ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ سِعْرُ الطَّعَامِ وَيَعْلَمُ أَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ يَكْفِيهَا اهـ.

فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الصُّلْحِ فَفِي فَرْضِ الْقَاضِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً فَإِذَا قَرَّرَ الْقَاضِي لَهَا نَفَقَةَ كُلِّ يَوْمٍ أَوْ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ كُلِّ سَنَةٍ لَزِمَ التَّقْرِيرُ مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مُسْقِطٌ وَكَانَ بِقَدْرِ حَالِهِمَا وَفِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، وَإِذَا أَرَادَ الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ النَّفَقَةَ يَقُولُ فَرَضْتُ عَلَيْكَ نَفَقَةَ امْرَأَتِكَ كَذَا وَكَذَا فِي مُدَّةِ كَذَا وَكَذَا أَوْ يَقُولُ قَضَيْتُ عَلَيْكَ بِالنَّفَقَةِ لِمُدَّةِ كَذَا يَصِحُّ وَتَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى لَا تَسْقُطَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ زَمَانٍ مُسْتَقْبَلٍ تَصِيرُ وَاجِبَةً بِقَضَاءِ الْقَاضِي حَتَّى لَوْ أَبْرَأَتْ بَعْدَ الْفَرْضِ صَحَّ اهـ.

وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ فَرْضَهَا قَضَاءٌ وَأَنَّهُ إذَا فَرَضَهَا، ثُمَّ مَضَتْ مُدَّةٌ لَمْ تَسْقُطْ، وَقَدْ نَقَلَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِيمَا إذَا ادَّعَى الزَّوْجُ النِّكَاحَ وَهِيَ تَجْحَدُ أَوْ عَكْسَهُ وَاسْتَشْكَلَهُ بِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِهَا وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُنْكِرًا إنَّمَا نَفَوْا النَّفَقَةَ فِي مُدَّةِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ لَا مُطْلَقًا مَعَ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا فَرَضَ لَهَا جَازَ، وَأَمَّا بَعْدَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالنِّكَاحِ بِالْبَيِّنَةِ فَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِهَا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ عَطْفِ الْمُصَنِّفِ الرِّضَا عَلَى الْقَضَاءِ أَنَّ فَرْضَ الْقَاضِي بِطَرِيقِ الْجَبْرِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ إذَا فَرَضَ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ حَالِهِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ الزِّيَادَةِ، وَكَذَا إذَا اصْطَلَحَا عَلَى أَزْيَدَ مِنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عَنْ نَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ وَالزَّوْجُ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: زَادَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ نُقِلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ فِي النَّفَقَاتِ بِقَوْلِهِ وَفِي الذَّخِيرَةِ فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ فِي رَجُلٍ ضَمِنَ لِامْرَأَتِهِ النَّفَقَةَ وَالْمَهْرَ فَإِنَّ ضَمَانَ النَّفَقَةِ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ لِكُلِّ شَهْرٍ شَيْئًا وَمَعْنَاهُ أَنَّ الزَّوْجَ مَعَ الْمَرْأَةِ يَصْطَلِحَانِ عَلَى شَيْءٍ مُقَدَّرٍ لِنَفَقَةِ كُلِّ شَهْرٍ، ثُمَّ يَضْمَنُهُ رَجُلٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ الضَّمَانُ، وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ اهـ.

فَجَوَازُهَا مَعَ عَدَمِ الْفَرْضِ فِي مَسْأَلَةِ مُرِيدِ الْغَيْبَةِ اسْتِحْسَانٌ تَأَمَّلْ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَوْ كَفَلَ بِالنَّفَقَةِ كُلَّ شَهْرٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ لَزِمَهُ شَهْرٌ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَبَ لَا يُطَالَبُ بِمَهْرِ زَوْجَةِ ابْنِهِ وَنَفَقَتِهَا إلَّا أَنْ يَضْمَنَ وَأَطْلَقَ فَظَاهِرُهُ جَوَازُ الضَّمَانِ مُطْلَقًا إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَحَمْلُهُ عَلَيْهِ مُتَعَيِّنٌ تَوْفِيقًا بَيْنَ كَلَامِهِمْ. اهـ. أَقُولُ: قَدْ يُقَالُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ مُرِيدِ السَّفَرِ أَيْضًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَ الذَّخِيرَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ النَّفَقَةُ مَفْرُوضَةً أَوْ لَا إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اشْتِرَاطِ فَرْضِهَا مِنْ الْقَاضِي عَدَمُ اشْتِرَاطِ التَّرَاخِي، وَالِاصْطِلَاحُ عَلَى شَيْءٍ مُعَيَّنٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَفِي اشْتِرَاطِ التَّرَاخِي تَوْفِيقٌ بَيْنَ كَلَامِهِمْ أَيْضًا فَلْيُتَأَمَّلْ

ص: 204

مُحْتَاجٌ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا نَفَقَةُ مِثْلِهَا، وَإِذَا صَالَحَهَا عَلَى دَانِقٍ كُلَّ شَهْرٍ جَازَ وَلَهَا أَنْ تَنْقُضَ إنْ لَمْ يَكْفِهَا اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ، وَإِذَا صَالَحَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ نَفَقَتِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَكَانَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا لِنَفَقَتِهَا وَالْأَصْلُ أَنَّ الصُّلْحَ بَيْنَهُمَا مَتَى حَصَلَ بِشَيْءٍ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَهُ فِي نَفَقَتِهَا بِحَالٍ فَالصُّلْحُ بَيْنَهُمَا تَقْدِيرٌ لِلنَّفَقَةِ وَلَا تُعْتَبَرُ مُعَاوَضَةً سَوَاءٌ كَانَ هَذَا الصُّلْحُ قَبْلَ فَرْضِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي عَلَى شَيْءٍ أَوْ كَانَ بَعْدَ أَحَدِهِمَا، وَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى شَيْءٍ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَهُ عَلَى الزَّوْجِ فِي نَفَقَتِهَا بِحَالٍ كَالثَّوْبِ وَالْعَبْدِ يَنْظُرُ إنْ كَانَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي لَهَا بِالنَّفَقَةِ وَقَبْلَ تَرَاضِيهِمَا عَلَى شَيْءٍ لِكُلِّ شَهْرٍ يُعْتَبَرُ الصُّلْحُ مِنْهُمَا تَقْدِيرًا وَبَعْدَ أَحَدِهِمَا يُعْتَبَرُ مُعَاوَضَةً، وَفَائِدَةُ اعْتِبَارِ التَّقْدِيرِ أَنْ تَجُوزَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَالنُّقْصَانُ عَنْهُ وَفَائِدَةُ اعْتِبَارِ الْمُعَاوَضَةِ أَنْ لَا تَجُوزَ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا النُّقْصَانُ، وَإِذَا صَالَحَهَا عَلَى دَرَاهِمَ كُلَّ شَهْرٍ، ثُمَّ قَالَتْ لَا تَكْفِينِي زِيدَتْ، وَلَوْ قَالَ الرَّجُلُ لَا أُطِيقُهُ فَإِنَّهُ لَا يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ الْتَزَمَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ مَا الْتَزَمَ فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَتَعَرَّفَ الْقَاضِي عَلَى حَالِهِ بِالسُّؤَالِ مِنْ النَّاسِ فَإِذَا أَخْبَرُوهُ أَنَّهُ لَا يُطِيقُ ذَلِكَ نَقَصَ عَنْهُ وَأَوْجَبَ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَمْضِ شَيْءٌ مِنْ الشَّهْرِ حَتَّى صَالَحَهَا مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ عَنْ شَيْءٍ إنْ كَانَ شَيْئًا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَهُ كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى ثَلَاثِ مَخَاتِيمَ دَقِيقٍ بِعَيْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُوَ تَقْدِيرٌ لِلنَّفَقَةِ وَإِنْ كَانَ ثَوْبًا أَوْ نَحْوَهُ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ وَلَا يُشْبِهُ هَذَا الدُّيُونَ كَمَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَصَالَحَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَخَاتِيمَ دَقِيقٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَإِنَّ الصُّلْحَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ فِيهِ مُعَاوَضَةٌ لِوُجُوبِ الدَّيْنِ قَبْلَ الصُّلْحِ فَكَانَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَلَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ الدَّقِيقَ فِي الْمَجْلِسِ، وَأَمَّا هُنَا فَقَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ فَالنَّفَقَةُ لَا تَصِيرُ دَيْنًا فَلَمْ يَكُنْ مُعَاوَضَةً وَإِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ لِلنَّفَقَةِ حَتَّى لَوْ مَضَى الشَّهْرُ وَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ دَيْنًا، ثُمَّ صَالَحَهَا عَلَى دَقِيقٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا اهـ.

وَقَدْ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ رِضَاهُمَا وَصُلْحَهُمَا عَلَى شَيْءٍ صَالِحٍ لِلنَّفَقَةِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي النَّفَقَةَ مُبْطِلٌ لِتَقْدِيرِ الْقَاضِي حَتَّى لَا يَلْزَمَهُ إلَّا مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ تَمْوِينًا بَعْدَ فَرْضِ النَّفَقَةِ أَوْ الِاتِّفَاقِ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ التَّقْدِيرُ السَّابِقُ لِرِضَاهَا بِذَلِكَ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ فِي زَمَانِنَا وَفِي الذَّخِيرَةِ أَيْضًا، وَلَوْ صَالَحَهَا مِنْ نَفَقَةِ سَنَةٍ عَلَى ثَوْبٍ جَازَ فَإِنْ اسْتَحَقَّ الثَّوْبَ فَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرْضِ أَوْ الرِّضَا فَإِنَّهَا تَرْجِعُ بِمَا فَرَضَ لَهَا أَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَخْذَهَا الثَّوْبَ شِرَاءٌ، وَقَدْ انْفَسَخَ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَعَادَ دَيْنُهَا وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرْضِ وَالتَّرَاضِي رَجَعَتْ بِقِيمَةِ الثَّوْبِ، وَلَوْ صَالَحَهَا عَلَى وَصْفٍ وَسَطٍ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَجَلًا أَوْ أَجَّلَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ التَّرَاضِي جَازَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَحَدِهِمَا لَا يَجُوزُ وَصُلْحُ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى نَفَقَتِهَا جَائِزٌ كَالصُّلْحِ عَنْ مَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ حَقُّهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ إذَا صَالَحَ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ، وَقَدْ تَزَوَّجَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى، وَكَذَا صُلْحُ الْمُكَاتَبِ عَنْ نَفَقَةِ امْرَأَتِهِ كُلَّ شَهْرٍ جَائِزٌ بِالْأَوْلَى اهـ.

(قَوْلُهُ وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا تَسْقُطُ الْمَقْضِيَّةُ) أَيْ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ الْمَقْضِيُّ بِهَا؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ وَالدِّيَةِ وَالْجِزْيَةِ وَضَمَانِ الْعِتْقِ أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا اسْتَدَانَتْ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ اسْتِدَانَةً بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا لَوْ أَنْفَقَتْ مِنْ مَالِ نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ الِاسْتِدَانَةُ بِأَمْرِ الْقَاضِي جَزَمَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِعَدَمِ السُّقُوطِ وَصَحَّحَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَنَسَبَهُ إلَى الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةً عَامَّةً بِمَنْزِلَةِ اسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ اسْتَدَانَ الزَّوْجُ بِنَفْسِهِ لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ الدَّيْنُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَذَا هَذَا اهـ.

قَيَّدَ بِالْمَوْتِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ الْمَقْضِيِّ بِهَا بِالطَّلَاقِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَجَزَمَ فِي النُّقَايَةِ بِسُقُوطِهَا بِهِ كَالْمَوْتِ مُسَوِّيًا بَيْنَهُمَا، وَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَذَكَرَ فِي الْخَانِيَّةِ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: قَيَّدَ بِالْمَوْتِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ قَيَّدَ السُّقُوطَ بِالطَّلَاقِ شَيْخُنَا الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ سِرَاجِ الدِّينِ الْحَانُوتِيُّ بِمَا إذَا مَضَى شَهْرٌ يَعْنِي فَأَزْيَدَ وَهُوَ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ تَأَمَّلْ

ص: 205

وَالظَّهِيرِيَّةِ وَكَمَا تَسْقُطُ الْمَفْرُوضَةُ بِمَوْتِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ هَلْ تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَسْقُطُ، وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ وَجَدْت رِوَايَةً فِي السُّقُوطِ وَذَكَرَ الْبَقَّالِيُّ أَنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تَسْقُطُ وَلَا رِوَايَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ زَادَ فِي الْخَصَّافِ لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ سَبَبًا آخَرَ فَقَالَ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَمَوْتِهَا وَتَسْقُطُ إذَا طَلَّقَهَا أَوْ أَبَانَهَا اهـ.

هَذِهِ عِبَارَتُهَا بِاللَّفْظِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَهَلْ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ الْمَفْرُوضَةُ بِالطَّلَاقِ حُكِيَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ أَنَّهَا تَسْقُطُ وَفِي فَتَاوَى الْبَقَّالِيِّ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ اهـ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فِي هَذَا الْوَجْهِ يَسْقُطُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَاتِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي كَذَا حُكِيَ عَنْ الْقَاضِي الْإِمَامِ أَبِي عَلِيٍّ النَّسَفِيِّ وَكَانَ يَقُولُ وَجَدْنَا رِوَايَةَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ وَشَبَّهَهُ بِالذِّمِّيِّ إذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَرَاجُ رَأْسِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ يَسْقُطُ عَنْهُ مَا كَانَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ بِهِ أَنَّ الذِّمِّيَّ إنَّمَا كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُ خَرَاجُ النَّفْسِ لِإِصْرَارِهِ عَلَى الدَّيْنِ الْبَاطِلِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى بِالْإِسْلَامِ فَتَسْقُطُ الْجِزْيَةُ كَذَا هَا هُنَا الْمَرْأَةُ إنَّمَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِالْوَصْلَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَتِلْكَ الْوَصْلَةُ قَدْ انْقَطَعَتْ بِالطَّلَاقِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ النَّفَقَةُ مُسْتَدَانَةً بِأَمْرِ الْقَاضِي فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ كَاسْتِدَانَةِ الزَّوْجِ بِنَفْسِهِ اهـ.

مَا فِي الذَّخِيرَةِ وَفِي الْمُجْتَبَى، وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَاتِ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي اهـ.

فَقَدْ ظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَهُمْ سُقُوطُهَا بِالطَّلَاقِ كَالْمَوْتِ خُصُوصًا قَدْ أَفْتَى بِهِ الشَّيْخَانِ كَمَا فِي الذَّخِيرَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ؛ لِأَنَّهُ فِي عِبَارَةِ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ قَدْ عَطَفَ الْبَائِنَ عَلَى الطَّلَاقِ فَعُلِمَ أَنَّ الطَّلَاقَ رَجْعِيٌّ قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ يَنْبَغِي ضَعْفُ الْقَوْلِ بِسُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ، وَلَوْ بَائِنًا لِأُمُورٍ، الْأَوَّلُ أَنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُحْبَسُ فِي النَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِهَا، وَلَوْ كَانَتْ تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ لَأَمْكَنَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَتَسْقُطُ ثُمَّ يُرَاجِعَهَا، الثَّانِي أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ أَخْذِ الْكَفِيلِ بِالنَّفَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ بِقَدْرِ الْمُدَّةِ الَّتِي فَرَضَهَا الْقَاضِي مَعَ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِدَيْنٍ صَحِيحٍ قَالُوا وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَلَوْ كَانَ دَيْنُ النَّفَقَةِ يَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَلَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَلَا يَضُرُّنَا سُقُوطُهُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لِعَارِضٍ أَنَّ أَصْلَهُ صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ، الثَّالِثِ وَهُوَ أَقْوَاهَا مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْخُلْعِ فَإِنَّ الْكُلَّ قَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ بِخِلَافِ الْخُلْعِ عَلَى مَالٍ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ عِبَارَاتِهِمْ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ بِهِ مِنْ سَائِرِ الْحُقُوقِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهَا بِسَبَبِ النِّكَاحِ اهـ.

فَقَدْ أَفَادَ عَدَمَ سُقُوطِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ الْمَفْرُوضَتَيْنِ بِالطَّلَاقِ عَلَى مَالٍ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْمَهْرُ وَالنَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَهْرِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِهِ قَوْلُهُ سَائِرُ الْحُقُوقِ، وَقَالَ قَبْلَهُ، وَأَمَّا حُكْمُ الْخُلْعِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ بَدَلٍ بِأَنْ قَالَ خَالَعْتكِ وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ فَحُكْمُهُ أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ بِبَدَلٍ إلَى آخِرِهِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ أَمَّا إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ عَلَى مَالِ فَهَلْ تَقَعُ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّكَاحِ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ تَقَعُ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الطَّلَاقِ لَا يَدُلُّ عَلَى إسْقَاطِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ بِالنِّكَاحِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقَعُ الْبَرَاءَةُ عَنْهَا لِإِتْمَامِ الْمَقْصُودِ اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّلَاقَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى مَالٍ لَا يُسْقِطُ شَيْئًا مِنْ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ اتِّفَاقًا فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ خُصُوصًا أَنَّ مَفْهُومَ الْكُتُبِ حُجَّةٌ، وَقَدْ قَيَّدُوا سُقُوطَهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَظَاهِرُ مَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ أَنَّ الْخَصَّافَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: هَذِهِ عِبَارَتُهُمَا بِاللَّفْظِ) أَيْ عِبَارَةُ الْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ بِلَفْظِهَا مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ. (قَوْلُهُ: قَدْ أَفْتَى بِهِ الشَّيْخَانِ) أَيْ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ

ص: 206

زَادَ الطَّلَاقَ مِنْ عِنْدِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْمَذْهَبِ فَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ عَلَى كُلِّ مُفْتٍ وَقَاضٍ اعْتِمَادُ عَدَمِ السُّقُوطِ خُصُوصًا مَا تَضَمَّنَهُ الْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالنِّسَاءِ حَتَّى اُسْتُفْتِيتُ وَقْتَ تَأْلِيفِ هَذَا الْمَحَلِّ عَنْ امْرَأَةٍ لَهَا كِسْوَةٌ مَفْرُوضَةٌ تَجَمَّدَ لَهَا عَشْرُ سِنِينَ وَلَمْ يَدْفَعْ لَهَا الزَّوْجُ، ثُمَّ إنَّهَا رَفَعَتْهُ إلَى قَاضٍ وَحَكَمَ عَلَيْهِ بِالدَّفْعِ فَاسْتَمْهَلَهَا يَوْمًا، ثُمَّ ذَهَبَ إلَى قَاضٍ رُومِيٍّ وَخَلَعَهَا عِنْدَهُ بِغَيْرِ عِلْمِهَا فَحَكَمَ لَهُ الْقَاضِي الْحَنَفِيُّ بِسُقُوطِ الْكِسْوَةِ الْمَاضِيَةِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ فَإِنْ قُلْت لِمَ لَمْ تَعْتَمِدْ عَلَى تَصْحِيحِ الزَّيْلَعِيِّ بِقَوْلِهِ: وَكَذَا لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فِي الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَا قُلْت: لِأَنَّ كَلَامَهُ فِي النَّفَقَةِ الْمُسْتَدَانَةِ بِأَمْرِ الْقَاضِي وَكَلَامُنَا فِي الْمَفْرُوضَةِ فَقَطْ

(قَوْلُهُ وَلَا تُرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ) أَيْ لَا تُرَدُّ النَّفَقَةُ الْمُعَجَّلَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَنَحْوِهِ بِأَنْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ بَعْدَ فَرْضِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ هَالِكَةً فَإِنْ كَانَتْ هَالِكَةً فَلَا تَرُدُّ شَيْئًا اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَحْتَسِبُ لَهَا نَفَقَةَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِلزَّوْجِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْكِسْوَةُ؛ لِأَنَّهَا اسْتَعْجَلَتْ عِوَضًا عَمَّا تَسْتَحِقُّهُ بِالِاحْتِبَاسِ، وَقَدْ بَطَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بِالْمَوْتِ فَبَطَلَ الْعِوَضُ بِقَدْرِهِ كَرِزْقِ الْقَاضِي وَرِزْقِ الْمُقَاتَلَةِ وَلَهُمَا أَنَّهَا صِلَةٌ، وَقَدْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَجَعَلَهُ الْوَلْوَالِجِيُّ وَأَصْحَابُ الْفَتَاوَى قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَالُوا وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ وَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ الْمُعَجِّلُ الزَّوْجَ أَوْ أَبَاهُ لِمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا أَبُو الزَّوْجِ إذَا دَفَعَ نَفَقَةَ امْرَأَةِ ابْنِهِ مِائَةً، ثُمَّ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ لَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا دَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَعْطَاهَا الزَّوْجُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَكَذَا إذَا أَعْطَاهَا أَبُو الزَّوْجِ اهـ.

وَشَمِلَ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: فَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ إلَخْ) سَيُرَجِّحُ خِلَافَ هَذَا عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ وَلِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ وَأَيْضًا نَازَعَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيَّ فِي شَرْحِهِ فَبَحَثَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْأَمْرِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَا كُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ هَذَا فَيَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَعْلَمَهُ مُفْتٍ مَاجِنٌ وَأَيْضًا يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِهِ حَنَفِيٌّ عَالِمٌ بِالشُّرُوطِ فَقَدْ يَدَّعِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَنَحْوِهِ فَيَحْكُمُ لَهَا بِاللُّزُومِ فَيَضِيعُ طَلَاقُهُ وَفِي الْأَمْرِ الثَّانِي بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ اتِّفَاقًا يَكْفِينَا مُؤْنَةُ رَدِّهِ فَيُقَالُ لَهُ لَوْ كَانَ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ لَمَا صَحَّ التَّكْفِيلُ بِهِ فَنَقُولُ كَانَ الْقِيَاسُ ذَلِكَ لَكِنْ اسْتَحْسَنَ صِحَّةَ التَّكْفِيلِ شَفَقَةً عَلَيْهِنَّ وَامْتِثَالًا لِوَصِيَّةِ الشَّارِعِ بِهِنَّ فَذَا مِمَّا خَرَجَ عَنْ الْأَصْلِ ضَرُورَةً، وَجَعْلُهُ الْمَوْتَ مِنْ الْعَوَارِضِ دُونَ الطَّلَاقِ تَحَكُّمٌ بِلَا رَيْبٍ وَفِي الثَّالِثِ بِأَنَّ قَوْلَهُ إنَّهُ صَرَّحَ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنَّهُ يُبْطِلُ سَائِرَ الْحُقُوقِ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ سَائِرَ يَجِيءُ بِمَعْنَى جَمِيعِ فَتَكُونُ الْقَضِيَّةُ جُزْئِيَّةً قَصَدَ بِهَا سَلْبَ الْعُمُومِ لَا عُمُومَ السَّلْبِ وَيَكْفِي فِيهِ تَعَلُّقُهُ بِالْمَهْرِ فَقَطْ وَأَيْضًا يُمْكِنُ حَمْلُ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ عَلَى الْمَهْرِ وَنَفَقَةِ مَا دُونَ الشَّهْرِ وَنَفَقَةٍ اُسْتُدِينَ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ فَلَا يَبْعُدُ إطْلَاقُ جَمِيعِ الْحُقُوقِ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: ثُمَّ إنَّ نِسْبَتَهُ الْخَصَّافَ إلَى أَنَّهُ زَادَ الطَّلَاقَ مِنْ عِنْدِهِ إنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَسْتَنْبِطْهُ مِنْ كَلَامِ الْمَشَايِخِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأُصُولِهِمْ الْمُعْتَمَدَةِ فَهُوَ جَرَاءَةٌ عَظِيمَةٌ عَلَى هَذَا الْإِمَامِ الَّذِي قَالَ عَنْهُ الْإِمَامُ الْحَلْوَانِيُّ إنَّهُ كَبِيرٌ فِي الْعِلْمِ يَلِيقُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَاَلَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ أَنْ يُقَالَ يُتَأَمَّلُ عِنْدَ الْفَتْوَى كَمَا يَقَعُ.

وَجَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمَشَايِخِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَمْ يَظْهَرْ ضَعْفُهَا كَيْفَ وَقَدْ أَفْتَى الشَّيْخَانِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ والمرغيناني وَذُكِرَتْ فِي الْمُتُونِ كَالْوِقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ وَالْغُرَرِ وَغَيْرِهَا وَظَهَرَ ضَعْفُ الْوُجُوهِ الَّتِي قَوَّى بِهَا خِلَافَ تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَلِهَذَا تَوَقَّفْت كَثِيرًا فِي الْفَتْوَى بِالسُّقُوطِ مَعَ مَا ظَهَرَ لِي مِنْ الْأَبْحَاثِ الْمَذْكُورَةِ وَظَفِرْت بِنَقْلٍ صَرِيحٍ فِي تَصْحِيحِ عَدَمِ السُّقُوطِ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى وَفِي الْجَوَاهِرِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْتَى بِسُقُوطِهَا بِالطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ لِئَلَّا يَتَّخِذَهَا النَّاسُ وَسِيلَةً لِقَطْعِ حَقِّ النِّسَاءِ اهـ.

كَلَامُ الْمَقْدِسِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فَقَدْ رَجَعَ إلَى مَا قَالَهُ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله وَإِنْ قَالَ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَبَيَّنَ وَجْهَهُ الرَّمْلِيُّ بِبَعْضِ مَا مَرَّ، وَقَالَ إنَّ الْمُؤَلِّفَ قَدْ أَفْتَى فِي فَتَاوِيهِ بِالسُّقُوطِ اهـ.

وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ مَا فِي جَوَاهِرِ الْفَتَاوَى مِنْ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ السُّقُوطِ بِالرَّجْعِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْقُهُسْتَانِيُّ، وَقَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ وَاسْتَحْسَنَهُ مُحَشِّي الْأَشْبَاهِ وَبِالسُّقُوطِ مُطْلَقًا أَفْتَى شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ لَكِنْ صَحَّحَ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْوَهْبَانِيَّةِ مَا بَحَثَهُ فِي الْبَحْرِ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَرَدَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الشِّحْنَةِ فَتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى اهـ.

وَهُوَ يُشْعِرُ بِمَيْلِهِ إلَى مَا بَحَثَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَدْ عَلِمْت تَصْحِيحَهُ وَعِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ مُحْتَمِلَةٌ لَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِمَا صَحَّحَهُ هُوَ هَذَا كَمَا فَهِمَهُ الشُّرُنْبُلَالِيُّ فَاسْتَدَلَّ بِهَا وَلَيْسَتْ صَرِيحَةً فِيمَا حَمَلَهُ عَلَيْهَا الْمُؤَلِّفُ، بَلْ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا الْأَوَّلُ لِمَا يُعْلَمُ مِنْ مُرَاجَعَتِهَا.

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَ الْإِفْتَاءُ وَالتَّصْحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ أَنْ يَتَأَمَّلَ الْمُفْتِي عِنْدَ الْفَتْوَى بِأَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الرَّجُلِ هَلْ فَعَلَ ذَلِكَ تَخَلُّصًا مِنْ النَّفَقَةِ أَوْ لِسُوءِ أَخْلَاقِهَا مَثَلًا

ص: 207

الْمَوْتَ وَالطَّلَاقَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ، وَلَوْ عَجَّلَ لَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْمَوْتُ وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ سَوَاءٌ وَفِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ إذَا مَاتَ زَوْجُهَا اخْتَلَفُوا قِيلَ تُرَدُّ، وَقِيلَ لَا تُسْتَرَدُّ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ قَائِمَةٌ فِي مَوْتِهِ، كَذَا فِي الْأَقْضِيَةِ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا فَعَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ، بَلْ تُجْعَلُ مُسْتَقِلَّةً وَوَجْهُهُ أَنَّهَا صِلَةٌ لِزَوْجَتِهِ وَلَا رُجُوعَ فِيمَا يَهَبُهُ لِزَوْجَتِهِ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْهِبَةِ لَا لِوَقْتِ الرُّجُوعِ فَالزَّوْجِيَّةُ مِنْ الْمَوَانِعِ مِنْ الرُّجُوعِ كَالْمَوْتِ وَدَفْعُ الْأَبِ كَدَفْعِ ابْنِهِ فَلَا إشْكَالَ

(قَوْلُهُ وَيُبَاعُ الْقِنُّ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ) يَعْنِي إذَا كَانَ تَزَوُّجُهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ فِي الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَمُرَادُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْفِدَاءِ فَإِنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَهُ؛ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ فَلَوْ مَاتَ الْعَبْدُ سَقَطَتْ، وَكَذَا إذَا قُتِلَ فِي الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ صِلَةٌ، وَكَذَا الْمَهْرُ وَلَمْ أَرَهُمْ صَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اخْتَارَتْ اسْتِسْعَاءَهُ فِي النَّفَقَةِ دُونَ بَيْعِهِ أَنَّ لَهَا ذَلِكَ أَمْ لَا لَكِنْ صَرَّحُوا فِي الْمَأْذُونِ لَهُ لِلتِّجَارَةِ إذَا لَحِقَهُ دَيْنٌ وَاخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اسْتِسْعَاءَهُ دُونَ بَيْعِهِ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْمَأْذُونِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا اخْتَارَتْ اسْتِسْعَاءَهُ لِنَفَقَتِهَا كُلَّ يَوْمٍ أَنْ يَكُونَ لَهَا ذَلِكَ أَيْضًا قَيَّدْنَا بِإِذْنِ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى لَا يُبَاعُ فِي النَّفَقَةِ لِعَدَمِ وُجُوبِهَا لِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ؛ وَلِذَا لَمْ يُقَيِّدْ الْمُصَنِّفُ بِالْإِذْنِ؛ لِأَنَّ عِنْدَ عَدَمِهِ لَمْ تَكُنْ زَوْجَةً لِتَجِبَ لَهَا النَّفَقَةُ.

وَكَذَا الْمَهْرُ لَا يُبَاعُ فِيهِ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا لِعَدَمِ ظُهُورِهِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ وَقَيَّدَ بِالْقِنِّ وَهُوَ الْعَبْدُ الَّذِي لَا حُرِّيَّةَ فِيهِ بِوَجْهٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَفِي اللُّغَةِ الْعَبْدُ إذَا مُلِكَ هُوَ وَأَبَوَاهُ يَسْتَوِي فِيهِ الِاثْنَانِ وَالْجَمْعُ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ وَأُمَّ الْوَلَدِ لَا يُبَاعُونَ فِيهَا لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ السِّعَايَةُ إلَّا إذَا عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَقَيَّدَ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ نَفَقَةَ أَوْلَادِهِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ حُرَّةً أَوْ أَمَةً أَمَّا إذَا كَانَتْ حُرَّةً فَلِأَنَّ الْأَوْلَادَ أَحْرَارٌ تَبَعًا لَهَا وَالْحُرُّ لَا يَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْعَبْدِ إلَّا الزَّوْجَةُ وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ أَمَةً فَنَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى مَوْلَى الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَةُ الْأُمِّ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْأَوْلَادَ تَبَعٌ لِلْأُمِّ فِي الْمِلْكِ فَتَكُونُ نَفَقَةُ الْأَوْلَادِ عَلَى الْمَالِكِ لَا عَلَى الزَّوْجِ، كَذَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ زَادَ فِي الْكَافِي لِلْحَاكِمِ وَشَرْحِهِ لِلسَّرَخْسِيِّ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالشَّامِلِ، وَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا تَجِبُ نَفَقَةُ وَلَدِهِ سَوَاءٌ كَانَتْ امْرَأَتُهُ حُرَّةً أَوْ قِنَّةً لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِذَا كَانَتْ امْرَأَةُ الْمُكَاتَبِ مُكَاتَبَةً وَهُمَا لِمَوْلًى وَاحِدٍ فَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْأُمِّ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي كِتَابَتِهَا وَلِهَذَا كَانَ كَسْبُ الْوَلَدِ لَهَا وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهَا وَمِيرَاثُهُ لَهَا فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ تَكُونُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبُ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي كِتَابَتِهِ وَلِهَذَا يَكُونُ كَسْبُهُ لَهُ، وَكَذَا أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لَهُ؛ وَلِأَنَّهُ جُزْؤُهُ فَإِذَا اتَّبَعَهُ فِي الْعَقْدِ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ اهـ.

وَلَمْ أَرَ مَتَى يُبَاعُ الْقِنُّ فِي النَّفَقَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَرَّرَ لَهَا نَفَقَةً كُلَّ شَهْرٍ كَذَا وَطَالَبَتْ بِالنَّفَقَةِ هَلْ يُبَاعُ لِأَجْلٍ النَّفَقَةِ الْيَسِيرَةِ أَوْ تَصِيرُ الْمَرْأَةُ حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ قَدْرُ قِيمَتِهِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْمَوْلَى وَيَقْتَضِي أَنْ يُبَاعَ فِي نَفَقَةِ يَوْمٍ إذَا طَلَبَتْهَا وَلَمْ يَفْدِهِ السَّيِّدُ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَفِيهِ إضْرَارٌ بِهَا خُصُوصًا إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُرَادِ وَلَفْظُهَا فَإِذَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَعْجِزُ عَنْ الْأَدَاءِ يُبَاعُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْمَوْلَى اهـ.

وَإِذَا فَرَضَ الْقَاضِي لَهَا نَفَقَةَ شَهْرٍ مَثَلًا فَطَالَبَتْهُ وَعَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ بَاعَهُ الْقَاضِي إنْ لَمْ يَفْدِهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَأَطْلَقَ فِي بَيْعِهِ لَهَا فَشَمِلَ سَيِّدَهُ الْمُزَوِّجَ لَهُ وَغَيْرَهُ فَإِذَا بِيعَ فِيهَا فَاشْتَرَاهُ مَنْ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، ثُمَّ عَلِمَ فَرَضِيَ ظَهَرَ السَّبَبُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا فَإِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ مَرَّةً أُخْرَى يُبَاعُ ثَانِيًا، وَكَذَا حَالُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي الثَّالِثِ وَهَلُمَّ

ــ

[منحة الخالق]

(قَوْلُهُ: وَفِي نَفَقَةِ الْمُطَلَّقَةِ إلَخْ) قَالَ الرَّمْلِيُّ اُسْتُفِيدَ مِنْهُ وَمِمَّا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ عَجَّلَ الزَّوْجُ لَهَا نَفَقَةَ مُدَّةٍ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا وَلَا فِي تَرِكَتِهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَرْفَعُ عَنْهَا بِحِصَّتِهِ مَا مَضَى وَيَجِبُ رَدُّ الْبَاقِي إنْ كَانَ قَائِمًا وَقِيمَتِهِ إنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا إلَخْ جَوَابُ حَادِثَةِ الْفَتْوَى طَلَّقَهَا بَائِنًا وَعَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فَأَسْقَطَتْ سِقْطًا بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَانْقَضَتْ بِذَلِكَ عِدَّتُهَا هَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِمَا زَادَ عَلَى حِصَّةِ الْعَشَرَةِ أَمْ لَا الْجَوَابُ لَا عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ. مُلَخَّصًا

(قَوْلُهُ: فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هُنَا كَذَلِكَ) أَقَرَّهُ عَلَيْهِ الْمَقْدِسِيَّ وَصَاحِبُ النَّهْرِ. (قَوْلُهُ: لِعَدَمِ صِحَّةِ النِّكَاحِ) أَرَادَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ عَدَمَ النَّفَاذِ وَإِلَّا فَهُوَ صَحِيحٌ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى إذْنِ الْمَوْلَى. (قَوْلُهُ: وَأُمُّ الْوَلَدِ) مِثْلُهُ فِي النَّهْرِ وَالصَّوَابُ وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ

ص: 208